الباحث القرآني
ثم قال: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾ [الزمر ٧] ﴿إِنْ تَكْفُرُوا﴾ تكفروا بمن؟
* طالب: بالله.
* الشيخ: إن تكفروا بالله وبما يجب الايمان به فإنكم لن تضروا الله؛ لأن الله غني عنكم، ولم يأمر الله سبحانه وتعالى العباد بعبادته والإخلاص له لحاجته إليهم، ولكن لمنفعتهم هم؛ لأنهم يُثابون على هذا أعظم الثواب، وينجون به من العقاب، أما الله عز وجل فإنه لا يضره إذا كفر كل الخلق ﴿إِنْ تَكْفُرُوا﴾ ولو كل الخلق ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾، وقد جاء في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ؛ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) من حديث أبي ذر. ]]. لو كان الناس كلهم، بل البشر وغير البشر، لو كانوا على أفجر قلب رجل لم ينقص ذلك من ملك الله شيئًا، ولن يضروا الله شيئًا؛ ولهذا قال: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ [الزمر ٧] ولا يرضى لهم الكفر أن يكفروا بالله.
وتأمل قوله: ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ﴾ يعني أن الكفر أمر لا يليق بالعباد فلا يرضى لهم أن يقوموا به؛ وذلك لأن الله خلقهم فكيف يرى الإنسان العاقل أن يصرف العبادة لغير الخالق؛ ولهذا قال: ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ﴾ ولم يقل: من عباده، أو: عن عباده؛ لأن اللام أبلغ في كون هذا الشيء لا يليق بهم.
وقوله: ﴿لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ العبودية تنقسم إلى قسمين: عامة وخاصة:
فمن الأول -أي من العام-: قوله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم ٩٣] ﴿إِنْ كُلُّ﴾ (إن) هنا بمعنى؟ ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ (إن)؟
* طالب: بمعنى (ما).
* الشيخ: بمعنى (ما)، وعلامة (إن) التي بمعنى (ما) أن يأتي بعدها (إلا) ﴿إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾ [فاطر ٢٣] يعني ما أنت إلا نذير.
﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ هذه من العبودية العامة، حتى الشياطين والكفار كلهم عباد الله بالمعنى العام.
المعنى الخاص، العبادة الخاصة، القسم الخاص في العبادة: عبادة المؤمنين، وهي العبادة الشرعية؛ أي: التعبد لله تعالى شرعًا، وهذه خاصة بمن أطاعه فقط؛ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان ٦٣]، وقوله في الرسل: إنهم عباد الله: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ [ص ٤٥] هذه عبودية خاصة.
قوله: ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ﴾ هنا هل هي من العامة أو من الخاصة؟
* طلبة: من العامة.
* الشيخ: من العامة؛ يعني لا يرضى الكفر لأي واحد من عباد الله.
﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ قال: (وإن أراده من بعضهم) هذا كلام جيد؛ يعني هو لا يرضاه لكن يريده، يريده من بعضهم، يريده بالإرادة الكونية لا الإرادة الشرعية، وهذا رد على قول مبتدَع يقولون: إن الله لا يريد إلا ما يرضى، وأما ما لا يرضاه فلا يريده، وعلى هذا القول الباطل تكون المعاصي واقعة بغير إرادة الله، ولا شك أن هذا قول يبطله نصوص كثيرة مثل قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام ١٢٥] فالله عز وجل مريد لهذا وهذا، لكن بالإرادة الكونية؛ لأن الكل ملكه سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال: (وإن أراده من بعضهم) يعني فإرادته من بعضهم لا يقتضي أن يكون راضيًا به؛ إذ قد يريد ما لا يرضى.
فإن قال قائل: كيف يريد ما لا يرضى؟ وهل أحد يُكرِهه؟
قلنا: لا، لا يُكرِهه أحد لكن يريد ما لا يرضى لحكمة بالغة، لو كان الله تعالى لا يريد إلا ما يرضى لأصبح الناس كلهم مؤمنين، ولم يكن هناك ميزة للمؤمن من الكافر، ولم يقم عَلَم الجهاد، ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا مُلِئت النار كما وعدها الله عز وجل إلى غير ذلك من المصالح العظيمة التي تنتج عن وجود الكفر في عباد الله.
قال: ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا﴾ (الله فتؤمنوا) ﴿يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر ٧].
﴿إِنْ تَشْكُرُوا﴾ مقابل ﴿إِنْ تَكْفُرُوا﴾ [الزمر ٧]؛ لأن الإنسان في نعم الله بين كافر وشاكر.
﴿إِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ وهو لا يرضى لعباده الكفر، وتأمل كيف قال في الكفر: إن الله ﴿غَنِيٌّ﴾ ﴿وَلَا يَرْضَى﴾، وهنا قال: ﴿إِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ فبدأ في جواب الشرط في ﴿إِنْ تَكْفُرُوا﴾ ببيان غناه عن الخلق عز وجل.
أما الشكر فإنه هو الذي يُثِيب عليه؛ ولهذا قال: ﴿إِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾، فإذا رضيه فسوف يثيبك قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [البينة ٧-٨]؛ ولهذا أثابهم الجنات، أسال الله أن يجعلني وإياكم منهم.
قال: ﴿يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ في هذا الفعل إشكال من الناحية النحوية، فإنه جواب الشرط، ومع ذلك فهو مفتوح، أجب عن هذا الإشكال: كيف كان مفتوحًا وهو جواب الشرط؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، ﴿إِنْ تَشْكُرُوا﴾ هذا فعل الشرط ﴿يَرْضَهُ﴾ جواب الشرط، فلماذا كان مفتوحًا وهو جواب الشرط؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، هو الفعل المضارع ما يكون مرفوعًا ولَّا مجزومًا؟
* طالب: إذا جاء فعل مضارع والفعل الأول فعل ماضٍ يجوز..
* الشيخ: الأول ليس فعلًا ماضيًا يا شيخ.
* طالب: ﴿تَشْكُرُوا﴾.
* الشيخ: ﴿تَشْكُرُوا﴾ فعل ماضٍ؟ فعل الماضي (شكرتم)، مع العلم بأن التفريع اللي أنت فرعت عليه هذا خطأ أيضًا هو ليس فعلًا ماضيًا، والتفريع خطأ.
* الطالب: (...).
* الشيخ: أبطلت عمله من أول الدنيا إلى اليوم لا تجزم إلا فعلًا واحدًا؟ أو على رأي من يقول: الدِّين صالح لكل زمان ومكان، ثم يلوي أعناق النصوص علشان توافق هواه وزمانه؟
* طالب: مجزوم بحذف حرف الياء.
* الشيخ: الياء، وين الياء؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: آخرها ياء، يرضي يعني؟ يرضيه لكم؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: هل حذف الياء ولا غير الياء؟ أنت الآن أجبت بالنصف.
* الطالب: هو ألف مكسورة.
* الشيخ: إي، الذي حُذف الألف، إذن هو مجزوم بحذف الألف، صحيح يا جماعة؟
* طلبة: صحيح.
* الشيخ: إي نعم، إذن (يرضى) هذه جواب الشرط، وهو مجزوم بحذف الألف، وأصلها (يرضى) ولكن حذفت الألف للجزم.
قال: ﴿يَرْضَهُ﴾ (بسكون الهاء) أقرأ ﴿يَرْضَهْ لَكُمْ﴾ ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهْ لَكُمْ﴾ وهذا خفيف جدًّا تسكينها يعني تقرؤه بخفة.
الثاني يقول: (وضمها) ﴿يَرْضَهُ﴾ في حال الضم (مع إشباع ودونه).
(إشباع): ﴿يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ تشبعها حتى يخرج منها واو، و(دونه) تحذف الواو.
إذن نقرأ: ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهْ لَكُمْ﴾ ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ كل هذا جائز، قراءة سبعية متواترة.
وكما مر علينا -ونعيده من أجل الإخوان الجدد- أنه ينبغي للإنسان أن يقرأ القرآن بجميع القراءات؛ لأن الكل حق، فلا ينبغي أن يهجر حقًّا من الحقوق ولكن بشرط أن يكون متيقنًا القراءة فلا يكفي غلبة الظن، لا بد يتيقن وإلا قرأ في المتيقَّن عنده.
شرط آخر: ألا يكون عند العامة؛ لأن العامة إذا قرأت عندهم قراءة تخالف مصحفهم صار في ذلك تشويشًا عليهم بالنسبة للقرآن وسوء ظن بالنسبة إليك، ورحم الله امرأ كف الريبة عن نفسه.
أما في مقام التعليم، أو في القراءة بينك وبين نفسك فإنه ينبغي إذا كنت عالِمًا بالقراءة أن تقرأ بها أحيانًا، بهذا أحيانًا، وبهذا أحيانًا.
فمثلًا: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٣، ٤] فيها قراءة: ﴿مَلِكِ﴾ ، وقراءة ﴿مَالِكِ﴾ اقرأ بها، مرة بهذا ومرة بهذا.
يقول: ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ ﴿يَرْضَهُ﴾ قال المؤلف: أي الشكر، فما هو الشكر؟
الشكر حدَّهُ بعضهم بحد جامع مانع فقال: الشكر هو القيام بطاعة المنعِم اعترافًا له بالجميل، ويكون بالقلب واللسان والجوارح وعلى هذا قول الشاعر:
؎أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ∗∗∗ يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَالْمُحَجَّبَا
نعم، إذن الشكر يا أخ؟
* طالب: القيام بطاعة الله.
* الشيخ: بطاعة المنعِم.
* الطالب: بطاعة الْمُنعِم على وجه..
* الشيخ: اعترافًا له بالجميل، طيب أين محله؟
* الطالب: محله القلب واللسان والجوارح.
* الشيخ: القلب أن يؤمن الإنسان بقلبه بأن هذه النعمة، أو هذه النِّعم من الله عز وجل تفضُّلًا منه، ولا يقول: هذا لي أوتيته على عِلم عندي بل يقول: هذا من فضل ربي.
الثاني: باللسان أن يتعبد لله تعالى بكل قول شرعه، ومن ذلك: أن يتحدث بنعمة الله، فإن هذا من الشُّكر؛ لأنه قول مشروع، قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى ١١].
وأما الجوارح فظاهر أن تُظهِر نعمة الله عليك بالجوارح، فمثلًا إذا أعطاك الله قوة وشجاعة تُظهِر ذلك بالقوة في ذات الله من جهاد الكفار والمنافقين وغيرهم.
المهم أن تظهر عليك أثر النعمة في أفعالك فتقوم بعبادة المنعِم عز وجل.
قال: ﴿إِنْ تَشْكُرُوا﴾ (الله فتؤمنوا) يعني فتؤمنوا الإيمان المستلزم للعمل الصالح لا مجرد الإيمان بالله عز وجل؛ الإيمان بالله لا يكون إيمانًا حقيقيًّا حتى يستلزم القبول والإذعان.
كثير من العامة يظنون أن الإيمان بالله أن تؤمن بوجود الله فقط، هذا خطأ، بل الإيمان بالله هو الإيمان المستلزِم للقبول والإذعان؛ القبول: لما أمر به وانشراح الصدر به، والإذعان: الانقياد التام، قال الله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء ٦٥].
على رأي من يقول: إن الإيمان هو الإيمان بوجود الله، يظنون أن اليهود والنصارى مؤمنون، وقد يصرحون بهذا، يقول: النصراني مؤمن، يؤمن بالله، وإذا مات له شخص قال: رحمه الله، واليهود كذلك.
نقول: هذا ليس هو الإيمان بالله؛ الإيمان بالله لا يصح، ما هو لا يتم فقط، لا يصح إلا بالقبول والإذعان، القبول لما جاء به الوحي، والإذعان الانقياد التام.
يقول: ﴿يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الزمر ٧].
قال المؤلف التفسير: (﴿وَلَا تَزِرُ﴾ نفس ﴿وَازِرَةٌ وِزْرَ﴾ نفس ﴿أُخْرَى﴾ أي: لا تحمله)
﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾ (لا) نافية (وازرة) فاعل، وهو نكرة في سياق النفي، فيعم كل وازرة، ولكن ما معنى الوازرة؟
الوازرة التي تتحمل الإثم وتقوم به، هذه الوازرة، وعلى هذا فمن دون البلوغ ليس نفسًا وازرة لماذا؟ لأنها لا تتحمل الإثم، ومن كان بالغًا ولم يفعل الإثم فليس بوازر، إذن فالوازرة يعني القابلة للوِزْر وهي النفس المكلفة.
وإذا أردنا أن نقول: وازرة بالفعل نقول: هي الفاعلة للإثم.
فـ﴿وَازِرَةٌ﴾ هنا تشمل الوازرة حكمًا، وقد تشمل الوازرة فعلًا أيضًا، الوازرة حكمًا وحقيقة.
الوازرة حكمًا هي القابلة للإثم؛ يعني التي يمكن أن تتحمل الإثم وإن لم تعمل الوزر.
الوازرة حقيقة: هي التي فَعَلت الإثم، مثال ذلك: رجل بالِغ عاقل لكنه صالح، نقول: هذا وازِر حُكمًا، ورجل آخر زَنَى أو سَرَق، نقول: هذا وازِر فِعْلًا إذا كان بالغًا عاقلًا.
إذن وهذا هو السر في أن الله قال: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾ ولم يقل: ولا تزر نفس وِزْر أخرى، بل قال: ﴿لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾؛ لأن من ليست وازرة لا تزر شيئًا لا عن نفسها ولا عن غيرها.
﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾ طيب ﴿وِزْرَ أُخْرَى﴾ أي إثم نفس أخرى.
ومعنى (لا تزر) أي: لا يلحقها وزرُه، أي: الإثم، ولهذا فسره المؤلف بقوله: (أي: لا تحمله) لا تحمل وازرةٌ وِزرَ أخرى.
ثم قال: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ﴾ [الزمر ٧] ﴿ثُمَّ﴾ يعني: بعد الشكر من الشاكر والكفر من الكافر يكون إلى الله وحده المرجع.
﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ﴾، وفي هذه الجملة حصر طريقه تقديم ما حقه التأخير؛ لأن قوله: ﴿إِلَى رَبِّكُمْ﴾ خبر مقدم، و﴿مَرْجِعُكُمْ﴾ مبتدأ مؤخر.
وقوله: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ﴾ ولم يقل إلى الله؛ لأن المقام هنا مقام ربوبية؛ لأن الرب هو المالك المتصرِّف الخالق فكان المناسب أن يقول: إلى ربكم، ولو قال: إلى الله مرجعكم لصح؛ لأن الله تعالى أيضًا هو المستحق للعبادة، ولا يستحق العبادة إلا من كان ربًّا.
وقوله: ﴿إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ﴾ متى؟ يوم القيامة.
ولكن اعلموا أن كل من مات فقد قامت قيامته؛ لأنه انتقل من دار العمل إلى دار الجزاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في العقيدة الواسطية: ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي ﷺ مما يكون بعد الموت، مع أن الذي يكون بعد الموت قبل قيام الساعة، لكن من مات فقد قامت قيامته.
﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزمر ٧]
﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ يخبركم.
لكن قد قيل: إن النبأ لا يكون إلا في الأمر الهام، بخلاف الخبر فيكون حتى في الأمور التوافه.
وقال بعض العلماء: هما بمعنى واحد.
وقوله: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ﴿بِمَا﴾ (ما) اسم موصول بمعنى الذي، وعائدها محذوف وهو المفعول به في قوله: ﴿تَعْمَلُونَ﴾ أي بما كنتم تعملونه.
و(ما) الموصولية بل وجميع الأسماء الموصولة تفيد العموم.
والدليل على أن الأسماء الموصولة تفيد العموم قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [الزمر ٣٣] فأعاد الإشارة إليه جمعًا مع أنه مفرد، وهذا يدل على أنه يفيد العموم.
إذن كل ما نعمل من خير وشر وصغير وكبير وسابق ولاحق فإن الله تعالى ينبئنا به؛ أي يخبرنا به، وتأمل اللطف والإحسان حيث قال: ﴿يُنَبِّئُكُمْ﴾ ولم يقل: يؤاخذكم؛ لأنه ثبت في الصحيح أن الله عز وجل يخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه ويقول: «عَمِلْتُ كَذَا فِي يَوْمِ كَذَا، وَعَمِلْتُ كَذَا فِي يَوْمِ كَذَا». حتى يعترف، ثم يقول الله له: «قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٤١)، ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢) من حديث ابن عمر.]]. شوفوا يا إخوان إنباء بدون مؤاخذة؛ ولهذا قال هنا: ﴿يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، ثم المؤاخذة إليه، الإنباء وعد عليه والمؤاخذة إليه ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء ٤٨]؛ ولهذا كان الكفار لا ينبئون بعملهم كما ينبأ المؤمن؛ يعني أن الله يخلو به، ويستر عليه، ويقرره بذنوبه معه وحده بل إنهم -والعياذ بالله- ينادى على رؤوس الأشهاد ﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود ١٨] والله أعلم.
* طالب: أحسن الله إليك، شكر النعم باللسان أن يتحدث بها المرء يعني مثلًا..
* الشيخ: لا، من جملتها أن يتحدث.
* الطالب: كيف يتحدث بها أمام الناس؟ هل يفتخر بها ولَّا؟
* الشيخ: لا، يخبرهم، مثل أن يقول: كنت فقيرًا فأغناني الله، الحمد لله أنا عندي ولد، عندي زوجة، عندي بيت، عندي سيارة، الحمد لله أنا أطلب العلم، أنا حصَّلت كثيرًا من العلم وهكذا.
* الطالب: هل يكون هذا من شكر نعمة الله؟
* الشيخ: هذا من الشكر بشرط ألا يكون الحامل على ذلك الفخر أو الرياء؛ لأن بعض الناس يتحدث بالنِّعم من باب الثناء على الله أن الله أعطاه، ومنَّ عليه، وتفضل عليه.
* طالب: (...).
* الشيخ: يصلح، لكن الموصول أحسن، يصلح.
* طالب: ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [الزمر ٦] من العلماء يقول: إنه لا يجوز نكاح الإنس والجن وبالعكس؟
* الشيخ: لا، هذه الآية ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ تعود على حواء، ما هي على الجنس، هذه لو كانت على الجنس.
* طالب: الغلام إذا بلغ عشر سنين يؤمر بالصلاة..
* الشيخ: ومسألة زواج الإنس بالجن هذه مسألة تعود عاد إلى المأذون الشرعي في الجن إن زوجك توكل على الله.
* طالب: الغلام إذا بلغ عشر سنين فيكلف بالصلاة، هل يكون وازرًا؟
* الشيخ: لا ما يكلف.
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم، يضرب عليها لعشر لكن من باب التأديب على التمرن على الطاعة وإلا لو تركها فإنه لا يأثم.
* طالب: إذا قرأ الإنسان مثلًا في الركعة الأولى قرأ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة ٤]، وفي الركعة الثانية قرأ ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ هل يعتبر صحيحًا؟
* الشيخ: لا، لا بأس ما فيه مانع، لا حرج (...).
تبارك وتعالى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ [الزمر ٧]
يقول عز وجل: ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الزمر ٧].
قوله: ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ أي الله عز وجل ﴿عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ وهي القلوب ودليل هذا: قوله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج ٤٦] فالمراد بذات الصدور أي صاحبة الصدور القلوب.
وإنما ذكر الله هذه الجملة بعد قوله: ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ للإشارة إلى أن الحساب يكون على ما في القلب كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ [الطارق ٨، ٩]، وقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ﴾ [العاديات ٩-١٠] فالمدار يوم القيامة على ما في القلب، أما في الدنيا فالمدار على الأعمال الظاهرة؛ ولهذا كان النبي ﷺ يعامل المنافقين معاملة المسلمين؛ لأنهم كانوا يتظاهرون بالإسلام، ونحن نحاسِب الناس في الدنيا على ما يظهر من أعمالهم ونكل سرائرهم إلى الله، أما في الآخرة فإن الحساب على ما في القلب، ولهذا يجب على الإنسان أن يعتني بصلاح قلبه قبل صلاح جسمه؛ لأن صلاح الجسم واجهة أمام الخلق، لكن صلاح القلب هو الذي يكون بين الإنسان وبين ربه عز وجل.
* في هذه الآية من الفوائد: بيان أن الله عز وجل إنما أمر العباد بعبادته لحاجتهم لذلك ومنفعتهم به وليس لحاجته إلى ذلك؛ لقوله: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾ [الزمر ٧].
* ومن فوائدها: إثبات اسم الغني لله عز وجل، وإثبات ما دل عليه من صفة؛ لأن كل اسم من أسماء الله متضمن لصفة، وليست كل صفة متضمنة لاسم، ولهذا نقول: إن صفات الله أوسع من أسماء الله بمعنى أنها أكثر، ووجه ذلك ظاهر: إذا قلنا: كل اسم متضمن لصفة تساوت الأسماء والصفات على أن الاسم الواحد يمكن أن يتضمن عدة صفات لكن لنقل على أدنى تقدير: إنه لم يتضمن إلا صفة واحدة، فإذا قلنا: كل اسم متضمن لصفة تساوت الأسماء والصفات، هناك صفات لا يمكن أن يُشتق منها أسماء، كثيرة جدًّا، وبهذا تبين أن الصفات أوسع وأكثر من الأسماء.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الله عز وجل لا يرضى الكفر لعباده؛ لأنه غير لائق بهم؛ إذ هم عباد الله؛ فاللائق بهم أن يقوموا بطاعته وعبادته، ولا يليق بهم أن يكفروا به.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الرضى لله؛ لقوله: ﴿وَلَا يَرْضَى﴾. وقوله فيما بعدها: ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ والرضا صفة من صفات الله الفعلية؛ لأنه متعلق بمشيئته، وكل وصف يتعلق بمشيئة الله فإنه يسمى عند أهل السنة صفة فعلية، وكل وصف مُعلَّق بسبب فإنه من الصفات الفعلية؛ لأنه يوجد عند وجود السبب.
والحق أن الرضا صفة حقيقية لله عز وجل كالفرح والعجب والضحك وما أشبه ذلك، وزعم أهل التعطيل أن المراد بالرضا الثواب، ففسروه بشيء بائن عن الله منفصل عنه؛ مخافة أن تتعلق به الأفعال الاختيارية، وهذا من جهلهم؛ وذلك لأننا إذا فسرناه بالثواب فالثواب لا يقع إلا بإرادة، والإرادة لا تقوم إلا حين يوجد سبب الرضا، وحينئذٍ تكون الإرادة حادثة، فهم فروا من شيء ووقعوا في مثله مع تحريفهم للنصوص بصرفها عن ظاهرها، وتعطيلهم للصفة التي دلَّ عليها النص، فهذه ثلاثة محاذير، شوف كيف الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، يقعون في ثلاثة أمور، ثلاثة محاذير:
المحذور الأول: أنهم وقعوا في مثل ما فروا منه، فإن كان ما فروا منه محذورًا فما وقعوا فيه محذور.
الثاني: أنهم حرفوا النص عن ظاهره، صرفوه إلى معنى آخر.
الثالث: أنهم عطَّلوا الله عن الصفة التي دل عليها النص الذي حرفوه؛ فهم مثلًا عطلوا الله عن صفة الرضا، وحرَّفوا النص عن ظاهره، ووقعوا فيما فروا منه، وهكذا في جميع الصفات التي حرفوها عن ظاهرها.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا تلازم بين الرضا والإرادة، وجهه أنه قال: ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ مع أنه أخبر في آيات كثيرة أن الكفر واقع بإرادته، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا﴾ [الأنعام ١٢٥].
فإذا جمعنا بين هذا وهذا عرفنا بأنه لا تلازم بين الرضا والإرادة، فقد يريد ما لا يرضاه، وقد يرضى ما لا يريده، قد لا يرضى ما لا يريده، فهو مثلًا يرضى من كل واحد من الناس أن يشكر لله، وهل أراد ذلك؟ لا.
يقول: ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن الكفر غير مرضي لله؛ لقوله: ﴿لِعِبَادِهِ﴾ والعبد يجب أن يكون مؤمنًا بسيده مطيعًا له، فكيف يكون عبدًا، ثم يكفر به؟!
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة الشكر، وأن الشاكر ينال رضا ربه؛ لقوله: ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر ٧] وقد جاء في الحديث: «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ يَأْكُلُ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا وَيَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا»[[أخرجه مسلم (٢٧٣٤ / ٨٩) من حديث أنس بن مالك.]] «يَأْكُلُ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا» الأكلة هل المراد الوجبة من الطعام أو المراد كل لقمة؟
* طالب: الوجبة.
* الشيخ: فيه من يرى أن المراد الوجبة، وفيه من يرى أن المراد اللقمة، وكان الإمام أحمد-رحمه الله يأكل كلما أكل لقمة حمد الله، فقيل له في ذلك فقال: أكل وحمد خير من أكل وصمت؛ لأن لفظ الحديث: «يَأْكُلُ الْأَكْلَةَ». » محتمل لأن يكون المراد به اللقمة، أو الوجبة من الطعام، وكذلك يقال في الشرب، والإنسان ينبغي له في الشرب أن يشرب بثلاثة أنفاس كل نفس يحمد الله عليه إذا قلنا المراد بالشربة النفس.
قال: ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر ٧].
* فمن فوائدها: فضيلة الشكر.
* ومن فوائدها: أن الله يرضى الشكر لعباده، وإذا رضي الله عن العبد كان ذلك سببًا في إرضاء العبد، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [المائدة ١١٩] فيرضى الله عنهم بعبادتهم إياه، ويرضون عنه بما أثابهم، نسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم، أن الإنسان يرضى عن ربه ويرضى الله عنه.
﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه لا تحمل نفس إثم نفس أخرى حتى وإن ضمنت النفس الأخرى ذلك الذنب، وإن ضمن ذلك الذنب يعني مثلًا لو قال شخص لآخر: افعل كذا من الذنوب والإثم عليَّ، هل يصح؟ يقول: أنا ضامن، أرأيتم لو ضمن دَيْنًا على شخص يصح؟ يصح، وهو يُحَمِّل نفسه بهذا الضمان يُحمِّل نفسه دَينًا، فإذا كان كذلك لماذا لا يصح أن يضمن إثم مَنْ فعل الإثم؟ نقول: لقول الله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ [العنكبوت ١٢] نحن نشيل العذاب عنكم، قال الله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [العنكبوت ١٢]، بل إنه يوم القيامة يكون الأمر أشد ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ [البقرة ١٦٦] يتبرؤون منهم، ويتحاجون في النار، كل طائفة تتبرأ من الأخرى، فلا يمكن لأحد أن يحمل إثم أحد أبدًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة..
بقي علينا نسأل قبل أن نأخذ الفائدة هذه.
إذا قال قائل: كيف يُجمع بين هذه الآية الكريمة وبين قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه مسلم (١٠١٧/ ٦٩) من حديث جرير بن عبد الله.]]. وإخباره أنه: «مَا قُتِلَتْ نَفْسٌ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ -الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ- كِفْلٌ مِنْ ذَلِكَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٣٢١)، ومسلم (١٦٧٧ / ٢٧) من حديث ابن مسعود.]]؟
فالجواب: أن من سَنَّ السنة السيئة فإن آثام من استن به عليه؛ لأن هذا من فِعْلِه هو السبب، فهو بالحقيقة لم يحمل إثم غيره إلا لأنه هو السبب الذي جر الناس إلى هذا الاثم.
قد يكون الناس مستوحشين من هذا الإثم، يخشون منه ويهابونه، فإذا فعله شخص هان عليهم الأمر، واقتدوا به لا سيما إذا كان الشخص ذا كلمة مطاعَة كالأمير والعالم، وما أشبه ذلك.
إذن لا تعارُض بين الآية والحديث، وجهه أن من سَنَّ السُّنة السيئة فإنه عمل العمل الذي به الإثم، والسبب اقتداء الناس به.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن الإثم إنما يتحمله من كان قابلًا له؛ لقوله: ﴿وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الزمر ٧] والوازِرة هي التي تكون أهلًا لتحمل الوِزْر، والذي يكون أهلًا لتحمُّل الوِزر هو من جمع وصفين: البلوغ والعقل؛ لقوله في الحديث الصحيح: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ»[[أخرجه أبو داود (٤٣٩٨)، والنسائي في المجتبى (٣٤٣٢)، وابن ماجه (٢٠٤١) من حديث عائشة.]]. صححه كثير من أهل العلم.
فإن قال قائل: أليس الأب الراعي على أولاده إذا أهملوا شيئًا كان عليه إثم من إهمالهم؟
فالجواب: بلى، ولكن إهماله إياهم وِزْر وإثم؛ لقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم ٦]، ولأن النبي ﷺ قال: «الرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٥٥٤)، ومسلم (١٨٢٩ / ٢٠) من حديث ابن عمر.]].
ثم قال عز وجل: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ﴾ إلى آخره [الزمر: ٧].
* من فوائد هذه الجملة: أن المرجع إلى الله يوم القيامة.
* ويتفرع على هذه الفائدة: وجوب الاستعداد لهذا اللقاء وهذا المرجع، والاستعداد له يكون بترْك المعاصي وفِعل الطاعات، هذا الاستعداد، ما دام المرجع إلى الله لا يمكن أن ترجع إلى غيره مهما كان، مرجعك إلى الله عز وجل فهو منه المبتدأ وإليه الْمُنتهى.
* ومن فوائدها: بيان شمول علم الله؛ لقوله: ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزمر ٧] بالذي كنتم تعملون كله صغيره وكبيره، والخطاب لجميع الناس، وهذا يدل على شمول عِلْم الله عز وجل، وهو كذلك، فعِلْم الله تعالى واسع محيط بكل شيء.
وقد نبَّه الله سبحانه وتعالى على بيان كيف كان واسعًا فقال: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك ١٤] ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ يعني إذا كان الله هو الخالق -وهذا شيء مُقرٌّ به- لزم أن يكون عالِمًا بما خلق؛ إذ كيف يمكن أن يخلق ما لا يعلم؟ هذا مستحيل.
﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ نأخذ عليها جملة اعتراضية (مَنْ) هذه فاعِل أو مفعول؟
* طالب: فاعِل.
* الشيخ: يجوز فيها الوجهان أن تكون فاعلًا يعني: ألا يعلم الذي خلق مَنْ خلقه؟
ويجوز أن تكون مفعولًا به؛ أي: ألا يعلم الله من خلقه؟ ومعلوم أن الخالق والمخلوق بينهما تلازم فلا خالق إلا بخلْق ومخلوق، ولا مخلوق إلا بخالِق.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى عالِم بأسرار العبد؛ لقوله: ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الزمر ٧]، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ [ق ١٦] بل يعلم ما يستقبل للمرء، الإنسان يعلم ما توسوس به نفسه لكن لا يعلم ماذا يكسب غدًا، والله عز وجل يعلم ماذا يكسبه العبد غدًا.
* ومن فوائد الآية: الإشارة إلى أن الحساب يوم القيامة يكون على ما في الصدور؛ لأنه لما ذكر الإنباء قال: ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ يعني فالمرجع في الحساب إلى ما في القلب، فصحِّح ما في قلبك؛ لأن المدار عليه، ولهذا شواهد من الآيات ذكرناها أثناء التفسير.
* ومن فوائدها: الإشارة إلى أن القلب هو الذي عليه مدار الصلاح؛ لأنه إذا كان الحساب على ما في القلب فهو عليه مدار الصلاح، ويؤيده قول النبي ﷺ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩ / ١٠٧) من حديث النعمان بن بشير.]].
{"ayah":"إِن تَكۡفُرُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا یَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُوا۟ یَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةࣱ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق