الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ [الزمر ٤٢]، ﴿اللَّهُ﴾ مبتدأ، وجملة ﴿يَتَوَفَّى﴾ خبره، والتوفِّي بمعنى القبض،كما يقال: توفَّى الرجل حقه من غريمه، أي: قبضه منه، والأنفس: جمع نفس، وهي الأرواح، الأرواح التي بها تحيا الأجساد، والنفس تطلق في القرآن على معانٍ متعددة، منها هذا أنها الروح التي بها حياة الإنسان، فهو يقبض الأرواح ﴿حِينَ مَوْتِهَا﴾، أي حين الموت، وهي مفارقة الروح للبدن المفارقة التي تزول بها الحياة.
﴿وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ [الزمر ٤٢] ﴿وَالَّتِي﴾: الواو حرف عطف و(التي) معطوفة على الأنفس، يعني: ويتوفَّى التي لم تمت، ولك الخيار في مثل هذا التركيب أن تقول: الواو حرف عطف، و(التي) صفة لمعطوفٍ على ما سبق وتقديره: والأنفس التي لم تمت، ولك أن تعطف الصفة رأسًا على ما سبق فتقول: ﴿الَّتِي لَمْ تَمُتْ﴾ عطف على قوله: ﴿الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾، ﴿وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ﴾ يتوفاها ﴿فِي مَنَامِهَا﴾ أي يقبضُها لكنه ليس قبضًا تامًّا، بل قبضًا مقيَّدًا، ولهذا تجد النائم له إحساسٌ من وجه وليس له إحساس من وجه آخر، فباعتبار القوى الظاهرة لا إحساس له، لا يرى ولا يسمع، وباعتبار القوى الباطنة، وأنه لو نُبِّه لانتبه يكون حيًّا، فصلة الروح بالنائم غير صلتها باليقظان وغير صلتها بالميت، فهي وسط بين الحي اليقظان وبين الميت.
يقول: ﴿وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ وقد سمَّى الله تعالى النوم وفاة فقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى﴾ [الأنعام ٦٠].
﴿فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الزمر ٤٢] يمسك التي قضى عليها الموت فلا ترجع إلى جسدها، يمسكها إلى أن يأتي البعث، وقوله: ﴿قَضَى﴾ أي حكم، كقوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء ٢٣] أي: حكم ألا تعبدوا إلا إياه، والقضاء هنا قضاء كوني، وأقول: قضاء كوني؛ لأن قضاء الله ينقسم إلى قسمين: شرعي وكوني.
فالشرعي: ما أمر به، مثل قوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء ٢٣] ومثل قوله: ﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ﴾ [غافر ٢٠] أي يحكم به.
والقضاء الكوني: مثل قوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ﴾ [الإسراء ٤] فإن الله لا يقضي بالفساد في الأرض، لا يقضي بالفساد في الأرض قضاء شرعيًّا، إنما هو قضاء كوني، وهنا يقول: ﴿قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ﴾ [الزمر ٤٢] قضاء كونيًّا، طيب ﴿قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى﴾ [الزمر ٤٢] وهي التي توفاها في منامها يرسلها، ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ أي؛ إلى أجل معين، ما هو الأجل المسمى؟ هو الموت، بأن يرسلها تذهب إلى جسدها وتبقى فيه إلى أجل مسمى، أي معين محدد.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الزمر ٤٢] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ يعني الوفاة للنفسين، والإرسال لإحداهما، وإمساك الأخرى فيه آيات، والآيات التي الآن معنا واضحة جدًّا، أربعة: وفاة الموت، وفاة النوم، إمساك الميّتة، إرسال النائمة، أربع كلها من آيات الله عز وجل، وإنك لتأتي إلى القوم جماعة نائمين فتقول: سبحان الله ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [الروم ٢٣] قوم كأنهم جثث لا يسمعون، اللهم إلا من كان خفيف النوم، لكن الأصل أنهم جثث، فتقول: سبحان الذي أماتهم ثم أحياهم بعد أن كانوا شبه أموات، فهي آيات، وهي آية أيضًا على البعث، فإن النوم وفاة صغرى يبعث الله فيه النائم حتى يحيا يستيقظ تمامًا، كذلك الإحياء بعد الموت يقضيه الله عز وجل، وهو قادر عليه، والعاقل يقيس الغائب على الشاهد والمستقبل على الحاضر ويتبين له الأمر.
وقوله: ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الزمر 42] يتفكرون، التفكر: إعمال الفكر، إعماله بحيث يدور كارًّا وراجعًا يمينًا وشمالًا حتى يتبين له ما يتبين بالتفكُّر، وضد التفكر: الغفلة، وأن يكون القلب حجرًا أملس لا يقر عليه شيء، لو قر عليه حبة من تراب أطارتها الرياح وجرت بها المياه، فالإنسان المتفكر هو الذي ليس بغافل، بل يدير فكره يمينًا وشمالًا ذاهبًا وراجعًا حتى يتبين له الأمر.
ثم نرجع الآن إلى كلام المفسر رحمه الله، يقول: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ [الزمر ٤٢] (ويتوفى) ﴿الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ [الزمر ٤٢]، قدَّر الفعل بعد حرف العطف إشارة إلى أنه معطوف على ما كان هذا عامله، وما الذي هذا عامله؟ الأنفس. ويتوفى الأنفس ﴿الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ (أي يتوفاها وقت النوم) فيتبين بهذا أن النوم وفاة.
﴿فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الزمر ٤٢] (أي وقت موتها) هذا الأجل المسمى (والمرسلة نفس التمييز تبقى بدونها نفس الحياة بخلاف العكس) كأن المؤلف يقول: إن الأنفس نوعان: نفس تمييز ونفس حياة، نفس التمييز هي المرسلة ﴿وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ وتبقى بدونها الحياة أو لا؟ تبقى، فالنائم فيه حياة ما فيه شك، فنفس التمييز تبقى بعدها الحياة، والعكس لا، ولهذا قال: (بخلاف العكس) فإن نفس الحياة إذا قُبضت لا تبقى بعدها نفس التمييز، فأفادنا رحمه الله أن الأنفس في قوله: ﴿الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ أنفس إيش؟ أنفس الحياة ويتبعها أنفس التمييز ﴿وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ أنفس التمييز.
قال: (﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿لَآيَاتٍ﴾ دلالات ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الزمر ٤٢] فيعلمون أن القادر على ذلك قادر على البعث، وقريش لم يتفكروا في ذلك).
في هذا المذكور آيات، ونحن ذكرنا أربعًا ظاهرة. ولو تأملنا لوجدنا أكثر من ذلك بكثير، ولكنها تحتاج إلى تفكير وتدبر وتأمل فتتضح.
* في هذه الآيات الكريمة من الفوائد: بيان قوة سلطان الله عز وجل وعمومه، من أين تؤخذ؟ من كونه يتصرف هذا التصرف حتى في الأنفس يتوفاها جميعًا، ويرسل هذه ويمسك هذه، وهذا دليل على كمال الملك والسلطان.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المتوفِّي للأنفس حين موتها هو الله عز وجل ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ [الزمر ٤٢] أليس هذا هو الواقع؟ نعم. هذا هو ما تدل عليه الآية.
ولكن هذه الدلالة ربما يعارضها بعض الآيات في قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ [الأنعام ٦١، ٦٢] وقوله تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُون﴾ [السجدة ١١] فنجد أنه في آية الزمر أضاف الوفاة إلى من؟ إلى نفسه عز وجل، وفي آية الم تنزيل السجدة إلى ملك الموت، وفي سورة الأنعام إلى الرسل ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾، فكيف نجمع بين هذه الآيات؟
الجواب على ذلك أن نقول: يجب أن نعلم قاعدة مهمة جدًّا، هو أنه لا يمكن أن يتعارض دليلان قطعيان أبدًا، لا يمكن أن يتعارض دليلان قطعيان أبدًا لا من القرآن ولا من السنة ولا من العقل؛ لأنهما لو تعارضا لكان أحدهما ثابتًا والآخر منتفيًا، وإذا قلنا: الآخر مُنتفٍ زال عنه اسم القطعي، وهذه القاعدة تفيدك في مسائل كثيرة.
فمثلًا لو قال لك قائل: القرآن يدل على كذا ثم ثبت حسًّا أن الأمر الواقع على خلاف هذا المدلول، الأمر الحسي تكذيبه غير ممكن، لكن نقول: إن فهمك للقرآن هذا خطأ، فمثلًا لو قال: ليست الأرض كروية لقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية ٢٠] واعتقاد أنها كروية يكذب دلالة الآية، القرآن قطعي الثبوت، ويش معنى قطعي الثبوت؟
يعني ثابت قطعًا ما فيه إشكال، والله يقول: ﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية ٢٠] وكروية الأرض حسًّا ثابتة ولَّا لا؟
* طلبة: ثابتة.
* الشيخ: قطعًا ولا غير قطعًا؟
* طلبة: غير قطعًا.
* الشيخ: لا، قطعًا، كروية الأرض ثابتة قطعًا لا شك فيه.
* طالب: (...).
* الشيخ: حسًّا، إي نعم، الآن لو تقوم طائرة من مطار جدة متجهة نحو الغرب على خط مستقيم رجعت إلى مطارها، لا يردها شيء، إذن فهي كروية لا إشكال فيها، الآية؟ نقول: الآية لفظها قطعي ثابت، لكن دلالتها على أنها سطح واحد ما هو صحيح، ما هي صريحة، ليست صريحة، وإذا لم تكن الدلالة صريحة فهي غير قطعية، وحينئذ نقول: التعارض الآن بين مدلول ظني ومحسوس قطعي، ما هو المدلول الظني؟ أن الآية تدل على أن الأرض سطح واحد. والمحسوس القطعي أن الأرض كروية، نقول: الحمد لله التعارض الآن بين ظني وقطعي، وإذا تعارض ظني قطعي ما الذي يقدَّم؟ القطعي، ونقول: سطح الأرض باعتبار القطعة المواجهة، القطعة أو الجانب المواجه من الأرض سطح، أليس كذلك؟ لكن على البعد يكون فيه انحناء، والدليل على ذلك أنه لو كانت سفينة تسير في البحر ولها أعمدة طويلة إذا أبعدت عنك، كلما أبعدت اختفت غابت مرت، ما الذي يغيبها ؟ لأن الأرض مستديرة، الأرض مستديرة فتغيب، لو كانت سطحًا لكان تراها حتى كفراتها إن كان لها كفرات، نعم، تراها من بُعد كما تراها من قُرب على السطح، والأمر ظاهر ما فيه إشكال يعني. الخلاصة الآن لا يمكن أن يتعارض دليلان قطعيان في الثبوت والدلالة، عرفت؟ ولا يمكن أن يتعارض قطعي وظني.
* طلبة: يمكن.
* الشيخ: يا جماعة كم بقيتم في بطون أمهاتكم؟ أعطوني تسع دقائق، لا يمكن؛ لأن الظني لا يقاوم القطعي، الظني لا يقاوم القطعي، وإذا لم يقاومه سقط فلا معارض، صح؟ ويبقى الآن التعارض بين الظني والظني، وإذا وجد تعارض بين ظنيين حينئذ اطلب الترجيح، أو إذا كان يمكن النسخ اعمل بالنسخ، وهذه القاعدة ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه العظيم درء تعارض العقل والنقل، وهذا الكتاب أثنى عليه ابن القيم رحمه الله في النونية فقال:
؎وَلَهُ كِتَابُ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ الَّذِي ∗∗∗ مَا فِي الْوُجُودِ لَهُ نَظِيرٌ ثَانِ
يعني مما رد به على الفلاسفة هذا الكتاب، ذَكر فيه هذه القاعدة المفيدة. التعارض بين قطعيين محال، صح؟
* طلبة: صح.
* الشيخ: صح؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: ليش؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: إي نعم؛ لأنه لو حصل التعارض لكان أحدهما غير قطعي، ما يمكن، طيب. ثانيًا: التعارض بين القطعي والظني محال.
* طالب: وارد.
* الشيخ: واردة، لكن لا مقاومة، يعني بمعنى أن نسقط التعارض، ونقول الحكم؟ بالقطعي، التعارض بين الظنيين واقع، ويجب النظر إليه، والعمل بالترجيح، أو العمل بالنسخ إذا كان مما يمكن نسخه، واضح؟ طيب. نحن الآن نتكلم على إيه؟ على الجمع بين الوفاة المضافة إلى الله، والوفاة المضافة إلى الرسل، والمضافة إلى ملك الموت.
نقول: لا تعارض الدلالة، تختلف، ففي هذه الآيات في الزمر أضاف الله الوفاة إليه لأنها بأمره، وقد يضاف الشيء إلى آخر لوقوعه بأمره، كما تقول: بنى الملك قصرًا، الملك رأيته يعمل بيديه بالإسمنت والرمل، ويا ولد هات الزمبيل هات كذا هات كذا؟ الجواب: لا، ولكنه أمر، ومنه المثل المشهور في البلاغة: بنى عمرو بن العاص مدينة الفسطاط. أين تقع مدينة الفسطاط؟
* طالب: في مصر
* الشيخ: في مصر؟
* طالب: القاهرة.
* الشيخ: طيب، هل عمرو بن العاص بناها بيده؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لا، أمر. إذن فإضافة الوفاة إلى الله لأنها بأمره، طيب بقي عندنا الآن إضافتها إلى ملك الموت، وإلى الرسل، والجمع أن نقول: إما أن الرسل يراد بهم الجنس: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ [الأنعام ٦١] يعني ملك الموت؛ لأن ملك الموت رسول، ومنه الحديث: «يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَنِي رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ»[[أخرجه مسلم (٢٤٠٨ / ٣٦) من حديث زيد بن أرقم.]] طيب. أو نقول: إن وفاة ملك الموت غير وفاة الرسل، وذلك لما جاء في الحديث «من أن ملك الموت يجلس إلى المحتضر ويأمر روحه أن تخرج، فيأخذها بيده، ثم يسلمها فورًا إلى الملائكة الذين نزلوا من السماء معهم الحنوط والكفن المناسب لها، إن كانت مؤمنة » -وأسأل الله أن يجعل لي روحي وأرواحكم مؤمنة- «فإنها تُجعل في الكفن الذي من الجنة والحنوط الذي من الجنة، وإن كانت الأخرى فكفن من نار وحنوط من نار»[[أخرجه الإمام أحمد (١٨٥٣٤)، والحاكم في المستدرك (١٠٧)، والطيالسي (٧٨٩)، وعبد الرزاق في مصنفه (٦٧٣٧)، وابن أبي شيبة في مصنفه (١٢١٧٥) من حديث البراء بن عازب.]]؛ نعوذ بالله من ذلك.
(...) هذا الكفن، والصعود بها إلى السماء تتولاه الملائكة، ولهذا قال: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ [الأنعام ٦١، ٦٢] تحملها إلى الله عز وجل، إن كانت مؤمنه تجاوزت السماوات إلى الله؛ لأن الله غاية نفس المؤمن في الحياة وبعد الممات، المؤمن قلبه ونفسه معلق بالله عز وجل، دائمًا ينظر إلى الله عز وجل بعين البصيرة، إن قام فبالله، ولله، وفي الله، وإن قعد فبالله، ولله، وفي الله. وكذلك إن ذهب وجاء فهو لله، وبالله، وفي الله، ونريد من الأخ التفريق بين هذه الكلمات الثلاث، فهو لله، وبالله، وفي الله.
* طالب: لله أي من أجل الله..
* الشيخ: الإخلاص طيب.
* الطالب: وبالله يعني بعون الله.
* الشيخ: الاستعانة.
* الطالب: الاستعانة، ولله.
* الشيخ: في الله؟
* الطالب: في الله يعني في سبيل الله.
* الشيخ: أي في شرعه وحكمه كذا. وانظر إلى الفاتحة تضمنت الثلاث بالتسلسل ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة ٥] هذا أيش؟
* طلبة: لله.
* الشيخ: لله، إخلاص. ﴿إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة ٥]؟
* طلبة: بالله.
* الشيخ: بالله. ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة ٦]؟
* طلبة: في الله.
* الشيخ: في الله، في الشرع، أن نكون في الصراط المستقيم لا نتجاوزه (...).
* * *
* طالب: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الزمر ٤٥].
* الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، بقي علينا في كلام المؤلف. بل..
* طالب: في الآيات.
* الشيخ: في الآيات بيان الفوائد من قوله: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ [الزمر ٤٢] أو الآية اللي قبلها؟
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى يتوفى الأنفس حين موتها، وقد ذكرنا أن ظاهر الآية معارَضٌ بآيتين في كتاب الله، هما ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ [السجدة ١١] و﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾ [الأنعام ٦١] وبيَّنَّا وجه الجمع بين هذه الآيات الثلاث، فقلنا: إضافة الوفاة إلى الله لأنه هو الآمر بها، والآمر بالشيء يُنسَب الشيء إليه، وذكرنا لهذا مثالًا فقلنا: لو قيل: بنى الملك قصرًا شامخًا لم يفهم أحد أن الملك هو الذي باشرَ البناءَ، ولكنه أمر به. وأما على الجمع بين قوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾، وقوله: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾، فمن أحد وجهين: إما أن يكون المراد بالرسل الجنس، ويكون واحدًا، وهو ملك الموت، أو أن ملك الموت يقبضها من الجسد ثم يسلمها للملائكة الذين حضروا فيقبضونها.
وبيَّنَّا قاعدة مفيدة حول هذا الموضوع، وهي أنه لا تعارض بين قطعيينِ ولا بين قطعيٍّ وظنيٍّ، أما القطعيانِ فلأنهما لو تعارَضا لكان أحدُهما غيرَ قطعيٍّ، وأما القطعيُّ والظني فلا تعارض لأنه قدم القطعي؛ إذن يبقى التعارض بين؟
* طالب: بين الظني والقطعي.
* الشيخ: لا.
* الطالب: بين الظني والظني.
* الشيخ: بين الظنيين فقط. وبيَّنَّا أيضًا أن القطع يكون في الثبوت ويكون في الدلالة، فمن الأدلة ما هو قطعي الثبوت ظني الدلالة، ومنها ما هو قطعي الثبوت والدلالة، ومنه ما هو قطعي الدلالة ظني الثبوت.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن النوم يُسمَّى وفاةً؛ لقوله: ﴿وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ [الزمر ٤٢]، ويشهد لذلك قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ﴾ [الأنعام ٦٠].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الوقت يذهب سريعًا بالنسبة للأموات، ولو طالت الأيام والدهور؛ لأننا إذا قسنا الوفاة الصغرى أو إذا نظرنا الوفاة الصغرى وسرعة ذهاب الوقت فيها، فالوفاة الكبرى من باب أولى، ولكن لا شك أن من كان يعذب في قبره فسوف يستطيل الوقت، ومن كان ينعم فسوف يكون الوقت في حقه قصيرًا، ومع ذلك فإن المنعم يقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي، والمعذَّب يقول: ربِّ لا تُقِم الساعة؛ وذلك لأنه يرى أن عذاب القبر أهون من عذاب يوم القيامة، نسأل الله العافية.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن النائم لا يؤاخَذ بعمله، لا له ولا عليه، من أين يؤخذ؟ لأن الله لما سمى النوم وفاة فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ»[[أخرجه مسلم (١٦٣١ / ١٤) من حديث أبي هريرة.]] وعلى هذا فلو رأى النائم أنه يصلي فهل يُكتَب له أجر الصلاة؟ لا، ولو رأى أنه يُقتَل لم يُكتب عليه إثمُ القتلِ؛ لأنه غيرُ مكلَّف.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وصفُ اللهِ بالإمساكِ والإرسالِ، يُمسِك ويُرسِل. وقد بيَّنَّا فيما سبق أن صفات الله عز وجل تنقسم أقسامًا: أحدها ما عُلم من أسمائه كالمغفرةِ من الغفور والرحمة من الرحيم. والثاني: ما نص عليه بذاته وليس من الأسماء، مثل؟
* طالب: الاستواء على العرش.
* الشيخ: مثل الاستواء، العرش، هذا نص عليه، لكن ليس من أسمائه، صفة وليس من أسماء الله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف ٥٤] ومثل: الصنع ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل ٨٨] والفعل ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [هود ١٠٧] وما أشبهها. ومنها ما يخبر به عنه وإن لم يذكر في الكتاب والسنة، لكن يخبر به عنه، هذا أيضًا يقول العلماء: ينقسم إلى قسمين:
قسم لا يليق بالله، فهذا لا يجوز الخبر به عنه.
وقسم لا ينافي كماله، فهذا لا بأس به؛ لأن باب الخبر أوسع من باب الإنشاء، فمثلًا لو قال قائل: إن الله مريد قلنا: نعم، لك أن تصف الله به، أولًا لأن الله وصف نفسه بالإرادة في قوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾ [البقرة ١٨٥]، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا﴾ [يس ٨٢]، وثانيًا: أن الإرادة وصف لا ينافي كمالُه كمال الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: كمال أفعال الله، حيث إنها تكون منتظمة محددة؛ لقوله: ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الزمر ٤٢].
* ومن فوائدها: أنه لا يمكن أن يخلد أحد في الدنيا، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ محدد، لا إلى شيء لا غاية له.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذا الحاصل من الوفاتين فيه آيات تدل على كمال الله، كمال وحدانيته، كمال سلطانه، كمال تدبيره؛ لقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الزمر ٤٢].
* ومن فوائدها: الحث على التفكر، وأنه مفتاح العلم؛ لقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ لمن؟ ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، والتفكر إنما يكون في آيات الله ومعاني أسمائه وصفاته، أما في حقيقة الصفات أو في حقيقة الذات فلا تتفكر، ولهذا يروى: «تَفَكَّرُوا فِي آلاءِ اللهِ» أي: نِعَمِه «ولا تَتَفَكَّرُوا فِي ذَاتِه»[[أخرجه الطبراني في الأوسط (٦٣١٩) من حديث ابن عمر.]]، وذلك لأن التفكر في ذات الله يؤدي إلى غياهب من الظلم، ويؤدي أحيانًا إلى التشكيك، وأحيانًا إلى التعطيل، وهذا هو الذي ضر أهل التعطيل؛ التفكر في الذات، الذات لا يمكن الإحاطة بها، وما لا يمكن الإحاطة به فالتفكير فيه مضيعة للوقت، وهو في جانب الربوبية خطير على عقيدة الإنسان، فأنت تفكر في آيات الله، في أسمائه، في صفاته من حيث المعنى، أما في نفس الذات العلية ما تستطيع تتفكر، ماذا تتصور؟ ولهذا يجب الإعراض عن هذه المسألة.
{"ayah":"ٱللَّهُ یَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِینَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِی لَمۡ تَمُتۡ فِی مَنَامِهَاۖ فَیُمۡسِكُ ٱلَّتِی قَضَىٰ عَلَیۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَیُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰۤ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمًّىۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق