الباحث القرآني

ثم قال الله عز وجل: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ الاستفهام هنا للتقرير بناء على القاعدة التي ذكرناها من قبل، وهي أن همزة الاستفهام إذا دخلت على ما يفيد النفي أفادت التقرير ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١]، يعني قد شرحنا لك صدرك ﴿أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المؤمنون ١٠٥] يعني: قد كانت. وهكذا ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ يعني: قد كفى الله عبده، وقوله: ﴿بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ الذي نصب (عبده) قوله: ﴿كَافٍ﴾؛ لأن ﴿كَافٍ﴾ اسم فاعل، وفاعله مستتر، و﴿عَبْدَهُ﴾ مفعول به، وقوله: ﴿بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ (عبد): مفرد مضاف فيكون عامًّا لجميع من اتصف بهذا الوصف، فكل من كان عبدًا لله حقًّا فإن الله كافيه، ومثل هذا قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق ٣]، ومثله قوله تعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة ١٣٧] فالعبد هنا وصف شامل لا يختص بواحد دون الآخر فكل من انطبقت عليه العبودية حقًّا فالله تعالى كافيه ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ والجواب على هذه الجملة أن يقال؟ بلى. ثم قال: ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ هنا الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ﴿يُخَوِّفُونَكَ﴾ وعطف ﴿يُخَوِّفُونَكَ﴾ الخاص بالرسول لايقتضي تخصيص اللفظ العام قبله وقد مر علينا مثل هذا كثيرًا، يُذكر لفظ عام ثم يُذكر حكم يختص ببعض أفراده، قلنا: إن هذا لا يقتضي التخصيص، وأقرب مثال مرّ علينا في ذلك ما هو؟ مر علينا أمثلة أقربها؟ * طالب: ﴿الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ﴾. * الشيخ: لا، هذا عامٌّ، مر علينا في الحديث، ما أسرع أن نسيانكم.. هذه القواعد لا ينبغي أن تُنسى يا جماعة، لا ينبغي أن تُنسى؛ لأن لو أنك الآن حفظت القاعدة مثلًا حفظت هذه القاعدة: أنه إذا جاء لفظ عام ثم جاء بعده حكم يختص ببعض أفراده فإن هذا لا يقتضي التخصيص، هذه قاعدة واضحة، لكن لو قال لك قائل أعطني مثالا ينطبق على هذا، إذا نسيت المثال قال لك: هذه القاعدة غير مقبولة، بل أنا أقول: إذا جاء حكم يختص ببعض الأفراد دل على أن المراد بالعموم الأول الخصوص، فيقلب عليك القاعدة. وطالب العلم يقيّد الفوائد الشرائد، الفوائد اللي تشرُد من الذهن ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها ويقيدها وإلا ضاعت عليه. * طالب: إذا ما جاء حديث (...)؟ * الشيخ: لا، هذان نصان منفردان، إحنا نريد في سياق واحد، مر علينا في القرآن مثال، ومر علينا في السنة مثال، أقرب مما مر علينا في القرآن، وإلا كلٌّ مرت علينا. * طالب: حديث ابن عباس (...). * الشيخ: لا، «قضى النبي ﷺ بالشفعة في كل ما لم يُقسم » هذا عامٌّ ولّا لا؟ أجيبوا يا جماعة؟ «قضى في كل ما لم يُقْسم»، كل الذي لم يُقسم، عامٌّ،« فإذا وقعت الحدود وصُرِّفت الطرق فلا شُفعة»[[أخرجه البخاري (٢٢١٤).]] هذا حكم يختص ببعض أفراد العام، بماذا يختص؟ بالعقار، بالأراضي، فهل نقول إن العام الأول يُراد به الخصوص؟ أو نقول الأول عام وذكر حكم يختص ببعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص؟ هذا هو الثاني. وفي القرآن: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ إلى أن قال: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ [البقرة ٢٢٨]، ﴿الْمُطَلَّقَاتُ﴾ عام ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ﴾ حكم يختص ببعض أفراد هذا العام، ما الفرد الذي يختص به؟ الرجعية فهل نقول إن قوله: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ هذا خاص بالرجعيات؟ أو نقول هو عام؟ معروف عند أهل العلم أنه عام في المطلقات اللاتي طلُقن بطلاق بائن أو بطلاق رجعي. الآن أخذتم مثالين؟ هنا هذا المثال اللي معنا في القرآن هل ينطبق عليه أو لا؟ ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾. * طالب: ينطبق. * الشيخ: ينطبق عليه؟ الأول ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ عام، لم يقل: أليس الله بكافيك؟ عام، ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ﴾ هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، على أن لواحد منكم أن يقول لي: لماذا لا يصح أن يكون الخطاب موجهًا لكل من يصح خطابه، أي: يخوفونك أيها المخاطب، قد يقول القائل منكم لي هكذا كما قد جرت به العادة في كثير من النصوص، فالجواب على هذا أن نقول: إنه لا يصح أن يكون موجهًا لكل مخاطب؛ لأن كل مخاطب لا يتأتَّى عليه هذا الوصف، هل كل مخاطب خُوّف بالذين من دون الله؟ لا، إنما الذي خوِّف من دون الله هو النبي ﷺ، الذي خوّف بالذي من دون الله هو النبي؛ لأنهم يتوعدونه بآلهتهم. على كل حال هذا المثال ينطبق على ما ذكرناه من القاعدة أنه إذا ورد لفظ عامّ ثم أُتِي بعده بحكم يختص ببعض أفراده فإن ذلك لا يقتضي التخصيص، بل يبقى العام على عمومه ويثبت الحكم لهذا الفرد. قال: (﴿وَيُخَوِّفُونَكَ﴾ الخطاب له) يعني للنبي صلى الله عليه وآله وسلم (﴿بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ أي: الأصنام؛ أي تقتله أو تخبله)، وهذا كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران ١٧٥]، هم يخوفون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالذين من دون الله، وتخصيص هذا بالأصنام كما خصصه المؤلف فيه نظر، بل يخوفونه بالذين من دون الله من الأصنام وغير الأصنام حتى من ذوي السلطان، فيقول مثلًا: يفعل بك فلان، أو: تفعل بك الجن، أو: يفعل بك كذا أو كذا، فينبغي أن نحمل ﴿بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ على العموم، لا على خصوص الأصنام؛ لأن التخويف أعم من ذلك. الآن مثلًا في وقتنا هذا لو قال قائل لشخص: أنت إن نهيت عن هذا المنكر سأرفع بك إلى فلان ممن يُخشى شره هل هذا مخوف بالذين من دون الله؟ نعم، هذا مخوف بالذين من دون الله، فالآية عامة، ولا ينبغي أن يخصصها كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله. ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾، ﴿مَنْ﴾ شرطية، فتفيد العموم، فمن يضلل الله فما له من هادٍ يهديه، وقوله: ﴿فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ الجملة هذه اسمية مكونة من مبتدأ وخبر، وعجبًا أن نقول: إنها مكونة من مبتدأ وخبر، ونحن لا نجد فيها لا مبتدأ ولا خبر، أين الاسم المرفوع؟ والمعروف أن المبتدأ والخبر يكونان مرفوعين، وهنا ليس هناك شيء مرفوع، فالجواب أن نقول: (ما) نافية و﴿لَهُ﴾ جار ومجرور خبر مقدم، و﴿مِنْ هَادٍ﴾ مبتدأ مؤخر، وكيف نعرب ﴿مِنْ هَادٍ﴾؟ نقول: ﴿مِنْ﴾ حرف جر زائد، و﴿هَادٍ﴾ اسم مجرور بـ﴿مِنْ﴾، صح؟ * طالب: (...). * الشيخ: لا. * طالب: (...). * الشيخ: ﴿هَادٍ﴾ مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة منع من ظهورها؟ * طالب: اشتغال المحل بحركة.. * الشيخ: ما في حركة، الياء ما هي متحركة هنا؛ لأنها ما تتحرك بالجر، على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، والتي قُدرت عليها الكسرة لمناسبة حرف الجر الزائد، هذا إذا أردنا أن نتمحل في الإعراب للقواعد النحوية، وإلا يكفي أن نقول: ﴿مِنْ﴾ حرف جر زائد، و﴿هَادٍ﴾ مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، وننتهي؛ لأن حركة الحرف الجر الزائد في مثل هذه الكلمة لا تظهر. وقوله: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ يعني من يُقدر الله الضلالة فإنه لا أحد يهديه مهما اجتمعت عليه الأمة، وها هو أعظم الخلق في الهداية والدلالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حرص غاية الحرص لهداية عمه أبي طالب إلى آخر أنفاسه، ولكن لم يهتدِ؛ لأن الله عز وجل كتب عليه الضلالة، فكان آخر ما قال أن شهد شهادة الكفر فقال: «هو على ملة عبد المطلب»[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٦٠)، ومسلم (٢٤ / ٣٩) من حديث المسيب بن حزن.]]، «ولكن النبي صلى لله عليه وآله وسلم لحسن أخلاقه؛ ولأن عمه قام قيامًا نصر به الإسلام، شفع له عند الله، فكان في ضحضاح من نار، وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٨٨٥)، ومسلم (٢١٠ / ٣٦٠) من حديث أبي سعيد الخدري.]]، أعلى ما فيه، والنعال في أسفل ما فيه، والدماغ يغلي، فما بالك بما دونه من الجسم أشد غليانًا، وإنه لأهون أهل النار عذابًا[[أخرجه مسلم (٢١٢ / ٣٦٢) من حديث عبد الله بن عباس.]]، ويرى أنه أشدهم عذابًا، لماذا يريه الله أنه أشدهم عذابًا؟ لئلا يتسلّى بغيره؛ لأن صاحب النار لو علم أن غيره أشد منه أو مثله لتسلى وهان عليه الأمر، وقد أشار الله إلى ذلك في قوله: ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الزخرف ٣٩]، مع أنكم لو اشتركتم في العذاب في الدنيا لهان عليكم، انظر إلى كعب بن مالك رضي الله عنه لما قيل له: إنه تخلف عن غزوة تبوك فلان وفلان، هان عليه الأمر[[متفق عليه؛ البخاري (٤٤١٨)، ومسلم (٢٧٦٩ / ٥٣) من حديث كعب بن مالك.]]، وهذا شيء مُسلّم، والخنساء ترثي أخاها صخرًا وتقول: ؎وَلَوْلَا كَثْرَةُ الْبَاكِينَ حَوْلِي ∗∗∗ عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي؎وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ ∗∗∗ أُسَلِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي إذن نقول: من قدر الله ضلاله فلن يهديه أحد مهما أوتي من الآيات، فإنها: ﴿مَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس ١٠١]. * في هذه الآية الكريمة من الفوائد أولًا: كفاية الله لعبده. * ومنها من الفوائد: الحث على تحقيق العبودية لله؛ لأنك إذا حققت العبودية تحققت لك الكفاية، إذ إن الحكم المعلق على وصف يقوى بقوة ذلك الوصف ويضعف بضعف ذلك الوصف، فإذا كانت الكفاية مرتبة على العبودية حصل للعابد من هذه الكفاية بقدر عبوديته، على القاعدة أن الحكم المعلق بوصف يقوى بقوته ويضعف بضعفه. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: دفاع الله عز وجل عن المؤمنين؛ لأن الله إذا كان كافيه فسوف يدافع عنه، ويحقق ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج ٣٨]. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن أعداء الله يخوفون عباد الله بما دون الله؛ لقوله: ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾. * ومن فوائد هذه الآية: أن الشيطان -وهو زعيم أعداء الله- يخوف المؤمن العابد لله مما دون الله، فتجده يأتي إلى الشخص الذي يريد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يقول: لا تفعل، إن الناس يبغضونك، إن الناس يرمونك بالتشدد، إن السلطان ربما يؤدبك، وما أشبه ذلك، ولكن المؤمن لا يخاف من هذا أبدًا؛ لأنه معتصم بالله عز وجل، هو عبد الله، واثق بأن الله سينصره، فلا يهمه هؤلاء، ولكن هل يعني ذلك أن الإنسان يتجشم الأمور بالعاطفة العاصفة أو يستعمل الحكمة ويمضي في الحق؟ * طالب: الثاني. * الشيخ: الثاني، ولذلك نحن ننتقد على بعض الناس الذين عندهم غيره في دين الله، ولكنهم لا يأتون البيوت من أبوابها، يريدون أن يأتوا الأمور بالعنف والقوة، مع أنه ليس لهم قوة، فنحن نقول: امض فيما أمرك الله به، لكن مستعملًا بذلك الحكمة. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن كل من سوى الله فهو دون الله لقوله: ﴿يُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ فليس هنا إلا الله أو مَن دون الله. * ويتفرع على هذه الفائدة: أن كل من سوى الله فهو مغلوب، وإذا كان الله كافيًا عبده وكل من سوى الله فهو مغلوب فهذا يعني أن الانسان سيغلب إذا حقق العبودية، ولكن قد يورد علينا موردًا أن الله تعالى ذكر أن من الناس من قتل الأنبياء، فكيف يُجمع بين هذه الآية وبين ما ثبت من قتل بعض الأنبياء؟ والجواب على هذا أو الجواب عنه أن قتل الأنبياء لا يعني قتل ماجاءوا به من الحق، والأنبياء إنما تكلموا من أجل إثبات الحق لا من أجل إثبات شخصيتهم، من أجل إثبات الحق، ثم إنه إذا فاتهم الانتصار في الدنيا -الانتصار الذي تشاهدونه- لم يفتهم ذلك في الآخرة؛ لقول الله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر ٥١]، والله أعلم. * طالب: (...) تعريف (...)؟ * الشيخ: لا، تعريفه، تعريف الإحسان. * طالب: بالنسبة للخطاب ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ لِمَ يجعل (...) الخوف من دون الله عز وجل. * الشيخ: قلنا: إن هذا ما كل أحد، إذا قلنا إنه عام لكل إنسان. * طالب: (...) الخوف يا شيخ. * الشيخ: إي، ممكن نجعله لكل من خُوِّف، ممكن أن نجعله، لكن الظاهر أنه خاص بالرسول. * طالب: الرسول ﷺ شفع لعمه أبي طالب، وقال: «لَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٨٨٣)، ومسلم (٢٠٩ / ٣٥٧) من حديث العباس بن عبد المطلب.]]، وهو يرى نفسه أنه أشد الناس عذابًا؛ لأنه لو رأى أنه أقلهم يتسلى به؛ يعني معنى ذلك أنه ما علم بشفاعة النبي ﷺ له أنه في هذا الضحضاح؟ أم علم ولكنه يرى أنه أشد الناس؟ * الشيخ: سواء علم ولا ما علم هو يرى أنه أشد الناس، وكون الله أعلمه أنه كان يستحق الدرك الأسفل من النار ولكن الله بشفاعة الرسول قد يكون الله أعلمه بهذا ليعلمه أن الله قد جازاه وكافأه على ما صنع بالرسول عليه الصلاة والسلام وقد لا يكون، والله أعلم. * طالب: قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ هل ينطبق سياقهم على أن قال -سابقوهم-: ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ [هود ٥٤]. * الشيخ: هذا الذي نقله من؟ * طالب: سابقو قوم شعيب. * الشيخ: لا، الذين قالوه عاد لهود. * طالب: نعم، هل هو نفس الـ..، يعني: المشركون خوفوا النبي ﷺ بأنه سيعتريه سوء من الآلهه إذا تعرّض.. * الشيخ: لا، أولئك قالوا: ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ [هود ٥٤] يعني معناه: خبلوك وجعلوك مجنونًا، أما هؤلاء فقالوا: إن آلهتنا ستخبلك توعدوه في المستقبل (...). * * * * طالب: بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (٣٧) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [الزمر ٣٧ - ٤٠]. * الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ ذكرنا أن الاستفهام في قوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾؟ * طالب: أن همزة الاستفهام إذا أتت في موضع النفي فإنها تفيد التقرير. * الشيخ: نعم، إنه للتقرير، أن الاستفهام في قوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ للتقرير، بناء على القاعدة أنه إذا أتى بعد همزة الاستفهام ما يفيد النفي فهو للتقرير، وله أمثلة كثيرة في القرآن، وذكرنا المراد بـ﴿عَبْدَهُ﴾. * طالب: النبي ﷺ (...). * الشيخ: والمؤلف ماذا يرى؟ * طالب: (...) النبي ﷺ. * الشيخ: ما الذي أوجب للمؤلف أن يجعله عائدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ * طالب: قوله بعده: ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾. * الشيخ: نعم، والصحيح العموم، ﴿يُخَوِّفُونَكَ﴾ معناها؟ * طالب: يهددونك. * طالب آخر: يخوفونك، ذكر المؤلف أنها يُقصد بها الأصنام، ولكن هي تفيد العموم. * الشيخ: لا، هذا تفسير لـ﴿الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ لكن كلمة ﴿يُخَوِّفُونَكَ﴾ ما معناها؟ يلقون في قلبك الخوف منهم، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ [آل عمران ١٧٥]، قوله: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ ﴿مِنْ﴾ هذه؟ * طالب: (...). * الشيخ: أين جواب الشرط؟ * طالب: (...). * الشيخ: ما معنى قوله: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾؟ * طالب: يعني الذي الله عز وجل لم يرد أن يهديه. * الشيخ: لا. * طالب: (...). * الشيخ: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾؟ * طالب: (...) الله عز وجل للضلال، مهما بذل الإنسان في هدايته لا يستطيع، كما فعل النبي ﷺ بعمه. * الشيخ: تمام، ما المراد بالهداية في قوله: ﴿فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾؟ * طالب: هداية الدلالة، هداية إرشاد، هداية توفيق. * الشيخ: هداية الدلالة، وهداية الإرشاد، وهداية التوفيق. * طالب: الأخير يا شيخ. * الشيخ: الأخير هداية التوفيق، ما هو الدليل على أن المراد بالهداية هنا هداية التوفيق؟ * طالب: لأن هداية التوفيق (...) إلا الله. * الشيخ: لكن ما الدليل على أن ما معنى ﴿فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ أي: فما له من موفق للهداية، قد يقول قائل: ﴿فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ أي: من دال على الحق؟ * طالب: (...) ﴿فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ (...). * الشيخ: ما يكفي كلمة يفهم منه، لا بد من دليل. * طالب: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص ٥٦]، فدل هذا أن النبي ﷺ لا يهدي إلا (...). * طالب آخر: (...) أن العباد لا يملكون هذا الشيء الذي يملكه الله عز وجل. * الشيخ: إي، ما فيه شك، لكن ما هو الدليل على أن هذا هو المراد؟ لأن الهداية هدايتان: هداية توفيق وهداية دلالة. * طالب: قوله ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ﴾ حيث نسب الضلال إلى الله عز وجل. * طالب آخر: لأن الله سبحانه وتعالى هداهم هداية الدلالة؛ يعني أرشدهم لهداية الدلالة. * الشيخ: لأن هؤلاء الذين أضلهم الله قد هُدوا هداية الدلالة ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت ١٧]، والرسل أُرسلوا إلى قوم كفار حقت عليهم كلمة العذاب، فهنا يتعين أن المراد بالهادي هداية التوفيق ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن من كتب الله ضلاله فلا أحد يستطيع هدايته؛ لقوله: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾. * ومن فوائدها: أن الإنسان لا يطلب الهداية إلا من الله؛ لأنه وحده هو الذي يضل ويهدي، فتُطلب الهداية منه؛ لأنه ليس المراد بهذه الآية التيئيس من هداية الخلق، ولكن المراد الرجوع إلى الله عز وجل في هداية الخلق. * ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على المعتزلة الذين يقولون إن الانسان مستقل بعمله، يهدي نفسه ويضل نفسه، ولا علاقة لمشيئة الله في فعله لقوله: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾. * ومن فوائدها: إثبات الهداية لغير الله التي هي هداية الدلالة وأما التوفيق فإلى الله عز وجل. ثم قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ﴾ أخذناها أظن. * طالب: (...). * الشيخ: ما شُرحت، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ﴾ أي: من يقدِّر الله هدايته فما له من مضل. أن الإنسان لا يطلب الهداية إلا من الله؛ لأنه وحده هو الذى يضل ويهدي، فتطلب الهداية منه؛ لأنه ليس المراد بهذه الآية التيئيس من هداية الخلق، ولكن المراد الرجوع إلى الله عز وجل في هداية الخلق. * ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على المعتزلة الذين يقولون: إن الإنسان مستقل بعمله، يهدي نفسه ويضل نفسه، ولا علاقة لمشيئة الله في فعله؛ لقوله: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزمر ٣٦]. * ومن فوائدها: إثبات الهداية لغير الله التي هي هداية الدلالة، وأما التوفيق فإلى الله عز وجل. ثم قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ﴾ [الزمر ٣٧] أخذناها، ما شرح؟ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ﴾ أي: من يقدر الله هدايته فما له من مضل، فلا أحد يستطيع أن يضله مهما كثرت الشبهات وكثرت الشهوات، إذا قدر الله على العبد الهداية فلن يضله شهوة ولا شبهة؛ لأنه عند الشهوة يغلب العقل فيمتنع منها، وعند الشبهة يغلب العلم فيهتدى به منها، هذا من يهديه الله فما له من مضل. وفي هذه الجملة من تشجيع الإنسان على الاستمرار في الهداية ما هو ظاهر، فهذه * من فوائد الآية: تشجيع المرء المهتدي على الهداية؛ لأن الله هو الذي هداه، ولا أحد يستطيع أن يضله. * ومن فوائدها: اللجوء إلى الله عز وجل في طلب الهداية منه والاستمرار عليها. ثم قال: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾ [الزمر ٣٧]؟ الجواب: بلى، وقوله: ﴿بِعَزِيزٍ﴾ هذه خبر (ليس) دخلت عليها الباء الزائدة لفظًا، الزائدة معنًى؛ لأنها تفيد توكيد العموم في النفي؛ إذ إن النفي يفيد العموم إذا أتى بعده اسم نكرة، لكن إذا دخلت الباء فإن حروف الزيادة من أحرف التوكيد كما ذكر ذلك علماء البلاغة. وقوله: ﴿بِعَزِيزٍ﴾ قال المفسرون لأسماء الله الحسنى: العزيز له ثلاثة معان: المعنى الأول: عزة القدر، والمعنى الثاني: عزة القهر، والمعنى الثالث: عزة الامتناع. أما عزة القدر فمعناها أن الله ذو قدر عظيم وشرف كبير، لا أحد يماثله، ولا أحد يساويه أو يقاربه، وأما عزة القهر فمعناها أن الله تعالى قاهر لكل شيء، غالب لكل شيء، وأما عزة الامتناع فمعناها أن الله تعالى يمتنع عليه كل عيب ونقص، وهذا معروف في اللغة العربية. فالمعنى الثاني الذي هو الغلبة قال فيه الشاعر: ؎أَيْنَ الْمَفَرُّ وَالإِلَهُ الطَّالِبُ ∗∗∗ وَالأَشْرَمُ المَغْلُوبُ لَيْسَالْغَالِبُ وأما الأول الذي هو عزة القدر فيقال: هذا عزيز، أي: نادر لا يوجد؛ لشرفه وكرمه، وأما الثالث فقولهم: أرض عزاز، أي قوية صلبة يمتنع أو تمتنع أن تحفرها المعاول، فالله عز وجل عزيز بهذه المعاني الثلاثة، الأول الأخ؟ * طالب: الأول عزة الغلبة، عزة.. * الشيخ: عزة الغلبة والقهر. * الطالب: الأول عزة الغلبة، والثانية عزة القهر، والثالثة عزة الامتناع. * الشيخ: الامتناع طيب. وقوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾ [الزمر ٣٧] ذي بمعنى صاحب، وانتقام نكرة، والنكرة في سياق الإثبات لا تفيد العموم، ولكنها هنا في سياق؟ ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾ أي: صاحب انتقام، فكلما كانت الحكمة في الانتقام انتقم، وتأمل قوله: ﴿ذِي انْتِقَامٍ﴾، ولم يقل: منتقم؛ لأنه ليس من أسماء الله المنتقم، ولم تأت المنتقم في أسماء الله في حديث صحيح، وإنما جاءت باسم الفاعل مقيدًا، فقال تعالى: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ [السجدة ٢٢] ولم يقل: إنا منتقمون، وقال: ذي انتقام، أي: صاحب انتقام في موضعه، فالمنتقم ليس من أسماء الله، حتى وإن قرنت بالعفو، خلافًا لما ذهب إليه بعض العلماء من أنه إذا قُرنت بالعفو فلا بأس، بل نقول: المنتقم ليس من أسماء الله؛ لا مقرونًا بالعفو ولا منفردًا عنه، لكنه يُوصف بالانتقام مقيدًا: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ ويوصف بأن الانتقام يصدر منه، لا أنه منتقم؛ لقوله: ﴿بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾. * من فوائد هذه الآية: إثبات عزة الله عز وجل بجميع معانيها. * ومن فوائدها: تهديد هؤلاء المكذبين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تهديدهم بهذين الوصفين: وصف العزة المستفاد من العزيز، والانتقام المستفاد من قوله: ﴿ذِي انْتِقَامٍ﴾، فكأن الله يهددهم بعزته وانتقامه من تكذيب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. نأخذ شرح المؤلف رحمه الله، قال: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ﴾ [الزمر ٣٦، ٣٧] (غالب على أمره). وتفسيره العزيز بالغالب على الأمر يُعتبر قاصرًا؛ لأن العزة لها ثلاثة معانٍ كما شرحنا. قال: ﴿ذِي انْتِقَامٍ﴾ (من أعدائه) والانتقام أخذ المجرم بجريمته، وقوله: (بلى) هذا جواب الاستفهام في قوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب