الباحث القرآني

ثم قال تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الزمر ٦٢] الجملة ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ جملة اسمية تفيد الثبوت والاستمرار وأن الله تعالى دائمًا وأبدًا هو الخالق. وقوله: ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ معناها: موجده على الصورة التي أرادها الله عز وجل، والخلق في الأصل بمعنى التقدير، ولكنه يُطْلَق على الإيجاد المقرون بالتقدير والتسوية والإحكام والنظام، فهنا الخلق يُرَادُ به الإيجادُ على وجه كامل بتقديره وتسويته وتنظيمه. وقوله: ﴿كُلِّ شَيْءٍ﴾، قال بعض الناس: يُسْتَثْنَى من ذلك نفسه، ولكن هذا ليس بصواب؛ لأنه من المعلوم أن الفاعل ليس المفعول، وحينئذ لا يحتاج إلى استثناء، الاستثناء يحتاج في جملة يكون فيها المستثنى داخلًا فيها لولا الاستثناء، أما هنا فلا يمكن أن يكون داخلًا فيها، لماذا؟ لأن الفاعل غير المفعول، فالخالق غير المخلوق، ولا يمكن أن يوجد مخلوق ويوجد بعده خالقه مثلًا، حتى نقول: إن الجملة تحتاج إلى استثناء. قال: ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ وهو يعني الله عز وجل، ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ قال: (متصرف فيه كيف يشاء)، ولو قال: ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ أي: حفيظ عليه مدبر له لكان أعم؛ لأن الوكيل في اللغة: هو الذي وُكِلَ إليه الشيء حفظًا وتدبيرًا، والله عز وجل على كل شيء وكيل حفظًا وتدبيرًا، وهنا لا يقال: كيف كان وكيلًا، ومن الذي وَكَّله؟ نقول: إذا كان الوكيل بمعنى الحفيظ المدبر فلا حاجة إلى استحفاظه، بل هو الذي تولى ذلك بنفسه. * في هذه الآية فوائد: * أولًا: عموم خَلْقِ الله عز وجل لكل شيء؛ لقوله: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾. * ومنها: الردُّ على القدرية الذين قالوا: إن الإنسان خالقٌ أفعالَه، ووجه ذلك أن أفعال العباد داخلة في العموم فهي شيء من الأشياء فتكون داخلة في العموم. * ومنها: أن الله خالق للأعيان والأوصاف؛ لأن الأعيان شيء يعني تسمى شيئًا، والأوصاف تُسَمَّى أيضًا شيئًا. * ومنها: أن القرآن مخلوق؛ لقوله: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ والقرآن شيء. * ومنها: أن الله مخلوق، لأنه شيء قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً﴾ [الأنعام ١٩]. فما تقولون في هاتين الفائدتين أن القرآن مخلوق وأن الله مخلوق؟ نقول: هذا ليس بصحيح، أما كون الله مخلوقًا فقد عرفتموه قبل قليل، وهو ضرورة أن الفاعل ليس هو المفعول هذا واحد. وأما أن القرآن غير مخلوق؛ فلأن القرآن وصف الله عز وجل، والرب بصفاته ليس مخلوقًا، بل هو لم يزل ولا يزال بصفاته، فكلامُه غيرُ مخلوق ومنه القرآن، وعلى كل حال فيكون الرب عز وجل وصفاته ليس داخلًا في هذا العموم بالضرورة؛ لأن الخالق غير المخلوق. وقول الذين استدلوا بهذه الآية على خلق القرآن أن هذا عام، نقول: إن العام قد يُرَاد به الخصوص، هذا إذا صَحَّ أن الذهن ينتقل من هذا العموم إلى كل شيء، نقول: إن كلمة ﴿كُلِّ شَيْءٍ﴾ تأتي ولا يُراد بها العموم مثل قوله تعالى: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ [الأحقاف ٢٥]، ومعلوم أنها لم تُدَمِّر السموات ولا الأرض بل ولا مساكن القوم كما قال تعالى: ﴿فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُم﴾ [الأحقاف ٢٥]. * ومن فوائد الآية الكريمة: عناية الله سبحانه وتعالى بما خلق؛ لأنه لما ذكر أنه خلق كل شيء بَيَّن أنه على كل شيء وكيل، وهذا يدل على عناية الله بخلقه تبارك وتعالى. * ومنها: أن ما يصيب الناس من البلاء والفتن فإنه من الله، ومن مقتضى وَكَالَتِهِمْ؛ لعموم قوله: ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الزمر ٦٢]، ومعلوم أن الإنسان إذا آمن هذا الإيمان فإنه سيسهل عليه كل ما صَعُب، وإذا آمن أيضًا أنه بالصبر والاحتساب تنقلب هذه المصائب نعمًا هانت عليه أيضًا، ولهذا لا نجد أحدًا أعظمَ راحة ممن آمن بالقدَرِ خيرِهِ وشرِّه، فإنك تجد الإنسان وإن تَقَلَّبَتْ به الأحوال تجده راضيًا مطمئنًا، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب