الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ ﴿الَّذِي﴾ مبتدأ وخبره جملة: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾، فتضمنت هذه الجملة جملتين: جملة كبرى وجملة صغرى، الجملة الكبرى هي المكونة من المبتدأ والخبر، والصغرى هي الخبر المكون من مبتدأ وخبر، فالجملة الصغرى ما وقعت خبرًا تُسمى جملة صغرى؛ لأنها في مقام المفرد، والجملة الكبرى هي المكونة من مبتدأ وخبر أو فعل ومعموله.
وقوله: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ فيه شيء من الإشكال يتبادر إلى الذهن، وهو أنه أخبر عن: ﴿الَّذِي﴾ -وهو اسم مفرد- بجمع -وهو قوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ - ولم يقل: أولئك هو المتقي، ووجه ذلك أن: (الَّذِي) اسم موصول، والاسم الموصول يفيد العموم، حتى وإن كان مفردًا، فإنه يفيد العموم، ولهذا صح الإخبار عنه بالجمع مع كونه مفردًا.
يقول الله عز وجل: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ ﴿الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ﴾ عام يشمل كل من جاء بالصدق من الرسل عليهم الصلاة والسلام والأنبياء والصادقين من غيرهم كل من جاء بالصدق، ومن ذلك مثلًا كعب بن مالك رضي الله عنه، فقد جاء بالصدق حين تخلف عن غزوة تبوك، وأخبر بالصدق، وأمرنا الله عز وجل أن نكون معهم لما ذكر قصتهم، قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة ١١٩].
وقوله: ﴿صَدَّقَ بِهِ﴾ أي صدق بالصدق الذي قامت البينة على صدقه، وأظننا لسنا بحاجة إلى أن نبين معنى الصدق والكذب، الصدق: مطابقة الواقع للخبر، والكذب: مخالفته، يعني من أخبر بما يُطابق الواقع فهو صادق ومن أخبر بما يخالف الواقع فهو كاذب، وقوله: صدَّق بالصدق، أي بما قامت البينة على صدقه ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ يعني الذين اتقوا الله عز وجل فلم يقولوا كذبًا، واتقوا الله عز وجل فلم يردّوا صدقًا.
يقول الشارح -رحمه الله- والمفسر يقول: (﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ﴾ وهو النبي ﷺ) وهذا كما ترون تخصيص للعموم بما لا دليل عليه، والذي ينبغي إذا جاء القرآن عامًّا إبقاؤه على عمومه، بل هو الواجب أن يبقى على عمومه إلا بدليل، وهنا ليس هناك دليل يجعل هذا خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فالواجب أن نجعله عامًّا؛ لأن حمله على الخاص بلا دليل قصور في مدلول القرآن، إذن يشمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره.
(﴿وَصَدَّقَ بِهِ﴾ هم المؤمنون) سبحان الله، هذا أيضًا خطأ؛ لأننا لو فسرنا الآية بما فسر به المؤلف لزم من ذلك تشتيت الضمائر وعدم انسجام الكلام ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ ﴿صَدَّقَ بِهِ﴾ هذه معطوفة على الجملة التي هي صلة الموصول، وإذا كانت معطوفة على الجملة التي هي صلة الموصول لزِم أن يكون المتصف بها الموصول، ما دامت معطوفة على الصلة فهي من جملة الصلة، والصلة وصف للموصول، والمؤلف -رحمه الله وعفا عنه- شتت الضمائر، جعل الضمير الأول للرسول ﷺ، والضمير الثاني للمؤمنين، والحق أنهما يرجعان إلى شيء واحد، وهو الموصول؛ لأن صلة الموصول صفة له، والمعطوف على الصلة صفة له أيضًا.
إذن ﴿وَصَدَّقَ بِهِ﴾ من؟ يشمل كل أحد حتى النبي عليه الصلاة والسلام، صدق بأنه رسول الله، فكان يقول أحيانًا: «أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ»[[أخرجه البخاري (٢٤٨٤) من حديث سلمة بن الأكوع. ]]، فقد صدق بأنه رسول الله، وأن ما أنزل إليه من ربه هو الحق، وأول من يدخل في هذه الآية بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر الصديق، فإن أبا بكر الصديق صدّق، جاء بالصدق -رضي الله عنه- وصدّق به، حتى أنه في أضيق حال للرسول عليه الصلاة والسلام «ليلة الإسراء حينما أشاعت قريش بأن الرسول عليه الصلاة والسلام كذب وصار يخرف ويقول ما لا يمكن، فلما بلغه الخبر قال: إن كان قد قال ذلك فهو صادق»[[أخرجه عبد الرزاق في المصنف (٩٧١٩) عن الزهري.]]، فمن ذلك اليوم سُمِّي بالصديق رضي الله عنه.
قال: (هم المؤمنون فالذي بمعنى الذين) يعني أنها اسم مفرد لكن بمعنى الجمع؛ لكونها دالة على العموم.
(﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ الشِّرْك) ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ أتى باسم الإشارة للبعيد لعلو مرتبتهم، ولم يقل: هؤلاء، بل قال: أولئك، و(أولئك) يُشار بها للبعيد، وإنما أشير لهم إشارة البعيد مع دنو في التحدث عنهم، لعلو مرتبتهم.
وقول المؤلف: (﴿الْمُتَّقُونَ﴾ الشِّرْك) من أغرب ما يكون، الحديث الآن عن الصدق والتصديق بالصدق، فأين الشرك؟ لم يتقدم له ذكر، ولو أردنا أن نخصص لقلنا: أولئك هم المتقون الكذبَ والتكذيبَ بالحق، هكذا نقول، مع أن الذي يدل عليه الدليل أن المعنى: أولئك هم المتقون الله؛ وذلك لأن التقوى إذا أطلقت فإنما يُراد بها تقوى الله، أما إذا قُيِّدت فهي حسب ما قيدت به.
فقوله: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة ٢٨١] هذا لليوم، وقوله: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران ١٣١] هذا للنار، وقوله: (واتقوا الله) هذا لله وعند الإطلاق لمن؟ له لأن الله أحق أن يُتقى عز وجل، هنا نقول: أولئك هم المتقون الله، ولهذا جاءوا بالصدق وصدقوا به، اتقوا لله عز وجل.
* يُستفاد من هذه الآية الكريمة: الثناء على من قال بالصدق، والصدق واجب، والكذب محرَّم، وقد يقول قائل: إنه من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعله من آيات النفاق[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣)، ومسلم (٥٩ / ١٠٧) من حديث أبي هريرة.]]، والمنافق ليس من المؤمنين، فلو قال قائل: إن الكذب من كبائر الذنوب. لم يكن قوله بعيدًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الثناء على من صدَّق بمن قامت البينة على صدقه، صدَّق بالصدق، وأما من لم يُصدّق بما يشك فيه فلا حرج عليه، والأخبار التي ترد على المرء تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما دل الدليل على صدقه فيُصدّق.
والثاني: ما دل الدليل على كذبه، إما لكون ناقله معروفًا بالكذب وإما لكونه مستحيل الوقوع أو ما أشبه ذلك، فهذا يُكذّب ولا حرج على من كذبه.
والثالث: ما يحتمل الصدق ويحتمل الكذب فهذا يُتوقف فيه، لا يُرد لعدم قيام الدليل على رده، ولا يُقبل لعدم قيام الدليل على قبوله، ودليل هذا القسم قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات ٦]، ولهذا في الآية التي قبل هذه قال: ﴿وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ﴾، وهنا قال: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ فذمَّ الأولين وأثنى على الآخرين.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الصدق من التقوى، وتصديق من قامت البينة على صدقه هو أيضًا من التقوى، لقوله: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾.
* ومن فوائدها الأصولية للحكم الفقهي: أن الموصول من صيغ العموم لقوله: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾.
{"ayah":"وَٱلَّذِی جَاۤءَ بِٱلصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











