الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر ٤٦] ﴿اللَّهُمَّ﴾: هذه مُنادى حُذِفت منها ياء النداء، وعُوِّضت عنها الميم، وعُوِّضت الميم؛ لأنها دالة على الجمع، كأن الإنسان جمع قلبه على ربه عز وجل، وأُخِّرت تيمنًا بالبداءة باسم الله سبحانه وتعالى، وعلى هذا فنقول: (الله) منادى مبني على الضم في محل نصب.
وقوله: ﴿فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فاطر الشيء أي مُبدعه على غير مثال سبق، يعني مبدعه ومنشئه لأول مرة يسمى هذا فَطْرًا، ومنه فَطَرَ البئر إذا حفره لأول مرة.
﴿فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ والسماوات والأرض هذه مرت علينا كثيرًا، وذكرنا ما يتعلق بالجمع بالنسبة للسماوات والإفراد بالنسبة للأرض.
﴿عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ (فاطر وعالم) كلها صفة للمنادى في قوله: ﴿اللَّهُمَّ﴾، ولكنها نصبت؛ لأنها مضافة.
﴿عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ الغيب ما غاب، والشهادة ما شُوهد وحضر، فالله سبحانه وتعالى عالم الغيب كله وعالم الشهادة كلها ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [آل عمران ٥].
واعلم أن الغيبوبة تكون كلية وتكون نسبية، فالله تعالى عالم الغيب كلية، ونسبية أيضًا، بخلاف البشر، البشر لا يعلم الغيب؛ أي ما غاب عنه سواء كليًّا أم نسبيًّا، ولذلك لا تعلم ما وراء هذا الجدار، ولا تعلم ما في ضمير غيرك، ولا تعلم المستقبل، بل وتنسى ما مضى، أما الرب عز وجل فإنه لا يعتريه شيء من هذا النقصان.
﴿أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر ٤٦]، ﴿تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ﴾ أي: تفصل بينهم بالحكم، وذلك يوم القيامة، حين يتحاج الناس عند ربهم، يختصمون، وقد بَيَّن الله سبحانه وتعالى نتيجة هذه الخصومة بأن الخاصِم هم المؤمنون، حيث قال تعالى: ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء ١٤١] إذن فالخاصم الغالب هم المؤمنون، إذا لم يكن سبيل للكافرين عليهم فهم الخاصمون بلا شك.
وقوله: ﴿أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ يشمل الحكم في الدنيا والحكم في الآخرة، أما الحكم في الدنيا فإن المرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأما في الآخرة فالمرجع إلى الله عز وجل، يحكم بينهم حكمًا جزائيًّا كل بما يستحق.
وقوله: ﴿أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ﴾ المراد بالعبودية هنا العامة، فيشمل العبد المؤمن والعبد الكافر، وقد قسم العلماء رحمهم الله العبودية إلى قسمين: عامة وخاصة؛ فالعبودية العامة هي التعبد للقدر، أي أنها تتعلق بالأمر القدري، كل من في السماوات والأرض عبْد لله بهذا المعنى، لا يمكن أن يتخلف عما قضى الله عليه، قال الله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم ٩٣] وهذه عبودية تتعلق -كما قلت- بالقدَر والقضاء، فهي كونية في الحقيقة.
والثانية عبودية خاصة: وهي التعبد لله تعالى بشرعه، وهذه خاصة بمن؟ بالمؤمنين، الذين يتعبدون لله بشرعه، وهذه الخاصة أيضًا فيها عبادة أخص، وهي عبادة النبوة والرسالة، مثل قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ [ص ٤٥] ومثل قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ [الإسراء ٣] ومثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا؟»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٣٧) واللفظ له، ومسلم (٢٨٢٠ / ٨١) من حديث عائشة.]]. والأمثلة كثيرة، فتبين الآن أن العبودية؟
* طالب: عامة وخاصة.
* الشيخ: نعم، ما هي العبودية العامة؟
* طالب: العبودية العامة هي التعبُّد إلى الله سبحانه وتعالى بالقدر.
* الشيخ: نعم، يعني التذلل لقدره، هذه تشمل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، والخاصة؟
* طالب: والخاصة هي التعبُّد إلى الله سبحانه وتعالى بشرعه.
* الشيخ: بشرعه، وهذه خاصة بِمَنْ؟
* طالب: بالمؤمنين.
* الشيخ: بالمؤمنين، هذه الخاصة تنقسم إلى خاص وأخص، طيب ما هي العبودية الأخص؟
* طالب: الأخص تختص بالأنبياء والمرسلين.
* الشيخ: نعم، بالأنبياء والرسل، مثالها؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ [ص ٤٥] وقول النبي ﷺ: «أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا؟»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٣٧) واللفظ له، ومسلم (٢٨٢٠ / ٨١) من حديث عائشة.]].
* الشيخ: أحسنت طيب، ما هي محط المدح من هذه الأنواع والأقسام، الخاصة أم العامة؟
* طلبة: الخاصة.
* الشيخ: الخاصة، أما العامة فلا يُمدح الإنسان فيها؛ لأنها بغير اختياره، هو ذليل لله، متعبد له شاء أم أبى.
﴿أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر ٤٦] أي في الذي يختلفون فيه، وقد جاءت الآية هكذا: ﴿فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾، وفي آية أخرى: ﴿فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر ٣] وقال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ١٠]، فيشمل ما يختلفون فيه من أمور الدين وأمور الدنيا أيضًا، كل ذلك سوف يحكم الله به بحكمه العدل الذي ليس فيه حيف على أحد.
﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر ٤٧] إلى آخره، (لو) هذه شرطية.
وقد يقول قائل: أين فعل الشرط؟
والجواب أن نقول: هو مُقدَّر، أي ولو حصل أن، أو ولو ثبت أن للذين ظلموا، وأما الجواب فقوله: ﴿لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾. ولو تأتي شرطية وتأتي مصدرية، مثل قوله تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم ٩] أي ودوا إدهانك فيدهنون.
﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ إذن (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل لفعل الشرط المحذوف، أي ولو ثبت أن للذين ظلموا ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ ظلموا، المراد بالظلم هنا الكفر، والظلم في الأصل هو النقص؛ لقوله تعالى: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف ٣٣] أي لم تنقص منه شيئًا، والظلم ينقسم إلى قسمين: ظلم أكبر، وهو ظلم الكفر المذكور في قوله تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة ٢٥٤]، وظلم أصغر وهو ما دون ذلك كظلم الإنسان لغيره في ماله وأهله وما أشبه ذلك. المراد بالظلم هنا الأكبر أو الأصغر؟ ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ المراد الأكبر، كما قال تعالى في آية أخرى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ﴾ [المائدة ٣٦].
﴿مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ ﴿مَا﴾ اسم موصول، أي الذي، محله؟ ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ﴾.
* طالب: موصولة يا شيخ.
* الشيخ: إي (ما) ويش محلها من الإعراب؟
* طالب: اسم (إنَّ).
* الشيخ: اسم (إنَّ) مؤخر.
﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ﴾ [الزمر ٤٧] إلى آخره. قوله: ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ صلة الموصول، والمعروف أن صلة الموصول لا تكون إلا جملة، فكيف نجعل هذا صلة للموصول وليس بجملة؟
والجواب أن نقول: هذا شِبْه جُملة، وهو مُتعلِّق بفعل محذوف تقديره: ما استقر في الأرض.
﴿مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾، ﴿جَمِيعًا﴾: حال من ﴿مَا﴾ يعني حال كونه جميعًا مجموعًا لهم. ﴿وَمِثْلَهُ مَعَهُ﴾ أي: مثل ما في الأرض جميعًا من أولها إلى آخرها ﴿لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ ﴿لَافْتَدَوْا بِهِ﴾: أي دفعوه فداء يفدون به أنفسهم من عذاب الله عز وجل.
ولكن متى يكون هذا؟ يكون هذا يوم القيامة، يتمنى هؤلاء أن يكون لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معهم ليدفعوا عنهم العذاب، ولكن لا يحصل، وقد طُلِب منهم في الدنيا ما هو أهون من ذلك، ما الذي طُلِب منهم؟ أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، وأن يقوموا بشريعته، وهو سهل، لكنهم -والعياذ بالله- استكبروا.
﴿لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ أي: من العذاب السيء الذي ليس له نظير في الدنيا، ولا يمكن أن يضبطه الذِّهن بتخيل؛ لأنه كما أن في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر من النعيم، فكذلك ما في النار من العذاب.
وقوله: ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ هو اليوم الذين يُبعث فيه الناس، وسُمِّي يوم القيامة لأمور ثلاثة:
أولًا: أن الناس يقومون فيه لرب العالمين، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين ٦].
والثاني: أنه يقام فيه العدل، كما قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ [الأنبياء ٤٧].
وثالثًا: أنه يقوم فيه الأشهاد: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر ٥١] هذا هو يوم القيامة سُمِّي بذلك لهذه الأمور الثلاثة.
﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ أيضًا ظهر لهم من عند الله عز وجل ﴿مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾، أي ما لم يكن في حسبانهم، ولا خطر على بالهم أنهم يجدون هذا العذاب، ظنوا أن الأمر هين، ظنوا أن الأصنام تشفع لهم، وظنوا ظنونًا كثيرة ولكن لم تنفعهم هذه الظنون، ظهر لهم شيء لم يحتسبوه أبدًا.
﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ بدا لهم: أي ظهر لهم. ﴿سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾: أي: سوء ما كسبوا من الأعمال، وهم لم يكسبوا إلا الشر، وقد قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة ٧، ٨].
(﴿﴿وَحَاقَ بِهِمْ﴾ ﴾ نزل ﴿﴿بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ﴾)، أي ما كانوا يستهزئون به في الدنيا، أما في الآخرة فإنهم يقولون: ﴿قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف ٥٣] إلا أنهم في ذلك الوقت لا ينفعهم، كانوا في الدنيا يستهزئون ويسخرون من الرسل، ويسخرون من الذين آمنوا ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ﴾ [المطففين ٢٩ - ٣٢].
سبحان الله! هذه الآيات تنطبق تمامًا على وقتنا، كما انطبقت على من قبل، ﴿كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾ وهذا هو الواقع، تجد هؤلاء الفسقة والمجرمين إذا مر بهم المؤمن التقي جعلوا يضحكون، ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾، إذا مروا بهم، هل إذا مر المؤمنون بالمجرمين أو المجرمون بالمؤمنين؟ كلاهما، ﴿يَتَغَامَزُونَ﴾، يغمز بعضهم بعضًا، شوف هذا، شوف المسكين، شوف ثيابه شوف.
﴿وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ﴾ [المطففين ٣١] يعني يرجعون إلى أهلهم ﴿فَكِهِينَ﴾ أي مرحين، متفكهين بما قالوا في هؤلاء المؤمنين.
﴿وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ﴾ [المطففين ٣٢] الفاعل في رأوهم المجرمون، إذا رأى الذين أجرموا هؤلاء المؤمنين قالوا: إن هؤلاء لضالون تائهون، وهذا هو الواقع حتى في الوقت الحاضر، إذا رأوا المتدين قالوا: هذا متخلف، هذا رجعي، أو هذا أصولي؛ يعني متشددًا وما أشبه ذلك.
ثم قال عز وجل: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾ [المطففين ٣٤] في يوم القيامة تحصل الضحكة من المؤمنين على الكافرين، وهذه الضحكة ليس بعدها بكاء، أما ضحكة أولئك فبعدها البكاء والألم والحسرة ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ [المطففين ٣٥] ينظرون ما أنعم الله به عليهم، وينظرون ما عذب الله به هؤلاء ﴿هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المطففين ٣٦].
فهؤلاء المجرمون يبدو لهم يوم القيامة ما كانوا يستهزئون به من شريعة الله وجزاء الله وما أشبه ذلك، وقد كانوا يسخرون بالرسول عليه الصلاة والسلام وبما وعد به من النعيم وبما وعد به من العذاب، ويقولون: يا محمد، إن كنت صادقًا أننا سنلقى هذا، فليكن لك أنت، فجِّر الأرض ينابيع، اجعل الرياض مزارع نخيلًا، وما أشبه ذلك.
نرجع الآن إلى كلام المؤلف رحمه الله يقول: (﴿﴿قُلِ اللَّهُمَّ﴾ ﴾ بمعنى يا الله). كيف؟
﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾، (﴿﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ﴾ ﴾ أي دون آلهتهم)، ﴿اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ (﴿﴿اشْمَأَزَّتْ﴾ ﴾ يقول: نفرت وانقبضت) فتنفر ولا تقبل الحق، وتنقبض ولا تنشرح للحق ﴿قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ أي: لا يقرون بها، ولا يعترفون بها؛ لأنهم قالوا: ﴿مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية ٢٤]، قال الله تعالى: ﴿وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ [الجاثية ٢٤] الذين لا يؤمنون بالآخرة، ولو أنهم آمنوا بالآخرة لعملوا لها، ولكانوا إذا ذكر الله وحده استبشروا وفرحوا.
(﴿﴿وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ ﴾ أَي الأصنام ﴿﴿إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ ﴾) إذا ذكرت الأصنام بالثناء والمدح استبشروا، ولهذا يُروى عن النبي ﷺ أنه قرأ: «﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ [النجم ١٩، ٢٠] «تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَا وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى»[[مسند البزار (٥٠٩٦)، والمعجم الكبير (١٢٤٥٠) من حديث ابن عباس، وقد ردَّ هذه القصة وضعفها أئمة، انظر على سبيل المثال «فتح القدير» للشوكاني (٣ / ٥٤٦)، وألف فيها الشيخ الألباني «نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق».]]. ألقاها الشيطان في قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يتلها الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن الشيطان أسمع قريشًا هذا القول، يقولون: إنهم سجدوا مع النبي ﷺ لما أنهى السورة وسجد؛ لأنهم قالوا: الآن رجع إلينا أو على الأقل داهننا؛ لأنه أثنى على أصنامنا فسجدوا معه، وهذه القصة مشهورة، واختلف المفسرون فيها، فمنهم من أنكرها إنكارًا عظيمًا، ومنهم من حسَّنَها، وقال: إنها لا تُنافي العصمة؛ لأن الله قال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى﴾ [الحج ٥٢] يعني قرأ ﴿أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ ألقى الشيطان في قراءته، ليس هو الذي يلقي، الشيطان يلقي ﴿أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج ٥٢] ينسخه يعني يبين بطلانه، وأنه لا حقيقة له، ثم قال معللًا ذلك: ﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الحج ٥٣، ٥٤]، فعلى كل حال إن صحت القصة فإنها لا تنافي العصمة؛ لأن الذي أثنى على هذه الأصنام الشيطان، لكن ظن هؤلاء الذين سمعوه أنها قراءة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا لم تصح فلا إشكال.
لكن إذا قال قائل: إذا لم تصح فكيف سجد المشركون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا﴾ [النجم ٦٢]؟
والجواب عن ذلك أن نقول: إن آخر آيات هذه السورة تأخذ باللب والفؤاد، حتى إن الإنسان لينفعل من غير أن يشعر، فهؤلاء المشركون انفعلوا من شدة ما سمعوا حتى لم يشعروا بأنفسهم إلا وهم ساجدون، هذا هو الجواب إذا لم تصح القصة.
يقول عز وجل: (﴿﴿وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥) قُلِ اللَّهُمَّ﴾ ﴾ بمعنى يا الله) فالميم عِوض عن ياء النداء (﴿﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ﴾ مبدعهما ﴿﴿عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة﴾ ﴾ مَا غَابَ وَمَا شُوهِدَ ﴿﴿أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ ﴾) عندي (في) مفصولة عن (ما) عندكم هكذا؟ متصلة، هي القاعدة أخيرًا أنها مفصولة، لكن لعل القاعدة التي عليها المفسر هي في المصحف الأول، يعني في القاعدة الأولى.
وقد اختلف العلماء هل تجوز مخالفة القاعدة العثمانية، على أقوال ثلاثة: الجواز، والمنْع، والتفصيل، التفصيل بين أن يُكتب للصبي، وأن يكتب للبالغ، فالصبي يُكتب له على حسب ما يعرفه من القواعد؛ لأنه لو كُتب له على القاعدة العثمانية لحرَّف، لو كُتبت الصلاة بالواو والزكاة بالواو، وما كان ممدودًا أي بألف حُذفت الألف منه مثل الرحمن وما أشبهها، لو كتب له ذلك لحرَّف لقال: (إن الصلوت)، (إن الزكوت) وما أشبهها، أما إذا كان لبالغ عاقل يعرف فيكتب بالرسم العثماني.
والصحيح أنه لا يجب التقيد بالرسم؛ وذلك لأن القرآن لم ينزل على هذا الرسم، لو نزل بهذا الرسم كما كتبت التوراة ونزلت مكتوبة لقلنا: لا يجوز مخالفته، لكنه نزل قولًا، وصادف أن القاعدة في ذلك الوقت حين كتابته كانت على هذا الوجه، ولو كانت الكتابة على غير هذا الوجه لكُتِب بها مخالفًا لهذا الوجه، فالمسألة اصطلاحية؛ يعني أن القرآن لم ينزل على هذا، صحيح أنَّا قد نقول: ينبغي تأدبًا أن يُكتب القرآن بالقاعدة العثمانية احترامًا وتعظيمًا لما كتبه الصحابة رضي الله عنهم، أما أن نقول هذا على سبيل الوجوب والإلزام، ونقول: إنه لا يجوز أن تكتب على السبورة آية من كتاب الله على حسب القاعدة المعروفة المألوفة فهذا فيه نظر.
(﴿﴿فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ ﴾ مِنْ أَمْر الدِّين) قال المؤلف: (اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِف فِيهِ مِنَ الْحَقِّ) ولكن هذا التقدير فيه نظر؛ لأن المراد بالآية تفويض الأمر إلى الله عز وجل، وشكاية هؤلاء إليه الذين ﴿إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾، وليس المقام مقام دعاء، وإنما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول هذا دعاء في استفتاح صلاة الليل، والله أعلم.
* طالب: (...).
* الشيخ: المؤمنون يوم القيامة يسيرون عليهم، ليس شديدًا صعبًا، لكن عصاتهم يحتاجون إلى شفاعة فيُشفع فيهم.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، لأنه ورد في آية أخرى ﴿كَفَرُوا﴾.
* طالب: (...).
* الشيخ: هذا يكون فيهم شبه من هؤلاء الكفار.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، يقال: فيهم شبه، فيهم شبه ممن قال الله فيهم.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، من سواه وهو أيضًا أدنى، فالدون هنا بمعنى سوى وبمعنى الأدنى الأقل.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، مجاوزة الحد نقص؛ لأنها نقص في حق الآخر، إذ إن الواجب ألا أتعدى عليه، فإذا تعديت عليه صرت ناقصًا في حقه.
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف؟ إي الخلق والإيجاد قبل العلم بما فيها، فطرهما، ثم علم بما فيهما.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، في البخاري، ثابت في صحيح البخاري[[(٤٨٦٢) من حديث ابن عباس.]]، سجد الرسول والمشركون.
* طالب: (...).
* الشيخ: يرونهم ويتخاصمون معهم ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ [الصافات ٥١ - ٥٤] امشوا نتفرج ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ﴾ أي قرينه ﴿فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات ٥٥] في قعرها ووسطها فقال له: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ [الصافات ٥٦] إلى آخره، يرونهم ويتحدثون معهم؛ لأن في هذا أكبر إغاظة لهم، وهذا ألم قلبي أشد من الألم البدني، نسأل الله العافية.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، كفار لا يُشفع لهم؛ لأنه لا شفاعة إلا بإذن الله، ولا يأذن الله لهم.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، غير الكفار يشفعون لهم بإذن الله.
* طالب: (...).
* الشيخ: في أيش؟ لا، هو ما روى القصة في البخاري، روى أن المشركين سجدوا معه.
* * *
* الطالب: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الزمر ٤٩ - ٥٢].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، نأخذ الفوائد فيما سبق: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر ٤٦].
* من فوائد هذه الآية الكريمة: التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأفعاله؛ لقوله: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
وقد مر علينا فيما سبق أن التوسل الجائز سبعة أنواع:
الأول: التوسل إلى الله بأسمائه.
والثاني: التوسل إلى الله بصفاته.
والثالث: التوسل إلى الله بأفعاله.
والرابع: التوسل إلى الله بحال الداعي.
والخامس: التوسل إلى الله تعالى بدعاء من تُرجى إجابته.
والسادس: التوسل إلى الله بالعمل الصالح.
والسابع: التوسل إلى الله بالإيمان. هذه كلها توسلات جائزة، فهنا ﴿فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ من باب التوسل إلى الله بأفعاله.
أما التوسل الممنوع فهو التوسل إلى الله بما لم يجعله الله وسيلة، كالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتوسل بالصالحين على وجه غير مشروع، فالضابط للتوسل الممنوع أن يتوسل إلى الله بما ليس بوسيلة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن السماوات والأرض ليست قديمة أزلية، بل هي حادثة بعد أن لم تكن، خلافًا للفلاسفة الذين قالوا بِقِدَم العالم أو الأفلاك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات عِلْم الله سبحانه وتعالى، بل إثبات إحاطة علم الله بكل شيء؛ لقوله: ﴿عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾.
* ومن فوائدها: تحذير المرء من المخالفة؛ لأنه إذا آمن بأنه عالِم الغيب والشهادة فسوف يحذر؛ لأنه مهما عمل فالله تعالى عالم به.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الحكم لله وحده؛ لقوله: ﴿أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ﴾، ووجه الحصر في قوله: ﴿أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ﴾ أنه وصف الحكم الصادر منه بأنه بين العباد، والعبد لا يشارك سيده في الحكم، وإلا فإنه ليس بين أيدينا طريقة من طرق الحصر المعروفة، ولكنه حصر استفدناه من أين؟ من المعنى، إذ إن العبد لا يمكن أن يكون حاكمًا على سيده، بل السيد هو الحاكم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تسلية المؤمنين لكون الله تعالى يحكم بينهم فيما يختلفون فيه مع الكفار.
وهنا نسأل: من الذي يكون محكومًا له ومحكومًا عليه؟ للمؤمنين، لقول الله تعالى: ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء ١٤١].
ثم قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ﴾ إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الظالمين لو بذلوا كل ما في الأرض ليفتدوا به لم ينفعهم، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾.
* ومنها: أن جميع ما في الدنيا يرخص عند العذاب، حين يشاهده الظالم؛ لقوله: ﴿لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾.
* ومن فوائدها: التحذير من الظلم؛ لأن ذكر هذا يعني التحذير من الظلم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات القيامة والبعث؛ لقوله: ﴿لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن العذاب الذي يقع بهؤلاء الظالمين لا يخطر لهم على بال؛ لقوله: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾.
ثم قال تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الزمر ٤٨].
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الجزاء من جنس العمل؛ لقوله: ﴿سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾.
* ومن فوائدها: إثبات الكَسْب للعبد، فيكون فيه رد على الجبرية الذين يقولون: إن الإنسان مُجْبَر على عمله، فنقول لهم: بل الإنسان غير مجبر وعمله من كسبه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: توبيخ هؤلاء المعذبين، حيث نزل بهم ما كانوا به يستهزئون، وقد قال الله تعالى: إنه يقال لهم: ﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ﴾ [الطور ١٥]؛ لأنهم كانوا في الدنيا يسخرون بمن جاء بهذا النبأ ويقولون: إنه سحر، فيوبخون يوم القيامة يقال لهم: ﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الاستهزاء بالله تعالى وآياته سبب للعذاب، وهو كُفْر مُخْرِج عن الملة؛ لقول الله تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة ٦٥، ٦٦]، وعلى هذا ينبغي أن يُلحق هذا بالنكاح والطلاق والرجعة والعتق؛ لأن هزله جد، وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء، أن من قال قولًا يستهزئ به بدين الله فإنه يكفر.
* * *
ثم قال: ﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ [الزمر ٤٩] ﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ﴾ أي أصابه، والمراد بالإنسان هنا الجنس، وقيل: المراد به الكافر، فأما من قال: المراد به الجنس، وأنه شامِل للمؤمن والكافر، قال: إن هذا هو طبيعة الإنسان، وأن المؤمن الذي يعترف لله بالنعم ويشكرها هذا خارج عن طبيعة الإنسان؛ يعني أن الله مَنَّ عليه فخرج عن مقتضى طبيعة البشر.
وأما مَنْ قال: إن المراد به -أي بالإنسان- الكافر، فيكون من باب العام الذي أُريد به الخاص، قال: لأن هذا الوصف المذكور لا يكون إلا من الكافر، هو الذي إذا مسه الضر رجع إلى الله، وإذا أعطاه النعمة بطر بها، وقال: ليس لأحد عليَّ فيها فضل، وإنما ذلك على علم، وهذا الأخير أقرب؛ لأن المؤمن إذا خوَّله الله نعمة شكر، ولم يقل: أوتيته على عِلْم.
يقول: ﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا﴾ أي سألنا أن نكشف ضره، ثم إذا كشفنا الضر وخولناه نعمة منا بزوال الضرر الذي حصل له قال: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ يعني أوتيت هذا الشيء على علم، وما المراد بالعلم هنا؟ هل المعنى أوتيته على علم من الله أني له أهل فأنا جدير به ومستحق له، أو المعنى على عِلْم مني بوجوه المكاسب؟
يشمل الأمرين، فهو يقول: أنا أوتيته على علم بأني أهل، وأوتيته أيضًا من كسبي، فيكون بذلك مانًّا على الله عز وجل، ويكون مستبدًّا بنفسه يجمع بين الأمرين، بين المنة ويقول: ليس لله فضل، هو أعطاني ذلك؛ لأنه يعلم أني أهل لذلك، والثاني: الاعتزاز بالنفس وعدم إرجاع الشيء إلى الله عز وجل.
قال الله تعالى: ﴿بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ﴾ ﴿بَلْ هِيَ﴾ أي المقالة أو الحالة يحتمل هذا وهذا، يحتمل أن الله عز وجل إذا أعطاه هذه النعم، أعطاه إياها فتنة له، ويحتمل أن هذه المقالة فتنة له، ولكن المعنى الأول أقرب أن الله عز وجل يفتن العبد بإزالة الضرر عنه وحصول الخير والنعمة، وكم من إنسان افتتن بنِعم الله عز وجل فكان مستقيمًا وبالنعمة ينحرف، وفي الحديث أن الله تعالى قال: «إِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَوْ أَغْنَيْتُهُ لَأَفْسَدَهُ الْغِنَى، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَوْ أَفْقَرْتُهُ لَأَفْسَدَهُ الْفَقْرُ»[[الأسماء والصفات للبيهقي (٢٣١) من حديث أنس بن مالك.]]. فالله عز وجل على كل شيء قدير، وقد يختار لعبده ما هو أنفع من حيث لا يشعر، فالظاهر أن المراد بقوله: ﴿بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ﴾ أي بل هذه الحال فتنة وهي تخويل النِّعم، وقد قال سليمان عليه الصلاة والسلام: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ [النمل ٤٠]، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ الاستدراك هنا يعني أن هؤلاء الذين غُمِروا بنعمة الله غفلوا عن المنعم بها وعن مسديها وموليها، فكانوا لا يعلمون شكر هذا الْمُنعِم، وكانوا لا يعلمون أيضًا أنها فتنة، بل يأخذ الإنسان النِّعم على أنها أمر ماشٍ وأمر طبيعي، ويغفل عن أن الله تعالى يمتحنه بها.
﴿قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [الزمر ٥٠] ﴿قَدْ قَالَهَا﴾ الضمير يعود على قوله: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ﴾، ﴿قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ مثل قارون ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا﴾ [القصص ٧٨].
﴿قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (ما) هذه نافية، و﴿أَغْنَى﴾ بمعنى دفع، دفع ﴿عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، أي لن يغني عنهم ما كسبوا شيئًا من عذاب الله، وهكذا النعم لا تغني من افتخر بها وغفل بها عن طاعة الله شيئًا، ألم تروا إلى عاد استكبروا في الأرض ﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت ١٥]؛ لأن الله أعطاهم قوة عظيمة قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ [فصلت ١٥، ١٦]، وتأملوا كيف عُذِّبَ هؤلاء بالريح وهي ألطف شيء، ألطف شيء هي الريح، فعُذِّبوا بها انتقامًا منهم حين قالوا: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾، يعني لم يُهلَكوا بالصواعق ولا بالحاصب من السماء، وإنما أُهلِكوا بهذه الريح اللطيفة، حتى إنهم لما رأوا ما جاءت به هذه الريح وحملته من الرمال قالوا: ﴿هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف ٢٤]، فقال الله تعالى: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ [الأحقاف ٢٤، ٢٥].
يقول عز وجل: ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾ [الزمر ٥٠، ٥١] يعني أصابهم جزاء السيئات، لكنه جعل الجزاء، سماه سيئات؛ لأن السيئات سببه، وليتبين بذلك أن الجزاء على قدْر العمل لا يختلف فكأنه هو نفس العمل.
﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾ [الزمر ٥١] الواو في قوله: ﴿وَالَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ استئنافية، و(الذين) مبتدأ، وجملة ﴿سَيُصِيبُهُمْ﴾ خبر ﴿وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾ كما أصاب من قبلهم.
﴿وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ (ما) نافية، وهل هي حجازية أو تميمية؟ الواقع أنه ليس في اللفظ ما يدل على هذا ولا على هذا، ولكن القرآن بلغة قريش بدليل قوله تعالى: ﴿مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ [يوسف ٣١]، وعلى هذا فتحمل (ما) كلما جاءت على أنها حجازية، ولكن كيف نعربها في مثل هذا التركيب؟ ﴿وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ نقول: ﴿هُمْ﴾ اسمها، والباء حرف جر زائد، و(معجزين) خبرها منصوب بياء مقدرة محل الياء الموجودة؛ لأن الياء الموجودة علامة الجر، وليست علامة النصب، علامة الجر بحرف الجر الزائد الباء، فجعلنا العمل للظاهر وهو الباء، أما المحل فقدرناه تقديرًا، وعلى هذا يكون منصوبًا بياء مُقدَّرة بدل الياء التي عَمِلَ فيها حرف الجر الزائد.
وقوله: ﴿بِمُعْجِزِينَ﴾ اسم فاعل من (عجز) ولَّا مِن (أعجز)؟ مِنْ (أعجز)، يعني لن يعجزوا الله عز وجل، فلا يستطيع أن يُعاقِبهم بل عقوبتهم أمر هَيِّن على الله عز وجل.
﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الزمر ٥٢] الهمزة هنا للاستفهام، والواو حرْف عطف، والمعطوف عليه ما هو؟ إما أن يكون محذوفًا ويُقدَّر بما يناسب المقام، وإما أن يكون ما سبق، فإذا قلنا: إنه ما سبق كانت الهمزة في تقدير التأخير عن حرف العطف، والتقدير: (وألم يعلموا)، وإذا قلنا بالأول صارت الهمزة داخلة على محذوف تقديره أَجَهِلوا ولم يعلموا.
﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ ﴿يَبْسُطُ﴾ يعني يوسع، و﴿الرِّزْقَ﴾ العطاء ﴿لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ ﴿لِمَنْ يَشَاءُ﴾ أن يُوسِّعه له امتحانًا لهذا الشخص الذي بُسط له، ﴿وَيَقْدِرُ﴾ يعني يضيق امتحانًا أيضًا؛ لأن الضيق فيه امتحان، والسعة فيها امتحان، لكن الغالب عند الناس في العرف أن الضيق يُسمى ابتلاء؛ أي بلاء، وأما التوسعة فهي امتحان، مع أن الابتلاء بمعنى الامتحان، فإن الإنسان يُبتلى فيما يُبتلى به ليمتحنه الله عز وجل هل يصبر أو يتضجر، وأما ما ابتلاه الله به مِن النعم فهو هل يشكر أو يكفر.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، إن في ذلك المشار إليه البَسْط والتضييق، ﴿لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي: علامات على أن الله وحده هو المتصرف، ولهذا نجد بعض الناس يكون عنده حذق في البيع والشراء وتحصيل المال، وعنده قدرة وعنده قوة، ولكن يُضيَّق عليه، ونجد بعض الناس دون هذا، دون هذا يعني أنه لا يهتم بالأمور وليس عنده ذاك الحذق، فيوسع الله عليه، وهذا يدل على أن الله عز وجل هو المتصرف في عباده، يُوسِّع على هذا، ويَقْدِر على هذا، ولكن لا يعني هذا أننا لا نفعل الأسباب كما سنذكر إن شاء الله في الفوائد.
نرجع الآن إلى كلام المؤلف رحمه الله يقول: (﴿﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ﴾ ﴾ الجنس) نعم أيش؟
على كل حال تعارض عندنا مُثبِت ونافٍ؛ فالمثبت مُقدَّم على النافي.
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف؟ لا، هو فيه أيضًا بينة أخرى أني قلت لكم: إن قوله: (اهْدِنِي لما اخْتُلِف فيه من الحق بإذنك) إن هذا لا دليل عليه، وإنما يقوله في استفتاح صلاة الليل.
* طالب: (...).
* الشيخ: طيب ما يخالف، ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ إذن هذا حل وسط قال: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر ٤٧]، ﴿لَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾، المؤلف لم يفسرها ولم يُبَيِّن، ولكن بينا نحن في التفسير أنها تحتمل الظلم الأكبر وهو الشرك والأصغر وهو ما دونه، ولكن يظهر والله أعلم أن المراد بها الأكبر.
﴿وَمِثْلَهُ مَعَهُ﴾ أي ما في الأرض ومثله معه مضافًا إليه ﴿لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ﴾ [الزمر ٤٧] ظهر.
طيب ما يخالف، ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ إذن هذا حل وسط، قال: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر ٤٧].
﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾، المؤلف لم يفسرها ولم يبين، ولكن بينا نحن في التفسير أنها تشمل، تحتمل الظلم الأكبر وهو الشرك، والأصغر، وهو ما دونه، ولكن يظهر والله أعلم أن المراد بها الأكبر، ﴿وَمِثْلَهُ مَعَهُ﴾ أي ما في الأرض ﴿وَمِثْلَهُ مَعَهُ﴾ مضافًا إليه.
﴿لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ﴾ (ظهر) ﴿لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ (يظنون)، والمؤلف رحمه الله الشيء الواضح لا يفسره، ويقال: بدا ويقال: بدأ، وبينهما فرق، بدا بمعنى؟
* طلبة: ظهر.
* الشيخ: ظهر. بدأ بمعنى ابتدأ، ويقال في الأول في المصدر: بدوًّا، بدا بدوًّا، وفي الثاني: بدأ بدءًا.
يقول: (﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ﴾ نزل ﴿بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الزمر ٤٨] أي العذاب) يعني حاق بهم العذاب أي نزل بهم، وبدت لهم سيئاتهم وعرفوها، وكانوا يقولون: ﴿يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنعام ٢٧]، قال تعالى: ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام ٢٨] نعوذ بالله.
﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ﴾ [الزمر ٤٩] (﴿الْإِنْسَانَ﴾ الجنس) يعني المراد بالإنسان الجنس فيشمل؟
* طلبة: المؤمن والكافر.
* الشيخ: المؤمن والكافر، ولكن تبين مما تكلمنا فيه أن الظاهر أن المراد به؟
* طلبة: الكافر.
* الشيخ: الكافر، فيكون عامًّا أُريد به الخاص، والعام الذي يُراد به الخاص موجود في اللغة العربية بكثرة، مثل قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾ [آل عمران ١٧٣]، فنحن نعلم أنه ليس كل الناس جاءوا يقولون، بل القائل واحد، و(إن الناس قد جمعوا لكم) أيضًا نعلم أنه ليس جميع الناس؟
* طالب: جمعوا.
* الشيخ: جمعوا، وإنما المراد واحد أو أناس معيَّنون، أما كل بني آدم لا، فالمراد بالإنسان هنا الجنس على كلام المؤلف، وعلى القول الذي اخترناه الكافر.
(﴿ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ﴾ أعطيناه ﴿نِعْمَةً﴾ إنعامًا ﴿مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ ) قوله: ﴿خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً﴾ أي: إنعامًا، في هذا نظر؛ لأن الإنعام فعل المنعم، والنعمة عطاء المنعم، يعني الشيء المعطى، وأيهما أليق: أن نفسر النعمة بالإنعام، أو أن نفسر النعمة بما أعطيه الإنسان؟
* طلبة: بما أعطيه الإنسان.
* الشيخ: الثاني هو الظاهر، وهو الواقع أيضًا؛ لأن التخويل يعني أن هناك شيئًا مخوَّلًا، وهو النعمة من أولاد، ورزق، وزوجات، ومساكن، وغير هذا.
(﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ من الله أني له أهل)، وهذا أحد القولين في الآية، والقول الثاني: ﴿عَلَى عِلْمٍ﴾ أي: على حذق ومهارة فيما فعلت، والله أعلم..
* طالب: الذين قالوا: إن المراد بالإنسان العام لا الخاص (...) حديث الرسول عليه الصلاة والسلام أن الله خلق الخلق (...) الحديث يدل على أن (...).
* الشيخ: على الفطرة نعم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: يقولون: إن هذا بعدما يخلق الإنسان يميل إلى هذا الشيء؛ لأن طبيعة الإنسان أنه يعني يعتز بنفسه، ويفخر بنفسه، وينسى غيره، لكن على كل حال ما ذكرناه هو الصواب.
* طالب: الآية قد قالها (...).
* الشيخ: قد قالها هذه المقولة.
* الطالب: هذه المقولة؟
* الشيخ: نعم.
* الطالب: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ﴾.
* الشيخ: أي: أوتيت ما خولت به.
* الطالب: لا الضمير.
* الشيخ: الهاء (...).
* الطالب: يرجع (...).
* الشيخ: يرجع إلى ما خول، إنما أوتيت الذي خولته، الهاء في (أوتيته) يعود على المخول.
* طالب: هل إضافة الشيء إلى نفسه يكون هذه الإضافة إضافة تشريف، وإذا كان كذلك فهل معنى قوله: ﴿أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ﴾ [الزمر ٤٦] دخل فيها أقوام؟
* الشيخ: نعم، المضاف إلى الله قد يضاف إلى الله عز وجل إضافة خلق وتكوين، وقد يكون إضافة تشريف، فهنا العبادة عام، فإذا كان عامًّا صار المراد أيش؟
* طالب: الخلق.
* الشيخ: الخلق والتكوين، وإذا كان خاصًّا يعني أضيفت العبودية إلى شخص معين أو لجماعة موصوفين بصفة فهذا للتشريف.
* طالب: الله سبحانه وتعالى إذا امتن على العبد بنعمة متى يعرف العبد أن هذا امتنان أو امتحان؟
* الشيخ: نعم، هذا السؤال سيأتينا إن شاء الله في بيان الفوائد، لكن يعرف ذلك إذا كان مقيمًا على طاعته فهو امتنان، وإذا كان على العكس فهو امتحان.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما فيه إضافة هنا، هنا ما فيه إضافة.
* الطالب: لا، يعني نسبت لله عز وجل.
* الشيخ: (...) أيش؟
* الطالب: (...) إضافة الخلق.
* الشيخ: لا، هو قصده عباد، ما هو تحكم.
* الطالب: (...).
* الشيخ:، لا هو يقصد عباد، يقول: كيف تضاف عباد إلى الله، والمضاف إلى الله يقتضي التشريف، ونحن نقول: إن العباد هنا يشمل الكافر والمؤمن، والكافر ليس أهلًا للتشريف، فنقول: المضاف إلى الله يكون على هذا وعلى هذا.
* طالب: يقول الله عز وجل: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ هل نجزم أن المراد بالإنسان الجنس؛ لأن الكفار كلهم لا يعلمون.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: قال: ﴿لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (...) المراد بالإنسان (...)؟
* الشيخ: لا، فيه بعض الكفار معاند يعلم الحق على هو عليه، لكنه معاند، نعم (...).
* * *
* طالب: ﴿وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الزمر ٥١، ٥٢].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أظن أننا نتكلم على تفسير المؤلف، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر ٤٩] إلى هنا أظن؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم قال: ﴿بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ﴾ [الزمر ٤٩]، (﴿بَلْ هِيَ﴾ أي: القولة ﴿فِتْنَةٌ﴾ بلية يُبتلَى بها العبد)، هذا ما جرى عليه المؤلف أن المراد بالفتنة القولة التي قالها، ولكن الصحيح أن الفتنة هي النعمة التي أعطاها الله إياه، أو الحال التي كان عليها حينما كان قد مسه الضر، ثم رفع الضر عنه وأبدل بنعمة، فهذه فتنة يفتن الله بها العباد، قال الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء ٣٥].
(﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أن التخويل استدراج وامتحان) ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ﴾ أي أكثر الناس، وإنما عاد الضمير وهو غائب على مرجع غير مذكور للقرينة والسياق، ويحتمل أن المراد أكثرهم أي أكثر الإنسان أي بني الإنسان، فيكون الضمير هنا عاد على الإنسان باعتبار المعنى، لا باعتبار اللفظ، وقوله: (أن التخويل استدراج وامتحان)، إذا قال قائل: بماذا نعلم أن التخويل استدراج وامتحان؟
فالجواب: نعلم ذلك بكون الإنسان مصرًّا على المعصية، ونِعَم الله سبحانه وتعالى تترى عليه، قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [آل عمران ١٧٨]، فهذه هي العلامة، إذا رأيت الله ينعم عليك وأنت مقيم على معصيته فاعلم أن ذلك استدراج، أما إذا رأيت الله ينعم عليك وأنت قائم بطاعته فاعلم أن هذا من زيادة فضله ونعمه، قال الله تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم ٧].
(﴿قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [الزمر ٥٠] من الأمم، كقارون وقومه الراضين بها) أي: بهذه المقالة، قد قالها الذين من قبلهم، أي: قالوا بعد أن أعطاهم الله النعم: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾، وهذا قد صرح الله به عن قارون في سورة القصص، حين خرج على قومه في زينته، فنصحوه وقالوا له: ﴿لَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص ٧٧، ٧٨]، فالمقالة هي المقالة، وقد سبق أن الإنسان يعجب بعمله، فيظن أن ما حصل له من النعم بسبب عمله، مع أنه من فضل الله عز وجل.
﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (ما) هذه نافية، وقد شرحناها فيما سبق (﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾ [الزمر ٥١] أي: جزاؤها) أي السيئات، ولكنه عبر بالسيئات نفسها؛ لأن الجزاء من جنس العمل، وهو مقابل لها لا يزيد.
قال المؤلف: (﴿وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ﴾ أي: قريش ﴿سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [الزمر ٥١] بفائتين عذابنا، فقحطوا سبع سنين ثم وسع عليهم) قحطوا سبع سنين بدعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين قال: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٢٠٠)، ومسلم (٦٧٥ / ٢٩٥) من حديث أبي هريرة.]]، فقحطوا سبع سنين قحطًا شديدًا، حتى إن الإنسان منهم يتراءى السماء فيحول بينه وبينها غبش كأنه دخان من شدة الجوع والتعب.
قال: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِر﴾ [الزمر ٥٢] إلى آخره، هذا مبتدأ درس اليوم، والفوائد أخذناها فيما سبق.
* طالب: (...) ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ﴾.
* الشيخ: طيب، أجل نمشي مع المؤلف.
(﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ يوسعه ﴿لِمَنْ يَشَاءُ﴾ امتحانًا ﴿وَيَقْدِر﴾ [الزمر ٥٢] يضيقه لمن يشاء ابتلاء)، والحقيقة أن التوسعة والتضييق كلاهما امتحان، وكلاهما ابتلاء، قال الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء ٣٥] لكن مشى المؤلف على هذا من باب اختلاف التعبير، والمعنى واحد.
(﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ به) أي: بهذا البسط والتضييق، فمن آمن بذلك، أي بالله عز وجل، وببسطه وتضييقه، عرف بذلك حكمة الله سبحانه وتعالى.
{"ayahs_start":46,"ayahs":["قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَـٰلِمَ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَیۡنَ عِبَادِكَ فِی مَا كَانُوا۟ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ","وَلَوۡ أَنَّ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مَا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡا۟ بِهِۦ مِن سُوۤءِ ٱلۡعَذَابِ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۚ وَبَدَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمۡ یَكُونُوا۟ یَحۡتَسِبُونَ","وَبَدَا لَهُمۡ سَیِّـَٔاتُ مَا كَسَبُوا۟ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ"],"ayah":"قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ عَـٰلِمَ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ أَنتَ تَحۡكُمُ بَیۡنَ عِبَادِكَ فِی مَا كَانُوا۟ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق