الباحث القرآني

ثم قال تعالى: ﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ [يس ٤٣، ٤٤]. في الآية جملة شرطية، فِعْل الشرط فيها ﴿نَشَأْ﴾، وجوابه ﴿نُغْرِقْهُمْ﴾، وفيها أيضًا استثناء مُفرغ من أعمِّ الأحوال، وهو قوله: ﴿إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا﴾، وهي مفعول من أجْله؛ أي: إلا لأجْل الرحمة التي من الله عز وجل. يقول الله عز وجل: ﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ﴾ يعني إذا ركبوا في السفن، والأمر كذلك، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى ٣٢ - ٣٤]، فحذَّر الله عز وجل من أمرينِ في هذه السفن: إمَّا إسكان الريح فتبقى راكدةً على ظهرها، وإمَّا إغراقها. وهنا يقول: ﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ﴾ وهم في سفنهم ﴿فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ﴾ الصريخ بمعنى المغيث، وسُمِّي المغيثُ صريخًا لأن العادة أن الإنسان إذا هاجمه أحدٌ صرخ يستغيث، ومنه حديث غزوة بدر أنَّ أبا سفيان بعث صارخًا إلى أهل مكة يستغيثهم[[أخرجه عبد الرزاق في المصنف (٩٧٢٧) من حديث عكرمة مولى ابن عباس.]]. قال: ﴿وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ﴾ (ينجون) أي: لا أحد يُغيثهم ولا أحد يُنقذهم إذا أراد الله سبحانه وتعالى أن يُغرقهم. ﴿إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ أي: لا ينجيهم أحدٌ إلا رحمة الله عز وجل، والاستثناء هنا قيل: إنه منقطع؛ لأن قوله: ﴿وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا﴾ بمعنى: لكنْ رحمةً منَّا ينجون ويُنقذون. وقوله: ﴿وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ أي إنهم يُمَتَّعون إلى حين أجَلِهم؛ لأن الله تعالى قد جعل لكل شيءٍ قدرًا، (أي: لا يُنجيهم إلا رحمتُنا لهم وتمتيعُنا إيَّاهم بلذَّاتهم إلى انقضاء آجالهم). في الآية الكريمة فوائد: * منها: إثبات مشيئة الله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ﴾. * ومنها: أن الله إذا أراد بقومٍ سوءًا فلا مردَّ له؛ لقوله: ﴿فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ﴾. * ومنها: بيان نعمة الله سبحانه وتعالى بإنجائهم من الغرق، وأنَّ نجاتهم من الغرق ليست بكسبهم وعَمَلِهم، ولكنها من رحمة الله عز وجل. * ومنها: أن الله تعالى قد يُنقذ الإنسانَ من الهلاك إلى أن يأتي أجَلُه؛ لقوله: ﴿وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾. * ومنها: أن الخلود في هذه الدنيا متعذِّر ومستحيل؛ لقوله: ﴿إِلَى حِينٍ﴾، وما كان له غايةٌ فلا بدَّ أن ينقضي. * ومنها: أنه يجب على الإنسان أن ينظر إلى نِعَم الله تعالى بالإنقاذ من الشدائد أو بحصول المحبوب، أن ينظر إلى النِّعَم على أنها فضلٌ من الله عز وجل ليست بكسبه، ولكنها من الله؛ لقوله: ﴿وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب