الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (١٥٠) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات ١٤٩ - ١٦٠].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ الأمر في قوله: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ يعود إلى رسول الله ﷺ، والهاء في قوله: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ يعود إلى المشركين الذين جعلوا لله البنات ولهم البنون.
وقوله: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ أي: اطلب منهم أن يفتوك، والفتوى في الأصل بيان الحكم الشرعي. وتوجيه الاستفتاء إليهم من باب التهكم بهم، كأنهم نصبوا أنفسهم حكمًا يحكمون بما يشاؤون، وهذا كقوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان ٤٩] على أحد القولين في تفسيرها، وإلا فإن هؤلاء ليسوا أهلًا للاستفتاء، فضلًا عن أن يستفتوا في هذا الأمر العظيم، لكن هذا من باب التهكم.
ثم بين المستفتى عنه فقال: ﴿أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾، والاستفهام هنا للتوبيخ، يعني يوبخهم على هذا الحكم المعلوم من قبل؛ لأنهم جعلوا لله البنات وجعلوا لهم البنين.
ولهذا يقول: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ (استخبر كفار مكة توبيخًا لهم) هذا يعود على الاستفهام، وأما التهكم فتوجيه الاستفتاء إليهم، قال: ﴿أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ﴾ (بزعمهم أن الملائكة بنات الله ﴿وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ فيختصون بالأسنى) أي بالأشرف، يعني هل هذا حكم صحيح عادل أو حكم باطل جائر، والجواب معلوم لكل أحد أن هذا حكم باطل جائر، ولهذا قال الله تعالى في سورة النجم: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ [النجم ٢١، ٢٢] أي جائرة، وقوله: ﴿وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ ليست الجملة حالية، بل هي معطوفة على الجملة التي قبلها، فهي داخلة في ضمن الاستفهام، يعني كيف يكون لله البنات ولهم البنون، فإن هذا حكم جائر، ولهذا قال: ﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ﴾ (أم) هنا منقطعة، و(أم) المنقطعة هي التي تكون للإضراب، ولهذا تقدر بـ(بل) والهمزة، فمثلًا ﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ﴾ تقدير الكلام: بل أخلقنا الملائكة إناثًا، و(أم) تكون متصلة، وتكون منقطعة، فإذا حل محلها (بل) وهمزة الاستفهام فهي منقطعة، وإذا كانت بمعنى (أو) فهي متصلة، تقول: أعندك زيد أم عمرو؟ يعني أو عمرو.
﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [المنافقون ٦] يعني: أو لم تستغفر لهم متصلة، والمتصلة تأتي بعد همزة التسوية غالبًا: ﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا﴾، قوله: ﴿خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا﴾ أي: جعلناهم إناثًا، وعلى هذا فتكون إناثًا مفعولًا ثانيًا لـ(خلقنا)، ويجوز أن نجعل الخلق على أصله، يعني: أم صيرنا الملائكة إناثًا، ويجوز أن نجعل (خلقنا) على بابها، وتكون (إناثًا) منصوبة على الحال، يعني: أم خلقنا الملائكة حال كونها إناثًا، والجواب: نعم ولَّا لا؟ لا، ما خلق الله الملائكة إناثًا، بل ولا ذكورًا، ولهذا لا نصف الملائكة بالأنوثة، ولا بالذكورة؛ لأن الملائكة لا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون، لكن هم قالوا: إن الملائكة بنات الله، فجعلوا الملائكة إناثًا.
﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ﴾ (خلقنا فيقولون ذلك)، الجملة في قوله: ﴿وَهُمْ شَاهِدُونَ﴾ في موضع نصب على الحال، يعني هل خلقنا الملائكة إناثًا حال كون هؤلاء شاهدين على خلقنا إياهم إناثًا، والجواب: لا، فما خلق الله الملائكة إناثًا ولا شهدوا خلقهم، وهذا كقوله في الآية الثانية: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف ١٩]، والحاصل أن الله سبحانه وتعالى بين لهؤلاء حالين:
الحالة الأولى: الحكم الجائر الذي حكموا به بينهم، وبين الله حيث جعلوا لله الملائكة وجعلوا لأنفسهم البنين، وهذا جور كما تدل عليه آية النجم.
الحال الثانية: جعلهم الملائكة إناثًا، سواء جعلوا لأنفسهم البنين أم لم يجعلوا، هذا أيضًا كذب وافتراء؛ لأنهم لم يشهدوا خلقهم حتى يحكموا عليهم بأنهم إناث، ولهذا قال: ﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ﴾. ومن الملائكة؟
الملائكة عالم غيبي غائبون عنا ما نشاهدهم، إلا أن يرينا الله إياهم على سبيل الكرامة، أو على سبيل الآية، وإلا فهم عالم غيبي؛ لأنه ما من إنسان إلا ولديه ملكان عن اليمين وعن الشمال قعيد، وملائكة يحفظونه من بين يديه، يحفظونه من أمر الله ومن خلفه، ونحن لا نشاهدهم، وملائكة يحضرون مجالس الذكر ولا نشاهدهم؛ لأنهم عالم غيبي، الملائكة خلقوا من نور[[أخرجه مسلم (١٨٢٧ / ١٨) من حديث عبد الله بن عمرو.]] كما ثبت ذلك عن رسول الله ﷺ، وخلقوا صمدًا، يعني لا يأكلون ولا يشربون؛ لأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون.
الملائكة منهم من علمنا بأعيانهم، ومنهم من لم نعلم، فممن علمنا بأعيانهم جبريل وميكائيل وإسرافيل الذين كانوا يسميهم النبي ﷺ في افتتاح صلاة الليل فيقول: «اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»[[أخرجه مسلم (٧٧٠ / ٢٠٠) من حديث عائشة.]].
* * *
* طالب: (...) ﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات ١٨٢].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات ١٧١] (...).ميكائيل بما فيه حياة الأرض، وهو المطر والنبات، وإسرافيل بما فيه حياة الأجساد عند نفخ الصور، فإنه قد التقم الصور ينتظر متى يُؤمَر، المهم أنه يجب علينا أن نؤمن بالملائكة إجمالًا فيما لم نعلم اسمه، وتعيينًا فيما علمنا اسمه، ونؤمن أيضًا بما نعلم من أوصافهم؛ كجبريل مثلًا له ست مئة جناح قد سد الأفق[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٣٢)، ومسلم (١٧٤ / ٢٨٠) من حديث ابن مسعود.]]، وبما نعلم من أحوالهم وعباداتهم؛ لأن هذا من أصول الإيمان التي بينها الرسول ﷺ لجبريل حين سأله عن الإيمان، فقال: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠)، ومسلم (٩ / ٥) من حديث أبي هريرة.]]، وعلينا أيضا أن نحب هؤلاء الملائكة وأن نجلهم ونعظمهم؛ لأنهم عباد لله ﴿عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء ٢٦] منقادون لأمر الله فنحبهم لله عز وجل.
وعلينا أيضًا أن نكرمهم، فنبغض من عاداهم كاليهود مثلًا الذين عادوا جبريل، ونبغض أيضًا كل من سبهم أو تعرض لأذاهم؛ لأنهم من أشرف عباد الله. وقد اختلف العلماء هل هم أفضل أو صالح البشر أفضل، والخلاف في هذا معروف مشهور، وأكثره خلاف جدلي؛ لأن المقام والمرتبة عند الله عز وجل تدل على أن البشر أفضل، فإن البشر يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ [الرعد ٢٣، ٢٤]. ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: البشر أفضل باعتبار النهاية، والملائكة أفضل باعتبار البداية؛ لأن البشر خُلقوا من طين، والملائكة خلقوا من نور، والنور أشرف من الطين.
ثم قال: ﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ﴾ قال الله تعالى مبينًا حكمهم الباطل الذي قد علم مسبقًا قبل أن يستفتوا، قال: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ﴾ [الصافات ١٥١].
باعتبار النهاية، والملائكة أفضل باعتبار البداية؛ لأن البشر خُلقوا من طين، والملائكة خُلقوا من نور، والنور أشرف من الطين.
ثم قال: ﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ﴾ [الصافات ١٥٠]، قال الله تعالى مُبيِّنًا حكمهم الباطل الذي قد عُلِم مسبقًا قبل أن يستفتوا قال: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ﴾ أعوذ بالله ﴿أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ﴾ هذه الجملة كما تشاهدون مؤكدة بثلاثة مؤكدات: (ألا)، و(إن)، و(اللام) كذا؟ ألا، ويش بعد؟
* طالب: و(إن).
* الشيخ: و(إن).
* طلبة: و(اللام).
* الشيخ: و(اللام)، أما (ألا) فإنها تأتي -بلا شك- للتوكيد، كما تأتي كذلك للتنبيه والاستفتاح؛ ولهذا يُقال: (ألا) أداة استفتاح، يُراد بها التنبيه والتوكيد والتحقيق؛ أي: تحقق ما بعدها.
﴿أَلَا إِنَّهُمْ﴾ أي: هؤلاء الذين جعلوا الملائكة إناثًا، وهؤلاء الذين جعلوا لله البنات ولهم ما يشتهون ﴿إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ﴾ أي: من (كذبهم) ﴿لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ﴾ [الصافات ١٥١، ١٥٢]، وهنا قدم السبب على المسبَّب؛ السبب هو الإفك، والمسبَّب القول، قدم الإفك على القول لأهميته، ومن أجل أن يتبين للإنسان بطلانه من قبل أن يُؤتَى به، وإلا فمقتضى السياق أن يُقال: (ألا إنهم ليقولون ولد الله)؛ لأن ﴿لَيَقُولُونَ﴾ خبر (إن)، وكان مقتضى السياق أن تباشر الاسم لكن أُخِّرت لبيان أن هذا القول باطل حتى يرد على الذهن وقد علم بطلانه.
و﴿مِنْ﴾ هنا للسببية؛ أي: على أنهم بسبب إفكهم، ويجوز أن تكون للتبعيض؛ يعني على أنهم ليقولون هذا القول المأفوك من جملة إفكهم؛ لأن إفكهم كثير، فهم جعلوا لله ولدًا، وجعلوا لله شريكًا، وجعلوا لله زوجة، كل هذا من الإفك، فالحاصل أن ﴿مِنْ﴾ يجوز أن تكون للتبعيض، ويجوز أن تكون سببية.
وقوله: ﴿مِنْ إِفْكِهِمْ﴾ أي من (كذبهم)؛ لأن الإفك هو الكذب كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ﴾ [النور ١١] أي: بالكذب.
﴿لَيَقُولُونَ﴾ الجملة خبر (إن)، ومقول القول: ﴿وَلَدَ اللَّهُ﴾ [الصافات ١٥٢]، وعلى هذا فنقول: إن ﴿وَلَدَ اللَّهُ﴾ في محل نصب مقول القول: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ﴾، كيف قالوا: ولد الله؟ يعني بأي صيغة؟ قال المؤلف: (بقولهم الملائكة بنات الله)، ومعلوم أن البنت من الولد، فإن الولد في اللغة العربية يُطلق على البنت والابن، قال الله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء ١١].
(﴿أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ﴾ [الصافات ١٥١، ١٥٢] بقولهم: الملائكة بنات الله ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ ) الجملة مؤكدة بمؤكدين، والمراد بها إبطال هذا القول، فيكون الله أبطل هذا القول قبل مقوله، أو قبل التحدث عن مقوله وبعده، أبطله قبل التحدث عن مقوله في قوله: ﴿مِنْ إِفْكِهِمْ﴾، وبعده بقوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ ونحن نشهد أنهم كاذبون في هذا، فإن الله تعالى واحد أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.
وقد برهن الله عز وجل على بطلان هذا في سورة الأنعام، فقال الله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام ١٠٠، ١٠١] فقال: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ﴾ كيف يكون له ولد وليس له صاحبة؟ يعني زوجة، هذا مستحيل! والثانية: خلق كل شيء، والخالق لكل شيء لا يمكن أن يكون له ولد؛ لأن الولد جزء من الوالد، وإذا كان جزءًا منه لم يكن شيئًا مخلوقًا؛ لأن جزء الخالق يكون خالِقًا مثله، قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ﴾ [الزخرف ١٥]، ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام ١٠١]، وقد أعلمنا أنه ليس له ولد، فكيف يكون خبرهم غير مطابق للواقع، فبرهن الله على امتناع الولد من وجوه ثلاثة: امتناع الصاحبة، وأنه خلق كل شيء، والثالث: أنه بكل شيء عليم، وعلمه بكل شيء وقد أخبرنا بأنه لم يلد يقتضي أنه لم يلد كذلك حقًّا؛ لأن هذا الخبر لا بد أن يكون مطابقًا لعلمه.
قال: (﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الصافات ١٥٢] فيه) أي في قولهم: (ولد الله).
ثم قال: ﴿أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ﴾ [الصافات ١٥٣] ﴿أَصْطَفَى﴾ أصلها (اصتفى)، وهي مأخوذة من (الصفوة)، وصفوة الشيء خياره، وعلى هذا فيكون معنى ﴿أَصْطَفَى﴾ اختار، وهنا قال: ﴿أَصْطَفَى﴾، والمعروف أن همزة اصطفى همزة وصل، لا همزة قطع، فلماذا كانت هنا همزة قطع؟
استمع إلى كلام المؤلف قال: (بفتح الهمزة للاستفهام) الهمزة هنا ليست همزة الوصل التي يُؤتى بها للتوصل إلى النطق بالساكن؛ ولهذا لا يكون ما بعدها إلا ساكنًا، فالهمزة هنا ليست همزة وصل، ولكنها همزة استفهام، (فاستغني بها) أي بهمزة الاستفهام (عن همزة الوصل)، كيف استغني بها عن همزة الوصل؟ لأنها أي همزة الاستفهام مفتوحة فيسهل النطق بالساكن بعدها، وأصل همزة الوصل جيء بها من أجل التوصل إلى النطق بالساكن، وإذا كان لدينا همزة قطع فإننا نستغني بها عن همزة الوصل مع أنه يجوز وجه آخر في غير هذه الآية (آصطفى البنات) فتُقلب همزة الوصل إلى مد، ومنه قوله تعالى: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل ٥٩] ﴿آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس ٥٩].
(واستغني بها عن همزة الوصل فحُذفت) همزة الوصل قال: (أي اختار) هذا تفسير الفعل (اصطفى)؛ يعني هل يختار الله عز وجل البنات على البنين؟ يعني لو فُرِض فرضًا ممتنعًا غاية الامتناع أن الله يتخذ ولدًا هل يصطفى البنات على البنين؟ لا؛ لأن البنين أشرف من البنات، ولا يمكن أن يختار الله البنات على البنين، لو فُرض الفرض الممتنع المقطوع بامتناعه أن الله يختار ولدًا ما اختار البنات على البنين، كما أنكم أنتم لم تختاروا البنات على البنين، جعلتم البنين لكم ولله البنات؛ ولهذا قال: ﴿أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ﴾ [الصافات ١٥٣] الجواب أيش؟ لا يمكن.
﴿مَا لَكُمْ﴾ أنا أريد من الأخ أن يعرب ﴿مَا لَكُمْ﴾؟
* طالب: ﴿مَا لَكُمْ﴾ ﴿مَا﴾ استفهامية مبتدأ، و﴿لَكُمْ﴾ خبر.
* الشيخ: تمام ﴿مَا﴾ لا تظنوا أنها نافية، بل هي استفهامية كما قال الأخ مبتدأ، والجار والمجرور ﴿لَكُمْ﴾ خبر؛ يعني أي شيء لكم حتى تحكموا هذا الحكم فتقولوا: إن لله البنات، وهم الملائكة؟! وهذا الاستفهام للتوبيخ والإنكار كالذي بعده كيف تحكمون هذا الحكم الفاسد؟
وهذا الحكم كما قال المؤلف: (فاسد)، وأيضًا حُكم جائر ﴿تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ [النجم ٢٢] فهو حكم فاسد جائر.
ثم قال: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الصافات ١٥٥] الاستفهام هنا أيضًا للتوبيخ، كل الاستفهامات هنا كلها تفيد التوبيخ والتقريع مع فائدة أخرى إذا دل المقام عليها.
﴿﴿أَفَلَا تَذَّكَّرُونَ﴾ ﴾ [الصافات: ١٥٥] قال: (بإدغام التاء في الذال) أصلها (تتذكرون) فأُدغمت التاء بالذال فصارت ﴿﴿تَذَّكَّرُونَ﴾ ﴾.
فيها قراءة ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ كذا؟ قراءة السبعية وهي الموجود عندنا في المصحف ﴿تَذَكَّرُونَ﴾.
مر علينا أنه إذا جاءت قراءتان في آية فإن الأفضل أن تقرأ بهذه مرة وبهذه مرة؛ لتحافظ على ما جاء في القرآن الكريم؛ لأن الكل من عند الله إلا أننا قلنا: إن هذا لا ينبغي عند العامة؛ لأنه يحصل به فتنة، العامي لا يدري، وربما يكون عاميًّا عاطفيًّا غيورًا، فإذا قلت مثلًا عنده: ﴿﴿أَفَلَا تَذَّكَّرُونَ﴾ ﴾ قال لك: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الصافات ١٥٥]، فإذا عدت وقلت: ﴿﴿أَفَلَا تَذَّكَّرُونَ﴾ ﴾ فقال: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾، فإذا عدت فقلت: ﴿﴿أَفَلَا تَذَّكَّرُونَ﴾ ﴾ يمكن يأخذ أكبر ما عنده ويضربك؛ لأنه يرى أنك الآن مُحرِّف للقرآن.
على كُلٍّ طالب العلم الذي يعلم أن هذه قراءة سبعية ينبغي له أن يقرأ بها مرة وبما في المصحف مرة أخرى حتى يأتي بالقرآن على الوجوه التي نزل بها.
قال: ﴿﴿أَفَلَا تَذَّكَّرُونَ﴾ ﴾ [الصافات: ١٥٥] معنى ﴿﴿تَذَّكَّرُونَ﴾ ﴾ التذكر أي الاتعاظ؛ يعني أفلا تتعظون فتدركوا أن ما حكمتم به حكم جائر غير مقبول منكم؟
قال: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (أنه سبحانه مُنَزَّه عن الولد) نعم، فالله سبحانه وتعالى مُنزَّه عن الولد؛ بدليل العقل ودليل النقل؛ أما دليل النقل، فما أكثر الآيات التي يُنكر الله فيها أنه اتخذ ولدًا، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص ١ - ٤].
أما الدليل العقلي: فنقول: لو كان لله ولد لكان جزءًا منه، وكان مستحقًّا للعبادة كما استحق ذلك والده.
ثانيًا: أن نقول: لو اتخذ الله ولدًا لكان هذا الولد حادثًا، والحدوث يمتنع أن يكون جزءًا من الله؛ لأن الله لم يزل، ولا يزال موجودًا بذاته سبحانه وتعالى، فإذا قُدِّر أنه اتخذ ولدًا صار هذا الولد حادثًا، فكيف يكون حادثًا وهو جزء من الله؛ لأن الولد جزء من الوالد كما قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ [الزخرف ١٥]، وكما قال النبي ﷺ: «إِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٧١٤)، ومسلم (٢٤٤٩ / ٩٤) من حديث المسور بن مخرمة.]].
ويمتنع أيضًا أن يتخذ الله ولدًا؛ لأن الولد لا بد أن يكون مشبهًا لأبيه. هذا الوجه الثالث؛ أن يكون مشبهًا لأبيه، والله سبحانه ليس له شبيه، لا يُماثِله أحد.
رابعًا: الولد إنما يتخذه من يحتاج إليه لبقاء النوع، والله سبحانه وتعالى غير محتاج لأحد؛ ولهذا إذا كان الإنسان عقيمًا انقطع أثره من الدنيا، لكن إذا كان ولودًا وتوالد له ولد بعد ولد بقي أثره في الدنيا؛ ولهذا كان التوالد بين البشر هو السبب الوحيد لبقاء النوع الإنساني، فهذه وجوه أربعة عقلية تدل على امتناع الولد على الله سبحانه وتعالى.
قال: ﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ﴾ [الصافات ١٥٦] هذا أيضًا إضراب انتقالي، بل ألكم، والإضراب هنا الانتقالي، انتقل الله عز وجل من توبيخهم على ما حكموا به من الولد لله سبحانه وتعالى إلى طلب الحجة فقال: بل لكم سلطان مبين، والمراد بالسلطان هنا ما تكون به السلطة، والسلطة في كل موضع بحسبه، ففي باب الولايات تكون السلطة بماذا؟ بالإمارة، الأمير سلطان، في باب الأعمال، تكون السلطة بالقوة؛ فالقوي القادر له سلطة على العمل، في باب المحاجَّة، وطلب الدليل تكون السلطة بماذا؟ بالدليل فهنا ﴿سُلْطَانٌ مُبِينٌ﴾ [الصافات ١٥٦] أي: دليل، يعني هل لكم دليل؟ لأن الدليل تكون به السلطة للمحاج؛ يعني إذا حاجك إنسان وصار معه دليل؛ صار له سلطان عليك؛ أي سلطة، ولهذا قال: ﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ﴾، وكلمة ﴿مُبِينٌ﴾ هنا يحتمل أن تكون من (أبان) اللازم، ومن (أبان) المتعدي، كذا؟ لأن (أبان) الرباعي يكون لازمًا، ويكون متعديًا، فإذا قلت: أبان الصبح. فهو لازم ولا متعدٍّ؟
* طلبة: لازم.
* الشيخ: لازم، وإذا قلت: أبانَ فلانٌ الحق؟ هذا متعدٍّ، كلمة (مبين) هنا هل هي لازم؛ أي أن المعنى: أم لكم سلطان بَيِّن، أم متعدٍّ أي: ألكم سلطان يبين ما تقولون أو يبين الحجة لكم؟ نعم، المتعدي هنا أحسن ليش؟ لأن المتعدي متضمن للازم؛ لأن ما أبان غيره فهو بَيِّن في نفسه.
﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ﴾ [الصافات ١٥٦] قال المؤلف: (حُجَّة واضحة أن لله ولدًا) وصنيع المؤلف في قوله: (واضحة) يدل على أنه جعل ﴿مُبِينٌ﴾ من اللازم أي: بَيِّن، ولكن الأرجح أنه من (أبان) المتعدي؛ أي: مُبَيِّن؛ وذلك لأننا إذا جعلناه من المتعدي لزم منه وجود (...)؛ يعني اللازم بخلاف العكس.
* طالب: (...).
* الشيخ: و(بان) لازم، و(أبان) لازم، كلاهما لازم (...).
* الطالب: ﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠) فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (١٦١) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (١٦٢) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات ١٥٦ - ١٦٣].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ [الصافات ١٤٩] ما معنى قوله: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني اسألهم.
ما الذي يفيده التعبير بالاستفتاء عندك؟
* طالب: التهكم بهم.
* الشيخ: يفيد التهكم بهم، كأنه جعلهم حَكَمًا في هذا.
قوله: ﴿أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ [الصافات ١٤٩] الاستفهام هنا يُراد به؟
* طالب: التوبيخ.
* الشيخ: التوبيخ. كيف قوله: ﴿أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ [الصافات ١٤٩] اشرح هذا؟
* طالب: هم يزعمون أن الملائكة بنات الله، فتوبيخًا لهم كان هذا الاستفهام.
* الشيخ: ويجعلون لأنفسهم البنين. ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [النحل ٥٨]، ويرضى هذا الشيء لله عز وجل.
قوله: ﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ﴾ [الصافات ١٥٠] ﴿أَمْ﴾ هنا متصلة أم منقطعة؟
* طالب: منقطعة.
* الشيخ: منقطعة. ما هي علامة أم المنقطعة؟
* الطالب: أنها بمعنى بل والهمزة.
* الشيخ: نعم، بمعنى بل والهمزة، وأما المتصلة فهي بمعنى؟
* طالب: (أو).
* الشيخ: بمعنى (أو).
قوله: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ﴾ [الصافات ١٥١] هذه الجملة مؤكدة بعدة مؤكدات؟
* الطالب: ﴿أَلَا﴾ أداة الاستفتاح، ونون التوكيد.
* الشيخ: ما هي نون توكيد!!
* الطالب: ﴿إِنَّهُمْ﴾.
* الشيخ: إي، ما هي نون التوكيد!!
* الطالب: هي ﴿إِنَّهُمْ﴾.
* الشيخ: إي، بس ما هي نون التوكيد، ما تسمى نون التوكيد، نون التوكيد اللي تأتي بالفعل مثل..
* الطالب: المؤكدة.
* الشيخ: (إن) المؤكدة.
* الطالب: (إن) المؤكدة واللام ﴿لَيَقُولُونَ﴾.
* الشيخ: نعم، وقوله: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ﴾ [الصافات ١٥١] ﴿مِنْ﴾ هنا أيش معناها؟
* الطالب: للتبعيض.
* الشيخ: للتبعيض، ولا تحتمل معنى ثانيًا؟
* الطالب: لا تحتمل.
* الشيخ: لا تحتمل.
* طالب: تكون سببية.
* الشيخ: كيف سببية؟
* الطالب: سبب (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: إما أنها سببية (...).
* الشيخ: ما قلنا بيانية؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: الإفك معناه؟
* الطالب: الكذب.
* الشيخ: الكذب، أين مقول القول في قوله: ﴿لَيَقُولُونَ﴾؟ ما هو كل قول له مقول، أنت إذا قلت: قلت، لا بد ويش قلت؟ فلكل قول مقول؟
* طالب: ﴿وَلَدَ اللَّهُ﴾ [الصافات ١٥٢].
* الشيخ: جملة ﴿وَلَدَ اللَّهُ﴾.
قوله: ﴿أَصْطَفَى الْبَنَاتِ﴾ [الصافات ١٥٣] الهمزة هنا لماذا قُطِعت وهي مع اصطفى همزة وصل؟
* الطالب: هنا همزة استفهام.
* الشيخ: وليست همزة الوصل؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: أين همزة الوصل؟
* الطالب: حُذفت.
* الشيخ: حُذفت استغناء عنها بهمزة الاستفهام.
ومعنى اصطفى؟
* الطالب: اختار.
* الشيخ: والاستفهام هنا بمعنى؟
* الطالب: التوبيخ.
* الشيخ: التوبيخ والنفي؛ يوبخهم، وينفي أن يكون اصطفى البنات على البنين.
قوله: ﴿مَا لَكُمْ﴾ الاستفهام هنا؟
* الطالب: الاستفهام ها هنا للتوبيخ كذلك.
* الشيخ: للتوبيخ كذلك أحسنت، و﴿كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾؟
* الطالب: للتعجب والتوبيخ.
* الشيخ: وللتوبيخ أيضًا.
أين خبر المبتدأ في قوله: ﴿مَا لَكُمْ﴾؟
* الطالب: ﴿لَكُمْ﴾.
* الشيخ: ﴿لَكُمْ﴾ الجار والمجرور.
* الطالب: متعلق بمحذوف وهو الخبر.
* الشيخ: وهو الخبر، تمام.
قوله: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ فيها أكثر من قراءة؟
* طالب: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾.
* الشيخ: ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ هذه واحدة.
* الطالب: (تذكُرون).
* الشيخ: ثنتين.
* الطالب: (تتذكرون).
* الشيخ: (تتذكرون) ثلاثة، خطأ في اثنين.
كم القراءات؟
* طالب: القراءة اللي في المصحف: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الصافات ١٥٥]، والقراءة الأخرى ﴿﴿أَفَلَا تَذَّكَّرُونَ﴾ ﴾ قراءتان.
* الشيخ: ﴿﴿تَذَّكَّرُونَ﴾ ﴾ و﴿تَذَكَّرُونَ﴾. ﴿﴿تَذَّكَّرُونَ﴾ ﴾ ما وجهها؟
* الطالب: معناها يعني؟
* الشيخ: لا، وجهها ما هو معناها؟
* الطالب: ﴿﴿أَفَلَا تَذَّكَّرُونَ﴾ ﴾ المقصود بها..
* الشيخ: لا، لماذا كانت ﴿﴿تَذَّكَّرُونَ﴾ ﴾؟
* طالب: المصدر (تتذكرون) فأدغمت التاء بالتاء.
* الشيخ: ما هي تاء بتاء، ﴿﴿تَذَّكَّرُونَ﴾ ﴾ وين التاء الثانية؟
* الطالب: أصلها (تتذكرون).
* الشيخ: أصلها (تتذكرون) فأدغمت؟
* الطالب: التاء بالتاء.
* الشيخ: وين التاء بالتاء؟
* طالب: التاء بالذال.
* الشيخ: التاء بالذال ﴿﴿تَذَّكَّرُونَ﴾ ﴾ التاء بالذال.
قوله تعالى: ﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ﴾ [الصافات ١٥٦] ﴿أَمْ﴾ هنا منقطعة أم متصلة؟
* طالب: ﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ﴾ إضراب..
* الشيخ: قصدي هل هي متصلة أم منقطعة؟
* الطالب: منقطعة.
* الشيخ: منقطعة، ويش علامة المنقطعة؟ ذكرها أحمد قبل قليل جارك بالضبط ليس بينك وبينه أحد.
* الطالب: نسيت؟
* الشيخ: نسيت بها السرعة دي؟! معناه أن درس أمس وقبل أمس فوقه طبقات، لا حول ولا قوة إلا بالله!
* طالب: علامة المنقطعة أن تكون بمعنى بل والهمزة.
* الشيخ: ولا يذكر معها معادل، أن تكون بمعنى بل والهمزة، ولا يذكر معها معادل.
والمتصلة؟
* الطالب: بمعنى (أو).
* الشيخ: ويذكر معها المعادل، معلوم؟ المنقطعة: بمعنى بل والهمزة، ولا معادل معها، ما يذكر معها المعادل، والمتصلة: بمعنى (أو)، ويذكر معها معادل.
أيهما أولى أن نجعل ﴿مُبِينٌ﴾ هنا بمعنى (بَيِّن)، أو بمعنى (مُظهِر) مبين للشيء؟
* طالب: يعني متعدٍّ أو لازم؟
* الشيخ: أي هذا اللي قلت، بمعنى بيِّن، أو بمعنى مظهِر مبين للشيء؟
* الطالب: (...) المتعدي.
* الشيخ: أقول: أيهما أولى؟
* الطالب: مُظهِر أولى.
* الشيخ: ﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ﴾ [الصافات ١٥٦]؟
* الطالب: نعم، أي مُظهِر.
* الشيخ: أي مظهر، لماذا كان أولى؟
* الطالب: المظهر؛ لأنه هو متعدٍّ.
* الشيخ: وكل متعدٍّ فهو أولى من اللازم، هذا في العبادات.
* الطالب: نعم، حتى (...).
* الشيخ: قياسًا.
* الطالب: نعم، المتعدي يشمل اللازم وغيره.
* الشيخ: ما هو بواضح، واضح لكم التعيين هذا؟
* طالب: إذا قلنا: إنه متعدٍّ (...) لازم.
* الشيخ: كيف ذلك؟
* الطالب: لأنه مُظهِر لنفسه ولغيره.
* الشيخ: إي نعم؛ لأن ما أبان غيرَه فهو في نفسه بَيِّن، بخلاف البَيِّن في نفسه، فقد يُبين غيره وقد لا يُبين.
فإذا أمكن أن يكون من (أبان) المتعدي، يعني كلما جاءت (مُبين)، وأمكن أن تكون من المتعدي فهو أحسن لكن أحيانًا لا يمكن، مثل: ﴿لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران ١٦٤] ما يمكن تكون بمعنى (أبان) بل بمعنى (بَيِّن)، لكن إذا أمكن أن تكون (مبين) بمعنى (أبان) أظهر فهو أولى.
* * *
قال الله تعالى: ﴿فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ﴾ [الصافات ١٥٧]، هذا مُفرَّع على قوله: ﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ﴾ [الصافات ١٥٦] يعني فإن كان لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم الذي به السلطان، والأمر هنا للتحدي والإعجاز، مثل قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ [البقرة ٢٣]، هذا للتحدي والإعجاز، فقوله: ﴿بِكِتَابِكُمْ﴾ أي: بكتابكم الذي به الحجة والسلطان.
وقول المؤلف: (التوراة) هذا لا شك أنه وهم؛ لأن هذه الآية ليست تُخاصِم اليهود حتى نقول: إن المراد بذلك التوراة، إنما تخاصم من؟ المشركين الذين جعلوا الملائكة بنات الله؛ ولهذا في بعض النسخ ساقطة، يعني في بعض نسخ المؤلف ساقطة ليست فيها، والنسخة التي سقطت منها أصح من هذه النسخة.
قال: (فأروني ذلك فيه) يعني أروني أن لله البنات في ذلك الكتاب الذي تأتون به.
ثم أظهر إعجازهم بقوله: (﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الصافات ١٥٧] في قولكم ذلك)، وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يأتوا بكتاب فيه أن الله جعل الملائكة بنات له، هذا شيء مستحيل.
ثم قال: (﴿وَجَعَلُوا﴾ أي: المشركون ﴿بَيْنَهُ﴾ تعالى ﴿وَبَيْنَ الْجِنَّةِ﴾ أي: الملائكة لاجتنانهم عن الأبصار ﴿نَسَبًا﴾ بقولهم: إنها بنات الله ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ [الصافات ١٥٨]). ﴿وَجَعَلُوا﴾ الضمير يعود على المشركين الذين قالوا: إن الملائكة بنات الله.
فإن قال قائل: كيف يرجع الضمير إلى غير مذكور؟
قلنا: إنه مذكور بالسياق؛ يعني أن السياق يُعيِّن مرجع الضمير، ولا يلزم في مرجع الضمير أن يكون اسمًا ظاهرًا بينًا ليس بلازم، فإذا دل السياق على أن المراد به كذا عُومِل به، قال الله تعالى: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ [ص ٣٢] المراد بالفاعل في قوله: ﴿تَوَارَتْ﴾ يعود على الشمس مع أنه لم يسبق لها ذكر؛ لأنه معروف، وقال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن ٢٦] ﴿عَلَيْهَا﴾ أيش؟ على الأرض مع أنه لم يسبق لها ذكر قريب، ولكن السياق يدل عليها، إذن مرجع الضمير قد يكون متعينًا بالسياق.
﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ﴾ أي: بين الله سبحانه وتعالى ﴿وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾ [الصافات ١٥٨] يقال: الجِنَّة، والجَنَّة، والجُنَّة بالضم، وكلها تدور حول الاستتار والخفاء؛ لأن هذه المادة (الجيم والنون) كلها تدور على هذا المعنى، الاستتار والخفاء، ومنه الجَنان؛ القلب، ومنه الجنين؛ الحمل، ومنه الجِنَّة؛ الجِن، ومنه الْجَنَّة؛ البستان ذو الأشجار الكثيرة، ومنه الجُنَّة؛ ما يستتر به المقاتل عن السهام كالترس، فهذه المادة كلها تدور على هذا المعنى الخفاء، فما المراد بالجِنَّة هنا؟ يقول المؤلف: المراد (الملائكة) كيف الملائكة يسمون جِنًّا؟ قال: نعم؛ لأنهم مستترون عن الأعين، فهم عالم الغيب كالجن الذين هم ذرية الشيطان، هذا ما ذهب إليه المؤلف، ولكن هذا القول ضعيف جدًّا؛ لأن الجِنَّة اسم للجن لا للملائكة قال الله تعالى: ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ [الناس ٥، ٦] يعني الجن، وقال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ﴾ [المؤمنون ٧٠] أي: جن أصابه بمس.
ولا يمكن أن يُعبَّر بالجن الذي هم من أخص خلق الله الذين خُلِقوا من نار أن يُعبَّر بهم عن الملائكة الذين خُلِقوا من نور، وهم من أشرف خلق الله عز وجل، قال الله تعالى: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ [الأنبياء ٢٦ - ٢٨]، فالمراد بالْجِنَّة هنا الجن الذين هم خلْق غيبي خُلِقوا من نار، ولكن كيف جعلوا نسبًا؟ المراد بالنسب هنا الصلة مجرد الصلة، ليس النسب الذي هو القرابة بل النسب الذي هو الصلة، وذلك أن المشركين لما قالوا: إن الملائكة بنات الله قيل لهم: لا بنات إلا بزوجة. قالوا: نعم، إن الله -جل وعلا، وسبحانه عما يصفون- تزوج من الجن جِنِّيَّة، فولدت الملائكة، قاتلهم الله! هذا هو النسب الذي جعلوا بين الله وبين الجِنَّة، فالمراد بالنسب هنا أيش؟ مُطلق الصلة لا صلة القرابة فقط، هذا هو المعنى الذي يدل عليه استعمال الجِنَّة في كلام الله، وأن المراد بالجِنَّة الجن، ووجه النسب الاتصال هو أنهم قالوا لما قيل لهم: كيف تقولون: إن الملائكة بنات الله، فمن أين جاءت البنات؟ قالوا: إنه تزوج جِنِّيَّة فولدت له الملائكة.
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ﴾ [الصافات ١٥٨].
يقول المؤلف مُوجِّهًا ما ذهب إليه من أن المراد بالجِنَّة الملائكة، قال: (لاجتنانهم عن الأبصار)، وهذا لا يُبرِّر أن نُسمِّي الملائكة جِنًّا.
يقول: (﴿نَسَبًا﴾ [الصافات ١٥٨] بقولهم: إنها بنات الله)، فجعل النسب هنا بمعنى القرابة، ولكن هذا القول ليس بصحيح.
قال تعالى: (﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ﴾ أي قائلي ذلك ﴿لَمُحْضَرُونَ﴾ للنار يُعذَّبون فيها).
﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ﴾ الجملة هذه مؤكدة بثلاثة مؤكدات: (اللام) (وقد)، وهما ظاهران، والقسم المقدَّر، والتقدير: وبالله لقد علمت الجنة إنهم لمحضرون، والتأكيد هنا لا شك أنه في غاية ما يكون من البلاغة؛ يعني أن هؤلاء الجن الذين جعلوا بينهم وبين الله نسبًا تعلم في حكم الله ما لا يعلمه هؤلاء، فإنهم يعلمون أن هؤلاء الذي كذبوا على الله سوف يُحضرون يوم القيامة، ويُبعثون، ويُعذَّبون بما يقتضيه جُرمهم؛ ولهذا قال: (﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ﴾ أي قائلي ذلك ﴿لَمُحْضَرُونَ﴾ للنار يعذبون فيها).
قال الله تعالى: (﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾ تنزيها له ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات ١٥٩] بأن لله ولدًا).
﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾ هذه اسم مصدر (سَبَّح)، معنى قولنا: اسم مصدر (سَبَّح)، يعني أنه اسم مصدر فعله (سَبَّح)، فما هو المصدر من (سَبَّحَ)؟ تسبيحًا، لكن (سبحان) بمعنى (تسبيح) فهي اسم مصدر؛ لأن كل كلمة تضمنت معنى المصدر دون حروفه فهي اسم مصدر، وأمثلته كثيرة؛ منها كلام بمعنى (تكليم)، سلام بمعنى (تسليم).
و﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾ يقول المؤلف رحمه الله: (تنزيهًا له) فما الذي يُنزَّه الله عنه؟
يدور ما يُنزه الله عنه على أمرين: النقص، ومماثلة المخلوقين؛ النقص فيما أثبت لنفسه من الكمال، والثاني: مماثلة المخلوقين، قال الله تعالى عن الأول: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ [ق ٣٨] هذا يدل على أيش؟ كمال القدرة والقوة، ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ نفي لنقص القوة، يعني مع عِظَم هذه المخلوقات العظيمة وقِصر المدة في خلقها لم يمس الله سبحانه وتعالى شيء من اللغوب؛ يعني من التعب والإعياء، هذا تنزيه عن نقص، وقال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى ١١] تنزيه عن مماثلة المخلوقين.
فعلى هذا نقول: التنزيه الذي يُوصف الله به يدور على شيئين: على تنزيه عن النقص في كماله؛ أي: فيما أثبت لنفسه من الكمال، ليس فيه نقص، والثاني: مماثلة المخلوقين، وعرفتم من الأدلة ما ذكرناه.
وقوله: ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات ١٥٩]؛ يعني من النقص والمماثلة أيضًا بأن قالوا: إن لله ولدًا، وهذا وصف لا يليق بالله سبحانه وتعالى؛ لأن ثبوت الولد يتضمن المماثلة، ويتضمن النقص أيضًا، فهم بدعواهم الولد لله وصفوا الله بالنقص، ووصفوه بمماثلة المخلوقات.
قال: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات ١٥٩، ١٦٠] ﴿عِبَادَ اللَّهِ﴾ العبودية مأخوذة من الذل؛ فالعابد بمعنى الذليل، والتعبد بمعنى التذلل.
والعبودية نوعان: عبودية للقدَر، وعبودية للشرع؛ يعني تذلُّل للقدَر، وتذلُّل للشرع، أما عبودية القدَر فإنها عامة لكل أحد، ما من إنسان إلا وهو متذلِّل لقدَر الله، لا يمكن أن يتخلص منه إطلاقًا، فاهمين؟ هذه عبودية القدر، كل عابد لقدر الله، ذليل أمام القدر، ودليل هذه قوله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم ٩٣]، كل من في السماوات والأرض فهو عابد لله ذليل له، لا يمكن أن يخرج عن ذُلِّه لقدره حتى أعتى الناس وأطغى الناس عبد لله بهذا المعنى، ففرعون عبد لله بهذا المعنى، أليس كذلك؟ ولهذا أدركه الغرق.
الثاني: عبودية الشرع؛ يعني التعبد لشرع الله، وهذا خاص بالمؤمنين؛ لأن الكافرين لم يتعبدوا لله بشرعه بل هم مستكبرون، ومن أمثلة ذلك وأدلته قوله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان ٦٣]، فالمراد بالعبودية هنا عبودية الشرع، يعني الذين تعبدوا لشرع الله، وهذا خاصة بالمسلمين المنقادين لأمر الله، وهذه أيضًا تنقسم إلى قسمين: قسم أخص من الآخر؛ فعبودية الرسالة والنبوة أخص من عموم عبودية الإسلام، فمثلًا قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ [البقرة ٢٣] هذه عبودية رسالة، فهي أخص من قوله: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان ٦٣]، ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ [الفرقان ١] هذه أيضًا عبودية خاصة الخاصة في الحقيقة؛ يعني عبودية رسالة، فهي أخص من قوله: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان ٦٣].
قوله تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الحجر ٤٢] من أي القسمين؟
* طلبة: شاملة.. الخاصة وخاصة الخاصة.
* الشيخ: لا، ما فيه خاصة خاصة. إذا قال: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ﴾ إن جعلنا الاستثناء منقطعًا، فالعبودية عبودية الشرع خاصة، وإن جعلنا الاستثناء متصلًا فهي عبودية القدَر؛ ولذلك اختلف العلماء فيها هل الاستثناء منقطع أو متصل؟ هذه الآية أيضًا نظيرها ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات ١٦٠] أي المؤمنين الذين أخلصهم الله تعالى لنفسه.
قال المؤلف: (استثناء منقطع)، والاستثناء المنقطع علامته أن يكون ما بعد (إلا) من غير جنس ما قبلها، والثانية: أن تكون إلا بمعنى لكن، ولهذا نسميه استثناء منقطعًا كأن ما بعدها انقطع عما قبلها، وعليه إذا كان الاستثناء منقطعًا كما قال المؤلف، نقول: ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات ١٦٠] معناها أيش؟ لكن عباد الله المخلصين؛ يعني لم يصفوه بهذا الوصف قال رحمه الله تعالى: (استثناء منقطع؛ أي فإنهم يُنزِّهون الله عما يصف هؤلاء).
وذهب بعض العلماء إلى أن الاستثناء هنا متصل؛ فهو مستثنى من الواو في قوله: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات ١٥٩]، ويكون المعنى سبحان الله عما يصفه الناس كلهم. ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات ١٦٠] يعني إلا ما يصفه به عباد الله المخلصون فإنه متصف به، وهذا احتمال لكن ظاهر السياق ما ذهب إليه المؤلف، وأن قوله: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ عائد إلى من؟ إلى المشركين الذين وصفوه بأن له بنات، وهؤلاء لا يدخل فيهم المؤمنون، فالمؤمنون ليسوا من جنس المستثنى منه، وحينئذٍ يكون الاستثناء منقطعًا، ويكون فائدة هذا الاستثناء المنقطع الثناء على عباد الله المخلصين حيث لم يصفوه بما وصفه به هؤلاء.
* * *
* الطالب: ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات ١٦٤ - ١٦٩].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الصافات ١٥٧] من المراد بالأمر هنا؟
* طالب: ﴿فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الصافات ١٥٧] المراد المشركون.
* الشيخ: لكن المراد بالأمر؟
* الطالب: الأمر للتوبيخ، الإعجاز والتحدي.
* الشيخ: التحدي والإعجاز.
وما محل الجملة ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ مما قبلها في المعنى؟
* طالب: جملة حالية.
* الشيخ: لا، في المعنى ما في الإعراب.
* الطالب: المعنى في السياق.
* الشيخ: أي لكن ليس المراد في الإعراب.
* الطالب: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الصافات ١٥٧] بأن لله عز وجل بنات، بأن الملائكة بنات الله.
* طالب آخر: (...).
* الشيخ: تأكيد التحدي والإعجاز، محلها مما قبلها تأكيد التحدي والإعجاز.
بقي علينا نقطة تحتاج إلى معرفة ولم نبينها أمس ﴿فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الصافات ١٥٧]، معلوم أن ﴿إِنْ﴾ هذه شرطية، وأنها تحتاج إلى فعل الشرط وجوابه، كذا؟ ففعل الشرط موجود ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾، فأين جوابه؟ قيل: إن جوابه محذوف دل عليه ما قبله وهو ﴿فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ﴾، والتقدير: فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين فأتوا بكتابكم فيكون محذوفًا دل عليه ما قبله، ولا ينبغي ذكره أيضًا؛ لأن ذكره تطويل مستغنى عنه، وقيل: إن (إن) الشرطية في مثل هذا التركيب لا تحتاج إلى جواب أصلًا، تكون مسلوبة الجواب، وعلى هذا القول لا يكون في مثل هذا التركيب تقدير، ويكون هذا المحذوف لما كان معلومًا كان لا يُحتاج إلى ذكره، وإذا لم نحتج إلى ذكره لم نحتج إلى تقديره.
ثم قال الله عز وجل: ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (١٦١) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (١٦٢) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات ١٦١ - ١٦٣] ﴿فَإِنَّكُمْ﴾ الخطاب هنا للكافرين، وفيه التفات من الغيبة إلى الحضور؛ لأن الكاف للمخاطَب، والمخاطَب حاضر، وما سبق ليس فيه الضمير عائدًا على غائب ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات ١٥٨، ١٥٩] كلها بضمير الغيبة.
والالتفات له فائدة مطردة، الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، أو بالعكس له فائدة مطردة، وهي تنبيه المخاطب، ووجه ذلك أن الخطاب إذا كان على وتيرة واحدة لم يكن فيه ما يدعو إلى الانتباه، فإذا تغير الأسلوب انتبه الإنسان، هذه الفائدة مُطَّردة في كل موضع فيه التفات، وهناك فائدة أخرى تكون بحسب السياق، وليست مطردة في كل موضع، والفائدة هنا ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ [الصافات ١٦١] هي أن الله سبحانه وتعالى لما تحدث عنهم بصيغة الغيبة، وكان الذي بعد ضمائر الغيبة أمرًا يظن صاحبه أنه قادر عليه، خاطبه مخاطبة الحاضر إفادة إلى ذله وعدم قدرته على ما (...).
فالكفار يحاولون فتن الناس عن دينهم بكل وسيلة؛ تارة بالدعاية لمعبوداتهم، وتارة بالقدح في عبادة الله، وتارة بالقدح في المسلمين وغير ذلك، فيظنون أنهم على شيء، فخاطبهم الله تعالى بالخطاب الصريح إذلالًا لهم فقال: ﴿فَإِنَّكُمْ﴾ أيها المشركون ﴿وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ من الأصنام، وعبَّر بـ(ما) التي تستعمل غالبًا في غير العاقل؛ لأن أكثر معبود المشركين من غير العاقل.
ويحتمل أن تكون (ما) مصدرية؛ أي: فإنكم وعبادتكم ما أنتم بفاتنين عليها أحدًا، والمعنى على الوجهين واحد؛ يعني أنتم وأصنامكم لا تفتنون الناس إلا من هو صال الجحيم، أو أنتم وعبادتكم لا تفتنون الناس عليها إلا من هو صال الجحيم.
قوله: (﴿وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ [الصافات ١٦١] من الأصنام) هل هم يعبدون الأصنام؟ الجواب: نعم، يعبدون الأصنام، ينذرون لها، ويركعون، ويسجدون، ويستغيثون بها، ويجعلونها كالإله سواء، ومع هذا فإن عقولهم قد لعبت بهم بل شياطينهم قد لعبت بهم حيث يقولون: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر ٣]، والحقيقة أن عبادتهم إياها تبعدهم من الله ولا تقربهم منه.
يقول: (﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (١٦١) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ﴾ أي: على معبودكم وعليه متعلق بقوله: ﴿بِفَاتِنِينَ﴾ أي أحدًا).
قوله: ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (١٦١) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ﴾ [الصافات ١٦١، ١٦٢] معلوم أن (إن) هذه تحتاج إلى اسم وخبر، اسمها الكاف في (إنكم) ﴿وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ معطوف عليه، وجملة ﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ﴾ هي الخبر؛ يعني أنتم ومعبوداتكم لا تفتنون أحدًا عن دين الله إلا من هو صال الجحيم.
وقوله: ﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ﴾ قال المؤلف: (أي على معبودكم) ولم يقل: ما أنتم عليها؛ أي معبوداتكم من أجل أن يشمل كل واحد على حدة؛ يعني أي واحد من هذه المعبودات لا يمكن أن تفتنوا عليه أحدًا من الناس.
وقوله: ﴿بِفَاتِنِينَ﴾ أي بصادين؛ لأن الفتنة تأتي بمعنى الصد، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [البروج ١٠] أي صدوهم، كما تأتي بمعنى الاختبار مثل: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ [البقرة ١٠٢] ولها معانٍ أخرى، لكن المراد بها هنا الصادين، وقول المؤلف: (عليه متعلق ﴿بِفَاتِنِينَ﴾ ) فيكون التقدير: ما أنتم بفاتنين عليه، (فاتِن) اسم فاعل من (فتَن) وهو فعل متعدٍّ، فأين مفعوله؟ قدَّره المؤلف في قوله: (أي أحدًا)، ومعنى الآية على سبيل العموم أن الله خاطَب هؤلاء المشركين بأنهم هم ومعبوداتهم مهما عملوا من الحِيل والدعاية لن يفتنوا أحدًا حتى يعبد هذه الأصنام.
﴿إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات ١٦٣] يعني إلا الذي هو صال الجحيم، و﴿صَالِ﴾ اسم فاعل، وحذفت الياء التي في آخر الفعل لالتقاء الساكنين، أين الساكنان؟ الياء وهمزة الوصل ﴿إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات ١٦٣] على كلام المؤلف تكون ﴿مَنْ﴾ في محل نصب بدلًا من المفعول المحذوف (أحدًا)، ما أنتم بفاتنين أحدًا إلا من هو.
وذهب بعض المعربين إلى أن ﴿مَنْ﴾ مفعول لـ(فاتنين) على أنه استثناء مُفرَّغ، وأظنكم تعرفون الاستثناء المفرغ؟ هو الذي يكون ما بعد (إلا) معمولًا لما قبلها، هذا الاستثناء المفرغ سواء كان فاعلًا أو مفعولًا أو مجرورًا فإذا قلت: ما قام إلا زيد، فهذا استثناء مفرغ؛ لأنك فرغت العامل من المعمول إلا ما بعد إلا، فتقول: (ما) نافية، وقام فعل ماضٍ، و(إلا) أداة حصر، ما هي أداة استثناء هنا، وزيد فاعل، وتقول: ما رأيت إلا عمرًا. فـ(رأيت) فعل وفاعل، و(إلا) أداة حصر، و(عَمرًا) مفعول (رأيت)، وتقول: ما مررت إلا بزيد، تقول: (إلا) أداة حصر. و(بزيد) جار ومجرور متعلق بـ(مررت).
فعلى هذا تكون الآية التي معنا ﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (١٦٢) إِلَّا مَنْ هُوَ﴾ [الصافات ١٦٢، ١٦٣] كالمثال الذي مثَّلناه، وهو ما رأيت إلا زيدًا، وهذا الذي ذهب إليه بعض المعربين أصح؛ مما ذهب إليه المؤلف؛ أي أن الاستثناء مفرغ، وعليه فلا نحتاج إلى تقدير المفعول به، فيكون (أحدًا) الذي قدَّره المؤلف مُستغنًى عنه؛ لأن الاستثناء مفرغ، فكما أنك لو قلت: ما رأيت إلا زيدًا، لا تحتاج إلى تقدير: ما رأيت أحدًا إلا زيدًا، ما تحتج إلى التقدير هذا، فكذلك: ﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (١٦٢) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات ١٦٢، ١٦٣].
وخلاصة المقام أن نقول: ﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ﴾ [الصافات ١٦٢] ﴿مَا﴾ نافية و(أن) اسمها و﴿بِفَاتِنِينَ﴾ خبرها، و(فاتن) اسم فاعل يحتاج إلى مفعول، والمفعول ﴿مَنْ﴾ في قوله: ﴿إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات ١٦٣].
وقوله: ﴿صَالِ الْجَحِيمِ﴾ قال المؤلف: (في علم الله)، وإنما احتاج إلى تقدير في علم الله؛ لأن ﴿صَالِ﴾ اسم فاعل، وهم لم يصلوها حتى الآن ليش؟ لأنهم ما ماتوا، فالْمَفْتُون حي، فكيف يُقال: صال الجحيم وهو لم يمت بعد؟ قال المؤلف: المراد صالِ الجحيم في علم الله؛ أي من علم الله أنه سيصلى الجحيم فهو الذي تفتنونه، وأما من علم الله أنه مؤمن فلن تفتنوه، وهذا كقوله تعالى: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف ١٧٨].
قال الله تبارك وتعالى: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ [الصافات ١٤٩].
* في هذا من الفوائد: تحدي أهل الكفر والشرك ببيان الدليل على ما يقولون من الكذب والافتراء.
* وفيه أيضًا من فوائدها: التهكم بهؤلاء المشركين، حيث جعلهم بمنزلة العلماء الذين يُستَفْتَون وهم أجهل الناس بلا شك.
* ومن فوائدها: بيان جور هؤلاء المشركين، حيث جعلوا لله البنات وهم يكرهون البنات، ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [النحل ٥٨] ويجعلون لله البنات، مع أن البنين والبنات كلها ممتنعة على الله؛ لأن الله لم يلد ولم يولد.
* ومن فوائد الآيات الكريمة؛ الآيات كلها: الإنكار على هؤلاء الذين قالوا: إن الملائكة بنات الله؛ لقوله: ﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ﴾ [الصافات ١٥٠].
* ومن فوائدها أيضًا: تحدي هؤلاء الذين ادَّعوا أن الله سبحانه وتعالى جعل الملائكة بنات الله؛ لأنه يقال لهم: هل شهدتم خلق الله للبنات حتى تعلموا أنها بنات الله؟ والجواب شهدوا أو لا؟ ما شهدوا؛ ولهذا قال: ﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ﴾ [الصافات ١٥٠].
* ومن فوائدها: إثبات الملائكة، والإيمان بالملائكة أحد أركان الإيمان الستة كما هو معروف.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن كل من ادَّعى دعوى فإنه يُطالَب بالبينة عليها؛ لقوله: ﴿أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ﴾ [الصافات ١٥٠]، فهل هم شاهدون حتى يدَّعوا ذلك؟
* ومن فوائد الآية الكريمة: تأكيد إفك هؤلاء الكذابين الذين ادَّعوا أن لله ولدًا؛ لقوله: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ﴾ [الصافات ١٥١].
* ومن فوائدها: أن هؤلاء لهم إفك متعدد بناء على أن ﴿مِنْ﴾ للتبعيض ﴿أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللَّهُ﴾ [الصافات ١٥١، ١٥٢].
* ومن فوائد الآيات: أن الله تعالى مُنَزَّه عن الولد؛ لأن الله جعل هذه الدعوى إفكًا وكذبًا، وأكد الله ذلك بقوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾.
* ومن فوائد الآيات أيضًا: الاستدلال على هؤلاء بدلالة العقل، وهو أن يُقال: كيف يصطفي الله البنات على البنين؟ هذا ليس بعقل، ليس بمعقول، ولكن هم يجعلون هذا الشيء أمرًا معقولًا واجبًا أيضًا؛ أن يكون لله البنات ولهم البنون.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء الذين حكموا بهذا الحكم أشبه ما يكونون بالمجانين؛ ولهذا خُوطبوا بمخاطبة المجنون حيث قيل لهم: ﴿مَا لَكُمْ﴾ ما هذا العمل؟ هل هذا عمل عاقل؟!
* ومن فوائدها: الإنكار على كل حكم باطل؛ لقوله: ﴿كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [الصافات ١٥٤] فإن هذا إنكار عليهم بهذا الحكم الذي يُعلم بطلانه بضرورة العقل والنقل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإعلان بسفه هؤلاء وأنهم لا ينتفعون بالآيات؛ لقوله: ﴿أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الصافات ١٥٥].
* ومن فوائدها أيضًا: توبيخ من لم يتذكر؛ لأن المراد بالاستفهام هنا التوبيخ، فكل من لم يتذكر بآيات الله فلا شك أنه مستحق للوم والتوبيخ.
* ومن فوائدها: إظهار عدل الله عز وجل في مجادلة العدو والخصم في قوله: ﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ﴾ [الصافات ١٥٦]، فلم يقتصر الله عز وجل على تكذبيهم؛ يعني على أن كذَّبهم، بل طلب منهم الحجة إن كانوا صادقين في دعواهم، ومن المعلوم أنهم لن يُقيموا الحجة؛ ولهذا قال: ﴿فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الصافات ١٥٧].
* ومن فوائدها أيضًا: جواز تحدي الخصم بما يعجز عنه، وأن ذلك طريق من طرق إفحامه.
فإن الخصم عند المناظرة يمكن إبطال حجته بعدة أساليب؛ منها: التحدي ولكن يجب أن يكون التحدي بما لا يمكن أن يُقيم عليه البرهان والدليل؛ لأنك لو تحديته بشيء يمكنه أن يقيم عليه الدليل والبرهان، فأقام عليه الدليل والبرهان لخَصَمَك ولضعف جانبك، فإياك أن تتحدى عند المناظرة إلا بشيء تعلم أنه لا يمكن أن يكون.
ولهذا ذكر الله سبحانه وتعالى في محاجة إبراهيم مع الرجل حين قال إبراهيم: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [البقرة ٢٥٨] فقال له الرجل: أنا أحيي وأميت، فقال إبراهيم: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ [البقرة ٢٥٨]، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام تحدَّاه أولًا بأن الله يحيي ويميت، وأنت أيها المحاج لا تحيي ولا تميت، فلما ادعى كذبًا أنه يحيي ويميت، وكان في ذلك تلبيس على العامة؛ لأنه قال: أنا أحيي وأُميت، أُوتَى بالرجل المستحق للقتل فلا أقتله، فهذا -على زعمه- إحياء، والحقيقة أن هذا ليس إحياءً، ولكنه استبقاء حياة، وليس استبقاء حياة أيضًا، ولكنه رفع سبب يكون به الموت، وقد يبقى هذا الذي رفعنا عنه سبب الموت وقد لا يبقى، وقال: إني أوتى بالرجل البريء فأقتله فهذا إماتة. على زعمه، وهذا ليس بإماتة ولكنه فعل سبب يكون به الموت، وقد لا يكون به الموت.
فالحاصل أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أراد قصر الطريق واختصاره قال: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ [البقرة ٢٥٨] فانقطعت الحجة ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ وهذه من آداب المناظرة؛ وهو إفحام الخصم بما لا يمكن أن يقيم عليه الحجة والبرهان، ولكن كما قلت: يجب أن تُلاحظ أنك إذا أفحمته أو تحديته بشيء يمكنه أن يقوم به، فقام به، فهذا إضعاف لجانبك، سيكون هذا أحد طرق هزيمتك؛ ولهذا قال: ﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ﴾ [الصافات ١٥٦].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الحجة سلطان لصاحبها؛ لأنه يكون بها السلطة على خصمه الذي يحاجه.
* طالب: ﴿صَالِ الْجَحِيمِ﴾ حذف الياء (...).
* الشيخ: لالتقاء الساكنين.
* الطالب: أيها؟
* الشيخ: الجحيم ما هي همزة وصل؟
* الطالب: هو في جعل (قاضٍ) حذفت الياء منه.
* الشيخ: يكون لالتقاء الساكنين أيضًا؛ لأن التنوين ساكن.
* الطالب: وهنا إذا كان كذلك (...).
* الشيخ: هذا لالتقاء الساكنين لكن يختلف؛ لأن هنا ما فيه التنوين، والسبب أن ما فيه التنوين؛ لأنها مضافة، والمضاف لا ينون، ألم تسمع قول الشاعر:
؎كَـــأَنِّيَ تَنْــــوِينٌ وَأَنْتَ إِضَـــافَةٌ ∗∗∗ فَأَيْــنَ تَرَانِي لَا تَحِـــلُّمَــكَــانِي
* الطالب: ولا تجمع بين اللام والتنوين.
* الشيخ: نعم.
* طالب: قال الله في الآية: ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (١٦١) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ﴾ [الصافات ١٦١، ١٦٢] يعني منهم العاقل وغير العاقل؟
* الشيخ: إي نعم، لكن الغالب؟
* الطالب: الغالب أنه لغير العاقل.
* الشيخ: غير العاقل؛ فلهذا أتى بـ(ما) تغليبًا.
* الطالب: من باب التغليب هذا؟
* الشيخ: نعم، مثل: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ [الجمعة ١].
* طالب: نأخذ من مجمل الآيات تفضيل الله عز وجل للوليد الابن على الوليد البنت؟
* الشيخ: للابن على البنت؟ هذا معروف أن الابن أفضل.
* الطالب: يعني داخلة في قوله: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء ٣٤]؟
* الشيخ: إي نعم.
* * *
* الطالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الصافات ١٦٤ - ١٧٠].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الصافات ١٥٧].
* من فوائد هذه الآية: أن من تحدى غيره فله طلب البينة على ما قال ذلك الغير بقوله: ﴿فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ﴾ [الصافات ١٥٧].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن حُجَّة القرآن حُجَّة دامغة مُلزِمة، لا يمكن التخلص منها؛ ولهذا تأتي دائمًا بصورة التحدي إظهارًا لعجز المعارض وعدم قدرته على المعارضة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء كاذبون فيما ادعوه عاجزون عن إقامة البرهان عليه، لقوله: ﴿كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الصافات ١٥٧].
* ومن فوائد قوله: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾ * إلى آخره: بيان عتو هؤلاء وطغيانهم؛ حيث وصفوا الله سبحانه وتعالى بما لا يليق به، فجعلوا بينه وبين الجن نسبًا.
* ومن فوائدها: أن هؤلاء الذين جعلوا بينه وبين الله نسبًا، يعلمون أن هؤلاء مُعذَّبون على ما قالوا، محضرون في النار؛ لقوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ [الصافات ١٥٨].
* ومن فوائدها: أن هذه الجنة متبرئة مما يدعيه هؤلاء في جانبها؛ لأنها إذا علمت أنهم محضرون في العذاب فإنها لم تُقرهم على ما ادعوه لله سبحانه وتعالى من الولَد.
* ومن فوائد الآيات الكريمة: تنزيه الله عما وصفه الظالمون المعتدون؛ لقوله: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات ١٥٩].
* ومن فوائدها: أن صفات الله تكون سلبية؛ أي دالة على النفي، وتكون ثبوتية؛ أي دالة على الإيجاب، فقوله: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾ هذا من صفات النفي، لأنه تنزيه، وصفات النفي التي وصف الله بها نفسه لا تدل على النفي المجرد؛ لأن النفي المجرد ليس بشيء فضلًا عن أن يكون مدحًا، وإنما تدل على ثبوت كماله المنزه عن هذا العيب، فتنزيه الله عما لا يليق به يتضمن كماله فيما يختص به سبحانه وتعالى، وهذه قاعدة في جميع الصفات المنفية أنه لا يراد بها النفي المجرد؛ لأن النفي المجرد ليس بشيء؛ لأنه نفي فضلًا عن أن يكون مدحًا، إنما يراد بها إثبات كماله سبحانه وتعالى في صفاته حتى انتفى عنه كل صفة نقص.
* ومن فوائد الآيات الكريمة: أن من عباد الله سبحانه وتعالى مَنْ مَنَّ عليهم فأخلصهم وأخلصوا له الحق؛ لقوله: ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات ١٦٠] الذين أخلصهم الله مما أُصيب به غيرهم، والذين أخلصوا لله فيما يصفونه به.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذا القرآن الكريم مثاني تُثَنَّى فيه الأشياء، فإذا ذُكِر فيه صفة قوم مذمومة ذُكِر بعدها صفة الأقوام المحمودة، فلما ذكر ما وصفه به هؤلاء الظالمون المعتدون بَيَّن أن هناك أناسًا ليسوا على هذه الحال، وهم عباد الله الذين أخلصهم الله تعالى لنفسه، وأخلصوا له ما يجب له.
ثم قال تعالى: ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (١٦١) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (١٦٢) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات ١٦١ - ١٦٣] في هذه الآية بيان أن هؤلاء المجرمين الذين يصفون الله بما لا يليق به، ويصدون عن سبيل الله لن يستطيعوا أن يضلوا من هداهم الله، وإنما يضلون من هو صالِ الجحيم؛ أي من هو تابع لهم على إضلالهم حتى يصلى الجحيم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن من تابع أهل السوء في سوئهم فإنه يُخشى أن يكون ممن كُتب عليه أنه من أصحاب الجحيم؛ لقوله: ﴿مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (١٦٢) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات ١٦٢، ١٦٣].
* ومن فوائدها: أن أهل البصيرة لا يمكن أن يكونوا من أصحاب النار؛ وذلك لأنهم يعرفون الحق، ويعرفون الباطل فيأخذون بالحق، ويتجنبون الباطل، ووجه ذلك: أن الله أخبر بأن هؤلاء المجرمين الضالين المضلين لن يستطيعوا أن يفتنوا أحدًا عن دينه إلا من هو صال الجحيم، فليحذر الإنسان من فتنة أهل الشر والفساد لئلا يكون ممن هو صال الجحيم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات العذاب في الآخرة؛ لقوله: ﴿إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات ١٦٣]، والمراد جحيم الآخرة ونارها، وليس جحيم الدنيا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: انقسام الناس إلى قسمين: صالٍ للجحيم وناجٍ منهما؛ لأن الاستثناء في قوله: ﴿إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ يدل على أن هناك شيئًا مُستثنًى منه وهو القسم الثاني الذي قدَّر الله له النجاة.
{"ayahs_start":149,"ayahs":["فَٱسۡتَفۡتِهِمۡ أَلِرَبِّكَ ٱلۡبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلۡبَنُونَ","أَمۡ خَلَقۡنَا ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةَ إِنَـٰثࣰا وَهُمۡ شَـٰهِدُونَ","أَلَاۤ إِنَّهُم مِّنۡ إِفۡكِهِمۡ لَیَقُولُونَ","وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ","أَصۡطَفَى ٱلۡبَنَاتِ عَلَى ٱلۡبَنِینَ","مَا لَكُمۡ كَیۡفَ تَحۡكُمُونَ","أَفَلَا تَذَكَّرُونَ","أَمۡ لَكُمۡ سُلۡطَـٰنࣱ مُّبِینࣱ","فَأۡتُوا۟ بِكِتَـٰبِكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","وَجَعَلُوا۟ بَیۡنَهُۥ وَبَیۡنَ ٱلۡجِنَّةِ نَسَبࣰاۚ وَلَقَدۡ عَلِمَتِ ٱلۡجِنَّةُ إِنَّهُمۡ لَمُحۡضَرُونَ","سُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا یَصِفُونَ","إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلۡمُخۡلَصِینَ","فَإِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ","مَاۤ أَنتُمۡ عَلَیۡهِ بِفَـٰتِنِینَ","إِلَّا مَنۡ هُوَ صَالِ ٱلۡجَحِیمِ"],"ayah":"فَإِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ"}