الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ [الزمر ٢] لَمَّا بَيَّن أن تنزيل الكتاب من الله؛ بيَّن إلى مَن أُنزِل فقال: (﴿﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ ﴾ يا محمد) ﴿أَنْزَلْنَا﴾ ضمير جمع لكنه إذا كان عائدًا إلى الله فليس للجمع قطعًا بل هو للتعظيم، وقد اشتبه على النصراني مثل هذا الجمع وقال: إن الله ثالث ثلاثة؛ لأن الله تعالى يذكر الضمير عائدًا إليه بصيغة الجمع، وأقل الجمع ثلاثة، فنقول في الرد عليه: إن هذا من زيغ النصارى، ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف ٥]، فاتَّبَعُوا المتشابه من القرآن، ولو أنهم ردوا هذا المتشابه إلى المحكم لعلموا أنهم مخطئون غاية الخطأ؛ وذلك أن الله صرَّح في آيات كثيرة بأنه إلهٌ واحد فقال: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة ١٦٣]، وهذا نصٌّ صريح مُحكَم، وأما (نا) التي هي ضمير الجمع فإنها في اللغة العربية التي نزَل بها القرآن صالحة للجمع وللمُعَظِّم نفسَه، إذن هي من المتشابه؛ لأن اللفظ إذا احتمل معنيين فإنه يقال فيه: متشابه، والمتشابه يجب أن يُرَد إلى المحكم.
قال: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ ﴿إِلَيْكَ﴾ هذا الغاية، والخطاب للرسول ﷺ، ﴿الْكِتَابَ﴾ أي: المكتُوب، وهو القرآن، وسبق وجه كونه كتابًا.
(﴿﴿بِالْحَقِّ﴾ ﴾ متعلِّق بـ(أنزل)) ﴿بِالْحَقِّ﴾ الباء هنا للملابسة وللتعدية؛ يعني: أن الكتاب نفسه نزل حقًّا من عند الله لا من عند غيره، ﴿أَنْزَلْنَا﴾ بالحق؛ يعني بالتأكيد، أننا أنزلناه إليك من عندنا، وقلنا أيضًا: للتعدية؛ بمعنى أن الكتاب نزل بالحق؛ أي أن ما اشتمل عليه القرآن فهو حقٌّ.
فعلى الوجه الأول يكون المراد بالحق تأكيد أنه نزل من الله، وعلى الوجه الثاني يكون المعنى أن كلَّ ما اشتمل عليه القران من أخبار وأوامر ونواهٍ وغيرها فهو حق.
إذن ﴿بِالْحَقِّ﴾ له معنيان:
المعنى الأول: أن القرآن نزَلَ من عند الله حقًّا لا باطلًا.
الثاني: أن ما اشتمل عليه القرآن فهو حق؛ أوامر، نواهٍ، أخبار، قصص، كلها حق.
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ قال: (متعلِّق بـ(أنزل)) ولم يقل: متعلق بـ﴿أَنْزَلْنَا﴾؛ لأنَّ المتعَلِّق إنما يتعَلَّق بالفعل، أما (نا) فهي ضمير خارجة عن الفعل.
قال: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ الفاء للتفريع، وعلامة فاء التفريع أن ما بعدَها يكون مرَتَّبًا على ما قبلها، فالمعنى: فلإنزالِنا إليك الكتاب اعبدِ الله مخلصًا له الدين، (اعْبُد) الخطاب للنبي ﷺ، وقوله: ﴿مُخْلِصًا﴾ حال من فاعل (اعبد)، وإخلاص الشيء تنقِيَتُه من الشوائب وإزالة ما يُخالطه، فإذا كان مخلصًا له الدين فالمعنى أن تُنَقِّىَ دينك من كل شرك، ولهذا قال المؤلف: (﴿﴿مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ ﴾ من الشرك) أي: موحِّدًا له؛ أي: لله.
وقوله: ﴿لَهُ الدِّينَ﴾ ﴿الدِّينَ﴾ يعني: العمَل، والمراد به هنا العمل المخصوص وهو العبادة؛ لقوله: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾، ولم يقل: مخلصًا له العبادة؛ لأن الدين هو العمل الذي يريد العامل عليه مكافأةً، هذا الدين، ومنه قولهم: كما تَدِين تُدَان.
واعلم أن (الدِّين) يُطلَق على العمل الذي يُراد به المكافأة، ويُطلقُ على نفس المكافأة وهي الثواب على العمل، فمِن الأول مثل هذه الآية ﴿مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾، ومثل قوله تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون ٦]، ومثل قوله تعالى: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة ٣]؛ أي عملًا تتعبدون به.
ومثال الثاني قوله تبارك وتعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة ٤] يعني: يوم الجزاء على العمل، ومثل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ [الانفطار ١٧، ١٨] أي: يوم الجزاء على العمل.
قال الله تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر ٣] ﴿أَلَا﴾ إداة استفتاح، وهي حرف يراد به التنبيه. ويش قلنا؟
* طالب: ﴿أَلَا﴾ أداة تنبيه.
* الشيخ: أداة تنبيه، إي نعم.
* الطالب: ﴿أَلَا﴾ أداة استفتاح.
* الشيخ: ﴿أَلَا﴾ أداة استفتاح، وهي حرف يُراد به التنبيه، ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ هذه أداة استفتاح، وهي حرف يراد به التنبيه؛ لأنَّ المتكلم إذا قال: (أَلَا) انتبه المخاطب، وقوله: ﴿لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ الجار والمجرور خبر مقدم، و﴿الدِّينُ﴾ مبتدأ مؤخر، ويفيد تقديم الخبر الحصر؛ أي: لله وحده.
وقوله: ﴿الدِّينُ﴾ يعني: العمل الذي يُراد الثواب عليه، وقوله: ﴿الْخَالِصُ﴾ يعني: النَّقي من الشوائب والشرك؛ أي أنه يجب على العاقل أن يجعل الدين الخالص لله وحدَه؛ إذ كيف يلِيق بالعاقل أن يتعبد بالحقِّ لله من أجلِ التَّقَرُّبِ إلى غيره؟! هذا خلاف العقل، فإذا قام الإنسان يصلِّي من أجل أن يراه الناس فهو سفيه في عقله ضالٌّ في دينه، كيف تجعل الحق الخالص للناس؟ الحق الخالص لله تجعَلُه للناس؟! العمل الذي للناس للناس، لكن العمل الذي لله يجِب أن يكون لله، ولهذا قال: ﴿أَلَا لِلَّهِ﴾ وحده ﴿الدِّينُ الْخَالِصُ﴾، فلا يجوز أن نجعلَه لغيرِه.
ولهذا قال: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ يقولون: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ﴾ إلى آخرِه، الواو هنا للاستئناف، و﴿الَّذِينَ﴾ مبتدأ، و﴿اتَّخَذُوا﴾ صلة الموصول، وخبر المبتدأ محذوف تقديره: يقولون: ما نعبدهم، أو قالوا: ما نعبدهم.
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ ﴿اتَّخَذُوا﴾ بمعنى صيَّرُوا، كقوله تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء ١٢٥] يعني: صيَّرَه، وقوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ [الجاثية ٢٣] أي: صيَّرَ إلهَه هواه، إذا كانت (اتخذ) بمعنى صيَّر فإنها تحتاج إلى مفعولين؛ مُصَيَّر ومُصَيَّرٍ إليه.
يقول المؤلف رحمه الله: (الأصنام ﴿﴿أَوْلِيَاءَ﴾ ﴾)، وعليه فيكون المفعول الأول محذوفًا، والثاني ﴿أَوْلِيَاءَ﴾، وحَذْف المفعول إذا دلَّ عليه الدليل جائز، قال ابن مالك رحمه الله في بابِ المبتدأ والخبر قال:
؎وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ كَمَا ∗∗∗ تَقُولُ (زَيْدٌ) بَعْدَ (مَنْعِنْدَكُمَا)
(حذف ما يعلم جائز) الواقع أن هذا البيت في المبتدأ والخبر لكن هل هو عام؟ نعم هو عام، حذْف ما يعلم جائز، وقد يكون من الفصاحة والبلاغة أن يُحذَف، إنما الأصل أن ما يُعلَم يجوز الحذف، وما لا يعلم لا يجوز الحذف؛ لأن الكلام لا بد أن يكون مُبَيِّنًا لمراد المتكلم، وهذا لا يكون مع حذف ما لا يُعلَم.
طيب إذن المفعول الأول محذوف، والتقدير: الأصنام، والثاني موجود وهو قوله: ﴿أَوْلِيَاءَ﴾، (أولياء) جمع وليٍّ؛ أي يتوَلَّوْنَها ولاية عبادة يتضَرَّعُون إليها، يسجُدُون لها، ينذُرُون لها، يتصَدَّقُون لها، لكن لا يعتقدون أن هذه الأصنام تنفعُهم أو تضرهم بذاتها ولا أنها تخلُق ولا أنها ترزُق لكن يدَّعون أنهم اتَّخَذُوها وسيلة.
ولهذا يقول: (﴿﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ ﴾ وهم كفارُ مكة) وتخصيصها هذا بكفار مكة فيه قصورٌ، ولا ينبغي أن نفَسِّر العامَّ بما هو أخص إلا على سبيل التمثيل، أما على سبيل تحديد المعنى بحيث يأتي اللفظ في القرآن عامًّا ثم نفَسِّرُه بمعنًى أخص فإنَّ هذا قصور في الحقيقة، أليس كذلك؟ لكن إن أراد الإنسان بهذا التفسير، إن أراد التمثيل؛ يعني: مثل كفار مكة فهذا لا بأس به، لكن القارئ الذي يقرأ مثل هذه العبارة من كلام المؤلف لا يشك أن المؤلف أراد بهذا التخصيص، وفي هذا نظرٌ ظاهر، فالواجب إبقاءُ دلالة عموم الآيات وكذلك الأحاديث على ما هي عليه حتى يقوم دليل عقلي أو قرينة لفظِيَّة على أن المراد الخاص.
طيب يقول: (وهم كفار مكة قالوا: ﴿﴿مَا نَعْبُدُهُمْ﴾ ﴾) (قالوا) هذه الجملة محذوفة؛ لأنها معلومةٌ من السياق، ويصح أن نقدِّر (يقولون: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ﴾ )، ولعلها أنسَب من قول المؤلف: (قالوا) حكايةً للحال التي هم عليها، وعلى كُلٍّ فالجملة المحذوفة هي خبر المبتدأ، وهو قوله: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾، ولا يجوز أن نجعل جملة ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ﴾ هي الخبر؛ لفساد المعنى.
قال: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ هذا حصر لمرادهم بعبادة هذه الأصنام؛ يعني: ما نعبدهم إلا لهذا الغرض ﴿لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾، وهذا إقرار منهم واعتراف بأنهم يعبدون الأصنام؛ لقولهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ﴾، وأنَّ هذه العبادة وسيلة لغاية أشرف منها وهي القُرْبى إلى الله عز وجل، وهذا من جهلهم؛ لأنه الآن إذا عبَدُوهم جعلوها غاية؛ لأنَّ المقصود هو الوصول إلى الله عز وجل، والوصول إلى الله لا يكون إلا بعبادته، فهم إذا عبدوهم جعلوهم هم الغاية، ولهذا سنبين -إن شاء الله- أن هذا من سفَهِهم.
﴿إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ (قُرْبى) مصدر بمعنى: تقريبًا، ﴿إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ ﴿زُلْفَى﴾ يقول المؤلف: إنها مصدر لكنَّها مصدرٌ معنوي؛ لموافقته العامل في المعنى دون اللفظ، لأنَّ المصدر قد يكون لفظيًّا وقد يكون معنوِيًّا؛ فإن وافَق عاملَه في اللفظ فإنَّه لفظي، مثل: قمتُ قيامًا، وإن خالفَه في اللفظ دون المعنى صار معنَوِيًّا، كقولك: قمتُ وقوفًا.
قعدتُ قعودًا؟
* طالب: لفظِي.
* الشيخ: لفظي. قعدتُ جلوسًا؟
* طالب: معنوي.
* الشيخ: معنوي، طيب.
يقول: تقرَّبُوا إلى الله زلفى، يقول: إنه بمعنى قربى، وقربي أيضًا يراد بها التقريب، وإنما قال المؤلف: إنه يراد بها التقريب؛ من أجل أن يطابِق الفعل، الفعل (قرَّبَ) مضارِعُه يُقَرِّب، المصدر المطابق أيش؟ تقريبًا لا قُرْبَى.
ولكن من المعلوم أنه قد يوافق المصدر عاملَه في اللفظ ولكنه لا يُطابِقُه في الحروف، ومثل هذا يسمَّى عندهم اسم مصدَر، كقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا﴾ [نوح ١٧]، لو كان مصدرًا لقال: إنباتًا، فلما قال: ﴿نَبَاتًا﴾ ونقصت حروفه عن حروف فعلِه سُمِّي اسمَ مصدر. المهم أنهم يقولون: نحن لا نعبد هذه الأصنام إلا من أجل أن تقرِّبَنا إلى الله تعالى قربى.
يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ الجملة استئنافية لبيانِ مآلِ هؤلاء الذين اتَّخَذُوا الأصنام أولياء؛ يعني فماذا تكون نهايتهم؟ يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ طيب ﴿بَيْنَهُمْ﴾ قال المؤلف: (وبين المسلمين)، فأشار إلى أن الطرف الآخر من البينُونة -أو من البَيْنِيَّة على الأصح- محذوف وبين المسلمين، وهذا التقدير ليس في السياق ما يدلُّ عليه، لو قال: (بينكم) لكان صحيحًا أن المراد: بينكم وبينهم، لكن هو قال: ﴿بَيْنَهُمْ﴾ أي: بين هؤلاء الكفار، ﴿فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ وكأن المؤلف رحمه الله ظنَّ أنه لا اختلافَ بين الكفار، وليس كذلك، بل الخلاف بينهم حاصل في الدنيا وفي الآخرة، قال الله تعالى: ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ﴾ [الأعراف ٣٨] إلى آخر الآيات، محاورة، منازعة، مخاصمة، فيحكم الله بينهم، وقد ذكر الله ذلك في عدة آيات، فالصواب أن الضمير ﴿بَيْنَهُمْ﴾ أي يعود على الكفار، وأنَّ الخلاف أو الاختلاف حاصل بينهم أنفسهم.
النصارى واليهود بينهم خلاف؛ ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ﴾ [البقرة ١١٣]، وهذا خلاف ثابت بين الأمم الكافرة، فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما هم فيه يختلفون من أمر الدين، فيُدْخِلُ المؤمنين الجنة والكافرين النار، هذا بناءً على ما ذهب إليه المؤلف.
ولكن على القول الذي هو ظاهر الآية الكريمة ﴿يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾، فيجعل كلَّ إنسان في منزلته، وقد بيَّن الله عز وجل ذلك في قوله: ﴿وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [سبأ ٣٣]، لما ذكر المحاورة بين المستضعفين والمستكبرين.
في هاتين الآيتين فوائد:
* أولًا: فضيلة رسول الله ﷺ وعُلُو مرتبتِه، وذلك بإنزال كتاب الله إليه؛ لقوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾.
وهنا نسأل هل إنزال القرآن إلى الرسول إنزالٌ إلينا؟ نعم إنزال إلينا؛ لأنه رسولنا، وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء ١٧٤]، فالنازل إلى رسول الله نازل إلينا ولكنه هو المباشر لهذا الإنزال ويبَلِّغُه لنا.
* من فوائد الآية: ما سبق من أن القرآن نازِلٌ من عند الله، فيكون كلامَه.
* ومنها: علو الله عز وجل؛ لأنَّ النزول إنما يكون من أعلى (...).
دلَّ عليه الكتاب والسنة والعقل والفطرة، خمسة أنواع من الأدلة كلها تثبت علُوَّ الله على خلقه، وقد خالَف في هذا طائفتان:
الطائفة الأولى: طائفة الحلولية الذين قالوا: إن الله بذاته في كل مكان، يقولون: الله بذاته نفسُه سبحانه وتعالى في كل مكان؛ في المسجد، في السوق، في البيت، في السطح، في الحجرة، في أقبح مكان، والعياذ بالله. وهؤلاء الآن أقول: إنهم كفار، لكن مَن كان متأَوِّلًا وجب إعلامُه وبيانُ الحقيقة له فإن أصَرَّ فهو كافر.
الطائفة الثانية المخالفة: المعطلة الجاحدة الذين يقولون: إن الله تعالى ليس فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، ولا متصل ولا منفصل، هؤلاء وصفوا الله بالعدم، كما قال محمود بن سبكتكين رحمه الله لابن فورك لمَّا قال: إن الله لا موجود ولا معدوم.. إلى آخره، قال له محمود بن سبكتكين: إنك وصفتَ الله تعالى بالعدم. وصدق، لو أردنا أن نصِفَ معدومًا ما وجدنا أشد إحاطةً من هذا الوصف بالمعدوم.
طيب، هدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، وقالوا: إن الله تعالى نفسَه فوق كل شيء كما دلَّ على هذا الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الكتاب حقٌّ من عند الله لم يتقَوَّلْه النبي ﷺ على ربِّه، بل هو من عند الله؛ لقوله: ﴿أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ يعني: أنه حقٌّ من عند الله عز وجل، وقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ [الحاقة ٤٤ - ٤٦].
ولا بأس أن نتكلم عن هذه الآية، قال: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا﴾ بعد أن قال: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٣) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا﴾ [الحاقة ٤٠ - ٤٤] لئلا يتوَهَّم واهم أنه لما قال: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ صار القرآن من عند الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه هو الذي قاله، فقال: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة ٤٤ - ٤٧].
* ومن فوائد هذه الآية: أن جميع ما في القرآن حق، على الوجه الثاني، أخباره وقصصُه وأوامرُه ونواهيه، إذن أخبارُه ليس فيها كذب بوجه من الوجوه، قصصُه ليس المراد منها إمضاء الوقت وإتلاف الوقت بل هي قصص نافعة، ويأتي -إن شاء الله- البقية (...).
* * *
* الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (٣) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٤) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ [الزمر ٣ - ٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ ما معنى هذه الجملة من الآية؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ليس كذلك.
* الطالب: (...).
* الشيخ: معنى الآية، ما نريد التفصيل.
* الطالب: تنبيه على أن دين الله تبارك تعالى دينٌ نقيٌّ..
* الشيخ: نقي من الشرك، وأنَّ كلَّ دين صار فيه شرك فإنَّ الله لا يقبله، نعم طيب.
قوله: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ كيف نُعرِب هذه الجملة؟
* طالب: الواو حرف استئناف، و﴿الَّذِينَ﴾ مبتدأ.
* الشيخ: نعم، أين خبره؟
* الطالب: خبرُه مقول قول ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ﴾، التقدير: يقولون (...).
* الشيخ: تقول: الخبر مقول القول، وأنت تقول: محذوف تقديره يقولون، أيش (...)؟
* الطالب: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ﴾ مقول.
* الشيخ: أين خبر (الذين)؟
* الطالب: محذوف.
* الشيخ: ويش التقدير؟
* الطالب: يقولون.
* الشيخ: يقولون، نعم طيب، إذا كانوا يقولون: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ﴾ فهنا جعَلُوا الوسيلة؟
* الطالب: هي عبادة الأصنام، جعلوا الوسيلة..
* الشيخ: إي نعم، لكن هنا جعلوا الوسيلة غاية.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: (...) هم يقولون: نحن ما نجعلها (...) بل نجعلها وسيلة.
* الشيخ: يا أخي قالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا﴾ فهم عبدوها ليكون ذلك وسيلة ليقربهم إلى الله، فجعلوا الوسيلة جعلوها غاية؛ لأن الغاية من التقرب إلى الله هو عبادته، فهنا قلبوا الواقع فجعلوا الوسيلة غاية.
طيب هل حال بعض الناس عند القبور كحال هؤلاء؟ نعم، فيه ناسٌ يطوفون بالقبور ينذرون لها، يسجدون لها، يقولون: هؤلاء أولياء يقربوننا إلى الله كحال هؤلاء. وهل لهؤلاء القبوريين وجود؟
* طالب: الآن، إي نعم.
* الشيخ: الآن موجود.
* الطالب: الذين يعبدون (...).
* الشيخ: أنا وصفت لك حال الذين يطوفون بالقبور ويعبدونهم، فقلت: هل يشبهون حال المشركين؟ فقلت لي: نعم، فأقول لك الآن: هل لهؤلاء الآن وجود في العالم الإسلامي أو لا؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: لهم وجود.
طيب قال المؤلف: (﴿﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ ﴾ وبين المسلمين)، فما مدى صحة هذا التفسير؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ المؤلف يقول: (وبين المسلمين)، فما مدى صحة هذا التفسير؟
* الطالب: ليس بصحيح.
* الشيخ: ليس بصحيح، ما هو الصحيح؟
* الطالب: الصحيح أنه (...).
* الشيخ: أحسنت، يعني بين الكفار أنفسهم.
طيب هل لك أن تُبَيِّن لي صورة من اختلاف الكفار؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني مثل آية تشهد على أنه يكون بينهم اختلاف.
* الطالب: قوله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ﴾ [آل عمران ١٩].
* الشيخ: لا، هذا يوم القيامة، اختلافهم يوم القيامة؛ لأن الله يحكم بينهم يوم القيامة.
* الطالب: مثل قوله تعالى (...): ﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا﴾ [الأعراف ٣٨].
* الشيخ: أحسنت، مثلما قال: ﴿الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ ٣١]، والآيات في هذا متعددة.
قال الله تعالى: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾.
* من فوائد هذه الآية: أن إنزال القرآن حُجَّةٌ على الناس يُلْزِمُهم بعبادة الله؛ لقوله: ﴿فَاعْبُدِ﴾، والفاء هذه للتفريع؛ أي: فلأجل إنزال الكتاب إليك اعبُدِ الله.
* ومن فوائدها: أن من لم يبلُغْه الكتاب لم تلزمْه العبادة، ويدل لهذا آياتٌ أخرى مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء ١٥]، ومثل قوله: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء ١٦٥]، ومثل قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ [القصص ٥٩].
ومثل قول النبي ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ لَا يُؤْمِنُ بِمَا جِئْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»[[أخرجه مسلم (١٥٣ / ٢٤٠) من حديث أبي هريرة.]]، فقال: «لَا يَسْمَعُ بِي»، والنصوص في هذا المعنى كثيرة أن من لم تبلغه دعوةُ الرسل لا تلزمُه العبادة.
والدليل التطبيقي لهذه المسألة عدة شواهد؛ منها: حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه «بعثَه النبي ﷺ في سرية، فأجْنَب فلم يجِدِ الماء، فتمَرَّغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة ظنًّا منه أن هذا لازِمٌ له وصلَّى، وأخبر النبيَّ ﷺ بهذا، فبيَّن له النبي ﷺ أنه يكفِيه عن الغُسْل أن يضْرِبَ الأرض بيديه ثم يمسَح وجهَه وكفَّيه، ولم يأمُرْه بإعادة الصلاة»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٨)، ومسلم (٣٦٨ / ١١٢) من حديث عمار.]].
وكذلك «الرجل الذي جاء فصلى ولا يطمَئِنُّ في صلاته فقال له النبي ﷺ: «إِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فقال له: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٥٧)، ومسلم (٣٩٧ / ٤٥) من حديث أبي هريرة.]]. فعلَّمَه النبي ﷺ ولم يأمره بإعادة ما مضى من صلاته مع أنه كان لا يصَلِّي صلاة لا تجْزِئُه.
وكذلك المرأة التي كانت تُسْتَحَاض فتَظُنُّ أن هذا حيضٌ فلا تصلي فلم يأمُرْها النبي ﷺ بالإعادة[[أخرجه أحمد (٢٧٦٣١) من حديث فاطمة بنت أبي حبيش.]]. وأمثال هذا كثير.
وعليه فلو أن رجلًا أسلم في بلاد الكفر أو في بلاد نائية لا يصِلُها أحكام الشرع وترَك الصلاة مدة ثم علِم بعد ذلك بوجوب الصلاة فإننا لا نأمُرُه بإعادة ما ترك وإنما نأمره بصلاة ما حضَر وقتُه فقط.
وكذلك لو كانت امرأة في محلٍّ ناءٍ بلغَتْ بالحيض وهي صغيرة ولم تصُمْ رمضان ولكنَّها في محلٍّ ليس حولَها علماء تسألهم قد غلب عليها الجهل كالبادية -مثلًا- فإننا لا نأمُرُها بقضاء ما تركَتْ من الصوم؛ للجهل، وهذا هو اللائق بالشريعة الإسلامية المبنِيَّة على اليسر والسهولة، وعلى أن الله تعالى لا يكلِّفُ نفسًا إلا وسْعَها، ولا يكلف نفسًا إلا ما آتاها، وهنا الآية التي معنا يمكن أن يكون فيها إشارة لِمَا ذكر، ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ ﴿فَاعْبُدِ﴾ بعد الإنزال أُمِر بالعبادة.
* ومن فوائد هذه الآية: وجوب الإخلاص لله في العبادة؛ لقوله: ﴿مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾، والإخلاص تنقية الشيء مما يشوبه، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن الله قال: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِيَ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٨٥ / ٤٦) من حديث أبي هريرة.]]، فلو تصدَّق الإنسان بمال لكنه مُرَاءٍ بذلك من أجل أن يُمدَح فإنه لم يعبُدِ الله، وهو آثم وليس بمأجُور، ولو صلَّى لِيُمْدَح فإنه لم يعبد الله وهو آثم وليس بمأجور؛ لأن الله أمر بعبادة خاصة وهي الإخلاص، ﴿مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن العبادة دِينٌ يَدِينُ به الإنسان، ومعنى كونِه دينًا أنه يعمل لِيُثَاب.
* ويتفرَّع على هذه الفائدة أنَّه ينبغي للإنسان حين العبادة أن يُلَاحِظ هذا المعنى وهو أنه يعمَل لِيُثَاب؛ لأنه إذا شعر بهذا الشعور فسوف يتقِن العمل؛ إذْ إن العقلَ يهدي الإنسان إلى أن الثواب على قدْر العمل؛ إن أحسنْتَ العمل حسُنَ الثواب، وإن قصَّرْت فالثواب ينقُص، وهذه المسألة -أعني شعور كون الإنسان يعمل من أجل الثواب- أعتقد أنها تفوت كثيرًا من الناس لا ينتبِهُون لها.
* ومِن فوائدها أيضًا: الإشارة إلى نية المعمول له حينما تعمل تريد التقرُّب إلى الله عز وجل بامتثال أمره، فمثلًا عندما تريد تتوضأ تنوي بأنك تتوضأ امتثالًا لأَمْر الله حينما قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة ٦]؛ من أجل أن تشعُر بالعبادة ولَذَّة العبادة، لا لأجل أن تبرِئَ ذمَّتَك بفعل ما هو فرْضٌ عليك من الطهارة للصلاة، هذا لا شكَّ أنه نية طيبة، لكن أطيب منها أن تستشعر بأنك تمتثل أمر الله لتشعر بلَذَّةِ العبادة وأنَّك حقيقةً عبدٌ لربك عز وجل، هذه مسائل ينبغي للإنسان أن ينتبه لها في عبادته، ولهذا قال: ﴿مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾.
ثم قال الله تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾.
* من فوائد هذه الجملة: أن الله لا يقبل إلا دينًا خالصًا ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾، أما ما سواه فليس لله حتى وإن أشرَكْت به مع الله -حطوا بالكم يا جماعة- لأنَّ الدين لله ما هو؟ الخالص النقي من شوائب الشرك.
فإن قال قائل: إذا كان العمل خالصًا في أولِه مُشْرَكًا فيه في آخره فهل يبطل العمل كله، أو يبطل ما فيه الشرك، أم ماذا؟
نقول: في هذا تفصيل؛ إذا كانت العبادة التي وقع الشرك في أثنائها ينبني بعضُها على بعض فإنها تبطل، مثل الصلاة: رجل أحرم بالصلاة مخلِصًا لله، وفي أثنائها سمع حوله أحد فراءَى في ذلك في صلاته في أثناء العبادة، ماذا نقول؟ نقول: الصلاة تبطل، تبطُل كلها؛ لأن أولها وآخرها مبْنِيٌّ بعضُه على بعض.
أما إذا كانت لا ينبني بعضُها على بعض فإن ما كان خالصًا يصِح، وما كان مشوبًا لا يصح؛ مثل رجل كان يتصدَّق عنده ألف رِيال، كلما جاء فقير أعطاه منها، أنفق خمس مئة رِيال خالصة لله، وفي أثناء الإنفاق حضر أناسٌ فراءاهم، فهل تبطل الصدقة الأولى التي بها الإخلاص؟ لا. لماذا؟ لأن بعضها لا ينبني على بعض؛ كل درهم منفصل أو كل رِيال منفصل عن الذي قبله، هذه مسألة مهمة.
المسألة الثانية: أحيانًا يهاجِم الرياءُ القلبَ ويدافعه الإنسان يدافع، فهل يؤثر هذا على إخلاصِه؟
الجواب: لا يؤَثر ما دام يدافعه ويعرض عنه؛ لأنه الآن في جهاد لعدوه، والشيطان دائمًا يأتي الإنسان من كل وجه، قال الله تعالى عنه في سورة الأعراف: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الأعراف ١٦]؛ يعني: في كل مكان، يأتي الإنسان يثَبِّطُه عن العبادة، يثَبِّطُه عن طلب العلم، يثَبِّطُه عن صلة الرحم عن برِّ الوالدين، وما أشبه ذلك مما أوجب الله عليك، فإذا رأى منه تصميمًا على القيام بالعبادة أتاه من جهة أخرى وهو الغلو في العبادة والزيادة فيها والتنَطُّع والتكلف، فإذا عجز عنه من هذه الناحية أتاه من جهة النية أنك مراءٍ، ولكن الإنسان يجب عليه أن يدافع الشيطان بقدر ما يستطيع مستعينًا بالله عز وجل.
* من فوائد الآية الكريمة في قوله: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ غِنَى الله عز وجل، غِنى الله الغِنَى التام.
ووجه ذلك أنه إذا كان الله لا يقبَلُ إلا ما كان خالصًا دلَّ على غِناه عن عملِ العباد؛ لأنه -وحاشاه من ذلك- لو كان فقيرًا محتاجًا لذلك لاكتفى بما يأتيه منهم ولو على سبيل المشاركة، كالإنسان المحتاج يقبَل منك ما كان خاصًّا له وما كان مشترَكًا، فلما كان الله لا يقبل إلا ما كان خالصًا عُلِمَ بهذا غناه عن العباد، وإلى هذا يشير قوله تعالى في الحديث القدسي: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ»[[أخرجه مسلم (٢٩٨٥ / ٤٦) من حديث أبي هريرة.]].
ثم قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية: أن عابدي الأصنام قد توَلَّوا الأصنام واتخَذُوها أولياء.
* ومن فوائدها أنهم -أي عباد الأصنام- يمَوِّهُون على الناس، يقولون: نحن ما نعبدُهم إلا لِغَاية وهي أن يقرِّبُونا إلى الله زلفى.
* ومن فوائدها: أنه يمكن أن نعَدِّيَ هذا الحكم إلى جمِيع أهل الباطل؛ يدَّعون أنهم يحسِنُون صنعًا وهم كذَبَة.
ولنضرب لهذا مثلًا بأهل التعطيل: أهل التعطيل يدَّعون أنهم بتعطيلهم هذا منَزِّهُون لله وأنَّ قصدَهم تنزيهُ الله عز وجل عن النقص وعن مشابهة المخلوقين، وهم كاذبون في هذا؛ لأنهم إذا عطَّلُوه عن كمال صفاته فهو ضد التنزيه، هؤلاء يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، والحقيقة أن هذه العبادة تبعدهم من الله مسافات كثيرة.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: إقرار المشركين بأنهم يعبدون أصنامهم ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ﴾، فهم يصرحون بأنهم يعبدونهم لكن لا يقولون: نعبدهم لنتقرب إليهم بل ليقربونا.
* ومن فوائدها: أن المشركين في عهد الرسول ﷺ يُقِرُّون بوجود الله، وأنه أعظَم من كل عظيم؛ لقولهم: ﴿لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ﴾، فهم معترِفُون بالله عز وجل وأنه أعظم من أصنامهم، ولهذا جعلوها وسيلة له أو للتقرب إليه.
* ومن فوائدها: أنه سيكون بين هؤلاء المشركين وبين أوليائهم سيكون نزاع وخصومة يوم القيامة؛ لقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر ٣].
* ومن فوائدها: أن الحكم لله عز وجل وحده في ذلك اليوم -أعني يوم القيامة- وأنَّ المرجع إليه.
ثم قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر ٣] هذه الجملة مؤَكَّدة، كما تشاهدون مؤكدة بـ﴿إِنَّ﴾. وقوله: ﴿لَا يَهْدِي﴾ المراد بذلك هداية التوفيق، وأما هداية الدَّلالة فإنها حجة الله على خلقه لا بد أن تنال كل أحد، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت ١٧]، هديناهم هداية؟
* طالب: دلالة.
* الشيخ: دلالة، إذن ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي﴾ هداية توفيق لا هداية دلالة، بل هداية الدلالة ثابتة لكل أحد، ﴿لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ ﴿مَنْ هُوَ﴾ أي: الذي هو كاذب.
قال المؤلف: (في نسبة الولد إليه) والذين نسَبُوا الولد إليه هم اليهود والنصارى والمشركون، ثلاثة؛ أما اليهود فقالت: عزيرٌ ابن الله، وأما النصارى فقالوا: المسيحُ ابن الله، وأما المشركون فقالوا: الملائكة بنات الله، والآية كما تشاهدون ﴿مَنْ هُوَ كَاذِبٌ﴾ عامة، لكن كأن المؤلف خصَّصَها بنسبة الولد إلى الله؛ لقوله فيما بعد: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ [الزمر ٤].
* طالب: (...).
* الشيخ: كأن المؤلف خصها بنسبة الولد إليه؛ لقوله تعالى: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾، وإلا فلو نظرنا إلى الآية ﴿كَاذِبٌ﴾..
هداية دلالة، إذن ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي﴾ [الزمر ٣] هداية توفيق، لا هداية دلالة، بل هداية الدلالة ثابتة لكل أحد، نعم ﴿لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾، ﴿مَنْ هُوَ﴾ أي الذي هو كاذبٌ.
قال المؤلف: (في نسبة الولد إليه) والذين نسبوا الولد إليه هم اليهود والنصارى والمشركون، ثلاثة، أما اليهود فقالت: عزير ابن الله، وأما النصارى فقالوا: المسيح ابن الله، وأما المشركون فقالوا: الملائكة بنات الله، والآية كما تشاهدون ﴿مَنْ هُوَ كَاذِبٌ﴾ عامة، لكن كأن المؤلف خصصها بنسبة الولد إلى الله؛ لقوله فيما بعد: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ [الزمر ٤].
* طالب: (...).
* الشيخ: كأن المؤلف خصها بنسبة الولد إليه؛ لقوله تعالى: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ واضح؟
وإلا فلو نظرنا إلى الآية ﴿كَاذِبٌ﴾ لكانت مطلقة لم تقيد بنسبة الولد إلى الله عز وجل، لكن المؤلف قيدها باعتبار أو بقرينة السياق.
﴿كَفَّارٌ﴾ كفار هذه يحتمل أن تكون صيغة مبالغة، ويحتمل أن تكون للنسبة، فإن كانت النسبة صارت صفة لازمة، كما نقول: نجار وحداد وخشاب وبنَّاء، وما أشبه ذلك، وإن كانت صيغة مبالغة لم تكن صفة لازمة، لكنها تدل على الكثرة، وعلى كل حال فسواء للمبالغة أو للنسبة فالمراد بها الكفور بالله عز وجل.
وقال المؤلف: (بعبادته غير الله) ولا شك أن هذا كفر: عبادة غير الله. وتخصيص الكفر هنا بعبادة غير الله يؤيده السياق، وهو قوله فيما سبق: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ﴾ [الزمر ٣].
قال الله تعالى: (﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ كما قالوا: اتخذ الرحمن ولدًا ﴿لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ ) ﴿لَوْ﴾ هذه شرطية، الشرط الذي فيها ﴿أَرَادَ﴾ وجوابه: ﴿لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾، واعلم أن ﴿لَوْ﴾ الشرطية إذا كان جواب الشرط فيها مثبَتًا فالأكثر اقترانه باللام: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ لَاصْطَفَى. وقد يأتي غير مقترن باللام؛ كقوله تعالى: ﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا﴾ [الواقعة ٧٠]، أما إذا كان منفيًّا فإنه لا يقترن باللام، نعم وهو كثير الأمثلة في هذا، لكن قد يقترن باللام؛ كقول الشاعر:
؎وَلَوْ نُعْطَى الْخِيَارَ لَمَا افْتَرَقْنَا ∗∗∗ وَلَكِنْ لَا خِيَارَ مَعَ اللَّيَالِي
﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ أراد إرادة كونية، فتكون بمعنى المشيئة، يعني: لو شاء الله أن يتخذ ولدًا، يعني أن يجعل لنفسه ولدًا كما قالوا: اتخذ الرحمن ولدًا ﴿لَاصْطَفَى﴾ (اصطفى) من الصفوة، وهو خيار الشيء، فيكون معنى (اصطفى) اختار، ﴿لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ﴾ أي من الذي يخلق ﴿مَا يَشَاءُ﴾، و(ما) هنا مفعول (اصطفى)، أي: لاصطفى ما يشاء مما يخلقه، وقوله: ﴿مِمَّا يَخْلُقُ﴾ هذه اسم موصول أعني (ما)، والعائد؟
* الطالب: محذوف.
* الشيخ: محذوف، والتقدير: مما يخلقه، وعبر بـ(ما) دون (من) مع أنهم قالوا: الملائكة بنات الله، وعزير ابن الله، المسيح ابن الله، فعبر بـ(ما) لأنها أعم من (من)، هذا من وجه، من وجه آخر: أنه إذا أريد ملاحظة الصفة فإنه يعبر بـ(ما) عن (من)، وهنا يراد ملاحظة الصفة وهي العبادة، وانظروا إلى مثال يتضح به ما قلنا: قال الله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء ٣] ولم يقل: (من)؛ لأنه ليس المقصود عين المرأة إنما المقصود الوصف، فلهذا عبر بـ(ما) عن (من).
﴿لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ﴾ أي: من مخلوقاته ذات الإرادة والشعور؛ كعزير والمسيح والملائكة وغيرهم كالجمادات من الأصنام المنحوتة وغيرها، (﴿مَا يَشَاءُ﴾ واتخذه ولدًا)، قوله: ﴿مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ نقول في ﴿مَا يَشَاءُ﴾ كما قلنا في ﴿مِمَّا يَخْلُقُ﴾.
(واتخذه ولدا غير من قالوا من الملائكة بنات الله). (إن) ولَّا (من)؟ (غير من قالوا)؟ كلكم عندكم (إن)؟
* طالب: (...).
* الشيخ: (غير من قالوا من الملائكة بنات الله وعزير ابن الله والمسيح ابن الله) نعم، يعني أنه عز وجل لو أراد الله أن يتخذ ولدًا ما منعه أحد، لاصطفى مما يخلق ما يشاء مما قالوه أو غيره، فهو عز وجل له الملك الكامل ولكنه لا يتخذ ولدًا؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ [مريم ٩٢] يعني: مستحيل غاية الاستحالة أن يتخذ ولدًا، ولهذا قال هنا: (﴿سُبْحَانَهُ﴾ تنزيهًا له عن اتخاذ الولد ﴿هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ لخلقه).
﴿سُبْحَانَهُ﴾ أي تنزيها له، و(سبحان) هذه اسم مصدر من (سبَّح)، والمصدر تسبيح. واعلم أن (سبحان) ملازمة للإضافة دائمًا، ولكن ربما تأتي نادرًا أو شذوذًا بغير إضافة، وربما تقترن بـ(أل) فيقال: ذا السبحان، ولكن الأصل أنها ملازمة للإضافة وأنها منصوبة على المفعولية المطلقة، وعاملها يكون محذوفًا دائمًا، والمراد: تنزيهًا له.
وقول المؤلف: (عن اتخاذ الولد) إنما خصه باتخاذ الولد لأن السياق في ذلك، وإلا فإنه منزه عن اتخاذ الولد وعن كل عيب ونقص.
فإذا قال قائل: هل في اتخاذ الولد من عيب؟
فالجواب: نعم، فيه عيب؛ لأنه يدل على احتياج الوالد للولد، ولهذا تجد الإنسان إذا لم يأته الولد يرى أنه ناقص، ويتمنى كل الأمنية أن يأتيه ولد يساعده على شئون الحياة، ويبقي ذكره بعد موته، فاتخاذ الولد نقص ولهذا نزه الله نفسه عنه.
ثانيًا: الولد إنما يأتي من أجل بقاء النوع الذي تولد منه، والله سبحانه وتعالى غير محتاج لذلك؛ لأنه هو الواحد الباقي عز وجل.
ثالثًا: أن الولد يكون مماثلًا لأبيه، ولا نسمع وما سمعنا أن بشرًا جاءه تيس. أليس كذلك؟
وإنما يأتيه ولد مثله، فلو فرض أن الله اتخذ ولدًا لكان الولد مثل الله عز وجل، والله تعالى منزه عن أن يماثله أحد.
إذن ففي هذه الوجوه الثلاثة يتبين أن الولد ممتنع عن الله غاية الامتناع. ثم إن الله أيضًا ذكر مانعًا رابعًا، وهو أنه ليس له زوجة، فقال تعالى: ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام ١٠١]، فبين أنه ليس له زوجة، كيف يأتي الولد؟ وإنما جاء الولد من آدم مثلًا؛ لأنه آية معجزة.
ثم ﴿هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ﴾ هو الله، ولو كان له ولد لشاركه في الألوهية، والألوهية ليست إلا له، ﴿الْوَاحِدُ﴾ ولو كان له ولد لكان اثنين؛ لأنه لا بد أن يكون الولد مماثلًا لوالده، والله واحد لا ثاني له عز وجل، ﴿الْقَهَّارُ﴾ صيغة مبالغة وصيغة نسبة، أي أنه ذو القهر الدائم المتكرر، فكم من ذي جبروت قهره الله عز وجل، ما أكثر الرجال والأمم ذوات الجبروت التي قهرها الله عز وجل.
* من فوائد هذه الآية: أن من كان كاذبًا كفارًا فإن الله لا يوفقه؛ لقولِه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر ٣].
* ومِن فوائدها: التحذير من الكذب وخصال الكفر، وأن الكذب سبب لمنع الهداية؛ وذلك لأن الحكم إذا عُلق بوصف -هذه القاعدة التي يمكن أن نطبق عليها هذه الفائدة- أن الحكم إذا علق بوصف وجد بوجوده وانتفى بانتفائه، ويدل لهذا أن النبي ﷺ قال: «إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٠٩٤)، ومسلم (٢٦٠٧/ ١٠٥) من حديث ابن مسعود.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الصدق سبب للهداية، وجهه: أنه إذا كان الكذب سببًا للغواية فضده سبب لضده يكون الصدق سببًا للهداية.
ويتفرع على هذه الفائدة: الترغيب في الصدق، ولكن الصدق مع من؟ الصدق مع الله ومع رسول الله ومع عباد الله، الصدق مع الله بالإخلاص له، ومع الرسول باتباعه، ومع عباد الله بحسن المعاملة، فعليك بالصدق «فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ، وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٠٩٤)، ومسلم (٢٦٠٧/١٠٣) من حديث ابن مسعود. ]] جعلنا الله وإياكم منهم.
يقول بعض السفهاء: الكذب منجاة، ويقول بعض الباعة: الكذب مسامير السلع، نعم، صح هذا؟ ماذا نقول؟ نقول: الكذب مهلكة، والصدق منجاة، وبالنسبة للسلع الذي يبيعون ويشرون يقول: اكذب لأجل تحكم السلع، مثل المسامير للأبواب، ماذا نقول له؟ نقول: بل اصدق؛ فإن هذا هو المسامير حقيقة، هو الذي يثبت البركة، لكن الكذب منفقة للسلعة ممحقة للكسب.
* من فوائد هذه الآية أيضًا: أن الكفر سبب للغواية؛ لقوله: ﴿مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر ٣]، ويؤيد هذا قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف ٥].
* ومن فوائدها: التحذير من خصال الكفر؛ لأن الحكم إذا عُلق بوصف ثبت بوجوده وانتفى بانتفائه، خصال الكفر التي لا تؤدي إلى الكفر المطلق، قد تكون سببًا -والعياذ بالله- للغواية، مثل الطعن في النسب، النياحة على الميت، قتل المعصوم المسلم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤/١١٦) من حديث ابن مسعود. ]].
* طالب: (...).
* الشيخ: ما غيرناها، سبحان الله، عندي واحد وأربعون (...).
* * *
* الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [الزمر٥، ٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى -في المناقشة-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر ٣] ما المراد بالهداية المنفية هنا؟
* طالب: هداية التوفيق.
* الشيخ: هداية التوفيق، ما هو الدليل؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا.
* الطالب: هداية الدلالة ثابتة لهم (...) هداية التوفيق.
* الشيخ: إي نعم، المنفي هنا هداية التوفيق، لماذا لا نجعلها هداية التوفيق والدلالة؟
* الطالب: (...) الرسول ﷺ (...).
* الشيخ: (...) هل عندك دليل، هذا تعليل؟
* الطالب: ﴿إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى ٥٢].
* الشيخ: قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ [الليل ١٢]، وقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ﴾ [البقرة ١٨٥] عموم.
طيب، قوله: ﴿مَنْ هُوَ كَاذِبٌ﴾ في أي شيء؟ في أي نسبة الكذب هنا؟
* الطالب: نسبة الولد إلى الله عز وجل.
* الشيخ: لماذا خصصتها؟
* الطالب: نظرًا للآية بعدها.
* الشيخ: يعني بقرينة السياق، طيب قوله: ﴿كَفَّارٌ﴾ معناها؟
* الطالب: الكافر.
* الشيخ: الكافر، لكن لماذا جاءت على صيغة فعَّال؟
* الطالب: للمبالغة.
* الشيخ: مبالغة في الكفر أو نسبة، من باب النسبة، نسبة الكفر إليهم، طيب أظن اللي بعدها أخذناها؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ [الزمر ٤] إلى آخره (لو) هنا؟
* الطالب: شرطية.
* الشيخ: شرطية، أين فعل الشرط وجوابه؟
* الطالب: فعل الشرط ﴿أَرَادَ اللَّهُ﴾ وجوابه ﴿لَاصْطَفَى﴾.
* الشيخ: ﴿لَاصْطَفَى﴾ هل اللام واجبة في جواب (لو)؟
* الطالب: (...) في قوله تعالى (...).
* الشيخ: لا، ما هي هكذا الآية، ﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا﴾ [الواقعة ٧٠] طيب أحسنت.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إذا كان منفيًّا لا يأتي إلا مقترنًا باللام؟
* الطالب: لا يأتي مقترنًا باللام.
* الشيخ: إلا؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: هل هناك شاهد لاقترانه منفيًّا باللام؟
* الطالب: (لو نُعطَى الخيارَ لما افْتَرَقْنا).
* الشيخ: ولكن لا خيار مع الليالي، طيب نأخذ الفوائد أو أخذناها قبل؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: من قوله؟
* الطالب: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ﴾.
* الشيخ: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ﴾، أخذنا اللي قبلها؟
قال الله عز وجل: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ [الزمر ٤]:
* في هذه الآية الكريمة: بيان كمال سلطان الله سبحانه وتعالى، وأنه لو أراد شيئًا لم يمتنع عليه؛ لقوله: ﴿لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾، ومن وجه آخر أن فيه ردًّا لاقتراحهم أو دعواهم بأن الملائكة بنات الله، أو المسيح أو العزير، فيقول: لو أراد الله أن يتخذ ولدًا لاصطفى ما يشاء دون أن يتخذ ما ادعوه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات إرادة الله عز وجل؛ لقوله: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ﴾ وإرادة الله تعالى في فعله متفق عليها، لا نظن أن أحدًا يخالف في أن الله تعالى يريد فعله، ولكن هل تتعدى إلى فعل المخلوق أو لا؟
في هذا خلاف بين أهل السنة وأهل البدعة؛ فمنهم من قال: إنها تتعدى إلى فعل المخلوق وغلا في ذلك، وقال: إن المخلوق ليس له إرادة، وهذا قول الجهمية الجبرية.
ومنهم من قال: إنها تتعدى إلى فعل المخلوق لكن لا على سبيل الجبر، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة. ومنهم من قال: إنها لا تتعدى إلى فعل المخلوق، وأن المخلوق مستقل بفعله، ولا إرادة لله تعالى فيه، وهذا مذهب القدرية مجوس هذه الأمة، نعم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الأفعال الاختيارية لله عز وجل؛ لقوله: ﴿لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾، والأفعال الاختيارية لله ثابتة بالسمع والعقل؛ أما السمع فما أكثر الأفعال التي يضيفها الله إلى نفسه، وأما العقل فلأن الفاعل بالاختيار أكمل ممن لا يفعل، وذهبت الأشاعرة وغيرهم من المعطلة إلى أن الأفعال الاختيارية لا تقوم بالله عز وجل، بحجة أن الفعل الحادث يستلزم حدوث الفاعل، ولا شك أن هذا قول باطل يستلزم لوازم باطلة، منها أن الله سبحانه وتعالى غير قادر على الفعل، وهذا تنقص لله عز وجل وتكذيب لأخباره الكثيرة التي لا تحصر في إثبات الفعل له.
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات المشيئة لله؛ لقوله: ﴿لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾، والمشيئة نقول فيها كما قلنا في الإرادة من حيث تعلقها، هي تتعلق بأفعال الله، وهل تتعلق بأفعال المخلوق؟
على الخلاف السابق الذي شرحناه في الإرادة، لكن هنا أمر يجب التنبه له، وهي أن الإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة شرعية وإرادة كونية، أما المشيئة فهي قسم واحد فقط، الإرادة الكونية ترادف المشيئة فهي بمعناها، فإذا قلت: ما أراد الله كان، فهو بمعنى: ما شاء الله كان.
أما الإرادة الشرعية فإنها ترادف المحبة، أي أنها تتعلق بما يحبه الله عز وجل، فتقول: إن الله يريد منا أن نشكره، هذه الإرادة شرعية، طيب والفرق بين الإرادة الشرعية والكونية من وجهين:
الوجه الأول: أن الإرادة الكونية شاملة لما يحبه الله وما لا يحبه، الإرادة الكونية، فهو يريد الإيمان ويريد الكفر ويريد الطاعة ويريد الفسق بالإرادة الكونية.
أما الشرعية فإنها لا تتعلق إلا فيما يحبه فقط، فلا يمكن أن تقول: إن الله يريد الفسق، أي: يحبه، هذا مستحيل.
وثانيًا -الفرق الثاني- الإرادة الكونية لا بد فيها من وقوع المراد، يعني إذا أراد شيئًا كونًا لا بد أن يقع، والإرادة الشرعية قد يقع وقد لا يقع، يريد منا سبحانه وتعالى الإيمان والطاعة قد توجد وقد لا توجد، هذا هو الفرق بينهما.
وبهذا تنحل إشكالات أوردها القدرية على أهل السنة فقالوا لهم: إذا أثبتم تعلق إرادة الله بكل شيء حتى في المعاصي لزمكم أن الله يريد الشر، فيكون الله -على تقدير قولهم- شريرًا، نسأل الله العافية، ماذا نقول؟ نقول: أما الإرادة الشرعية فإن الله لا يمكن أن يريد الشر أبدًا، وأما الإرادة الكونية فإنه يريد ما شاء، لكن إرادته كونًا للشر له حكمة بالغة كثيرة معروفة.
يقول: * مِن فوائد هذه الآية: تنزيه الله سبحانه وتعالى عن كل ما وصفه به الكافرون الجاحدون؛ لقوله: ﴿سُبْحَانَهُ﴾.
* ومِن فوائدها: إثبات اسم الله: الله والواحد والقهار، ثلاثة أسماء، وكل اسم يثبته الله لنفسه فإنه يتضمن الصفة التي اشتق منها، فـ(الله) مشتق من الألوهية، ففيه إثبات الألوهية صفة من صفاته، الواحد: الوحدانية، ففيه إثبات الوحدانية لله عز وجل، القهار: القهر، ففيه إثبات القهر لله عز وجل، وأنه القهار الغلاب الغالب لكل شيء.
{"ayahs_start":2,"ayahs":["إِنَّاۤ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ فَٱعۡبُدِ ٱللَّهَ مُخۡلِصࣰا لَّهُ ٱلدِّینَ","أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّینُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِیَاۤءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِیُقَرِّبُونَاۤ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰۤ إِنَّ ٱللَّهَ یَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡ فِی مَا هُمۡ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَنۡ هُوَ كَـٰذِبࣱ كَفَّارࣱ","لَّوۡ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن یَتَّخِذَ وَلَدࣰا لَّٱصۡطَفَىٰ مِمَّا یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ سُبۡحَـٰنَهُۥۖ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡوَ ٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ"],"ayah":"أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّینُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِیَاۤءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِیُقَرِّبُونَاۤ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰۤ إِنَّ ٱللَّهَ یَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡ فِی مَا هُمۡ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَنۡ هُوَ كَـٰذِبࣱ كَفَّارࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق