الباحث القرآني
قال: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ [ص 45] اذكر يا محمد، وتذكر أيها المخاطب هؤلاء السادة الأبرار، ﴿اذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ﴾ ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾ بدلٌ من ﴿عِبَادَنَا﴾ بدل بعض من كلٍّ، وما عُطِفَ عليه يكمل الكل.
﴿اذْكُرْ عِبَادَنَا﴾ والعبادة هنا أخص الخاصة؛ لأنها عبودية الرسالة والنبوة. ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾ إمام الحنفاء الذي أُمِرْنا باتِّباع ملَّته: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ [النحل 123]، ﴿وَإِسْحَاقَ﴾ ابنه ﴿وَيَعْقُوبَ﴾ حفيده؛ ابن ابنه.
(﴿أُولِي الْأَيْدِي﴾ أصحاب القوة في العبادة، ﴿وَالْأَبْصَارِ﴾ البصائر في الدين) يعني: اذكرهم مشيرًا إلى قوتهم في الدين؛ لأن الأيدي جمع (يد)، والمراد باليد هنا القوة. وكذلك ﴿الْأَبْصَارِ﴾ يعني: البصائر في دين الله؛ لأنهم رسل، وأبصرُ الناسِ في عبادة الله هم الرسل.
(وفي قراءة ﴿عَبْدَنَا إِبْرَاهِيمَ﴾ بيانٌ له، وما بعده عطف على ﴿عَبْدَنَا﴾ ) يعني: أنها تُقْرَأُ بالجمع وبالإفراد، والقراءة هنا سبعية أو شاذة؟ سبعية؛ لأن القاعدة أن المؤلف رحمه الله إذا قال: (وفي قراءة) فهي سبعية، وإذا قال: (قُرِئ) فهي شاذة.
ثم قال: ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ﴾ [ص 46]، ﴿أَخْلَصْنَاهُمْ﴾ أي: نقيناهم وصفيناهم؛ لأن إخلاص الشيء أن تزيل شوائبه حتى يبقى خالصًا، ومنه إخلاص الدين لله أن تزيل عنه شوائب الشرك.
وقوله: ﴿بِخَالِصَةٍ﴾ بيَّنها بقوله: هي ﴿ذِكْرَى الدَّارِ﴾، وأفادنا المؤلف أن ﴿ذِكْرَى﴾ خبر مبتدأ محذوف تقديره: هي ذكرى. ويجوز أن تكون ﴿ذِكْرَى﴾ بدلًا من ﴿خَالِصَةٍ﴾، أو عطف بيان لها. والمراد بـ﴿الدَّارِ﴾ هنا الآخرة.
(﴿ذِكْرَى الدَّارِ﴾ الآخرة؛ أي: ذكرها والعمل لها، وفي قراءة بالإضافة) أي: ﴿بِخَالِصَةِ ذِكْرَى الدَّارِ﴾﴾ (وهي للبيان) يعني: الإضافة هنا بيانية على تقدير (مِن)؛ لأن الإضافة البيانية تكون على تقدير (مِن)، كما تقول: خاتمُ فضَّةٍ؛ أي: من فضة، ثوبُ خزٍّ؛ أي: من خزٍّ، بابُ خشبٍ؛ أي: من خشب، وهكذا. قال: ﴿ذِكْرَى الدَّارِ﴾ يعني: الدار الآخرة؛ أي: تذكرها والعمل لها.
(﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ﴾ [ص 47] المختارين، ﴿الْأَخْيَارِ﴾ جمع خيِّر بالتشديد)، ﴿وَإِنَّهُمْ﴾ الضمير يعود على الثلاثة: إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ﴿عِنْدَنَا﴾ عند الله، والعندية هنا عندية المرتبة لا عندية المكان؛ لأن مرتبتهم عند الله أنهم من هؤلاء.
والمصطفى اسم مفعول بمعنى المختار، وهنا ﴿الْمُصْطَفَيْنَ﴾ جمع مذكَّر سالم، ولكن فيه إشكال، وهو أن المعروف أن جمع المذكر السالم يُكْسَر ما قبل الياء، تقول: المسلمِين، والمؤمنِين، والقانتِين، والصابرِين، والصادقِين، وهنا ما قبل الياء مفتوح، والمعروف أن الذي يُفْتَح ما قبل الياء فيه هو المثنى، كما تقول: الرجلَين، والمسلَمين، والمؤمنَين، وهكذا. فلماذا فُتِحَ ما قبل الياء في هذا؟
قال النحويون: لأن أصله (المصطفا) بالألف، فحُذِفَت الألف؛ لأن الياء ساكنةٌ وهي ساكنةٌ، فتُحْذَفُ كما قال ابن مالك:
؎إِنْ سَاكِنَانِ الْتَقَيَا اكْسِرْ مَا سَبَقْ ∗∗∗ وَإِنْ يَكُنْ لَيْنًا فَحَذْفَهُاسْتَحَقّْ
فالآن التقى ألف وياء، تُحْذَفُ الأولى منهما، وهي هنا الألف، وتبقى الفتحة دليلًا عليها.
﴿الْمُصْطَفَيْنَ﴾ يعني: في العبادة والعلم والرسالة. ﴿الْأَخْيَارِ﴾ جمع خير، والخَيِّر على وزن (فَيْعِل)، وهو كثير الخير. ولا شك أن هؤلاء الرسل الثلاثة فيهم خير كثير، وجاء من نسلهم رسل كرام وأمم من أفضل الأمم؛ جاء من نسل إبراهيم أمة محمد ﷺ، وهي أفضل الأمم وأكرمها عند الله.
﴿وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ﴾ [ص 48] إسماعيل بن إبراهيم، أفرده بالذكر؛ لأن سُلالته تختلف عن سلالة إسحاق ويعقوب، فإسحاق ويعقوب سلالتهم بنو إسرائيل، وهؤلاء سلالتهم العرب، ولهذا أفرده.
﴿وَالْيَسَعَ﴾ وهو نبيٌّ، واللام زائدة، وإذا كانت اللام زائدة فيكون الأصل: ويسع، وهو نبيٌّ لكنه نبيٌّ رسول؛ لأن كل نبيٍّ ذُكِرَ في القرآن فهو رسول.
﴿وَذَا الْكِفْلِ﴾ هذا مختلف في نبوته؛ فقيل: إنه نبي، و(الكِفل) بمعنى العمل والنصيب؛ يعني: صاحب العمل الكثير والنصيب، هذا على القول بأنه رسول. أمَّا على القول بأنه غير رسول فقد قال المؤلف: (قيل: كَفَلَ مئةَ نبيٍّ فرُّوا إليه من القتل)، وكلمة: (قيل) تدلُّ على أنه ضعيف، فالظاهر أن معنى (ذا الكفل)؛ يعني: ذا العمل صاحب العمل الكثير والجد والنشاط.
(﴿وَكُلٌّ﴾ أي: كلهم)، وعلى هذا فالتنوين في كل عوض عن اسم، (كلهم ﴿مِنَ الْأَخْيَارِ﴾ جمع خيِّر بالتثقيل)، قوله هنا: (جمع خيِّر بالتثقيل) هو معنى قوله فيما سبق: (جمع خيِّر بالتشديد).
(﴿هَذَا ذِكْرٌ﴾ [ص 49] لهم بالثناء الجميل هنا، ﴿وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ﴾ الشاملين لهم، ﴿لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ مرجِعٌ في الآخرة)، قوله: ﴿هَذَا ذِكْرٌ﴾ يحتمل ما قال المؤلف؛ أي أن ﴿هَذَا ذِكْرٌ﴾ لهؤلاء السادة بالثناء الجميل، ويحتمل أن المراد ﴿هَذَا ذِكْرٌ﴾ للناس؛ أي: تذكير لهم، كما قال الله تعالى في أول السورة: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص 1]، وهذا الأخير أرجح. يعني هذا المذكور في هذه السورة ذِكْرٌ لمن؟ لجميع الناس.
ثم الناس ينقسمون إلى مُتَّقٍ وغير مُتَّقٍ، ﴿وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ﴾، ومنهم الرسل بل هم سادة المتقين وعلى رؤوسهم، ﴿لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ أي: مرجِعٌ. وهنا قال: ﴿لَحُسْنَ﴾ وفيه إشكال؛ حيث إنه منصوب مع دخول اللام عليه.
* طالب: ما وجه تأكيده اسم (إنَّ)؟
* الشيخ: هذا اسم (إن) مؤخر، و﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ خبر مُقَدَّم.
(﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ [ص 50] بدل أو عطف بيان، ﴿لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ )، ولهذا نُصِبَت لكن نُصِبَت بالكسرة نيابةً عن الفتحة. والجنات في الأصل: البستان الكثير الأشجار، سُمِّي به لأنه يجنُّ مَن كان فيه؛ أي: يستُرُه. والمراد بها دار النعيم التي أعدَّها الله تعالى للمتقين في الآخرة. و﴿عَدْنٍ﴾ بمعنى إقامة؛ أي: الجنات التي يُقيم فيها ساكنها، ولا يتحول عنها، ولا يبغي عنها حولًا، ولا يرى أن لغيره فضلًا عليه، كل واحد من أهل الجنة يرى أنه لا فضل لأحد عليه، وهذا هو تمام النعيم؛ لأن الإنسان إذا رأى أن غيره أفضل منه احتقر ما أعطاه الله، ولهذا قال النبي ﷺ: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ»[[أخرجه مسلم (2963 / 9) من حديث أبي هريرة. ]].
قال: (﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ منها) ﴿مُفَتَّحَةً﴾ ولم يقل: مفتوحة؛ وذلك لكثرة الفاتحين، أو لكثرة الأبواب أو لهما جميعًا. فعلى الأول كثرة الفاتحين يكون المعنى أن لهم خدمًا كثيرًا تُفَتَّح لهم الأبواب، وعلى الثاني تدل على أن أبوابها كثيرة؛ لكثرة من يدخلها. ومن المعلوم أن أبواب الجنة الأصلية الكبيرة كم؟ ثمانية، لكن هناك غرَفٌ في وسط الجنة وتجري من تحتها الأنهار لها أبواب، فتفتح لهم الأبواب.
﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا﴾ [ص 51]؛ أي: في هذه الجنات، والاتكاء يدل على الهدوء والطمأنينة وعدم القلق، ويدل على أن الإنسان ذو سلطان يُخْدَم ولا يَخْدِم، وقوله: ﴿فِيهَا﴾ أي: في الجنات.
وبيَّن المؤلف على أي شيء يتكئون، فقال: (على الأرائك)، كما جاء ذلك في آية أخرى: ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ﴾، ﴿يَدْعُونَ﴾ أي: يطلبون؛ يعني يقول: هاتوا فاكهة، ﴿كَثِيرَةٍ﴾، كثيرة النوع أو كثيرة العين أو هما؟ كثيرة النوع والعين؛ يعني: أنواع كثيرة وكذلك أعيان كثيرة، لو تطلب أيَّما تطلب حصل لك.
﴿وَشَرَابٍ﴾ هذا الشراب بيَّنَ الله تعالى أنواعه أو أجناسه بأنه أربعة: ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى﴾ [محمد 15]، هذه أربعة أنواع من شراب الجنة.
ولكن لاحظوا أن هذه الأسماء تختلف عما في الدنيا اختلافًا عظيمًا، يعني: لا تظنوا أن الماء كالماء الذي في الدنيا، أو أن العسل كالعسل الذي في الدنيا، أو اللبن كاللبن الذي في الدنيا، أو الخمر كالخمر الذي في الدنيا، لا، تختلف اختلافًا عظيمًا؛ لقوله تعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة 17]، ولو كان لا يختلف لكنا نعلم هذا، وقال الله تعالى في الحديث القدسي: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (3244)، ومسلم (2824 / 2) من حديث أبي هريرة.]]. اللهم اجعلنا من أهلها.
﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ [ص 52]، ﴿قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ قال المؤلف: (حابسات العين)، و﴿الطَّرْفِ﴾ النظر؛ يعني: أنهن يَقْصُرْنَ النظر على أزواجهن، هذا معنًى من المعاني. المعنى الثاني: قاصرات طرف أزواجهن، فلا ينظر الأزواج إلى غيرهن، والفرق بينهما ظاهر، ولكن اللفظ صالح للأمرين؛ فهن قاصرات طرفهن لا ينظرن إلى غير أزواجهن، وهن قاصرات طرف أزواجهن فلا ينظر الأزواج إلى غيرهن.
نساء الدنيا هكذا أو لا؟ أبدًا، المرأة إذا خرجت السوق قامت تطالع في الرجال وتقارن بين هذا الرجل وبين زوجها، وكذلك الرجل إذا خرج إلى السوق، فبعض الناس يتطلع إلى النساء ويقارن بين المرأة وبين زوجته، وتجده إذا وجد من النساء من هي أجمل من امرأته انشغل قلبه بها وأعرض عن امرأته وزهد فيها. وهذا من الحكمة العظيمة في وجوب ستر الوجه، لكن السفهاء جهال، من الحكمة العظيمة أن الرجل إذا لم يَرَ المرأة لم يتغير نظره بالنسبة لامرأته، لكن إذا رأى امرأة كالشمس وزوجته كالسُّهَا تعلَّق قلبه بهذه المرأة التي كالشمس، وزهد في هذه المرأة التي كالسُّهَا، لا يكاد يرى. إذن من حكمة الله عز وجل أنْ وجَبَ على النساء ستر وجوههن.
(﴿قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ﴾ [ص 52] أسنانهن واحدة، وهي بنات ثلاث وثلاثين سنة). ﴿أَتْرَابٌ﴾ يعني: أنهن على سِنٍّ واحدة شابات بنات ثلاث وثلاثين سنة. كذلك أهل الجنة يدخلون الجنة وهم أبناء ثلاث وثلاثين سنة، ولا يتغير أحد منهم، يبقى على ما هو عليه.
وكونهنَّ أترابًا قد يقال: إنهن أتراب في السن، وأتراب في الجمال، وفي كل شيء؛ لئلا يميل الإنسان إلى من فاقت غيرها، ويكون نظره إليهن على حد سواء.
قال الله تعالى: (﴿هَذَا﴾ المذكور، ﴿مَا تُوعَدُونَ﴾ بالغَيبة والخطاب التفاتًا، ﴿لِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ )، ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ﴾ قال المؤلف: (بالغَيبة والخطاب)؛ الخطاب ﴿مَا تُوعَدُونَ﴾، الغَيبة ﴿مَا يُوعَدُونَ﴾ ، والقراءتان سبعيتان. قال المؤلف: (التفاتًا) أيهما الذي في الالتفات؛ الغَيبة أو الخطاب؟
* طالب: الخطاب.
* طالب آخر: الغيبة.
* الشيخ: الخطاب، الغَيبة، لا الخطاب ولا الغَيبة، الخطاب والغَيبة، أيش نقول؟
* طلبة: الخطاب.
* الشيخ: ﴿هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ﴾ [ص 49، 50]، (هم) غَيبةٌ، ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ﴾، [ص: 51] ﴿يَدْعُونَ﴾ غَيبةٌ، ﴿وَعِنْدَهُمْ﴾ [ص 52] غَيبةٌ. إذن الالتفات في أي شيء؟ في الخطاب ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ﴾ [ص 53]؛ يعني يقال لهم: ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ﴾ على ضمير الخطاب، وعلى ضمير الغَيبة يكون هذا خبرًا من الله عز وجل بأن المذكور هو الذي يُوعَدُونَ به يوم القيامة.
(﴿لِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾؛ أي: لأجله) هذا ما مشى عليه المؤلف؛ أي أن اللام للتعليل، ولكن الصحيح أن اللام للتوقيت، فهي كقوله تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق 1]، فاللام هنا بمعنى (في)؛ لأنها للتوقيت؛ أي: هذا ما توعدون في ذلك اليوم يوم الحساب، وهو يوم القيامة، وسمي ﴿يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص 53] لأن الناس يُحَاسَبُون فيه على أعمالهم.
قال: ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾ [ص 54]، ﴿إِنَّ هَذَا﴾ المشار إليه ما ذُكِرَ من نعيم الجنة، ﴿لَرِزْقُنَا﴾ لعطاؤنا، واللام في قوله: ﴿لَرِزْقُنَا﴾ للتوكيد، ﴿مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾ ﴿مِنْ نَفَادٍ﴾ مبتدأ مُؤَخَّرٌ، ودخلت عليها ﴿مِنْ﴾ الزائدة لفظًا الزائدة معنًى؛ يعني ما له نفادٌ؛ أي: انقطاع، و(مَا) هنا هل هي حجازية أو يتفق فيها التميميون والحجازيون؟
* طالب: يتفقون.
* الشيخ: يتفقون. لماذا؟ لتقدم الخبر، ولا تكون (ما) حجازية إلا مع الترتيب؛ لقول ابن مالك:
؎................................. ∗∗∗ مَعَ بَقَا النَّفْيِ وَتَرْتِيبٍ زُكِنْ
إذن نقول: ﴿نَفَادٍ﴾ مبتدأ على اللغتين جميعًا. قال المؤلف: (﴿مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾ أي: انقطاع، والجملة حالٌ من ﴿رِزْقُنَا﴾، أو خبر ثانٍ لـ(إنَّ)؛ أي: دائمًا أو دائم) اختصار شديد.
(الجملة حالٌ من ﴿رِزْقُنَا﴾ )، وعلى هذا يكون المعنى: ﴿مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾ أي -على تفسير المؤلف- دائمًا ولَّا دائم؟ دائمًا. أو نقول: خبر ثانٍ ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا﴾ إن هذا ﴿مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾، ويكون التقدير: دائم ولا دائمًا؟ دائم. إذن في الكلام لفٌّ ونشرٌ، مُرتَّبٌ ولَّا غير مُرتَّبٍ؟ حال من ﴿رِزْقُنَا﴾ قدم الحال، أو خبر ثانٍ آخر، أي: دائمًا، قُدِّم الحال، أو دائم أُخِّر الخبر، إذن الترتيب مُرتَّبٌ.
قال: (﴿هَذَا﴾ المذكور للمؤمنين، ﴿وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ﴾ )، ﴿هَذَا﴾ مبتدأ لا بد له من خبرٍ، خبره محذوف، كما قدره المؤلف لِمَن؟ للمتقين، المؤلف يقول: (للمؤمنين)، ولكن الصحيح أن نُقَدِّرَ (للمتقين)؛ لأن الله قال: ﴿هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ﴾، فالأولى أن نقول: هذا للمتقين.
فما لغيرهم قال: (﴿وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ﴾ مستأنَفٌ)، ﴿وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ﴾ الطاغين جمع (طاغية)، والطاغي من تجاوز الحد، وحد الإنسان أن يكون عبدًا لله، ممتثلًا لأمره، مجتنبًا لنهيه، فمَن لم يمتثل الأمر فهو طاغٍ، ومن ارتكب النهي فهو طاغٍ، ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ [طه 43]، إذن الطغيان هو تجاوز الحد. والحد للإنسان هو عبادة الله؛ فمن تجاوز هذا الحد فخالف الأمر أو ارتكب النهي فهو طاغٍ.
فإن قال قائل: ما الشاهد على أن الطغيان بمعنى تجاوز الحد؟
قلنا: قوله تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ﴾ يعني: تجاوز حده، ﴿حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ [الحاقة 11].
(﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ﴾ مستأنَفٌ)، ﴿لَشَرَّ مَآبٍ﴾ أي: شر مرجع، و﴿شَرَّ﴾ منصوبة على أنها اسم (إن) مؤخَّرٌ، ما هو؟ ﴿لَشَرَّ مَآبٍ﴾، قال: ﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا﴾ [ص 56] هذا عطف بيان ﴿لَشَرَّ مَآبٍ﴾، وهي النار؛ جهنم، النار سُمِّيت بهذا الاسم؛ لأنها تتضمن الجهمة لسوادها؛ لأنه ليس فيها نور وبُعْد قعرها، والعياذ بالله.
سمع النبي ﷺ ذات يوم وهو وأصحابه وهم في المدينة، سمعوا وَجْبَةً؛ يعني: وقعة شيء، فقال: «أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ، فَهُوَ يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا حَتَّى الآنَ وَصَلَ إِلَى قَعْرِهَا»[[أخرجه مسلم (2844 / 31) من حديث أبي هريرة.]]، سبعين سنة، وهو حجر كبير له صوت عظيم يهوي في النار. إذن هي قعيرة جدًّا، ولذلك صارت مُدْلَهِمَّةً -والعياذ بالله- سوداءَ. وقيل: إن (جهنم) ليس عربيًّا، وإن أصله في الفارسية (كهنام) ولكنه عُرِّبَ، فصار (جهنم).
* طالب: (كهنام) بالفارسي؟
* الشيخ: بالفارسي، إي نعم، وعلى هذا فلا يَرِدُ علينا ما قلنا من أنه من الجهمة؛ وهو السواد والبعد، فيقال: اسم للنار علَمٌ غير مشتق، وأيًّا كان فهو اسم من أسماء النار، نعوذ بالله منها.
﴿يَصْلَوْنَهَا﴾ صفة لـ(جهنم) بل هي حال؛ لأن (جهنم) معرفة، والمعرفة تكون الجملة بعدها حالًا. ﴿يَصْلَوْنَهَا﴾؛ يعني: يدخلونها، لكن لا يكفي أن نقول: (يدخلونها) في الواقع، بل ﴿يَصْلَوْنَهَا﴾ يُعَذَّبون بصلاها؛ وهو شدة الحرارة.
(﴿فَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ الفراش) كما قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا﴾ [النبأ 6]، وفي آية أخرى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا﴾ [البقرة 22]، فـ﴿الْمِهَادُ﴾ الفراش. ﴿فَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ يعني: هي هذا، ﴿فَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾؛ لأنه -والعياذ بالله- افتراشها شديد، ولحافها شديد، ﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ [الزمر 16]، نعوذ بالله.
(﴿هَذَا﴾ [ص 57] أي: العذاب المفهوم مما بعده ﴿فَلْيَذُوقُوهُ﴾ )، ويجوز أن يكون ﴿هَذَا﴾ مبتدأ، والخبر محذوف؛ أي: هذا ما لهم، ﴿فَلْيَذُوقُوهُ﴾. واللام في قوله: ﴿فَلْيَذُوقُوهُ﴾ للأمر، والدليل على أنها لام الأمر وليست لام التعليل أنها سكنت بعد الفاء، ولام الأمر تُسَكَّن بعد الفاء والواو و(ثم).
﴿فَلْيَذُوقُوهُ﴾؛ أي: فليكتووا بحرِّه، والاكتواء بحره هو ذوق. وذوق كل شيء بحسبه؛ في الطعام والشراب يذوقه الإنسان بمذاق الفم، والنار يذوقها بماذا؟ بحرارتها في أي موضع من الجسم، والبرد كذلك يذوقه بلسعه في أي موضع من الجسم.
(﴿فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ﴾ أي: ماء حارٌّ مُحْرِق، ﴿وَغَسَّاقٌ﴾ بالتخفيف والتشديد) يعني: ﴿غَسَاقٌ﴾ هذا التخفيف، ﴿غَسَّاقٌ﴾ هذا التشديد، (ما يسيل من صديد أهل النار) نعوذ بالله.
الآن نقول: ﴿هَذَا﴾ مبتدأ، و﴿حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ﴾ خبر ومعطوف عليه، فعدلنا عما ذكرنا من قبل: هذا ما لهم من العذاب؛ حيث قدمنا الخبر ما لهم من العذاب. ورأينا أن الأولى أن نجعل ﴿حَمِيمٌ﴾ خبرًا، و﴿وَغَسَّاقٌ﴾ معطوفًا عليه، وتكون جملة ﴿فَلْيَذُوقُوهُ﴾ معترضة بين المبتدأ والخبر؛ للمبادرة بإهانتهم، فإن قوله: (فليذوقوا العذاب) لا شك أنه إهانة، فمن أجل المبادرة قُدِّم (هذا) على الخبر؛ أي: قُدِّم قوله: ﴿فَلْيَذُوقُوهُ﴾، وأصل الكلام على الترتيب: هذا حميم وغساق فليذوقوه.
انظر للشراب: ﴿حَمِيمٌ﴾ ماء حار، وليست حرارته سهلة أو يسيرة، ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ﴾ (...) الزيت، ﴿يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ [الكهف 29]، فأولًا: لا يأتيهم هذا الشراب بسهولة. متى يأتيهم؟ بعد أن يعطشوا عطشًا شديدًا، ثم يستغيثوا يسألوا الله أن يغيثهم من هذا العطش. وإذا أغيثوا بهذا الماء ﴿كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ [الكهف 29]، إذا دنا من وجوههم ليشربوه شواها. قال العلماء: تتساقط لحوم الوجه. ثم إذا شربوه في البطون ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [محمد 15]، فيقطع ظاهرهم وباطنهم، والعياذ بالله.
قارن بين هذا الشراب وبين شراب أهل الجنة: ﴿أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى﴾ [محمد 15]، ومع ذلك يشربون متى شاؤوا. ويدبِّرون هذه الأنهار كما شاؤوا، بدون حفر سواقٍ، وبدون كلفة؛ يعني ما يجعلون جدارًا يمنع الماء لا يسيل يمينًا وشمالًا، ولا يحفرون. قال ابن القيم في النونية:
؎أَنْهَارُهَا فِي غَيْرِ أُخْدُودٍ جَرَتْ ∗∗∗ سُبْحَانَ مُمْسِكِهَا عَنِ الْفَيَضَانِ
الغسَّاق -والعياذ بالله- بمجرد ما تسمع معناه تشمئز؛، صديد أهل النار؛ الصديد الذي يجري من أجسادهم من احتراقها، هذا نوع من شرابهم، فصار شرابهم إما ماء حارًّا يشوي الوجوه ويقطِّع الأمعاء، وإما صديد أهل النار، ﴿يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ [إبراهيم 17].
قال الله عز وجل: (﴿وَآخَرُ﴾ [ص 58] بالجمع والإفراد) ﴿آخَرُ﴾ مفرد، ﴿أُخَرُ﴾ جمع، فيها قراءتان إذن سبعيتان.
﴿مِنْ شَكْلِهِ﴾ [ص 58]؛ أي: من جنسه، (أي: مثل المذكور من الحميم والغسَّاق، ﴿أَزْوَاجٌ﴾ أي: أصناف؛ أي: عذابهم من أنواع مختلفة).
﴿آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ﴾ من جنسه، أو ﴿أُخَرُ﴾ من جنسه، ﴿أَزْوَاجٌ﴾ أصناف من العذاب يُعَذَّبون بها كما أراد الله عز وجل، ويُهانون غايةَ الإهانة؛ يقرعون ويُوَبَّخون، ثم يُمَنَّون بالخروج؛ ترتفع بهم النار حتى إذا دنوا من أبوابها ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا﴾ [السجدة 20]، وهذا من شدة العذب يا إخواني. لو أن شخصًا محبوسًا، وكان يقرب من الباب يظن أنه سيخرج ثم يُرَدُّ، هذا أشد عليه عذابًا مما لو بقي في مكانه. فهم يُنَوَّعُ عليهم العذاب أنواعًا عظيمة ما تخطر بالبال ولا تدور في الخيال. اللهم نجِّنا من النار.
(﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ أي: أصناف؛ أي: عذابهم من أنواع مختلفة، ويقال لهم عند دخولهم النار بأتباعهم: ﴿هَذَا فَوْجٌ﴾ [ص 59] جمع، ﴿مُقْتَحِمٌ﴾ داخل، ﴿مَعَكُمْ﴾ النار بشدة، فيقول المتبوعون: ﴿لَا مَرْحَبًا بِهِمْ﴾ أي: لا سعة لهم، ﴿إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ﴾ ﴿قَالُوا﴾ أي: الأتباع، ﴿بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ﴾ أي: الكفر، ﴿لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾ ).
شوف نعوذ بالله ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف 67]، شوف كيف العداوة بين أهل النار ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ [الأعراف 38]، وهكذا المجرمون في الدنيا الذين يوالي بعضهم بعضًا سوف يكونون يوم القيامة أعداء، فلا ولاية لأحد في الآخرة إلا من كان مُتَّقيًا، هؤلاء هم الذين تبقى ولايتهم. وأما غير المتقين فهم وإن كانوا أولياء في الدنيا فإن ولايتهم في الآخرة تزول نهائيًّا.
انظر للآية ﴿هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ﴾، ﴿هَذَا فَوْجٌ﴾ الفوج: الطائفة، والغالب أنها تكون للطائفة الكبيرة، ﴿مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ﴾ يعني: داخل بمشقة؛ لأن الاقتحام لا بد أن يكون هناك ازدحام شديد، ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ [البلد 11]؛ أي: صعدها بشدة.
هؤلاء يدخلون النار بزحام شديد، فهو ﴿فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ﴾ يعني: يقال لهم، فيقولون: ﴿لَا مَرْحَبًا بِهِمْ﴾ يعني: ما نريدهم، نتبرأ منهم، ولا تتسع صدورنا ولا أمكنتنا لهم. والمرحَّب مأخوذ من الرحبة؛ وهي السعة، فيقول: ﴿لَا مَرْحَبًا بِهِمْ﴾ يعني: لا نرحب بهم ولا نريدهم بل نحن ننابذهم غاية المنابذة، ﴿إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ﴾ ﴿إِنَّهُمْ﴾ أي: هؤلاء الذين اقتحموا معنا صالوا النار، (﴿قَالُوا﴾ أي: الأتباع) لمن؟ للمتبوعين، ﴿بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ﴾ [ص 60]، شوف ﴿بَلْ﴾ إبطال؛ يعني أبطلوا قولهم: ﴿لَا مَرْحَبًا بِكُمْ﴾، وقالوا: نحن نبطل هذا الكلام ولا نعترف، بل أنتم الذين لا مرحبًا بكم. ﴿أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا﴾؛ يعني: قدمتم لنا الكفر وسهَّلتم لنا سلوكه، وزيَّنتموه في نفوسنا حتى تبعناكم، (﴿فَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾ لنا ولكم النار) أعوذ بالله، كل منهم الآن تبرأ من الآخر.
يقول الله عز وجل: (﴿قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا﴾ [ص 61] أي: مثل عذابه على كفره، ﴿فِي النَّارِ﴾ ) ﴿مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا﴾، ما المشار إليه؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: لا، المشار إليه ﴿مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا﴾ الكفر؛ يعني: من قدَّم لنا الكفر وهم المتبوعون.
﴿فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ﴾ ﴿ضِعْفًا﴾؛ يعني زائدًا على عذاب الأصل؛ يعني: عذبهم لكونهم كفروا، وعذبهم لكونهم قدَّموا لنا الكفر. ولكن هل هذا إليهم؟ لا، ليس إليهم، فلكل امرئ منهم ما عمل. وهؤلاء المتبوعون هل أجبروا الأتباع على اتِّباعهم؟ أبدًا ما أجبروهم، ﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ﴾ [غافر 47]، ويش قال؟ ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ﴾ [غافر 48]، حكم بينهم بعدله فجازى كل واحد منهم ما يستحق.
ثم قال الله عز وجل: ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ﴾ [ص 62]، ﴿قَالُوا﴾ يقول المؤلف: (أي كفار مكة وهم في النار)، والصواب أن المراد بهم كل الكفار، الكفار يرون أن المؤمنين ضالون، ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ﴾ [المطففين 29 - 32]، وليس هذا خاصًّا بكفار مكة، كل الكفار إلى اليوم يرون أن المؤمنين أشرار ضالون، ويصفونهم بأنه طغاة مفسدون في الأرض، والحقيقة أن الأمر بالعكس؛ الطغاة المفسدون في الأرض الضالون الظالمون المعتدون هم الكافرون، كما قال الله تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة 254]، فلا أحد أشد فسادًا وظلمًا وطغيانًا من الكافر؛ لأنه يتمتع بنعم الله ويبارز الله بالكفر به، هم يقولون -الكفار-: ﴿مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ﴾، ﴿نَعُدُّهُمْ﴾ يعني: في الدنيا ﴿مِنَ الْأَشْرَارِ﴾، ﴿نَعُدُّهُمْ﴾ يعني: باعتقادنا، ﴿مِنَ الْأَشْرَارِ﴾.
﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا﴾ [ص 63]؛ يعني: في الدنيا، ﴿أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ فلم نرهم، هم يقول بعضهم لبعض: يا جماعة ﴿مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ﴾، فلان وفلان ﴿نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ﴾، هل نحن اتخذناهم في الدنيا سخريًّا نسخر بهم ونقول: أنتم الشر، وأنتم الطغاة، وما أشبه ذلك، وهم ليسوا كذلك، أم أنهم كما تصورناهم في الدنيا وعددناهم بأنهم من الأشرار، لكن زاغت عنا أبصارهم في النار، وأنهم الآن في النار لكن أبصارنا زاغت عنهم؟ شوف كيف الاحتمال، يعني يقولون: هل نحن اتخذناهم سخريًّا في الدنيا، وقلنا: إنهم من الأشرار وهم ليسوا منهم؟ هذه واحدة، وإذا كانوا ليسوا منهم فلن يدخلوا النار. أم أنهم كانوا أشرارًا حقيقة، وأن قولنا: إنهم أشرار كلام جدٍّ، وهم الآن في النار، ولكن زاغت عنهم أبصارنا، فما هو الجواب؟ الحقيقة الأول ولَّا الثاني؟ الأول.
ولهذا قال الله عز وجل عنهم: (﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا﴾ بضم السِّين وكسرها؛ أي: كنا نسخر بهم في الدنيا، والياء للنسب؛ أي: أمفقودون هم، ﴿أَمْ زَاغَتْ﴾ مالت، ﴿عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ فلم نرهم).
والجواب أن يقال: إنكم اتخذتموهم سخريًّا، وسخرتم بهم، واستهزأتم بهم، ووصمتموهم بالعيب والشر، وهم برآء منه.
قال: (﴿أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ يعني: أبصارهم، فلم نرهم وهم فقراء المسلمين؛ كعمار وبلال وصهيب وسلمان)، هذا بناء على أن القائلين كفار مكة. أما إذا قلنا بالعموم فكل زمان له أهل.
قال الله تعالى: (﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ﴾ واجب وقوعه وهو ﴿تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾ كما تقدم)، ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ أي: المشار إليه من كل ما ذُكِرَ من تخاصم أهل النار، ﴿لَحَقٌّ﴾ أي: أمر ثابت واقع، وهذا تأكيد لخبر الله عز وجل مع أن خبر الله كله حق وصدق وثابت، والمراد بالحق هنا الصدق أو العدل؟ الصدق؛ لأنه خبر عن أمر سيقع.
وقوله: ﴿تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾ [ص 64] هذا بدل أو عطف بيان لقوله: ﴿لَحَقٌّ﴾، والمؤلف رحمه الله قدَّره خبر لمبتدأ محذوف؛ فقال: (وهو ﴿تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾ كما تقدم) يتخاصم الأتباع مع المتبوعين، والله أعلم.
* طالب: أحسن الله إليك، ذكرنا أن النساء في الجنة والرجال أعمارهم ثلاث وثلاثين عامًا، مع أن النساء في الدنيا فيما يبدو المرأة إذا كان عمرها ثلاثًا وثلاثين عامًا لا تمدح على هذا السن، كلما كانت أصغر كانت أرغب عند الزوج، وهذا النساء في الدنيا، فما الحكمة من..؟
* الشيخ: والله على كل حال إذا كنت ترغب أن تكون بنت ستة عشر تكون بنت ستة عشر؛ لأن ﴿فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ﴾ [الزخرف 71]، أحوال الآخرة تختلف الآن. لو جاء واحد طوله ستون ذراعًا وعرضه سبعة أذرع، هل هو مرغوب عند الناس؟
* الطالب: أما الآن؟
* الشيخ: إي.
* الطالب: لا.
* الشيخ: غير مرغوب، لكن في الجنة أهل الجنة على هذا الوصف طول الواحد ستون ذراعًا وعرضه سبعة أذرع، هذا الجسم بهذا الحجم غير مألوف في الدنيا، فثلاثة وثلاثون سنة بالنسبة لهذه الأحجام تعتبر صغيرة مناسبة.
* الطالب: يعني هذا نظرًا للحجم؟
* الشيخ: النظر للحجم، المهم المتناسب، لا شك أن هذا أحسن شيء.
* طالب: الدليل على ثلاثة وثلاثين سنة؟
* الشيخ: أما الأول فهو في الصحيح[[متفق عليه؛ البخاري (3327)، ومسلم (2834 / 15) من حديث أبي هريرة. ]]، وهذا ما أدري اللي ذكره المؤلف لكنه متناسب مع عمر الرجل.
* طالب: (...) لو قيل -يا شيخ- بأنه منسوخ (...)؟
* الشيخ: لا، غير منسوخ، العلماء رحمهم الله قالوا: يجوز أنه يجلد الإنسان مئة جلدة بشمراخ أو شبهه.
* الطالب: يا شيخ، حديث: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا»[[أخرجه مسلم (1650 / 12) من حديث أبي هريرة.]] (...)؟
* الشيخ: وهنا؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، نقول: اضرب، البر هنا أحسن؛ لأن المقصود تربية المرأة وتأديبها، وهذا خير، لكن لو قلنا: كفِّرْ ولا تضربْ فات هذا المقصود.
* طالب: يا شيخ، التأويل إذا لم يكن الإنسان ظالمًا ولَّا مظلومًا؟
* الشيخ: الصحيح أنه حرام إذا لم يكن هناك مصلحة.
* طالب: مصلحة التي تعود على نفس الحال يا شيخ؟
* الشيخ: إي نعم، حتى وإن كانت تعود عليه المهم أنها تكون فيه مصلحة؛ لأنه أحيانًا يُراد به مجرد التضليل ولو عن شيء غير ظلم، وأحيانًا يكون فيه مصلحة.
* طالب: (...) المحلوف عنده يرى غير ذلك؟
* الشيخ: ما عليه، لو جاء إنسان -مثلًا- ليسألني كم مالك؟ فقلت: مالي -مثلًا- عشرة، هو بيفهم أنها عشرة ريالات، وأنا عندي عشرة ملايين يصلح، ما فيه شيء لمصلحة.
* الطالب: يمكن يظهر بعد ذلك، ويعتبره كذبًا؟
* الشيخ: ما يهم؛ لأني ما ظلمته، ربما لو أقول: عندي عشرة ملايين، قال: يلا أعطني هالحين تسعة ملايين وتسع مئة ألف وتسعين، مشكلة؛ يأخذ مالي وأنا أشوفه.
يقال: إن رجلًا جاء يسأل الإمام أحمد عن المروزي أحد أصحابه، وكان المروذي حاضرًا في الدرس، فقال: ليس المروذي هاهنا، وما يصنع المروزي هاهنا؟ يعني: في كفه هذه، ويش المقصود منها؟ مصلحة ولَّا لا؟ مصلحة ما في (...)، ما فيه لا ظلم ولا مظلوم فيها.
* طالب: هذه الجملة (...).
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) هذا ﴿وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ [ص 49، 50]، ﴿جَنَّاتِ﴾ بدل منين؟
* الطالب: بدل من ﴿حُسْنَ مَآبٍ﴾، من ﴿حُسْنَ﴾، و﴿حُسْنَ﴾؟
* الطالب: و﴿حُسْنَ﴾ اسم.
* الشيخ: لكن مبتدأ.
* الطالب: إي نعم، هذا ما فيه البدل، متابع.
* الشيخ: ما دام اسم (إن) وهو منسوخ يصلح منه الحال. (إن زيدًا قائم منيبًا) يصلح أن يقال: (قائم منيبًا) حالٌ من (زيد)، لا من الضمير المستتر في (قائم).
* طالب: ومن ﴿لَهُمُ﴾.
* الشيخ: لأن الكلام على أن الضمير هنا معرفة يصلح منه الحال.
* طالب: قوله: ﴿مُتَّكِئِينَ﴾.
* الشيخ: و(لهم) ضمير.
* الطالب: ومتعلق بالمحذوف.
* الشيخ: ولو كان، لكن الكلام على أن الضمير هنا معرفة يصلح منه الحال.
* طالب: قوله: ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ (...) فهل الحال (...)؟
* الشيخ: ما فيه شك ما هو دائمًا، الحال تكون متنقلة وتكون ثابتة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...).
* الطالب: بغير القرآن؟
* الشيخ: بغير القرآن، بحسب الحال.
* طالب: هل يفهم من الآية هنا أن ﴿إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ﴾ مع المتقين في جنات عدن؟
* الشيخ: كل المتقين؛ إسماعيل واليسع وذو الكفل وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم.
* الطالب: أليس المتقين في أعلى الجنات في الفردوس الأعلى؟
* الشيخ: كلهم متقون.
* الطالب: ولكن الجنة درجات؟
* الشيخ: معلوم درجات، فإذا قلت: فلان في القصر، هذا في أعلى القصر، وهذا في أسفله، وهذا في وسطه.
* الطالب: يعني جنات عدن شاملة الجنات هذه.
* الشيخ: كل الجنات (...).
* * *
* طالب: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ [ص 65، 66].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. نأخذ فوائد ما سبق.
قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾ [ص 45 - 47].
* من فوائد هاتين الآيتين: الثناء على إبراهيم وإسحاق ويعقوب بأنهم أصحاب قوة في عبادة الله وبصيرة في دين الله.
* ومن فوائد هذه الآية، وكذلك ما ماثلها مما سبق: أنه ينبغي ذكر أهل الخير بالثناء؛ لأن في ذلك فائدتين:
الفائدة الأولى: إحياء ذكر هؤلاء ليتبين فضلهم ويُدْعَى لهم.
الفائدة الثانية: الاقتداء بهم واتباعهم فيما هم عليه مما استحقوا به الثناء.
انتبهوا لهذا، فائدتان: الفائدة الأولى: بيان فضلهم وإحياء ذكراهم للدعاء لهم، والثانية: التأسي والاقتداء بهم.
* ومن فوائد هاتين الآيتين الكريمتين: أن الله تعالى أخلص هؤلاء بخالصة، وهي تذكُّر الدار الآخرة بحيث لا ينغمسون في ترف الدنيا.
* ويتفرع على هذه الفائدة: أن من أنعَمَ الله عليه بهذه الصفة -وهي تذكُّر الدار الآخرة- فإن هذا من الأمر الذي يستحق الثناء عليه هو، ويستحق الرب عز وجل عليه الشكر؛ حيث لم يجعل هذا ممن ينطوي في سلك أهل الدنيا.
* ومن فوائد هاتين الآيتين: أن لله تعالى عباد مصطفين؛ لقوله: ﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ﴾؛ لأن (من) هنا إما للجنس أو للتبعيض، فتدل دلالة واضحة على أن لله تعالى عبادًا مُصْطَفَيْنَ.
* ومن فوائدها: أنه إذا كان العامل له مراتب فإن العمل كذلك له مراتب؛ لأن العامل إنما ينال المراتب بحسب عمله.
* ويتفرع على هذه الفائدة ما فيه دليل لمذهب أهل السنة والجماعة من أن الإيمان يزيد وينقص.
* ومن فوائد هاتين الآيتين: أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب من هؤلاء المصطَفَيْنَ.
* ومن فوائدها: أن من اصطفاهم الله فإنهم أصحاب خير وفضل؛ لقوله: ﴿الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾، فرتَّب الأخيار أو الخيِّرين على الاصطفاء.
ثم قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص 48، 49] إلى آخره.
* في هذا: الثناء على إسماعيل واليسع وذا الكفل؛ لأن الله أَمَرَ بذكرهم للثناء عليهم.
* وفيه: فضيلة هؤلاء الرسل الثلاثة؛ إسماعيل واليسع وذا الكفل.
* وفيه: أن لله عبادًا أخيارًا منهم هؤلاء الثلاثة؛ لقوله: ﴿وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ﴾.
* ومن فوائدها كالتي قبلها: أن لله تعالى فضلًا على بعض العباد يُحْرَمُه البعض الآخر؛ حيث يجعل هؤلاء من المصطفين الأخيار، والآخرين على العكس من ذلك.
ثم قال تعالى: ﴿هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ﴾ إلى آخره.
* من فوائد هذه الآيات: أن القرآن الكريم ذكْرٌ؛ يذكر به الله بتلاوته، ذكْرٌ يتذكر به الإنسان معاده ومعاشه، ذكْرٌ يذكر به غيره، وقد ذكرنا هذا في أول السورة.
* ومن فوائد هذه الآيات: بشارة المتقين بأن لهم حسن المآب؛ أي: لمرجع، وعلى العكس من ذلك غير المتقين لهم سوء المآب؛ لأن الله إذا حكم للشيء بصفة من الصفات، فإنه يحكم له بضده إذا انتفت هذه الصفة.
فإن قال قائل: لماذا لا تقولون: إنه إذا انتفت هذه الصفة ولم تثبت الصفة المضادة، لماذا لا تجعلونه وسطًا بين هذا وهذا، فلا يستحق الثناء المثبت بالصفة ولا القدح الذي يكون بضدها؟
فالجواب على ذلك أن نقول: لا شك أن الأمور طرفان ووسط؛ الطرفان متضادان، والوسط بينهما. لكن قد دلَّ الكتاب والسنة على أن التقوى وضدها ليسا طرفًا ووسطًا، بل هما طرفان متقابلان، كما قال الله تعالى: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾ [يونس 32]. فإذا ثبت للمتقين حسن المآب فلغيرهم سوء المآب، ولا نجعل هنا شيئًا وسطًا؛ لأنه لا وساطة بين الإيمان والكفر، والتقوى والفسوق.
* ومن فوائد هذه الآيات: الحث على التقوى، وذلك بذكر ثوابها؛ لأن الحث على الشيء يكون بالأمر به كما هو ظاهر، ويكون بالوعيد على تركه، ويكون بالثناء على فعله، المهم أن طرق الحث على الشيء متنوعة، منها ذكر حسن المآب.
* ومن فوائد هذه الآيات: إثبات الجنات لهؤلاء وأنها هي حسن المآب؛ لقوله: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾، ولا شك أن أحسن مآب يؤوب إليه البشر هو الجنات؛ فإن فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وكل إنسان مؤمن إنما يسعى للوصول إلى هذه الغاية العظيمة.
* من فوائدها: أن الجنات دار إقامة؛ لقوله: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾، فالناس مقيمون فيها لا يرحلون عنها، مقيمون فيها لا يبغون عنها حِوَلًا. ففيها إقامتان: إقامة لا ارتحال عنها، الإقامة الثانية: لا يبغي المقيم عنها حِوَلًا، يرى أنها محل إقامة وأنها أشرف مكان؛ وذلك لأنه لو رأى أن غيره أشرف منه لم يتم نعيمه؛ لأنه يرى أنه قاصر، وهذا بخلاف أهل النار؛ أهل النار كل واحد يرى أنه لا أحد أشد منه عذابًا؛ لأنه لو رأى أن أحدًا أشد منه عذابًا لتسلَّى به، لكنه بالعكس يرى أنه أشد الناس عذابًا، أهل الجنة لا يرى الواحد منهم أن غيره أكمل منه نعيمًا على وجه يفوقه، بل يرى أنه هو في أكمل ما يكون من النعيم؛ حتى لا يتنغَّص عليه نعيمه.
* ومن فوائد الآيات: أن للجنة أبوابًا؛ لقوله: ﴿مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ﴾.
* ومن فوائدها: كثرة الخدم المستفاد من قوله: ﴿مُفَتَّحَةً﴾، ولم يقل: (مفتوحة)، فهي تفتح يستقبلون منها، كلما دنوا من غرفة فُتِّحَت لهم الأبواب.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن أهل الجنة يطلبون كل ما يشتهون من الفواكه؛ لقوله: ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ﴾، وفي سورة الدخان: ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ﴾ [الدخان 55].
* ومن فوائدها -أي هذه الآيات-: أن لأهل الجنة شرابًا يدعون فيها بكل شراب، وقد مَرَّ علينا في التفسير أن أنواع الشراب أربعة.
* ومن فوائد هذه الآيات: ما في الجنة من الأزواج المطهرة العفيفات البالغات في الحسن غايته؛ لقوله: ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ [ص 52].
* ومن فوائدها: أن هذه القاصرات الطرف خيرات الأخلاق طيبات ليس فيهن نشوز إطلاقًا؛ لقوله: ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ﴾، في الدنيا الزوجات تارة تكون عندك، وتارة تزعل وتروح لأهلها ما تكون عندك، لكن في الجنة أزواجهم دائمًا عندهم؛ ليس هناك نشوز ولا غضب ولا زعل، بل أخلاق طيِّبة على ما ينبغي.
* ومن فوائدها: كمال عفة هؤلاء النساء؛ لكونهن قاصرات الطرف على أزواجهن، لا ينظرْنَ إلى غير أزواجهم.
* وفيها: كمال جمال هؤلاء النساء؛ لأنهن ﴿قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ أي: يقصرن أطراف أزواجهن عليهن، فالزوج لا ينظر إلى غيرها؛ لأنها قد ملأت عينه وسرَّت قلبه.
* ومن فوائدها: أن هؤلاء النساء أو هؤلاء الأزواج أتراب متساويات في السن والخلق، بحيث لا تغار واحدة من الأخرى لكونها أجمل منها أو أسن منها أو ما أشبه ذلك؛ لقوله: ﴿أَتْرَابٌ﴾.
* ومن فوائدها: أنهم يخاطبون بما يسرهم ويدخل النور في قلوبهم؛ لقوله: ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾، عكس أهل النار فإنهم يُوَبَّخون: ﴿أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [غافر 50] وما أشبه ذلك من التويبخ، أما هؤلاء فيدخل في قلوبهم السرور، فيقال لهم: ﴿هَذَا مَا تُوعَدُونَ﴾ به أخذتموه ووصلتم إليه وجَنَيْتُموه.
* ومن فوائد هذه الآيات: إثبات يوم القيامة وأنه يوم الحساب؛ لقوله: ﴿لِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾.
* ومن فوائدها: حثُّ الناس على العمل؛ لأنه كلما تذكر الإنسان أنه سوف يحاسب عن عمله فإنه سوف يحرص ويجتهد في العمل حتى لا يحاسب على شيء يكون عليه.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن هذه الجنات التي وعد هؤلاء المتقون فضلٌ من الله ومِنَّة؛ لقوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا﴾.
* ومن فوائدها: أن هذا الرزق لا ينفد أبدًا ولا ينقطع أبدًا؛ الفاكهة في كل وقت، لحم الطير في كل وقت، الشراب في كل وقت، الزوجات في كل وقت، ما فيه هذا فصل صيف ليس فيه فاكهة شتاء، وهذا فصل شتاء ليس فيه فاكهة صيف، كل شيء ليس له نفاد.
* ومن فوائد هذه الآيات: كمال القرآن في التعليم والتبليغ، وأنه مثانٍ؛ إذا ذُكِرَ المتقون وثوابهم ذُكِرَ المجرمون وعقابهم، ولهذا قال: ﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ﴾ الطاغون ضد المتقين لهم شرُّ مآب.
* ومن فوائد هذه الآيات: أنه ينبغي للداعي إلى الله أن تكون دعوته تارة بالترغيب وتارة بالترهيب، بل الأفضل أن يجعل دعوته مشتملة على الترغيب والترهيب؛ وذلك لأنها -أي الدعوة- إذا كانت مقتصرة على الترغيب صارت سببًا للأمن من مكر الله وأن يتمادى الإنسان في معصية الله ويرجو الله، وإذا كانت مشتملة على الترهيب صارت سببًا للقنوت من رحمة الله واستبعاد الرحمة، وهذا ضرر، بل ينبغي أن يكون الداعية جامعًا بين هذا وهذا؛ ليحمل الناس على الرجاء وعلى الخوف، ولهذا قال الإمام أحمد: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحدًا، فأيهما غلب هلك صاحبه.
وقال بعض أهل العلم: الرجاء والخوف كالجناحين للطائر؛ إن انخفض أحدهما سقط الطائر، وإن تساويا صار طيرانه مُتَّزِنًا.
وقال بعض أهل العلم: ينبغي للإنسان عند فعل الطاعة أن يغلِّب جانب الرجاء، وعند الهم بمعصية أن يغلِّب جانب الخوف؛ يعني عند المعصية يغلب جانب الخوف، وعند الطاعة يغلِّب جانب الرجاء، قالوا: لأنه إذا فعل الطاعة فقد فعل سبب الرجاء، وإذا فعل المعصية فقد فعل ما يكون سببًا للخوف.
وقال بعض العلماء: ينبغي في حال الصحة أن يغلِّب جانب الخوف، وفي حال المرض أن يغلب جانب الرجاء؛ حتى يموت وهو يحسن الظن بالله عز وجل.
ولعل القول الوسط هو القول الوسط؛ أن الإنسان إذا فعل المعصية وهمَّ بها غلَّب جانب الخوف، وإذا فعل الطاعة أو همَّ بها غلَّب جانب الرجاء. وهذا قول طيب.
ولكن ليس معنى قولنا: أن نغلِّب جانب الرجاء أو جانب الخوف ألَّا يكون لديه شيء من الطرف الآخر بل يجمع بين هذا وهذا، لكن الكلام على التغليب.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن الطاغين مآبهم ﴿شَرَّ مَآبٍ﴾، بخلاف المتقين فإن مآلهم ﴿حُسْنَ مَآبٍ﴾، أما الطاغون فإن مآبهم ﴿شَرَّ مَآبٍ﴾؛ لأن مآبهم إلى جنهم والعياذ بالله، وقد ذكَرَ الله تعالى من أنواع العقوبات في هذه الدار ما يكفي ردعًا للمؤمن عن المعصية.
* ومن فوائدها: أن من أسماء النار ﴿جَهَنَّمَ﴾.
* ومن فوائدها: أنها هؤلاء ﴿يَصْلَوْنَهَا﴾ أي: يقعون في صلاها؛ أي: حرها الذي لا يمكن أن يبرد أبدًا، لكن مع ذلك قد ورد أنهم يُطَافُ بهم أحيانًا في زمهريرٍ شديدِ البرودة، وأحيانًا في نار شديدة الحرارة.
* من فوائدها: الثناء بالقدح على هذه الدار، أما الجنة قال الله تعالى: ﴿وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾ [النحل 30]، أما هذه فقال هنا: ﴿فَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾، فأثنى عليها بالقدح والقبح والسوء.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن أهل النار -والعياذ بالله- يذوقونه -أي العذاب- بين حميم وغساق؛ يعني: يسقون ماء حارًّا، ويسقون صديد أهل النار؛ الغساق والعياذ بالله، والإنسان منهم يتجرع هذا الشراب ﴿وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾ [إبراهيم 17].
* ومن فوائدها -أي الآيات-: تنويع العذاب للطغاة؛ لقوله: ﴿وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾؛ يعني: أصناف متنوعة من العذاب، وهذه الأصناف مذكورة في الكتاب والسنة، فمن أحب أن يراجعها فليراجعها في الكتب المؤلفة في ذلك.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن أهل النار يتنازعون فيما بينهم ويتخاصمون ويتلاعنون، كلما دخل فوجٌ لعَنَ الثاني، ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ [الأعراف 38]، ﴿هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ﴾ [ص 59].
* ومنها: أن الأتباع والمتبوعين من أهل النار، كلهم يكونون في النار، فلا يُعْذَر هؤلاء بتبعيتهم للسادة والكبراء، ولكن هذا ليس على إطلاقه؛ فإنه قد دلَّت النصوص أنه لا يُعَذَّب أحدٌ حتى تقوم عليه الحُجة، وعلى هذا فيُحْمَل الأتباع هنا على الأتباع الذين بلَغَتْهم الحجة وبلغتهم الرسل، ولكن قالوا: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف 22]، ولهذا قال الله تعالى في سورة الأحزاب: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب 66 - 68]، فدلَّ هذا على أن هؤلاء الأتباع قد قامت عليهم الحجة، ولهذا يقولون: ﴿يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا﴾ [الأحزاب 66].
* ومن فوائد هذه الآيات: أن أهل النار يكلِّم بعضهم بعضًا، وينبذ بعضهم بعضًا، وهم ليسوا أحياءً ولا أمواتًا؛ ليسوا أمواتًا مستريحين ولا أحياء مُنَعَّمين، بل هم أحياء مُعَذَّبون.
* ومن فوائد هذه الآيات: تبرُّؤ التابع من المتبوع وبالعكس، كما دلت على ذلك آيات سورة البقرة.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن أهل النار يتذكرون ما جرى لهم في الدنيا؛ لقوله: ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ﴾، وهذا يدل على أنهم يتذكرون ما كان في الدنيا، وكذلك أهل الجنة يتذكرون ما كان لهم في الدنيا.
قال الله تبارك وتعالى في سورة الصافات: ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ [الصافات 51 - 54]، يقول لأصحابه الذين معه في الجنة: ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات 55]. رأى من؟ قرينه، قال له: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ﴾ [الصافات 56]، وهو يسمع هذا في أعلى عليين، وهذا في أسفل السافلين يسمع، ﴿تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [الصافات 56، 57] أي: من المحضرين في العذاب كما أنت محضر في العذاب.
* ومن فوائد هذه الآية: قصور عقل أهل النار حيث قالوا: ﴿كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ﴾؛ لأنهم إذا لم يروهم الآن فهم إما أنهم ليسوا في النار، وإما أن هؤلاء قد زاغت أبصارهم، وقد صرحوا بذلك في قولهم: ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ [ص 63]، فيقال: إن الواقع أنكم الآن مقصرون؛ إما في الدنيا، وإما في الآخرة، إن كنتم اتخذتموهم سخريًّا فهذا تقصير في الدنيا، وإن كانت أبصاركم زاغت عنهم فهذا قصور في الآخرة.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن هذا الخصام الذي يقع بين أهل النار حق؛ لقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ﴾ [ص 64].
* ويتفرع عن هذه الفائدة أنه يجب على كل أحد ألَّا يغتر بالسادة والمتبوعين، بل يكون دأبه دأب نفسه.
{"ayahs_start":45,"ayahs":["وَٱذۡكُرۡ عِبَـٰدَنَاۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ أُو۟لِی ٱلۡأَیۡدِی وَٱلۡأَبۡصَـٰرِ","إِنَّاۤ أَخۡلَصۡنَـٰهُم بِخَالِصَةࣲ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ","وَإِنَّهُمۡ عِندَنَا لَمِنَ ٱلۡمُصۡطَفَیۡنَ ٱلۡأَخۡیَارِ","وَٱذۡكُرۡ إِسۡمَـٰعِیلَ وَٱلۡیَسَعَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ وَكُلࣱّ مِّنَ ٱلۡأَخۡیَارِ","هَـٰذَا ذِكۡرࣱۚ وَإِنَّ لِلۡمُتَّقِینَ لَحُسۡنَ مَـَٔابࣲ","جَنَّـٰتِ عَدۡنࣲ مُّفَتَّحَةࣰ لَّهُمُ ٱلۡأَبۡوَ ٰبُ","مُتَّكِـِٔینَ فِیهَا یَدۡعُونَ فِیهَا بِفَـٰكِهَةࣲ كَثِیرَةࣲ وَشَرَابࣲ","۞ وَعِندَهُمۡ قَـٰصِرَ ٰتُ ٱلطَّرۡفِ أَتۡرَابٌ","هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِیَوۡمِ ٱلۡحِسَابِ","إِنَّ هَـٰذَا لَرِزۡقُنَا مَا لَهُۥ مِن نَّفَادٍ","هَـٰذَاۚ وَإِنَّ لِلطَّـٰغِینَ لَشَرَّ مَـَٔابࣲ","جَهَنَّمَ یَصۡلَوۡنَهَا فَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ","هَـٰذَا فَلۡیَذُوقُوهُ حَمِیمࣱ وَغَسَّاقࣱ","وَءَاخَرُ مِن شَكۡلِهِۦۤ أَزۡوَ ٰجٌ","هَـٰذَا فَوۡجࣱ مُّقۡتَحِمࣱ مَّعَكُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِهِمۡۚ إِنَّهُمۡ صَالُوا۟ ٱلنَّارِ","قَالُوا۟ بَلۡ أَنتُمۡ لَا مَرۡحَبَۢا بِكُمۡۖ أَنتُمۡ قَدَّمۡتُمُوهُ لَنَاۖ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرَارُ","قَالُوا۟ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدۡهُ عَذَابࣰا ضِعۡفࣰا فِی ٱلنَّارِ","وَقَالُوا۟ مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالࣰا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ ٱلۡأَشۡرَارِ","أَتَّخَذۡنَـٰهُمۡ سِخۡرِیًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ","إِنَّ ذَ ٰلِكَ لَحَقࣱّ تَخَاصُمُ أَهۡلِ ٱلنَّارِ"],"ayah":"وَٱذۡكُرۡ عِبَـٰدَنَاۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ أُو۟لِی ٱلۡأَیۡدِی وَٱلۡأَبۡصَـٰرِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق