الباحث القرآني

قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [يس ٤٧] ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ قال المؤلف: (أي: قال فقراء الصحابة ﴿أَنْفِقُوا﴾ علينا ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ من الأموال). هكذا سار المؤلف في تفسير الآية فجَعَل القائلَ هم الفقراء، وعلى هذا فتكون الآية في سؤال الفقراء من الأغنياء أن يُنفقوا؛ يعني: إذا جاء الفقراء يسألون الأغنياء أن يُنفقوا تَهَكَّموا بهم وقالوا: كيف نطعمكم والله تعالى لم يشأْ أن نطعمكم؟! ولو شاء أن نطعمكم لأعطيناكم بدون سؤال. هذا توجيه الآية على ما مشى عليه المؤلف. ولكن الذي ينبغي أنْ نجعل الآية عامَّة؛ لأنه أُبهِمَ فيها الفاعل، وإبهام الفاعل في بعض الأحيان يُراد به التعميم؛ فـ﴿إِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ أي: إذا قال لهم أحدٌ من الناس، سواءٌ كانوا الفقراء يسألونهم الإنفاقَ أو كانوا الأغنياء يحثُّونهم على الإنفاق؛ لأن الأغنياء من الصحابة -مَثَلًا- يُنفقون، فيحثُّون الأغنياءَ من الكفار على أن يُنفقوا أيضًا، فالصواب أن نُبقي الآية على إبهامها ليكون أعمَّ. وقوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ الإنفاق بمعنى البَذْل والإعطاء، وقوله: ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ﴾ أي: مما أعطاكم الله، وفي قولهم: ﴿أنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ دون قولهم: أنفِقُوا من أموالكم، فيه تنبيهٌ على أن هذا الذي بين أيديكم ليس من كَسْبكم في الواقع ولكنَّه من رِزْق الله، فكان عليكم أن تنفقوا من هذا الذي رَزَقكم الله لأنَّ الله يأمركم به، فالذي أَمَركم بالإنفاق هو الذي أعطاكم هذا المالَ، فكيف تنكرون فضْلَه وتستكبرون عن أَمْره فلا تنفقون؟! فهذا هو الفائدة في قوله: ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾. الجواب: ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾، قوله: ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ اللام هذه الأصحُّ أنها على بابها وأنَّ المراد بها الصِّلة؛ يعني: قالوا قولًا يَصِل للذين آمنوا. مَن الذين آمنوا؟ هم الذين قالوا لهم: ﴿أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ﴾. قالوا؛ قال المؤلف: (استهزاءً بهم). يحتمل ما ذكر المؤلفُ أنَّه استهزاء، ويحتمل أنَّه من باب الاحتجاج بالقَدَر عنادًا وتحجُّجًا. يقول: ﴿أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾، ﴿مَنْ﴾ هنا بمعنى الذي، ويجوز أن تكون نكرةً موصوفةً؛ أي: أنطعم أحدًا لو يشاء الله أطعمه مِن دوننا، أو: أنطعم الذي لو يشاء الله أطعمه. و﴿لَوْ﴾ هنا حرف امتناع لامتناع، وشرطُها قوله: ﴿يَشَاءُ﴾، وجوابها ﴿أَطْعَمَهُ﴾، وقد أتتْ على خلاف الأكثر حيث حُذِفت اللام من الجواب، والأصل: مَن لو يشاء الله لَأَطْعَمه، فإن جواب (لو) إذا كان مثبَتًا فالأكثر فيه إثبات اللام، وقد تُحذف اللام، وقد اجتمع الأمْران في قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾ [الواقعة ٦٣ - ٦٥] ثم قال: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ [الواقعة ٦٨ - ٧٠]، فأتت اللام في جواب ﴿لَوْ﴾ في الآية السابقة وحُذفت من الآية الثانية، هذه الآية التي معنا من باب المحذوف اللام ﴿أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾. قال المؤلف: إنهم يقولون ذلك استهزاءً وتهكُّمًا؛ يعني: أنطعم قومًا لو شاء الله لَأطعمهم، فإطعامهم إلينا ولَّا إلى الله؟ إلى الله. ويحتمل أنه من باب أيش؟ الاحتجاج بالقَدَر فرارًا من اللَّوم؛ يعني: أنطعم قومًا لو يشاء الله أطعمهم فأطعمناهم، ولكن الله تعالى لم يشأْ أن نطعمهم فلا نطعمهم. هذان وجهان. الوجه الثالث: يحتمل أنهم قالوا هذا اعتراضًا على القَدَر كما يقوله الاشتراكيُّون والشيوعيُّون: ليش إن الله يجعل هذا فقيرًا ولا يعطيه؟! كأنهم في جوابهم هذا يعترضون على الله، يقولون: الذي يطعمهم مَن؟ الله، ما هو إحنا المسؤولون عنهم، المسؤول عنهم الله، وكان على الله أن يطعمهم لكنْ لم يشأْ ذلك، فيكون هذا فيه نوع من الاعتراض على القدر، فهذه ثلاثة أوجُه: الاستهزاء، والثاني: الاحتجاج بالقَدَر، والثالث: الاعتراض على القدر. ثم قالوا: ﴿إِنْ أَنْتُمْ﴾ أي: (ما أنتم في قولكم لنا ذلك مع معتقَدكم هذا ﴿إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ بيِّن). يعني هؤلاء الكفار الذين أُمِروا أن ينفقوا على الفقراء يقولون للذي أمرهم: أنت تعتقد أن الله لو شاء لأطعمهم؟ فيقول: نعم، أعتقد ذلك. يقولون: إذَن كيف تأمرنا أن نطعمهم والأمر بمشيئة الله؟! ما أنت إلا في ضلال مبين. وقوله: ﴿إِنْ أَنْتُمْ﴾، ﴿إِنْ﴾ هنا نافية ولَّا شرطية؟ * الطلبة: نافية. * الشيخ: بمعنى (ما)؟ * الطلبة: إي نعم. * الشيخ: ما الدليل على أنها نافية؟ لوجود (إلا) بعدها، وإذا جاءت (إلا) بعد (إنْ) فهي دليل على أنَّ (إنْ) نافية، ومرَّ علينا قبل أيامٍ قليلةٍ أنَّ (إنْ) تَرِد في اللغة العربية على أربعة أوجه: الأول؟ * طالب: تأتي زائدة. * الشيخ: طيب، ومثاله؟ * الطالب: قول الشاعر: ؎بَنِي غُدَانَةَ مَا إِنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ ∗∗∗ ............................. * الشيخ: ؎بَنِي غُدَانَةَ مَا إِنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ ∗∗∗ وَلَا صَرِيفٌ وَلَكِنْ أَنْتُمُ الْخَزَفُ طيب، تأتي أيضًا؟ * طالب: شرطية. * الشيخ: شرطية، مثاله؟ * الطالب: إنْ قام زيدٌ قمتُ. * الشيخ: ولا تأتينا بشاهدٍ من القرآن أو من السُّنة أو من كلام العرب؟ * الطالب: من القرآن؟ * الشيخ: نعم، ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾ [النساء ١٣٥] هذه (إنْ) الشرطية. طيب، ثالثًا؟ * طالب: نافية. * الشيخ: وتأتي نافية، مثاله؟ * الطالب: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [يس ٤٧]. * الشيخ: طيب. * الطالب: مخفَّفة من الثقيلة. * الشيخ: مخفَّفة من الثقيلة، مثاله؟ * الطالب: ؎....................... ∗∗∗ وَإِنْ مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامَالْمَعَادِنِ * الشيخ: قول الشاعر: ؎....................... ∗∗∗ وَإِنْ مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامَالْمَعَادِنِ طيب، وقول المؤلف: ﴿مُبِينٍ﴾ قال: أيْ (بيِّن). فهي من (أبانَ) القاصر أو من (أبانَ) المتعدي؟ (أبانَ) تأتي متعدية ولازمة؛ فيقال: (أبانَ الشيءَ) بمعنى أظهره، ويقال: (أبانَ الصبحُ) بمعنى ظَهَرَ. إذَنْ (مُبِين) من الرباعي، من: أبانَ يُبِينُ فهو مُبِين، يحتمل أن تكون بمعنى (بَيِّن) على أنها من القاصر ولَّا من المتعدي؟ * طالب: القاصر. * الشيخ: من القاصر، ويحتمل في غير هذا السياق أن تكون بمعنى (أبانَ) مثل: ﴿وَقُرْآنٍ مُبِينٍ﴾ [الحجر ١]، ليس المعنى: وقرآنٍ بَيِّن، بل: وقرآنٍ مبينٍ للحقِّ. قال المؤلف: (وللتصريح بكفرهم موقعٌ عظيمٌ). وين؟ ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، ولم يقُل: قالوا. ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، فله موقعٌ عظيم. ما هذا الموقع العظيم؟ هذا الموقع العظيم: * أولًا: التصريح بكفر هؤلاء، لو قال: قالوا. لقُلنا: لعلهم قالوا ذلك ليس بسبب الكفر ولكنْ بسبب البخل. هذه فائدة أن هذا الإظهار في موضع الإضمار في هذه الآية للتصريح بكفرهم. * الفائدة الثانية: أن مثل هذه المقالة لا تصدر إلا من كافر، فيكون الكفر عامًّا لكل مَن قال هذه المقالة. وقد مرَّ علينا فيما سبق أن الإظهار في موضع الإضمار له ثلاث فوائد: الفائدة الأولى: التصريح بالحكم على هؤلاء الذين يرجع إليهم الضمير. والثاني: أن مَن قال.. ﴿أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [يس ٤٧]. ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ قال المؤلف: (أي: قال فقراء الصحابة ﴿أَنْفِقُوا﴾ علينا ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ من الأموال). هكذا سار المؤلف في تفسير الآية فجَعَل القائلَ هم الفقراء، وعلى هذا فتكون الآية في سؤال الفقراء من الأغنياء أن يُنفقوا؛ يعني: إذا جاء الفقراء يسألون الأغنياء أن يُنفقوا تَهَكَّموا بهم وقالوا: كيف نطعمكم والله تعالى لم يشأْ أن نطعمكم؟! ولو شاء أن نطعمكم لأعطيناكم بدون سؤال. هذا توجيه الآية على ما مشى عليه المؤلف. ولكن الذي ينبغي أنْ نجعل الآية عامَّة؛ لأنه أُبهِمَ فيها الفاعل، وإبهام الفاعل في بعض الأحيان يُراد به التعميم؛ فـ﴿إِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ أي: إذا قال لهم أحدٌ من الناس، سواءٌ كانوا الفقراء يسألونهم الإنفاقَ أو كانوا الأغنياء يحثُّونهم على الإنفاق؛ لأن الأغنياء من الصحابة -مَثَلًا- يُنفقون، فيحثُّون الأغنياءَ من الكفار على أن يُنفقوا أيضًا، فالصواب أن نُبقي الآية على إبهامها ليكون أعمَّ. وقوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ الإنفاق بمعنى البَذْل والإعطاء، وقوله: ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ﴾ أي: مما أعطاكم الله، وفي قولهم: ﴿أنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ دون قولهم: أنفِقُوا من أموالكم، فيه تنبيهٌ على أن هذا الذي بين أيديكم ليس من كَسْبكم في الواقع ولكنَّه من رِزْق الله، فكان عليكم أن تنفقوا من هذا الذي رَزَقكم الله لأنَّ الله يأمركم به، فالذي أَمَركم بالإنفاق هو الذي أعطاكم هذا المالَ، فكيف تنكرون فضْلَه وتستكبرون عن أَمْره فلا تنفقون؟! فهذا هو الفائدة في قوله: ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾. الجواب: ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾، قوله: ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ اللام هذه الأصحُّ أنها على بابها وأنَّ المراد بها الصِّلة؛ يعني: قالوا قولًا يَصِل للذين آمنوا. مَن الذين آمنوا؟ هم الذين قالوا لهم: ﴿أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ﴾. قالوا؛ قال المؤلف: (استهزاءً بهم). يحتمل ما ذكر المؤلفُ أنَّه استهزاء، ويحتمل أنَّه من باب الاحتجاج بالقَدَر عنادًا وتحجُّجًا. يقول: ﴿أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾، ﴿مَنْ﴾ هنا بمعنى الذي، ويجوز أن تكون نكرةً موصوفةً؛ أي: أنطعم أحدًا لو يشاء الله أطعمه مِن دوننا، أو: أنطعم الذي لو يشاء الله أطعمه. و﴿لَوْ﴾ هنا حرف امتناع لامتناع، وشرطُها قوله: ﴿يَشَاءُ﴾، وجوابها ﴿أَطْعَمَهُ﴾، وقد أتتْ على خلاف الأكثر حيث حُذِفت اللام من الجواب، والأصل: مَن لو يشاء الله لَأَطْعَمه، فإن جواب (لو) إذا كان مثبَتًا فالأكثر فيه إثبات اللام، وقد تُحذف اللام، وقد اجتمع الأمْران في قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾ [الواقعة ٦٣ - ٦٥] ثم قال: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ [الواقعة ٦٨ - ٧٠]، فأتت اللام في جواب ﴿لَوْ﴾ في الآية السابقة وحُذفت من الآية الثانية، هذه الآية التي معنا من باب المحذوف اللام ﴿أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾. قال المؤلف: إنهم يقولون ذلك استهزاءً وتهكُّمًا؛ يعني: أنطعم قومًا لو شاء الله لَأطعمهم، فإطعامهم إلينا ولَّا إلى الله؟ إلى الله. ويحتمل أنه من باب أيش؟ الاحتجاج بالقَدَر فرارًا من اللَّوم؛ يعني: أنطعم قومًا لو يشاء الله أطعمهم فأطعمناهم، ولكن الله تعالى لم يشأْ أن نطعمهم فلا نطعمهم. هذان وجهان. الوجه الثالث: يحتمل أنهم قالوا هذا اعتراضًا على القَدَر كما يقوله الاشتراكيُّون والشيوعيُّون: ليش إن الله يجعل هذا فقيرًا ولا يعطيه؟! كأنهم في جوابهم هذا يعترضون على الله، يقولون: الذي يطعمهم مَن؟ الله، ما هو إحنا المسؤولون عنهم، المسؤول عنهم الله، وكان على الله أن يطعمهم لكنْ لم يشأْ ذلك، فيكون هذا فيه نوع من الاعتراض على القدر، فهذه ثلاثة أوجُه: الاستهزاء، والثاني: الاحتجاج بالقَدَر، والثالث: الاعتراض على القدر. ثم قالوا: ﴿إِنْ أَنْتُمْ﴾ أي: (ما أنتم في قولكم لنا ذلك مع معتقَدكم هذا ﴿إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ بيِّن). يعني هؤلاء الكفار الذين أُمِروا أن ينفقوا على الفقراء يقولون للذي أمرهم: أنت تعتقد أن الله لو شاء لأطعمهم؟ فيقول: نعم، أعتقد ذلك. يقولون: إذَن كيف تأمرنا أن نطعمهم والأمر بمشيئة الله؟! ما أنت إلا في ضلال مبين. وقوله: ﴿إِنْ أَنْتُمْ﴾، ﴿إِنْ﴾ هنا نافية ولَّا شرطية؟ * الطلبة: نافية. * الشيخ: بمعنى (ما)؟ * الطلبة: إي نعم. * الشيخ: ما الدليل على أنها نافية؟ لوجود (إلا) بعدها، وإذا جاءت (إلا) بعد (إنْ) فهي دليل على أنَّ (إنْ) نافية، ومرَّ علينا قبل أيامٍ قليلةٍ أنَّ (إنْ) تَرِد في اللغة العربية على أربعة أوجه: الأول (...). وقول المؤلف: ﴿مُبِينٍ﴾ قال: أيْ (بيِّن). فهي من (أبانَ) القاصر أو من (أبانَ) المتعدي؟ (أبانَ) تأتي متعدية ولازمة؛ فيقال: (أبانَ الشيءَ) بمعنى أظهره، ويقال: (أبانَ الصبحُ) بمعنى ظَهَرَ. إذَنْ (مُبِين) من الرباعي، من: أبانَ يُبِينُ فهو مُبِين، يحتمل أن تكون بمعنى (بَيِّن) على أنها من القاصر ولَّا من المتعدي؟ * طالب: القاصر. * الشيخ: من القاصر، ويحتمل في غير هذا السياق أن تكون بمعنى (أبانَ) مثل: ﴿وَقُرْآنٍ مُبِينٍ﴾ [الحجر ١]، ليس المعنى: وقرآنٍ بَيِّن، بل: وقرآنٍ مبينٍ للحقِّ. قال المؤلف: (وللتصريح بكفرهم موقعٌ عظيمٌ). وين؟ ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، ولم يقُل: قالوا. ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، فله موقعٌ عظيم. ما هذا الموقع العظيم؟ هذا الموقع العظيم: * أولًا: التصريح بكفر هؤلاء، لو قال: قالوا. لقُلنا: لعلهم قالوا ذلك ليس بسبب الكفر ولكنْ بسبب البخل. هذه فائدة أن هذا الإظهار في موضع الإضمار في هذه الآية للتصريح بكفرهم. * الفائدة الثانية: أن مثل هذه المقالة لا تصدر إلا من كافر، فيكون الكفر عامًّا لكل مَن قال هذه المقالة. وقد مرَّ علينا فيما سبق أن الإظهار في موضع الإضمار له ثلاث فوائد: الفائدة الأولى: التصريح بالحكم على هؤلاء الذين يرجع إليهم الضمير. والثاني: أن مَن قال بمثل هذا فهو كافرٌ أو ظالِمٌ حسب السياق. والثالث: العِلَّة، وأنَّ هذا القول سببُه كذا وكذا، حسب ما يوصف. (...) إن اللام بمعنى (عن)؛ يعني: قال الذين كفروا عن الذين آمنوا؛ يعني: قالوا في حقِّ الذين أُمِروا بالإنفاق عليهم وهم المؤمنون: ﴿أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾. * طالب: (...). * الشيخ: معناه أنها للصِّلة؛ يعني أنَّ هذا القول واصلٌ للذين قالوا؛ ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ هذا القول، ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الذين قِيل لهم، ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ للقائلين؛ فتكون اللام للصِّلة؛ أي إنها تَصِل هذا القولَ بالقائل الذي أورد على هؤلاء قوله: ﴿أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾. * طالب: الاعتقاد (...) ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾ (...)؟ * الشيخ: لأنه يقول: إذا كنتم تعتقدون أن الأمور بيد الله فكيف تأمروننا أن نُنفق على هؤلاء؟! ولو شاء الله لَأطعمهم من دوننا، فأنتم بأمركم إيَّانا مع اعتقادكم أنَّ الأمر بيد الله يُعتبر هذا ضلالًا منكم. (...) سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ إلى آخره. * يُستفاد من هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء الذين كفروا يُوعظون ويُنَبَّهون، ولكنَّهم يستكبرون؛ ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾، فالحجة قائمة عليهم. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان إذا أنفق بأمر الله فلا مِنَّة له على الله؛ لأن الله تعالى هو الذي أعطاه؛ لقوله: ﴿أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي للمتكلم الواعظ أن يبيِّن الأسباب التي تحثُّه على فِعل ما وعظ به؛ لقوله: ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء الذين قالوا هذا الكلام: ﴿أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾ أنهم كُفَّار؛ لقوله: ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾. * ومن فوائدها: أن البخل من صفات الكافرين؛ لقوله: ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، وإذا كان من صفات الكافرين فإنه لا ينبغي للمؤمن أن يتَّصف به، كلُّ ما كان من صفات الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم فإن اللائق بالمسلم ألَّا يفعله؛ لأنه إذا فعله صار متشبِّهًا بالكافرين في هذه الخصلة. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان قد يقول كلمة الحق يريد بها الباطل؛ ﴿أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾، فنحن نؤمن بأنه لو شاء الله لَأطعم هؤلاء، لكن حِكمته عز وجل اقتضتْ أن يجعل هؤلاء فقراء وهؤلاء أغنياء. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن المشركين يُقِرُّون بمشيئة الله وأنها نافذةٌ في كل شيء؛ لقولهم: ﴿مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾، والمشركون أو الكافرون لا ينكرون الربوبية؛ أي: لا ينكرون ربوبية الله عز وجل، بل هم يُقِرُّون بها، حتى الذين تظاهروا بإنكارها إنما ينكرونها بألسنتهم؛ لقوله تعالى عن آل فرعون: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾ [النمل ١٤]، ولقول موسى لفرعون: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ [الإسراء ١٠٢]، لكن ينكرون الربوبية استكبارًا ومكابَرةً، وإلا فإن قرارة نفوسهم تشهد بها. * ومن فوائد الآية الكريمة: الأساليب الدِّعائية التي يستعملها المشركون من قديم الزمان؛ حيث قالوا لهؤلاء المؤمنين أو لهؤلاء القائلين: ﴿أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ قالوا لهم: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، وهذا الوصف المشين للمؤمنين من الكافرين هذا لم يَزَل ولا يزال موجودًا إلى يومنا هذا؛ فهُم يصِفون أهل الخير بالأوصاف العديدة المنفِّرة منهم أو التي يقصدون بها استعداء الحكَّام على هؤلاء المؤمنين؛ يقولون: هؤلاء رجعيُّون، هؤلاء متخلِّفون، هؤلاء متشدِّدون، هؤلاء متزمِّتون. * طالب: (...). * الشيخ: نعم، وما أشبهَ ذلك من الكلمات التي يسبُّون بها أولياءَ الله عز وجل، ونحن لا ننكر أنه يوجد في أهل الخير وأهل الدين مَن يغلو ويبالغ في عمله أو في وصْفه لغيره من التكفير والتفسيق، حتى يُكَفِّر مَن لم يُكَفِّره الله ويُفَسِّق مَن لم يُفَسِّقه الله، نحن لا ننكر أن هذا موجود، ولكن يبدو لي -والله أعلم- أن وجود مثل هؤلاء المتشدِّدين إنما جاء نتيجةً لتطرُّف الآخَرين في المعاصي والفسوق، فيريدون أن يُحْدِثوا ردَّ فعلٍ بالنسبة لهؤلاء، ولو استقامَ الناسُ كلُّهم على الدين ما حَصَل هذا التطرُّف، لكن إذا رأوا جانبًا متطرِّفًا في الفسوق والعصيان وأنَّه مستمرٌّ على ذلك ومُقَرٌّ على ذلك من بعض وُلاة الأمور حَصَل ردُّ فعلٍ مقابل لهؤلاء، فتشدَّد هؤلاء في مقابل تراخي هؤلاء، ولكن التوسُّط هو الخير، ومع هذا فإن المتوسِّطين المعتدلين لا يَسْلمون من ألْسِنة المتطرفين الضالين ولا من ألْسِنة المتطرفين الغالين؛ فالغالون مثلًا يقولون لهؤلاء المتوسطين: أنتم مفرِّطون، أنتم مُداهنون، أنتم تُقِرُّون أهلَ الشر. وأولئك يقولون -أهل الشر-: هؤلاء متشدِّدون، هؤلاء يريدون من الناس أن يكونوا على شاكلتهم وإلا فهُم كافرون. وما أشبهَ ذلك، المهم أن ألْقاب السوء التي يلقِّب بها أعداءُ الله لأولياء الله لم تَزَل موجودة ولا تزال موجودة إلى يومنا هذا، حتى أهلُ البِدَع يلقِّبون أهلَ السُّنة بألقاب السوء؛ يقولون: هؤلاء مشبِّهة إذا أثبتوا الصفات على الحقيقة، وهؤلاء حشويَّة، وهؤلاء نوابت، وما أشبهَ ذلك من الكلمات التي تستوجب النُّفورَ منهم والحطَّ والنَّيْلَ من قَدْرهم، ولكن هل هذا يضرُّ أهلَ الخير؟ لا، هو لا يضرُّهم لكن يؤذيهم، والأذيَّة غير الضرر؛ قد يتأذَّى الإنسانُ بالشيء ولكن لا يتضرَّر به، فها هو الإنسان يتأذَّى من رائحة البصل والكراث والشيء المستقذَر ومع ذلك لا يتضرَّر به، وقد أثبتَ الله لنفسه أنه يؤذَى من المنافقين وغيرهم ونفى عن نفسه التضرُّر؛ فقال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [الأحزاب ٥٧]، وقال في الحديث القدسي: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٢٦)، ومسلم (٢٢٤٦ / ٢)، من حديث أبي هريرة.]]، وقال في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) من حديث أبي ذر.]]. المهمُّ أنَّ مِثْل هذه الألقاب لا شك أنها تؤذي المؤمنين ويتأذَّون منها وتضيق بها صدورُهم، لكنها لا تضرُّهم، بل هي نافعةٌ لهم؛ لأنهم إذا صبروا عليها أُجِروا على الصبر، وإذا تأذَّوا بدون صبرٍ صارت كفارةً لهم؛ لأنه لا يُصيب المؤمنَ من همٍّ ولا أذًى ولا غمٍّ إلا كفَّر الله به عنه حتى الشوكةُ يُشاكها[[ أخرج البخاري واللفظ له (٥٦٤١)، ومسلم (٢٥٧٣ / ٥٢)، من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «ما يُصِيبُ المسلمَ من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حزنٍ، ولا أذًى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه».]]، لا سيِّما وأنه يؤذَى هنا في ذات الله عز وجل، فيكون هذا مَنْقبةً له، ويكون هذا الإنسان الذي أُوذِيَ في الله قد ناله ما نال أولياءَ الله عز وجل من الأنبياء والصِّدِّيقين والشهداء، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنَّه يُبتلى الصالحون الأمْثَل فالأمْثَل[[أخرجه الترمذي (٢٣٩٨)، وابن ماجه (٤٠٢٣)، من حديث سعد بن أبي وقاص.]]، فإذا كان فيه قوَّة في دِينه فإنه يؤذَى أكثر ليكون أَبْلغ في الامتحان، وإذا كان دِينه أقلَّ فإن الله قد يرحمه فلا يحصل له من الأذيَّة ما يحصل للآخَر، وقد يبتليه الله عز وجل؛ ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ﴾ [الحج ١١]، نسأل الله السلامة. * ومن فوائد الآية الكريمة: المبالغة من أعداء الله بما يَصِفون به أولياءَ الله؛ لقولهم: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، كأنهم حصروا حالهم من كلِّ وجْهٍ في أيش؟ في الضلال المبين، كأنه لا هداية فيهم إطلاقًا؛ ما أنتم إلا في ضلال، وهذا غاية ما يكون من العدوان من هؤلاء. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات مشيئة الله، وهي كثيرةٌ في القرآن، ولكن كل ما ذكر الله تعالى من المشيئة فهي مقرونة أو مقيَّدة بأيش؟ بالحِكمة؛ إذْ ليست مشيئة الله مجرَّد مشيئة، بل هي مقرونةٌ بالحكمة. طيب، القاعدة اللي ذكرنا يا أخ؟ * طالب: (...). * الشيخ: أحسنت.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب