الباحث القرآني
ثم قال: ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ ننكسه فِي الْخَلْقِ﴾ [يس: ٦٨].
قال الله عز وجل ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ ننكسه فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾ الجملة هذه شرطية، فعل الشرط هو قوله: ﴿نُعَمِّرْهُ﴾، وجوابه ﴿ننكسه﴾ ، يقول الله عز وجل: ﴿مَنْ نُعَمِّرْهُ﴾ أي: نجعل عمره طويلًا؛ ولهذا قال المؤلف: (بإطالة أجله ﴿ننكسه﴾ وفي قراءة بالتشديد من التَّنْكِيس)، والقراءة الأصل التي جعلها المؤلف أصلًا من الإنكاس[[الصواب ﴿نَنْكُسْهُ﴾ من (النكس)، وليست من الإنكاس، وسوف يُنَبَّهُ عليها فيما بعدُ.]]، والإنكاس والتنكيس بمعنى الرَّدِّ من حال كاملة إلى حال ناقصة.
وقوله: ﴿نُنَكِّسْهُ﴾ أو﴿ننكسه فِي الْخَلْقِ﴾ يقول المؤلف في تفسيرها: (أي خلقه فيكون بعد قوته وشبابه ضعيفًا وهرمًا) نعم، كلما طال العمر بالإنسان فإنه يرجع إلى الوراء ليس بالقوة البدنية فحسب، بل في القوة البدنية والقوة العقلية والقوة الفكرية فيضعُف ويعود إلى أرذل العمر كما قال الله عز وجل، والغرض من هذا التنبيه وإن كان أمرًا واقعًا، كل يعرفه الغرض من هذا أن يبادر الإنسان عمره ما دام في قوته وشبابه؛ لأنه سيأتيه اليوم الذي لا يكون عنده تلك القدرة البدنية ولا القدرة الفكرية ولا القدرة العقلية، يكون تفكيره محدودًا كتفكير الصبي لا يفكر إلا فيما يحيط به جدران بيته، ويكون عقله كذلك محدودًا لا يستطيع أن ينظر ويعقل ويفكر في الأمور ويوازن بينها ويحكم عليها، كذلك أيضًا يكون حفظه للأشياء محدودًا فيمر به الشيء الصباح ولا يستطيع التعبير عنه في المساء، كل هذا أمرٌ واقع وظاهر، بل من الناس مَنْ يُسْلَب عقله نهائيًّا، وربما يصل إلى حد يشبه الجنون يؤذي أهله بالصراخ والعويل والأناشيد، وما أشبه ذلك، حسب ما كان عليه حين الصغر، حتى إن الإنسان إذا كان مثلًا جمالًا وكان يُنْشِد الأشعار تجده إذا كبر وهرم يبدأ ينشد هذه الأشعار، كل هذا أمر لا بد منه؛ ولهذا قال الشاعر:
؎لَا طِيبَ لِلْعَيْشِ مَا دَامَتْ مُنَغَّصَةً ∗∗∗ لَذَّاتُهُ بِادِّكَارِ الْمَوْتِوَالْهَرَمِ
كل إنسان عاقل إذا تَذَكَّرَ أن مآله إما موت عاجل وإما هرم فإنه لا يطيب له العيش، ولكن ليس معنى (لا يطيب له العيش) أنه يبقى ندمان في حزن، لا، بل، يسعى ويستعد لهذه الحال التي لا بد منها.
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ﴾ (أن القادر على ذلك المعلوم عندهم قادر على البعث فيؤمنون به، وفي قراءة بالتاء) ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ وهي سبعية، كما هو معروف، هكذا قال المؤلف رحمه الله: إن المراد الاستدلال بتغيير حال الإنسان إلى هذه الحال الدانية على أن الله تعالى قادر على أن يبعثكم، وهذا الذي قاله ممكن لكن أحسن منه أن يقال إن معنى قوله: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ ، أفلا يكون لكم عقل فتبادروا أعماركم قبل أن تصلوا إلى هذه الحال، تبادرونها بماذا؟ بالإيمان والعمل الصالح ما استطعتم، حتى إذا وصلتم إلى هذه الحالة، وإذا أنتم على أَتَمِّ استعدادٍ لها، وغالبًا أن الإنسان الذي يُمْضِي وقته بطاعة الله سبحانه وتعالى أنه إذا هرم تجده لا يهتم إلا بالطاعات، كثير من المسلمين إذا هَرِموا تجده يقول: أين الماء، أنا أريد أن أتوضأ؟ أو تجده يصلي دائمًا، أو تجده يقرأ القرآن دائمًا، أو يذكر الله دائمًا، وهذه من نعمة الله سبحانه وتعالى أن الإنسان يهرم على الحال التي يكون عليها، وعكس ذلك سيكون بالعكس من كان في حال قوته وشبابه على غير هذا العمل الصالح سوف يكون هذيانه إذا كبر بهذا العمل السَّيِّء، قال: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾
(﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ﴾ أي: النبي ﴿الشِّعْرَ﴾ رَدٌّ لقولهم: إن ما أتى به من القرآن شعر. ﴿وَمَا يَنْبَغِي﴾ يَسْهل ﴿لَهُ﴾ الشعر، ﴿إِنْ هُوَ﴾ ليس الذي أتى به ﴿إِلَّا ذِكْرٌ﴾ عظة ﴿وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ مُظهِر للأحكام وغيرها).
قوله: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ [يس ٦٩]، أمَّا (علَّمنا) فهي تعود (نا) إلى الله سبحانه وتعالى، وأما الضمير الهاء فيعود إلى النبي ﷺ.
فإذا قال قائل: أين مرجع الضمير؛ لأن كل الآيات السابقة ليس فيها ذكر للنبي ﷺ؟
قلنا: إن الضمير يُعْلَم مرجعه من السياق السابق أو السياق اللاحق، وهذا يُشْبِه العهد الذهني في (أل) أو من الفهم بحيث يكون الأمر مفهومًا عند المخاطب، وهذا كالعهد أيش؟ كالعهد الذهني.
هنا يُعْلَم مرجع الضمير في قوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾، ومعلوم أن الذي جاء بهذا الذكر والقرآن المبين هو محمد ﷺ.
يقول الله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ﴾ أي: ما علَّمْنَا النبي ﷺ الشعر؛ لأن الشعر في الواقع لو علَّمَه الله النبي ﷺ لكان في ذلك حُجَّة للمبطلين المكذبين، ولقالوا: إن هذا القرآن من جملة الشعر الذي عُلِّمَ إياه؛ ولهذا لم يُعَلَّم الشعر ولم يعلم الكتابة كما قال تعالى:﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت ٤٨].
يقول: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ﴾ فالنبي ﷺ لم يَقُلْ شعرًا أبدًا، وإذا قُدِّرَ أن جرى على لسانه كلام موزون وزن الشعر فإنه ليس عن قَصْدٍ وإرادة وإنما جاء عفوًا، والذي يأتي عفوًا ليس مقصودًا فلا يكون معلومًا؛ مثل قوله ﷺ: «أَنَّا النَّبِيُّ لَا كَذِبٌ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٨٦٤)، ومسلم (١٧٧٦ / ٧٨) من حديث البراء بن عازب.]].
فإن هذا رجز، ولكنه ليس عن قصد فلا يكون ذلك تعليمًا، أما الشعر فإنه الكلام الموزون المقفى وسُمِّيَ شعرًا؛ لأنه يأخذ بالشعور، ولهذا تجد أن النَّظْمَ يأخذ باللُّبِّ أكثر مما يأخذ النثر؛ يعني: ربما تسمع خطبة بليغة جيدة جدًّا وتجد ما يماثلها في المعاني من نظم، ولكنك ترى أن تأثير النظم أشد، وأخذَه بالشعور أكثر؛ ولهذا سُمِّيَ شعرًا، وبه نعرف أن ما يُسَمَّى الآن بالشعر المنثور ليس بشعر؛ لأنه لا يأخذ بالمشاعر، ليس بشعر وليس بنثر، وإنما هو كالمنافق لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، لا يطرب إليه من يطربون إلى النثر والخطب، ولا من يطربون إلى الشعر والقصائد، فهو في الحقيقة ليس بشيء، ولكن لكل امرئ من دهره ما تعود، الذين أحدثوه يطربون له ويرون أنه أشدَّ شاعرية من شعر امرئ القيس، فنحن نقول: إن الشعر هو الذي يأخذ بالمشاعر؛ بأن يكون كلامًا موزونًا مُقَفًّى يأخذ باللُّبِّ.
يقول: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ﴾ قال المؤلف: (رَدٌّ لقولهم: إن ما أتى به من القرآن شعر)، والمكذبون والذين يقومون ضد أي إنسان لا بد أن يَصِفُوا قوله بالمعائب؛ لماذا؟ من أجل أن يُنَفِّروا الناس عنه، ولكن كما قال الله عز وجل: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ﴾ [التوبة ٣٢]، قال الله سبحانه وتعالى في سورة الذاريات: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات ٥٢].
كل الرسل وُصِفوا بهذين الوصفين من أعدائهم؛ السحر والجنون، ومحمد عليه الصلاة والسلام أيضًا وُصِفَ بذلك؛ وصفوه بأنه ساحر وشاعر ومجنون وكاهن وكذاب، كل ذلك من أجل أن يُنَفِّروا الناس عنه، ولكن هل حَصَل الأمر؟ هل نفر الناس؟ أبدًا؛ لأن الحق -والحمد لله- سيعلو مهما قُوبِل به من صدمات فإن العاقبة له.
فإذا قال قائل: هذا الوصف للرسول عليه الصلاة والسلام هل يتعدى إلى أتباعه؟
فالجواب: نعم، كل ما وُصِفَت به الرسل يوصف بمثله أتباعُهُم، ألم تعلموا أن المجرمين إذا رأوا المؤمنين يقولون: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ﴾ [المطففين ٣٢] يصفونهم بالضلال، وفي عصرنا يصفونهم بالرجعية والتأخر وما أشبه ذلك من الكلمات التي ينفروا الناس بها عن الحق، وأهل البدع يصفون أهل السنة والجماعة بألقاب السوء يقولون: إنهم نوابت، غثاء، حشو، حشوية، مجسمة، مشبهة، وما أشبه ذلك. كل هذا من أجل التنفير عما هم عليه، ولكن -الحمد لله- أن الأمر يكون ثَوابًا لهؤلاء الذين يصفون بهذه العيوب وامتحانًا لهم بالصبر على ما هم عليه من الحق، ثم العاقبة تكون لهم.
المؤلف رحمه الله قال: (وما يَسْهُل له الشعر) يعني: ليس سهلًا له، بل هو صعب عليه إنشاءً، وصعب عليه إنشادًا يعني: هو عليه الصلاة والسلام إذا أنشد شعر غيرِه ينشده أحيانًا على غير الوزن المعروف؛ لأنه ليس له عناية بالشعر أو تَحَفُّظٌ له، أما بنفسه فلا يُنْشِد، ولكن الأولى أن يفسر هنا ﴿مَا يَنْبَغِي﴾ أي: ما يمكن، ولا يصلح له، ولا يليق به؛ لأنها كلما جاءت في القرآن ﴿مَا يَنْبَغِي﴾ فالمراد بها الممتنع غاية الامتناع، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾ [مريم ٩٢]، ليس معنى ﴿مَا يَنْبَغِي﴾ يعني أنه ما هو طيب، ولكن يمكن لكنه مستحيل غاية الاستحالة، ومثل قوله: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ [يس ٤٠] يعني: هذا شيء مستحيل أن تدرك القمر، وهذا حسب العادة فيما يتعلق بالشمس ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ أي: ما يمكن ولا يليق به عليه الصلاة والسلام أن يكون شاعرًا.
﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ قال المؤلف: (ليس الذي أتى به ﴿إِلَّا ذِكْرٌ﴾ ) فأفادنا بأنَّ ﴿إِنْ﴾ هنا نافية؛ يعني: ما هو إلا ذكر، ﴿إِنْ﴾ مكسورة الهمزة تأتي لعدة معان نستذكرها الآن، وإن كانت قد مرت علينا، الأول.
* طالب: نافية.
* الشيخ: نعم، نافية كما هنا، وعلامتها غالبًا أن يأتي بعدها (إلا)، طيب والثانية.
* طالب: شرطية.
* الشيخ: شرطية مثل؟
* طالب: إن تذاكر تنجح.
* الشيخ: إن تذاكر تنجح، طيب. وتأتي..
* طالب: زائدة.
* الشيخ: زائدة، مثل؟
* طالب: ما إن.
* الشيخ: ما إن، هات البيت.
* طالب:
؎بَنِي غُدَانَةَ مَا إِنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ ∗∗∗ وَلَا صَرِيفٌ وَلَكِنْ أَنْتُمُ الْخَزَفُ
* الشيخ:
؎بَنِي غُدَانَةَ مَا إِنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ ∗∗∗ وَلَا صَرِيفٌ وَلَكِنْ أَنْتُمُ الْخَزَفُ
طيب، هذه ثلاث.
* طالب: مخففة من الثقيلة.
* الشيخ: مخففة من الثقيلة، مثل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أيش؟
* طالب: (...).
* الشيخ: طيب، ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ [طه ٦٣].
؎................... ∗∗∗ وَإِنْ مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامَالْمَعَادِنِ
طيب، ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ قال: (عِظَة).
* طالب: (...) على الطاعة، هل يؤجر على هذا (...)؟
* الشيخ: ما هو بالظاهر، الظاهر ما يُشْتَرط.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي ما في شك؛ لأنه كونه يكون في قلبه هذا الشيء أحسن من أن يكون في قلبه محبة الدنيا، وما أشبه ذلك.
* طالب: (...) معناه أنه يُؤْجَر عليه (...).
* الشيخ: والله، إني أشك في الأجر إلا إذا كان عنده قصد، إن كان عنده قصد، لكنه هو في الحقيقة قاصد لهذا الأمر، لكن هل قصد به القُرْبَة، الله أعلم.
* طالب: (...).
* الشيخ: معلوم (...) يقصد بها القُرْبة، يقصد العمل والتقرب إلى الله بها، لكن هنا هل إنه يقصد التقرب أو شيء يجري على لسانه؛ لأنه هذا اللي في ذهنه من قبل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: اللي عندي، عندي ﴿نُنْكِسْهُ﴾ ، وفي قراءة بالتشديد من التنكيس، نراجع. عندنا قراءتان الآن، نراجع القراءتين الآن، ما عندك.
* طالب: قوله: ﴿نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ﴾ أي: نُقَلِّبُه فيه فلا يزال يتزايد ضعفه وانتقاصه بنيته وقواه (...).
وقرأ عاصم وحمزة ﴿نُنَكِّسْهُ﴾ من التنكيس وهو أبلغ (...)، ﴿نُنْكِسُهُ﴾ . قرأ عاصم وحمزة بضم النون الأولى وفتح الثانية وكسر الكاف مشددة من نكَّس مبالغة، والباقون بفتح النون الأولى وتسكين الثانية وضم الكاف خفيفة من نَكَس وهي محتملة للمبالغة وعدمها.
* الشيخ: ﴿نَنْكُسْهُ﴾ طيب، ما ذكر اللي عندنا الثالثة ﴿نُنْكِسْه﴾ الأخير، أعد.
* طالب: وقرأ عاصم وحمزة ﴿نُنَكِّسْهُ﴾ من التنكيس وهو أبلغ.
* الشيخ: لا ويش اللي قبله؟ قال: وهو أبلغ.
* طالب: (...).
* الشيخ: ولا ضبطها؟
* طالب: ضبطها.
* الشيخ: المتن ﴿نُنْكِسْهُ﴾ .
* طالب: (...) وقرأ عاصم وحمزة ننكسه من التنكيس وهو أبلغ، (...) قرأ عاصم وحمزة بضم النون الأولى وفتح الثانية وكسر الكاف المشددة من نكَّسه وغلبه، والباقون بفتح الأولى وتسكين الثانية وضم الكاف خفيفة.
* الشيخ: ﴿نَنْكُسْهُ﴾ على هذا الضبط.
* طالب: وهي محتملة للمبالغة وعدمها (...) من باب قتل (...) ومنه قيل..
* الشيخ: نشوف بعدين، ما هو عندكم المصحف اللي فيه القراءات؟
* طالب: لِمَ وصف العرب الجاهليون القرآن بالشعر مع أن الفرق بين الشعر والنثر واضح لدى عامتهم فضلًا عن شعرائهم أما كانوا يعرفون أنه ليس بشعر؟
* الشيخ: على كل حال أنت تعرف المبطل يُمَوِّه بكل شيء، وإذا كثرت الدعايات والكلام والقول فقد ينقلب الأمر، فهم يفهمون أن هذا ليس بشعر، لكن قد يقول مثلًا: هذا شعر أتى به جديدًا على وجه جديد، وما أشبه ذلك، ويروجون لدعايتهم حتى يشتبه الأمر.
* طالب: لأن المروجين للشعر الحديث.
* الشيخ: نعم.
* طالب: قالوا: إن الشعر كان عند العرب نزل (...) بدليل أنهم نعتوا القرآن بالشعر وهو ليس موزونًا مقفى.
* الشيخ: لا، إحنا نقول: هذا من باب الترويج؛ ولهذا ما تستطيع أن تأتي بقصيدة واحدة للشعراء السابقين على مثل شعرهم هذا أبدًا.
﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ لأيش؟
﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ يعني: ما علمنا محمدًا ﷺ الشعر، ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ أي: لا يصح ولا يمكن أن يتعلم الشعر؛ لأن تعلمه الشعر يوجب احتجاجًا من المبطلين، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت ٤٨]، فلو تعلم النبي ﷺ الشعر لقالوا: إن هذا القرآن شعر مما تعلمه، كما أنه لو كان يكتب لقالوا: إن هذا شيء مما كتبه؛ قال الله تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾، أظن وقفنا على هذه الجملة وبينا أن إن تأتي لعدة معان وهي؟
* طالب: شرطية، ونافية، وزائدة، ومخففة من الثقيلة.
* الشيخ: من الثقيلة. طيب، والذي يعين المعاني المتعددة في الكلمة الواحدة هو السياق، وهذه قاعدة في كل كلمة ذات معان متعددة يعينها السياق وقرينة الحال.
قال: ﴿إِنْ هُوَ﴾ أي: ما هو أي: الذي علمناه ﴿إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾، فقوله: ﴿إِنْ هُوَ﴾ ضمير يعود على المصدر المفهوم مِنْ (علمنا)، وكون مرجع الضمير مصدرًا معلومًا من الفعل السابق أمر لا يُسْتَغْرَب، ألم تر إلى قوله تعالى: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة ٨] ﴿هُوَ﴾ أي: العدل المفهوم من كلمة ﴿اعْدِلُوا﴾، فهنا ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ﴾ أي: الذي علمناه، ﴿إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ أي: ما الذي علمناه إلا ذكر وقرآن مبين.
قوله: ﴿إِلَّا ذِكْرٌ﴾ قال المؤلف: (عِظَة) يعني: موعظة يتذكر بها مَنْ تَذَكَّر، ومن الذي يتذكر؟ الذي يتذكر بهذا القرآن بَيَّنه الله تعالى في قوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق ٣٧]، وهذا باعتبار الاستعداد والقبول، وقال تعالى في آية أخرى ما يدل على أن كل المتقين يتعظون بهذا القرآن، فيكون فيه بيان للذين يتعظون به من حيث السلوك، ففي سورة (ق) بيان للذين يتعظون به من حيث القبول والاستعداد في التذكر.
وفي الآيات الأخرى التي تربط التذكر بالقرآن بالإيمان والتقوى وما أشبه ذلك دليل على من يتعظ به من حيث السلوك والعمل وكلما ازداد الإنسان عملًا بالقرآن ازداد تَذَكُّرًا به، وهذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله في معنى الذكر هو أحد معاني؛ لأن الذكر الذي وُصِفَ به القرآن يتضمن عدة معانٍ:
المعنى الأول ما ذكره المؤلف وهو أيش؟ العظة والتذكر به.
المعنى الثاني أنه ذِكْرٌ يذكر به الله وهو أشرف أنواع الذكر، كيف ذلك؟ لأن القرآن كلام الله عز وجل فبمجرد ما تتلوه وأنت تشعر أنه كلام الله سوف تذكر عظمة الله عز وجل، ولأن القرآن يشتمل على أخبار هي أصدق الأخبار وأنفعها للقلوب، ولأنه يشتمل على قصص هي أحسن القصص وأجملها وأتمها، ولأنه يشتمل على أحكام مِنْ لَدُنْ حكيمٍ خبير هي أعدل الأحكام وأقومها بمصالح العباد، ولأنه يشتمل على أوصاف الله تعالى وأسمائه التي هي أفضل الأسماء وأشرف الأوصاف. كل هذا في الواقع ذِكْرٌ، فالقرآن نفسه ذكر لله عز وجل؛ لأنه يشتمل على كل هذه المعاني التي بينها الله تعالى في كتابه.
المعنى الثالث للذكر أنه رِفعة وشرف لمن يقوم به ويعمل به؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف ٤٤]، والذكر بمعنى الرفعة والشرف موجود في القرآن كما في الآية التي تلوتُها الآن، وكما في قوله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح ٤] أي: ذكرك بالشرف والتبجيل والتعظيم.
فصار معنى الذكر هنا التذكر الذي هو الموعظة، والذكر الذي هو ذكر الله عز وجل بما يشتمل عليه القرآن مما أشرنا إلى شيء منه، والثالث الشرف؛ لأنه لا شك أن مَنْ تَمَسَّك بهذا القرآن فإنه له الشرف والسيادة على جميع الخلق؛ ولهذا فإني أحثُّكم على أن تمسكوا بهذا القرآن وأنتم إذا تمسكتم به عقيدة وعملًا وهديًا فستكون العاقبة لكم، ولا تظنوا أنكم قليلون، لو كنتم قليلين فإن الاهتداء بالقرآن يستلزم أن ينجذب الناس للمهتدي به حتى يكثروا شيئًا فشيئًا كالحجر تلقيه في اليم ثم تتسع الدائرة حتى يشمل اليم كله، فالحاصل أن المهم أن الإنسان إذا تَمَسَّك بهذا القرآن الكريم فسوف يكون له الشرف والسيادة والظهور على جميع الخلق.
قال: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾، ﴿قُرْآنٌ﴾ يحتمل أن يكون بمعنى مفعول وأن يكون بمعنى فاعل؛ لأن قرآن مصدر مثل الشكران والغفران والنكران وما أشبهها، والمصدر يأتي بمعنى اسم الفاعل ويأتي بمعنى اسم المفعول؛ وعلى هذا فالقرآن قارئ ومقروء؛ أما كونه قارئًا فلأنه من القَرْء يعني الجمع فهو جامع للأحكام والأخلاق والآداب الموجودة في الكتب السابقة قبله كما قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة ٤٨]، فهو جامع أيضًا لكل ما تقوم به أمور الدنيا وأمور الآخرة، هو أيضًا مقروء أي: متلو؛ لأنه يُتْلَى، والقراءة بمعنى التلاوة.
إذن قرآن نقول: إنه مصدر بمعنى اسم الفاعل واسم المفعول، وهل له نظير أعني إتيان المصدر على وزن فعلان؟
* طالب: نعم، له نظير.
* الشيخ: إي نعم، له نظير قلنا: الغفران والشكران والنكران وما أشبهه.
قال: ﴿مُبِينٌ﴾ قال المؤلف رحمه الله: (مظهر للأحكام وغيرها) فـ﴿مُبِينٌ﴾ هنا من (أبان) بمعنى أظهر، وقد سبق لنا مرارًا أن (أبان) يكون لازمًا ويكون متعديًا، يكون لازمًا بمعنى ظهر وهو كثير في القرآن مثل: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران ١٦٤] أي: بَيِّنٌ ظاهر، وتأتي مبين من (أبان) بمعنى أظهر أي المتعدي كما في هذه الآية.
﴿مُبِينٌ﴾ أي: مظهر، لأي شيء هو مظهر؟ مظهر للأحكام وغير الأحكام كما قال الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل ٨٩]، فما من شيء يحتاج الناس إليه إلا وجد في القرآن كل شيء يحتاج الناس إليه موجود في القرآن، لكن وجوده في القرآن إما أن يكون على وجه صريح أو على وجه ظاهر، أو على وجه الإيماء والإشارة، أو على وجه الشمول والعموم، أو على وجه اللزوم.
المهم أن القرآن مبين لكل شيء؛ تارة يذكر الدليل على المسألة، وتارة يذكر التوجيه إلى الدليل على المسألة، فمثلًا في مسائل كثيرة لا توجد في القرآن وهي من أهم أحكام الإسلام كعدد الركعات في الصلوات وتقدير أنصباء الزكاة وما يجب فيها وما أشبه هذا، لكن في القرآن ما يشير إليه مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر ٧] هذه الآية إذا وجهتها إلى السنة شملت جميع السنة، وشرعنا كله لا يعدو الكتاب والسنة، إذن فالقرآن مُبَيِّن لكل شيء؛ ولهذا قال: ﴿مُبِينٌ﴾ في الأحكام وغيرها، هو أيضًا مبين لكل ما سبقنا من الحوادث التي يكون في بيانها مصلحة كقصص الأنبياء وقصص الأولياء وقصص المكذبين للرسل وغير ذلك، كل ما سبق مما في ذكره مصلحة لنا فهو مذكور، أما ما ليس لنا فيه مصلحة فإنه لا حاجة إلى ذكره، وقد يكون هذا الشيء الذي لم يُذْكَر موكولًا إلى عقول الناس وتجاربهم كما في كثير من طبائع الأشياء، الأمور الطبيعية سواء كانت فلكية أو جيولوجية أو غير ذلك نجد أن القرآن لم يفصِّلْها، ولم يبينها لماذا؟ لأنه ليس فيها فائدة، فائدتها تكْمُن في أن الناس يطلبونها وينظرون في آيات الله ويتحركون حتى يدركوها.
ولهذا تجد بعض المسائل التي يتنازع فيها الناس كمسألة دوران الأرض هل هي موجودة في القرآن على وجه صريح؟ ما هي موجودة لو كان هذا مما يتعين علينا اعتقاده إثباتًا أو نفيًا لكان الله عز وجل يبينه بيانًا واضحًا كما بَيَّن الأمور التي لا بد لنا من الاعتقاد فيها على وجه صريح، إذن هذه موكولة للناس استخراج ما في الأرض من المعادن وغيرها من المصالح العظيمة التي لم يُطْلَّع عليها إلا أخيرًا، هذا أيضًا لم يُذْكَر في القرآن وإن كان في القرآن إشارة إليه لكنه لم يُذْكَر على وجه التفصيل، بل قال الله تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ﴾ [الرعد ٤] و﴿قِطَعٌ﴾ هذه من صيغ جموع التكثير، لو تقول: إنها ملايين القطع لم يخرج عن دلالتها، هذه القطعة لولا أنها تختلف في منافعها وذواتها وكل ما يتعلق بها ما قال الله: ﴿قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ﴾ إذن هي متباينة في هذه الآية مثلًا تستطيع أن تقول: إن الله أرشدنا إلى استخراج أيش؟ المعادن من الأرض لأن الله بَيَّن أنها قطع، ما هي القطع اللي فوق التراب، هذا فقط في أشياء كثيرة ما تُعْلَم، وربما تُعْلَم في المستقبل، وربما ظهر علمها الآن، المهم أن القرآن مبين أيش؟ مبين لكل شيء.
وأنت إذا تدبرت القرآن مرة بعد أخرى لا تعيد التدبر مرة ثانية إلا ظهر لك معنى جديدًا غير الأول، ولا يمكن لأحد أن يحيط بمعاني القرآن، لكن كلما تدبره الإنسان طالبًا الحقَّ مريدًا للصواب فإنه يهتدي إلى معانٍ كثيرة.
سُئِل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه هل عهد إليكم رسول الله ﷺ بشيء؟ لأنه كان يُرَوَّج في ذلك الوقت -من وقت علي والشيعة- يروجون بأن النبي ﷺ عهد بالخلافة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فسُئِلَ هل عهد إليكم رسول الله ﷺ بشيء؟ يعني: من الخلافة أو من العلوم التي كتمها عن الناس، فقال: «لَا، وَالَّذِي بَرَأَ النَّسَمَةَ وَفَلَقَ الْحَبَّةَ إِلَّا فَهْمًا يُؤْتِيهِ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ شَاءَ فِي كِتَابِهِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَالَّذِي فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ الْعَقَلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَلَّا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»[[أخرجه البخاري (٣٠٤٧) من حديث علي بن أبي طالب.]] الشاهد كلامه الأول إلَّا فَهْمًا يؤتيه الله تعالى مَنْ شاء في كتابه، هذا الفهم يختلف فيه الناس اختلافًا كبيرًا جدًّا جدًّا، ترى بعض العلماء يتكلم على آية يستخرج منها فوائد محدودة معدودة، وترى آخر يتكلم عليها يستخرج منها أضعافًا مضاعفة بالنسبة لما استخرجه الأول، كل ذلك بحسب استعداد الإنسان وفَهْمِه وبصيرته، وكلما ازداد الإنسان إيمانًا وتقوى ازداد هدى بالقرآن؛ ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد ١٧].
قال عز وجل: (﴿لِيُنْذِرَ﴾ بالياء والتاء) ﴿لِيُنْذِرَ﴾ بالياء، فالضمير يعود على أيش؟ على القرآن. ﴿لِتُنْذِرَ﴾ الضمير يعود على رسول الله ﷺ، لكن على قراءة التاء قَدَّر المؤلف: (به) لتنذر به؛ ولهذا قال: (بالياء والتاء به) كلمة (به) تعود على القراءة الثانية وهي ﴿تُنْذِرَ﴾ ، أما القراءة الأولى فلا تحتاج إلى هذا التقدير، ولا شك أن القرآن نفسه منذر، وأن النبي ﷺ منذر به، فالقرآن فيه وعيد، وفيه أوصاف لمن يستحق هذا الوعيد، وهذا هو الإنذار، كما أن فيه أيضًا بشارة وأوصافًا للمبشرين، وهذا هو التبشير، فالقرآن فيه بشارة وفيه إنذار والنبي ﷺ جاء بالقرآن وأَنْذَر به وخَوَّف به ورغب به. ﴿مَنْ كَانَ حَيًّا﴾ قال المؤلف: (يعقل ما يخاطب به وهم المؤمنون).
﴿مَنْ كَانَ حَيًّا﴾ هل المراد بالحياة هنا الحياة المعنوية التي هي حياة القلب أو الحياة الحسية التي هي حياة الجسم؟ الظاهر أنه يشمل الأمرين؛ ولهذا قال ابن كثير رحمه الله: ﴿مَنْ كَانَ حَيًّا﴾ على وجه الأرض؛ يعني: من كان حيًّا حياةً جسمية؛ لأن رسالة الرسول ﷺ رسالة عامة لجميع الخلق فهو يُنْذِر من كان حيًّا يعني: ينذر كل حي أو من كان حيًّا حياة معنوية؛ يعني: حياة القلب؛ حيث يراد به مَنْ يعقل ويتبصر ويؤمن وعكسه مَنْ؟ عكسه الميت ميت الجسم، وميت القلب، أما ميت الجسم فلا يمكن إنذاره بالقرآن؛ لأنه انتقل إلى دار الجزاء ولا يمكن أن يفهم ولا أن يعلم، وأما ميت القلب فلأنه قد طبع على قلبه -والعياذ بالله- فلا يصل إليه النور ولا يصل إليه الحق.
(﴿وَيَحِقَّ الْقَوْلُ﴾ العذاب ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ وهم كالميتين لا يعقلون ما يخاطبون به) هنا قال: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا﴾ فينتفع بالإنذار ويتَّعظ ويتجنب المحرمات ويأتي بالواجبات، ﴿وَيَحِقَّ الْقَوْلُ﴾ ماذا تتوقع أن يقال؟ أتوقع أن يقال: ويحق القول على من كان ميتًا أو على الأموات؛ لأن هذا مقتضى المقابلة، نعم، لكن عدل عن هذا إلى ذكر الكافرين ﴿وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [يس ٧٠]، وفائدة العدول عن ذكر المقابل بلفظه أمران:
الأمر الأول: أن المراد بالميت الكافر، وأن الكافر لا يمكن أن ينتفع بالقرآن.
والثاني: التسجيل على أن من لم ينتفع بالقرآن فهو كافر، ومن انتفع به في شيء دون آخر ففيه خصلة من خصال الكفر؛ ولهذا كل معصية فهي من خصال الكفر لكنها قد تكون قليلة، وقد تكون كثيرة فلهذا عدل الله عز وجل عن هذا إلى قوله: ﴿وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ دون قوله: (ويحق القول على الميتين) بل قال:
﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، ومن هذا.. يعني من هذه الأمثلة وهو كثير في القرآن قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ [غافر ٢٠] لم يقل: لا يقضون بالباطل، بل قال: ﴿لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ ليشمل الباطل وغير الباطل؛ يعني: ليس لهم قضاء إطلاقًا؛ لأنهم مربوبون مملوكون فلا يقضون بشيء ﴿وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾.
ثم قال عز وجل: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾ [يس ٧١] إلى آخره.
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ الاستفهام هنا لأيش؟ للتقرير؛ لأنه كلما دخل الاستفهام على نفي فهو للتقرير سواء كانت أداة النفي حرفًا مثل (لم) أو فعلًا مثل (ليس)، المهم أن الاستفهام هنا للتقرير، والواو حرف عطف، والمعطوف عليه ما سبق، أو أن المعطوف عليه مقدر بين الهمزة والواو بحسب ما يقتضيه السياق.
يقول: ﴿يَرَوْا﴾ قال: (يعلموا) فَفَسَّر الرؤية هنا برؤية العلم، ويمكن أن يراد بها رؤية البصر، ورؤية البصر أقوى في التقرير من رؤية العلم؛ لأن رؤية العلم قد يُنْكِر الإنسان ويقول: أنا ما أعلم بهذا. لكن رؤية البصر إذا كان الشيء أمامه يشوف الإبل مثلًا لا يمكنه أن ينكر، والحقيقة أنها محتملة لهذا وهذا؛ فباعتبار أن الله خلق هذه الأشياء لا شك أنها رؤية علم لأننا لم نشهد خلق هذه الأشياء كما قال تعالى: ﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الكهف ٥١]، وباعتبار المخلوق رؤية بصر لأنها يُشاهَد ويُعلَم ولا يمكن إنكارُه.
قال المؤلف: (والاستفهام للتقرير والواو الداخلة عليها للعطف) الواو الداخلة عليها الآن هل الواو داخلة ولَّا مدخولة؟ يعني: قولوا عن علم، لا تكن مثل الصبي إذا ذكرت له شيئين يأخذ بالأخير دائمًا، لو تقلب عليه العبارة أخذ بالأخير الذي هو الأول في العبارة الأولى، فالآن هل الواو مدخولة ولَّا داخلة؟
* طلبة: داخلة.
* الشيخ: والواو الداخلة عليها للعطف؟ الواو داخلة عليها ولَّا مدخولة؟
* طالب: داخلة.
* الشيخ: ما هو الداخل هل السابق ولَّا اللاحق؟
* طالب: اللاحق.
* الشيخ: يا إخوان، السابق لا شك، الداخل على الشيء هو السابق، فمثلًا إذا جاءك الواو عندنا، الهمزة والواو أنت تقول: دخلت الهمزة على الواو، ولَّا دخلت الواو على الهمزة؟
* طالب: الواو على الهمزة.
* الشيخ: المؤلف يقول هكذا، لكن نقول: دخلت الهمزة على الواو، إذا قلت: سوف يقوم، هل (يقوم) دخل على (سوف)، ولَّا (سوف) دخلت على (يقوم)؟ سوف دخلت على (يقوم) فالداخل هو الأول، والمؤلف يقول: (والواو الداخلة عليها) يشير إلى القول الثاني في مثل هذا الترتيب، وهو أن التقدير (وألم يروا أنا خلقنا لهم)، وهذا أحد القولين كما هو معروف فهنا المؤلف رحمه الله جعل الواو داخلة على الهمزة، والواقع أن الهمزة حسب الترتيب داخلة على الواو، لكنه رحمه الله يرى أن في المسألة تقديمًا وتأخيرًا وأن الواو داخلة على الهمزة في الأصل فأصله (وألم يروا).
(﴿أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ﴾ في جملة الناس ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ أي: عَمِلْنَاهُ بِلَا شَرِيك وَلَا مُعِين ﴿أَنْعَامًا﴾ هِيَ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم) ﴿أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ﴾ أي: أوجدنا لهم من العدم أنعامًا، والله سبحانه وتعالى مختص بالخلق، لا خالق إلا الله سبحانه وتعالى، وإضافة الخلق إلى المخلوق يعني: أن يكون للمخلوق خلق ليس على سبيل الإضافة بالنسبة إلى الله؛ لأن خلق الله للأشياء خلق إيجاد من عدم، خلق المخلوق للأشياء ليس خلق إيجاد، ولكنه خلق تغيير من حال إلى حال أو وصف إلى وصف، إذا نَجَّرْتَ الخشبة بابًا فقد خلقتها بابًا، لكن هل أنت أوجدت هذه الخشبة؟ الجواب: لا، لكن صيَّرْتَها إلى هيئة معينة، وهذا نوع من الخلق؛ ولهذا يقال للمصورين يوم القيامة: أَحْيُوا أيش؟ ما خلقتم[[متفق عليه؛ البخاري (٢١٠٥)، ومسلم (٢١٠٧ / ٩٦) من حديث عائشة.]]، مع أنهم لم يوجدوا الصورة من عدم، لكن غَيَّروا ونقلوا من حال إلى حال. فالخلق الخاص بالله هو خلق الإيجاد، أما الخلق الذي يكون من المخلوق فما هو إلا تغيير وتحويل فقط.
﴿أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ﴾ اللام هنا للملك ولَّا للاستحقاق؟
* طالب: للاستحقاق.
* الشيخ: للاستحقاق، ويصح أن تكون للملك كما سيأتي في الآية نفسها.
﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾ أي: مما عملنا مِنْ نِعَمٍ، وليس المعنى أن الله سبحانه وتعالى خلق هذه الأنعام بيده، لو كان أراد ذلك سبحانه وتعالى، وكان الواقع كذلك لقال: مما عملنا بأيدينا كما قال تعالى في آدم يخاطب إبليس: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص ٧٥]، فهنا أضاف الخلق إلى نفسه وجعل المخلوق به اليد. أما هنا فأضاف العمل إلى اليد ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ فهو كقوله تعالى: ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى ٣٠] وما أشبهها مما يضاف فيه الفعل إلى اليد والمراد الإنسان كذلك، هنا أضاف الله تعالى العمل إلى يديه، والمراد أيش؟ المراد نفسه أي: مما عملنا. وهنا قال: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ بالجمع، فهل الله عز وجل له أكثر من يد؟ الجواب: لا. هل لله تعالى أكثر من يدين؟ الجواب: لا. ليس لله أكثر من يدين، ليس له إلا يدان اثنتان، فلماذا جَمَع هنا؟ جمع من أجل المناسبة؛ لأن الأفصح في المثنى إذا أُضِيفَ إلى جمع الأفصح فيه الجمع. ألم تر إلى قوله تعالى: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم ٤] مع أنه ليس للإنسان إلا قلب واحد؟
فهنا لَمَّا أضافه إلى الضمير المفيد للجمع -وهنا للتعظيم بلا شك- ناسب الجمع، وأيضًا فإن الجمع أبلغ في التعظيم؛ فلهذا جُمِعَت، وأيضًا فإن هذه الأنعام لا يُحْصيها إلا الله عز وجل فهي جموع كثيرة، كل واحدة منها تحتاج إلى فعل ولَّا لا؟ إلى فعل خاص؛ لأن لكل واحدة خلق خاص، فجمع أيضًا باعتبار المعمول الذي هو هذه الأنعام.
طيب، على كل حال هذه الآية لا شك أنها تفيد إثبات اليد لله عز وجل، ولكنها لا تفيد أن له أكثر من يدين لما عَلِمْتُم من وجوه الجمع، لا تفيد أن لله أكثر من يدين لما علمتم من وجه الجمع.
فإذا قال قائل: ما هو الدليل على أنه ليس لله إلا يدان اثنتان؟
قلنا: الدليل أن الله تعالى تَمَدَّح بهما في مقام المدح والعطاء والرزق، ولو كان له أكثر من ذلك لذكره لاقتضاء المقام إياه؛ قال الله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [المائدة ٦٤] ولو كان له أكثر من ثنتين لقال: بل أيديه؛ لأنه كلما كثرت الأيدي كثر العطاء وهذا باعتبار المخلوق، أما الخالق عز وجل فعطاؤه لا ينفد ولا يُعَدُّ، وليس له إلا يدان اثنتان، هذا ما عليه أهل السنة والجماعة.
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف؟
* طالب: الضابط في عدم التكلف في حمل الآيات (...).
* الشيخ: ينظر إذا كان اللفظ يقتضيه ويدل عليه بمقتضى اللغة العربية ثبت بالقرآن.
* طالب: (...).
* الشيخ: هي بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام صفة نقص لا شك، لو كان شاعرًا لكان هذا نقصًا، وإن لم يكن نقصًا لذاته لذات الشعر لكن لما يترتب عليه من الشبهات، كما أن الأمية وصف نقص من حيث هي لكن هذا باعتبار النبي عليه الصلاة والسلام هي صفة كمال؛ ولهذا مدحه الله بذلك في قوله: ﴿النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ [الأعراف ١٥٧] فالشيء قد يكون كمالًا باعتبار إضافته لشيء ونقصًا باعتبار إضافته لشيء، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً»[[أخرجه البخاري (٦١٤٥) من حديث أبي بن كعب.]] فهذا الذي منه الحكمة لا شك أنه كمال.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، فيه محذور؛ المحذور أنه لو قلنا بذلك لكانت الأنعام أشرف من الأنبياء.
* طالب: قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ فلمَ نقول: إن ﴿ذِكْرٌ﴾ أي: الوحي اللي هو السنة والقرآن هو القرآن المبين؟
* الشيخ: لأن المشركين قالوا: إن القرآن شعر، ولم يقولوا عن قول الرسول عليه الصلاة والسلام: إنه شعر، فأبطل الله قولهم، وقال: هذا الذي تقولون: إنه شعر وأن الرسول عُلِّمَه ما هو إلا ذكر، وفي القرآن كثير من وَصْفِ الله تعالى القرآن بالذكر ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر ٩].
في الآية اللي بعدها * فائدة خامسة وهي إثبات العلة، وإن شئت فقل الحكمة؛ لقوله: ﴿لِيُنْذِرَ﴾ اللام، وكلما رأيت اللام لام التعليل في كتاب الله عز وجل فهي مثبتة للحكمة في أفعال الله تعالى أو في مشروعاته.
ثم قال عز وجل: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾ [يس ٧١] إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية: تقرير نعمة الله عز وجل على عباده بهذه الأنعام؛ لقوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾.
* ومن فوائدها: أن هذه الأنعام ملك لنا ننتفع بها لجميع وجوه الانتفاعات؛ لقوله: ﴿خَلَقْنَا لَهُمْ﴾، فكل وجوه الانتفاعات فإنه يجوز لنا أن ننتفع بها؛ لأنها ما دامت لنا فنحن فيها أحرار إلا ما قام الدليل على منعه.
* ويتفرع على هذه الفائدة أنه يجوز أن نركب ما لم تجر العادة بركوبه؛ مثل أن نركب البقر، ولهذا قال الفقهاء: يجوز الانتفاع بهذه الحيوانات في غير ما خُلِقَت له.
فإن قلت: ما الجواب عن الحديث الصحيح: «بينما رجل راكب بقرة يسوقها إذ التفتت إليه فقالت له: إنا لم نخلق لهذا، قال النبي ﷺ:» «فَأَنَا أُؤْمِنُ بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٦٦٣)، ومسلم (٢٣٨٨ / ١٣) من حديث أبي هريرة.]]؟
فالجواب على هذا أن نقول: إن هذا الرجل قد ركبها ركوبًا يشق عليها، وهي ما خلقت لتعذب وهو كذلك، حتى لو أن الإنسان ركب الإبل على وجه يعذبها قلنا له: إنها لم تخلق لهذا.
* من فوائد الآية الكريمة: صحة نسبة العمل إلى الله؛ لقوله: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾، لكن هل يسمي الله بالعامل؟ لا، كما لا يُسَمى بالصانع أخذًا من قوله تعالى: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل ٨٨]؛ وذلك لأن باب الخبر أوسع من باب الإنشاء والتسمية، يجوز أن نشتق من كل اسم صفة ولا يجوز من كل صفة اسمًا، ولهذا نقول: الصفات أوسع من الأسماء؛ يعني باب الصفات -صفات الله- أوسع من باب الأسماء؛ لأن كل اسم متضمن لصفة وليس كل صفة تتضمن اسمًا.
* من فوائد الآية الكريمة: إثبات اليد لله عز وجل؛ لقوله: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾، وهذه اليد التي وصف الله بها نفسه أو أضافها إلى نفسه يدٌ حقيقية ثابتة لكن بدون أن تكون مماثلة لأيدي المخلوقين؛ لأن مماثلة الخالق للمخلوق ممتنعة غاية الامتناع عقلًا وسمعًا، قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى ١١]، وقال تعالى: ﴿فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ﴾ [النحل ٧٤]، وأما العقل فإن كل عاقلٍ يدرك الفرق بين الخالق والمخلوق في الذات والصفات، فالواجب علينا نحن أن نؤمن بكل ما وصف الله به نفسه من غير تمثيل.
ثم اعلم أن ما وصف الله به نفسه ينقسم إلى صفات لازمة وصفات غير لازمة، وإلى ما نظيره أجزاء وأبعاض لنا.
فمثلًا السمع والعلم والقدرة والحياة هذه صفات لازمة، ويسميها أهل العلم الصفات الذاتية. ومثل الاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والخلق، وما أشبه ذلك، صفات غير لازمة.
الله لم يزل ولا يزال خالقًا لكن المخلوق يتجدد، فكل خلق يتعلق بهذا المخلوق فإنه يكون حادثًا بعد أن لم يكن، ولكن هذا حدوث نوع وليس حدوث جنس؛ لأن الله لم يزل ولا يزال خالقًا، لكن الاستواء على العرش هذا لا شك أنه حادث؛ لأنه قبل العرش ليس مستوٍ عليه.
الذي نظيره أبعاض وأجزاء مثل: اليد، والوجه، والقدم، والعين، هذا نظيره بالنسبة لنا جزء من الذات أو بعض منها، ولا يصح أن نقول: إنه جزء من الله أو بعضٌ من الله؛ لأن الله عز وجل لا يتجزأ ولا يتبعَّض؛ إذ إن الجزء ما جاز وجود أصله بعدمه، هذا الجزء، بالنسبة لله عز وجل لا يمكن أن يكون هكذا؛ يعني لا يمكن أن تنفصل اليد -مثلًا- وحاشَ لله عز وجل، أو الوجه، أو ما أشبه ذلك، بالنسبة للمخلوق يمكن أن تنفصل ولَّا لا؟ يمكن، ولهذا يجب أن نقول: ما نظيره أجزاء وأبعاض لنا، ولا نقول: ما هو أجزاء وأبعاض لله؛ لأن هذا منكَر غاية الإنكار.
اليد نقول: إنها حقيقة يد حقيقية ثابتة لله على وجه لائق به ولكن لا تماثل أيدي المخلوقين، وهذا مذهب السلف وعليه جرى أئمة المسلمين.
لكن ابْتُلِي قوم بالتحريف؛ تحريف اليد وقالوا: إنها النعمة أو القوة، بناء على أن عقولهم تُحِيل أن يتصف الله عز وجل باليد الحقيقية، ولا شك أن هذا ضلال وجناية على النصوص؛ أما كونه ضلالًا فلأنهم حكموا على الخالق بعقولهم القاصرة، وهذا لا شك أنه ضلال، كيف تحكم على الخالق بعقلك؟!
الخالق عز وجل يقول عن نفسه: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة ٦٤]، ويقول: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص ٧٥]، ويقول: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ [يس ٧١]، وأنت تقول: ليس له يد، سبحان الله! لولا التأويل لكان تكذيبًا، لولا تأويلهم لها وقالوا: نحن نثبت اليد لكن المراد كذا لكان هذا تكذيبًا للنصوص، ونحن نعلم أن المكذِّب للنصوص كافر.
جناية على النصوص من وجهين؛ لأنهم يقولون: إن الله لم يرد كذا وأراد كذا، فنفوا ما أراد الله وأثبتوا ما لم يرده، فكان جناية على النصوص من الوجهين؛ السلبي، ويش بعد السلبي؟ والإيجابي؛ السلبي حيث نفوا ما أثبت الله، والإيجابي أثبتوا ما لم يرده الله.
إذا قال الله عز وجل: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص ٧٥]، فقال: أراد باليدين النعمة أو القوة، نقول: سبحان الله! ما الذي أعلمك؟ الله يقول: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص ٧٥] وأنت تقول: ليس له يد بل هي نعمة، من الذي قال لك هذا؟ فنفيك قول على الله بلا علم، وإثباتك لما أثبت قول على الله بلا علم، فكانت جناية على النصوص من وجهين.
والحقيقة أن الإنسان يعجب غاية العجب أن يسلك هذا المسلك أئمة مشهودٌ لهم بالخير والصلاح ونفع الأمة ولكنه يعرف بذلك تمام حكمة الله عز وجل، وأن الإنسان مهما كان فهو ضعيف وقاصر، وإلا سبحان الله! الله سبحانه وتعالى يتحدث عن نفسه بحديث هو أصدق الحديث وأحسن الحديث وصادر من أعلم بما يقول، ثم نقول: والله ما أراد هكذا!
إذن يجب أن نؤمن بأن الله له يد حقيقية ولَّا مجازية؟ حقيقية لائقة به لا تماثل أيدي المخلوقين بأي حال من الأحوال، وهكذا يجب علينا أن نجري جميع آيات الصفات وأحاديثها.
بقي علينا أن نقول: ما تقولون في تفسير بعض العلماء قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ [الذاريات ٤٧] أي: بقوة؟
الجواب أن نقول: هذا صحيح، (أيد) هنا بمعنى قوة؛ لأن (أيد) مصدر (آدَ، يَئِيدُ، أَيْدًا)، ولا يجوز أن نقول هي كقوله: ﴿أَيْدِينَا﴾ [يس ٧١]، هذا حرام علينا أن نقول: إنه هكذا كقوله: ﴿أَيْدِينَا﴾؛ لأن الله لم ينسبها إلى نفسه ما قال: والسماء بنيناها بأيدينا، وإذا لم ينسب الله ذلك إلى نفسه حَرُم علينا أن ننسبه إلى الله، فكان يتعين أن نفسر قوله: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ أي: بقوة، و(أيد) هنا مصدر (آدَ يَئِيد) كـ(باع، يبيع، بيعًا) و(كال، يكيل، كيلًا)، هذا معناها، وإذا لم يُضِفِ الله الشيء إلى نفسه حرم أن نضيفه إليه؛ لأننا لو أضفناه إليه وهو لم يضف إليه لكنا نقول على الله بلا علم.
ألم تَرَ إلى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [القلم ٤٢]، اختلف السلف في قوله: ﴿عَنْ سَاقٍ﴾ هل المراد عن شدة أو المراد عن ساقه عز وجل؟ ونحن إذا أخذنا القاعدة التي قررناها الآن بأن ما لم يضفه الله إلى نفسه يحرم علينا أن نضيفه إليه قلنا: إن المراد بالساق هنا الشدة ولا بد، ولا يمكن أن نفسره بساق الله؛ لأن الله لم يضفه إلى نفسه، ما قال: يوم نكشف عن ساقنا بل قال: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾.
ولكن إذا تأملت سياق الآية الكريمة وما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وجدت أن ذلك يقتضي أن يكون المراد به ساق الله؛ فإن في حديث أبي سعيد الطويل المشهور: أن الله يكشف عن ساقه، فيسجد له كل من كان يسجد لله تعالى في الدنيا، ويعجز عن السجود من لم يسجد لله في الدنيا[[متفق عليه؛ البخاري (٤٩١٩)، ومسلم (١٨٣ / ٣٠٢).]]، فهنا ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ [القلم ٤٣، ٤٢] نجد أن سياق الآية يوافق لسياق الحديث، وحينئذٍ نقول: إن كلام الله يُفَسَّر بكلام الله ويُفَسَّر بكلام رسوله ﷺ، فإذا دل سياق حديث أبي سعيد على ما دل عليه سياق الآية فإن الآية تُفَسَّر به، وحينئذٍ يكون القول الراجح أن المراد بالساق الذي جاء على وجه النكرة المراد به ساق الله عز وجل ولكنه نُكِّر للتعظيم؛ لأن التنكير قد يراد به التعظيم.
فإذا قال قائل: الآية التي معنا في سورة (يس) ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾ [يس ٧١]، فهل تصفون الله بأن له أيديًا كثيرة أم ماذا؟
نقول: الذي عليه أهل السنة أنه ليس لله إلا يدان اثنتان، وحينئذٍ نحتاج إلى الجمع بين هذا القول الذي دل عليه قوله تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص ٧٥]، وقوله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة ٦٤]، نحتاج إلى جمع بين هذا وبين هذه الآية ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾ [يس ٧١]، وإلى الجمع بينه وبين الإفراد الذي جاء في قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الملك ١]، وما أشبه ذلك.
قال أهل العلم: الجمع بينهما متيسر ولله الحمد؛ لأنه ليس في خلق الرحمن من تفاوت، ولا في كلامه من تفاوت أيضًا؛ لا يتفاوت الكلام ولا يتناقض كما لا يتناقض الخلق أيضًا، الخلق منسجم بعضه مع بعضه، كذلك الشرع منسجم بعضه مع بعض. كيف ذلك؟ قالوا: إن المفرد المضاف يشمل؛ لأنه للعموم، ألم تر إلى قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النحل ١٨]، كم من نِعَم؟ لا تحصى، مع أنه قال: ﴿نِعْمَةَ اللَّهِ﴾ واحدة، لكن المفرد المضاف يكون للعموم؛ يشمل كل ما يثبت لهذا المفرد من معنى وإن كَثُرَ.
إذن ﴿بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ [الملك ١] لو فرض أن هناك أيديًا كثيرة يدخل في ذلك ولَّا لا؟ واليدان تدخل، إذن لا منافاة بين المفرد وبين العدد جمعًا كان أو مثنى، ﴿بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ اليد مفرد مضاف، (يد) مضاف، والضمير مضاف إليه، المفرد المضاف ماذا يفيد؟ يفيد العموم؛ أيُّ مفردٍ مضاف فهو مفيد للعموم.
هنا أقف لأتبين، لو قال رجل: امرأتي طالق، وله أربع نسوة، من يطلق؟ كل النسوة، إلا إذا نوى أنها واحدة، ولو قال: عبدي حرٌّ وله أكثر من عبد عَتَقَ الجميعُ ما لم يُرِدْ واحدًا، ولو قال: بيتي وقفٌ صارت بيوته كلها وقفًا ما لم يرد واحدًا، إذن المفرد المضاف يَعُم.
هل هناك مثالٌ من القرآن أو من السنة يؤيد ما قلت؟ نعم، مثل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النحل ١٨]، فإن ﴿نِعْمَةَ﴾ مفرد مضاف، فيشمل جميع النعم التي لا تحصى. إذن ﴿بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ نقول: هذا لا ينافي أن يكون المراد باليد هنا اليدين الثنتين.
بقينا الجمع بين اليدين الثنتين والجمع الذي هو ﴿أَيْدِينَا﴾، كيف نجمع بينهن؟ والجواب على هذا من وجهين:
الوجه الأول: أن كثيرًا من علماء اللغة يقولون: إن أقل الجمع اثنان، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم ٤]، فهنا جمعٌ مع أن المراد اثنان، وبقوله تعالى: ﴿إِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ [النساء ١١] مع أن الأم تحجب باثنين؛ تحجب من الثلث إلى السدس باثنين، وبقول النبي عليه الصلاة والسلام: «الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ فِي الصَّلَاةِ»[[أخرجه ابن ماجه (٩٧٢) من حديث أبي موسى الأشعري.]].
ولكن أكثر علماء اللغة يقولون: إن أقل الجمع ثلاثة، وحينئذٍ يمكن الجمع بالوجه الثاني؛ وهو أن نقول: إن المراد بالجمع في قوله تعالى: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ المراد به التعظيم؛ لأن الجمع يدل على التعظيم، ولهذا يأتي ضمير الجمع (نا) في مقام التعظيم، كل ضمير أضافه الله إلى نفسه -وهو (نا)- فليس المراد به الجمع، المراد به التعظيم، فهنا الجمع للتعظيم، وللمناسبة أيضًا، المناسبة ما هي؟ لأنه أضيف إلى ما يفيد الجمع، فكان الأنسب أن يكون مجموعًا، فهذه المناسبة لفظية وإرادة التعظيم مناسبة معنوية، وبهذا يزول الإشكال.
فإذا قال قائل: لماذا لا تقولون: إن لله أيديًا كثيرة؟
فالجواب أن هذا يمنعه المعنى؛ لأن الله تعالى لما تمدح وأثنى على نفسه بالعطاء لم يذكر إلا يدين اثنتين ولو كان له أكثر، لو كان له أكثر لكان يذكر الأكثر؛ لأنه أبلغ في المدح، فلما قال: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة ٦٤] عُلِمَ أنه ليس له إلا يدان اثنتان.
ومثل ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر ٦٧]، فأثبت القبضة بيد، ﴿وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ باليد الأخرى، والنصوص في هذا كثيرة، ولهذا نعتقد نحن أن الله سبحانه وتعالى ليس له إلا يدان اثنتان فقط.
ومثل ذلك نقول في صفة العين؛ العين وردت مجموعةً ووردت مفردةً ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه ٣٩]، ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر ١٤]، فنقول: (عين) مفردٌ مضافٌ فيعم، ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ إما أن نقول: للتعظيم، أو بأن أقل الجمع اثنان، وليس لله تعالى أكثر من عينين اثنتين، ودليل ذلك حديث الدجال حينما تحدث النبي ﷺ عنه وبين تمويهاته قال: «إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤٣٩)، ومسلم (١٦٩ / ٢٧٣) من حديث عبد الله بن عمر.]]، فبيَّن العلامة الحسية الظاهرة وهي عور عين الدجال.
ومن العجب أن بعض الناس قال: المراد بالعور هنا العيب؛ يريد أن يثبت أن لله تعالى أعينًا كثيرة بناء على الجمع في قوله: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾، ولكن هذا عورٌ منه، عورٌ من هذا القائل؛ لأن الحديث صريح في أن المراد عور العين حيث قال: «أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى» ولم يقل: (أعور) فقط، لو قال: (أعور) فقط ربما يحتمل ما قاله مع أنه ضعيف؛ لأن اللغة العربية تُعَبِّر بالعور عن العين، الرسول ﷺ قال: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ لِلْأَضَاحِي: الْمَرِيضَةُ، وَالْعَجْفَاءُ، وَالْعَوْرَاءُ، وَالْعَرْجَاءُ»[[أخرجه أبو داود (٢٨٠٢)، والترمذي (١٤٩٧)، والنسائي (٤٣٦٩)، وابن ماجه (٣١٤٤) من حديث البراء بن عازب.]]، فجعل العور غير العيب، كل الثلاثة الأخرى كلها عيوب لكن جعل العور في العين، فنحن نقول لهم: أصل العور في العين، ثم إذا جاء الحديث: «أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى» » صار قاطعًا للاحتمال قطعًا نهائيًّا لا يمكن أن يراد به العيب.
فإذا قال قائل: ما وجهه؟
قلنا: وجهه لو كان لله أكثر من عين لكان الرسول ﷺ يذكره؛ لأنه أدل على تعظيم الله وأبين في التمييز؛ أدل على التعظيم إذا كان له أعين كثيرة، وأبين في التمييز أبين من أن يقال: إن الفرق هو أن هذا أعور والرب عز وجل ليس بأعور.
وبهذا يتبين أن دلالة حديث الدجال -وهو صحيح- دلالة واضحة ظاهرة، على أنه روي في حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكره ابن القيم في مختصر الصواعق المرسلة: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ بَيْنَ عَيْنَيِ الرَّحَمْنِ»[[أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة (١٢٨) من حديث أبي هريرة.]]، وهذا الحديث فيه ضعف، لكننا في الحقيقة لسنا بحاجة إليه؛ لأن الحديث ثابت في الصحيحين في قصة الدجال واضح والحمد لله، (...).
* من فوائد الآية الكريمة: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا﴾.
* من فوائدها: إثبات اليد لله عز وجل في قوله: ﴿أَيْدِينَا﴾، وقد سبق الكلام عليها مستوفى في الدرس الماضي.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أننا نملك هذه الأنعام ملكًا شرعيًّا وملكًا حسيًّا قدريًّا؛ أما الشرعي فإننا نملك أعيانها ومنافعها بالبيع والشراء والتأجير وغير ذلك، وأما الكوني الحسي فلأننا نملك زمامها وربطها، وهي مسخرة لنا؛ نقيمها وننيخها، ونذهب بها ونرجع بها، وهذا من تمام نعمة الله سبحانه وتعالى علينا بهذا الملك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه أتى بقوله: ﴿فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ الجملة الاسمية التي تفيد الثبوت والاستمرار؛ أي: ملك مستقر تام.
ثم قال عز وجل: ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ [يس ٧٢].
* من فوائدها: بيان نعمة الله سبحانه وتعالى علينا بتذليل هذه الأنعام، ولو استعصت علينا ما تمكَّنا من الانتفاع بها، ولهذا لما نَدَّ بعير من الإبل في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أدركه رجل بسهم، فقال النبي ﷺ: «إِنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَنْ نَدَّ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٥٠٩)، ومسلم (١٩٦٨ / ٢٠) من حديث رافع بن خديج.]]، فهذه البعير تمرَّدت على أهلها ولم يدركوها إلا بالسهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان أن أفعال المخلوقات مخلوقة لله؛ لقوله: ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾ لكنها مفعولة للفاعل مباشرة، فهي تُنْسَب إلى الله عز وجل تقديرًا وخلقًا وتُنْسَب إلى الفاعل كسبًا وعملًا، فهذه الإبل المذللة الذي ذللها هو الله، إذن أفعالها صادرة بخلق الله عز وجل.
وهذا هو المذهب الصحيح في هذه المسألة؛ أي مسألة أفعال العباد هل هي مخلوقة لله أو هي للعباد استقلالًا؟ والمسألة فيها ثلاثة أقوال، بل ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: مذهب الجبرية الذين يقولون: إن خلق الله عز وجل شامل لكل حركة في السماوات والأرض، وأن الإنسان مجبور على عمله ليس له فيه اختيار، بل الحركة الإرادية الاختيارية كالحركة الإجبارية التي ليس له فيها إرادة، يقولون: إن أفعال الإنسان كحركة السعفة في الريح ليس باختيارها.
فإذا قيل لهم: إن هذا يلزم منه الفوضى بحيث يفعل كل إنسان ما شاء ويقول: هذا بغير اختياري وأنا مجبور عليه، ويلزم منه أيضًا أن الله إذا عذَّب الإنسان على معصية كان ظالمًا له، ويلزم عليه أن مدح الطائعين لغوٌ لا فائدة منه؛ لأنه لا يمدح الإنسان على عمل يُجْبَر عليه بدون اختياره، ويترتب عليه أيضًا أن ذمَّ العاصين ظلم؛ لأنه ذمٌّ لمن لا يختار هذا الفعل.
وكما أنه يترتب عليه هذه اللوازم الباطلة فهو أيضًا مخالف للواقع؛ فإن الإنسان يجد الفرق بين فعله الاختياري وفعله الاضطراري، يجد الفرق بين أن ينزل من السلم درجةً درجةً وبطمأنينة واختيار وبين أن يأتي شخص يدفعه دفعًا حتى لا يتمكن من الوقوف، فالأمر واضح من الناحية الواقعية العقلية أن هذا القول باطل من أبطل الأقوال.
لكن الذي غرَّ أصحابه أن الله عز وجل ذكر أنه خلق كل شيء، وأنه قدَّر كل شيء، وأنه لا يكون في ملكه ما لا يريد، إلى غير ذلك من الأشياء التي يتعللون بها، لكنهم في الحقيقة نظروا إليها وغفلوا عن النصوص الأخرى الدالة على أن الإنسان فاعل باختياره.
ولهذا قابلهم قومٌ نظروا إلى النصوص الدالة على أن الإنسان فاعل باختياره، وإلى الواقع فأنكروا أن يكون لله عز وجل إرادة أو خلق في أفعال العباد، وقالوا: إن العبد مستقل بعمله؛ يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء، وليس لله سبحانه وتعالى تعلَّق بفعل العبد، هؤلاء أقرب إلى المعقول من أولئك القوم؛ لأن الإنسان لا شك يجد أنه فاعل بالاختيار، فهو يأتي يدخل بيته، ويخرج من بيته، ويأتي إلى المسجد، ويخرج من المسجد، ويختار هذا الفعل على هذا الفعل على وجه اختياري لا يشعر أبدًا بأن أحدًا يجبره على ذلك.
ولكن ضلَّ هؤلاء بسلبهم إرادة الله عز وجل وخلقه عن أفعال الخلق واعتقادهم أن الإنسان مستقل بما يحدثه، ولهذا سُمُّوا مجوس هذه الأمة؛ لمشابهتهم للمجوس في إثبات فاعلين للحوادث، وهم يقولون بإثبات فاعلين للحوادث الذي من فعل الله هذه من فعل الله، والذي من فعل الإنسان هذه من فعل الإنسان مستقلًا بها، فلهذا سموا مجوس هذه الأمة، وهؤلاء لا شك أنهم ضالون؛ لأنهم أخرجوا شيئًا في ملك الله عن ملك الله.
أهل السنة والجماعة توسَّطوا بين القولين وأخذوا بالدليلين، وقالوا: إن الإنسان لا شك يفعل باختياره ويدع باختياره، وإن له إرادة تامة بقدرة، والذي خلق هذه الإرادة والقدرة هو الله عز وجل، لو شاء الله سبحانه وتعالى لسلبه الإرادة، ولو شاء لسلبه القدرة، ولذلك إذا سلب الله العبد الإرادة لم يترتب على فعله حكم، فالمجنون -مثلًا- هل يؤاخذ بأفعاله؟ لا؛ لأنه يفعلها باختياره، والعاجز لا يكلف ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن ١٦].
إذن فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإرادة والقدرة في الإنسان، قالوا: والإرادة والقدرة هما السبب في وجود الفعل، فلولا الإرادة ما فعلت، ولولا القدرة ما فعلت، فالإرادة والقدرة هما سبب وجود الفعل، وإذا كانا مخلوقين لله فإن خالق السبب خالق للمسبب، فيضاف فعل العبد إلى الله من هذه الناحية؛ أي أن الله هو الذي أوجد فيه سبب الفعل، فصار بذلك فاعلًا، كما أن الإحراق -مثلًا- في النار ينسب إلى من؟ إلى النار، والذي أودع فيها هذه القوة هو الله عز وجل، فلذلك صار إحراق النار بفعل النار مباشرة لكنه بتقدير الله سبحانه وتعالى خلقًا.
وهذا الذي ذهب إليه أهل السنة والجماعة، وهو المطابق للمنقول والمعقول والواقع؛ لأنه يجمع بين الأدلة الشرعية ويصدق الأدلة الحسية، فالأدلة الشرعية إذا جمعتها من أطرافها وجدت أنها تنصبُّ في أنبوب واحد هو الذي ذهب إليه أهل السنة والجماعة، ولولا هذا الاعتقاد لشلت الحركة، ولصار الإنسان اتكاليًّا؛ لا يقول ولا يفعل، ولولا هذا الاعتقاد لم يلجأ الإنسان إلى ربه عز وجل لمهماته وملماته، فهو باعتبار أنه مريد فاعل يتحرك ويعمل، وباعتبار أنه مخلوق مدبر يرجع إلى من؟ إلى الله عز وجل، فلا يكون اتكاليًّا ولا يكون أنانيًا؛ يعني أنه لن يستغني بنفسه عن ربه ولن يكون اتكاليًّا، يقول: إن قدر لي شيء صار بل هو يعمل مستعينًا بالله معتمدًا عليه.
قال: ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾.
* من فوائد الآية الكريمة: أن لنا أن ننتفع بهذه الأنعام بالركوب ولكن بشرط ألا يكون في ذلك مشقة عليها، فإن كان في ذلك مشقة كان حرامًا؛ لأن المشقة تعذيب لها في غير محله.
* من فوائد الآية الكريمة: جواز الارتداف على الدابة؛ لعموم قوله: ﴿فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ﴾ ولكنه مقيد بما أشرنا إليه ألَّا يكون في ذلك مشقة.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: حِل هذه الأنعام، أو حل بعضها إذا جعلنا (مِن) للتبعيض وجعلنا الأنعام أعم من بهيمة الأنعام، والحل في الأنعام كلها هو الأصل، ولذلك لو تنازع شخصان في أن هذا الحيوان حلال لكان القول قول من يقول بالحل حتى يقوم دليل على التحريم؛ أولًا: لعموم قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة ٢٩]
وثانيًا: لعموم قوله: ﴿وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾، فالأصل هو الحل حتى يقوم دليل على المنع، لكن هذا الحل مقيد في الواقع مقيد بماذا؟ بشروط الذكاة المعروفة؛ لأنه إذا لم تُذَكَّ البهيمة الحلال ذكاة شرعية صارت حرامًا لا تحل، فهذا الإطلاق ﴿وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ مقيد بماذا؟ بشروط؛ وهو أن يكون مذكًّى ذكاة شرعية، ومع هذا إذا اضطر الإنسان إليه حلَّ له وإن لم يُذَكَّ؛ لقول الله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة ١٧٣].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يجوز تعذيب الحيوان إذا لم تتم المصلحة إلا به؛ لأن الأكل ذبح لا يكون إلا بعد الذبح، والذبح من أعظم ما يكون من الإيلام، ولأن الشرع جاء بإباحة الوسم؛ وسم البهائم بالنار من أجل حفظ ماليتها، ولأن الشرع جاء بمشروعية إشعار الإبل والبقر في الهدي ليعلم أنها هدي، وإشعارها هو شق صفحة سنامها حتى يسيل منها الدم، وعلى هذا فإذا احتجنا إلى تعذيب الحيوان من أجل حفظ ماليته أو غير ذلك فإنه لا بأس به، مثلما يفعله بعض الناس الآن في الحَمَام؛ إذا أراد أن تربي عنده فإنه ينتف مقدم الأجنحة لئلا تطير حتى تألف المكان وتُرَبَّى فيه، يقولون: لو أننا قصصناها قصًّا ما نبت لها ريش بسرعة، فلهذا يختارون أن ينتفوها نتفًا من أجل أن ينبت الريش بسرعة وتستعد للطيران.
قال: ﴿وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ [يس ٧٢، ٧٣].
* يستفاد من هذه الآية الكريمة أيضًا: ما سبق من أن الله عز وجل خلق هذه الأشياء لمنافعنا؛ أي منفعة يمكن أن نحصل عليها من هذه البهائم فإنها مباحة لنا ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾، لكن بشرط -كما أسلفنا- ألا يكون في ذلك مشقة، فإن كان في هذا مشقة فإنها ممنوعة.
* ومن فوائدها: حل ألبان هذه البهائم؛ لقوله: ﴿وَمَشَارِبُ﴾.
ثم قال: ﴿أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾.
* يستفاد من هذه الجملة: وجوب شكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعم، ووجهه أنه وبَّخ من لم يشكر، ولا توبيخ إلا على فعل محرَّمٍ أو ترك واجب، والشكر شكر المنعم كما دل عليه الشرع فقد دل عليه العقل؛ فإن كل إنسان مدين لمن أنعم عليه عليه أن يشكره بحسب ما تقتضيه الحال، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: «مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ»[[أخرجه أبو داود (١٦٧٢) من حديث عبد الله بن عمر.]].
ثم قال الله عز وجل: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [يس ٧٤] في هذه الآية من الفوائد:
* أولًا: صحة إطلاق الإله على غير الله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً﴾.
ولكن هل هذه الآلهة حق؟ الجواب: لا، هي آلهة باطلة؛ لقول الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج ٦٢]، فهي وإن سموها آلهة وعبدوها كما يعبدون الرب عز وجل فإنها لن تكون آلهة، ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [النجم ٢٣].
* ثانيًا: أن هؤلاء الذي اتخذوا هذه الآلهة توهموا فيها أنها تنصرهم ولكن أبطل الله هذا الوهم بقوله: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ﴾ [يس ٧٥].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان المبطل لا بد أن يتعلق بشيء يبرر به باطله. ما هو الشيء هنا؟ رجاء النصر ﴿لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ﴾، وكل إنسان مبطِل لا بد أن يعلل ما ذهب إليه من الباطل، كما مرَّ عليكم كثيرًا في أقوال أهل البدع، وكما مرَّ عليكم أيضًا في (...).
حكمًا تعبديًّا؛ يعني: لن يقبل من الإنسان أن يقول: هذا حلال وهذا حرام حتى يبين دليله وحجته.
يقول الله عز وجل: ﴿لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [يس ٧٤] ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ﴾ [يس ٧٥].
* من فوائد الآية الكريمة: أن هذه الآلهة لا يمكن أن تنصر عابديها؛ لقوله: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ﴾.
فإن قلت: أليسوا يستغيثون بالآلهة فيغاثون أحيانًا؟
* طالب: امتحان.
* الشيخ: هو امتحان، لكن هل حصل هذا النصر بها؟
* الطالب: من عند الله.
* الشيخ: يعني أحيانًا يستغيث بالصنم ويُغَاث.
* الطالب: فتنة.
* الشيخ: فتنة، لكن هل هذا الغوث حصل باستغاثته؟
* الطالب: عند الاستغاثة.
* الشيخ: حصل عندها لا بها.
* الطالب: لا بها.
* الشيخ: نعم، حصل عندها لا بها، وفرق بين أن يكون الشيء حصل بالشيء أو حصل عنده والسبب غيره، فسبب هذا الغوث الفتنة -كما قلت- وليس دعوة هذه الأصنام؛ لقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأحقاف ٥].
* من فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء العابدين جندٌ محضرون لأصنامهم يدافعون عن الأصنام وينتصرون لها؛ لقوله: ﴿وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾.
وفي هذا من المناداة بسفههم ما هو ظاهر؛ حيث يستنصرون بمن لا يستطيعون نصرهم وهم ينصرونه، وهذا من السفه، كيف تنصر شيئًا لا يستطيع نصرك ولا تستفيد منه؟! ولهذا يعتبر قوله: ﴿وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ﴾ كالدليل على سفه هؤلاء؛ أنهم ينتصرون لهذه الآلهة وينصرونها مع أنها لا تنصرهم.
وهذا اللي قررته الآن بناءً على ما اخترناه من أن معنى الآية: وهؤلاء العابدون للمعبودين جند محضرون، أما على رأي المؤلف فهو يرى خلاف ذلك؛ يرى أن هذه الأصنام جند لهؤلاء لكنهم محضرون في النار جميعًا، وسبق بيان ضعف هذا القول.
{"ayahs_start":68,"ayahs":["وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِی ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا یَعۡقِلُونَ","وَمَا عَلَّمۡنَـٰهُ ٱلشِّعۡرَ وَمَا یَنۢبَغِی لَهُۥۤۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرࣱ وَقُرۡءَانࣱ مُّبِینࣱ","لِّیُنذِرَ مَن كَانَ حَیࣰّا وَیَحِقَّ ٱلۡقَوۡلُ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ","أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّا خَلَقۡنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتۡ أَیۡدِینَاۤ أَنۡعَـٰمࣰا فَهُمۡ لَهَا مَـٰلِكُونَ","وَذَلَّلۡنَـٰهَا لَهُمۡ فَمِنۡهَا رَكُوبُهُمۡ وَمِنۡهَا یَأۡكُلُونَ","وَلَهُمۡ فِیهَا مَنَـٰفِعُ وَمَشَارِبُۚ أَفَلَا یَشۡكُرُونَ","وَٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَةࣰ لَّعَلَّهُمۡ یُنصَرُونَ","لَا یَسۡتَطِیعُونَ نَصۡرَهُمۡ وَهُمۡ لَهُمۡ جُندࣱ مُّحۡضَرُونَ"],"ayah":"وَذَلَّلۡنَـٰهَا لَهُمۡ فَمِنۡهَا رَكُوبُهُمۡ وَمِنۡهَا یَأۡكُلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق