الباحث القرآني

قال الله عز وجل: ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾ [يس ٤٦] أيضًا سبق لنا الكلام على الآية هذه؟ طيب، قال الله تعالى: ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ الضمير هنا يعود على المكذِّبين للرسل، يقول الله عز وجل: ﴿مَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾، و﴿مِنْ﴾ هنا زائدةٌ لفظًا لكنَّها تزيد في المعنى، فهي زائدةٌ في اللفظ وزائدةٌ للمعنى؛ أي: تعطيه معنًى جديدًا، ما هو المعنى الجديد؟ المعنى الجديد تأكيدُ النفي والتنصيصُ على عمومه؛ أي: أيُّ آيةٍ تأتيهم فإنهم لا يقبلونها، بل يُعرضون عنها ويستكبرون. والآيات التي تأتي من الله عز وجل تنقسم إلى قسمين: آيات كونيَّة، وآيات شرعيَّة. فالآيات الشرعية ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام، والإعراضُ عنها يكون بالتكذيب والاستكبار؛ التكذيب بالأخبار، والاستكبار عن الأحكام. وأمَّا الآيات الكونية فالإعراضُ عنها ألَّا يهتمَّ الإنسانُ بها، وألَّا تُحرِّك منه ساكنًا، وألَّا يَوْجَل منها قلبُه، وأن يقول كالذين رأوا العذابَ ينزل من السماء ﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ﴾ [الطور ٤٤]، أو كالذين يقولون: إن الكسوف ليس أمرًا مخيفًا لأنَّه شيءٌ طبيعيٌّ ولا ينبغي أن يُخيف -نسأل الله العافية- أو كالذين يرون الزلازلَ والغرقَ والدمارَ من الرياح العاتية وغيرها ثم يقولون: هذا أمرٌ طبيعيٌّ لا يحرِّك له ساكنًا. ولا ريب أن هذا يدلُّ على قسوة القلوب وموتها، وإلا فإن الواجب على الإنسان أن يتَّعظ بهذه الآيات، فالإعراضُ عن الآيات الكونية معناه أيش؟ عَدَمُ المبالاةِ بها، وعَدَمُ الاكتراثِ بها، وألَّا تحرِّكَ من الإنسان ساكنًا ولا تهزَّ له عاطفة، هذا الإعراض عن الآيات الكونية، فيقول الله عز وجل: ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾ يعني: إلا قابلوها بالإعراض، ولا يتأمَّلونها، ولا يفكرون فيها، فإذا جاءت الآيات الشرعية بخبر كذَّبوها على طول وقالوا: هذا كَذِبٌ، هذا سِحْرٌ، هذا شِعْرٌ، وإذا جاءت الأحكام الشرعية استكبروا عنها ولم يُذعِنوا لها ولم ينقادوا لها بدون أن يتأمَّلوا فيها وما فيها من المصالح، وكذلك في الآيات الكونية لا يكترثون بها ولا يهتمُّون؛ ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾. * ففي هذه الآية: دليلٌ على أن الله عز وجل يَذْكر أو يبيِّن لعباده من الآيات ما يؤمن على مِثْله البَشَر؛ وجْه ذلك أنَّه لولا هذا لم يكن في الآيات فائدة. * ومن فوائدها: أن بني آدم قد يَعْتون عن الآيات فيُعرِضون عنها بدون نظر، والواجب على الإنسان أن ينظر أولًا ثم يحكم ثانيًا، ولهذا يقال: الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوُّره، فأنت انظر أولًا في الآيات، شوف هل هي آيات مُقْنعة موجِبة للصلاح؟ فلتكنْ صالحًا بها، هل هي لا تنفع؟ فحينئذٍ تُعذَر بالإعراض عنها. * ومن فوائد هذه الآية: بيان قسوة قلوب هؤلاء؛ فإنهم لم يَقْبلوا آيةً من الآيات، دليله: ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الربوبية العامَّة؛ لقوله: ﴿مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾، فأثبت الله تعالى أنَّه ربُّ هؤلاء، وهو سبحانه وتعالى ربُّ كلِّ شيء؛ ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ﴾ [النمل ٩١]، كلُّ شيءٍ فالله ربُّه، حتى الكفار، لكن نقول: أحيانًا تكون الربوبيَّة خاصَّةً؛ أي إنه يُراد بها ربوبيةٌ خاصةٌ فيها مزيدُ عنايةٍ واعتناءٍ مثل قوله تعالى: ﴿رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢٢]، فإن هذه الربوبية غير الربوبية العامة. * ومن فوائد الآية الكريمة: تقبيح حال هؤلاء والتحذير من فِعْلهم؛ لقوله: ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾، مع أنها جاءت مِمَّن؟ من ربِّهم الذي هو مالكُهم وخالقُهم وأمْرُهم إليه، ومع ذلك يُعرِضون.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب