الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾، ولقد سبقت كلمتنا؛ أي: تقدمت في الأزل، وكلمة الله بيَّنها هنا في قوله: ﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾، هذه هي الكلمة السابقة التي قضى بها الله عز وجل في الأزل.
وقوله: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا﴾ الجملة هنا فيها عدة مؤكدات، وهي؟
* الطالب: لام القسم، و(قد).
* الشيخ: لام القسم، و(قد)؟
* الطالب: تأكيد لعبادنا بالمرسلين.
* الشيخ: لا.
* طالب: ضمير الفصل.
* الشيخ: لا.
* طالب: القسم المقدر.
* الشيخ: والقسم المقدر، ما دام تقول: لام القسم معناه لا بد من قسم، فإذن التقدير: وتالله لقد سبقت، أو ووالله لقد سبقت، وكل جملة تأتي على هذا الوجه ففيها هذه المؤكدات: القسم واللام و(قد).
وقوله: ﴿كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ﴾ المراد بالعباد هنا العبودية الخاصة، بل أخص الخاصة؛ وهي عبودية الرسالة، والعبودية عبودية الخلق لله عز وجل عبودية كونية، وهذه عامة شاملة لجميع الخلق؛ ما من مخلوق إلا وهو ذال لله قدرًا، عبودية شرعية، وهي خاصة بمن يطيع الله، وأخص هذا النوع عبودية الرسالة؛ لأن الرسل مُكلَّفون بما لم يكلَّف به غيرهم؛ مُكلَّفون بتحمل الرسالة وإبلاغها إلى الخلق ودعوة الناس إليها، ولهذا لا يرسل الله رسولًا إلا وهو يعلم أنه أهل للرسالة، كما قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام ١٢٤]، وقال الله تعالى لنبيه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّك﴾ [الإنسان ٢٣، ٢٤]، فلما ذكر أنه نزل عليه القرآن، لم يقل: فاشكر الله على هذه النعمة، قال: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّك﴾ إشارة إلى أن تنزيل القرآن عليه أمر يحتاج إلى صبر؛ لأنه يحتاج إلى معاناة ومجابهة الناس.
ومن تأمل ما حصل للرسول ﷺ من منابذة قومه له وإيذائهم إياه تبين له الحكمة في أنه قال ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّك﴾.
﴿سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ﴾، قال المؤلف: (﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا﴾ بالنصر، ﴿لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ﴾ وهي ﴿لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾، أو هي قوله: ﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾ ) فـ(أو) هنا للترديد؛ يعني هل الكلمة قوله تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ [المجادلة ٢١] أو أن الكلمة هي قوله: ﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾؟ والاحتمال الثاني أولى؛ لأن الاحتمال الثاني يجعل تفسير الكلام في ضمن الكلام، والأول يجعل تفسير الكلام منفصلًا عنه، وإذا كان التفسير متصلًا كان أولى، وعلى هذا فتكون الكلمة: ﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾، وهي جزء من قوله تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾.
وقوله: ﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾ هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات؛ الأول: (إنَّ)، والثاني: اللام في ﴿لَهُمُ﴾، والثالث: (هم)؛ لأن (هم) ضمير فصل. إذن هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات.
* الطالب: (إن) واللام و(هم) ضمير الفصل.
* الشيخ: و(هم) ضمير الفصل.
ثم هي أيضًا من حيث بنيتها جملة تأكيدية بل جملة توكيدية، توكيدية أحسن من تأكيدية؛ لأن هي لغة القرآن: ﴿وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ [النحل ٩١] هي جملة توكيدية؛ لأنها جملة اسمية، والجملة الاسمية تفيد الثبوت والاستمرار.
طيب ذكرنا أن (إنَّ) للتوكيد، وهذا واضح، واللام للتوكيد، كذلك واضح، (هم) ضمير الفصل للتوكيد، وضمير الفصل من حيث الإعراب ليس له محل من الإعراب، من حيث المعنى يفيد ثلاثة أشياء: التوكيد، والحصر، والفصل بين الصفة والخبر، كم هذه؟ ثلاثة. عدها لنا أنت.
* طالب: الحصر.
* الشيخ: يفيد الحصر نعم.
* الطالب: والصفة.
* الشيخ: لا.
* الطالب: والفصل (...).
* الشيخ: أنا أريد أن تسمع.
* طالب: تفيد التوكيد والحصر والفصل.
* الشيخ: التوكيد والحصر والفصل بين الخبر والصفة، ولهذا سمي ضمير فصل.
مثال يتضح به الكلام؛ إذا قلت: زيد الفاضل، فكلمة (الفاضل) في هذا السياق يحتمل أن تكون صفة، فيتطلع الإنسان إلى الخبر، زيد الفاضل ويش فيه؟ تقول: قائم مثلًا، زيد الفاضل قائم، فالفاضل هنا أيش؟ صفة، فإذا قلت: زيد الفاضل وحذفت (قائم) صار الكلام محتملًا أن تكون (الفاضل) صفة والخبر يأتي بعد، أو أن تكون (الفاضل) هي الخبر، فإذا قلت: زيد هو (الفاضل) تعيَّن أن تكون (الفاضل) خبر المبتدأ.
إذن ففصل (هو) الضمير بين الصفة وبين الخبر حيث تعين أن يكون ما بعده خبرًا لا صفة، كذلك إذا قلت: (زيد هو الفاضل) صار أوكد من قولك: زيد الفاضل؛ لأنك تقول: (هو) تؤكد.
ثالثًا: أنك إذا قلت: زيد هو الفاضل؛ يعني لا غيره، فيحصر الفضل فيه.
إذن ضمير الفصل من حيث الإعراب لا محل له من الإعراب؛ لا مبتدأ، ولا خبر، ولا شيء أبدًا، من حيث المعنى يفيد ثلاثة أشياء: التوكيد، والحصر، والفصل بين الخبر والصفة.
طيب هنا ﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾ نقول: الهاء اسم (إن)، واللام للتوكيد، و(هم) ضمير فصل لا محل له من الإعراب، و﴿الْمَنْصُورُونَ﴾ خبر (إن).
طيب يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾ ﴿لَهُمْ﴾ يعني: لا غيرهم، ﴿الْمَنْصُورُونَ﴾ مِن قِبَلِ مَن؟ مِن قِبَلِ اللهِ الذين ينصرهم الله عز وجل بما يقدره من الآيات، أو بما يرسله من الجنود؛ ففي بدر أرسل الله الملائكة فقاتلت مع النبي ﷺ، وفي الأحزاب أرسل الله على أعدائهم الريح الشديدة ومعها جنود ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ [الأحزاب ٩]، فجمع الله في الأحزاب بين الملائكة تدخل الرعب في قلوب هؤلاء الأعداء وبين الريح التي تزلزلهم، حتى لم يقرَّ لهم قرارٌ فهربوا، طيب إذن منصورون مِن قِبَلِ الله بما يرسله من الآيات أو من الملائكة.
وقوله: ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا﴾ الجند هم المدافعون، عمن؟ هم جند له الذين ينصرونه ويدافعون عنه، ومنه: جنود الأمير والسلطان وما أشبه ذلك، وهنا يقول: ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا﴾ جند الله، وهؤلاء الجند ليسوا جندًا لله لحاجة الله إليهم ولكن لأنهم يدافعون عن شرعه، فصاروا جندا له، وهؤلاء الجند هم الغالبون؛ لكونهم جند الله، والله سبحانه وتعالى له الغلبة ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾، فجند الله الذين يذبُّون عن شريعته لا بد أن تكون لهم الغلبة، ولهذا قال: ﴿لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾، والجملة كالأولى مؤكدة بثلاثة مؤكدات: (إن) واللام وضمير الفصل.
طيب هنا ﴿الْغَالِبُونَ﴾ كما تعلمون اسم فاعل مِن: غَلَبَ، وغلَبَ فعلٌ متعدٍّ أو قاصرٌ؟ متعدٍّ، الفعل المتعدي لا بد فيه من فاعل ومفعول، (الغالِب) هنا اسم فاعل من فعلٍ متعدٍّ، فلا بد فيه من فاعل ومفعول، مَن الفاعل؟
* طلبة: الله.
* الشيخ: لا، الجند؛ ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾، لكن غالبون بأمر الله لا شك. المفعول محذوف، التقدير كما قال المؤلف: (لغالبون الكفار بالحجة والنصرة عليهم في الدنيا، وإن لم ينتصر بعض منهم في الدنيا ففي الآخرة).
أشار المؤلف إلى إشكال كنا نريد أن نؤخره إلى الفوائد لكن الآن لا بد من الكلام عليه، ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ فبيَّن الله بيانًا مؤكدًا بثلاثة مؤكدات: أن جنده المؤمنون الذين يدافعون عن دينه هم الغالبون، وأكَّد فيما قبل أن الرسل هم المنصورون.
فإذا قال قائل: هل هذا الكلام المؤكَّد من الرب عز وجل مطابق للواقع أو أن في الواقع ما يخالفه؟
إذا قلت: مطابق للواقع ورد علينا في أُحُدٍ؛ كانت الغلبة للمشركين، في الأنبياء من قُتِلَ ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [البقرة ٦١]، في أهل الخير من قُتِلَ ﴿وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران ٢١]، فما هو الجواب عن هذا؟
الجواب عن هذا أن نقول: إما أن يكون النصر الذي وعد الله به الرسل، بناء على الأغلب الأكثر؛ فإن الأغلب الأكثر بلا شك انتصار الرسل على أعدائهم، واقرأ الآيات في الرسل تجد أن الله يقول: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ [الأعراف ٦٤] وأهلك الآخرين، هذا انتصار لا شك.
أو يقال: إن المراد بالنصر نصر من أمروا بالجهاد، فمن أمروا بالجهاد فإن الله قد تكفَّل لهم بالنصر، وأما من لم يؤمروا به فليس هناك مغالبة بينهم وبين أعدائهم، حتى يقال: إنهم انتصروا، ويكون قتلهم غير منافٍ للآية.
الوجه الثالث أن يقال: إن المراد بالنصر المطلق هو نصر الآخرة، أما نصر الدنيا فليس بمضمون، فالأجوبة الآن ثلاثة طيب.
فيه وجه رابع: أن المراد بالنصر انتصارهم بالحجة لا بالشخص؛ يعني: انتصار ما جاؤوا به وظهوره دون الغلبة الحسية، فإن ذلك ليس بذي أهمية بالنسبة لغلبة ما جاؤوا به من الشريعة.
فهذه أربعة أوجه في الجواب عن الواقع الذي قد يخالف ظاهر الآية، ويجب أن نعلم أنه لا يوجد في القرآن شيء صريح يخالف الواقع أبدًا، لا يمكن، ولا في السنة شيء صحيح صريح يخالف الواقع، أقول: لا يوجد في القرآن شيء صريح يخالف الواقع، ولا في السنة شيء صحيح صريح يخالف الواقع، الأخ ما الفرق بين العبارتين؟
* طالب: من الكتاب ومن السنة؟
* الشيخ: إي، ويش الفرق بينهما؟ أنا قلت: لا يوجد في القرآن شيء صريح يخالف الواقع، ولا يوجد في السنة شيء صحيح صريح يخالف الواقع.
* الطالب: لأنه قد يكون في السنة أحاديث غير صحيحة.
* الشيخ: غير صحيحة، فلهذا احتجنا أن نقول: صحيح، في القرآن ما نحتاج نقول: صحيح. لأيش؟ لأنه منقول بالتواتر كله صحيح ما فيه إشكال.
إذن لا يمكن أن يوجد في القرآن شيء صريح يخالف الواقع، ولا في السنة الصحيحة شيء صريح يخالف الواقع، فإن وُجِدَ ما ظاهره مخالفة الواقع فاعلم أنه إما ألَّا يكون مخالفة، لكن المخالفة من وهمك بمعنى أن يكون الواقع غير مخالف لظاهر القرآن، أو يكون ما ظننته صريحًا من القرآن غير صريح.
فمثلًا كثير من العلماء -وليس أكثر العلماء- يقولون: إن الأرض ليست كروية؛ لأن الله يقول ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية ١٧ - ٢٠]، والسطحية تنافي الكروية، فإذن من قال: إن الأرض كروية فقد خالف صريح القرآن؛ لأنه الله يقول: ﴿سُطِحَتْ﴾، فأنكروا أن تكون الأرض كروية بناء على أيش؟ على فهمهم أن القرآن صريح في ذلك.
ومن العلماء من قال: إنها كروية، والواقع يشهد لقول هؤلاء؛ لأنه ما يمكن الآن أن نقول: إنها غير كروية أبدًا؛ إذ إنك لو قمت من مطار جدة متجهًا إلى الغرب في طائرة، أين يكون منتهاك؟ ترجع إلى جدة.
إذن هي كروية، وأين تروح؟ فالشاهد الواقع المحسوس يشهد لهذا، نقول: إذن لا بد أن يكون القرآن الذي زعموا أنه صريح في أنها ليست كروية لا بد أن يكون على خلاف ما فهموا، ولَّا لا؟ هل يمكن أن يقول قائل: لا بد أن يكون الواقع المحسوس كذبًا؟ ما يمكن.
لو قال: إن الواقع المحسوس كذب لرماه الناس بالحجارة فضلًا عن حجارة الأفواه؛ يعني: ما يرمونه بالسب والشتم باللسان بل بالحجارة: هذا مجنون، حينئذٍ يتعين علينا أي شيء؟ أن نقول: إن القرآن ليس صريحًا في هذا، فتُحْمَل السطحية فيه على ما يحتاج الإنسان إليه من الأرض، فكل ما تحتاج إليه من الأرض إليه فهو سطح؛ يعني: ما جعلت الأرض مُسَطَّحة مثل ظهر الجبل أو مثل سفح الجبل؛ يعني صعودًا، أبدًا، كل ما تحتاج إليه فهو مُسَطَّح، تواسيه وتصب عليه الماء وتزرع، مُسَطَّح.
ثم نقول: في القرآن ما يدل على أنها كروية؛ مثل قوله تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾ [الانشقاق ١ - ٤]، فيفهم من قوله: ﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ﴾ أنها الآن غير ممدودة، ولهذا جاء في الحديث «أنه إذا كان يوم القيامة فإن الله يمد الأرض مدَّ الأديم »[[أخرجه ابن ماجه (٤٠٨١)، وأحمد (٣٥٥٦)، والحاكم في المستدرك (٣٤٨٩) من حديث عبد الله بن مسعود.]]، الأديم؛ يعني: الجلد، تُمَدُّ هكذا، تكون سطحًا واحدًا.
فيه أيضًا دليل آخر مثل قوله: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾ [الزمر ٥]، التكوير: التدوير، ومعلوم أن الليل والنهار يدور على الأرض، فإذا كان هذا يدور فالذي يدور عليه يكون مستديرًا ولا بد.
على كل حال المهم القاعدة عندنا: لا يمكن أبدًا أن يوجد في الواقع المحسوس ما يخالف صريح المنقول، أبدًا لا يمكن، كما أنه لا يوجد في صريح المعقول ما يخالف صحيح المنقول، فالأول نخاطب بها أهل المادة الجملة الأولى، والثانية نخاطب بها أهل العقول الذين يدعون أنهم أصحاب العقول؛ كالمتكلمين وغيرهم، نقول: ليس في صريح القرآن ولا في صريح صحيح السنة ما يخالف المعقول، مَن نخاطب بهذا؟ أهل الكلام وغيرهم ممن يتكلمون في العقائد بالمعقولات.
طيب ليس في صريح القرآن ولا صريح صحيح السنة ما يخالف المحسوس، نخاطب به أصحاب المادة؛ يعني المادييين الذين ليس عندهم إلا ما يشاهدونه بأعينهم أو يسمعونه بآذانهم.
وعلى هذا فيكون قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ محمولًا على أحد المحامل الأربعة التي سمعتم، ويتم البحث فيها -إن شاء الله- غدًا.
* طالب: في مثل هذه (...) ﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾ ﴿إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ ﴿إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ﴾، وهذه الضمائر إذا كان ليس من ضمير الفصل، والضمير لا يوصف ولا يوصف فيه، وإذا كان ضمير الفصل موصوفًا به يحتمل التوصيف، كذلك ضمير الفصل إذا يختزل ضمير فصل آخر؟
* الشيخ: ما يوصف بها، الآن (الصافون) ما هي صفة لضمير الفصل (الصافون) خبر.
* الطالب: وإذا كان الخبر (...) ﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾.
* الشيخ: طيب، (هم) ضمير فصل لا لها محل له من الإعراب.
* الطالب: و(هم) مبتدأ.
* الشيخ: لا، ما هي مبتدأ، هذا ضمير فصل ليس له محل من الإعراب.
* الطالب: ضمير فصل؛ لأجل يفصل الخبر من المبتدأ؟
* الشيخ: نعم، مع أن هنا أيضًا عندنا سبب آخر يبين الصفة من الخبر، وهي لام التوكيد؛ لأن لام التوكيد ما تدخل إلا على الخبر، فعندنا الآن شيئان: لام التوكيد، وضمير الفصل، كلها تؤيد أن ما بعدهما هو الخبر.
* الطالب: ما يحتمل أن المنصورين صفة؛ لأن ما يحتمل..؟
* الشيخ: لا، ما يحتمل ولا يمكن، وكيف تكون صفة وهي مرفوعة والضمير في (إن) منصوب؟! ما تكون صفة، ما فيه إشكال.
* طالب: عفا الله عنك، بعضهم يحمل وإن جندنا لهم المنصورون يقول: هذا باعتبار النهائي أن الرسل الذين ابتلوا وعذبوا، يقول: هذا في أثناء الرسالة، وأما في نهاية الرسالة كان النصر معهم.
* الشيخ: يأتينا -إن شاء الله- غدًا تمام البحث فيه.
* * *
السؤال هذه الجملة ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ﴾ هل هي مؤكدة وبكم مؤكِّدٍ أُكِّدَت؟
* طالب: مؤكدة بثلاث مؤكدات؛ أولًا: القسم (...) و(بقد) وباللام.
* الشيخ: ما الذي أعلمك أن فيها قسمًا؟
* طالب: الواو ﴿وَلَقَدْ﴾.
* الشيخ: الواو، الواو إذن حرف قسَمٍ، طيب ما هي؟ مرَّ علينا في الآجرومية أن حروف القسم ما تدخل إلا على الاسم، وهنا (لقد) ما هي اسم.
* الطالب: محذوفة (...) واللهِ لقد.
* الشيخ: ما يمكن القسم بالواو ما يحذف منه المقسَم به.
* طالب: القسم مقدر.
* الشيخ: مقدر.
* الطالب: وتالله لقد.
* الشيخ: وتالله لقد سبقت.
قوله: ﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾، كيف نجمع بين هذا وبين قوله تعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ [آل عمران ٢١]؟
* طالب: ما يشترط أن يكون النصر؟
* الشيخ: ذكرنا فيه أجوبة.
* الطالب: إما أن يكون النصر بالتأييد حتى تنقطع الأسباب، وإما أن يكون النصر لبعضهم على بعض وإن لم يكن دائمًا.
* الشيخ: كيف نصر بعضهم على بعض، الرسل ما ينصر بعضهم على بعض، كلهم على هدف واحد؟
* الطالب: ينصر بعضهم ببعض.
* الشيخ: لا.
* الطالب: قلنا: إن النصر يتوقف على أربع حالات.
* الشيخ: إما أن يكون النصر بالحجة والبرهان، هذا واحد.
* الطالب: وإما يكون بالأكثرية.
* الشيخ: أو بناء على الأغلب ثالثًا.
* الطالب: ثالثًا: للذين أمروا بالجهاد.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: رابعًا: أن يكون النصر مطلق وهو نصر الآخرة.
* الشيخ: وهو نصر الآخرة. هذه أربعة أوجه.
قوله: ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾، ما المراد بجند الله؟
* طالب: جند الله هم الملائكة.
* الشيخ: الملائكة، لا.
* الطالب: النبيون هم الذين يدافعون عن شرعه ودينه.
* الشيخ: صح، المدافعون عن شرعه ودينه.
طيب قوله: ﴿لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ هل الغلبة هنا تكون غلبة بالسيف والسلاح، أو بشيء من آيات الله، أم ماذا؟
* طالب: تكون بالحجة والبرهان أولًا.
* الشيخ: لا، الغلبة غير النصر.
* الطالب: إما تكون بالآيات.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: أو تكون بالملائكة.
* الشيخ: بالملائكة، مثل؟
* الطالب: في غزوة بدر.
* الشيخ: أيَّدهم الله تعالى بالملائكة غلبوا بما أيدهم به من الملائكة، وفي الأحزاب..
* الطالب: بالريح.
* الشيخ: بالريح وكذلك الملائكة.
ثم قال الله عز وجل: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ﴾ [الصافات ١٧٤] (تول) الخطاب للرسول ﷺ، و﴿عَنْهُمْ﴾ الضمير يعود على أهل مكة، والمراد بالتولي ما فسره المؤلف بقوله: (أي: أعرض عن كفار مكة)، ﴿حَتَّى حِينٍ﴾ يعني: إلى حين غير مبين لكن علمه عند الله، ولهذا قال المؤلف: (حتى حين تؤمر فيه بقتالهم)، وعلى هذا فتكون الآية منسوخة بآيات السيف؛ فإن الرسول ﷺ لم يؤمر بالقتال إلا حين كان له قوة وكان له شوكة، وذلك بعد هجرته إلى المدينة، أما في مكة فلم يؤمر بالقتال؛ لأن الحكمة لا تقتضيه، وعلى هذا فيكون الحين الذي أجل إليه التولي هو الأمر بقتالهم.
﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ﴾ [الصافات ١٧٤، ١٧٥] (إذا نزل بهم العذاب فسوف يبصرون عاقبة كفرهم) (أبصِرْهم) يعني: انظر إليهم إذا نزل بهم العذاب، وعلى هذا فيكون الإبصار البصر بالرؤية؛ يعني أنك ستبصرهم إذا نزل بهم العذاب، فيكون أمرًا له للنبي ﷺ بالإبصار حينما ينزل بهم العذاب، والمراد بقوله (أبصِرْهم) تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام وتطمينه بأن هؤلاء سوف يرون جزاءهم.
وقيل: إن المراد بالإبصار هنا الإنظار؛ (أبصِرْهم) يعني: أنظرهم؛ يعني: أمهلهم، كما في قوله: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ [الطارق ١٧]، وكما في قوله تعالى: ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ [السجدة ٢٩]، وغاية القولين واحدة؛ يعني سواء قلنا: أبصرهم بعينك حين ينزل بهم العذاب أو أنظرهم حتى يأتيهم العذاب.
وقوله: ﴿فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ هذه الجملة يراد بها التهديد؛ تهديد هؤلاء بأنهم سوف يبصرون عاقبة أمرهم، وذلك بالذل والخزي والعار في الدنيا، وكذلك في الآخرة بالعذاب.
قال المؤلف: (فقالوا استهزاء: متى نزول هذا العذاب، قال الله تعالى تهديدًا لهم: ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ [الصافات ١٧٦]) الهمزة ﴿أَفَبِعَذَابِنَا﴾ للاستفهام، والفاء عاطفة، وقد ذكر أهل العلم أن همزة الاستفهام إذا دخلت على حرف العطف فإنه يجوز في إعرابها وجهان:
الوجه الأول: أن يكون المعطوف عليه مُقَدَّرًا بين الهمزة وحرف العطف، ويُقَدَّرُ بما يناسب المقام.
والثاني: أن تكون الجملة معطوفةً على ما سبق بدون تقدير، ويكون محل الهمزة بعد حرف العطف.
وعلى هذا يكون التقدير: فأبعذابنا يستعجلون، وعلى الأول نقدر ما يناسب المقام، فنقول: أسخروا فبعذابنا يستعجلون.
استعجالهم العذاب على وجهين:
الوجه الأول: أن يكون بالقول، فيقولون: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين.
والثاني: أن يكون بالفعل؛ وذلك بتماديهم بالمعصية؛ لأن المتمادي بالمعصية هو مستعجل للعذاب في حقيقة الأمر؛ لأن المعاصي سبب للعذاب، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف ٩٦]، وعلى هذا فاستعجال الناس بالعذاب يكون على وجهين. الوجه الأول ما هو؟ ويش؟
* طالب: يكون بالفعل؛ وذلك بتماديهم بالمعصية، ويكون بالقول.
* الشيخ: مثل قولهم أيش؟ مثاله بالقول؟
* الطالب: قالوا.
* الشيخ: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين، هم يقولون للرسول: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين، متى هذا الفتح إن كنتم صادقين، هذا استعجال بالقول.
الاستعجال بالفعل هو التمادي في المعصية؛ لأن المعاصي سبب لوقوع العذاب، فاستمرار هؤلاء بتكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام يقتضي أن يتعجل لهم العذاب، وهذا استعجال بالفعل، الاستعجال بالقول أنهم يقولون: متى هذا الوعد؟ أين العذاب الذي تعدوننا به؟ فهؤلاء جمعوا بين الوجهين في الاستعجال بالفعل وبالقول.
قال الله تعالى: ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ [الصافات ١٧٦] (نا) هنا للتعظيم وليست للجمع؛ لأن الله تعالى واحد، وكل ضمير أضافه الله إلى نفسه بصيغة الجمع فالمراد به التعظيم، ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ [الصافات ١٧٦، ١٧٧] (إذا نزل) الفاعل يعود على العذاب؛ أي: إذا نزل العذاب بساحتهم، والساحة ساحة القوم؛ أي: فناؤهم، وهو ما قرب من بيوتهم وأرضهم، وهذا يُعَبَّرُ عنه بالتهديد والوعيد، فيقال: نزل العدو بساحتهم، كما جاء في الحديث الصحيح في قصة خيبر «أن النبي ﷺ لما أقبل عليهم جعلوا يركضون إلى مخابئهم، يقولون: هذا محمد، أو جاء محمد والخميس، فقال النبي ﷺ: «إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٧١)، ومسلم (١٣٦٥ / ٨٤) من حديث أنس.]].
فهنا يقول الله عز وجل: ﴿فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ﴾ ﴿نَزَلَ﴾ أي أيش؟ العذاب؛ أي: حل بهم، و(﴿بِسَاحَتِهِمْ﴾ أي: بفنائهم) وهذه كلمة يقولها العرب للتهديد.
(قال الفرَّاء: العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم)، الفرَّاء أحد علماء اللغة العربية، وهو حجة فيما يقول إن العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم، فكأنه يقول: فإذا نزل بهم، على كلام الفراء أن يكون تقدير الآية: فإذا نزل بهم، ولكن لا حاجة إلى أن نقول هذا القول؛ لأنه من المعروف أن العدو إذا نزل بقوم ليس ينزل في دورهم من أول وهلة، ولكنه ينزل بساحتهم وفنائهم ثم يهجم عليهم ويُغِير عليهم.
وفي هذا استعارة كما يقول البلاغيون؛ حيث شبَّه العذاب بعدو ينزل بهم -يعني بساحتهم- ثم حذف المشبَّه به، ورمز إليه بشيء من لوازمه؛ وهو النزول بالساحة، ومثل هذه الاستعارة يسمونها استعارة مكنية؛ لأنه حذف فيها المشبَّه به ورمز إليه بشيء من لوازمه.
قال: ﴿فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ قال المؤلف في (ساء): (بئس)، ثم قال: (صباحًا)، ثم قال: ﴿صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾؛ وذلك لأن (ساء) من أفعال الذم، وأفعال الذم تحتاج إلى شيئين: فاعل وتمييز، فقدَّرَ المؤلف التمييز في قوله: (صباحًا)، وأما الفاعل فهو في الآية، وهو قوله: ﴿صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ أي: بئس صباح المنذرين صباحًا، أو ساء صباح المنذَرين صباحًا.
والمهم أن أفعال الذم وكذلك أفعال المدح مثل: نِعْمَ وحبَّذا وما أشبهها تحتاج إلى فاعل وإلى تمييز، فالمؤلف قدَّر التمييز، ولكن هل هذا التقدير لازم؟ الصحيح أنه ليس بلازم، وأن الفاعل يسدُّ مسدَّه، كما في هذه الآية وفي كثير من الآيات أيضًا؛ مثل: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص ٣٠]، ولم يقل: نعم العبد عبدًا.
طيب ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ ﴿الْمُنْذَرِينَ﴾ اسم فاعل ولَّا اسم مفعول؟ اسم مفعول؛ أي: ساء صباح القوم الذين لا حجة لهم؛ لأنهم أُنْذِروا وقامت عليهم الحجة فليس لهم عذر، قال: ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ ففيه إقامة الظاهر مقام المضمر؛ لأن مقتضى السياق أن يقول: فإذا نزل بساحتهم فساء صباحهم، لكنه قال: ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾، فأقام الظاهر مقام المضمر. اشرح لي ها العبارة هذه.
* طالب: يعني مدلول الكلام أنه..
* الشيخ: مقتضى السياق أن يقول..
* الطالب: أن يقول: فإذا نزل بساحتهم فساء صباحهم، لكن ذكر هنا المنذَرين..
* الشيخ: فأقام الظاهر؛ لأن (المنذَرين) اسم ظاهر مقام؟
* الطالب: مقام الضمير المضمر.
* الشيخ: مقام الضمير أو المضمر، وإقامة الظاهر مقام المضمر لا بد لها من فائدة؛ إما لفظية، وإما معنوية، وإما لفظية معنوية، فلننظر هنا: إقامة الظاهر هنا مقام المضمر له فائدة لفظية؛ وهي مراعاة فواصل الآيات؛ لأن الله تعالى يعبِّر بالكلمة والظاهر خلاف التعبير بها من أجل مراعاة الفواصل، ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ [طه ٧٠] في سورة طه، ومن المعلوم أن موسى أفضل من هارون، وهو يُقَدَّم عليه في كتاب الله لكن في هذه الآية ﴿رَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ قدَّمَ هارون على موسى مراعاة للفواصل؛ لأن سورة (طه) فواصلها كلها غالبها بالألف.
هنا نقول: فساء صباحهم، لو قال: (فساء صباحهم) لم تنسجم الفاصلة مع التي قبلها والتي بعدها فقال: ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾، وهذه فائدة لفظية أو معنوية لفظية؛ أما المعنوية فهي إقامة الحجة على هؤلاء الذين نزل العذاب بساحتهم؛ وهي أنهم قد أنذروا ولم يكن لهم عذرٌ واستحقوا العذاب بعدل الله عز وجل.
﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ طيب ما الإنذار؟ يقول العلماء: إن الإنذار هو الإعلام المقرون بالتخويف، والبشارة هي الإعلام المقرون بالتفريح بما يفرح ويسر، فالبشارة بالسارِّ، والإنذار بخلافه، إذن (المنذَرين) الذين أنذورا بإقامة الحجة عليهم؛ أي: أعلموا بما يخوفهم إذا خالفوا أمر الله.
قال: (﴿وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ [الصافات ١٧٨، ١٧٩] كرَّر تأكيدًا لتهديدهم وتسلية لرسول الله ﷺ) هذه الآية -كما تشاهدون- هي نفس الآية اللي قبلها الآية؛ اللي قبلها يقول: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾، وهنا قال: ﴿وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ لم تختلف عنها إلا بحرف العطف، الأولى ﴿فَتَوَلَّ﴾ والثانية ﴿وَتَوَلَّ﴾، أيضًا الأولى قال: (أبصِرْهم) وهنا قال: (أبصِرْ) فأطلَقَ، وإلا فهي هي، والفائدة من التكرار هو تكرار إنذارهم؛ وذلك بتهديدهم، وتسلية الرسول ﷺ؛ لأنه كلما كرر الكلام ازداد توكيدًا.
ثم قال: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات ١٨٠، ١٨١] ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ﴾ نريد إعرابها من الأخ.
* طالب: (سبحان) اسم مصدر لـ(سبح).
* الشيخ: هذا من حيث التصريف، الإعراب وهي منصوبة.
* طالب: مفعول مطلق.
* الشيخ: على أنها مفعول مطلق، عامله محذوف وجوبًا، إذن (سبحان) من حيث التصريف اسم مصدر (سبح)، من حيث الإعراب منصوبة على أنها مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبًا، ولهذا لا يجمع بين (سبحان) و(سبح) ما يقال: سبح سبحان.
طيب و﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ﴾؛ أي تنزيهًا له، وقد مرَّ علينا ماذا يُنَزَّه الله عنه. ما الذي ينزه الله عنه؟ نريد منك أن تكون طالب علم ومراقب مسجل.
* طالب: عما لا يريده.
* الشيخ: ويدور على.
* الطالب: على التمثيل و(...) النقص.
* الشيخ: على شيئين: التنزيه عن المماثلة، وعن النقص في صفات الكمال.
وقوله: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ﴾ أضاف الربوبية إلى الرسول ﷺ، فيكون المراد بها ربوبية خاصة؛ لأن الربوبية تنقسم إلى قسمين: عامة لجميع الخلق، وهذه ربوبية السلطة والتدبير، وخاصة، وهي ربوبية التربية والعناية، وقد اجتمع النوعان في قوله تعالى عن سحرة فرعون: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢١، ١٢٢]، فالأولى عامة (رب العالمين)، والثانية خاصة ﴿رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾، ولهذا صار من مقتضى هذه الربوبية أن الله تعالى قال لهما: ﴿لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه ٤٦].
قال: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ﴾ والخطاب للرسول ﷺ؛ أي تنزيهًا لربك الذي شملك برعايته وعنايته.
ثم قال: ﴿رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ أي: الغلبة، و(رب) هنا بمعنى صاحب، وليست بمعنى خالق، وهي في القرآن تأتي بمعنى خالق ومالك ومدبِّر إلا في هذا الموضع، فالمراد بها صاحب فقط، ولا يمكن أن تكون بمعنى خالق؛ لأن العزة صفة من صفات الله، وصفات الله غير مخلوقة، فيتعين أن يكون المراد بالرب في قوله: ﴿رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ صاحب العزة وليس خالق؛ لأن صفات الرب غير مخلوقة.
وقوله: ﴿رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ أضاف الرب هنا إلى العزة دون غيرها من صفاته؛ لأن المقام يقتضي ذلك؛ فإن المقام الآن في ذكر مآل النبي ﷺ ومآل المكذبين له، وأن مآله أن ينصره الله، وأن تكون الغلبة له، وأن يكون الذل والخذلان لأعدائه، إذن المقام هنا يقتضي الصفة التي تكون بها الغلبة، وهي العزة، قال الله عز وجل في سورة المنافقين: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾ [المنافقون ٨]، وهذا حقيقةً يخرج الأعز الأذل، ولكن من الأعز؟ ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾، وأما المنافقون فلا عزَّة لهم.
وعلى هذا فنقول: إن الله ذكر هنا صفة العزة دون غيرها؛ لأن المقام يقتضي ذلك حيث إنه في سياق الغلبة للرسول ﷺ والذل لأعدائه.
ومن أسماء الله تعالى العزيز، وما أكثر وروده في الكتاب العزيز، قال العلماء: والعزة ثلاثة معان: عزة الغلبة، وعزة القدر، وعزة الامتناع، ثلاثة أقسام قُلْها لنا.
* طالب: عزة الغلبة، وعزة القدر، وعزة الامتناع.
* الشيخ: ثلاثة، فعزة الغلبة معناها أن الله تعالى غالب لكل شيء، وعزة القدر أن الله تعالى فوق كل شيء قدرًا، وعزة الامتناع أن الله تعالى ممتنع أن يناله أحد بسوء، ومن الثالث قولهم: أرض عزاز؛ يعني صلبة قوية ما تؤثر فيها المعاول.
(﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ الغلبة، ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ بأن له ولدًا) قوله: ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ يجوز في (ما) أن تكون مصدرية، ويكون تقدير الكلام: سبحان ربك رب العزة عن وصفهم.
والعزة ثلاثة معان: عزة الغَلَبَة، وعزة القَدْر، وعزة الامتناع، ثلاثة أقسام؟ قلها لنا؟
* طالب: عزة الغلبة، وعزة القدر، وعزة الامتناع.
* الشيخ: ثلاثة، فعزة الغلبة معناها أن الله تعالى غالب لكل شيء.
وعزة القدر: أن الله تعالى فوق كل شيء قدرًا.
وعزة الامتناع: أن الله تعالى ممتنع أن يناله أحد بسوء.
ومن الثالث قولهم: أرض عزاز يعني أيش؟ صلبة قوية ما تؤثر فيها المعاول.
(﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ الغَلَبَة ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات ١٨٠] بأن له ولدًا).
قوله: ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ يجوز في (ما) أن تكون مصدرية، ويكون تقدير الكلام: سبحان ربك رب العزة عن وصفهم، ويجوز أن تكون موصولة ويكون العائد محذوفًا، والتقدير: عما يصفونه به.
وقول المؤلف: (بأن له ولدًا) هذا كالمثال لما يصفون الله به مما منزَّه عنه، وإلا فهم يقولون: إن الله له ولد، وله زوجة، وله شريك، وله معِين، وهكذا، فكل وصف لا يليق بالله فإن الله منزَّه عنه، وإن وصفه به هؤلاء الأفاكون الكذابون.
قال: ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات ١٨١] (سلام) مبتدأ، و(على المرسلين) خبره.
والسلام هنا بمعنى التسليم، فهو اسم مصدر سلم، مثل الكلام بمعنى التكليم، اسم مصدر كلم.
ومعنى السلام عليهم أن ما قالوه في ذات الله وصفات الله سالم من كل نقص، فيكون الله تعالى قد سبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، ثم سلم على الرسل لسلامة ما قالوه من النقص والعيب، فليس فيه كذب، وليس فيه سوء، ولهذا قال: ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات ١٨١] (المبلغين عن الله التوحيد والشرائع).
ولما ذكر التنزيه فيما وصف به نفسه، وفيما وصفته به رسله، ذكر بعد ذلك الحمد، الذي هو وصف المحمود بالكمال، فيكون في الآيات جمع بين التنزيه عن صفات النقص وبين إثبات صفات الكمال، وأتى بإثبات صفات الكمال بعد التنزيه؛ لأنه كما يقال: تكون التحلية بعد التخلية، يعني التزيين بعد إزالة الأذى.
يقول: ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات ١٨٢] الحمد قلت: إنه وصف المحمود بالكمال، وكمال الله سبحانه وتعالى يدور على أمرين: كمال ذاتي، وكمال فعلي.
أما الكمال الذاتي فهو سبحانه وتعالى كامل في ذاته المتصفة بكل صفة كمال.
كمال فعلي: أن الله تعالى كامل في أفعاله، فله الفضل على عباده بجلب ما ينفعهم ودفع ما يضرهم، ولهذا شرع للإنسان إذا انتهى من الأكل والشرب أن يحمد الله سبحانه وتعالى على ما رزقه من الطعام والشراب، وإن شئت فقل أو فتجاوز هذا إلى أنك تحمد الله الذي لا يحتاج إلى ما تحتاج إليه من الأكل والشرب.
قال: ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات ١٨٢] رب العالمين أي: خالقهم ومالكهم ومدبر أمورهم.
والعالم: كل من سوى الله فهو عالم، وسُموا عالمًا لأنهم علم على خالقهم عز وجل، ففي كل شيء من مخلوقات الله آية تدل على وحدانيته وكماله.
قال: ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات ١٨٢] قال المؤلف: (على نصرهم) أي: نصر الرسل (وهلاك الكافرين).
ولو أن المؤلف جعلها مطلقة: الحمد لله رب العالمين على كل شيء، حتى على ما يقدره أحيانًا من غلبة أعدائه على أوليائه، فإنه يحمد على ذلك؛ لِما يترتب عليه من المصالح العظيمة كما في غزوة أحد التي ذكر الله تعالى فيها من الحكم أشياء كثيرة: ذكر منها جزءًا كبيرًا في زاد المعاد لابن القيم رحمه الله، وبهذا انتهت هذه السورة.
* طالب: (...) ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ﴾ [البقرة ٢٢١] (...) وكذلك يجوز إذا تقدم الخبر عليه (...) فهذا من (…)؟
* الشيخ: هي لا تحصر في خمسة ليست محصورة في خمسة ولا في خمسين، ابن مالك رحمه الله ذكر قاعدة، قال:
؎ولا يَجُوزُ الِابْتِدَا بِالنَّكِرَةْ ∗∗∗ مَا لَمْ تُفِدْ .................
عرفت، فمتى حصلت الفائدة جاز الابتداء بها، وابن هشام في القطر يقول: ويجوز الابتداء بالنكرة إن عم أو خص. يعني كانت عامة أو خاصة معينة، لكن عبارة ابن مالك أحسن:
؎ولا يَجُوزُ الِابْتِدَا بِالنَّكِرَةْ ∗∗∗ مَا لَمْ تُفِدْ كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَةْ
* الطالب: إذا تفيد بس يكفي.
* الشيخ: يكفي ما لها حصر (...).
* * *
* طالب: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (٣) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص ١ - ٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ﴾ [الصافات ١٧٤] ما هو هذا الحين الذي جعل أمد التولي إليه؟
* طالب: إلى أجلهم.
* الشيخ: إلى أجلهم؟
* طالب: إلى أن يؤمر بالجهاد.
* الشيخ: إلى أن يؤمر بالجهاد، وعلى هذا التقدير تكون الآية؟
* الطالب: ناسخة، يعني هذه الآية منسوخة.
* الشيخ: منسوخة بآيات.
* الطالب: الأمر بالجهاد.
* الشيخ: الأمر بالجهاد، هل يحتمل ما قاله الأخ ﴿تَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ﴾ أي حتى موتهم؟
* طالب: ما تحتمل الآية، ما تحتمل حتى موتهم، لا ما تحتمل.
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: ما الفائدة أنه يتولى حتى موتهم، لن تضل حتى الموت.
* طالب آخر: أقول: نعم، تحتمل؛ لأنه ليست تولي القتال، بل تولي الإعراض عنهم، وعدم موالاتهم إلى أن يموتوا ما داموا على كفرهم.
* الشيخ: ما يعارض قوله: ﴿أَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ [الصافات ١٧٥]؟
* الطالب: نعم ما يعارض هذا.
* الشيخ: ليش؟
* الطالب: لأنه لن يتولاهم، بل بعضهم سيموت وهو لن يتولاهم.
* الشيخ: لا، هو من تولى، تولى يعني (...).
* الطالب: إي نعم، يعني لا يركن إليهم.
* الشيخ: إذن يحتمل هذا حتى حين يعني حتى يموتوا، وأنت ستبصر أنهم ماتوا سواء بقتال أو بغير قتال، وعلى هذا تكون الآية غير منسوخة.
قوله: ﴿فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ [الصافات ١٧٥] ما الغرض من هذه الجملة؟
* طالب: ﴿فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ التهديد.
* الشيخ: الغرض منها التهديد.
قوله: ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ [الصافات ١٧٦] هذه رد على أي شيء؟
* طالب: استعجالهم.
* الشيخ: على استعجالهم بالعذاب، ما الذي قالوه في استعجالهم العذاب؟
* الطالب: قالوا: إن..
* الشيخ: ما الذي قالوا في استعجال العذاب؟ يعني ما هي العبارة التي تدل على أنهم استعجلوا العذاب؟
* طالب: قولهم: ﴿ائْتِنَا بِعَذَابٍ﴾ [الأنفال ٣٢].
* طالب آخر: قالوا: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [يونس ٤٨].
* الشيخ: قالوا: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾، ﴿مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [السجدة ٢٨]، ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأنفال ٣٢] ونحو ذلك.
قوله: ﴿إِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ﴾ [الصافات ١٧٧] ما معنى إذا نزل بساحتهم؟
* طالب: يعني إذا نزل بالعباد عذاب على ساحتهم، أي: ببيوتهم (...).
* الشيخ: يعني كأنه يقول: فإذا حل بهم العذاب.
قوله: ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ [الصافات ١٧٧] هذه (ساء) فعل من أفعال؟
* طالب: الذم، الناسخ.
* الشيخ: الذم، ويش تقتضي؟
* الطالب: تقتضي تمييزًا وفاعلًا.
* الشيخ: وتقتضي تمييزًا وفاعلًا، أين الفاعل؟
* الطالب: ساء صباح المنذرين، الفاعل حذف وجملة صباح المنذرين هذه تمييز.
* الشيخ: صباح المنذرين هذا هو التمييز.
* طالب: الفاعل صباح.
* الشيخ: الفاعل صباح، وأين التمييز؟
* الطالب: التمييز محذوف.
* الشيخ: ويش التقدير؟
* الطالب: فساء صباح المنذرين صباحًا.
* الشيخ: فساء صباحًا صباح المنذرين.
في قوله: ﴿صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ [الصافات ١٧٧] الأخ فيه نكتة بلاغية ما هي؟
* طالب: تغير من الضمير المضمر الى الضمير الظاهر.
* الشيخ: إلى الضمير الظاهر، ما هي ضمير ظاهر، الظاهر قسيم المضمر؛ أنت فاهم المعنى لكن لم تحسن التعبير، أنا أريد أن يكون التعبير حسنًا.
* طالب: إقامة الظاهر مقام المضمر.
* الشيخ: فيه إقامة الظاهر مقام المضمر، الظاهر ما يمكن يضمر الظاهر (...) عرفت ما هي الفائدة البلاغية في إقامة الظاهر مقام المضمر؟
* طالب: فائدتان: الفائدة الأولى: التنبيه؛ لا، أولًا: بيان عاقبة يعني أنهم أنذروا وبلغوا الحجة.
* الشيخ: يعني إقامة الحجة عليهم بأن الإنذار بلغهم.
* الطالب: ثانيًا: حتى يعني تكون الفواصل متوازية.
* الشيخ: مراعاة الفواصل.
* طالب: أقول: فيه فائدة لفظية وفائدة معنوية، الفائدة اللفظية: هي فواصل الآيات، مراعاة الفواصل
* الشيخ: مراعاة الفواصل، والمعنوية؟
* الطالب: له ثلاث فوائد: أولًا: التعميم، الثانية: انطباق الوصف عليهم، الثالثة: التشديد على هؤلاء.
* الشيخ: إقامة الحجة عليهم بأنهم أنذروا ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ [الصافات ١٧٧].
قوله: ﴿وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ [الصافات ١٧٨، ١٧٩] موقعها مما قبلها من حيث المعنى؟
* طالب: (...).
* الشيخ: معطوفة على قبلها التوكيد من حيث المعنى، ولهذا قلنا: من حيث المعنى.
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات ١٨٠] الأخ، أيش معناها؟
* طالب: التنزيه.
* الشيخ: التنزيه أيش لون؟ منين أخذت التنزيه.
* الطالب: من سبحان.
* الشيخ: من سبحان، وما الذي يُنزَّه الله عنه؟
* طالب: المماثلة والنقص.
* الشيخ: المماثلة والنقص، مماثلة المخلوقات والنقص في كماله.
قوله: ﴿رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ [الصافات ١٨٠] ما معنى رب هنا؟
* طالب: صاحب.
* الشيخ: بمعنى صاحب، ولا يصح أن تكون بمعنى خالق؟
* الطالب: يصح.
* الشيخ: يصح أن يكون بمعنى خالق؟
* الطالب: لا يصح أن تكون بمعنى خالق.
* الشيخ: ليش؟
* الطالب: لأن صفات الله ليست بمخلوقة.
* الشيخ: لأن صفات الله ليست مخلوقة، أنت إذا قلت: رب الخلق بمعنى الخالق الله، لكن رب العزة هي عزة الله، لا يصح أن تكون بمعنى خالق؛ لأن هذا يستلزم أن تكون صفة الله مخلوقة، فهمت؟
قوله: ﴿سَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات ١٨١] الجملة خبرية أو إنشائية؟
* طالب: خبرية.
* الشيخ: خبرية، يعني أن الله يخبر بأن المرسلين عليهم؟
* الطالب: السلام.
* الشيخ: السلام، لماذا سلم عليهم؟
* طالب: لسلامة ما قالوه.
* الشيخ: لسلامة ما قالوه من النقص والعيب، خلافًا لما وصفه به هؤلاء.
ما هي الفائدة من قوله بعد: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ﴾ [الصافات ١٨٠] من قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات ١٨٢]؟
* طالب: على كمال يعني نعمة الله بنصره لـ..
* الشيخ: (...) ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ﴾ وبين ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الفائدة من ذلك؟
* الطالب: الفائدة منه يعني مع تنزيه الله سبحانه وتعالى عن مثلًا النقص وهو له الحمد.
* الشيخ: ما هو بظاهر.
* طالب: لما ذكر الله تعالى ما ذكره الكافرون بوصف الله سبحانه وتعالى بالنقص، ذكر الله صفات الكمال التي اتصف بها سبحانه، ثم قال بعد ذلك: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾.
* الشيخ: لا.
* طالب: الله عز وجل يثبت لنفسه الكمال بعد أن نزه نفسه عن النقص، يعني التحلية بعد التخلية.
* الشيخ: تمام هو أن يثبت لنفسه صفات الكمال بعد أن نزه نفسه عن صفات النقص؛ ليجمع فيما وصف به نفسه بين النفي والإثبات.
نأخذ الفوائد الآن:
قال الله عز وجل: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ﴾ [الصافات ١٧٤].
هذا مبتدأ الدرس، الفوائد اللي قبله مأخوذ؟
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾ [الصافات ١٧١، ١٧٢].
* من فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل كتب لعباده المرسلين النصر؛ لقوله: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا﴾ [الصافات ١٧١] وكلمة الله عز وجل الكونية لا تتبدل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تسلية الرسول ﷺ، وتثبيته على ما كان عليه من الرسالة.
* ومن فوائدها: تهديد أعداء الرسل، وأنهم مخذولون؛ لأنه إذا كتب النصر للرسل فسيكون من الخذلان لأعدائهم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن نصر الرسل يكون بالله، وبما يسره عز وجل من مخلوقاته وآياته، ولهذا قال: ﴿لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ﴾ [الصافات ١٧٢]، ولم يبين من الناصر ليكون هذا أشمل، قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال ٦٢].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الغلبة لجنود الله الذين قاموا بنصر شريعته والذب عنها؛ لقوله: ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصافات ١٧٣].
* ومن فوائدها: تثبيت من دعا إلى الله عز وجل من أتباع الرسل بأن لهم الغلبة كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون ٨].
فإن قال قائل: كيف تجمع بين هذه الآية وبين ما حصل لبعض الرسل وبعض أتباعهم مما ينافي ظاهر الآية؟ فقد سبق لنا الجواب عليه من عدة أوجه، فلتكن معلومة لديكم.
ثم قال تعالى: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ﴾ إلى آخره [الصافات: ١٧٤، ١٧٥].
* في هذه الآية الكريمة: تهديد هؤلاء المكذبين للرسول عليه الصلاة والسلام، وأن طغيانهم لن يدوم؛ لقوله: ﴿حَتَّى حِينٍ﴾ [الصافات ١٧٤] فسينتهي هذا الطغيان، إما على يد الرسول عليه الصلاة والسلام حين يؤمر بالقتال، وإما بالموت بتقدير الله عز وجل، فهم لا بد أن ينتهي أمرهم ولا يمكن أن يستمر طغيانهم.
* ومن فوائدها: تسلية الرسول ﷺ حيث أخبر بأن أعداءه سينتهي أمرهم بعد حين.
* ومنها: تهديد هؤلاء الأعداء الذين بلغوا في الطغيان والعدوان على رسول الله ﷺ ما بلغوا.
* ومن فوائد هذه الآيات: تحقيق هذا الأمر، أي هلاكهم وزوالهم؛ لقوله: ﴿وَأَبْصِرْهُمْ﴾ [الصافات ١٧٥]، يعني إذا نزل بهم العذاب فسوف تبصر وتشاهد بعينك.
* ومن فوائدها أيضًا: إعادة التهديد مرة ثانية بأسلوب آخر في قوله: ﴿فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ [الصافات ١٧٥].
* ومن فوائدها: تأكيد المعنى بالعبارات المختلفة ليكون ذلك أبلغ وليترقب هؤلاء المهددون العذاب من كل وجه؛ لقوله: ﴿فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ [الصافات ١٧٥].
* ومن فوائد الآيات الكريمة: بيان سفه هؤلاء المكذبين وطغيانهم، حيث كانوا يستعجلون العذاب، وجه هذا: أنهم لو كانوا عقلاء لكانوا يخشون العذاب ولا يستعجلونه، وأنهم لو كان عندهم نوع من الاعتدال ما صاروا يتحدون الرسل، فيقولون: هاتوا العذاب إن كنتم صادقين، فهم عندهم سفه وعندهم مبالغة في الطغيان والعدوان، والآية التي أشرنا إليها آنفًا، وهي قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال ٣٢]، هذا يدل على سفه قريش وأنهم من أبلغ ما يكون في السفه؛ لأنهم لو كانوا حلماء راشدين لقالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك أيش؟ فاهدنا إليه، هذا هو الصواب، أما فأمطر علينا حجارة من السماء فهذا من أسفه ما يقوله البشر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى يتحدث عن نفسه في مقام الوعيد بصيغة العظمة إرهابًا وإزعاجًا لهؤلاء المتوعَّدين؛ لقوله: ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ [الصافات ١٧٦] ولم يقل: أفبعذابي، ولهذا لما جاء ذكر العذاب على سبيل الخبر قال: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي﴾ [الحجر ٤٩، ٥٠] ولم يقل: عذابنا ﴿وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ [الحجر ٥٠].
* ومن فوائد الآيات الكريمة: أنه إذا نزل العذاب بقوم فلن يفلتهم؛ لقوله: ﴿فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ [الصافات ١٧٧].
* ومنها، من فوائدها: أنهم لو آمنوا في هذا الوقت فلن ينفعهم؛ لأنه لو نفعهم الإيمان لم تصدق عليهم هذه الجملة صدقًا كاملًا، وهي قوله: ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ [الصافات ١٧٧]؛ لأنه لو نفعهم الإيمان لزال عنهم هذا السوء، ولكن الإيمان لن ينفعهم، وهذه سنة الله عز وجل في عباده إذا نزل بهم العذاب فآمنوا ألا ينفعهم الإيمان، قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ [غافر ٨٤، ٨٥]، وقال فرعون لما أدركه الغرق: ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس ٩٠] فقيل له: ﴿آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس ٩١] يعني فلن ينفعك، وقال الله تعالى في سورة النساء: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء ١٨]، وكل هذا يوجب للإنسان العاقل أن يبادر بالتوبة، وألا يتأخر، وألا يهمل؛ لأنه لا يدري متى يفجؤه الموت، وإذا نزل به الموت فلن تنفعه التوبة، لا بد أن تكون التوبة في وقت تُقبل فيه.
يُستثنَى من هذا قرية واحدة آمنت بعد نزول العذاب فيها ونفعها إيمانها، وهم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: قرية آمنت بعد نزول العذاب فيها فنفعها إيمانها، ما حضرت أمس؟
* الطالب: لا.
* الشيخ: طيب.
* طالب: قوم يونس.
* الشيخ: قوم يونس، الدليل على أنه نفعها إيمانها بعد نزول العذاب بها؟
* الطالب: الآيات في سورة..
* الشيخ: (...) يصح أن يقول القائل: الدليل آية في القرآن؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: اترك هذه.
* الطالب: (...).
* طالب آخر: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس ٩٨].
* الشيخ: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ﴾ [يونس ٩٨] إذن العذاب نزل بهم، لكن لما آمنوا كشف الله عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا.
ما هي الحكمة من أن هؤلاء نفعهم إيمانهم بعد نزول العذاب بهم؟
* طالب: لأن نبيهم يونس عليه السلام خرج مغاضبًا قبل أن يؤمر بالخروج.
* الشيخ: قبل أن يؤمر بالخروج، فكان هذا عذرًا لهم، صحيح.
* ومن فوائد هذه الآيات: أن الله سبحانه وتعالى لن يهلك قومًا حتى يقيم عليهم الحجة بالإنذار، الدليل من الآية؟
* طالب: ﴿سَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ [الصافات ١٧٧].
* الشيخ: ﴿سَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾، وهذا يدل على أنهم لن يحل بهم العذاب إلا بعد الإنذار، وهذا موجود في القرآن، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء ١٥]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [التوبة ١١٥].
والصحيح أن هذا عام في التوحيد وما دونه، فهو شامل لفروع الإسلام؛ كالصلاة والزكاة والطهارة، وما إلى ذلك، فإن الإنسان لا يلزمه شيء منها إلا بعد قيام الحجة وبلوغ الرسالة، ولهذا كان القول الراجح أن من عاش في بادية بعيدًا عن الناس، ولم يصم، ولم يصل، ولم يزك، وهو جاهل، فإنه لا قضاء عليه ولو بقي سنوات.
والدليل على هذا: نصوص كثيرة من السنة تدل على أن من كان جاهلًا نشأ في بادية بعيدة لا يدري عن الشرع، فإنه لا قضاء عليه، فمثلًا الرجل الذي كان لا يطمئن في صلاته بقي على هذا مدة الله أعلم بها، لكنه بقي مدة لا يحسن إلا هذا إلا صلاة لا يطمئن فيها، ولم يأمره النبي ﷺ بإعادة ما مضى من صلاته، وإنما أمره بإعادة صلاة الوقت الحاضر؛ لأن مطالبته بها في هذا الوقت قائمة، فلهذا أمره أن يعيد حتى تكون صلاته صحيحة، أما ما قبل فلم يأمره بالإعادة[[متفق عليه؛ البخاري (٧٥٧)، ومسلم (٣٩٧ / ٤٥) من حديث أبي هريرة.]] ، ولم يقل للمرأة التي قالت: إنها تحيض حيضة كبيرة شديدة تمنعها الصلاة؛ لم يأمرها أن تعيد الصلاة، مع أنها مستحاضة والمستحاضة تصلي[[متفق عليه؛ البخاري (٢٢٨)، ومسلم (٣٣٣ / ٦٢) من حديث عائشة.]] والأمثلة على هذا كثيرة.
ولا فرق كما قلت بين التوحيد وما دونه، فلو فرضنا أن رجلًا مسلمًا كان ناشئًا في بلد بعيد، ولا يدري يعبد هذا القبر وهو لا يدري أنه كفر فإنه لا يحكم بكفره لأنه مسلم ارتكب هذا خطأ ولم يتعمده قلبه فليس عليه شيء، كما أن من ارتكب محظورًا شركًا فما دونه متأولًا ولم يجد من يفتح عليه فإنه لا يكون كافرًا؛ لأنه لا بد من القصد، فهذا الرجل الذي ضاعت ناقته في فلاة من الأرض وطلبها ولم يجدها، وأيس منها، واضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت، فبينما هو كذلك إذا بخطام ناقته متعلقًا بالشجرة، فأخذ بخطامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك[[متفق عليه؛ البخاري (٦٣٠٩)، ومسلم (٢٧٤٧ / ٧) واللفظ له من حديث أنس بن مالك.]] فجعل نفسه ربًّا وجعل رب العالمين عبدًا، هذه كلمة كفر لا شك في هذا، لو قال قائل: أنا أكبر من الله، أنا ربه، وهو عبدي لكان كافرًا بلا شك، لكن هذا الرجل أخطأ لم يقصد الكلام، أخطأ من شدة الفرح، فلم يكن كافرًا لعدم قصده الكفر، وكذلك الرجل الذي كان مسرفًا على نفسه في المعاصي قال لأهله: إذا مت فأحرقوني وذروني في اليم ظنًّا منه أنه إذا فعل ذلك نجا من عذاب الله، ولكن الله بقدرته قال له: كن، فكان، فاجتمع فسأله ربه عز وجل: لم صنعت هذا؟ قال: خوفًا من عذابك يا رب، قال له كلامًا معناه: خوفك من عذابي أنجاك من عذابي[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤٨١)، ومسلم (٢٧٥٦ / ٢٤) من حديث أبي هريرة.]] فأنجاه الله من العذاب، مع أن هذا الرجل كان شاكًّا في قدرة الله، لكن ليس عن قصد متأول، فلم يكن كافرًا.
ومثل هذه المسائل لا يجوز للإنسان أن يتسرع فيها، أعني مسألة التكفير أو التفسيق أيضًا؛ لأن بعض الإخوة يسارع في التكفير ويلاحظ المقالة دون القائل، ويلاحظ الفعل دون الفاعل، إذا كان هذا القول كفرًا قال: من قال به فهو كافر مطلق، وإذا كان هذا الفعل كفرًا قال: من فعله فهو كافر مطلقًا، ولم ينظر إلى الموانع؛ لأن هذا القول مثلًا إذا كان مكفرًا كان سببًا للكفر لا شك هذا الفعل إذا كان مكفرا كان سببًا للكفر، لكن هل الأسباب يعتريها الموانع أو لا؟
نعم، ما من سبب إلا وله مانع، قد يكون هناك مانع في هذا الشخص المعين يمنع من الحكم بكفره، فمنه: الجهل والإكراه والنسيان والغلبة على النفس حتى لا يتمكن، ولهذا لو أن أحدًا سها وقال كلمة الكفر هل نقول: إنه يكفر؟ لا، والنسيان والجهل صنوان في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسوله ﷺ.
إذن يجب على طالب العلم أن يفرق بين القول والقائل، وبين الفعل والفاعل، فقد يكون القول كفرًا، لكن القائل ليس بكافر، وقد يكون الفعل كفرًا لكن الفاعل ليس بكافر، أرأيتم لو أكره رجل على أن يسجد لصنم وقيل: إما أن تسجد أو السيف؟ فسجد يفعل الإكراه لا تقربًا للصنم أيكفر؟ لا يكفر؛ لأن الله يقول: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ﴾ [النحل ١٠٦] شوف الكلام: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾ يعني اختاره منشرحًا به صدره، فهذا هو الذي يُعطى حكمه، وأما من ليس كذلك فلا، لهذا يجب علينا أيها الإخوة ألا نسارع في التكفير والتفسيق، بعض الناس بغيرته يسارع في الحكم: هذا كافر، يا ابن الحلال، اتق الله، أنت إذا كفَّرت شخصًا ليس بكافر عاد الكفر عليك؛ كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن رسول الله ﷺ[[متفق عليه؛ البخاري (٦١٠٤)، ومسلم (٦٠ / ١١١) من حديث ابن عمر.]] ، أتريد أن تكون كافرًا؟ لا تكفر إلا من قامت الحجة على كفره، يعني من قامت الحجة على كفره نحتاج فيها إلى أمرين:
ثبوت أن هذا الشيء كفر، وتحقق شروط الكفر في هذا الفاعل أو هذا القائل، يعني لا تقوم الحجة على كفر شخص إلا بأمرين:
ثبوت أن هذا الشيء مكفر.
والثاني: تحقق الكفر في حق هذا؛ لأنه قد يكون الشيء مكفرًا لكن لا يتحقق الكفر في هذا الفاعل، أو هذا القائل.
وهذه المسألة أنا أكررها لأهميتها؛ لأنه يبلغني أن قومًا من الناس بمجرد ما يقال: إن فلانًا فعل كذا يقول: أعوذ بالله، هذا كافر، نبرأ إلى الله منه؛ نبرأ إلى الله منه؟! هذا غلط.
ما تقولون في قتل النفس؟ من كبائر الذنوب، ولما قتل أسامة بن زيد الرجل الذي قال: لا إله إلا الله متأولًا هل قتله الرسول؟ ما قتله ولا ضمنه بدية، غاية ما هنالك قال له:« «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟» فقال أسامة: قالها يا رسول الله تعوذًا»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٢٦٩)، ومسلم (٩٦ / ١٥٨) من حديث أسامة بن زيد.]] القصة معروفة أظن.
القصة رجل من الكفار هرب فلحقه أسامة بن زيد، فلما أدركه قال الرجل: لا إله إلا الله، فقتله أسامة، ظنه أنه قالها تعوذًا، يعني خوفًا من القتل، والقرينة مع أسامة؛ لأن رجلًا كافرًا أدركه مسلم بسيفه فقال: لا إله إلا الله، قرينة كونه متعوذًا بها قوية جدًّا، لكن الرسول ﷺ لا يريد منا أن نحكم بما نظن، يريد أن نحكم بالظاهر: «إِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٩٦٧)، ومسلم (١٧١٣ / ٤) من حديث أم سلمة.]] ، قال: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟» قال: يا رسول الله، إنما قالها تعوذًا، قال: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟» قال: إنما قالها تعوذًا، قال: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟» شوف تكرار يقول: فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت بعدُ»، الله أكبرُ.
الحاصل أنه يجب علينا أن نرفق بأنفسنا وبالناس، لا نكفر أحدًا حتى يتبين لنا أن هذا الشيء كفر، وأن هذا الذي قاله أو فعله ينطبق عليه شروط التكفير؛ حتى لا نبوء نحن بالكفر أو الفسق.
والحمد لله الحكم إلى الله ولَّا إلينا؟ إلى الله، إذا كان الله لم يكفر هذا الشخص ليش نكفره؟ إذا كفرنا ما لم يكفره الله فكأنما حرمنا ما أباحه الله، أو أبحنا ما حرمه الله، فعلينا أن نتقي الله. والأصل في المسلم أيش؟ الإسلام، ما دام يدين بالإسلام، لكن يفعل خصلة من الكفر أو يقول قولًا من الكفر وهو جاهل لم ينشأ في بلد استتب فيه الإسلام، كيف نقول: إن هذا كافر؟ رجل بدوي ناشئ في أرض بعيدة عن العلوم الشرعية، لكنه مسكين، كل صباح ينصب حجرًا ويسجد له، وهو لا يدري، نقول: هذا كافر وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله!
ولهذا قال العلماء، نصوا على هذا في كتبهم: لو أن رجلًا جحد وجوب الصلاة لكان كافرًا، لكن قالوا: لو جحد وجوب الصلاة وهو ناشئ في بلد بعيد عن العلم الشرعي، أو كان حديث عهد بالإسلام لم يكن كافرًا؛ لأنه جاهل.
إذن قوله: ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾ [الصافات ١٧٧] تدل على أنه لا يمكن أن يُعذَّب أحد إلا بعد الإنذار.
وهل يكفي بلوغ الحجة أو لا بد من فهم الحجة؟
* طلبة: فيه خلاف.
* الشيخ: الثاني، لا بد من فهمها، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء ١٩٨، ١٩٩] ليش؟ لأنهم لا يفهمونه، وإذا لم يؤمنوا به لعدم فهمهم فهم معذورون، وقال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ [إبراهيم ٤] بلغتهم من أجل أن يبين لهم، فلا بد من فهم الحجة، أنت لو قلت لإنسان أعجمي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهو لا يدري أيش معناها، هل تقوم عليه الحجة؟ ما تقوم، لو قلت له: يا فلان، أطلقت امرأتك؟ قال: نعم، ثلاثًا، قال: نعم، وأربعًا وخمسًا فهم من (أطلقت امرأتك) يعني جعلتها طليقة تروح وتيجي، أعجمي ما يدري، قلنا: خلاص بانت منك، لا تحل لك إلا بعد زوج! كم يصيح، يا جماعة كيف هذا الكلام؟ قلنا: نحن سألناك أنك أطلقت زوجتك؟ قلت: نعم، قلنا: ثلاثًا؟ قلت: ثلاثًا وأربعًا، خلاص بانت منك الزوجة، تبين منه ولَّا لا؟ لا تبين، ليش؟ لأنه لا يعرف المعنى.
لكن لو قال: بهشتم يعني طلقتها ثلاثًا.
* طالب: أيش معناها؟
* الشيخ: هكذا قال الفقهاء، أنه إذا قال: بهشتم يعني طلقتها ثلاثًا، أنا لو أقولك: واحد عربي يقول لزوجته: بهشتم بهشتم بهشتم، ما تطلق ولو مرة واحدة؛ لأنه لا يعرف.
المهم أن هذه مسائل مهمة ينبغي للإنسان أن يعتني بها، وألا يوقع نفسه في هلكة، أو يوقع غيره في هلكة، ويوالي ويعادي على غير وجه شرعي، فالبشر حكمهم إلى الله عز وجل، من حكم الله بكفره كفرناه، ومن حكم بفسقه فسقناه، ومن لم يحكم بكفره لم نكفره، ومن لم يحكم بفسقه لم نفسقه. والله أعلم.
* طالب: بعض (...) إذا ماتوا؟
* الشيخ: إذا ماتوا فإن كانوا يدينون بالإسلام ولم يعرفوا أن هذا كفر، فهم لا يعاقبون عليه، وأما إذا بلغوا وقالوا: إنا وجدنا آباءنا على أمة فهؤلاء لا يقبل منهم.
* طالب: هو لا بد من فهم؟
* الشيخ: لا بد من فهم، أعجمي وأنت تخاطبه بالعربية وهو لا يعرف.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، يعني فهم الحجة، يعني أن يفهم المعنى، وليس بلازم أن يفهم الأدلة.
{"ayahs_start":171,"ayahs":["وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِینَ","إِنَّهُمۡ لَهُمُ ٱلۡمَنصُورُونَ","وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ","فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ حِینࣲ","وَأَبۡصِرۡهُمۡ فَسَوۡفَ یُبۡصِرُونَ","أَفَبِعَذَابِنَا یَسۡتَعۡجِلُونَ","فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمۡ فَسَاۤءَ صَبَاحُ ٱلۡمُنذَرِینَ","وَتَوَلَّ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ حِینࣲ","وَأَبۡصِرۡ فَسَوۡفَ یُبۡصِرُونَ","سُبۡحَـٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا یَصِفُونَ","وَسَلَـٰمٌ عَلَى ٱلۡمُرۡسَلِینَ","وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"],"ayah":"فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ حِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق