الباحث القرآني
والمعروف أن العائد المذكور لا يُحذف إلا إذا كان عامل الموصول موافقًا لعامل المحذوف لفظًا ومعنًي، هذا هو المعروف عند النحويين، ولكن الراجح أنه يجوز حذْف العائد سواءٌ كان عامله من جنس عامل الموصول أو من غير جنسه، وأن القاعدة التي ذكرها ابن مالك بقوله:
؎وَحَذْفُ مَا يُعْلَمُ جَائِزٌ...... ∗∗∗ ........................
هذه عامَّة في كلِّ شيء، ليست في المبتدأ والخبر، بل في كلِّ شيء.
وقوله: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ [يس ٥٢] ﴿الرَّحْمَنُ﴾ اسمٌ من أسماء الله عز وجل من الأسماء المختصَّة به التي لا تُطلق على غيره، فلا يُسَمَّى أحدٌ رحمانًا، وأمَّا (رحيم) فيوصف بها الخلْق؛ قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة ١٢٨] لكن (رحمان) لا يجوز أن يوصف بها أحد، والفرق بينها وبين الرحيم أنَّ الرحيم باعتبار الفعل والرحمان باعتبار الوصف، فإذا قال: (الرحمن) يعني: ذو الرحمة الواسعة، و(الرحيم) الذي تصل رحمته إلي مَن شاء من عباده.
وهنا ذكر ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ ولم يقُل: ما وعد الله؛ لأن رحمة الله يوم القيامة تتجلَّى تجلِّيًا أكثر منها في الدنيا؛ فإن لله تعالى مئة رحمةً، جعل منها رحمةً في الأرض، فإذا كان يوم القيامة صار له مئة رحمة، التسع والتسعون الباقية والرحمة الأولى[[أخرج ابن أبي شيبة (٣٥٢١٠) بسنده من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إنَّ اللَّهَ خَلَق يوم خَلَق السماواتِ والأرضَ مئةَ رحمةٍ، فجعل في الأرض منها رحمةً، فبها تعطفُ الوالدةُ على ولدِها والبهائمُ بعضُها على بعض، وأخَّرَ تسعًا وتسعين إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة أكملَها بهذه الرحمة مئةَ رحمة»، وأخرجه مسلم (٢٧٥٣) من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه بنحوه.]]، وهذا يدلُّ على تجلِّي رحمة الله تعالى في ذلك اليوم، ولهذا قال هنا: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾.
﴿الرَّحْمَنُ﴾ مشتقٌّ، يدل على أيش؟ على صفة الرحمة، ويجب علينا في أسماء الله تعالى أن نؤمن بالاسم، ويش بعد؟ وما دلَّ عليه من الصفة والأثر المترتب على ذلك، ويجوز أن نقول: والحكم، فهنا (الرحمن) اسمه، و(الرحمة) صفته و(يرحم من يشاء) فِعله سبحانه وتعالى، وهو أثر الرحمة.
قال: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾، ﴿وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ لأنه سيكون يومٌ يُبعث فيه الناس، ويُجازَى فيه المحسنُ بإحسانه والمسيءُ بإساءته، ومجازاة المحسن الحسنة بعَشْر أمثالها إلى سبع مئة ضِعْفٍ إلى أضعافٍ كثيرة.
قال: (﴿وَصَدَقَ﴾ فيه ﴿الْمُرْسَلُونَ﴾ ) (صَدَقَ) بمعنى أخبر بالصدق، و(صَدَّقَ) بمعنى صدَّق القائلَ، فالتصديق من المخاطَب، والصِّدق من المتكلم، يقال: صَدَقَ، ويقال: صَدَّقَ، (صَدَقَ) بمعنى أخبر بالصدق؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ [آل عمران ١٥٢] و(صَدَّقَ) أيش؟ صدَّق القائل؛ يعني أقرَّ بقوله واعترفَ به؛ قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر ٣٣]، فهو صادق مصدِّق، والله أعلم.
* الفوائد: يقول الله عز وجل: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس ٥٢] في هذا دليلٌ على شدَّة حسرة المكذِّبين؛ الذين يكذِّبون بالبعث إذا بُعثوا يقولون: ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾، ودليل ذلك قولهم: ﴿يَا وَيْلَنَا﴾، وهذه الكلمة دعاء بالثُّبور والحسرة على مَن نطق بها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن عذاب البرزخ بالنسبة لعذاب الآخرة هيِّن، حتى إنه مِثْل النوم عند النائم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: توبيخ هؤلاء المكذِّبين حين يُقال لهم: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى صادقُ الوعدِ لا يُخلفه؛ وذلك لأن إخلاف الموعد يكون من أحد أمرينِ: إما الكذب وإما العجز، وكلاهما مُنْتَفٍ عن الله عز وجل، فلا كَذِبَ في وعده، ولا عَجْز عن تنفيذه، ولهذا فهو عز وجل لا يُخلف الميعاد لكمال صدقه وقدرته.
* ومن فوائد الآية الكريمة: صِدْق الرسل عليهم الصلاة والسلام فيما أخبروا به من البعث وغيره؛ لقوله: ﴿وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾.
* ومن فوائدها: أن المشركين كانوا يُقِرُّون بالحق، لكن متى؟ إذا شاهدوا الحق، والإقرار بالحق بعد مشاهدته لا ينفع؛ لأن الإقرار بالحق إذا لم يكن غيبًا لم يكن الإنسانُ مؤمنًا بالغيب، بل كان مؤمنًا بالشهادة.
فإن قلتَ: قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام ٢٣]، فهنا أنكروا الشرك مع أنهم كانوا مشركين، بل إنهم يُقِرُّون بشركهم كما قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ [النساء ٤٢]، فكيف الجمع؟
الجمع بينهما أن يقال: إنَّ يوم القيامة ليس لحظةً ولا ساعةً قليلةً، بل هو خمسون ألف سنة، فهُم يتقلَّبون؛ أحيانًا يُقِرُّون بكل ما عملوا، وأحيانًا يُنكرون، إذا رأوا نجاةَ المؤمنين قالوا: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ لعلهم ينجون كما نجا غيرهم، ولكن يُختم على أفواههم وتُكلِّم أيديهم وأرجلُهم، وحينئذٍ يُقِرُّون ولا يكتمون الله حديثًا، والله أعلم.
* * *
* طالب: (...) قراءتين (...) ﴿وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾، قراءة الفتح واضحة.
* الشيخ: ما هي بعندنا قراءتان، فيها قراءتان؟! ما فيها.
* طالب: قرأتَها يا شيخ.
* الشيخ: لا.
* طالب: (وصَدَّقَ)، (وصَدَقَ).
* الشيخ: لا، قلت: إنه يقال: صَدَّق، ويقال: صَدَقَ.
* طالب: ليست قراءة؟
* الشيخ: لا، ما هي بقراءة.
* طالب: الراجح في عدد النفخات هي نفختان أم ثلاث؟
* الشيخ: الراجح أنهما اثنتان.
* طالب: والنفخة التي قال عنها الرسول ﷺ أنه أول مَن يرى موسى[[أخرج البخاري (٧٤٧٢) ومسلم واللفظ له (٢٣٧٣ / ١٦٠) بسندهما من حديث أبي هريرة قال: استبَّ رجلانِ؛ رجلٌ من اليهود ورجلٌ من المسلمين، فقال المسلم: والذي اصطفى محمدًا ﷺ على العالمين، وقال اليهودي: والذي اصطفى موسى عليه السلام على العالمين. قال: فرفع المسلمُ يده عند ذلك فلطمَ وجْه اليهودي، فذهب اليهودي إلى رسول الله ﷺ فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فقال رسول الله ﷺ: «لا تُخَيِّروني على موسى؛ فإنَّ الناسَ يصعقون فأكونُ أول مَن يُفيق، فإذا موسى باطشٌ بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمَنْ صعق فأفاق قبلي أم كان مِمَّن استثنى اللَّهُ».]]؟
* الشيخ: هذه نفخة الصعق.
* طالب: الصعق.
* الشيخ: أي نعم.
* طالب: شيخ، فيه دليل على أن (...)؟
* الشيخ: لا، أبو هريرة قال: أربعون، بينهما أربعون، فسُئل أبو هريرة فقال: أَبَيْتُ[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨١٤)، ومسلم (٢٩٥٥ / ١٤١)، من حديث أبي هريرة.]]، لكن لعل المؤلف أخذها من دليلٍ آخَر، وإلا أبو هريرة راوي الحديث أَبَى أن يُفصح بشيءٍ؛ يعني ما هو سمع عن الرسول، لكنْ ذكر ابن القيم في النونية أن بينهما أربعين سنة أو أربعين يومًا، ترى أني نسيت في النونية هل ذكر أربعين يومًا أو أربعين سنة.
* * *
* طالب: بسم الله الرحمن الرحيم. (...).
* الشيخ: قال الله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [يس ٥٤]، ﴿الْيَوْمَ﴾ يعني يوم القيامة حين يُحضَر الناس للفصل والقضاء، فـ(أل) هنا للعهد الحضوري؛ يعني: ففي حضرتهم لذلك اليوم حينما يُحضرون لا تُظْلَم نفسٌ شيئًا.
وقوله: ﴿لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ أي: لا تُنقص، والنقص يكون بأحد أمرين: إمَّا بزيادة السيئات وإمَّا بنقص الحسنات، وكِلَا الأمرينِ مُنْتَفٍ كما قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه ١١٢] أي: لا يخاف هضمًا من حقِّه في الحسنات، ولا ظُلمًا بزيادة السيئات.
يقول: ﴿لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾، و﴿نَفْسٌ﴾ نكرة في سياق النفي، فتشمل كلَّ نفسٍ، حتى الكافر يكون عذابه على حسب عمله، ولهذا قال: ﴿وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ يعني: لا تُكافَؤون على أعمالكم إلا ما كنتم تعملون.
قال المؤلف رحمه الله: (إلا جزاء ما كنتم تعملون) وإنما قدَّر (جزاء) لئلَّا يتسلَّط الفعل على نفْس العملِ والعملُ قد مضى وانقضى، والذي يوجد في يوم القيامة هو الجزاء، ولهذا قال: (إلا جزاء ما كنتم)، لا نفس العمل؛ فإن العمل كان في يوم الدنيا ليس في يوم القيامة، والذي في يوم القيامة هو الجزاء، فلهذا قدَّر المؤلف: (إلا جزاء ما كنتم تعملون).
فإن قال قائل: كلام المؤلف هنا أفلا يكون منتقَدًا لأنه كالاستدراك على كلام الله عز وجل؟
فالجواب على هذا أن يقال: لا، ليس بمنتقَد، وليس مقتضاه الاستدراك على كلام الله؛ لأن المؤلف أراد أن يفسِّر المعنى المراد، ولم يُرِدْ أنَّ في الكلام نقصًا، وقد عُلم في البلاغة أن الإيجاز نوعان: إيجازُ حذفٍ وإيجازُ قِصَر؛ إيجاز الحذف معناه أن تكون الجملة فيها شيءٌ محذوفٌ يُعلم من السياق، وإيجازُ قِصَرٍ أن تكون الجملة ذات كلمات يسيرة ولها معانٍ كثيرة، فعلى كلام المؤلف يكون في الكلام إيجاز حذف.
فإذا قال قائل: إن هذا التركيب الذي ذكره المؤلف فيه شيءٌ من الركاكة (لا تُجزون إلا جزاء ما كنتم تعملون) إذا قُورن بقوله: ﴿وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾؟
فالجواب: نعم، القرآن أفصحُ بلا شك وأَبْيَنُ وأَسَدُّ؛ لأن التعبير عن الجزاء بالعمل أبلغُ في التأثير على النفس؛ فإذا علم الإنسانُ أنه لا يُجزَى يوم القيامة إلا عملَه فإنَّه سوف يزدجر عن المحرَّمات، وسوف يقوى على فعل المأمورات؛ لأنه يعلم أن عملَه هذا نفسه هو الذي سيُجزاه يوم القيامة، فالذي يظهر لي أن الكلام لا يحتاج إلى هذا التقدير الذي ذكره المؤلف؛ لأنَّ جَعْلَ الشيءِ الذي هو العمل هو الذي يُجزى به الإنسانُ أبلغُ في إثارة النفس كما قرَّرناه.
وقوله: ﴿إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، ﴿كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ متى؟ في الدنيا، و﴿تَعْمَلُونَ﴾ هذه خبر (كان)، الجملة تحتاج إلى عائد يعود على الموصوف؛ على ﴿مَا﴾؛ لأنه قد تقرَّر في علم النحو أن كل اسمٍ موصولٍ يحتاج إلى عائدٍ يربطه بصِلَته، كما أن كل خبرٍ للمبتدأ يكون جملةً يحتاج إلى رابطٍ يربط بين الجملة الخبرية وبين المبتدأ التي هي خبرٌ عنه. هنا نقول: إنَّ العائد محذوفٌ؛ أي: ما كنتم تعملونه، العمل يُطلق بلا شك على الفعل، ويُطلق أيضًا على القول، ويُطلق على عمل القلب وهو الركونُ إلى الشيء والاطمئنانُ به، فإذا أُطلِقَ العملُ شَمِل هذه الثلاثة، هي؟
يُطلق على الثلاثة، كلمة عمل تكون للثلاثة:
عمل القلب؛ وهو ركونه إلى الشيء ورضاه به وطمأنينته به، هذا يُسمَّى عمل القلب.
قول؛ يعني عمل اللسان.
فعل؛ عمل الجوارح.
هذا إذا أُطلق العمل، أمَّا إذا قيل: عملٌ وقولٌ، أو: قولٌ واعتقادٌ وعملٌ، فإن العمل يفسَّر هنا بماذا؟ بالفعل الذي هو عمل الجوارح، وهذا يكون كثيرًا في اللغة العربية وفي القرآن، وهو أن الشيء إذا أُفرِد يكون شاملًا، وإذا قُرِنَ بغيره صار خاصًّا؛ لأنه إذا قُرِنَ بغيره صار الكلام على جهة التقسيم، والتقسيم لا بد فيه من مُقَسَّم، المقسَّم يكون كلُّ قَسيمٍ منه ضِدًّا للقسيم الآخَر.
والخلاصة الآن أن المراد بالعمل هنا أيش؟ عمل القلبِ، والجوارحِ، واللسانِ الذي هو القول، يشمل كلَّ هذا؛ لأن هذا كلَّه يُجازى عليه الإنسانُ يوم القيامة.
فإذا قال قائل: هل يشمل العملُ الكفَّ؟ أي: إذا تَرَك الإنسانُ المعصيةَ هل يقال: إن هذا عملٌ يُجزى عليه؟
الجواب: نعم، يقال: إنه عملٌ يُجزى عليه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ هَمَّ بِالسَّيِّئَةِ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ حَسَنَةً كَامِلَةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٤٩١)، ومسلم (١٣١ / ٢٠٧)، من حديث عبد الله بن عباس.]]؛ لأنه تركها لله، فما وجْه كونِ الترك عملًا؟ لأن الترك كفُّ النفس عن جماحِها وإقدامِها، فهو عمل، وحينئذٍ نقول: الكلمة -أعني ﴿تَعْمَلُونَ﴾ - تشمل أربعة أشياء هي:
* طالب: (...).
* الشيخ: فإنه عملٌ ويُجزى عليه الإنسان ﴿إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾ [يس ٥٥]، ثم قال: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ [يس ٥٩].
لَمَّا ذكر الله عز وجل أن ذلك اليوم يُجازى فيه العاملُ بعمله ذكر أصنافَ العاملين، وهم صنفان؛ الصنف الأول: أصحاب الجنة، والصنف الثاني: المجرمون. المجرمُ هو مقترف الذنب كما سيأتي، أصحابُ الجنة لم يذكر عملهم، لكنَّه ذكر في آيات كثيرة عملَهم الذي يكون سببًا لدخولهم الجنة.
قال: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾، ﴿أَصْحَابَ﴾ جمع صَحْب، وصَحْب اسمُ جمعِ صاحب، والصاحبُ هو الملازم لمصحوبه، ولا يُسَمَّى الشيءُ صاحبًا للشيء إلا بعد الملازمة حسب ما يقتضيه العُرف، إلا شيئًا واحدًا استثناه العلماء وهو صحابة رسول الله ﷺ، فإنَّ صُحبته تثبت بمجرَّد اللقاء ولو لحظة، فكلُّ مَن اجتمع بالنبي ﷺ مؤمنًا به ومات على ذلك ولو لحظةً فهو صحابيٌّ له.
﴿الْجَنَّةِ﴾ مرَّ علينا أنها في اللغة العربية اسمٌ للبستان الكثير الأشجار، وسُمِّي بذلك لأنه لكثرة أشجاره يجنُّ مَن فيه وما فيه أيضًا، يجنُّ بمعنى أيش؟ بمعنى يستر؛ لأن هذه المادة (الجيم والنون) كلها تدور على هذا المعنى وهو الاستتار، ومنه سُمِّي الجنين لاستتاره في بطن أمِّه، وسُمِّي الجنُّ لاستتارهم عن الأعين، وسُمِّيت الْجُنَّة لأن المقاتل يستتر بها عن السهام.
فالْجَنَّة إذَنْ في اللغة: كلُّ بستانٍ كثير الأشجار، سُمِّي بذلك لأنه يجنُّ مَن فيه وما فيه؛ مَن فيه مِن الساكن وما فيه من الأشجار الصغيرة التي تكون تحت الأشجار الكبيرة، هذا هو أصل معنى هذه الكلمة في اللغة.
لكن معناها شرعًا: هي الدار التي أعدَّها الله سبحانه وتعالى للمتقين؛ ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران ١٣٣]، الجنة هي الدار التي أعدَّها الله تعالى للمتقين، فيها ما لا عينٌ رأتْ، ولا أُذُنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلبِ بشر. ولا يصحُّ أن نقول: إن الجنة في الآخرة هي البستان الكثير الأشجار. لو قلْتَ هكذا لَنَزَّلْتَ من قيمتها في نفوس الناس، لكن إذا قلتَ: هي الدار التي أعدَّها الله للمتقين، فيها مالا عين رأتْ، ولا أُذُنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر، صار ذلك حافزًا للعمل لها.
وقوله: ﴿الْيَوْمَ﴾ يعني يوم القيامة، و(أل) هنا للعهد، أيِّ العهود؟
* طلبة: الذِّكْري
* طلبة آخرون: الحضوري.
* الشيخ: الذِّكْري، للعهد الذِّكْري؛ لأنه سبق ذكره، و(أل) تكون للعهد الذِّكري إذا سبق ذِكْر مدخولها، ومنه قوله تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾ [المزمل ١٥، ١٦] فإذا كان مدخول (أل) سبق ذِكْره فهي للعهد الذِّكري.
﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ﴾ الجارُّ والمجرور هو خبر إنَّ.
﴿فِي شُغُلٍ﴾ يقول المؤلف: (بسكون الغين وضمِّها) ﴿شُغْلٍ﴾ و﴿شُغُلٍ﴾، القراءتان سبعيتان أو إحداهما شاذة؟
* الطلبة: سبعيتان.
* الشيخ: سبعيتان؛ لأن المؤلف رحمه الله من طريقه أنَّه إذا قال: (في قراءة)، (وفي قراءة)، فهما متساويتان؛ أي: كلتاهما قراءة سبعية، أمَّا إذا قال: (وقرئ)، فإنَّ هذه القراءة تكون شاذَّة، فليُعلم اصطلاحه حتى لا يشتبه.
(...) رأيت في كلام المؤلف هذا (وفي قراءة) فاعلمْ أن هذه القراءة سبعية؛ يعني أنها من القراءات الصحيحة التي إن شئتَ فاقرأْ بها وإن شئتَ فاقرأْ بالقراءة الثانية، فيجوز لنا الآن أن نقول: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغْلٍ فَاكِهُونَ﴾ ، ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾.
وهل الأفضل أنْ نقتصر على قراءةٍ واحدةٍ، أو أنْ نقرأ تارةً بهذه وتارةً بهذه؟
الصحيح أنَّ الأفضل أن نقرأ بهذه تارةً وبهذه تارةً؛ لأن الكلَّ ثبت عن النبي ﷺ، ونحن إذا بقينا على قراءةٍ واحدةٍ هجرنا بقيَّة القراءات مع أنها شرعيَّةٌ ثابتةٌ عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فالأَوْلى أن تقرأ مرَّةً بهذه ومرَّةً بهذه، إلَّا أمام العامَّة فلا تفعل؛ لأنك إذا قرأتَ بقراءةٍ مخالفةٍ عما بين أيديهم من المصاحف فسوف يكون في ذلك فتنة، ويكون في ذلك زعزعة للثقة في كتاب الله عز وجل، لكن إذا كنتَ تقرأ لنفسك أو تقرأ بين طلبة عِلْم فالأفضل أن تقرأ أحيانًا بهذا وأحيانًا بهذا.
قال المؤلف: (﴿فِي شُغُلٍ﴾ بسكون الغين وضمِّها، عمَّا فيه أهل النار؛ مِمَّا يتلذَّذون به). إذَنْ هم منشغلون عمَّا فيه أهل النار، ولو أنَّ المؤلف جعلها مطْلقة على إطلاقها لَكان أَوْلى، هُم في شُغل عن كلِّ شيءٍ بما يتلذَّذون به؛ يعني كأنَّهم لا يفكرون في أيِّ شيءٍ آخَر؛ لأن هذا الذي هم فيه من النعيم قد شغلهم وانشغلوا به عن غيره، وهذا كقوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾ [الكهف ١٠٨] أي: لا يبغون تحوُّلًا أو نُزولًا عمَّا هم فيه، بل ولا صُعودًا، حتى النازلُ منهم يرى أنه أكملُ الناسِ نعيمًا، فالأَوْلى أن نُطْلق ونقول: ﴿فِي شُغُلٍ﴾ أي إنهم مشتغلون بما هم فيه من النعيم عن كلِّ شيءٍ لا ينظر أحدهم أو لا ينتظر أحدهم نعيمًا أرقى مما هو فيه بحيث يرى أنَّ نعيمه ناقصٌ، ولا يلتفت إلى شيء أبدًا.
﴿فِي شُغُلٍ﴾ قال المؤلف: (كافتضاض الأبكار). الكاف هنا للتشبيه وليست للحصر؛ يعني: مِن جملة ما ينشغلون به التلذُّذُ بافتضاض الأبكار؛ يعني النساء من نساء الدنيا وكذلك الحور العين، وإنما مثَّل المؤلفُ بذلك لقوله: ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ﴾ [يس ٥٦].
قال: (كافتضاض الأبكار، لا شُغل يتعبون فيه، لأن الجنة لا نَصَبَ فيها). يعني: لا تعبَ فيها. معلومٌ أن هذا الشغل ليس شغلًا يتعبون فيه، ولكنَّه شغلٌ يستريحون فيه؛ لأنه شغلٌ فيما يَسُرُّ وفيما يحصل به التنعُّم.
قال: (﴿فَاكِهُونَ﴾ ناعمون، خَبَرٌ ثانٍ لـ﴿إِنَّ﴾، والأول ﴿فِي شُغُلٍ﴾ ).
﴿فَاكِهُونَ﴾ خبر ثانٍ لـ﴿إِنَّ﴾ أين الأول؟
* الطلبة: ﴿فِي شُغُلٍ﴾.
* الشيخ: ﴿فِي شُغُلٍ﴾ الجار والمجرور، فتكون ﴿إِنَّ﴾ هنا لها خبران. وهل يجوز أن يتعدَّد الخبر؟
الجواب: نعم، يجوز أن يتعدَّد الخبر؛ قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج ١٤ - ١٦]، هذه خمس خَبَرات، فالخبر يجوز أن يتعدَّد، لكن تعدُّد الخبر قد يكون لكل كلمةٍ منه معنًى مستقلٌّ، وقد تكون كلمتان في معنى كلمةٍ واحدةٍ؛ فمثلًا إذا قلت: هذا البرتقال حلوٌ حامضٌ. هاتان كلمتان، لكنهما بمعنى كلمةٍ واحدةٍ؛ أي: مُزٌّ؛ يعني: جامعٌ بين الحلاوة والحموضة.
لكن لو قلت: فلانٌ قائمٌ مسرورٌ. هل الخبران بمعنى خبرٍ واحدٍ؟ لا، كلُّ واحدٍ منهما له معنًى مستقلٌّ، بدليل أنَّ أحدهما ينفرد عن الآخَر بمعنًى مستقل.
الخلاصة الآن أننا فهِمْنا من كلام المؤلف أن الخبر يجوز أن يتعدَّد سواءٌ كان منسوخًا كما في الآية أم غير منسوخ.
قال: (﴿هُمْ﴾ مبتدأ)، ﴿وَأَزْوَاجُهُمْ﴾ معطوفة عليه، ﴿فِي ظِلَالٍ﴾ [يس ٥٦] خبر المبتدأ.
﴿هُمْ﴾ أي: أصحاب الجنة، ﴿وَأَزْوَاجُهُمْ﴾ جمع زوج، وتُطلق على الذكر والأنثى فيقال: هذا زوج فلانة، ويقال: هذه زوج فلان. لكن أهل العلم قالوا: يجب التفريق -وإنْ كان لغةً ضعيفةً- في باب الفرائض فيقال: (زوجة) للأنثى، ويقال: (زوج) للرجل، لماذا؟ لئلَّا يشتبه على المتعلِّم كونُ المسألة المتوفَّى فيها زوجٌ ذَكَرٌ أو زوجٌ أُنثى، وإلا فاللغة العربية الفصحى حذْف التاء من (زوج) سواءٌ كان للأنثى أو للذَّكر.
(﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ﴾ جمع ظُلَّة أو ظِلٍّ، خبر)، يعني أنَّ ﴿فِي ظِلَالٍ﴾ خبر للمبتدأ ﴿هُمْ﴾، و﴿ظِلَالٍ﴾ جمع ظُلَّة أو جمع ظِلٍّ، والمعنى لا يختلف كثيرًا؛ فهُم في ظلالٍ ليس عندهم شمسٌ تصهرهم أو تسخِّن الجو، وإنما هو أنوار، قال بعض أهل العلم: كالنور الذي يكون بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، نورٌ ساطعٌ ولكنَّه لطيف؛ لأن ألطف ما يكون هو مِثْل ذلك الوقت، فهو ظل ظليل.
(﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ جمع أريكة، وهو السرير في الحجَلة أو الفُرُش فيها). ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ خبر مقدَّم، و﴿مُتَّكِئُونَ﴾ مبتدأ مؤخَّر، ويجوز ما ذكره المؤلف فيما بعد.
قال: (﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ جمع أريكة). الأريكة هي السرير في الحجَلة أو الفِراش فيها، ولكن الأكثر أنها السرير، والحجَلة عبارة عن بيتٍ صغيرٍ في وسط البيت الكبير؛ يعني أنها بمنزلة الحجرة الخاصة بالمنام فيما نعرفه بيننا، فالدار مثلًا تشمل حُجَرًا كثيرة متعددة، والحجرة الخاصة بالنوم هي مثل الحجَلة؛ خيمة صغيرة تكون خاصَّة بالرجُل وأهله، أو بالرجل وحده، أو بالمرأة وحدها.
(﴿مُتَّكِئُونَ﴾ خبرٌ ثانٍ متعلق ﴿عَلَى﴾ ) يعني ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ متعلقة بـ﴿مُتَّكِئُونَ﴾، وعلى كلام المؤلف يكون المبتدأ ﴿هُمْ﴾، و﴿فِي ظِلَالٍ﴾ خبرًا، و﴿مُتَّكِئُونَ﴾ خبرًا ثانيًا، فالجملة على كلامه واحدة ولَّا متعدِّدة؟ الجملة واحدة، هم في ظلالٍ متكئون، الجملة واحدة لكنَّها متعددة الخبر، و﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ -على كلام المؤلف- متعلقة بـ﴿مُتَّكِئُونَ﴾، ومناسبة تقديمها على عاملها مراعاة الفواصل-فواصل الآي- وأنتم تعلمون أن القرآن الكريم يكون فيه مراعاة الفواصل حتى وإنْ أدَّى إلى تقديم المفضول على الفاضل؛ كما في قوله تعالى في سورة طه: ﴿بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ [طه ٧٠]، فقدَّم هارون على موسى مع أن موسى أفضل للفواصل؛ لأن الفواصل إذا كانت متَّفقة كان لها تأثير في الاستماع والإصغاء، والقرآن أَبْلغ الكلام. هذا ما ذهب إليه المؤلف.
ولنا رأيٌ ثانٍ في المسألة في الإعراب: أنْ تكون ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾ خبرًا مقدَّمًا، و﴿مُتَّكِئُونَ﴾ مبتدأً مؤخَّرًا، وعلى هذا فيكون لدينا جملتان: جملة ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ﴾، والثانية: (متكئون على الأرائك). وما ذكرناه أعمُّ؛ لأن ما ذكرناه يشمل أن يكونوا متكئين على الأرائك مع زوجاتهم أو بدون زوجاتهم، وعلى كلام المؤلف يقتضي أن يكونوا متكئين على الأرائك مع الزوجات.
ثم قال عز وجل (﴿لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ﴾ فيها ﴿مَا يَدَّعُونَ﴾ [يس ٥٧] ما يتمنَّون).
* طالب: متعلق (على) (...).
* الشيخ: متعلق (على)، متعلق؛ يعني أن ﴿مُتَّكِئُونَ﴾ تعلقت به ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ﴾.
(﴿لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ﴾ فيها ﴿مَا يَدَّعُونَ﴾ )
* طالب: (...).
* الشيخ: تفسير. ﴿لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ﴾ إلى آخره.
﴿لَهُمْ﴾ أي: لأصحاب الجنة ﴿فِيهَا﴾ أي: في الجنة ﴿فَاكِهَةٌ﴾ أي: ما يتفكَّهون به. وكلُّ أكل أهل الجنة فاكهة؛ لأنهم يأكلونه على سبيل التفكُّه لا على سبيل الحاجة والضرورة، نحن في الدنيا نأكل أحيانًا تفكُّهًا، وأحيانًا للحاجة، وأحيانًا أيش؟ للضرورة، أمَّا في الجنة فكل ما نأكله للتفكُّه؛ لأنه ليس هناك حاجة ولا ضرورة، ولهذا يأكل الإنسانُ الأكلَ ويخرج هذا الأكل رشْحًا -يعني مثل العرق- أطيب من ريح المسك، وليس فيها بول وليس فيها غائط.
فإذا قال قائل: أنت إذا جعلت الفاكهة اسمًا لكلِّ ما يأكلون لأنهم يأكلونه على سبيل التفكُّه، فكيف تُجيب على قوله تعالى: ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ [الرحمن ٦٨] والأصل في العطف أن يكون للمغايرة؟ والنخل والرمان يؤكل ولَّا لا؟ يؤكل.
فالجواب يُعلم مما ذكرنا آنفًا وهو أنَّ الشيء إذا أُفرِدَ صار له معنى عامٌّ، وإذا قُرِنَ بغيره صار له معنى خاصٌّ مقابلٌ لِمَا قُرِنَ معه؛ لأن التقسيم يقتضي هكذا؛ أنْ يكون المقسَّم إليه من طرفٍ غير المقسَّم إليه من الطرف الآخَر.
فنقول: النخل والرمان نصَّ عليهما بخصوصهما لخاصِّية فيهما وإلا فهُما من الفاكهة، ويكون هذا من جنس عطْف الخاصِّ على العامِّ، وعطْفُ الخاصِّ على العامِّ في اللغة العربية كثير مثل؟
* الطالب: (...) الآية.
* الشيخ: إي، وغير الآية؛ لأنه ما يمكن أن تستشهد بما تحكم به.
* طالب: ﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [آل عمران ٨٤].
* الشيخ: لا، هذه من باب عطف العامِّ على الخاصِّ، نريد عطف الخاصِّ على العامِّ.
* طالب: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ﴾ [القدر ٤].
* الشيخ: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا﴾، و(الروح) جبريل، وهو من الملائكة.
قال: ﴿لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ﴾ قال المفسِّر: (فيها ﴿مَا يَدَّعُونَ﴾ يتمنَّون).
كلُّ ما يتمنَّونه فإنه حاصل، بل إن الله يعطيهم أكثر مِمَّا يتمنَّون؛ لأن أمنية الإنسان محدودة؛ قد يرى أن هذا أكبر شيءٍ وفيه شيءٌ آخَر أكبر منه ولكنَّه لا يُدركه، كُنَّا نقول ونحن صغار: المليون أكثر شيء، وين اللي عنده مليون! وصار المليون الآن أكثر شيء؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: صار فوقه أشياء، فوقه بلايين، وفوق البلايين -بعد- أشياء ثانية، فالمهم أن الإنسان في الآخرة يُعطى كلَّ ما يتمنَّى بل يُزاد على ما يتمنَّى، فإذا قال قائل: هل..
فالجواب أن هذا أمر محتمل يحتمل أن الإنسان إذا اشتهى شيئًا حصل له، ويحتمل أنه لا بد أن يدَّعيه، والدعوى بمعنى الطلب لا بد أن يطلبه، وفائدة الطلب إظهار صدق الإرادة كما أن الفعل يدل على صدق الإرادة؛ فلو أن أحدًا من الناس قال: أنا أريد أن أزور فلانًا، فإن هذا الإرادة لا تظهر إلا إذا زاره بالفعل، وإلا فما دام لم يقم بالفعل فإن الإرادة قد تكون غير صادقة.
على كل حال يكفينا أن الله عز وجل يقول: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ﴾ [الزخرف ٧١] فإن ظاهر الآية أن كل ما تشتهيه وإن لم تطلبه يحصل لك.
قال الله عز وجل: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس ٥٨] ﴿سَلَامٌ﴾ قال المؤلف: (مُبْتَدَأ ﴿قَوْلًا﴾ أَيْ بِالْقَوْلِ، خَبَره ﴿مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ بِهِمْ أَيْ: يَقُول لَهُمْ سَلَام عليكم)؛ يعني: معنى كلام المؤلف أن الله سبحانه وتعالى يقول لهم: سلام، و(قول) هنا منصوبة على كلامه بنزع الخافض؛ لأنه قال: (أي: بالقول)، والنصب بنزع الخافض في غير (أنّ) و(أنْ) ليس بمطرد بل هو سماعي؛ يعني: إن سُمِع عن العرب النصب عُمِل به، وإن لم يُسمع فإنه لا يُعمَل به، وقاعدة ذلك أنه قد يحذف الجار يعني: حرف الجر، فإذا حُذف حرف الجر صار مدخوله منصوبًا ويقال فيه: منصوب بأيش؟ بنزع الخافض، ولكنه كما قال ابن مالك:
؎نَقَلًا وَفِي (أَنَّ) وَ(أَنْ) يَطَّرِدُ ∗∗∗ مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوا
أظنكم وجدتم هذا فيما سبق، (فِي (أَنَّ) وَ(أَنْ) يَطَّرِدُ) لكن بشرط أيضًا أن يُؤمَن اللَّبس (كعجبت أن يدوا)، على كل حال المؤلف مشى على أن ﴿قولًا﴾ منصوب بنزع الخافض أي: يقال لهم: سلام عليكم، وهذا القول صادر من رب رحيم، ويأتي إن شاء الله بقية الكلام على الآية في الدرس القادم.
* طالب: (...).
* الشيخ: الجنة التي فيها آدم مختلف فيها هل هي جنة الخلد أو جنة بستان؛ جنة دنيا؟ وعلى القول بأنها جنة الخلد وهو الذي أوردت فيه الإشكال يقال: إن هذا مستثنى، وربما يحدث الله أنواعًا وأصنافًا من النعيم لم تكن موجودة في عهد آدم.
* طالب: الجنة تفاضل يا شيخ (...).؟
* الشيخ: بلى.
* طالب: الذي في مرتبة أقل لا يرى أنه (...).
* الشيخ: لا يرى أنه أعلى منه، لكنه لا يطمع في ذلك ولا يتحسر ويندم أنه لم يكن في مرتبته، نحن إذا مررنا بالقصور كل واحد منا يقول: والله بيتي ما هو شيء عند هذا القصر، ويتمنى أن له هذا القصر إذا كان من أهل الدنيا ولَّا اللي من أهل الآخرة ما يهمه، لكن هناك لا يحصل في (...) هذا أبدًا نعم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: نعم، نحن ذكرنا مثل هذا تمامًا في قوله: ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ [الرحمن ٦٨] وأجبنا عنه.
* طالب: النخل والرمان (...).
* الشيخ: أبدًا، اللحم أيضًا يُتَفَكَّه به، أنت الآن عندما يُقَدَّم لك لحم جمل قد بلغ في السنِّ عتيًا ولحم طير صغير من (...) ما يكون، ويش يكون لحم الطير بالنسبة للحم الجمل؟ نعم، فاكهة تتفكه به؛ لأن لحم الجمل تقعد تمضغه لك ساعتين ما فتته فضلًا عن أن تسيغ ابتلاعه، أما هذا بمجرد يمكن ما يقبل على فمك يتفتت ويدوب بينهما فرق.
* طالب: (...).
* الشيخ: الشك إذا رُكِنَ إليه، أما إذا طرده ولم يركن إليه واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم فهذا لا يضره؛ يعني: مثلًا أنا شككت في أن فلانًا قَدِم، هو صحيح، ما عندي علم، هذا شك، ركنت إليه، لكن رجل قادم، ثم شككت في قدومه، هذا لا أركن إليه، وإن كان قد يرد على النفس، فالأمور التي يؤمن بها المؤمن هي عنده بمنزلة المُشاهدة، فإذا طرأ على نفسه ما يوجب الشك طَرده، لكن إذا كان مرتابًا -والعياذ بالله- تجد أنه يطمئن لهذا الشك، ويكون حقيقة حكمية في قلبه.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، إذا طردها، الصحابة شَكَوْا إلى الرسول أنهم يجدون في أنفسهم ما يحبون أن يخروا من السماء ولا يتكلمون به فقال: «هَذَا صَرِيحُ الْإِيمَانِ»[[أخرجه مسلم (١٣٢ / ٢٠٩) من حديث أبي هريرة.]].
* فيما سبق من الآية الكريمة: ذكر الله سبحانه وتعالى أنه إذا نفخ في الصور قام الناس من الأجداث أي: من القبور، يقومون إلى ربهم ينسلون فيقول الكفار: ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس ٥٢]، ففي هذا دليل أو يؤخذ من هذه الآية فوائد:
* منها: دعاء هؤلاء الكفار على أنفسهم بالويل إذا شاهدوا الحساب يوم القيامة؛ لقولهم: ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾.
* ومن فوائدها: أن البقاء في القبور ما هو إلا كنوم النائم ينام ثم يستيقظ ويغادر المكان؛ لقولهم: ﴿مِنْ مَرْقَدِنَا﴾.
* ومن فوائد الآية: أن الله عز وجل يُبَيِّن لهم توبيخًا بأن هذا ما وعد الرحمن به من البعث والجزاء.
* وفيه أيضًا: أنهم يقرون على الاحتمال الثاني يقرون على أنفسهم بأن ما وعد الله به فسيقع بناء على أن قوله: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ [يس ٥٢] من كلامهم.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الرسل عليهم الصلاة والسلام صادقون فيما يُخبرون به عن الله سبحانه وتعالى وعن غيره؛ لقوله: ﴿وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس ٥٢].
ثم قال: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس ٥٣].
* في هذه الآية: دليل على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى وأنه عز وجل يصيح بأصحاب القبور صيحة واحدة فيقول مثلًا: اخرجوا، فيخرجون جميعًا لا يتخلف منهم أحد؛ ولهذا قال: ﴿فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الله سبحانه وتعالى إذا أمر بشيء لا يعيد الأمر مرة ثانية، بل يكون الشيء بأول أمر، ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ [القمر ٥٠] الذي يعيد الأمر أو الكلام هو العاجز، وأما القادر فلا يعيده.
* ومن فوائدها أيضًا: الإشارة إلى أن الله تعالى ينزل للقضاء بين عباده، تؤخذ من قوله: ﴿لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾؛ أي: عندنا، والعند يدل على القرب، وقد ثبت بالنصوص أن الله عز وجل ينزل للقضاء بين عباده فيقضي بينهم.
ثم قال عز وجل: ﴿فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [يس ٥٤].
* من فوائد الآية الكريمة: انتفاء الظلم مطلقًا في يوم القيامة؛ لأنه يوم العدل كما قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأنبياء ٤٧].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان لا يظلم لا بقليل ولا بكثير؛ لأن ﴿شَيْئًا﴾ نكرة في سياق النفي فتكون للعموم، فإذا قال قائل: وفي غير هذا اليوم هل يُظْلَم أحد؟ فالجواب: لا، لا يُظْلَم، لكن ذكر هذا اليوم لبيان الواقع؛ لأن هذا اليوم هو يوم الجزاء فكأنه قال: هذا اليوم الذي هو يوم الجزاء ليس فيه ظلم، ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾ [غافر ١٧].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الجزاء من جنس العمل؛ لقوله: ﴿وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، فيستفاد منه كمال عدل الله عز وجل، وهذه فائدة متفرعة على الفائدة التي قبلها.
فإن قال قائل: أليس الإنسان العامل للحسنة يُجْزَى بعشر حسنات؟ فالجواب: بلى، لكن هذا من الجزاء الذي وعد الله به فلا يكون منافيًا لظاهر الآية؛ لأن الله تعالى وَعَدَ مَنْ جاء بالحسنة أن يجعل له عشر أمثالها فتكون داخلة في قوله: ﴿إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز التعبير بالسبب عن المسبَّب، من أين تؤخذ؟
* طالب: ﴿إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
* الشيخ: كيف ذلك؟
* طالب: أن الجزاء عن العمل (...).
* الشيخ: نعم، والعمل سبب للجزاء فيكون فيه التعبير بالسبب عن المسبَّب.
ثم قال عز وجل: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾ إلى آخر الآيات [يس: ٥٥].
* من فوائد الآية الكريمة: أن الناس ينقسمون في ذلك اليوم إلى قسمين: قسم هم أصحاب الجنة، وقسم هم أصحاب النار، أصحاب الجنة هذا جزاؤهم ﴿فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾.
* ويستفاد من قوله: ﴿فَاكِهُونَ﴾ كمال نعيمهم؛ لأن كلما كمُل النعيم كمُل التَّفَكُّه بهذه النعمة التي يتنعم بها الإنسان.
* من فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن لأهل الجنة زوجات؛ لقوله: ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ﴾ [يس ٥٦]، وقد وصف الله هؤلاء الزوجات بصفات كثيرة؛ فقال عز وجل في سورة الرحمن: ﴿فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ﴾ [الرحمن ٥٦]، وقال: ﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ﴾ [الرحمن ٧٠] فقاصرات الطرف يعني أنها تقصُر طرفها على زوجها لا تنظر إلى غيره؛ لأنها ترى أن زوجها أكمل الأزواج فلا يمتد نظرها إلى غيره، وهي أيضًا قاصرة لطرف زوجها عليها فزوجها لا يتعدى أو لا يمتد بصره إلى غيرها، فكل منهما راض بصاحبه، وهن أيضًا خيراتٍ حسان، خيرات الطباع حسان الوجوه والأجسام، وصفاتهن كثيرة في القرآن الكريم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الجنة ليس فيها شمس؛ لقوله: ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ﴾.
* ومن فوائدها: كمال راحة أهل الجنة؛ لقوله: ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ فإن المتكئ عادة يكون مستريحًا مطمئنًا، وكلما اطمئن الإنسان ازدادت راحته، والاتكاء على الأرائك لا شك أنه دليل على راحة البال وعدم الانشغال.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن لأهل الجنة فيها فاكهة، وهي كل ما يُتَفَكَّه به، وقد ذكرنا أن جميع طعامهم فاكهة يتفكهون به.
* ومن فوائدها أيضًا: أن لأهل الجنة كل ما يَتَمَنَّونه، بل يُعْطَوْن أكثر مما يتمنون، و«فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٤٤)، ومسلم (٢٨٢٤ / ٢) من حديث أبي هريرة.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذا القرآن الكريم مثاني تُثَنَّى فيه المعاني فيُذْكَر الشيء، ويُذْكَر ضده؛ لأنه لو ذَكَرَ ما يكون به الرجاء دون ما يكون به الخوف لغلب جانب الرجاء على جانب الخوف ووقع الإنسان في الأمن من مكر الله، ولو ذكر فيه جانب الخوف دون جانب الرجاء لوقع الإنسان في القنوط من رحمة الله، فكأن الله عز وجل إذا ذَكَر النعيم ذكر ضده، وإذا ذكر أصحاب الجنة ذكر أصحاب النار وهكذا، وهذا أحد معاني قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ [الزمر ٢٣]، يعني أنه تُثَنَّى فيه المعاني حتى يسهل السير إلى الله سبحانه وتعالى على الوجه المطلوب.
ثم قال عز وجل: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ سبق لنا أن المؤلف أعرب ﴿سَلَامٌ﴾ على أنها مبتدأ وأن خبره ﴿قَوْلًا﴾ على أنه منصوب بنزع الخافض أي: سلام بالقول من رب رحيم، وهذا أحد الوجوه في الآية الكريمة. ويجوز أن يكون ﴿سَلَامٌ﴾ خبر مبتدأ محذوف؛ أي هي سلام، يعني الجنة سلام، كما قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ﴾ [يونس ٢٥]، ويجوز أيضًا أن يكون الخبر قوله: ﴿مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ أي: سلام بالقول من الله واقع من الله عز وجل، وهذه الوجوه لا ينافي بعضها بعضًا من حيث المعنى فإن المعنى كله واحد وهو أن الله تعالى يُسَلِّم عليهم بالقول، ويقول: سلام عليكم يا أهل الجنة.
وقوله: ﴿مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ الرب في اللغة العربية يُطلق على عدة معانٍ فيطلق على رب العالمين عز وجل، وهو بهذا المعنى يشمل الخلق والملك والتدبير، فالرب هو الخالق المالك المدبِّر، ويطلق الرب على الصاحب مثل قولهم: رب البيت أي: صاحب البيت، ومثل قوله عليه الصلاة والسلام في اللُّقَطَةِ: «مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا» » في الضالة، في الضالة؛ ضالة الإبل: «مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأَكْلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّها»[[متفق عليه؛ البخاري (٩١)، ومسلم (١٧٢٢ / ١) من حديث زيد بن خالد.]] أي: صاحبها.
وقوله: ﴿مِنْ رَبٍّ﴾ المراد به المعنى الأول؛ يعني الله عز وجل، فالله تعالى هو الرب يعني الخالق المالك المدبر و﴿رَحِيمٍ﴾ من الرحمة وهي صفة ذاتية لم يزل الله سبحانه وتعالى ولا يزال متصفًا بها، لكن أفرادها تتجدد باعتبار المرحوم، فالله عز وجل يرحم من يشاء، ومعلوم أن المرحوم يتجدَّد، فرحمة الله لهذا المرحوم تتجدد، أما أصل المعنى فإن الله لم يزل ولا يزال رحيمًا.
أهل السنة والجماعة وهم السلف يُفَسِّرون الرحمة بمعنى يليق بالله عز وجل، وأهل التحريف يفسرون الرحمة إما بالإحسان وإما بإرادة الإحسان، فيقولون: معنى ﴿رَحِيمٍ﴾ أي: محسن أو مريد للإحسان، لماذا؟ قالوا: لأن الله لا يمكن أن يتصف بالرحمة فإن الرحمة تدل على الضعف وعلى الرقة واللين، وهذا لا يليق بالله سبحانه وتعالى، وفسروها بالإرادة؛ لأنهم يثبتون الإرادة، أو بالإحسان؛ لأن الإحسان منفصل عن الله عز وجل فهو مخلوق، ولا شك أن هذا تحريف، والرحمة إن كان يلزم منها الرقة واللين فهذا باعتبار رحمة المخلوق، أما باعتبار رحمة الخالق فلا يلزم منها هذا المعنى، على أننا نمنع أن يكون من لازمها الرِّقة واللين، لماذا؟ لأننا نجد الملك القوي الشجاع يكون فيه رحمة ولا يُنْقِص ذلك من قوته وسلطانه شيئًا، لكن لو سلمنا جدلًا أنها تستلزم الرقة واللين فإنما ذلك باعتبار رحمة المخلوق.
﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ بهم، أي: يقول لهم سلام عليكم، ويقول: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ [يس ٥٩]، قوله: (ويقول) يعني الله عز وجل، وفي الجزم في ذلك نظر، فقد يكون الله عز وجل هو الذي يقول للمجرمين: ﴿امْتَازُوا﴾، وقد يكون القائل ملكًا من الملائكة، المهم أنه يقال للمجرمين: ﴿امْتَازُوا الْيَوْمَ﴾؛ ولهذا لو قال المؤلف: (ويقال) لكان أولى؛ لأن الجزم بأن القائل هو الله يحتاج إلى توقيف؛ يعني: إلى نص من الشارع.
يقول: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ المراد بـ﴿الْيَوْمَ﴾ يوم القيامة، فـ(أل) هنا فيه للعهد الذكري.
﴿أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ قال المؤلف: (أي: انفردوا عن المؤمنين عند اختلاطهم بهم) يعني: يقال يوم القيامة: امتازوا أيها المجرمون، تميزوا عن المؤمنين، انفردوا عنهم؛ لأن طريق المجرمين غير طريق الأبرار، فالأبرار طريقهم إلى الجنة، وهؤلاء طريقهم إلى النار، كما قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم ٨٥، ٨٦] فيمتاز هؤلاء عن هؤلاء، يقال لهم هذا على سبيل التوبيخ والإهانة؛ لأنك إذا رأيت مجتمعًا تقول مثلًا: أيها الطائفة الفلانية امتازوا، ابتعدوا، صار في هذا من إذلالهم وإهانتهم ما هو ظاهر.
وقوله: ﴿أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ مَنْ هو المجرم؟ المجرم فاعل الإجرام، والإجرام هو الذنب والإثم أي: أيها الآثمون المذنبون امتازوا عن المؤمنين المطيعين.
ثم قال: (﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ﴾ آمُركُمْ ﴿يَا بَنِي آدَمَ﴾ عَلَى لِسَان رُسُلِي ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾ لَا تُطِيعُوهُ ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ بَيِّن العداوة، ﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي﴾ وَحِّدُونِي وَأَطِيعُونِي ﴿هَذَا صِرَاطٌ﴾ طَرِيق ﴿مُسْتَقِيمٌ﴾ ). ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ﴾ [يس ٦٠] الاستفهام هنا للتقرير، والغالب أنه إذا وقع بعد الاستفهام ما يدل على النفي فالاستفهام للتقرير؛ مثل ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١] هذا للتقرير، ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ﴾ للتقرير، ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ [الأنعام ١٣٠] للتقرير، ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر ٣٦] للتقرير، ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين ٨] للتقرير، وهكذا كلما جاء ما يدل على النفي بعد أداة الاستفهام فإن الاستفهام يكون فيه غالبًا لأيش؟ للتقرير.
هنا تقرير؛ يقرر الله عز وجل أنه عهد إليهم؛ ولهذا يصح أن يُحَوَّل في غير القرآن إلى فعل ماض فيقال: (قد عهدت إليكم).
فإذا قال قائل: ما المراد بهذا التقرير؟ المراد به التوبيخ؛ يعني: يقرر الله هذا الأمر توبيخًا لهم وإقامة للحجة عليهم أن الله عهد إليهم ألا يعبدوا الشيطان.
والعهد إلى الشيء فسَّرَه المؤلف بأنه الأمر؛ يعني: ألم آمركم، ولكنه في الحقيقة أبلغ من الأمر؛ لأن العهد إليه كأنه متضمن للعهد والميثاق، وهو كذلك؛ فإن الله قد أخذ علينا الميثاق ألا نعبد إلا إياه وألا نعبد الشيطان لأنه عدو.
وقوله: ﴿يَا بَنِي آدَمَ﴾ ﴿بَنِي آدَمَ﴾ هذه تشمل الذكر والأنثى، وإن كان الابن يقال في الأصل للذكر، والبنون تقال في الأصل للذكور، لكن إذا كان المراد به القبيلة أو الجنس فإنه يشمل الذكر والأنثى، حتى إن الفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا وقف على بني تميم شمل ذكورهم وإناثهم، لكن إذا وقف على بني فلان، واحد من الناس ما هو قبيلة، فإنه يختص بمن؟ بالذكور فقط، فبنو آدم هنا قبيلة، بل شامل لكل القبائل فيشمل الذكور والإناث.
وقوله: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾ فسَّر المؤلف العبادة هنا بالطاعة؛ لأن طاعة الغير في محارم الله نوع من العبادة، كما قال الله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا﴾ [التوبة ٣١]، لا أن يعبدوا أربابًا كثيرة، قال عدي بن حاتم: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم –يعني: لسنا نصلي أو نركع أو نسجد لهم- قال: «أَلَيْسَ يُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَتُحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ؟ قَالَ: نَعَمَ. قَالَ: فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمُ»[[أخرجه الترمذي (٣٠٩٥) من حديث عدي بن حاتم.]]، وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا، لكن الواقع أن هذا هو الحقيقة أن طاعة غير الله في مخالفة أمر الله نوع من العبادة؛ لأن العبادة في الأصل هي التذلل والخضوع، وطاعة الأمر تذلل وخضوع.
وقوله: ﴿الشَّيْطَانَ﴾ هل المراد بذلك الجنس أو المراد الشيطان المعين؟ الظاهر أن المراد به الجنس فيشمل شياطين الإنس وشياطين الجن، فكما أن للجن شياطين فللإنس أيضًا شياطين، يوجد من الإنس شياطين يأمرون الناس بالإثم والعدوان، وينهونهم عن البر والإحسان.
وقوله: (﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ بَيِّن العداوة) ﴿إِنَّهُ﴾ أي: الشيطان ﴿لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾، كل إنسان أو كل أحد يأمرك بمخالفة أمر الله فهو عدو لك شعر بذلك أم لم يَشْعُر، وعلى رأسهم الشيطان الأول الذي يقود كل شيطان.
قال: ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ العدو ضد الولي، والولي من يتولاك ويحوطك ويعتني بك، فالعدو ضده هو الذي لا يريد لك الخير، وإنما يريد لك الشر.
وقوله: ﴿مُبِينٌ﴾ قال: (بَيِّن العداوة) كيف فسَّر ﴿مُبِينٌ﴾ بـ(بَيِّن)؟ نقول: لأنها من (أبان) و(أبان) تأتي بمعنى أظهر، وتأتي بمعنى ظهر، فإن كانت بمعنى أظهر فهي متعدية، وإن كانت بمعنى ظهر فهي لازمة، ولا يمكن أن نقول: إنها من المتعدي أو اللازم إلا بقرينة من السياق، فهنا نقول: ﴿مُبِينٌ﴾ إذا فسرناها بما فسَّر به المؤلف (بَيِّن العداوة) صارت من اللازم ولَّا من المتعدي؟ من اللازم، مع أنه يمكن أن نجعلها من المتعدي، ونقول: ﴿مُبِينٌ﴾ مظهر للعداوة؛ لأنه يأمرك بالشر، لكن هذا ضعيف؛ إذ لو أبان عداوته ما تبعه أحد، وإنما يَغُرُّ الناس كما قال تعالى: ﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ﴾ [الأعراف ٢٢]. إذن نجعل ﴿مُبِينٌ﴾ هنا من باب اللازم من (أبان) بمعنى ظَهَر.
﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [يس ٦١] لا تعبدوا الشيطان، وأن اعبدوني هذا نفي وإثبات، وهو حقيقة التوحيد ﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي﴾ أن هنا مصدرية، ويصح أن تكون مفسرة؛ لأن ﴿أَعْهَدْ﴾ متضمنة معنى القول، وإذا سبق أن ما يتضمن معنى القول دون حروفه صارت تفسيرية؛ مثل قوله تعالى: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ [المؤمنون ٢٧].
على كل حال ﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي﴾ يعني أن الله عهد إلينا أن نعبده وحده أي: تذللوا لي بالطاعة.
والمؤلف قال: (وحِّدوني وأطيعون) وهذا معنى صحيح؛ فالعبادة توحيد الله عز وجل بالطاعة والتذلل له بامتثال أمره واجتناب نهيه.
﴿هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ ﴿هَذَا﴾ المشار إليه تَرْك عبادة الشيطان وإفراد الله بالعبادة، ﴿صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ الصراط فسَّره المؤلف بالطريق، ولكن الصحيح أنه ليس مطلق الطريق صراطًا، بل الصراط هو الطريق الواسع المتساوي؛ لأنه مأخوذ من الصرط أو من السرط، والسرط -كما نعلم- هو ابتلاع الشيء بسرعة، ولا يكون الطريق طريقًا ذا سرعة إلا إذا كان واسعًا وكان سهلًا.
وأما قوله: ﴿مُسْتَقِيمٌ﴾ فهذا وصف له، والاستقامة تشمل اعتدال السير، وتشمل أيضًا انبساط الأرض، فإذا قدر أن الطريق يذهب يمينًا وشمالًا لم يصح أن نقول: إنه مستقيم، وإذا كان فيه مرتفعات ومنخفضات فليس بمستقيم؛ لأن بعضه مرتفع وبعضه نازل، فالاستقامة معناه أنه خالٍ من الانحرف يمينًا وشمالًا، وخالٍ من الاختلاف في ارتفاعه وانخفاضه.
وقوله: ﴿صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ إلى من؟ إلى الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى أضاف الصراط إلى نفسه، وأضاف الصراط إلى خلقه فقال سبحانه وتعالى في سورة الفاتحة: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة ٦، ٧] فأضاف الصراط إلى الذين أنعم الله عليهم، وقال: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى ٥٢، ٥٣]، ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ أو والأرض؟ ﴿وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ فكيف نجمع بين الإضافتين؟ نقول: أضاف الله الصراط إلى الذين أنعم الله عليهم؛ لأنهم هم السالكون له، هم سالكوه وأضافه إلى نفسه؛ لأنه هو الذي وضعه لعباده وهو موصل إليه كما تقول: هذا طريق مكة. ما معنى طريق مكة؟ أي الموصل إلى مكة. وتقول: هذا طريق فلان إذا كان هو الذي وضعه للناس وشقه لهم، أو هو الذي سلكه ومشى عليه.
على كل حال إضافة الصراط إلى الذين أنعم الله عليهم؛ لأنهم سالكوه، إضافة الصراط إلى الله؛ لأنه أيش؟ هو الذي وضعه لعباده وسَنَّه لهم، وهو -أي الصراط- موصل إلى الله عز وجل.
﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾ [يس ٦١، ٦٢] ﴿وَلَقَدْ﴾ هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات، ما هي؟
* طالب: الواو.
* الشيخ: أيش؟ وين الواو؟
* طالب: اللام و(قد).
* الشيخ: نعم، اللام و(قد).
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: والقسم المقدر.
* الشيخ: القسم المقدر؛ لأن اللام هذه موطئة للقسم فتكون هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات؟
* طالب: القسم واللام و(قد).
* الشيخ: القسم. أين القسم؟
* طالب: والله لقد أضل منكم.
* الشيخ: أحسنت، التقدير: والله لقد أضل. طيب، إذا قال قائل: كيف يقسم الله عز وجل وهو الصادق القول بلا قسم؟
نقول في الجواب على ذلك وجوه:
الوجه الأول: الإشارة إلى أن هذا أمر هام يحتاج إلى أيش؟ إلى القسم عليه؛ لأنه لولا أهميته ما أقسم عليه.
ثانيًا: أن القرآن نزل باللغة العربية، ومن أساليب اللغة العربية أن الشيء إذا أريد إثباته وتحقيقه فإنه يُقْسَم عليه، والقرآن -كما نعلم- نزل بلسان عربي مبين.
الثالث: أن المقسَم به إذا كان صريحًا أي مصرحًا به فإن الإقسام به يدل على عظمته فإن الله لا يقسم بشيء إلا لعظمة ذلك الشيء مثل قوله: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (١) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴾ [الشمس ١، ٢] إلى آخره، وما أشبه ذلك مما أقسم الله به فإنه يدل على عظمة المقسم به.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، عنده طريق.
* طالب: قوله تعالى: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾ (...) لا نافية (...).
* الشيخ: كيف؟ يحتمل أن تكون نافية، والفعل منصوب بـ(أن) أو أن (لا) ناهية.
* طالب: (...).
* الشيخ: المراد به العموم؛ ولهذا قال: ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا﴾.
* طالب: (...) يا بني آدم ألم أعهد إليكم أن لا تعبدوا الشيطان والمؤمنون (...).
* الشيخ: إي نعم، هو بين أنه عهد إلى الخلق كلهم ألا يعبدوا الشيطان، وأن يعبدوه وحده، ولكن أضل الشيطان منهم جِبِلًّا كثيرًا كما في الآية التي شرعنا فيها، فالخطاب عام.
* طالب: قال تعالى: ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ﴾ [يس ٥٦] الذين لم يتزوجوا من الشباب (...).
* الشيخ: إي نعم، لهم أزواج حتى الذين لم يتزوجوا يكون لهم أزواج في الجنة من الحور العين، ومن نساء الدنيا اللاتي لم يتزوجن.
* طالب: (...) أزواجهم؟
* الشيخ: الحور العين.
* طالب: الشابات.
* الشيخ: الشابات لهم أزواج، أولًا الظاهر أن النساء من أهل الدنيا لا يَزِدْنَ على الرجال؛ لأن أكثر أهل النار النساء فالنساء هن أكثر أهل النار، وإذا قُدِّرَ أن عدد النساء من أهل الدنيا زاد على عدد الرجال فإنه يمكن أن يجمع الإنسان بين زوجتين أو أكثر، على كل حال إذا وصلت إلى هناك إن شاء الله ما في ضيق، والله المستعان.
* طالب: قيل: إنهن يُخَيَّرْن يا شيخ؛ أزواج الدنيا -يعني نساء الدنيا- يُخَيَّرن بأزواجهم في الجنة.
* الشيخ: هذا إذا كانت المرأة قد تزوجت رجلين فإنها تُخَيَّر بينهما؛ يعني: إذا تزوجت رجلين ودخلت الجنة معهما تخير بينهما.
* طالب: إذا طلقت؟
* الشيخ: حتى لو طلقت، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنها تختار أحسنهما خلقًا[[أخرجه البزار في مسنده (٦٦٣١)، وعبد بن حميد في مسنده (١٢١٠) من حديث أنس بن مالك.]].
* طالب: بالنسبة لقوله تعالى: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ (...) النفخ في الصور (...).
* الشيخ: لا؛ لأن الله قال في آية أخرى: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات ١٣، ١٤]، والزجر لا يكون من النفخ، النفخ صوت وليس بزجر.
* طالب: ألا تعبدوا إلا الله (...).
* الشيخ: لا، يكون منصوبًا بـ(أن).
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، إن جعلنا (لا) نافية فهو منصوب بـ(أن)، وإن جعلناها ناهية فهو مجزوم بها.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، ربما يقال: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾، فإذا امتازوا قال الله لهم: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ﴾.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم فيه احتمال، لكن ما نجزم به، فيه احتمال أنها من قول الله، أن الله يقول لهم: امتازوا أيها المجرمون، وفيه احتمال أنها من قول ملك من الملائكة، فإذا امتازوا خوطبوا، وهذا مما يدل على ما ذهب إليه الأخ أن قوله: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ﴾ أنه خاص بالكفار، لكن قوله: ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا﴾.. لأنهم لو كانوا هم الكفار لكان قد أضلهم كلهم.
* طالب: شيخ، أنا أقصد..
* الشيخ: أنا فاهم -بارك الله فيك- فاهم، لكن الجزم يحتاج إلى توقيف.
﴿جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾، عندكم هكذا ﴿جِبِلًّا﴾؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: جُبْلًا. المشكلة اللي عندي ﴿جِبِلًّا﴾ وصلنا إلى هذا؟
قوله تعالى: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ فيها من الفوائد..
﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ * في هذه الآية الكريمة: دليل على ما يتمتع به أهل الجنة من السلامة من كل الآفات لا من الأمراض ولا من التعب ولا من الموت ولا من غيرها؛ ﴿سَلَامٌ﴾ لأن الله تعالى يقول لهم: سلام عليكم، وهذا اللفظ الصادر من الله عز وجل ليس دعاء ولكنه خبر من الله، إنما يكون مثل هذا دعاء إذا وقع من المخلوق، أما إذا كان من الخالق فهو خبر أي أن الله تعالى يخبرهم بأنه سيسلمهم من كل آفة.
* ومن فوائدها: إثبات الربوبية، وهي هنا فيما يظهر من الربوبية الخاصة، والربوبية تنقسم إلى قسمين: خاصة وعامة، فالعامة هي الشاملة لجميع الخلق؛ فإن جميع الخلق مربوبون لله عز وجل هو خالقهم مالكهم مدبرهم، ومنها قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة ٢]، أما الربوبية الخاصة فهي المختصة بعباد الله المخلصين من عباد الله المؤمنين من الرسل وأتباعهم وهي أخص من الأولى؛ لأنها تقتضي عناية خاصة بالمربوب وتوفيقًا له وإصلاحًا لحاله، ومنها قوله تعالى: ﴿رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢٢] فإن موسى وهارون من عباد الله المخلصين، فكانت الربوبية في حقهما خاصة، ومنه دعاء المؤمنين لله عز وجل بهذا الاسم، مثل: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا﴾ [آل عمران ١٦]، فإن المراد به الربوبية الخاصة؛ لأن التوسل بالأخص أخص بالدعاء من التوسل بالأعم، وقد اجتمع القسمان في قوله تعالى: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢١، ١٢٢] الأولى عامة، والثانية خاصة، إذن كم أقسام الربوبية؟ سؤال خاص.
* طالب: اثنين ربوبية عامة وخاصة، الربوبية العامة (...).
* الشيخ: إي، عباد الله المخلصين. الفرق بينهما أن هذه العامة للتدبير العام الشامل كالخلق والملك والتدبير، وهذه ربوبية خاصة تقتضي عناية خاصة.
طيب، هذه الآية: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ أقول: إن الظاهر -والله أعلم- أنها من الربوبية الخاصة؛ لأن الذي يخاطب به من القوم المخلصين.
* وفي هذه الآية الكريمة: إثبات الرحمة لله عز وجل؛ لقوله: ﴿رَحِيمٍ﴾، وإثبات الربوبية في قوله: ﴿رَبٍّ﴾، وهل الرب من أسماء الله؟ نعم، الرب من أسماء الله، دل ذلك قوله ﷺ: «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ»[[أخرجه مسلم (٤٧٩ / ٢٠٧) من حديث ابن عباس.]]، وقوله ﷺ في السواك: «مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِّ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ»[[أخرجه النسائي (٥)، والدارمي (٧١١) من حديث عائشة.]]، وأما الرحيم فكونه من أسماء الله لا يخفى.
* وفي هذه الآية: إشارة إلى أنهم إنما وصلوا إلى هذه المنزلة برحمة الله؛ لقوله: ﴿مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ. قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٦٧٣)، ومسلم (٢٨١٦ / ٧٢) من حديث أبي هريرة.]]، اللهم تغمدنا برحمتك، فالرسول عليه الصلاة والسلام أخبر أن أحدًا لا يدخل الجنة إلا أن يتغمده الله برحمته، أي: يُسْبِغَ عليه الرحمة فحينئذ يدخل.
ثم قال عز وجل: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾.
* في الآية الكريمة من الفوائد: أن المجرمين يُهانون يوم القيامة بحيث يميزون من المؤمنين بلفظ الطرد، ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ﴾ يعني: انفردوا وأبعدوا.
* ومن فوائدها: أن الله سبحانه وتعالى يميز بين المجرمين والأبرار يوم القيامة كما مَيَّز بينهم في الدنيا فإن طريق هؤلاء غير طريق هؤلاء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي لمن قام بعمل أن يذكر الوصف المناسب لهذا العمل، فهنا لما أُمِروا بالإنفراد وطُرِدوا ناسب أن يذكر سبب ذلك حيث قال: ﴿أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾، كأنما قال: امتازوا لإجرامكم، ولا شك أن ذكر سبب الحكم يزيل الشبهة واللبس والاعتراض. فإذن نقول: إن تعليق الحكم بوصف هذه فائدة مبنية على الفائدة التي قلنا: إن تعليق الحكم بوصف يدل على عِلِّيَّة ذلك الوصف أي: على أن هذا الوصف هو علة هذا الحكم؛ فإذا قلت مثلًا: أُكْرِمَ المجتهد من الطلبة. فهنا عُلِّق الإكرام بالاجتهاد يفيد أن علة الإكرام هو الاجتهاد، وهذه القاعدة مفيدة لطالب العلم وهو أن تعليق الحكم بوصف يدل على عِلِّيَّتِه أي أنه علة ذلك الحكم.
وقوله: ﴿أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ حُذِفَت منها ياء النداء، فلماذا؟ يمكن أن يدَّعي علماء البلاغة أنها حُذِفَت من باب الإهانة لهم حتى لا يطول الكلام؛ لأن طول الكلام مع المخاطب من باب التبسط إليه والانشراح لمخاطبته، فإذا اختصر فهو نوع من الإهانة، وليس هذا على إطلاقه بل هذا على حسب السياق؛ قد يكون من الإكرام أن تختصر الكلام، وقد يكون من الإكرام أن تبسط الكلام، لكن المقام في هذا لا يقتضي ذلك، بل يقتضي أن اختصار الكلام وعدم تطويله من باب الإهانة لهم.
ثم قال عز وجل: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [يس ٦٠، ٦١].
* من فوائد الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى يحب الإعذار من نفسه؛ أي: يحب أن يقيم العذر لنفسه لتقوم الحجة على خلقه؛ لقوله: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ﴾ فإن من عهد إلينا ألا نعبد الشيطان، وأن نعبد الله قد أقام علينا الحجة وأقام العذر لنفسه، وهذا كقوله تعالى: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء ١٦٥].
* من فوائدها: إثبات رحمة الله عز وجل بالخلق حيث لم يجعل إخلاصهم له موكولًا إلى عقولهم، بل عهد بذلك إليهم على ألسنة الرسل؛ لأن الله لو جعل الإخلاص موكولًا إلى العقول لاختلفت العقول في ذلك اختلافًا كثيرًا؛ لأن الأهواء لا تنضبط، فجعل الله عز وجل ذلك مما تكفل به هو نفسه لعباده؛ ففيه إثبات رحمة الله عز وجل بهذا العهد الذي عهد به إلى عباده.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي التصفية قبل التحلية، أو أحد يقول: التخلية قبل التحلية؛ لأنه قال: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾ هذا أيش؟ تخلية ﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي﴾ تحلية يعني: نفي وإثبات، وهذا هو التوحيد، التوحيد مبني على نفي وإثبات؛ لأن النفي المجرد تعطيل محض وعدم، والإثبات المجرد لا يمنع المشاركة. إذن لا يكون التوحيد إلا بنفي وإثبات. وأضرب مثلًا لهذا لو قلت: لا قائم في البيت. هذا نفي مجرد معناه العدم، عدم وجود قائم في البيت. وإذا قلت: زيد قائم في البيت، هذا إثبات مجرد لا يمنع المشاركة، أي: قد يكون رجل آخر في البيت قائم. فإذا قلت: لا قائم في البيت إلا زيد، حينئذ تحقق الانفراد وتحقق التوحيد، وصار لا يوجد قائم في هذا البيت إلا زيد.
إذن التوحيد لا بد فيه من هذين الأمرين: النفي، والإثبات. ولكن بماذا يبدأ؟ يبدأ أولًا بالنفي ليرد الإثبات على مكان خالٍ من الشوائب، خالص صالح لاستقرار الإثبات فيه، ولهذا يبدأ بالنفي ثم بالإثبات كذا؟ وهذا في القرآن كثير. استمع إلى قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [الزخرف ٢٦، ٢٧] فتبرَّأ أولًا من كل معبود، ثم أثبتَ العبادة لله وحده الذي فطره ﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ [الزخرف ٢٧].
* من فوائد الآية الكريمة: أن طاعة الشيطان في معصية الله، ولا تكون طاعة الشيطان إلا في معصية الله نوع من العبادة؛ لقوله: ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾؛ لأن الطاعة فيها نوع من التذلل، والعبادة هي التذلل، فمن أطاع الشيطان في معصية الله فقد عبده.
* ومن فوائدها: أن العبادة لا تختصُّ بالركوع والسجود والذبح والنذر، وما أشبه ذلك، بل هي عامة شاملة لكل طاعة يكون فيها كمال التذلل فهي عبادة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب الحذر من طاعة الشيطان؛ حيث سمَّى الله تعالى طاعته عبادة، وكل إنسان يحذر من أن يعبد مع الله غيرَه، ففيه التحذير من طاعة الشيطان في معصية الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب عبادة الله وحده في قوله: ﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي﴾، والعبادة تُطْلَق على معنيين: أحدهما التعبد، والثاني المتعبَّد به، التعبد يعني التذلل لله عز وجل، وهي بهذا المعنى فعل العبد يعني صلاته صيامه حجه وزكاته، وما أشبه ذلك، وتُطلَق العبادة على المتعبَّد به، وهي بهذا المعنى كل اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال؛ العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة القلبية والجوارحية، إذن تطلق العبادة على؟
* طلبة: معنيين.
* الشيخ: الأول: التعبد وهو فعل العابد، والثاني: المتعبد به وهي العبادات القائمة المشهورة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الصراط المستقيم هو التوحيد؛ لقوله: ﴿هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ ﴿هَذَا﴾ أي: ترك عبادة الشيطان والالتزام بعبادة الله، ﴿صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ أي: طريق مستقيم لا عوج فيه، وإنما كان كذلك لأنه موصل إلى رضا الله تعالى وجنته، فهو صراط مستقيم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الصراط قد يكون مستقيمًا، وقد يكون مُعْوَجًّا؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام ١٥٣] كل واحد من البشر له طريق، فإن كان على شرع الله فهو مستقيم وإن كان على خلافه فهو معوج.
{"ayahs_start":52,"ayahs":["قَالُوا۟ یَـٰوَیۡلَنَا مَنۢ بَعَثَنَا مِن مَّرۡقَدِنَاۜۗ هَـٰذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَصَدَقَ ٱلۡمُرۡسَلُونَ","إِن كَانَتۡ إِلَّا صَیۡحَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ فَإِذَا هُمۡ جَمِیعࣱ لَّدَیۡنَا مُحۡضَرُونَ","فَٱلۡیَوۡمَ لَا تُظۡلَمُ نَفۡسࣱ شَیۡـࣰٔا وَلَا تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ","إِنَّ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡجَنَّةِ ٱلۡیَوۡمَ فِی شُغُلࣲ فَـٰكِهُونَ","هُمۡ وَأَزۡوَ ٰجُهُمۡ فِی ظِلَـٰلٍ عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِ مُتَّكِـُٔونَ","لَهُمۡ فِیهَا فَـٰكِهَةࣱ وَلَهُم مَّا یَدَّعُونَ","سَلَـٰمࣱ قَوۡلࣰا مِّن رَّبࣲّ رَّحِیمࣲ","وَٱمۡتَـٰزُوا۟ ٱلۡیَوۡمَ أَیُّهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ","۞ أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَیۡكُمۡ یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُوا۟ ٱلشَّیۡطَـٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ","وَأَنِ ٱعۡبُدُونِیۚ هَـٰذَا صِرَ ٰطࣱ مُّسۡتَقِیمࣱ"],"ayah":"لَهُمۡ فِیهَا فَـٰكِهَةࣱ وَلَهُم مَّا یَدَّعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق