الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزمر ٣٨] ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ﴾ الخطاب إما للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أو لكل من يتوجه إليه الخطاب. واللام في قوله: ﴿وَلَئِنْ﴾ موطِّئة للقسم، و(إن) شرطية، والجواب في قوله: ﴿لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ جواب الشرط أو جواب القسم؟ جواب القسم؛ لأنه قُرن باللام، والذي يجاب باللام هو القسم وليس الشرط، والقاعدة أنه إذا اجتمع شرط وقسم فالجواب للسابق منهما، قال ابن مالك في الألفية:
؎وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ∗∗∗ جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ
والمؤخر هنا القسم ولَّا الشرط؟
* طالب: الشرط.
* الشيخ: الشرط، فيحذف جوابه، ويكون جوابه معلومًا من جواب القسم.
قوله: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ﴾ سؤال استفهام، من خلق السماوات والأرض؟ يعنى: من أوجدهما على هذه الصنعة البديعة، والأرض والسماوات مأخوذة من السمو، وهو العلو؛ لعلوها وارتفاعها، وجمعها لأنها سبع سماوات طباقًا متطابقة، كل واحدة فوق الأخرى، وعلى هذا فتكون الثانية أوسع من الأولى، والثالثة أوسع من الثانية، والرابعة أوسع من الثالثة، وهلم جرًّا، وإذا كان بينهما مسيرة خمس مئة عام عرفت سعة كل سماء بالنسبة لما تحتها، وأن سعتها عظيمة، ومع هذا فهذه السماوات التي بهذه السعة العظيمة هي بالنسبة للكرسي كحلقة أُلقيت في فلاة من الأرض، الحلقة حلقة المغفر الصغيرة، ألقيت في فلاة من الأرض، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة، والرب عز وجل لا يقدر قدره إلا الله عز وجل.
إذن السماوات سبع متطابقة، والأرض واحدة؛ لأنه قال: ﴿وَالْأَرْضَ﴾، ولم يقل: والأرَضين؟ نقول: المراد بها الجنس، المراد بالأرض هنا الجنس، فلا ينافي أن تكون سبعًا، وقد أشار الله تعالى في القرآن إلى أنها سبع في قوله: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢]، وجاءت السنة صريحة في ذلك في مثل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا؛ طَوَّقَهُ اللهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»[[أخرجه مسلم (١٦١٠/ ١٣٧) من حديث سعيد بن زيد.]].
﴿لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ هذا جواب سؤال، يقولن: الله هو الذي خلق السماوات والأرض، ولم يدعِ المشركون أن السماوات والأرض كانت قديمة غير محدثة، ولم يدعوا أن أحدًا خلقها سوى الله، بل أقروا بأن الخالق هو الله وحده، كما أنهم إذا سئلوا: من خلقهم؟ ليقولن الله، فكلما سئلوا عن شيء يتعلق بالربوبية نسبوه إلى من؟ إلى الله عز وجل من غير شريك، فهم مقرون بتوحيد الربوبية غاية الإقرار، يعلمون أن الله هو الخالق.
وقوله: ﴿لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ سأورد عليكم إشكالًا في ضم هذا الفعل مع اتصال نون التوكيد به، والمعروف أن المضارع يُبنى في موضعين: إذا اتصلت به نون التوكيد يبنى على الفتح، أو نون النسوة يبنى على السكون، فلماذا هنا صار مضموًما؟
* طالب: (...) يا شيخ حذفت وعوضت عنها الضمة (...).
* الشيخ: عوضت عنها الضمة؟
* الطالب: (...) محذوف
* الشيخ: فقط طيب كمل.
* طالب: نون الفعل ليقولن.
* الشيخ: إذن النون غير مباشرة للفعل، على هذا التقدير يكون بينها وبين الفعل واو الجماعة ونون الرفع، فهي غير مباشرة حقيقة، مباشرة لفظًا، والفعل يُبنى مع نون التوكيد المباشرة لفظًا وتقديرًا، أما هذه فهي في التقدير غير مباشرة ولهذا بقي الفعل معربًا، فيقال: إنه مرفوع بالنون المحذوفة لتوالي الأمثال، والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل، هكذا يعرب.
﴿لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزمر ٣٨] الله بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي هو الله، ويجوز أن تكون فاعلًا لفعل محذوف، أي خلقهما الله، ويجوز أن تكون مبتدأ والخبر محذوف، التقدير: الله خالقهما، والأمر في هذا واسع، باب الإعراب له وجوه.
﴿لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِه﴾ [الزمر ٣٨] يعني: اسألهم سؤالًا آخر، إذا أقروا بأن الخالق هو الله قل لهم: أخبروني ما تدعون من دون الله؛ ﴿تَدْعُونَ﴾ يقول المؤلف: (تعبدون) ويحتمل أن يكون المراد به دعاء المسألة؛ لأن الدعاء يطلق على معنين: المعنى الأول: دعاء المسألة، والثاني: دعاء العبادة.
فمن الأول قوله تعالى: «هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟»[[أخرجه مسلم (٧٥٨ / ١٧٠) من حديث أبي هريرة.]]؛ وقوله: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة ١٨٦] هذا دعاء مسألة. ومن الثاني وهو دعاء العبادة قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر ٦٠] هؤلاء القوم يدعون من دون الله، يدعون من دون الله دعاء مسألة أو دعاء عبادة؟
* طالب: عام.
* الشيخ: نعم عام، يدعون من دون الله دعاء مسألة ودعاء عبادة؛ أخبرونا عن هذه الأصنام التي تدعونها من دون الله هل ينفعن من دعاهن؟ هل يجلبن النفع أو يدفعن الضر؟ ﴿إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾ [الزمر ٣٨] إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره؟ الجواب: لا، لا يدفعن الضرر إذا أراد الله ﴿أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾ [الزمر ٣٨] الجواب: لا.
إذن كيف تعبد من دون الله؟ كيف تدعو من دون الله؟ والله -عز وجل- إذا أراد بي ضرًّا لم يملكن دفعه، وإذا أرادني برحمة لم يملكن إمساك هذه الرحمة. الجواب: يقول: (لا).
﴿قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [الزمر ٣٨] يعني لا يهمني أن تهددوني بهذه الأصنام؛ فإن حسبي الله أي كافيني عمن سواه.
والجملة في حسبي الله يجوز أن يكون فيها تقديم وتأخير، فنعرب (حسبي) خبرًا مقدمًا، و(الله) مبتدأ مؤخر، ويجوز أن نقول: (حسبي) مبتدأ و(الله) خبر، ويختلف المعنى، يختلف هذا الإعراب باختلاف المعنى، فإن أردت أن تخبر عن الحسب بأنه الله فاجعل الحسب، إن أردت أن تخبر عن الحسب بأنه الله فاجعل الحسب مبتدأ. وإن أردت أن تخبر عن الله بأنه الحسب فاجعل (حسبي) خبرًا مقدمًا. والآية من حيث المعنى صالحة لهذا وهذا، فالله هو الحسب، والحسب هو الله، ليس لنا حسب سوى الله، والله سبحانه وتعالى حسبنا وكافينا.
﴿قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [الزمر ٣٨] التوكل: هو الاعتماد على الله عز وجل في جلب المنافع ودفع المضار، مع الثقة بالله سبحانه وتعالى، هذا هو التوكل، الاعتماد على الله اعتمادًا حقيقيًّا صادقًا في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به، هذا هو التوكل.
وهو من العبادة الخاصة بالله؛ كما قال تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران ١٢٢] أي: على الله وحده، وأما توكل غير العبادة فإنه يجوز للإنسان أن يتوكل على غيره فيما وكله فيه، كما لو قلت لفلان: وكلتك تشتري لي كذا وكذا، فأعتمد عليه في الشراء، وهذا ليس توكلَ عبادة؛ لأن المتوكل في هذه الصورة لا يشعر بأنه أدنى مرتبة من الوكيل، بل قد يشعر بأنه أعلى مرتبة، لأنه جعل ذلك خادمًا له، منفذًا لما يقول، أما التوكل على الله فإنك تتوكل على الله معتقدًا في نفسك أنك مضطر إليه، وأنه سبحانه وتعالى هو الذى بيده تصريف أمورك، فتتوكل عليه رغبة ورهبة وتقربًا إليه.
ولهذا نقول: هل يجوز أن أقول: توكلت على فلان؟
الجواب: إن كان ذلك على وجه العبادة فهذا حرام شرك، وإن كان على وجه الإنابة، أي: أنبته منابي فيما وكلته فيه فهذا لا بأس به ولا حرج، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يوكل أصحابه في قبض الزكوات وتصريفها وغير ذلك.
نرجع إلى كلام المؤلف رحمه الله، يقول المؤلف: (﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ﴾ لام قسم ﴿مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ﴾ [الزمر ٣٨]) يعني إذا أقروا بهذا الإقرار (﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ﴾ تعبدون ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي: الأصنام) يعني أخبرونا عنها ﴿إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾ الجواب؟ يقول: (لا ﴿أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتٌ رَحْمَتَهُ﴾ لا، وفي قراءة بالإضافة فيهما) أي في قوله: ﴿كَاشِفَاتُ﴾.
وفي قوله: ﴿مُمْسِكَاتُ﴾ فنقرأ على هذه القراءة: ﴿هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾ ﴿هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾ والقراءتان سبعيتان، ومن قاعدة المؤلف في هذا الكتاب أنه إذا قال: وقرئ فهي شاذة؛ وإذا قال: وفي قراءة فهي سبعية؛ فليعرف هذا الاصطلاح حتى لا يلتبس، إذا قال: قرئ فهي قراءة شاذة لا يقرأ بها، وإذا قال: وفي قراءة فهي سبعية يقرأ بها.
قال: ﴿قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [الزمر ٣٨] قال: (يثق الواثقون).
* في هذه الآية فوائد أولًا: إقرار هؤلاء المشركين بالربوبية؛ لقوله: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزمر ٣٨].
* ومن فوائدها: أن الإقرار بالربوبية لا ينفع العبد ولا يدخله في الإسلام، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاتل هؤلاء المقرين بالربوبية واستباح دماءهم ونساءهم وأموالهم، ولو كان إقراره بالربوبية نافعًا لكانت دماؤهم معصومةً، وأموالهم معصومة، وأهلوهم معصومين.
* ومن فوائد هذه الآية: الرد، بل الإبطال، لما عرف المتكلمون به التوحيد؛ لأن عامة المتكلمين إذا فسروا التوحيد قالوا: إنه ثلاثة أنواع؛ التوحيد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله، هكذا يقولون، توحيد الله ثلاثة أنواع: توحيده في ذاته وتوحيده في صفاته وتوحيده في أفعاله، فيقولون هو واحد في ذاته، لا قسيم له، ويعنون بذلك أنه ليس له وجه، وليس له يد، وليس له عين وما أشبه ذلك.
يقولون: لو قلنا: إن له هذه الصفات لزم أن يكون ذا أعضاء، وهو سبحانه وتعالى لا يتقسم، فهو واحد في ذاته لا قسيم له، واحد في أفعاله لا شريك له، ثم يجعلون هذا النوع من التوحيد هو توحيد الألوهية، فيقولون: معنى قول القائل: لا إله إلا الله أي: لا قادر على الخلق والاختراع إلا الله.
الثالث: واحد في صفاته لا شبيه له، كلام ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، ماذا يعنون بقولهم: لا شبيه له؟ أي لا صفات له؛ لأنهم يعتقدون أن كل من أثبت لله صفه فهو مشبِّه، فهو واحد في صفاته لا شبيه له، هذا التنويع لو قرأته على عامي ماذا يقول عنه؟ يقول: ما أحسنه، ما أجمله.
واحد في ذاته لا قسيم له سبحانه وتعالى، ويسبح ويهلل، واحد في أفعاله لا شريك له كذلك، واحد في صفاته لا شبيه له كذلك، لكن لا يُدرى أن وراء الأكمة ما وراءها، يريدون بقولهم: واحد في ذاته لا قسيم له، أي: ليس له صفات هي بالنسبة إلينا أعضاء، مثل اليد والوجه والعين والقدم والساق.
واحد في أفعاله لا شريك له، يريدون بذلك أن هذا هو معنى لا إله إلا الله، ولو كان هذا معنى لا إله إلا الله لكان المشركون الذين قاتلهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنين موحدين، وهم كانوا إذا قيل لهم: لا إله إلا الله يستكبرون ولا يقبلون هذا، ويقولون: أجعل الآلهة إلهًا واحدًا، فتأمل كيف كان المشركون في الجاهلية يفهمون من التوحيد ما لا يفهمه هؤلاء المتكلمون. وقد ذكر العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره هذا المعنى، وقالوا: المشركون خير في فهم التوحيد من هؤلاء المتكلمين؛ لأن هؤلاء المتكلمين جعلوا التوحيد هو توحيد الربوبية فقط، وهذا لا ينكره المشركون، يقرون به وينكرون توحيد الألوهية؛ لأنهم يعرفون أن معنى لا إله إلا الله: لا معبود حق إلا الله، يعرفون هذا، أما أولئك المتكلمون فإنهم لا يقيمون للألوهية وزنًا، يجعلونها بره، لا يدخلونها في أنواع التوحيد.
واحد في صفاته لا شبيه له، ماذا يعنون؟ يعنون تعطيل الصفات؛ لأنهم يدعون أن كل من أثبت لله صفة فهو مشبِّه، فتبين بهذه الآية تبين بها الرد على أولئك المتكلمين الذين يجعلون توحيد الألوهية هو توحيد الربوبية، ويأتى إن شاء الله بقيه الكلام عليها.
* طالب: (...) يا شيخ أن الدليل على توحيد الربوبية لا يفيده شيء أن مقاتلة النبي ﷺ (...) أنه يجوز استحلال دم المسلم..
* الشيخ: لا، مقاتلة المسلم ليست كمقاتلة الكافر، مقاتلة المسلم تقاتله لأنه أخل بشعيرة من شعائر الإسلام ولا تستبيح نساءه وذريته وأرضه، لكن مقاتلة الكافر تقاتله لأنه ترك الإسلام كله، ولهذا تستبيح نساءه وذريته وأرضه.
* طالب: قلنا: أسماء الله توقيفية (...) هذه قاعدة ما يطبق عليها أن الله سبحانه وتعالى يطلق عليه المنتقم.
* الشيخ: المنتقم لا؛ لأن الله قيد الانتقام، لما وصف نفسه باسم الفاعل قيده. وهنا نقول: الأسماء -أسماء الله تعالى- كلها متضمنة للصفات، كل اسم فهو متضمن لصفة أو أكثر من صفة، هل كل صفة تتضمن اسمًا؟ لا، طيب إذن الصفات صارت أوسع من الأسماء، هذه واحدة.
ثانيًا: الصفات منها ما وصف الله به نفسه، فهذا لا شك في أنه جائز، ولكننا نصف الله به على حسب ما وصف به نفسه، فقال الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾ [إبراهيم ٤٧] هنا لا نقول: إن الله منتقم، بل نقول: ذو انتقام، أي له انتقام، وفرق بين أن أسمي الرجل بالنجار؛ لأن مهنته النجارة، أو أقول: له نجارة، يعني ينجر إذا دعت الحاجة إلى ذلك، أليس كذلك؟ طيب.
ما وصف الله به نفسه من الصفات يُوصَف على حسب ما وصف به نفسه، ما لم يصف به نفسه؛ إن كان دالًّا على معنى يليق بالله جاز أن يخبر به عن الله، وإن كان دالًّا على معنى لا يليق بالله حرم أن يوصف به الله؛ لا خبرًا ولا وصفًا لازمًا، وهذه مسألة مهمة، يعني ما لا يليق بالله، لا يجوز أن نصفه به لا على سبيل الفعل، ولا على سبيل الوصف اللازم، وما كان لا يخالف ما يليق بالله جاز أن نخبر به عنه، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله هذا التقسيم، أظنه في كتاب الفتاوى في قسم التوحيد.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
* الشيخ: البسملة غير مشروعة إلا في أول السورة، هذا الصحيح.
* الطالب: ﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٤٠) إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٤١) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الزمر ٣٩-٤٢].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ﴾ إلى آخره. نأخذ المناقشة أولًا.
في قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾ [الزمر ٣٧] تقرير لصفتين من صفات الله، ما هما؟
* طالب: صفة العزة وصفة الانتقام.
* الشيخ: نعم أحسنت. هل يوصف الله بالانتقام على سبيل الإطلاق؟
* طالب: يوصف مقيدًا.
* الشيخ: هل يوصف على سبيل الإطلاق؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: لا. وإنما يُوصف مقيدًا طيب، هات لي آية فيها تقييد الانتقام. عندك.
* طالب: قوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾ [الزمر ٣٧].
* الشيخ: لا.
* طالب: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ [السجدة ٢٢].
* الشيخ: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ [السجدة ٢٢] فقيد انتقامه بالمجرمين. وقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [الزمر ٣٨] فيها قسم وشرط، أين القسم؟
* الطالب: قسم (...).
* الشيخ: لا، أظنك ما عندك نحو، عندك نحو ولَّا لا؟ (إن) شرطية، هذا الشرط، أين القسم؟
* طالب: ليقولن.
* الشيخ: لا.
* طالب: اللام في (ليقولن).
* الشيخ: اللام قسم، هذا القسم.
* طالب: (...).
* الشيخ: الواو حرف عطف.
* طالب: (ليقولن) يا شيخ.
* الشيخ: هذا جواب القسم.
* طالب: اللام موطئة للقسم.
* الشيخ: نعم، إذن فالقسم مقدر كذا، التقدير: والله لئن، طيب ما الذي وجد؟ جواب الشرط أم جواب القسم؟
* طالب: الذي وجد جواب الشرط.
* الشيخ: جواب الشرط، الدليل؟
* الطالب: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ﴾.
* الشيخ: لا، أين الجواب؟ أين الجواب حتى نعرف ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزمر ٣٨] أين الجواب؟
* الطالب: ﴿لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾.
* الشيخ: ﴿لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ طيب الذي وجد الآن تقول: إنه جواب الشرط، فما دليلك على أنه جواب الشرط؟
* الطالب: أن قدم لام القسم وأخر جواب الشرط.
* الشيخ: نعم الأخ.
* طالب: طبعًا جواب القسم هو الوارد وليس جواب الشرط.
* الشيخ: الموجود جواب القسم، ما دليلك على أنه جواب القسم؟
* الطالب: لأنه هو المتقدم، فابن مالك يقول: واحذف..
* الشيخ: لا، إلى الآن ما بعد؛ لأنه هو المتقدم، هذا الحكم، لكن ما الدليل على أن الموجود ﴿لَيَقُولُنَّ﴾ هو جواب القسم؟
* طالب: لأن اللام الموطئة للقسم سبقت جواب الشرط، وهو (إن).
* طالب آخر: لأن جواب الشرط لا يكون مقترنًا باللام، جواب القسم يكون مقترنًا باللام.
* الشيخ: أحسنت، الدليل أن الجواب مقترن باللام، ولا يقترن باللام إلا جواب القسم، أما جواب الشرط فيقترن بأيش؟
* طالب: بالفاء.
* الشيخ: بالفاء، هل لديك علم؛ لأنك أنت ترى بأنك تذكر الشاهد من كلام ابن مالك؟ ماذا قال ابن مالك؟
* طالب: يقول:
؎وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ∗∗∗ جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ
* الشيخ: طيب قوله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ﴾ [الزمر ٣٨] الرؤية هنا بمعنى؟
* طالب: بمعنى أعلمتم.
* الشيخ: لا.
* طالب: بمعنى الإخبار.
* الشيخ: بمعنى الإخبار، يعني أخبروني ما تدعون من دون الله، إن أرادني الله بضر إلى آخره.
قوله: ﴿هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾ [الزمر ٣٨] فيها قراءتان؟
* طالب: ﴿كاشفاتٌ ضرَه﴾ ﴿كاشفاتُ ضرِّه﴾.
* الشيخ: طيب على القراءة الأولى ما موقع (ضر) من الإعراب؟
* الطالب: مفعول به (...).
* الشيخ: مفعول لاسم فاعل (كاشفات)، و(ممسكات)؟ فيها القراءتان.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: (...).
* الشيخ: قوله تعالى: ﴿قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ﴾ [الزمر ٣٨] الجملة هنا اسمية أو فعلية؟
* طالب: فعلية يا شيخ.
* الشيخ: فعلية لأنها؟
* الطالب: مبدوءة بفعل أمر.
* الشيخ: مبدوءة بفعل (حسبي الله).
* الطالب: (قل حسبي)..
* الشيخ: لا، ما هو (قل).
* الطالب: هي آية اسمية.
* الشيخ: اسمية؟ أين المبتدأ فيها والخبر؟
* الطالب: (عليه) جار ومجرور متعلق بمحذوف.
* الشيخ: وين؟
* الطالب: (حسبي الله) فعلية (...).
* الشيخ: تقول: (حسبي الله) و(عليه).
* طالب: (الله) مبتدأ و(حسبي) خبر مقدم.
* الشيخ: نعم، ما فيها وجه آخر؟
* طالب: أو (حسبي) هذه مبتدأ و(الله) خبرها.
* الشيخ: طيب كيف تجعل هذا خبرًا مرة، وتجعله مبتدأ مرة؟ إن أردت.
* الطالب: إن أردنا (...) الله سيكفيني (...).
* الشيخ: لا، ما هو هذا.
* طالب: إن أردنا الإخبار بأن الحسب هو الله عز وجل، يصير (حسب) مبتدأ، والله خبر.
* الشيخ: يعني إن أردنا الإخبار عن الحسب بأنه هو الله صارت (حسب)؟
* الطالب: مبتدأ ولفظ الجلالة خبر.
* الشيخ: نعم، وإن أردنا الإخبار؟
* الطالب: (...) هو الحسب، يصير لفظ الجلالة هو المبتدأ (...).
* الشيخ: أحسنت صح، هل تفيد الآية وجوب إفراد الله بالتوكل؟
* طالب: تفيد.
* الشيخ: بأي طريق؟
* الطالب: قول الله: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾ [الزمر ٣٨] (...) الضر والنفع بيد الله.
* الشيخ: لا، أنا أريد التوكل، هل تدل الآية على وجوب إفراد الله بالتوكل؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: بأي طريق؟
* الطالب: قوله: على الله فليتوكل المتوكلون.
* الشيخ: (على الله)، ما أمامي (على الله).
* الطالب: ﴿عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [الزمر ٣٨].
* الشيخ: ﴿عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ طيب ما طريق ذلك؟ لأن الحصر له طرق؟
* الطالب: (...) تقديم المعمول يفيد الحصر.
* الشيخ: أحسنت، تقديم المعمول ﴿عَلَيْهِ﴾، تمام.
* طالب: (...).
* الشيخ: * من فوائد الآية الكريمة: أن ما يُعبد من دون الله لا ينفع عابده بجلب نفع ولا بدفع ضر؛ لقوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ﴾ [الزمر ٣٨].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الإرادة لله في قوله: ﴿إِنْ أَرَادَنِيَ﴾، ﴿أَوْ أَرَادَنِي﴾، وإرادة الله عز وجل تنقسم إلى قسمين: إرادة شرعية وإرادة كونية قدرية.
أنا أرجو من الإخوة ألا يعلق أحد على كتاب التفسير نفسه؛ لأن التعليق على الكتاب يفسد الكتاب، وربما يكون التعليق أكثر من التفسير، خصوصًا متى إذا أردنا نتكلم على تقسيم الإرادة وشبهها، أما إذا أردنا نفسر كلمة ويكتب على الهامش هذه أهون، لكن الأشياء اللي فيها تفصيل تفسدون كتبكم، ما تقرأ بعدكم أبدًا، وربما أنتم مع طول الزمن ما تنتفعون بها، فنأمل الذي يريد أن يكتب مثل هذا الكلام الطويل يكتبه خارج الكتاب أحسن.
طيب الإرادة قلنا: كونية وشرعية، الكونية هي التي بمعنى المشيئة، والشرعية هي التي بمعنى المحبة، فإذا كانت (يريد) بمعنى (يشاء) فهي إرادة كونية، وإذا كانت (يريد) بمعنى (يحب) فهي إرادة شرعية.
طيب إذن الفرق بينهما أن الإرادة الكونية يَلزم منها وقوع المراد، يلزم منها وقوع المراد لأنها كونية، لا أحد يعقب حكم الله، والإرادة الشرعية لا يلزم منها وقوع المراد.
ثانيًا: الإرادة الشرعية لا تكون إلا فيما يحبه الله، والإرادة الكونية شاملة لما يحبه الله وما لا يحبه الله، ونأخذ على هذا تمارين، لو قال لك قائل: هل الله يريد المعاصي؟ إن قلت: نعم أخطأت، وإن قلت: لا أخطأت، فماذا تقول؟ نقول: بالإرادة الكونية نعم يريدها ولم تقع المعاصي إلا بإرادته، وبالإرادة الشرعية لا؛ لأن الله يكره المعاصي، أفهمتم الآن؟ وبهذا التفصيل تزول إشكالات كثيرة في المعاصي هل هي مرادة لله أو غير مرادة؟ نقول هي مرادة بالإرادة الكونية، غير مرادة بالإرادة الشرعية، فإن قال قائل: كيف يريدها الله وهو لا يحبها؟ قلنا: نعم هي مرادة لغيرها، بمعنى محبوبة لغيرها، أي لما تؤدي إليه من المصالح العظيمة. طيب إذن ليست مرادة بالإرادة الشرعية وإنما هي مرادة بالإرادة الكونية.
فإذا أورد علينا مورد: كيف يريدها الله عز وجل وهو يكرهها؟ فالجواب أن نقول: يريدها ويكرهها لكونها مرادة لغيرها، فالله عز وجل يوقع المعاصي، يريد المعاصي من أجل خير كثير لفاعلها إذا تاب إلى الله؛ لأن العاصي إذا تاب إلى الله كان خيرًا منه قبل المعصية، والدليل على هذا أن آدم عصى ربه وغوى وتاب إلى الله وبعد توبته اجتباه وهداه، ولولا هذه المعصية لم يحصل له الاجتباء والهداية التي حصلت بعد المعصية، فكانت المعصية الآن خيرًا لآدم، ثم إن فيها خيرًا آخر؛ الإنسان العاصي إذا عصى الله عرف قدر نفسه، وخجل من ربه، واستصغر كل عمل خير يفعله؛ لأنه يذكر معصيته دائمًا بين عينيه، لكن إذا لم يعص ربما يشمخر ويعلو بأنفه ويعجب بنفسه، ويقول: أنا ما عصيت الله أبدًا وما أشبه ذلك، ثم يحبط عمله من حيث لا يشعر.
طيب هاتان اثنتان مصلحتهما لمن؟ للعاصي، هناك مصلحة ثالثة لعامة الناس، لولا العصيان ما قام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الناس لو كانوا كلهم على البر والمعروف فبأي شيء نأمر؟ وعن أي شيء ننهى؟ فلا يقوم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر إلا بوجود أسبابه، وهي المعاصي.
رابعًا: لولا المعاصي ما عرف الإنسان قدر الإيمان الذي أنعم الله به عليه ولذته؛ لأن الناس لو كانوا على حد سواء؛ ما عرف الإنسان قدر نعمة الله عليه، ولهذا لا يعرف قدر العافية إلا من ابتلي بمرض، أليس كذلك؟ كذلك أيضًا المعصية لا يعرف العبد قدر نعمة الله عليه بالطاعة، إلا إذا عرف آثار المعاصي على فاعلها.
خمسة أخذنا خمسة؟
الخامسة: لولا المعاصي التي أعظمها الكفر ما قام سوق الجهاد؛ لأننا لو كنا كلنا مسلمين فمن نجاهد؟ لا أحد، لكن إذا كان فيه كافر ومؤمن قام سوق الجهاد، ولا يخفى لكم ما في الجهاد من الخير والفضل العظيم.
سادسًا: لولا المعاصي لفاتت الحكمة من خلق الخلق كلهم، قال الله عز وجل: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ يعني على الهدى ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود ١١٨- ١١٩].
سابعًا: لولا المعاصي لم يكن لخلق الجنة والنار حكمة؛ لأن النار لمن عصى، ولو لم يكن عصاة، لكان خلق النار عبثًا، ولهذا قال: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود ١١٩].
فتبين الآن أن ما يقدره الله عز وجل مما يكرهه له فوائد كبيرة عظيمة، وحينئذ يكون مرادًا لله لغيره، وهو من هذه الناحية محبوب إلى الله، فتبين بهذا سقوط الإيراد الذي أوردناه أولًا، وهو كيف يريد الله المعاصي وهو يكرهها، أعرفتم؟ ومثل هذه الفوائد قد لا تجدونها في كتاب، ولذلك أحثكم على الاحتفاظ بها وتقييدها، طيب نظير ذلك فى الأمور المحسوسة أن الأب أو الأم يأتي إلى ابنه المريض فيكويه بالنار، وتؤلمه، وتحرق جلده، لكن لماذا؟ لطلب الشفاء، فكيه مكروه غير محبوب له، لكنه محبوب ليش؟ محبوب لغيره، أي: لما ينتج عنه من المصالح، وبهذا تبين أنه لا مانع من أن يكون الشيء مكروهًا من وجه أيش؟ محبوبًا، من وجه، طيب الفرق نرجع إلى الفرق بين الإرادتين الشرعية والكونية، ما هي التي يلزم فيها وقوع المراد؟
* طلبة: الشرعية الكونية.
* الشيخ: الكونية الشرعية.
* طلبة: الكونية الشرعية.
* الشيخ: الكونية الشرعية، على أي شيء نستقر؟
* طلبة: الكونية.
* الشيخ: الكونية؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، هي التي يلزم منها وقوع المراد، وعلى هذا فالكافر مراد منه أن يؤمن ولم يؤمن، مراد منه أن يكفر وقد كفر، مراد منه أن يؤمن بأي الإرادتين؟
* طلبة: الشرعية.
* الشيخ: مراد منه أن يكفر بالإرادة الكونية، فكفر المؤمن الذي آمن مراد منه أن يؤمن بالإرادة الشرعية، ومراد منه أن يؤمن بالإرادة الكونية؛ لأنه آمن، وعلى هذا فالمؤمن اجتمع في حقه الإرادتان الكونية والشرعية. صح، متأكدون؟
* طلبة: صحيح.
* الشيخ: المؤمن اجتمع في حقه الإرادتان الكونية والشرعية، والكافر في حقه الإرادة الكونية دون الشرعية، أليس كذلك؟ الكافر في حقه الإرادة الكونية دون الشرعية، طيب هنا إن أرادني الله بضر أو أرادني برحمة أي الإرادتين؟
* طلبة: الكونية.
* الشيخ: الإرادة الكونية.
* من فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل يبتلي الإنسان بالضر وبالرحمة نعم، وهو كذلك يبتليهم بالضر ويبتليه بالرحمة، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ [الروم ٣٣] فالله عز وجل يبتلي بالضر ويبتلي بالرحمة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الفرق بين الضر وبين الرحمة قال فيها: ﴿هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِه﴾ [الزمر ٣٨]، والضر ﴿هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾ [الزمر ٣٨]؛ لأن الرحمة تحتاج إلى بقاء، فإذا أبقى الله الرحمة فهل هذه الأصنام هي التي تمسك الرحمة أو الله؟ الله عز وجل، الله هو الذي يمسك الرحمة وليست هذه الأصنام.
ويحتمل في الآيات وجه آخر: هل هن ممسكات رحمته أن تصل إلى المرحوم، فيكون ممسكات بمعنى مانعات للرحمة؛ ليكون ذلك في مقابل ﴿هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ﴾ [الزمر ٣٨].
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب اعتماد الإنسان على الله؛ لقوله: ﴿قُلْ حَسْبِيَ اللَّه﴾ [الزمر ٣٨] أي: قلها باللسان معتقدًا إياها بقلبك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن أحق من يتوكل عليه هو الله؛ لقوله: ﴿عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [الزمر ٣٨].
فإن قال قائل: هل تحقيق التوكل ينافي فعل الأسباب؟
فالجواب: لا، إلا إذا تعذرت الأسباب ولم يبق إلا التوكل فحينئذ يكون هو سبب الأسباب، فالإنسان مأمور بفعل السبب، فإذا فعله ولم يفده، أو لم يكن السبب موجودًا مقدورًا عليه؛ لم يبق إلا التوكل، فإن قال: ما هو الدليل على أن فعل الأسباب لا ينافي التوكل؟ قلنا: وقوع ذلك من سيد المتوكلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ بالأسباب؛ يأكل ليندفع عنه الجوع، ويشرب ليندفع عنه العطش، ويتدرع بالدروع في الحرب ليتقي بذلك السهام، بل إنه عليه الصلاة والسلام فى أُحُد ظاهر بين درعين[[أخرجه ابن ماجه (٢٨٠٦) وأحمد (١٥٧٢٢) من حديث السائب بن يزيد.]]؛ لأن ذلك أقوى في الصيانة والحماية، وشق الخندق على المدينة في غزوة الأحزاب منعًا للعدو من دخول المدينة، والشواهد على هذا كثيرة، ولكن نقيد الأسباب بأن يثبت كونها سببًا شرعًا أو حسًّا، لا بد أن يثبت كونها سببًا إما عن طريق الشرع، وإما عن طريق الحس والتجارب، فأما مجرد توهم كون هذا سببًا فإن ذلك من الشرك.
انتبهوا لهذه النقطة، فمن دلالة كون الشيء سببًا شرعًا أن القرآن شفاء لما فى الصدور، وهو مرض الشبهات والشهوات، وشفاء لما في الأبدان؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للذي قرأ بالفاتحة على اللديغ: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٢٧٦) ومسلم (٢٢٠١ / ٦٥) من حديث أبي سعيد الخدري.]] من أين علمنا ذلك أن القرآن شفاء؟ من الشرع، وقد يكون بالتجارب، مثل أن نعرف أن السَّنا مُسهِّل، من أين عرفنا؟ هل في القرآن والسنة أن السنا مُسهِّل؟
* طالب: بالتجارِب.
* الشيخ: لكن بالتجارب. السنا يسمى بلغتنا ما أدري أنتم عن لغتكم في القصيم، يسمونه السناوين، مثنى، وهو سنا واحد، لكنه نوع من الأوراق، أوراق الشجر المعروف، يشبه السِّدر، إذا دُقَّ ونُقع في الماء لمدة عشرين ساعة أو نحوها، وشربه الإنسان، فإنه يسلت ما في بطنه من الأذى ويسهل، وله رائحة كريهة، لكن الناس يجعلون معه بصلًا ليعمي رائحته، وإن كان البصل خبيثًا، لكن أهون.
* طالب: أخف الضررين.
* الشيخ: إي نعم، أخف الضررين، على كل حال من أين عرفنا أن هذا مسهِّل؟ من التجارب، وغالب الأدوية الموجودة الآن غالبها من هذا النوع من التجارب، أما شيء موهوم فهذا لا يجوز اعتماده، بل هو نوع من الشرك. التولة شرك، لماذا؟ لأنه لم يثبت كونها سببًا لمحبة الرجل لزوجته، أو الزوجة لزوجها، لا شرعًا ولا حِسًّا، فيكون إثبات كونها سببًا شركًا؛ لأنك أثبت ما لم يثبت الله، فكأنك جعلت نفسك مثل الله في إثبات الأسباب ومفعولاتها.
إذن قوله تعالى: ﴿عَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [يوسف ٦٧] لا ينافي فعل الأسباب، بل الأسباب من التوكل في الواقع، ولهذا «قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي عُبيدة بن الجرَّاح لما قال: أفرارًا من قدر الله؟ قال: نَفِرُّ مِن قَدَر الله إلى قَدَر الله»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٧٢٩)، ومسلم (٢٢١٩ / ٩٨) من حديث عبد الرحمن بن عوف.]]. والله أعلم.
* طالب: هل العاصي الذي يتوب إلى الله أفضل أم الذي لم يعصِ الله عز وجل.
* الشيخ: لا، الذي لم يعص الله أحسن؛ لأن العاصي ربما لا يوفَّق للتوبة، أقول: ربما لا يوفق للتوبة، لكن الإنسان يشعر من نفسه أنه إذا عصى ثم تاب وجد من نفسه أنه خجل من الله ورجع إليه، واستحيا منه، لكن إذا كان سائرًا على الطاعة مستمرًّا لا يجد لذة التوبة، وهذا شيء مجرب ومشاهد.
* طالب: الأدوية الموجودة الآن هل هي ثابتة (...).
* الشيخ: إي، ما فيه شك.
* الطالب: لكن المريض ما يعلم أنها ثابتة، بدليل أنه يستعمل كثيرًا منها..
الشيخ: كيف ما يعلم؟ لا؛ لأنه واثق بأهل الطب، ويدري أنها مفيدة، هم الآن لا يمكن ينزلون للسوق أدوية إلا بعد أخذ تجارب عليها كثيرًا يجربونها على الفئران، على الأرانب، على الكلاب، يجرون تجارب، خصوصًا في الأمراض المستعصية، أنت لا تظن أن الواحد منهم يعجن ها الحبوب هذه ويعطيك إياها على طول.
* الطالب: لكن أحيانًا ما يجد الإنسان نتيجة يستعمل..
* الشيخ: ها، أحسنت، أصلها الدواء لا بد أن يصيب محلًّا قابلًا، إذا لم يصب محلًّا قابلًا ما نفع، حتى القراءة اللي ثابت بأنها سبب ولا شك فيها كثيرًا ما تقرأ على المريض ولا يستفيد؛ لأن المحل غير قابل، تجده تقرأ عليه ويقول: ها ويش هانطول ما عنده علم ما يستفيد.
* الطالب: في الحالة دي يحرم استعماله يا شيخ؟
* الشيخ: لا، ما يحرم الاستعمال، لكن إذا كان يؤدي إلى ضرر، مثل بعض المضاد الحيوية هذه يمكن تضر الإنسان أكثر مما تنفعه، فإذا لم يجد نفعًا فهنا يجب عليه أن يمسك حتى لو قال له الطبيب: استمر، وهو ما وجد نفعًا، وهي من الأدوية المضادة اللي يسمونها المضادات الحيوية، هذه خطر على الإنسان.
{"ayah":"وَلَىِٕن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَیَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ قُلۡ أَفَرَءَیۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَنِیَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلۡ هُنَّ كَـٰشِفَـٰتُ ضُرِّهِۦۤ أَوۡ أَرَادَنِی بِرَحۡمَةٍ هَلۡ هُنَّ مُمۡسِكَـٰتُ رَحۡمَتِهِۦۚ قُلۡ حَسۡبِیَ ٱللَّهُۖ عَلَیۡهِ یَتَوَكَّلُ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق