الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ الكلام عن البسملة.. يقول المؤلف: (سورة الصافات مكية مئة وثنتان وثمانون آية) المكية هي التي نزلت قبل الهجرة، فكل ما نزل قبل الهجرة فهو مكي وإن نزل في غير مكة، وكل ما نزل بعد الهجرة فهو مدني وإن نزل في مكة؛ وعليه فإن قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة ٣] التي نزلت على النبي ﷺ وهو واقف بعرفة من المدني، هذا أصح الأقوال في المكي والمدني؛ أن ما نزل بعد الهجرة مدني، وما نزل قبلها مكي.
أما البسملة ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ فإنها آية من كتاب الله مستقلة؛ ولهذا لا تُحْسَب من آيات السورة التي بعدها، حتى في الفاتحة على القول الراجح أنها ليست من السورة، وعلى هذا فالترقيم الموجود في المصاحف على خلاف القول الراجح، فإن الترقيم الموجود في المصاحف في الفاتحة عُدَّتْ فيه البسملة آيةً من آياتها، والصحيح أنها كغيرها من السور أن البسملة فيها آية مستقلة لا تُحْسَب من آياتها، وهي مذكورة قبل كل سورة إلا سورةَ براءة، فإن سورة براءة لم يتقدمها بسملة، لماذا؟ قيل: لأنها نزلت بالسيف، والبسملة رحمة فلا يناسب أن يُذْكَر قبلها بسملة، ولكن هذا ليس بصحيح، بل الصحيح أن الصحابة رضي الله عنهم لما كتبوا المصحف أشكل عليهم هل براءة من الأنفال أو ليست من الأنفال فتركوا البسملة، ووضعوا خطًّا فاصلًا بينها وبين سورة الأنفال دون أن يضعوا البسملة.
ونحن نعلم أنها لو نزلت البسملة قبل سورة براءة لثبتت؛ لأن الله يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر ٩]، فيكون اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم في ذلك مطابقًا للواقع؛ أي: مطابقًا لكونها لم تنزل في أول هذه السورة.
أما من حيث معناها فإن قول القائل: (باسم الله) يعني بكل اسم من أسماء الله، وإنما قلنا: بكل اسم من أسماء الله؛ لأن اسم مفرد مضاف فيكون للعموم، فليس قول القائل: (باسم الله) يعني اسمًا واحدًا من أسماء الله بل يعني جميع أسماء الله، وهذا يدلك على عظمة هذه البسملة؛ أنك تَبْتَدِئ متبركًا ومستعينًا بكل اسم من أسماء الله عز وجل.
والباء فيها للمصاحبة والاستعانة؛ للمصاحبة من أجل حصول بركتها، فإن البسملة فيها بركة، ولذلك إذا ذُكِرَت على الذبيحة صارت الذبيحة حلالًا طاهرة، وإذا لم تُذْكَر صارت حرامُا نجسة، إذا ذُكِرَت قبل الوضوء صار الوضوء صحيحُا، وإذا لم تذكر صار الوضوء فاسدًا على قول مَنْ يرى أن البسملة من شروط الوضوء أو من واجبات الوضوء، ولكن القول الراجح في البسملة في الوضوء أنها سنة لقول الإمام أحمد رحمه الله: لا يثبت في هذا الباب -أي: باب التسمية- في الوضوء شيء.
إذا ذُكِرَتْ على الطعام طردت الشيطان عنه، وإن لم تُذْكَر فإن الشيطان يشارك الآكلَ والشارب.
المهم أنها بركة؛ ولهذا نقول: الباء للمصاحبة؛ أي أن المبسمل يصطحب بالبسملة البركة، والاستعانة؛ لأنها تُعين الإنسان على مهماته.
أما (الله) فهو العلم الخاص بالله سبحانه وتعالى، لا يُسَمَّى به غيرُ الله، ومعناه ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين. أي أن (إلاه) بمعنى (مألوه) أي: معبود.
فإذا قال قائل: أين الهمزة إذا قلت: إن أصله إلاه؟
فالجواب: أنها حُذِفَت للتخفيف؛ لكثرة الاستعمال كما حُذِفَت من (ناس) وأصلها (أناس)، وحُذِفَت من (شَرٍّ) و(خير) وأصلها (أشر) و(أخير).
أما ﴿الرَّحْمَنِ﴾ فهي اسم من أسماء الله، و﴿الرَّحِيمِ﴾ كذلك اسم من أسمائه، والفرق بينهما أن الرحمن باعتبار الوصف، والرحيم باعتبار الفعل؛ ولهذا جاءت الرحمن بهذه الصيغة الدالة على السَّعَة، فرحمة الله تعالى واسعة شاملة لكل شيء، وأما ﴿الرَّحِيمِ﴾ فهو الموصِل رحمته إلى خلقه.
ونقسم الرحمة باعتبار اسم ﴿الرَّحِيمِ﴾ إلى قسمين: عامة، وخاصة. أما ﴿الرَّحْمَنِ﴾ باعتبار الوصف فهو عام؛ يعني لأنه ذو رحمة واسعة كما قال تعالى: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ﴾ [الأنعام ١٤٧].
هذه البسملة -كما ترون- مشتملة على جار ومجرور، والجار والمجرور معمول لا بد له من عامل، وهو المسمى بالمتعلَّق؛ أعني أن عامل الجار والمجرور هو الذي يُسْمَّى بالمتعلَّق فيقال مثلًا: الجار والمجرور متعلق بكذا. فأين متعلَّق البسملة؟
قال أهل العلم: متعلَّق البسملة فعل مقدر متأخر موافق للمبدوء به في مادته، فإذا كنت تريد أن تتوضأ كان تقدير هذا المحذوف باسم الله أتوضأ، وإذا كنت تريد أن تقرأ كان تقديره باسم الله أقرأ، وعلى هذا فقِسْ.
قال النبي ﷺ: «وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٤٠٠)، ومسلم (١٩٦٠ / ١و٢) من حديث جندب بن سفيان رضي الله عنه. ]] فقدَّر الفعل يعني: ليقل: ذبحت باسم الله. لماذا قُدِّر فعلًا؟ لأنه الأصل في العمل؛ ولهذا كانت الأفعال تعمل بدون شرط، والأسماء لا تعمل إلا بشروط كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وغير ذلك.
وقدَّر متأخرًا من وجهين: الوجه الأول تيمنا بالبداءة باسم الله، وثانيا: من أجل الاختصاص؛ لأن تأخير العامل عن المعمول يفيد الاختصاص والحصر، وقُدِّرَ موافقًا للمبدوء به في مادته؛ لأنه أخص وأدلُّ على المقصود فأنت إذا أردت أن تتوضأ وقلت: باسم الله أتوضأ كان هذا أخص مما لو قدرت باسم الله ابْتَدِئ.
على كل حال إذا سُئِلْنا كيف نُقَدِّر العامل في البسملة؟
الجواب: نقدره فعلًا متأخرًا موافقًا للمبدوء به في مادته؛ إذا كان الضمير وضوءًا قلنا: أتوضأ. قراءة؛ قلنا: أقرأ. دخولًا؛ قلنا: أدخل. وهكذا.
قال الله عز وجل: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا﴾ [الصافات ١، ٢] إلى آخره، الواو هنا حرف قسم، والقسم تأكيد الشيء بذكر مُعَظَّم بصيغة مخصوصة. هذا القسم.
فقولنا: تأكيد الشيء، هذه فائدة القسم أنه يفيد التوكيد، (بذكر معظم) وجهه كأن المُقْسِم يقول: إنني أؤكد هذا كما أؤكد عظمة المحلوف به، ولا يمكن أن أحلف بهذا العظيم عندي إلَّا على أمر مؤكد، وقولنا: بصيغة مخصوصة هي صيغة القسم.
وحروف القسم ثلاثة: الواو، والباء، والتاء. فالواو أكثرها استعمالًا، والباء أكثرها صيغة؛ يعني: أن الباء يُحْلَف بها مع وجود الفعل وحذفه وتدخل على الظاهر وعلى المُضْمَر. والتاء أخص من الواو.
فإذن أعم أدوات القسم أو حروف القسم بالنسبة للاستعمال الباء؛ لأنها تستعمل مع وجود الفعل. فتقول: أحلف بالله لتفعلنَّ كذا، ومع حذفه فتقول: بالله لتفعلن كذا، وتُسْتَعمل أيضًا مع الاسم الظاهر مثل أحلف بالله. ومع الاسم المضمر مثل: إن الله وبه أحلف لعلى كل شيء قدير، فهنا دخلت الباء على الضمير.
أما الواو فهي أكثرها استعمالًا لكنها لا تدخل إلا على الظاهر، ولا يُذْكَر معها فعل القسم، التاء هي أقلها استعمالًا، وتختص بالظاهر وتختص أيضًا بأسماء معينة، وهي الله ورب؛ قال ابن مالك:
؎.................. ∗∗∗ ..... وَالتَّاءُ للهِ وَرَبْ
فتقول: تالله، لأفعلن كذا، وتقول: تَرَبِّ الكعبة لأفعلنَّ كذا، أو تَالربِّ لأفعلن كذا، ويُذْكَر معها فعل القسم أو لا؟ لا يُذْكَر معها فعل القسم؛ إذن فهي أضيقها استعمالًا.
طيب، الواو هنا حرف قسم. ﴿الصَّافَّاتِ صَفًّا﴾ ﴿الصَّافَّاتِ﴾ اسم مجرور بالواو، واو القسم؛ لأن حروف القسم تَجُرُّ. ﴿الصَّافَّاتِ﴾ لها معنى ولها مراد، فالمعنى في ﴿الصَّافَّاتِ﴾ يعني: الأشياء القائمات على خطٍّ واحد مستقيم، كل شيء متعدد يقوم على خط واحد مستقيم يُسَمَّى صافًّا؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا﴾ [الصف ٤] يعني: على خط مستقيم، هذا المعنى للصافات.
لكن ما المراد به؟ المراد به قال المؤلف: (الملائكة)، وأُنِّثَت باعتبارها جماعات، وجماعات مؤنث، وقد أخذ الزائغون بهذا الاشتباه أي: تأنيث الملائكة، وقالوا: إن الملائكة بنات الله؛ ولهذا تُذْكَر بصيغة التأنيث، ولكن لا شك أن هذا من باب التلبيس والتشبيه؛ فإن الله تعالى ذكر الملائكة بصيغة المذكر ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ [الشورى ٥]، ولم يقل: (يُسَبِّحْنَ بحمد ربهم).
على كل حال أُنِّثَت الملائكة باعتبارها جماعات؛ لأن الملائكة عليهم الصلاة والسلام جماعات مختلفة، كل جماعة لها وظيفة معينة؛ فمنها مَنْ وظيفتُهم العبادة الخاصة لله مِنَ التسبيح والركوع والسجود وغير ذلك، ومنهم ملائكة مُوَكَّلون بحفظ بني آدم، وملائكة موكلون بحفظ أعمالهم وكتابتها، وملائكة موكلون بأشياء أخرى منها ما نعلم ومنها ما لا نعلم.
فإذا قال قائل: من الملائكة؟ فالجواب: أنهم عالم غيبيٌّ خُلِقُوا من نور، واستعبدهم الله سبحانه وتعالى في طاعته فقاموا بها على أَتَمِّ وجه ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم ٦].
فإن قال قائل: هذا التعريف يَرِدُ عليه أن الملائكة قد تُرَى؛ «فإن النبي ﷺ رأى جبريل على صورته التي خُلِقَ عليها وله سِتُّ مئة جناح قد سدَّ الأفق»[[أخرج الترمذي (٣٢٧٨) بسنده أن مسروقًا سأل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد تكلمت بشيء قَفَّ له شعري، قلت: رويدًا ثم قرأت: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾، قالت: أين يذهب بك؟ إنما هو جبريل، من أخبرك أن محمدًا رأى ربه أو كتم شيئًا مما أمر به أو يعلم الخمس التي قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ فقد أعظم الفرية، ولكنه رأى جبريل، لم يره في صورته إلا مرتين: مرة عند سدرة المنتهى، ومرة في جياد له ست مئة جناح قد سدَّ الأفق.]]، وأحيانًا يأتي جبريل بصورة بشر.
فالجواب: أن هذا على سبيل النُّدْرَة، وما كان نادرًا فإنه لا يخرم القاعدة، ولا يُبْطِل التعريف، والنادر كما يقول العلماء: ليس له حكم.
طيب، ما وجه كون الملائكة تُوصف بالصافَّات؟ قال المؤلف: (تَصُفُّ نفوسها في العبادة أو أجنحتها في الهواء تنتظر ما تُؤْمَر به) هذا الصافات وُصِفَت بها الملائكة؛ لأنها تصف أنفسها للعبادة؛ يعني: تُهَيِّئُها لها، أو يصفون عند الله عز وجل كما قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ [الصافات ١٦٥، ١٦٦]، أو (تَصُفُّ أجنحتها في الهواء تنتظر ما تؤمر به) كما قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ﴾ [الملك ١٩]، فالطير إذا كان في الهواء وقد وضع أجنحته هكذا لا تتحرك، يقال: إنه صافٌّ.
فإذا قال قائل: (أو) هنا للتنويع أو للشك أو ماذا؟ يحتمل أن هذه للتنويع؛ يعني أنها تَصُفُّ هكذا وهكذا، أو أنها للشك يعني: للتردد بين قولين قال بهما المفسرون، ولكن المعنى الأول أحسن؛ لأن هذا وَصْفٌ للملائكة فهي تصُف أنفسها للعبادة، وكذلك تصف أجنحتها في الهواء تَنْتَظر ما تُؤْمَر به.
(﴿فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا﴾ [الصافات ٢] الملائكة تَزْجُر السحاب أي: تسوقه) إذن فالموصوف شيء واحد، ﴿الصَّافَّاتِ﴾ هن ﴿الزَّاجِرَاتِ﴾ وقوله: (تزجر السحاب أي تسوقه) لعل هذا على سبيل المثال من زجر الملائكة؛ لأن الملائكة تزجر السحاب أي: تسوقه، وكذلك تزجر الميت الكافر عند موته، تزجر نفسَه لتخرج؛ تقول: اخرُجي أيتها النفس الخبيثة، وكذلك أيضًا لعلها تزجر أشياء أخرى لا نعلمها.
المهم أن المراد بالزاجرات من؟ الملائكة. وكيف كانت زاجرة؟ نقول: لهذا عدة أوجه؛ منها زجر السحاب، وزجر النفوس الكافرة عند الموت، وغير ذلك مما يأمرها الله به أن تزجره.
(﴿فَالتَّالِيَاتِ﴾ أي: قُرَّاء القرآن يتلونه ﴿ذِكْرًا﴾ مصدر من معنى التاليات) قوله: ﴿فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾ [الصافات ٣] عَدَل المؤلف بهذا الوصف عن الأول، أي: عن الموصوف الأول؛ فقال: التاليات؛ يعني الذين يقرؤون القرآن؛ أي: النفوس التاليات، ولو قيل: إن المراد بها الملائكة أيضًا؛ لأن الملائكة تتلو القرآن كما قال الله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ [عبس ١١ - ١٦] فالملائكة تتلو القرآن، فيمكن أن نجعل هذه الأوصاف الثلاثة كلها لمن؟ للملائكة.
* طالب: شيخ، الملائكة يصلون؟
* الشيخ: إي نعم، كما جاء في الحديث: «مَا مِنْ مَوْضِعِ أَرْبَعِ أَصَابِعِ إِلَّا وَفِيهَا مَلَكٌ قَائِمٌ لِلَّهِ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ»[[أخرج الترمذي (٢٣١٢) من حديث أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحُقَّ لها أن تَئِطَّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله، لوددت أني كنت شجرة تعضد».]].
* الطالب: «أَلَا تُصَفُّونَ كَمَا تُصَفُّ الْمَلَائِكَةُ»[[أخرجه مسلم (٤٣٠ / ١١٩) من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه.]] (...) في غير الصلاة؟
* الشيخ: وصفوفها الذي في الحديث يحتمل أنهم في الصلاة أو في غيرها أيضًا، يصفون للتسبيح والتعظيم.
* الطالب: شيخ، أحسن الله إليك، (...) أنها لم تنزل (...). هل هذا صحيح؟ (...) قد يعترض معترض ويقول: إن القرآن لم يحفظ (...) الأمة الشك؟
* الشيخ: لا، أبدًا، مسألة النسيان ثم يهدون للأصل.
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم، نقول: تَرَدُّدُهم في ذلك؛ لأنه لو قال قائل: إذا التزمتم بأنها لم تنزل، فلماذا يجعلون الفاصل؛ لأننا إذا جزمنا بأنها لم تنزل لزم أن نجزم بأن براءة بقية سورة الأنفال.
* الطالب: (...).
* الشيخ: هذا من باب الاحتياط، هم يقولون: الآن ما نقصنا شيئًا من الكتاب ولا زدنا منه، غاية ما هنالك أنا احتطنا خوفًا من أن يكون الأمر كذلك، والنسيان وارد، لكن كونها لم تُذْكَر نجزم جزمًا أنها لم تنزل.
* الطالب: زجر الشيء معناه (...) أو سوقه أو أيش معناه؟
* الشيخ: لا، زجر الشيء نهره، زجرته: يعني: نهرتُه بكلامي بشدة وقوة.
* الطالب: هل الملائكة تزجر (...).
* الشيخ: لا، ربما لأنه.. بناء على ما ورد من أن الرعد هو صوت الملَك يَزْجُر السحاب.
* * *
* الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (٢) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (٣) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (٤) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (٥) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (٦) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (٧) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (٩) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ [الصافات ١ - ١٠].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (٢) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (٣) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾ إلى آخره، تكلمنا أمس عن المكي والمدني، فما هو المكي؟
* طالب: المكي ما نزل بمكة على الرسول عليه الصلاة والسلام.
* الشيخ: هذا قول، ولكن الذي رجحناه؟
* طالب: ما نزل قبل الهجرة.
* الشيخ: ما نزل قبل الهجرة فهو مكي، وما نزل بعدها فهو مدني، هل تحفظ آية نزلت في مكة بعد الهجرة؟
* الطالب: قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة ٣] نزلت في حجة الوداع والنبي ﷺ راكب في عرفة.
* الشيخ: أحسنت، وكذلك ذكروا أن سورة النصر نزلت في أيام التشريق وهو في منى، فالله أعلم. تكلمنا أيضًا عن البسملة وقلنا: إن البسملة تشتمل على جار ومجرور؟
* طالب: (...).
* الشيخ: المعنى المتعلق من حيث الإعراب.
* الطالب: الجار والمجرور متعلق بفعل محذوف (...).
* الشيخ: كمِّل. أيش (...) المناسب للمقام؟
* الطالب: مناسب للمقام.
* الشيخ: كيف تُقَدِّرُه فيما إذا أردت أن تتوضأ فسمَّيْتَ؟
* الطالب: باسم الله أتوضأ.
* الشيخ: باسم الله أتوضأ، تمام، لماذا قدرناه فعلًا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: لأن الأصل في الفعل العمل خلاف الاسم فلا يعمل إلا بشروط.
* الشيخ: الفعل هو الأصل في العمل بخلاف الاسم، طيب، ولماذا قدَّرْناه متأخِّرًا؟
* طالب: لغرضين.
* الشيخ: لسببين؟
* طالب: الأول التبرك بالبداءة باسم الله، والثاني الحصر.
* الشيخ: الثاني الحصر؛ لأن تأخير العامل يدل على الحصر، طيب، ما الفرق بين الرحمن والرحيم؟
* طالب: (الرحمن) هو عموم الرحمة في الدنيا على المسلمين وعلى الكفار، والرحيم هو خصوص الرحمة في الآخرة على المسلمين، على المؤمنين (...).
* الشيخ: هذا لا شك أنه كلام جيد، وهو من لازم ما أريده.
* طالب: الرحمن صفة، والرحيم موصوف.
* الشيخ: لا، الرحمن صفة؛ يعني: مراد به اتصاف الله بالرحمة، والثاني الفعل وهو إيصال الرحمة إلى المرحوم، وكما قال الأخ هداية الله: باعتبار المتعلَّق أن الأول عام، والثاني خاص.
* طالب: خص الآخرة (...).
* الشيخ: إي، الآخرة نعم؛ لأن الرحمة بالمؤمنين خاصة في الآخرة، أما في الكفار فهو عموم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: هو ذكرها في العموم.
* الطالب: الرحيم.
* الشيخ: إي نعم، ربما تكون أيضًا في الدنيا والآخرة، ما المراد بـ﴿الصَّافَّاتِ﴾؟
* طالب: الملائكة التي تصف عند ربها للعبادة تصف أجنحتها (...).
* الشيخ: تنتظر ما تؤمر به، طيب، وما معنى ﴿الصَّافَّاتِ﴾؟
* الطالب: (...) أن الملائكة تتصاف.
* الشيخ: لا.
* الطالب: الصافات؟
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: ما كان على خط مستقيم أو صف (...).
* الشيخ: الوقوف على صف مستقيم متساو يُسَمَّى هذا صفًّا، ومنه صَفُّ المسجد في الجماعة وغيرها، طيب، إذن هناك فرق بين المعنى وبين المراد، المعنى ما دل عليه..؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، عمومًا.
* طالب: الصافات..
* الشيخ: اترك الكلمة هذه.. هناك فرق بين المعنى وبين المراد باللفظ.
* طالب: موضوع المعنى هو الصف على خط مستقيم.
* الشيخ: لا، ما هو بها الآية هذه، كل القرآن يُفَسَّر أحيانًا بالمعنى، وأحيانًا بالمراد.
* الطالب: المعنى اللغوي.
* الشيخ: صحيح، ما دل عليه اللفظ باعتبار اللغة فهو معنى، وما كان مرادًا للمتكلم فهو المراد؛ فمثلًا لو نظرنا إلى الصافات من حيث اللغة العربية لقلنا: إنها وصف لكل ما هو صَفَّ، ما هو للملائكة، للملائكة وغيرها، وأما المراد فهو الملائكة. لماذا أَنَّثَ ﴿الصَّافَّاتِ﴾؟
* طالب: لكونها جماعات.
* الشيخ: لكونها جماعات، صح، لكونها جماعات كل جماعة لها عمل خاص، طيب.
﴿الزَّاجِرَاتِ زَجْرًا﴾؟
* الطالب: الملائكة.
* الشيخ: الملائكة، لماذا وصفت بـ﴿الزَّاجِرَاتِ﴾؟
* الطالب: تزجر الرياح.
* الشيخ: تزجر السحاب.
* الطالب: السحاب، (...) أفعال الشَّرِّ.
* الشيخ: تزجر أرواح الكفار عند قبضها، طيب، ﴿التَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾.
ما المراد بالتاليات ذكرا؟
* طالب: أن الملائكة تتلو القرآن.
* الشيخ: نعم، فيه قول آخر؟
* طالب: (...) التاليات.
* الشيخ: فتكون أعم من الملائكة.
قال المؤلف رحمه الله: (﴿فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾ مصدر من معنى التاليات) فالمؤلف رحمه الله أعرب ﴿ذِكْرًا﴾ على أنها مصدر من معنى ﴿التَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾، فاستفدنا من هذا فائدة نحوية؛ وهي أن المصدر قد يكون من اللفظ، وقد يكون من المعنى؛ إذا كان من المعنى فهو مصدر معنوي، وإذا كان من اللفظ فهو مصدر لفظي؛ فإذا قلت: قعدت جلوسًا. فـ(جلوسًا) مصدر معنوي، قعدت قعودًا مصدر لفظي.
﴿التَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾ يقول المؤلف: إن التاليات أصلها الذاكرات ذكرًا، فالتاليات عنده بمعنى الذاكرات، و﴿ذِكْرًا﴾ مصدر لها من معناها، ولكن الذي يظهر خلاف كلام المؤلف، وأن ﴿ذِكْرًا﴾ مفعول للتَّالِيَاتِ؛ لأن ﴿التَّالِيَاتِ﴾ اسم فاعل قد استوفى شروط العمل؛ لكونه محلى بـ(أل)، و﴿ذِكْرًا﴾ مفعول به؛ أي: فالتاليات يعني فاللاتي يتلين الذكر، والمراد بالذكر القرآن، وسُمِّيَ ذِكْرًا؛ لأنه ذكر لله عز وجل، فإنه من أفضل الذكر، ولأنه يُذَكِّر الإنسان بربه، ولأنه يذكر الإنسان بأحكام ربه، ولأنه يذكر الإنسان بنعم ربه، ولأنه ذِكْر لمن عمل به؛ أي: شرف ورفعة، كما قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف ٤٤]، ولأنه يعظ صاحبه ويُذَكِّره، وهو يذكره كما قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص ٢٩]، فالقرآن ذكر من هذه الوجوه الخمسة. تعيدونها؟
* طالب: إي نعم، أولًا: لأنه ذكر للإنسان يتذكر به، ويذكرك بالله سبحانه وتعالى وأنه يرفع شأنه، وأنه يذكرك بأحكام الله سبحانه وتعالى، وأنه يذكرك بالأخلاق (...).
* الشيخ: بمن مضى، وبنعمة الله، وهو أيضًا نفسه هو نفسه ذكر لله، من أفضل أنواع الذكر.
﴿فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (٣) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾ الجملة هذه جواب القسم؛ ولذلك كُسرِت النون هنا لوقوعها في جواب القسم ولأنه اقترن خبرها باللام ﴿لَوَاحِدٌ﴾، وإذا وقعت إن جوابًا للقسم وجب كسرها، وإذا اقترن خبرها باللام أو اسمها المؤخر أو معمول أحدهما باللام وجب كسرها.
﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ﴾ الخطاب يقول المؤلف: (يا أهل مكة)، ولكن الصحيح أنه عام يشمل كل خوطب، لكن الذي أوجب المؤلف أن يجعله خاصًّا بأهل مكة؛ لأن هذه الآية مكية والمشركون هم أهل مكة، ولكن لا ينبغي أن يُقَيَّد المعنى العام بمكان نزوله، وإذا كان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المكان، فالصواب ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ﴾ يعني: أيها الناس ﴿لَوَاحِدٌ﴾ واحد يعني: لا شريك له، الواحد والأحد وما أشبههما تدل على الانفراد أي: أنه عز وجل لا شريك له.
﴿إِلَهَكُمْ﴾ (فعال) بمعنى (مفعول) أي مألوهكم، والمألوه هو الذي يُعْبَد محبة وتعظيمًا، فبمحبته يقوم الإنسان بفعل الأوامر، وبتعظيمه ينتهي عن النواهي؛ إذن إن معبودكم أيها الناس لواحد لا شريك له، فالله عز وجل لا شريك له في ربوبيته، ولا شريك له في ألوهيته، ولا شريك له في أسمائه وصفاته، فمن يأتي بالدليل على أنه لا شريك له في ربوبيته؟
* طالب: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [الزخرف ٩].
* طالب آخر: (إن ربكم لواحد).
* الشيخ: وين (إن ربكم لواحد)؟ ما احفظ آية بهذا اللفظ.
* طالب: (...).
* الشيخ: إحنا نتكلم عن الربوبية.
* الطالب: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ﴾ [الرعد ١٦]
* الشيخ: نعم. طيب، الألوهية ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد ١٩]، الأسماء والصفات ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى ١١]، فالله تعالى واحد في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، سبحانه وتعالى.
ثم قال: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الصافات ٥] ﴿رَبُّ﴾ هذه إما أن تكون عطف بيان، أو خبر مبتدأ محذوف، التقدير: هو رب السماوات والأرض، و(رب) بمعنى خالق ومالك ومدبر، فهو الذي خلق السماوات والأرض، وهو الذي يملك السماوات والأرض، وهو المدبر للسماوات والأرض؛ قال الله تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف ٥٤]، وهذا انفراده بالخلق والتدبير، وقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [آل عمران ١٨٩] وهذا انفراده بالملك.
و(السماوات) جمع سماء، وهي معروفة، وعددها سبع سماوات بنص القرآن؛ ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [المؤمنون ٨٦]، ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢]. الأرض كذلك سبع لظاهر القرآن وصريح السنة؛ أما ظاهر القرآن ففي قوله.. يدل ظاهر القرآن على أنها سبع أراضين؟
* طالب: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢].
* الشيخ: قوله: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾، فالمثلية هنا في العدد؛ لأنه لا يمكن أن تكون الأرض مثل السماء في ذاتها ولا في سعتها وعظمتها؛ فالسماء أوسع وأعظم ومادتها غير مادة الأرض. إذن يتعين أن تكون مماثلة في العدد، أما السنة فصريحة مثل قوله ﷺ: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»[[أخرجه البخاري (١٦١٠) من حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه.]].
﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [الصافات ٥] يعني: ورب ما بينهما، فما الذي بينهما؟ لا شك أن الذي بينهما مخلوقات عظيمة بدليل أنها جُعِلَت قسيمة وعديلة للسماوات والأرض فلا بد أن تكون شيئًا عظيمًا، ليس هي مجرد ما نرى من السحاب المسخر بين السماء والأرض، بل هناك أشياء عظيمة بين السماء والأرض من آيات الله عز وجل، نعرف منها السحاب فإنه بين السماء والأرض، النجوم بين السماء والأرض، الشمس بين السماء والأرض، القمر بين السماء والأرض؛ لقول الله تعالى: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء ٣٣].
وما اشتهر عن علماء الفلك سابقًا من أن الشمس في السماء الرابعة، والقمر في السماء الدنيا، وعطارد وزحل والمشتري في السماوات الأخرى، وهي على هذا الترتيب:
؎زُحَلٌ شَرَى مِرِّيخَهُ مِنْ شَمْسِهِ ∗∗∗ فَتَزَاهَرَتْ بِعُطَارِدَ الْأَقْمَارُ
كم هذه؟ سبعة مرتبة من الأعلى إلى الأدنى.
؎زُحَلٌ شَرَى مِرِّيخَهُ مِنْ شَمْسِهِ ∗∗∗ فَتَزَاهَرَتْ بِعُطَارِدَ الْأَقْمَارُ
أعلاها (زحل) في السماء السابعة، (شرى) المشتري في السادسة، (مريخه) المريخ في السماء الخامسة، (من شمسه) الشمس في الرابعة، (فتزاهرت) الزهرة في الثالثة، (بعطارد) في السماء الثانية، (الأقمار) في السماء الدنيا، هذا هو المشهور عند علماء الفك سابقًا، ولكن هذا خلاف الصواب؛ لأن ظاهر النصوص أن الشمس والقمر والنجوم كلها دون السماء ليست مُلْصَقَة في السماوات، بل هي في فلك يدور بين السماء والأرض، والقمر هو أقربها إلى الأرض؛ بدليل أنه يَكْسِفُ ما فوقه، كما شاهدناه وشاهده غيرنا أحيانًا تجده يَمُرُّ من تحت النَّجْمَة، فتغيب به، وهذا يدل على أنه تحت النجوم.
على كل حال، نقول: ما بين السماوات السبع: السحاب، الشمس، والقمر، والنجوم، والكوكب، وغيرها من أمور لا نعملها، قد لا نعلم هذه الأمور، ويمكن العلم فيما بعد يُطْلِعنا على شيء كثير منها.
قال: ﴿وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾ (أي: والمغارب للشمس ولها كل يوم مَشْرِق وَمَغْرِب). قال: ﴿الْمَشَارِقِ﴾ قال: (أي: والمغارب) فكأنه من باب الاكتفاء بذكر المقابل عن مقابله، نظير قول تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل ٨١] يعني: والبرد، فإن السرابيل التي هي القُمُص وشبهها تقي الحر والبرد.
هنا قال: ﴿وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾ قال المؤلف: يعني (والمغارب).
على كل حال ﴿الْمَشَارِقِ﴾ جمع مشرق، فما المراد بالمشارق؟ هل المراد كما قال المؤلف مشارق الشمس؛ لأنها كل يوم لها مشرق؟ أو نقول: إن المشارق أعم فتشمل مشارق الشمس ومشارق القمر ومشارق النجوم ومشارق كل شارق، أيهما؟ الثاني أعم. فنقول: ﴿رَبُّ الْمَشَارِقِ﴾ يعني: مشارق الشمس ومشارق القمر ومشارق النجوم ومشارق كل ما يشرق، وذَكَر الله المشارق دون المغارب؛ لأن المشارق أدلُّ على القدرة من المغارب؛ إذ إن الشروق ابتداء والغروب انتهاء، وفي الشروق أيضًا ولا سيما في شروق الشمس إضاءة ونور يظهر فيه تمامًا كمال النعمة.
وقوله: ﴿الْمَشَارِقِ﴾ هنا بالجمع في بعض الآيات جاءت بالتثنية مثل قوله تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ [الرحمن ١٧]، وفي بعض الآيات جاءت بالإفراد ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾، كما قال تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا﴾ [المزمل ٩] فهل هذا تناقض أم ماذا؟
الجواب: لا، وليس في القرآن شيء من التناقض، ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء ٨٢]، فالقرآن لا يمكن أن يتناقض بنفسه ولا أن يتناقض مع صحيح السنة؛ لأنه قد تأتي سنة ضعيفة تناقض القرآن ومناقضتها للقرآن يدل على ضعفها، لكن مع صحيح السنة لا يمكن.
فإن وجد شيء ظاهره التعارض فإنه لا بد أن يكون هناك وجه لتصحيح التعارض؛ إما بإمكان الجمع وهو المرتبة الأولى للعمل بالنصوص التي ظاهرها التعارض، وإما بالنسخ إن عُلِمَ التاريخ وكان النص مما يدخله النسخ، والثالث الترجيح يكون أحدهما أرجح من الآخر. ولا بد من هذه المراتب الثلاثة، لكن أحيانًا قد لا يتسنى للناظر وجه من هذه الوجوه، قد يعجز عن الجمع، وقد لا يعرف النسخ، وقد لا يمكنه الترجيح، فما موقفه حينئذ؟ التَّوَقُّف؛ أن يقول: الله أعلم، ولا يجوز أن يعتقد بأي حال من الأحوال أن في القرآن أو صحيح السنة تناقضًا أبدًا، لكن هل له أن يُحاوِل معرفة هذه المراتب؟ أو إذا أَشْكَل عليه أول مرة وَقَفْ؟ يجب أن يحاول النظر مرة بعد أخرى حتى يَتَبَيَّن؛ لئلا يقع في نفسه شَكٌّ فيزيغ، والعياذ بالله. فهذه الفائدة جاءت عَرَضًا، وهي أنه ليس في القرآن تناقض لا في نفسه ولا مع صحيح السنة، فإن وُجِد شيء ظاهره التعارض والتناقض وجب أن نستعمل المراتب الثلاث: أولًا: الجمع، فإن لم يمكن فالنسخ، فإن لم يمكن فالترجيح، فإن لم نصل إلى ذلك فالتوقُّف، لكن مع محاولة الوصول إلى مرتبة من هذه المراتب.
إذن بناء على هذه القاعدة يُمْكِن أن نُنَزِّل الاختلاف الوارد في المشرق والمغرب؛ فنقول: المشرق باعتبار الجهة يعني جهة الشرق؛ ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ يعني جهة الشرق وجهة الغرب؛ بدليل قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة ١١٥] أي: جهة الله على أحد التفسيرين.
وأما المشرقان والمغربان ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ [الرحمن ١٧] فالمراد مشرقا الصيف والشتاء، ومغربا الصيف والشتاء؛ فالشمس مثل لها منتهى في مشرقها صيفًا وهو مدار السرطان، ولها منتهى في مدارها شتاء وهو مدار الجَدْي؛ إذ الفرق بين المشرقين فرق كبير لا يستطيع أحد من المخلوقين أن يُحَوِّل الشمس من مدار السرطان إلى مدار الجَدْي ولا أن يزحزحها شعرة واحدة، وكذلك نقول بالنسبة للقمر؛ لأنه يدور على المشرقين والمغربين.
إذا قال قائل: رب المشرقين ورب المغربين في أي موضع من القرآن وردت مثناة؟
* طالب: سورة الرحمن.
* الشيخ: في سورة الرحمن. في غيرها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، هذه ليست في الإسراء، هذه في سورة (المزمل). أنا أريد التثنية هل وردت في غير (الرحمن)؟ على كل حال، المناسبة لذكرها مثناةً في (الرحمن) لأن السورة هذه خُوطِبَ بها صنفان؛ الإنس، والجن، فكان هذه مناسبة معنوية لسياق السورة كلها.
(المشارق والمغارب) الجمع فيها واضح، إما باعتبار مشارق كل ما يشرق ومغارب كل ما يغرب من الشمس والقمر والنجوم والكواكب، وإما أن المشارق اليومية للشمس؛ لأن كل يوم لها مَشْرِق، وهذه المرتبة مرتبة أيش..؟ المراتب الثلاثة؟ مرتبة الجمع، فالجمع بينها إذن أن نقول: (المشارق) باعتبار مشارق كل ما يشرق، أو باعتبار مشارق الشمس كل يوم. (المشرقين) باعتبار مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما. (المشرق والمغرب) الجهة، قال: (﴿وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾ أي: والمغارب).
﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ﴾ [الصافات: ٦] ﴿إِنَّا﴾ الضمير يعود على الله عز وجل، واستعمل ضمير الجمع عائدًا إلى الله من باب التعظيم، وليس من باب التعدد؛ لأن الآية تقول: ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾ [الصافات ٤]، لكن هذا من باب التعظيم، وقوله: ﴿زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ﴾ أي: جعلنا عليها ما يُزَيِّنُها وهي الكواكب؛ ولهذا قال: ﴿بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ﴾ وفي قراءة ﴿بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾، وكلاهما صحيح ﴿بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ﴾ أي: بالكواكب المزيِّنة للسماء كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ [الملك ٥]، و﴿الْكَوَاكِبِ﴾ على القراءة التي ساقها المؤلف مضاف إليه، و(زينة) مضاف غير منون، ﴿بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ﴾ ؛ لأن الكواكب نفسها زينة تُزَيَّن بها السماء الدنيا.
فإذا قال قائل: السماء الدنيا لماذا سُمِّيَت دنيا؟ لأنها أدنى إلى الأرض مما فوقها فهي دنيا، وربما نقول أيضًا: أنها أدنى مما فوقها في السعة والقوة؛ لأن كلما عَلَوْت اتسع المكان؛ لأن السماوات على الأرض دائرة كالكرة، ومعلوم أنك كلما صعدت فسوف يَتَّسِع، وكلما اتسع فسيكون أقوى؛ لأنه لو كان المتسِع بقوة ما تحته ضَعُف؛ إذ كلما اتسع البناء فلا بد أن يكون أقوى.
ونضرب لك مثلًا لو أنك أتيت بِمُسَلَّح خمسة أمتار يحتاج مثلًا إلى عشرة سنتيمترات، لكن إذا جعلته عشرين يحتاج إلى أكثر؛ يعني: يحتاج إلى أن يكون سميكًا أكثر؛ لأنه لو كان بسُمْك الأول مع سعته لكان (...)، وكلما اتسع فلا بد أن يكون أشدَّ بناء وأحكم.
وقوله: ﴿بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ﴾ يعني أن الكواكب تُزَيِّن السماء، وسنورد على ذلك إيرادًا وهو أننا ذكرنا قبل قليل أن النجوم والكواكب في فَلَكٍ بين السماء والأرض، وظاهر الآية أن تَزْيِين السماء الدنيا بشيء لاصق به، والجواب على ذلك أن يقال: إن الشيء قد يُزَيَّن بالشيء ولو كان منفصلًا عنه، أرأيت لو وضعت ثُرَيَّات خارج القصر؛ فيه قصر مثلًا وضعت حوله ثريات، فإذا نظرت إلى القصر والثريات بينك وبينه فإن هذه الثريات ستكون زينة للقصر مع أنها في الواقع ليست بلاصقة له، كل شيء يحول بينك وبين شيء آخر فإنه سيتصف به الشيء الثاني وسيكون في نظرك ملاصقًا له، حتى وإننا ونحن صغار يقول الواحد منا: أنا ألمس السماء أيش لون؟ إذا قال هكذا بأصبعه، يراها الرائي كأنها مَسَّت السماء، وليس كذلك.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، القرب والقوة.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، هذا في الدنيا، السماء الدنيا (...).
* * *
* الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (٦) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (٧) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (٩) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (١٠) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (١١) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ﴾ [الصافات ٦ - ١٤].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (٢) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (٣) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾ [الصافات ١ - ٤] ما موضع هذه الجملة مما قبلها في الإعراب ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾؟
* طالب: جواب القسم.
* الشيخ: جواب القسم. كسر (إن) هنا له سببان.
* طالب: أولًا: لابتدائها.
* الشيخ: لا.
* الطالب: ثانيًا أن الجواب اقترن باللام.
* الشيخ: هذه واحدة، وأولًا؟
* طالب: كونها جوابًا للقسم.
* الشيخ: كونها جوابًا للقسم. صح، ﴿إِلَهَكُمْ﴾ إله بمعنى؟
* طالب: مألوه.
* الشيخ: مألوه، أي: المعبود، طيب، قوله ﴿لَوَاحِدٌ﴾ يَرِدُ على هذا أن للمشركين آلهة متعددة.
* طالب: نعم لهم آلهة، لكنها آلهة باطلة.
* الشيخ: نقول: نعم، لهم آلهة، لكنها آلهة باطلة، ما الدليل؟
* الطالب: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [المائدة ٧٣].
* الشيخ: لا، الدليل على أنها باطلة؟
* الطالب: أنها لا تنفعهم ولا تضرهم.
* طالب آخر: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ﴾ [لقمان ٣٠].
* الشيخ: نعم، صح، وقوله: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾، قوله عز وجل: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ جَمَع السماوات وأفرد الأرض، فهل ذلك لأن الأرض واحدة أم ماذا؟
* طالب: الأرض ليست واحدة، بل متعددة.
* الشيخ: الدليل؟
* الطالب: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾.
* الشيخ: ويش ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) وإلا ما استفدنا.
* طالب: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢].
* الشيخ: لماذا قلت: إن المراد بالمثلية هنا مثلية العدد، أفلا يمكن أن يكون المراد مثلهنَّ في الصفة؟
* طالب: لأنه لا يمكن أن تكون مثلهن لأن الأرض أصغر من السماء فتعين أن يكون العدد.
* الشيخ: إي نعم؛ ولهذا يصف الله السماء بالقوة ﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا﴾ [النبأ ١٢]، ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا﴾ [الأنبياء ٣٢]، ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ [الذاريات ٤٧]، ولم يرد ذلك في الأرض.
قوله: ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ ماذا يفيد جَعْلُه قسيمًا للسماوات والأرض؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: السماوات واضح أنها عظيمة، والأرض كذلك، ﴿مَا بَيْنَهُمَا﴾ لماذا جعله الله قسيمًا وعديلًا لهذين الاثنين مع أنه فيما يظهر لنا دون ذلك بكثير؟
* الطالب: يعني ما بين السماء والأرض أي شيء (...).
* الشيخ: مثل أيش؟
* الطالب: يعني: ما بين السماء والأرض زي السحاب والنجوم والشمس والقمر وغير ذلك الذي ما أعلمناه.
* الشيخ: أحسنت، إذن يدل على أن ما بين السماوات والأرض مخلوقات عظيمة.
قوله تعالى: ﴿وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾ ما المراد بالمشارق؟
* طالب: على قول المؤلف: مشارق الشمس
* الشيخ: لأن كل يوم لها؟
* الطالب: مشرق.
* الشيخ: فتكون مشارقها ثلاث مئة ستين مشرقًا، وعلى القول الثاني؟
* الطالب: مشارق النجوم والقمر والشمس..
* الشيخ: وكل ما يشرق أو يغرب.
في هذه الآية جَمَع المشارق، وفي آية أخرى أيضًا ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ [المعارج ٤٠]، وفي بعض الآيات ثَنَّى، وفي بعض الآيات أَفْرَد. فكيف تَجْمَع بين هذه الوجوه؟
* طالب: بالنسبة للتثنية (...) مشرق الصيف ومشرق الشتاء وبالنسبة للإفراد جهة المشرق وجهة المغرب، وبالنسبة للجمع يعني مشرق كل يوم بحسبه.
* الشيخ: كل يوم ومغربه، أو مشرق كل ما يشرق ويغرب.
ما هو موقفنا مما إذا ورد في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة ما ظاهره التعارض؟
* طالب: الأول الجمع بين النصوص.
* الشيخ: الموقف الأول الجمع، وهذا متعين؟
* الطالب: نعم
* الشيخ: لماذا تعين إذا أمكن؟
* الطالب: لأن بالجمع العمل بالدليلين.
* الشيخ: لأنه يحصل العمل بالدليلين، أحسنت، فإن لم يمكن؟
* الطالب: فالنسخ.
* الشيخ: فالنسخ، بشرط؟
* الطالب: وجود شروط النسخ، وعدم (...).
* الشيخ: ومنها العلم بتأخر الناسخ.
* الطالب: العلم بالتاريخ.
* الشيخ: العلم بالتاريخ، فإن لم يكن نسخ؟
* الطالب: فالترجيح.
* الشيخ: فالترجيح، وأسباب المرجحات كثيرة، فإن لم يكن؟
* الطالب: فالتوقف.
فالتوقف، وهل هذا ممكن باعتبار الواقع؟
* طالب: باعتبار الواقع، لا.
* الشيخ: باعتبار الواقع، لا. يعني لا يمكن أن يوجد تعارض ينتفي فيه هذه الأمور الثلاثة، لكن باعتبار نظر المستدل يمكن؛ إما لقصوره أو تقصيره، تمام.
قوله: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾ [الصافات ٦] ما المراد بالسماء الدنيا؟
* طالب: السماء اللي إحنا نشوفها (...).
* الشيخ: صح، التي تلي الأرض، لماذا وصفت بالدنيا؟
* الطالب: لأن الناظر إلى السماء يظن أنها قريبة.
* الشيخ: لقربها، هذه واحدة، الثاني؟
* الطالب: لأنها أقل من السماوات الأخرى في القوة (...).
* الشيخ: صحيح، والسعة؛ لأن كلما اتسعت الدائرة صار أعظم. كيف يقال: زينا السماء الدنيا، ونحن قررنا بأن النجوم في فلك بين السماء والأرض؟
* طالب: لأنه يمكن أن تزين الشيء بشيء ليس منه.
* الشيخ: إي نعم، منفصل عنه، أتضرب لنا مثلًا؟
* الطالب: القصر مثلًا (...) ويكون المدخل ليس من القصر.
* الشيخ: يعني يزينه بالثريات وما أشبهها مع أنها منفصلة عنه.
قوله: ﴿بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾ فيها قراءتان؟
* طالب: ﴿بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾، ﴿بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ﴾ .
* الشيخ: يعني بالإضافة وبالتنوين، على قراءة الإضافة ويش المعنى؟
* طالب: الكواكب نفسها.
* الشيخ: بزينة الكوكب؛ يعني: بالزينة التي تُحْدِثها الكواكب. وعلى قراءة التنوين؟
* الطالب: ليس نفست الكواكب.
* الشيخ: لا.
* طالب: (...).
* الشيخ: في البيان، يعني معناه أنه بزينة مجمل، ما هذه الزينة؟ بيَّنها بقوله: ﴿الْكَوَاكِبِ﴾.
* الطالب: (...).
* الشيخ: في التفصيل أو البيان بعد الإجمال فائدة، فما هي؟
* الطالب: أن النفس تكون متشوفة للبيان (...).
* الشيخ: فيقع البيان أو التفصيل على نفس متشوفة، فيكون ذلك أبلغ وأدعى للقبول؛ يعني: إذا جاء الشيء مجملًا ثم جاء مفصلًا أو مبينًا فإنه أبلغ؛ لأنه إذا ورد على النفس مجملًا صارت النفس تتطلب بيان هذا المجمل فيرد على نفس متطلعة للبيان فيكون ذلك أبلغ وأرسخ في القلب.
* الطالب: (...) قُسِّمت، كان أدعى (...).
* الشيخ: هذا في التقسيمات. ﴿بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾ ﴿وَحِفْظًا﴾ وقفنا عليها الآن.
* طالب: القراءة الثالثة كذلك (...).
* الشيخ: ويش القراءة الثالثة؟
* الطالب: بالتنوين وبنصب الكواكب. يعني: بدل اشتمال من السماء. الكواكب بدل الاشتمال.
* الشيخ: ما هي بعندنا ها القراءة هذه.
* طالب: سبعية.
* الشيخ: لكن، عندنا ما هي موجودة.
* طالب: لا، ذكرها بالشرح.
* الشيخ: بالشرح، ﴿بِزِينَةٍ الْكَواكِبَ﴾ على هذه القراءة تكون الكواكب بدل اشتمال من السماء. كذا عندك؟ (...) الإعراب ويش يقول؟
* طالب: يقول: (...) ﴿بِزِينَةٍ﴾ تكون الكواكب عطف بيان عليها، وبقي قراءة ثالثة: وهي تنوين زينة ونصب الكواكب، والثلاث سبعيات، وقوله: ﴿بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبَ﴾ قرأ أبو بكر بتنوين ﴿بِزِينَةٍ﴾ ونصب ﴿الْكَوَاكِبَ﴾ ، وفيها وجهان أحدهما أن تكون الزينة مصدرًا وفاعله محذوف تقديره بأن زين الله الكواكب في كونها مضيئة حسنة في أنفسها، والثاني: أن الزينة اسم لما يزان به، كالليقة اسم لما تلاقي به الدواة، فتكون الكواكب على هذا منصوبة بإضمار أعني أو تكون بدلًا من سماء الدنيا بدل اشتمال، أي: كواكبها أو من مُحَلّى بزينة، وحمزة وحفص كذلك إلا أنهما خفضا الكواكب على أن يراد بزينة ما يزان به، والكواكب بدل أو بيان للزينة، والباقون بإضافة زينة إلى الكواكب، وهي تحتمل ثلاثة أوجه..
* الشيخ: قراءة النصب في الواقع أن نصبها بفعل محذوف أحسن، ﴿بِزِينَةٍ﴾ أعني الكواكب أحسن من كونها بدلًا من السماء، إنا زينا السماء الكواكب.
يقول: (﴿وَحِفْظًا﴾ منصوب بفعل مقدر أي: حفظناها بالشهب) ﴿حِفْظًا﴾ يعني: أن ﴿حِفْظًا﴾ منصوب بفعل محذوف، التقدير: حفظناها؛ أي: حفظنا السماء الدنيا، ﴿حِفْظًا﴾ بماذا؟ بالشهب، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ [الملك ٥].
وقال هنا: ﴿وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ﴾ [الصافات ٧] ﴿مِنْ كُلِّ﴾ متعلق بمقدر وهو حفظناها.
وقوله: (﴿شَيْطَانٍ مَارِدٍ﴾ عات خارج عن الطاعة) ﴿شَيْطَانٍ﴾ نكرة كما تشاهدون يشمل كل شيطان، فهو نكرة مضافة إليه ﴿كُلِّ﴾ فيكون فيه نوعان من أسباب العموم؛ وهو التنكير، وإضافة (كل) إليه، وشيطان قيل: إنه مأخوذ من (شاط يشيط)، وعلى هذا فالنون زائدة، وقيل: إنه من (شطن) بمعنى بَعُدَ، فالنون أصلية، وهذا هو الظاهر أن النون أصلية، وهو مأخوذ من (شطن) إذا بَعُد؛ لأن الشيطان قد بَعُد من رحمة الله؛ قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الحجر ٣٥].
وقوله: ﴿مَارِدٍ﴾ المارد هو العاتي القوي العتو، والعياذ بالله.
وقوله: (﴿لَا يَسْمَعُونَ﴾ أي الشياطين مستأنف وسماعهم هو في المعنى المحفوظ عنه)، ﴿لَا يَسْمَعُونَ﴾ الجملة كما قال المؤلف استئنافية؛ يعني: أن الشياطين المردة لا يسمعون إلى الملأ الأعلى، وهي في المعنى هذه الجملة المستأنفة هي في المعنى المحفوظ عنه في قوله: ﴿وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ﴾ عن أيش؟ سماعهم إلى الملأ الأعلى؛ يعني أن السماء حُفِظَت عن الشياطين ألا يسمعوا إلى الملأ الأعلى.
قال: (﴿إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى﴾ [الصافات ٨] الملائكة في السماء، وعُدِّيَ السماع بـ(إلى) لتضمنه معنى الإصغاء) الملأ في الأصل الجماعة، ويُطْلَق في الغالب على الأشراف كما يمر علنيا كثيرًا في المكذبين للرسل أن الله يقول: ﴿قَالَ الْمَلَأُ﴾، فالغالب أن الملأ هم الجماعة الأشراف والأعيان في قومهم، ولا ريب أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام أنهم أشراف؛ لأنهم عباد مُسَخَّرُون لعبادة الله، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فهم من أَقْوَم عباد الله بطاعة الله، وسيأتينا إن شاء الله في الفوائد هل هم أفضل من البشر أو البشر أفضل منهم.
وهنا يقول: ﴿الْأَعْلَى﴾ الأعلى وصفًا أو الأعلى مكانًا؟ لا شك أنهم الأعلى مكانًا فإن السماء أعلى من الأرض، ويمكن أن يُرَاد به أيضًا الأعلى وصفًا فيُجْمَع بين الأمرين، كما أن الله سبحانه وتعالى إذا وُصِفَ بالأعلى فهو الأعلى مكانًا والأعلى وصفا.
قال: (وعُدِّيَ السماع بـ(إلى) لتضمنه معنى الإصغاء) هذا جواب عن سؤال مقدر، وهو أن (سَمِعَ) في اللغة العربية تتعدى بنفسها، كما قال الله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾ [المجادلة ١]، وهنا قال: ﴿لَا يَسْمَعُونَ إِلَى الْمَلَأِ﴾ ولم يقل: (لا يسمعون الملأ). أجاب المؤلف عنه بأن الفعل ضُمِّنَ معنى الإصغاء، والتضمين معناه أن يكون الفعل متضمنًا لمعنى يناسب المفعول أو المعمول سواء كان مفعولًا به أو مجرورًا، وهل التجوز إذا جاء مثل هذا التعبير، هل يكون التجوز بالفعل أي أنه ضُمِّن معنى يناسب المعمول الذي تَعَدَّى إليه الفعل، أم أن التجوز في الحرف؟
ذكر أهل النحو في ذلك قولين: القول الأول وهو للكوفيين أن التجوز في الحرف، والقول الثاني أن الفعل مُضَمَّن معنى يناسب الحرف المتعدي إليه، وأبين مثال لذلك قوله تعالى: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان ٦]، لو أننا أخذنا بظاهر اللفظ لكان المعنى أن هذه العين يُشْرَب بها، ومعلوم أن العين لا يمكن أن يشرب بها؛ لأنه لا يشرب إلا بالإناء من العين، فالعين لا يشرب بها وإنما يشرب منها، فهل نقول: إن الباء هنا بمعنى (مِن) فيكون التجوز في الحرف، أو نقول: إن (يشرب) مُضَمَّنٌ معنى (يَرْوَى) ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا﴾ أي: يَرْوَى بها عباد الله بعد شربهم منها؟
ذكرنا في هذا قولين لأهل العلم، ولا ريب أن جَعْلَ التضمين في الفعل أولى من جعله في المعمول؛ لأنك إذا جَعَلْتَ التضمين في الفعل استفدت فائدتين:
الفائدة الأولى: ما دلَّ عليه لفظ الفعل.
والثانية: ما دلَّ عليه معنى الفعل المضمن إياه.
أما إذا جعلت التجوز في الحرف فإنك لا تستفيد إلا معنى واحدًا وهو نزع الحرف، وإحلال حرف آخر مكانه ولم نستفد شيئًا، ويبقى الفعل على ما هو عليه بمقتضى دلالة اللفظ، فالحاصل أن القول بأن الفعل يُضَمَّن معنى يناسب الحرف أو يناسب المعمول أولى من القول بأن المعمول هو الذي فيه التجوز.
هنا ﴿لَا يَسْمَعُونَ إِلَى الْمَلَإِ﴾ [الصافات: ٨] نقول: هنا الفعل مُضَمَّن معنى الإصغاء؛ يعني: لا يُصْغون إليهم مستمعين.
(وفي قراءة بتشديد الميم والسين) يعني: ﴿لَا يَسَّمَّعُونَ﴾ (وأصله يتسمعون أدغمت التاء في السين) فصارت يسمعون، والقراءة هذه سبعية أوشاذة؟ سبعية؛ لأنه في اصطلاح المؤلف أنه إذا قال: (وفي قراءة) فهي سبعية وإذا قال: (قريء) فهي شاذة كذا؟
﴿لَا يَسَّمَّعُونَ﴾ قال: (﴿وَيُقْذَفُونَ﴾ أي: الشياطين بالشهب ﴿مِنْ كُلِّ جَانِبٍ﴾ من آفاق السماء ﴿دُحُورًا﴾ [الصافات ٩] مصدر دحره أي طرده وأبعده، وهو مفعول له ﴿وَلَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ دائم) ويُقْذَفون الضمير يعود على الشياطين.
فإذا قال قائل: إنه لم يَتَقَدَّم ذكر الشياطين، فالجواب بلى تقدم في قوله: ﴿مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ﴾؛ لأن كل شيطان عام فيكون دالًّا على الجمع، ولَّا لا؟ فيكون دالًّا على الجمع، إذن ﴿يُقْذَفُونَ﴾ أي: الشياطين المعلوم جمعهم من قوله: ﴿كُلِّ شَيْطَانٍ﴾، ويقذفون من كل جانب، من الذي يقذفهم؟ يقذفهم الله عز وجل بأمره يأمر هذه الشهب فتقذفهم، والقذف هو الرمي بشدة. ﴿مِنْ كُلِّ جَانِبٍ﴾ من الجوانب التي تصيبهم (من آفاق السماء) كما قال المؤلف.
﴿دُحُورًا﴾ يعني: طردًا وإبعادًا، وهي كما قال المؤلف مفعول له؛ أي لأجل الدحور، والمفاعيل كم هي؟ خمسة المطلق، والمفعول به، والمفعول فيه، والمفعول له، والمفعول معه. هذه خمسة، وأمثلتها.
؎ضَرَبْتُ ضَرْبًا أَبَا عَمْرٍو غَدَاةَ أَتَى ∗∗∗ وَسِرْتُ وَالنِّيلَ خَوْفًا مِنْ عِقَابِكَلِي
هذه خمسة أمثلة، (ضربت ضربًا) هذا أيش؟ المفعول المطلق. (أبا عمرو) المفعول به. (غداة أتى) المفعول فيه. (وسرت والنيل) معه. (خوفا من عقابك لي) مفعول له.
يقول: ﴿دُحُورًا﴾، ﴿وَلَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ أي: دائم، فهم يُعَذَّبون في الدنيا بهذه الشهب، ويعذبون في الآخرة بالعذاب الدائم؛ لأن الشياطين من أصحاب النار.
قال الله تعالى: (﴿إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ﴾ [الصافات ١٠] مصدر أي المرة، والاستثناء من ضمير ﴿يَسْمَعُونَ﴾ أي: لا يسمع إلا الشيطان الذي سمع الكلمة من الملائكة، فأخذها بسرعة فأتبعه شهاب كوكب مضيء ثاقب يثقُبُه أو يُحْرقه أو يُخَبِّلُه) لما قال: ﴿لَا يَسْمَعُونَ﴾ وكان هذا النفي عامًّا، يعني: لا يسمع أي واحد من هؤلاء الشياطين إلى الملأ الأعلى، استثنى الشياطين المردة الذين يَخْطِفُون الخطفة؛ ولهذا قال: ﴿إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ﴾ يعني: أخذ الشيء بسرعة.
﴿خَطْفَةَ﴾ مصدر يدل على الوحدة ولَّا لا؟ يعني: إلا شيطانا يخطف الخطفة، فهذا يسلم، ولكن هل إذا خطف الخطفة ينجو؟ قال الله تعالى: ﴿فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ فهنا استثنى مِنْ نَفْيِ سماعهم إلى السماء استثنى الذي يَخْطِف الخطفة، فهو يسمع، ولكن هل ينجو حتى يصل إلى الأرض؟ لا، قال: ﴿فَأَتْبَعَهُ﴾ أي: تبعه شهاب ثاقب؛ يعني: كوكب مضيء ثاقب أي: نافذ يَنْفُذ فيه، فيخرقه أو يُحْرِقه أو يُخَبِّلُه. يخرق أو يَحْرِق أو يُخَبِّل. وربما ينجو من هذا الشهاب إذا أراد الله عز وجل، ويصل إلى الكاهن ويُوحِي إليه بما سَمِع، ثم الكاهن يكذب مع ما سمع كَذَبات كثيرة، مئة كذبة أو أكثر أو أقل، ثم يُحَدِّث الكاهن الناس بما سيكون، فإذا وقع قال: إنه يعلم الغيب، واتخذ من هذا دعايةً لنفسه؛ ولهذا كان الكهان في العرب في الجاهلية كانوا مُعَظَّمِين يتحاكم الناس إليهم؛ لأنهم إذا أخبروا بمثل هذه الأمور من علم الغيب، ووقع ما أَخْبَروا به صار لهم شأن كبير عند الناس، فصار الشياطين ثلاثة أقسام:
قسم لا يمكنه السماع إطلاقًا.
وقسم آخر يمكن أن يسمع على سبيل الخطف ويحرقه الشهاب.
وقسم ثالث يسمع على سبيل الخطف وينجو، وكل هذا بإذن الله وإرادته تبعًا لحكمته ﴿إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾، وكل هذه الآيات كلها في بيان عظمة السماء، وأن السماء محفوظة محروسة لا يمكن أن يصل إليها أحد.
ثم قال عز وجل: (﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ استخبرْ كفارَ مَكَّة تقريرًا أو توبيخًا ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾ من الملائكة والسماوات).
* الطالب: (...).
* الشيخ: (﴿إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ﴾ مصدر أي: المرة والاستثناء من ضمير ﴿يَسْمَعُونَ﴾ أي: لا يسمع إلا الشيطان الذي يسمع الكلمة من الملائكة فأخذها بسرعة، فأتبعه شهاب ثاقب).
قال: (﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ استخبر كل كفار مكة تقريرًا أو توبيخًا ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾ من الملائكة والأرضين وما فيهما، وفي الإتيان بـ(مَنْ) تغليب للعقلاء).
استفتهم يعني: اطلب منهم الفتوى، والفتوى في الأصل هي الإخبار بالشيء، ولكنها في اصطلاح الفقهاء هي الإخبار عن حكمٍ شرعي، وهنا ليس المراد بذلك الفتوى الشرعية، إنما المراد بها الفتوى اللغوية؛ يعني: استخبرهم واسألهم: ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾ فسيقولون.. هم أشد أو من خلق الله أشد؟ مَنْ خلق الله أشد، كلٌّ يعرف أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، وكذلك الذين يؤمنون بالغيب يُقِرُّون بأن ما غاب عنا من مخلوقات الله أعظم مما نشاهد، اللهم إلا أحدًا يريد أن يُكابِر ويقول: أنا أشدُّ خلقًا كما قال الشيطان لله عز وجل: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف ١٢]، وكما قال فرعون لقومه: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾ [الزخرف ٥٢]، وقال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النازعات ٢٤]، وإلا فكلٌّ يعلم أن المخلوقات العظيمة كالسماوات والأرض والشمس والقمر أعظم من خلق الإنسان؛ ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ﴾.
قال المؤلف: وفي الإتيان بـ(من) تغليب للعقلاء، كيف؟ الإتيان بـ(من) في قوله: ﴿أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾، ولم يقل: (أم ما خلقنا) تغليبًا للعقلاء..
ولكنها في اصطلاح الفقهاء هي الإخبار عن حكمٍ شرعي، وهنا ليس المراد بذلك الفتوى الشرعية، إنما المراد بها الفتوى اللغوية؛ يعني: استخبرْهم واسألهم: ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾ فسيقولون.. هم أشد أو من خلق الله أشد؟ مَنْ خلق الله أشد، كلٌّ يعرف أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، وكذلك الذين يؤمنون بالغيب يُقِرُّون بأن ما غاب عنا من مخلوقات الله أعظم مما نشاهد، اللهم إلا أحدًا يريد أن يُكابِر ويقول: أنا أشدُّ خلقًا كما قال الشيطان لله عز وجل: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف ١٢]، وكما قال فرعون لقومه: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾ [الزخرف ٥٢]، وقال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النازعات ٢٤]، وإلا فكلٌّ يعلم أن المخلوقات العظيمة كالسماوات والأرض والشمس والقمر أعظم من خلق الإنسان؛ ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ﴾.
قال المؤلف: وفي الإتيان بـ(من) تغليب للعقلاء، كيف؟ الإتيان بـ(من) في قوله: ﴿أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾، ولم يقل: (أم ما خلقنا) تغليبًا للعقلاء؛ وذلك أن ما خلقه الله عز وجل فيهم العقلاء وفيهم غير العقلاء؛ يعني: فيهم من يعقل، وفيهم من لا يعقل؛ فالملائكة والجن يعقلون، والبهائم والجمادات لا تعقل، وإن كانت البهائم أقرب إلى العقل من الجمادات، ومع هذا كل هذه الأشياء لها عقل تدرك به خالقها عز وجل، كما قال الله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء ٤٤]، وأخبر النبي ﷺ أن أُحُدًا يحب النبي ﷺ والنبي ﷺ يُحِبُّه[[أخرج البخاري واللفظ له (١٤٨١)، ومسلم (١٣٩٢ / ٥٠٣) من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: أقبلنا مع النبي ﷺ من غزوة تبوك، حتى إذا أشرفنا على المدينة قال: «هذه طابة، وهذا أُحُدٌ، جبل يحبنا ونحبه».]].
قال: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ﴾ (أي: أصلهم من طين لازب لازم يلصق باليد المعنى أن خلقهم ضعيف فلا يتكبروا بإنكار النبي والقرآن المؤدي إلى هلاكهم اليسير).
لما قال: ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾ بَيَّنَ أصلَ خلقِهم ليتبين هل هم أشد أم من خلق الله، والحقيقة أن الجملة ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾ تحتاج إلى وقفة بالنسبة للإعراب، فمن يعربها؟
* طالب: الهمزة للاستفهام و(هم) مبتدأ، و(أشد) خبر.
* الشيخ: نعم، الهمزة للاستفهام و(هم) مبتدأ، و(أشد) خبر.
* الطالب: (خلقًا) مستثنى.
* الشيخ: لا.
* طالب: مفعول به.
* الشيخ: لا.
* طالب: تمييز.
* الشيخ: تمييز؛ لأن (أفعل) إذا جاء الاسم بعدها منصوبًا فهو تمييز.
﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا﴾ [الكهف ٣٤] ﴿مَالًا﴾ نقول فيها: تمييز، ﴿وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ كذلك نقول فيها: تمييز. فإذا جاء الاسم منصوبًا بعد اسم التفضيل فهو تمييز، وأما ﴿أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾ فهذا هو المعادل؛ ولهذا الهمزة هنا للتسوية؛ يعني: أيستوي هم ومن خلقنا؟ والجواب: لا، لا يستوون، بل مَنْ خَلَقَ اللهُ أعظمُ، والله أعلم.
* * *
* الطالب: ﴿وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ﴾ [الصافات ١٤ - ١٨].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله عز وجل: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (٦) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (٧) لَا يَسَّمَّعُونَ﴾ [الصافات ٦ - ٨] إلى آخره.
أولًا: ما موقع جملة ﴿لَا يَسَّمَّعُونَ﴾ مما قبلها؟
* طالب: استئنافية.
* الشيخ: استئنافية.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) في قوله: ﴿وَحِفْظًا﴾؛ يعني: حفظًا من أن يستمعوا إلى الملأ الأعلى، طيب في ﴿يَسْمَعُونَ﴾ قراءتان؟
* طالب: ﴿يَسْمَعُونَ﴾ ..
* طالب آخر: ﴿يَسَّمَّعُونَ﴾.
* الشيخ: ﴿يَسَّمَّعُونَ﴾. طيب، على قراءة ﴿يَسْمَعُونَ﴾ كيف تعدت بـ(إلى) وهي تتعدى بنفسها؛لأن (سمع) يتعدى بنفسه، وهنا قال: ﴿لَا يَسْمَعُونَ إِلَى﴾ .
* الطالب: يعني: لا (...) السماع من ملك أعلى.
* الشيخ: لكن قال: (إلى)، ولم يقل: (لا يسمعون الملأ).
* الطالب: يعني هذا متعد بالحرف.
* الشيخ: إي، لماذا مع أن (سمع) يتعدى بنفسه؟
* الطالب: بعضهم يقولون: ما يتعدى بنفسه.
* الشيخ: لا.
* طالب: لأنه مضمن معنى يُصْغُون.
* الشيخ: لأنه مضمن معنى يصغون، (لا يصغون إلى الملأ). ﴿يَسَّمَّعُونَ﴾ أصلها؟
* طالب: يتسمعون.
* الشيخ: يتسمعون، فأدغمت التاء؟
* طالب: في السين.
* الشيخ: وصارت؟
* الطالب: ﴿يَسَّمَّعُونَ﴾
* الشيخ: ﴿لَا يَسَّمَّعُونَ﴾. طيب، ما المراد بـ﴿الْمَلَإِ الْأَعْلَى﴾؟
* الطالب: الملائكة.
* الشيخ: الملائكة، وأصل (الملأ) في اللغة؟
* الطالب: الجماعة.
* الشيخ: أي جماعة كانوا؟
* الطالب: لا، الجماعة القوية.
* الشيخ: الأشراف من القوم يسمون ملأ. قوله: ﴿دُحُورًا﴾ إعرابها؟
* طالب: مطلق.
* الشيخ: كيف مطلق، ويش معناها؟
* الطالب: هو من المفاعيل الخمسة.
* الشيخ: (...) عين، تبغي تعدنا (...) لأنك تعرف واحدًا منها، ما نقبل منك إلا كلمة واحدة بس.
* الطالب: مفعول مطلق.
* الشيخ: مفعول مطلق!
* طالب: مفعول لأجله.
* الشيخ: مفعول لأجله، ويش معنى ﴿دُحُورًا﴾؟
* طالب: يعني: هم مبعدون.
* الشيخ: يعني طردًا وإبعادًا؛ يعني: أنهم (...) من أجل طردهم عن السماء. طيب قوله: ﴿إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ﴾ هذا الاستثناء من أي شيء؟
* طالب: أقول: ﴿لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى﴾.
* الشيخ: من أي شيء؟ شوف ﴿لَا يَسَّمَّعُونَ﴾ فيها ﴿لَا﴾ وفيها ﴿يَسَّمَّعُونَ﴾، وفيها الواو.
* الطالب: من ﴿لَا يَسَّمَّعُونَ﴾ من ﴿لَا﴾.
* الشيخ: من ﴿لَا﴾؟! ما يستقيم المعنى.
* طالب: لا يسمعون إلا (...).
أنا سؤالي أين المستثنى منه؟
* الطالب: المستثنى منه ﴿لَا يَسَّمَّعُونَ﴾.
* الشيخ: لا.
* الطالب: واو الجماعة ﴿يَسَّمَّعُونَ﴾.
* الشيخ: من واو الجماعة في يسمعون، (لا يسمعون إلا من خطف). طيب، على هذا التقدير يكون محلها الرفع بدلًا من الواو ويجوز النصب. قوله: ﴿إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ﴾، ما معنى قوله: ﴿فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ﴾؟
* طالب: لحقه شهاب.
* الشيخ: لحقه شهاب. طيب، الشهاب منين؟
* الطالب: من الكواكب.
* الشيخ: من الكواكب. قوله: ﴿ثَاقِبٌ﴾ معناه؟
* الطالب: خارق وحارق ومخبل.
* الشيخ: نعم، أحسنت.
قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾ ﴿أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾ ما المراد بـ﴿مَنْ خَلَقْنَا﴾؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: السماوات والأرض ومن فيها.
* الشيخ: السماوات والأرض ومن فيها؛ لأنه قال: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾، ثم قال: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾ من السماوات والأرض وما بينهما، واضح؟ وهنا إشكال عبر بـ(من) الدالة على العقلاء مع أن الأكثر غير عقلاء، لماذا يُغَلِّب جانب الأقل؟
* طالب:لأنه أفضل.
* الشيخ: لأنه أفضل وأشرف.
قوله: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ﴾ الجملة محلها من الإعراب؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا يا أخي، بارك الله فيكم. لا تُقْبَل شهادة بعضكم لبعض لأنكم تدفعون عن أنفسكم ضررًا.
* الطالب: ما كملناها.
* الشيخ: ما كملناها، لكن ذكرناها. على كل حال لاتدافعوا عنه ربما يعرفها هو.
* الطالب: استئنافية.
* الشيخ: استئنافية لأيش؟
* الطالب: للجواب.
* الشيخ: لأي شيء، ما الغرض منها؟
* الطالب: أنهم لا يستطيعون ذلك.
* الشيخ: لا، كيف لا يستطيعون ذلك ويش معنى لا يستطيعون؟
* الطالب: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾ بين لهم أنهم لا يستطيعون ذلك.
* الشيخ: لا يستطيعون أيش؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: هم ما ادَّعَوْا أنهم يخلقون.
* طالب: (...) ضعفهم (...).
* الشيخ: ضعفهم، صح، لبيان ضعفهم، لمَّا قال: ﴿أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾ كأن قائلًا يقول: مِمَّا خلقوا؟ قال: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ﴾ فهم ضعفاء في الأصل.
قال الله تعالى: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا﴾ إلى آخره.
في هذه الآيات الثلاث يقسم الله عز وجل بالملائكة باعتبار صفاتها: صافات، وزاجرات، وتاليات؛ لأن كل صفة منها تدل على عظمة الخالق عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة الملائكة في أحوالهم الثلاث: الصف، والزجر، والتُّلُوِّ؛ لأنه لا يُحْلَف إلا بما كان أهلًا بأن يُحْلَف به، فإذا قال قائل: كيف حلف الله عز وجل بالمخلوق؛ لأن الملائكة مخلوقات مع أن الحلف بالمخلوق شرك؟
فالجواب على ذلك أن الله سبحانه وتعالى له أن يحلف بما شاء من خلقه؛ لأنه المالك كما أنه سبحانه وتعالى له أن يأمر بما شاء وإن كان شركًا، وإن كان ظلمًا وعُدْوانًا، أرأيت أمر الله تعالى الملائكة أن تسجد لآدم، والسجود لغير الله شرك، لكن لله أن يأمر بما شاء، أرأيت أمره ابراهيم الخليل أن يذبح ابنه، وذبح الابن من أعظم الكبائر، وصار بأمر الله طاعة لله عز وجل، كذلك الحلف بغير الله شرك، ولكن مع هذا لله أن يحلف بما شاء من خلقه.
ولكن يجب أن نعلم أن الله لا يحلف بشيء من خلقه إلا كان هذا الشيء من أعظم آياته، فيكون الحلف بهذا المخلوق متضمنًا للحلف بآيات الله عز وجل التي هي فعله؛ لأن عِظَم المخلوق يدل على عظم الخالق.
* من فوائد الآية الكريمة: أن من صفات الملائكة الصَّفَّ؛ قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ﴾ [الصافات ١٦٥]، وقال النبي ﷺ: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا»[[أخرجه مسلم (٤٣٠ / ١١٩) من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الملائكة مُوَكَّلة بالتصرف بالزجر كزجر السحاب وزجر الكفار عند احتضارهم؛ لقوله: ﴿فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا﴾.
* ومن فوائد الآيات الكريمة: أن الملائكة تتلو الذكر؛ أي: تتلو القرآن، وهذا يدل على قيام الملائكة بعبادة الله، وعلى فضيلة القرآن؛ حيث تتلوه الملائكة؛ لقوله تعالى: ﴿فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا﴾.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾ [الصافات ٤] إلى آخر الآيات.
* من فوائدها؛ هذه الآيات: وحدانية الله عز وجل في ألوهيته؛ لقوله: ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾.
* ومن فوائدها: بطلان ألوهية ما سوى الله؛ لقوله: ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾ فإذا كان واحدًا فما سواه فهو باطل.
* ومن فوائدها: أهمية التوحيد؛ لأن الله تعالى أَقْسَم على ثبوته، أقسم بالملائكة على ثبوت هذا التوحيد؛ ولأن الله تعالى أَكَّدَه بثلاثة مؤكدات: بالقسم، والثاني (إن)، والثالث اللام ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾.
* ومن فوائد الآيات الكريمات: التناسب بين المُقسَم به وعليه. ما المقسم به؟ الملائكة في حال تلك الأوصاف؛ الصف، والزجر، والتلو. والمُقسَم عليه وحدانية الله. والتناسب بينهما أن الملائكة إنما تفعل ذلك توحيدًا لله سبحانه وتعالى وتعظيمًا له.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الربوبية لله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ﴾.
* ومن فوائدها: عموم ربوبيته في قوله: ﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾.
* ومن فوائدها: التلازم بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية؛ فإن قوله: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ بعد قوله: ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾ كالدليل على توحده بالألوهية؛ وذلك أنه إذا كان متوحِّدًا بالربوبية لزم أن يكون متوحِّدًا في الألوهية؛ كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة ٢١] فكيف تعبدون غيره ممن لم يخلقكم ولا خلق أحدًا؟! ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ [الحج ٧٣]؛ ولهذا قال أهل العلم: مَنْ أقرَّ بتوحيد الربوبية لزمه أن يُقِرَّ بتوحيد الألوهية وإلَّا كان متناقضًا؛ لأنه يقال له: كيف تقر بأن الله وحده هو الرب الخالق، ثم تعبد معه مَنْ لا يخلق، وهل هذا إلا تناقض؟
وهذه الآية وما شابهها من آيات الكتاب العزيز تدل على التلازم بين؟ أقول: هذه الآية وشبهها تدل على التلازم بين توحيد الربوبية والألوهية، وجه ذلك؟
* طالب: الذي يقر بتوحيد الربوبية يجب أن يُقِرَّ بتوحيد الألوهية.
* الشيخ: يلزمه أن يُقِرَّ بتوحيد الألوهية. وكيف نلزمه؟
* الطالب: لأنه إذا قال: إن الله تعالى واحد، يجب ألا (...).
* الشيخ: واحد في الخلق، فيجب ألا يعبد غيرَه، نعم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات أن السماوات عدد؛ لقوله: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ﴾، وقد بُيِّنَ في مواضع بأنها سبع وكذلك الأرض.
* ومن فوائدها: الإشارة إلى عِظَم السماوات والأرض وما بينهما؛ لأن الله أضاف الربوبية إليها في مقام إقامة الحجة، وهذا يدل على عظمتها، وأنها لعظمتها صارت كالدليل المُلْزِم لتوحيد الألوهية.
* ومن فوائدها: أن بين السماوات والأرض من المخلوقات العظيمة ما اقتضى أن يكون ما بين السماء والأرض قسيمًا للسماوات والأرض.
* ومن فوائد الآيات: تمام قدرة الله سبحانه وتعالى بتصريف المشارق والمغارب؛ لقوله: ﴿وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾، ولا أحد يستطيع أن يتصرف في هذه المشارق والمغارب لا بتقديم، ولا بتأخير، ولا بحرف، بحرف يعني: تغيير مكان؛ لو أن الخلق كلهم اجتمعوا على أن يُقَدِّموا طلوع الشمس بدقيقة واحدة أو يؤخروه أو يزحزحوه عن مكانه ما استطاعوا، وإنما ذلك إلى مَنْ؟ إلى الله عز وجل هو الذي يتصرف فيها، وقد أمرها أن تسير بحكمته، فسارت إلى أجل مسمى. فإذا أراد الله تعالى أن يُغَيِّرَها غَيَّرَها، رَدَّها من حيث جاءت فشرقت من حيث غربت.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾ إلى آخر الآيات
* في هذه الآيات من الفوائد: بيان أن الله تعالى زَيَّن السماء بهذه الكواكب؛ فإنك إذا رأيت في السماء في ليلة صاحية ليس فيها قمر ولا حولك إضاءة وجدت لها من الحُسْن ما لا تتصوره، من حُسْن هذه النجوم؛ فيها اللامع، والخفي، والقريب بعضهم من بعض، والمتباعد بعضه من بعض، والمختلف الأشكال، مما يدل على عظمة الخالق عز وجل، وأنه سبحانه وتعالى جعل هذه النجوم زينةً للسماء، وفيها أيضا فائدة غير الزينة أشار إليها بقوله: ﴿وَحِفْظًا﴾، وفيها فائدة ثالثة غير الحفظ والزينة: الاهتداء ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل ١٦]، فهذه النجوم فيها هذه الفوائد الثلاثة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن السماوات متطابقة بعضها أدنى من بعض؛ لقوله: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا﴾ مما يدل على أن هناك سماوات فوقها، وهو كذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عناية الله سبحانه وتعالى بخلقه؛ حيث زَيَّن لهم السقف الذي فوق رؤوسهم؛ لأنه لو كان مظلمًا حالكًا لا يرون فيه شيئًا مُنيرًا لكان في ذلك شيء من الإيحاش، ولكن الله تعالى اعتنى بهذا فزينه لهم. وفيه أيضًا: عناية الله من وجه آخر؛ حيث حَفِظَ السماء الدنيا بهذه الكواكب.
فإذا قال قائل: ما فائدة هذا الحفظ؟ قلنا: الفائدة لئلا تعبث الشياطين بما ينزل من السماء من الوحي، أو تعبث الشياطين بتغرير الخلق بالكهان وأنهم يعلمون الغيب.
* ومن فوائد الآيات الكريمة: أن الشياطين مردة؛ لقوله: ﴿مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ﴾ بناء على أن كلمة (مارد) صفة كاشفة، فإن جُعِلَت صِفَة مُقَيِّدَة ففيها دليل على أن الشياطين منهم مردة ومنهم دون ذلك، والآية محتملة لأنْ تكون مارد صفةً لكل شيطان، ومحتملة لأنْ تكون صفة لبعض الشياطين وأنْ يكون بعضهم غير ماردْ.
* ومن فوائد الآيات: أن هؤلاء الشياطين لا يسْمَعون إلى الملإ الأعلى السماع الكامل بحيث ينالون مرادهم، بماذا؟ بسبب هذه الشهب التي تحرقهم فلا يستطيع الواحد منهم أن يَسْمَعَ سماعًا كاملًا يُصْغِي إلى الملأ الأعلى كما يصغي الإنسان إلى شيخه وإلى مُحَدِّثِه، بل تَجِدُهُم يأتون إلى السماء خطفًا فيخطفون ما يسمعون دون أن يكون هناك مهلة وتأنٍّ؛ لأنها تخشى من الشهب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الشياطين أجسام؛ لقوله: ﴿فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾؛ لأنه لا يُخْرَق ولا يُحْرَق إلا ما كان جسمًا وهو كذلك فإن الشياطين أجسام، لكنهم أجسام لطيفة تَخْتَرِق الأجسام الكثيفة أجسام البشر؛ ولهذا قال النبي ﷺ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٨١)، ومسلم (٢١٧٥ / ٢٤) من حديث صفية بنت حيي رضي الله عنها.]] كما أن الروح تجري من الجسد مجرى الدم، والروح جسم لطيف، فكذلك الشياطين أجسام لطيفة تَخْتَرِق الأجسام الثقيلة أو الكثيفة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى قد يُعْطِي هذه الأجسام اللطيفة قُدْرَةً يَصِلُون بها إلى السماء، أليس كذلك؟ لقوله: ﴿لَا يَسْمَعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى﴾ ﴿إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ﴾، ولا شك أنهم قد يصلون إلى السماء، وأن لديهم من القوة ما هو أشد من قوة البشر ذوي الأجساد الكثيفة، أرأيتم لما قال سليمان: ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ [النمل ٣٨، ٣٩]، وكان له وَقْتٌ مُعَيَّن يقوم فيه من مقامه، فقال: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ يعني: قبل أن يأتي الوقت الذي تقوم فيه، وكان سليمان في الشام وعرش ملكة سبأ في اليمن، ويقول: ﴿آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [النمل ٣٩، ٤٠] والذي دعا الله عز وجل بما دعاه به ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾؛ يعني: قبل أن تُرْسِلَ طرفك ثم تَرُدُّه؛ لأن الذي تأتي به الملائكة، والملائكة أقوى من الشياطين؛ فلهذا رآه في الحال، فلما رآه مُسْتَقِرًّا عنده ﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي﴾ إلى آخر الآيات.
المهم أن الشياطين لهم قدرة وقوة توصلهم إلى السماء، والذي أعطاهم هذه القدرة والقوة هو الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة الملائكة حيث وُصِفوا بأنهم الملأ الأعلى؛ لعُلُوِّ مكانهم ومكانتهم؛ ففيه العلو الحسي والعلو المعنوي.
* ومن فوائد الآيات الكريمة: أن الشهب التي يُقْذَف بها الشياطين تأتيهم من كل جانب فإلى أي جهة حاولوا الفرار يجدون الشهب، ولا يلزم أن تجتمع هذه الشهب عليهم، لا، قد يكون شهاب واحد يأتيهم من جهة، لكن لو حاولوا الفرار أتاهم شهاب ثانٍ، وهكذا أي جهة يحاولون الفرار منها سيجدون الشهاب، قال: ﴿وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الشياطين ليست أهلًا لأنْ تَحُل السماء أو تقعد فيها أو تقرب منها؛ ولهذا يقذفون لإبعادهم ﴿دُحُورًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الشياطين مكلفون يقع عليهم العقاب ويحصل لهم الثواب؛ يقع عليهم العقاب الدائم؛ لقوله: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾ يعني: دائم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الشياطين قد تأتي بخبر السماء؛ لقوله: ﴿إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ﴾، ولكن قد يقول قائل: إن الله قال: ﴿إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ﴾ ثم قال: ﴿فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾ وحينئذ لا يصل إلى مراده، فالجواب أنه قد دَلَّت نصوص أخرى على أنه قد يصل إلى مراده فيصل إلى الكاهن قبل أن يدركَه الشهاب.
قال: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ﴾ [الصافات ١١].
* في هذه الآية الكريمة: ما يدل على أن رسول الله ﷺ مُكَلَّف بالإبلاغ والمحاجة؛ لقوله: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾، وهو كذلك؛ فإن الله أَمَرَه أن يبلغ ما أُنْزِلَ إليه من ربه ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة ٦٧]، وأمره أن يجادل قومه ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل ١٢٥]، وأخبر بأنه يحاجهم لقوله: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾ [آل عمران ٢٠].
* ويتفرع على هذه الفائدة: أن وظيفة أهل العلم الذين ورثوا علمه كوظيفته في هذا الباب فيلزمهم محاجة أهل الباطل ومقارعتهم، ويتفرع على ذلك وضوح أن العلم نوع من الجهاد في سبيل الله؛ لأن طالب العلم يُحاجَّ أعداء الشريعة بالحق ليُدْحِرَ به باطلهم، وأحيانًا يكون الغزو الفكري أعظم فتكًا من الغزو المسلح، كما تشاهدون، فإن الغزو الفكري يدخل كل بيت باختيار صاحب البيت بدون أن يَجِدَ معارضة أو مقاومة، لكن الغزو العسكري لا يدخل البيت، بل ولا يدخل البلد إلا بعد قتال مرير ومدافعة شديدة؛ فأعداء المسلمين يَتَسَلَّطُون عليهم أحيانًا بالغزو المسلح بالقتال، وهذا يمكن التحرز منه، وأحيانًا بالغزو الفكري وهو أشد وأنكى من الغزو المسلح؛ لأنه يصيب المسلمين في قعر بيوتهم ولا يعلمون به، ربما يخرجون من الإسلام ويُمْسَح الإسلام من أفئدتهم مسحًا كاملًا وهم لا يشعرون؛ لأنهم يُغْرون المسلمين بالشهوات، والقلب إذا انغمس في الشهوات نَسِيَ ما خُلِق له، نسي عبادة الله ولم يكن في قلبه تعلق بالله عز وجل، فتجد الإنسان في حال قيامه وقعوده وذهابه ومجيئه لا يفكر إلا بهذه الشهوات، ولا يسعى إلا لهذه الشهوات، وكأنه لم يُخْلَق لغيرها. كذلك أيضًا يُغَذُّون في نفوس الضعفاء تعظيم هؤلاء الكفار وأنهم أكثر تقدمًا وأشد حضارة وأقوم طريقًا وما أشبه ذلك، فيموع المسلم وينصهر في حرائق هؤلاء القوم، وهذا لا شك أنه موجود، وأن كثيرًا من البلاد الإسلامية زالت معنوياتها وهلكت شخصيتها بسبب هذا الغزو الفكري.
إنهم لو غَزَوُا البلاد الإسلامية غزوًا عسكريًّا لَحَلُّوا بأبدانهم البلاد، ولكن قلوب الناس نافرة منهم مبغضة لهم، لكن المشكل أن يغزوا الناس بصفاتهم وأخلاقهم وعقائدهم وهم جالسون في بيوتهم قد فتحوا لهم القلوب، هذا هو المشكل، وهذا هو الدمار؛ ولهذا كان الغزو بالسلاح العلمي المُسْتَمَدُّ من كتاب الله وسنَّةِ رسوله مساويًا إن لم يكن أنفع وأبلغ من الغزو العسكري، فأنا أَحُثُّكم -بارك الله فيكم- وأحث نفسي على أن نُعِدَّ العُدَّة لمكافحة أعدائنا الذين يريدون أن يغزونا في بيوتنا بأفكارهم الخبيثة وأخلاقهم المُلَوَّثة، بل بأفكارهم المنحرفة وأخلاقهم الملوثة حتى نحمي المسلمين من شرِّ هؤلاء؛ لأن سلاحهم أعظم فتكًا وأشد من سلاح الحديد والنار، كما هو ظاهر، وربما من خرج منكم إلى البلاد الأخرى عَرِفَ أكثر مما أعرف، مما أدى إلى الانحراف في العقيدة، والانجراف وراء الشهوات حتى أصبحت بعض البلاد الإسلامية كأنها بلاد كافرة.
وهم الآن يحاولون أن يغزوا هذه البلاد بكل ما استطاعوا حتى إننا نجد أحيانًا في الصحف يُنْشَر الدعوة إلى اضمحلال أخلاق المسلمين وعاداتهم، يُنْشَر أحيانًا دعاية للأزياء الأوربية والإفرنجية، وبهذا اللفظ: (يفتتح معرض للأزياء الغربية أو الأزياء الأوربية أو الموضات الأوربية) أو ما أشبه ذلك، كل هذا لأجل أن يُفْسِدوا أخلاقَنا، وإذا فَسَد الخُلُق فسدت العقيدة، وإذا فَسَدَتِ العقيدة زال تعلق المسلمين بربهم، وحينئذ صاروا أضعف الأمم، نسأل الله الحماية والسلامة.
طيب، ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا﴾ نقف على هذا.
* * *
* الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (١٨) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (٢٤) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾ [الصافات ١٢ - ٢٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ﴾ في هذه الآية قراءتان؟
* طالب: ﴿بَلْ عَجِبْتَ﴾، و﴿بَلْ عَجِبْتُ﴾ .
* الشيخ: على أي ضمير يعود؛ الفتح؟
* الطالب: على الفتح على الرسول ﷺ. الضم على الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: نعم، هذا هو القول الصحيح، طيب، إذا كان عائدًا إلى الله عز وجل، فهل هو عجب حقيقي أم مجاز؟
* طالب: الصحيح أنه حقيقي.
* الشيخ: الصحيح أنه حقيقي وأنه كسائر الصفات؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إذا قال قائل: إن العجب هو حالة تطرأ على الإنسان لحصول ما يخطر له على بال، فكيف يمكن أن يوصف الله به؟
* طالب: العجب ثلاثة أقسام عجب استحسان، وعجب (...)، وعجب (...) وهذا لا يكون في حق الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: نقول: هذا نوع من العجب الذي ذكرته أنا لا يكون في حق الله. ما الدليل على أنه ممتنع في حق الله؟
* طالب: لأن هذا لا يكون (...).
* الشيخ: طيب، مَثِّل للعجب الذي بمعنى الاستحسان، للعجب الذي يحمله عليه الاستحسان.
* طالب: هو للاستبعاد الذي ما هو كمال العلم عليه..
* الشيخ: لا، أنا أقول: أعطني مثالًا للعجب.
* الطالب: المثال ما يحضرني.
* طالب آخر: «عَجَبَ رَبُّكُمْ مِنْ شَابٍّ لَيْسَ لَهُ صَبْوَةٌ»[[أخرج أحمد (١٧٣٧٠) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله ليعجب من الشاب ليست له صبوة».]]
* الشيخ: هذا عجب؟
* الطالب: الاستحسان.
* الشيخ: طيب، العجب الإنكار.
* الطالب: قول الله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص ٥].
* الشيخ: هذا من المشركين.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: لا، أريد عجب الإنكار اللي من الله.
* الطالب: ﴿وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ﴾ [الرعد ٥].
* الشيخ: هذا قد يقول قائل: ﴿فَعَجَبٌ﴾ ما أضيف العجب لأحد.
* طالب: ﴿عَجِبْتَ﴾.
* الشيخ: هذه الآية: ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ﴾ هذا عجب إنكار.
قوله: ﴿إِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ﴾ ما المراد بالآية؟
* طالب: الترفع مع..
* الشيخ: لا، ما المراد بالآية: ﴿وَإِذَا رَأَوْا آيَةً﴾؟
* الطالب: انشقاق القمر.
* الشيخ: فقط؟
* الطالب: على (...).
* الشيخ: لكن المراد آية واحدة ولَّا أي آية؟
* الطالب: أي آية.
* الشيخ: طيب، ما دليلك على أن المراد أي آية؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نكرة في سياق الشرط، والنكرة في سياق الشرط تفيد العموم، وأما قول المؤلف: كانشقاق القمر فهذا للتمثيل فقط.
قال: ﴿يَسْتَسْخِرُونَ﴾ ولم يقل: (يسخرون).
* الطالب: (...).
* الشيخ: يعني: سخرية مع تكبر وتعالٍ، طيب، هل هناك قاعدة عند النحويين تفيد مثل هذا الكلام الذي قلت؛ أي أنه إذا زاد المبنى يزيد المعنى؟
* الطالب: إن زاد المبنى يزيد المعنى.
* طالب آخر: (...) شجرة وشجر (...).
* الشيخ: إي، غالبًا. طيب يقول: ﴿وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ (إن)؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني أنها؟
* طالب: نافية.
* الشيخ: نافية، أين خبرها؟
* طالب: ﴿مُبِينٌ﴾.
* الشيخ: ﴿مُبِينٌ﴾؟!
* طالب: ﴿سِحْرٌ﴾.
* الشيخ: نعم، ﴿سِحْرٌ﴾، أما ﴿مُبِينٌ﴾ فهي صفة لـ(سحر)، طيب، هذا النوع من الاستثناء يسميه النحويون، ماذا يسميه النحويون؟
* الطالب: استثناء بعد (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: يسمى استثناء (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: مفرغ.
* الشيخ: يُسَمَّى استثناء مفرغًا؛ لأن ما بعد (إلا) يتطلبه العامل الذي قبلها، فإذا كان ما بعد (إلا) يتطلبه العامل اللي قبلها سُمِّيَ استثناء مفرغًا تقول: ما قام إلا زيد، وما أكرمت إلا المجتهد، وما مررت إلا بعلي، فإذا كان الذي قبل (إلا) يتطلب ما بعدها سُمِّيَ استثناء مُفَرَّغًا.
مبين بمعنى؟
* الطالب: بَيِّن ظاهر.
* الشيخ: بين ظاهر، ما هو فعلها؛ (مبين) فعله الماضي؟
* الطالب: (بان).
* الشيخ: لا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: (أبان)، طيب، وإذا قلت: (بَيِّن) ما فعلها؟
* الطالب: مبين.
* الشيخ: لا، الماضي.
* الطالب: (بان).
* الشيخ: (بان)؟! كيف تقول: (مبين) الذي فعله (أبان) بمعنى (بَيِّن) الذي فعله (بان)؟
* طالب: فعله (بين).
* الشيخ: لا، (بَيِّن) اسم يا شيخ.
* طالب: من الرباعي، (أبان) (مبين) هذا رباعي.
* الشيخ: إي، لكن هل الثلاثي يأتي بمعنى الرباعي، تقول: (أكرم) (وكَرُم) بينهما فرق، (أخرج) و(خرج) بينهما فرق.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، كثيرًا مر علينا. لأن (أبان) تأتي لازمًا ومتعديًا، ألم نقل ذلك لكم؟ كثيرًا ما نقولها، (أبان) تأتي لازمة ومتعدية، إذا كانت لازمة فهي بمعنى (بان) تقول: أبان الصبحُ أي: بان وظهر. وتقول: أبان الحقَّ أي: أظهره، (...) يمر علينا كثيرًا بأن (أبان) تُسْتَعمل لازمًا ومتعديًا، وإذا استُعْمِل لازمًا صارت بمعنى (بان)، وإذا استُعْمِل متعديًا صار بمعنى أظهر.
قوله تعالى: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ ما المراد بهذا الاستفهام؟
* الطالب: الاستبعاد والإنكار.
* الشيخ: الاستبعاد والإنكار؛ يعني: أننا ننكر ونستبعد أننا نُبْعَث إذا كنا عظامًا ورفاتًا. في قوله: ﴿أَإِذَا﴾ كنا عدة قراءات؟
* الطالب: قراءة ﴿أَإِذَا﴾، وتسهيل همزة (أإذا).
* الشيخ: أولًا التحقيق؛ تحقيق الهمزتين. تقول؟
* الطالب: ﴿أَإِذَا﴾.
* الشيخ: ﴿أَإِذَا﴾. ثانيًا تسهيل الثانية فتقول؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ثالثًا: إدخال الألف في التحقيق فتقول؟
* الطالب: ﴿آإِذَا﴾ .
* الشيخ: ﴿آإِذَا﴾ ، رابعًا؟
* الطالب: إدخال ألف في التسهيل.
* الشيخ: فتقول؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: زين، أحسنت. المؤلف ذكر أربع قراءات. قوله: ﴿أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾ فيها قراءتان أيضًا
* طالب: تسكين الواو.
* الشيخ: طيب، أعربها على الوجهين.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ﴿أَوْ آبَاؤُنَا﴾ هي عاطفة على أيش؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا.
* الطالب: على ﴿أَإِنَّا﴾.
* الشيخ: على ﴿أَإِنَّا﴾؟! يعني: على الهمزة والنون!
* الطالب: لا، على الضمير.
* الشيخ: لا.
* طالب: ﴿أَإِذَا مِتْنَا﴾.
* الشيخ: لا.
* الطالب: محل (إن) واسمها.
* الشيخ: محل (إن) واسمها. كذا؟ وجه آخر؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، بالعطف على أيش؟
* الطالب: معطوف على الضمير المستتر في إسم إن.
* الشيخ: اللي هو؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم، زين، طيب، الضمير المستتر أو المتصل إذا عُطِفَ عليه فلا بد من الفصل بالضمير المنفصل. ويش تقول يا أخ؟
* طالب: إذا عطف ضمير الفصل عطف على ضمير آخر فلا بد من فاصل.
* الشيخ: بالضمير أو بأي فاصل، وهنا؟
* الطالب: هنا أتي بفاصل (...).
* طالب آخر: الهمزة.
* الشيخ: همزة الاستفهام. تمام.
قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ﴾ [الصافات١١].
* في هذه الآية فوائد:
* أولًا: أمر الله النبي ﷺ أن يتحدى هؤلاء المكذبين بالاستفتاء ﴿أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن ينبغي في المجادلة أن يُؤْتَى بما يُقِرُّ به الخصم؛ ليكون حجة عليه؛ لأنهم هم سيُقِرُّون بأن مَنْ خلق اللهُ أشدُّ خلقًا منهم، فإذا أقروا بذلك قامت عليهم الحجة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عظمة الله تبارك وتعالى بعظمة خلقه؛ لأن عِظَم المخلوق يدل على عِظَم الخالق؛ ولهذا إذا شاهدنا قصرًا جيِّدًا في بنائه وهندسته عرفنا أن الذي بناه كان جيِّدًا ماهرًا، والعكس بالعكس.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى خلق بني آدم أو إلى أصل خلقهم بأنهم خُلِقوا من طين لازب يلصق باليد مهين؛ لقوله: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ﴾.
* ومن فوائدها: بيان قدرة الله سبحانه وتعالى؛ حيث خلق الإنسان الخصيم المبين من هذا الطين؛ من طين لازب.* ومن فوائدها: الإشارة إلى إمكان البعث وأن الله قادر عليه؛ وجهه أن القادر على هذه المخلوقات التي هي أشد خلقًا منهم وعلى خلقهم من الطين قادر على إعادتهم؛ ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الخلق لله؛ في قوله: ﴿أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾، وفي قوله: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: التفاوت بين الخلق في العِظَم؛ لقوله: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾ فتكون المخلوقات متفاوتة في عِظَمِها ودلالتها على قدرة الله؛ لأن ما كان أعظم كان أدلَّ على القدرة، ويتفرع على هذه القاعدة أنه كما تتفاضل الآيات الكونية كذلك تتفاضل الآيات الشرعية؛ ولهذا كان أعظم سورة في كتاب الله سورة الفاتحة، وأعظم آية آية الكرسي، و(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن؛ فالآيات الكونية تتفاوت بعضها أدلُّ على القدرة من بعض، وكلُّها دليل على القدرة حتى الذباب أهون شيء يدل على قدرة الله، وكذلك الآيات الشرعية.
وقال تعالى: ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ﴾ إلى آخره.
* في هذه الآيات من الفوائد:
* أولًا: إثبات العجب لله عز وجل على قراءة ضمِّ التاء، وهو من صفات الله الفعلية؛ لأنه يتعلق بمشيئته، وكلُّ شيء يتعلق بمشيئته فهو من الصفات الفعلية عند أهل العلم.
فإذا قال قائل: ما الذي يعلمنا أنه يتعلق بمشيئته؟
فالجواب أن كل صِفَةٍ عُلِّقَت على سبب فهي من الصفات الفعلية؛ لأن الأسباب حادثة، وما ترتب على الحادث فإنه حادث، وعلى هذا فنقول: الرضا من الصفات الفعلية؛ لأن له سببًا، والغضب، والكراهة، والسَّخَط، وما أشبهها كذا؟
عرفنا طريق أهل السنة الجماعة في مثل هذه الصفة؛ وأنه إثباتها لله على الوجه اللائق به، لا على وجه القصور والنقص.
* ومن فوائدها أيضًا: عُلُوِّ منزلة الرسول ﷺ على قراءة الفتح؛ حيث اعتبر الله عز وجل تَعَجبه تعجبًا يُنَوَّه عنه في قوله: ﴿بَلْ عَجِبْتَ﴾، ومعلوم أن الذي يُنَوَّه عن أحواله عظيم عند مَنْ نَوَّه عنه بخلاف من لا يُؤْبَه له، ولا يُهْتَم به؛ ولهذا في أوساط الناس إذا غَضِبَ الملك ليس كغضب سائر الناس، تجده مثلًا يُقال: (تَحَدَّث الملك فغضب) لكن لو يأتي واحد من السوقة، من عامة الناس، لو تَفَجَّرت عيونه من الغضب ما تحدث الناس عنه. فإذن تَحَدُّث الله عن عَجَبِ الرسول عليه الصلاة والسلام يدل على عُلُوِّ منزلته عند الله وعلى عِظَم شأنه ﷺ.
* ومن فوائد الآيات الكريمة: أن هؤلاء القوم الذين أنكروا الباطل زادوا في طغيانهم فصاروا يسخرون من أهل الحق، الذين أنكروا الحق زادوا في طغيانهم حتى صاروا يسخرون من الحق وأهل الحق؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَيَسْخَرُونَ﴾، يعني: مع تعجبك من أحوالهم هم يسخرون مما جئت به ويسخرون بك، وهذه عادة أعداء الرسل يَسْخَرون من الرسل ومما جاؤوا به ومما يفعلونه أيضًا؛ قال الله تعالى عن نوح: ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [هود ٣٨، ٣٩].
* من هذه الفائدة نأخذ فائدة أخرى: وهو أنه يجب على الدعاة إلى الحق أن يصبروا على ما ينالهم من الناس من السخرية؛ لأن أعداء الرسل أكثر من أولياء الرسل. كم أعداء الرسل من بني آدم؟ تسع مئة وتسعة وتسعين بالألف، فهم أكثر من أولياء الرسل؛ فالدعاة إلى الحق يجب عليهم الصبر إذا سمعوا مَنْ يسخر به سواء كان هؤلاء الساخرون من الكفار أو من أولياء الكفار؛ لأنه يوجد من المؤمنين أو بالأصح يوجد من المسلمين من هو من أولياء الكافرين.
فالواجب على الدعاة أن يصبروا؛ لأن الرسل الذين هم أهل الحق وقادة الحق وأئمة الحق قد سخر الناس منهم، فكيف بك أنت؟! فالواجب عليك أن تصبر، الواجب على كل داعية أن يصبر على ما يَحْصُل له من السخرية، وليعلم أن العاقبة للمتقين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عُتُوُّ هؤلاء المكذبين لرسول الله ﷺ لكونهم إذا ذُكِّروا لا يَذْكُرون ولا يتعظون؛ وذلك لقسوة قلوبهم وعتوهم، نسأل الله والعافية. عكس المؤمنين الذين إذا ذُكِّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمًّا وعميانًا.
* ومن فوائدها أيضًا: أن هؤلاء المكذبين إذا رأوا الآية الدالة على صدق الرسل ازدادوا سخرية وترفُّعًا؛ ﴿وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ﴾، وهذا فوق السخرية السابقة اللي قال: ﴿وَيَسْخَرُونَ﴾، بل هؤلاء إذا رأوا آية، وكان المفروض إذا رأوا الآيات أن يستسلموا، ولكنهم على العكس من ذلك إذا رأوا الآية يستسخرون، والعجب من قوم النبي ﷺ الذين كذبوه أنهم قالوا: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال ٣٢]، شوف العتو والعياذ بالله، كان ينبغي أن يقولوا: اللهم إن كان هذا الحق من عندك فاهدنا إليه ووفقنا له، أما أن يقولوا هكذا فهذا أكبر دليل على أنهم -والعياذ بالله- طاغون معتدون.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المعادين للرسل يصفون ما جاؤوا به بالصفات القبيحة تنفيرًا للناس منهم، يؤخذ من قوله: ﴿وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿إِنْ هَذَا﴾ الآية التي رأوا أو ما جاءت به الرسل إلا سحر مبين، وهم في ذلك كاذبون يعملون أنه ليس بسحر، لكن قالوا هذا تنفيرًا للناس عن طريق الرسل.
وهل وُرِثَت هذه المقالة؟ الجواب: نعم، وُرِثَت، هذه المقالة ورثت من أول من جاء من الرسل إلى عصرنا هذا وإلى يوم القيامة؛ قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات ٥٢]، كل أعداء الرسل يقول هذا؛ ساحر أو مجنون، هذه الكلمة -وأريد جنس هذه الكلمة لا نوعها- وُرِثَ فصار أهل الباطل الآن يلقبون أهل الحق بألقاب السوء.
انظر مثلًا إلى أهل التعطيل ماذا يلقبون به أهل الإثبات؟ يقولون: إنهم حشوية، مجسمة، مشبهة، وما أشبه ذلك. لا، فهُمْ يقولون مثل هذا الكلام من أجل أن ينفروا الناس عن طريق الحق، كذلك أيضًا أعداء أهل الحق يقولون: هؤلاء رجعيون، هؤلاء متحجرون، هؤلاء متشددون، هؤلاء متزمتون، هؤلاء متنطعون، إلى غير ذلك من الألقاب، لكنَّ أهل الحق الذين هُمْ أهلُه لا يزدادون بهذه الألقاب إلا قُوَّةً وثباتًا على ما هم عليه؛ لأنهم يعلمون أنهم منصورورن بنصر الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد ٧].
وأنا كررت عليكم كثيرًا بأن انتصار الإنسان ليس انتصارَ شخصِه فقط، قد يُنْصَر الإنسان في حياته ويتبين له النصر، وقد يُنْصَر بعد مماته، بماذا يُنْصَر بعد مماته؟ يُنْصَر بعد مماته بِنَصْرِ ما قاله من الحق، ويكون كل من عمل بالحق الذي جاء به أو الذي بَيَّنَه يكون له مثل أجره، وهذا انتصار، كل إنسان يحب أن ينتصر الحق الذي بَيَّنَه للناس في حياته أو بعد مماته.
يقول عز وجل: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾ [الصافات ١٦، ١٧].
* في هاتين الآيتين: دليل على قوة إنكار هؤلاء المكذبين للبعث، كيف ذلك؟ لأنهم أَتَوْا به بصيغة الاستفهام المؤكد بـ(إنَّ) ﴿أَإِنَّا﴾، وهذا كقول أخوة يوسف له ﴿أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ﴾ [يوسف ٩٠] يعني: أتؤكد أنك يوسف. فهؤلاء قالوا: أَيُؤَكَّد لنا أننا مبعوثون؟ وإذا دخلت همزة الاستفهام على هذا دَلَّ على أنهم يؤكدون إنكارهم للبعث.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء المكذبين يأتون بالشُّبَه؛ لأنهم يقولون: ﴿أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾ يعني: أويبعث أيضًا آباؤنا الأولون؟ وهذا لقوة إنكارهم؛ لأنهم كما قال الله عنهم في سورة الجاثية: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الجاثية ٢٥]، وهل الذين قالوا: إنكم تبعثون قالوا: إن البعث يكون في الدنيا حتى تقولوا: ائتوا بآبائنا؟ نعم، لو قالت الرسل: إنكم تبعثون في الدنيا أو إن آباءكم يبعثون في الدنيا صَحَّ أن يقولوا: ائتوا بآبائنا، لكن الرسل يقولون: إن البعث لهم ولآبائهم يكون يوم القيامة، فهذه الشُّبْهَة التي أوردوها لا تزيد عند الناس إلا سَفَهًا على سفههم؛ يعني: لا تزيدهم إلا سَفَهًا إلى سفههم. انتبه، حُجَّتُهم التي ادَّعَوْها قالوا: إنكم تقولون: إن آباءنا يبعثون فأتوا بهم، ابعثوهم، هل هذه حجة؟ لا، ليش؟ لأن الرسل ما قالوا: إن آباءكم يبعثون الآن في الدنيا حتى تتحدوا بقولكم: ائتوا بآبائنا. إنما قال: يبعثون متى؟ يوم القيامة ﴿قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الواقعة ٤٩، ٥٠]، فهم يقولون: ﴿أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾ ليتوصلوا إلى الحجة الداحضة، فيقول الناس: إن هؤلاء يقولون: إن الناس يبعثون نحن وآباؤنا، خلوهم يجيبون آباءنا، دعوهم يأتون بآبائنا. والجواب على هذه الشُّبْهَة واضح جدًّا هو أن الرسل لم يقولوا: إن آباءهم يبعثون الآن، وإنما يكون البعث يوم القيامة، وحينئذ تبطُل حجتهم، وينادون على أنفسهم بالسَّفَهِ والعدوان، فإنهم ألزموا الرسل ما لم يلتزموه ولم يقولوا به.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الجدَّ يُسَمَّى أبًا؛ لأنهم قالوا: ﴿أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾، وآباؤهم الأولون أجداد سابقون، فالجَدُّ يُسَمَّى أَبًا.
ويتفرع على ذلك مسألة فَرَضِيَّة وهي أن الجد يُسْقِط الإخوة أشقاء كانوا أم لأب أم لأم، وإسقاط الجد للإخوة من الأم بالإجماع، وأَمَّا الإخوة الأشقاء أو لأب ففي إرثهم معه خلاف، والصحيح بلا شك أنهم لا يرثون مع الجد، وأنه لو هلك هالك عن أبي أبي أبي أبي أبي أب؛ الجد السادس وعن أخ شقيق فلا شيء للأخ الشقيق؛ لأن الجد أب، والأب يحجب الأخوة، ولأن هذا الابن النازل بعض من الجد السابق، بخلاف الأخ فليس بعضًا منه، ومعلوم أن الأصل الذي هذا فرعه أولى بالميراث من شخصٍ ليس أصلًا له ولا فرعًا له، وهذه مسألة تتحقق إن شاء الله في الفرائض.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["وَٱلصَّـٰۤفَّـٰتِ صَفࣰّا","فَٱلزَّ ٰجِرَ ٰتِ زَجۡرࣰا","فَٱلتَّـٰلِیَـٰتِ ذِكۡرًا","إِنَّ إِلَـٰهَكُمۡ لَوَ ٰحِدࣱ","رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَیۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَـٰرِقِ","إِنَّا زَیَّنَّا ٱلسَّمَاۤءَ ٱلدُّنۡیَا بِزِینَةٍ ٱلۡكَوَاكِبِ","وَحِفۡظࣰا مِّن كُلِّ شَیۡطَـٰنࣲ مَّارِدࣲ","لَّا یَسَّمَّعُونَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰ وَیُقۡذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبࣲ","دُحُورࣰاۖ وَلَهُمۡ عَذَابࣱ وَاصِبٌ","إِلَّا مَنۡ خَطِفَ ٱلۡخَطۡفَةَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابࣱ ثَاقِبࣱ","فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَهُمۡ أَشَدُّ خَلۡقًا أَم مَّنۡ خَلَقۡنَاۤۚ إِنَّا خَلَقۡنَـٰهُم مِّن طِینࣲ لَّازِبِۭ","بَلۡ عَجِبۡتَ وَیَسۡخَرُونَ","وَإِذَا ذُكِّرُوا۟ لَا یَذۡكُرُونَ","وَإِذَا رَأَوۡا۟ ءَایَةࣰ یَسۡتَسۡخِرُونَ","وَقَالُوۤا۟ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ مُّبِینٌ","أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابࣰا وَعِظَـٰمًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ","أَوَءَابَاۤؤُنَا ٱلۡأَوَّلُونَ"],"ayah":"إِنَّا زَیَّنَّا ٱلسَّمَاۤءَ ٱلدُّنۡیَا بِزِینَةٍ ٱلۡكَوَاكِبِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق