الباحث القرآني
(ثم قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ﴾ على البعث، خبر مقدم. ﴿الأَرْضُ الْمَيْتَةُ﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿أَحْيَيْنَاهَا﴾ بالماء مبتدأ).
﴿آيَةٌ لَهُمُ﴾ الآية في اللغة العلامة، والدليل القاطع على الشيء. وقول المؤلف: (خبر مقدم) أين المبتدأ إذن؟ المبتدأ (الأرض) هذا المبتدأ ﴿الأَرْضُ﴾. وقوله: ﴿الْمَيْتَةُ﴾ يقول: (بالتخفيف والتشديد) يعني أن فيها قراءتين ﴿الْمَيِّتَة﴾ و﴿الْمَيْتَةُ﴾، وهذا دليل على أن (الْمَيْتَة) كما يُطلق على الميِّت، الذي قد فارقت روحه جسده يُطلق أيضًا على الذي سيموت خلافًا لمن قال: إن الميِّت لمن سيموت، والْمَيْت لمن مات بالفعل، فإن الأرض الْمَيْتَة قد ماتت، ومع ذلك فيه هنا قراءتان: ﴿الْمَيِّتَةُ﴾ و﴿الْمَيْتَةُ﴾.
﴿الْأَرْضُ﴾ مبتدأ.
﴿الْمَيْتَةُ﴾ صفة ﴿أَحْيَيْنَاهَا﴾ صفة أيضًا؛ ولهذا قال المؤلف: (مبتدأ)، جعله بعد قوله: ﴿أَحْيَيْنَاهَا﴾ ليبين أن الميتة و﴿أَحْيَيْنَاهَا﴾ كلاهما صفة للأرض، ولكن الصحيح أن ﴿أَحْيَيْنَاهَا﴾ جملة استئنافية لبيان وجه الآية في هذه الأرض؛ لأن محط الفائدة هو ليس موت الأرض ولكن أن الله تعالى أحياها بعد موتها.
أما على رأي المؤلف، فإذا جعل ﴿أَحْيَيْنَاهَا﴾ صفة فإنه يشكل علينا أن هذا مخالف للقاعدة المعروفة: أن الجمل بعد المعارف أحوال. والجواب على ذلك أن يقال: إن الأرض هنا المراد بها الجنس فهي بمعنى النكرة، ونظيرها قول الشاعر:
؎وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي ∗∗∗ فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ لَا يَعْنِينِي
قال: (عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي)، التقدير: على لئيم يسبني، (فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ لَا يَعْنِينِي)، ومنه أيضًا على قول بعض المعربين:
﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ [الجمعة ٥] على أن جملة ﴿يَحْمِلُ﴾ صفة لـ(حمار)؛ لأن المراد به الجنس، فهو بمعنى كمثل حمار يحمل أسفارًا، أما على القول الذي اخترناه فنقول: إن جملة ﴿أَحْيَيْنَاهَا﴾ استئنافية؛ لبيان وجه الآية في هذه الأرض.
﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا﴾ ووجه كونها آية أن هذه الأرض الميتة أشجارها يابسة وليس فيها ثمر فينزل الله عليها المطر فتحيا بعد الموت، فالذي أحياها وقدر على إحيائها قادر على إحياء الموتى كما قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت ٣٩].
وعليه فنقول: وجه الآية أن تقيس الشاهد بالغائب، والشاهد المنظور هو هذه الأرض ميتة أشجارها يابسة ينزل عليها المطر فتخضر، فالذي أحياها قادر. (...)
(قال الله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿أَحْيَيْنَاهَا﴾ بالماء مبتدأ) أسلوب المؤلف هنا أو كلامه فيه نظر ظاهر؛ لأن الذي يقرأ مبتدأ بعد قوله: ﴿أَحْيَيْنَاهَا﴾ يظن أن المبتدأ هي كلمة ﴿أَحْيَيْنَاهَا﴾، والمبتدأ هي كلمة ﴿الْأَرْضُ﴾، لكن أخر هذا ليُبيِّن لك أن ﴿أَحْيَيْنَاهَا﴾ تابع لـ(الأرض)، فكأنه يقول: مبتدأ؛ لأنه تابع للمبتدأ فأخَّر إعراب المتبوع عن إعراب التابع، ولكن الصواب في العبارة والأوضح والأبلغ أن يقول: ﴿الْأَرْضُ﴾ مبتدأ، والميتة و﴿أَحْيَيْنَاهَا﴾ صفة.
قال: (﴿وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا﴾ معطوف على ﴿أَحْيَيْنَاهَا﴾ )، يعني الأرض الميتة أحييناها بالزرع، فقام الزرع أخضر يهتز، لكن مجرد كونه زرعًا لا يفيد الآدمي، وإنما يفيد البهائم ويفيد الآدمي عند الضرورة لكن الفائدة العظمى منه ﴿وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا﴾ ﴿مِنْهَا﴾ منين؟ من الأرض، أخرجنا منها حبًّا كالحنطة ﴿فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾ [يس ٣٣]، منه أي: من هذا الحب يأكلون.
وفائدة قوله: ﴿فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾ دليل على سهولة تناول هذا الحب وعِظَم فائدته، وأنه حب نافع سهل التناول؛ لأنه لو كان صعبًا لكانوا لا يستطيعون الأكل منه إلا بمشقة عظيمة؛ ولهذا قال: ﴿فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾ تقدم المعمول لإفادة الحصر، لكنه الحصر الإضافي لسهولته كأنه لا أكل لهم إلا من هذا السهل المتيسر.
(﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ [يس ٣٤]) هذا غير الحب؛ لأن الخارج من الأرض يكون حبًّا ويكون ثمرًا، الحب من الزروع والثمر من الأشجار. ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ﴾ ﴿جَعَلْنَا﴾ بمعنى (صيرنا)، فهو ناصب لمفعولين، المفعول الثاني فيها والمفعول الأول ﴿جَنَّاتٍ﴾ و﴿جَنَّاتٍ﴾ جمع (جَنَّة)، وهي البستان الكثير الأشجار، سمي بذلك؛ لأنه يَجُنُّ من دخله وكان فيه لاستتاره به. وأصل هذه المادة (الجيم والنون) كلها تدور على هذا المعنى؛ أي على الاستتار والخفاء، ومنه سمي الْجَنان القلب؛ لاستتاره، ومنه سُمِّيَ الجن لاستتارهم وخفائهم، ومنه سُمِّي الْجُنَّة الوقاية؛ لأن الإنسان يستتر بها، فكل مادة هذه تدل على خفاء واستتار، فالبستان الكثير الأشجار المتشابكة، إذا كان فيه أحد لا يُرَى؛ لأن هذه الأشجار تستره.
وقوله: ﴿جَنَّاتٍ مِنْ﴾ أي: بساتين ﴿مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾، النخيل والأعناب معروفة، ونص الله عليها؛ لأنها طعام لا يحتاج إلى مؤونة، طعام، قُوت لا يحتاج إلى مؤونة؛ ولهذا يُقتات رطبًا ويابسًا فيُقتات رطبًا كالرطب في التمر، والعنب في العنب، ويابسًا كالتمر الذي يؤول إليه الرطب، وكالزبيب الذي يؤول إليه العنب، فجمع الله بينهما؛ لأنهما قوت حلو لا يحتاج إلى مؤونة طبخ، ويُنتفع به رطبًا ويابسًا ﴿مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ﴾ [يس ٣٤].
(﴿فَجَّرْنَا فِيهَا﴾ أي: في الأرض، ﴿مِنَ الْعُيُونِ﴾ أي: بعضها). ويجوز أن تكون (مِن) لبيان الجنس، ويكون هذا عامًّا وهو الأقرب؛ يعني فجَّرنا فيها من العيون عيونًا كثيرة وأصنافًا متنوعة، فمنها العيون الجارية الغزيرة، ومنها العيون الراكدة التي لا تجري لكنها تنبع على وجه الأرض، ومنها العيون التي تكون بواسطة كالأنابيب المعروفة الآن تركز في الأرض فيخرج الماء، ومنها العيون التي تكون بلا واسطة كالتي تتفجر من رؤوس الجبال وغير ذلك، كل هذا دليل على قدرة الله عز وجل وعلى رحمته بعباده.
يقول: ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ [يس ٣٥] قال: (بفتحتين وبضمتين) ﴿لِيَأْكُلُوا﴾ الضمير يعود على الناس. ﴿مِنْ ثَمَرِهِ﴾ و﴿ثُمُرِهِ﴾ أي ثمر المذكور من النخيل وغيره.
قوله: ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ﴾ اللام هذه للتعليل كما هو واضح، والفعل بعدها منصوب إما بها على مذهب الكوفيين، وإما بـ(أن) مضمرة على مذهب البصريين.
وقوله: ﴿مِنْ ثَمَرِهِ﴾ هنا مفرد، ولم يقل: من ثمرهما؛ لأن الله ذكر نخيل وأعناب، فهما صنفان، ولم يقل: من ثمرهما، بل قال: ﴿مِنْ ثَمَرِهِ﴾؛ أي ثمر المذكور، فالضمير هنا يعود على المذكور من النخيل والأعناب.
قال المؤلف: قال: (من النخيل وغيره) ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ (أي: لم تعمل الثمر) ﴿أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ (أنعمه تعالى عليهم).
قوله: ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ في (ما) قولان للمفسرين؛ القول الأول: أنها نافية، وهو الذي مشى عليه المؤلف؛ يعني أن هذا الثمر الخارج من النخيل والأعناب لم تعمله أيدي الناس (...).
من الذي عملته أيديهم؛ لأن الناس قد يعملون شيئًا يصلحونه، مثل عصير العنب، وكذلك دبس التمر، وكذلك الخبز الذي يخبزونه من الزروع وغير ذلك مما يصنعه الناس بأيديهم، ويتفكهون به، فهناك مثلًا أنواع الحلوى تُصنع باليد، وتُعمل باليد، فيكون الله تعالى امتن على العباد بأمرين؛ امتن عليهم بما يخرجه هو عز وجل من هذه الثمار والزروع، وامتن عليهم بما علمهم إياهم مما يعملونه بأيديهم، والمأكولات التي نأكلها نوعان؛ نوع لا نحدث فيه شيئًا، نأكله -كما يقولون- طازجًا، ونوع آخر نعمل فيه، ونركِّبه مثلًا من عدة ثمرات، وما أشبهها، فيكون الله عز وجل امتنَّ على العباد بالأمرين جميعًا، أيهما أولى المعنيين؟ نقول: إن الثاني أعم، فيكون أولى، على أننا ذكرنا قاعدة سابقة بأن الآية إذا كانت صالحة للاحتمالين فلا مانع من أن تُحمَل عليهما، فنقول: إن الله أراد هذا وهذا، أراد أن أيدينا لم تعمل هذه الثمرات التي تخرج من النخيل والأعناب، ولا هذه الحبوب التي تخرج من الزروع، وأراد أيضًا ما نعمله نحن بأيدينا على حسب ما نريد، فكل هذا نعمة.
وقوله: ﴿أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ [يس ٣٥] الاستفهام هنا للتوبيخ، والجملة معطوفة على مُقَدَّر يُعلم من السياق؛ يعني أغفلوا عن ذلك فلا يشكرون؟ أو: أكفروا به فلا يشكرون؟ لأن انتفاء الشكر يكون إما بالغفلة، أو بالكفر المتعمَّد، فكثير من الناس -بالنسبة للنعم- إما غافل، ويرى هذا أمرًا معتادًا، وكأنها شيء جارٍ على العادة بدون أن يكون لله فيه مِنَّة، وهذا يحصل من المؤمن الذي لم يُصَب بضد تلك النِّعم؛ لأن الإنسان لا يعرف قدر النعمة إلا حيث يُصاب بضدها، فلا يعرف قدْر الشِّبَع إلا من جاع، ولا قدر الرِّي إلا من قد ظمئ، ولا قدر العافية إلا من مرض، ولا قدر الأُنْس إلا من فقد الأنيس، وهكذا، هذه غفلة.
وإما أن تكون كفرًا كما قال تعالى: ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [النحل ٨٣] كُفرًا بالنعمة وبطرًا، يقول: إنما أوتيته على علم عندي وما أشبه ذلك.
وقوله: ﴿أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ الشكر سبق لنا عدة مرات أنه القيام بطاعة الْمُنْعِم، هذا الشكر، وصرف نعمه فيما جعلها الله له، فمن صَرَفَ نعم الله لغير ما جعلها الله له فليس بشاكر، لو جعل النِّعَم عونًا له على المعصية، فصار يستعين بنعم الله على معصيته لم يكن شاكرًا؛ لأنه صرفها في غير ما جُعِلَت له، إنما أنعم الله علينا هذه النِّعم لنقوم بعبادته، ونتقوى عليها، وسبق لنا أيضًا عدة مرات أن بين الحمد والشكر عمومًا وخصوصًا من وجه، فالحمد أعم من حيث السبب، وأخص من حيث المتعلَّق، والشكر أخص من حيث السبب وأعم من حيث المتعلَّق.
ثم قال عز وجل: (﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ﴾ الأصناف ﴿كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ﴾ من الحبوب وغيرها ﴿وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ من الذكور والإناث ﴿وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ من المخلوقات العجيبة الغريبة).
الله أكبر ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ﴾ ﴿سُبْحَانَ﴾ هذه تأتي دائمًا منصوبة على أنها مفعول مطلق حُذِف منها العامل وجوبًا، وأصلها تسبيحًا لله، وتسبيحًا مصدر سبح، فالعامل محذوف وهو (سَبَّحَ)، والمصدر مُحوَّل إلى اسم مصدر، وهو التسبيح، حُوِّلَ إلى سبحان، والتسبيح هو تنزيه الله عز وجل عما لا يليق به، مأخوذ من (سَبَحَ) أي: أبعد في الماء، فمعنى التسبيح في (سبحان الله) تنزيه الله سبحانه وتعالى عما لا يليق به، والذي لا يليق بالله عز وجل أمران؛ أحدهما: النقص في صفاته، والثاني: مماثلة المخلوقين فيها على أنه يُمكن أن نرد الثاني إلى الأول، ونقول: إن مماثلة المخلوقين نقص؛ لأن مماثلة الكامل للناقص تجعله (...).
ممكن أن نقول هكذا، فقوله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ﴾ أي: تنزيهًا لهذا الذي خلق الأزواج كلها.
وقوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يس ٣٦] هذه الآية كقوله: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الذاريات ٤٩]، كل المخلوقات لا تقوم إلا بتركيب من مادتين فأكثر، ليس فيها شيء يقوم من شيء واحد أبدًا، كل شيء سواء مما تنبت الأرض أو من الآدميين، أو من البهائم، أو مما لا نعلم، وهذه عامة من أعم ما يكون فإنه مُكوَّن من شيئين.
﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ [الذاريات ٤٩] تنزيهًا لله عز وجل عن ما لا يليق به؛ ولهذا جاءت الآية هنا: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ [يس ٣٦]، فالمخلوق لا بد فيه من تعدد، والخالق مُنَزَّه عن التعدد، وهذا هو الحكمة -والله أعلم- في أنه قال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ [يس ٣٦]، ولم يقل: الحمد لله الذي خلق الأزواج بل قال: سبحان؛ لأن كون كل شيء يحتاج إلى ازدواجية يدل على كمال الواحد المتفرد الذي لا يماثله شيء من مخلوقاته، فبنو آدم لا بد من ازدواجية ذكر وأنثى، حتى المعاني التي فيه والأوصاف التي فيه تجد أنها مزدوجة، فيه غضب ورضا، وكراهة ومحبة، وقوة وضعف، إلى غير ذلك لكن الخالق عز وجل واحد منفرد، لا يماثله شيء في ذاته ولا في صفاته (...).
العلاقة البُعد يعني أنه بعيد عن النقص، أيش؟
* طالب: (...).
* الشيخ: الحمد أعم من الشكر من حيث السبب، وأخص منه من حيث المتعلَّق، والشكر أعم من حيث المتعلَّق وأخص من حيث السبب.
* طالب: (...).
* الشيخ: الله يُحمَد على نعمه وعلى كماله، فيُحمَد على شيئين؛ هذا سبب الحمد، والحمد إنما يكون في اللسان فقط بالثناء، الشكر إنما يكون على النعم فقط والإحسان ما تقول: أشكر الله على كمال صفاته، لا، على نعمه؛ فسببه أخص، لكنه يتعلق بالقلب واللسان والجوارح فهو أعم من حيث المتعلَّق.
* من فوائد الآية الكريمة: بيان قدرة الله عز وجل على إحياء الأرض بعد موتها؛ لقوله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا﴾ [يس ٣٣].
* ومنها: الاستدلال بالشاهد على الغائب فإن إحياء الأرض بعد الموت مُشاهَد. ويستدل بها على إحياء الله الموتى عند بعثهم يوم القيامة، وقد أشار الله تعالى إلى هذا الدليل بقوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت ٣٩]، وقال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ [ق ٩ - ١١] والآيات في هذا كثيرة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز وصْف الجماد بالموت، وأنه ليس خاصًّا بذي الروح المتحرك؛ لقوله: ﴿الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا﴾ فوصفها بالموت ووصفها بالحياة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان عظمة الله سبحانه وتعالى من قوله: ﴿أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا﴾ [يس ٣٣].
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: بيان نعمة الله عز وجل بما أخرج للناس من الأرض، من الحبوب والثمار، الحبوب قوله: ﴿وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا﴾ [يس ٣٣]، والثمار قوله: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ﴾ [يس ٣٤، ٣٥].
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان حاجة العبد إلى ربه؛ لقوله: ﴿فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾، وكأن هذا الحصر كأن فيه إشارة إلى تحدي الإنسان؛ لأنك لا يمكن أن تأكل إلا من هذا الذي أخرجه الله لك، وهذا من فوائد الحصر كأنه يقول: إن كنتَ قادرًا فأخرج لنفسك ما تأكله، إنك لن تأكل إلا مما أخرجناه لك.
بيان عظمة الله حيث قال: ﴿أَخْرَجْنَا﴾ و﴿فَجَّرْنَا﴾ بضمير العظمة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان ما أنعم الله به على العباد من هذه الأشجار العظيمة الكثيرة المظلة؛ لقوله: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ [يس ٣٤، ٣٥]، فما أعظم نِعَم الله على العبد بهذه النخيل والأعناب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان فضل النخيل والأعناب؛ لأنها ثمر يُؤكل بلا تعب، وثمر يُقتات رطبًا ويابسًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: بيان قدرة الله عز وجل بتفجير الأرض عيونًا. هذه الأرض اليابسة يابسة جامدة، يخرج منها هذا الرطب السائل، وهو الماء، قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ﴾ [البقرة ٧٤]، وهذا من عظيم قُدْرة الله، كان موسى عليه الصلاة والسلام يضرب الحجر اليابس؛ إما حجرًا معينًا كما قيل: يحمله معه، وإما أي حجر كان، يضربه فيتفجر اثنتي عشرة عينًا على قدْر قبائل بني إسرائيل، وهذا من تمام قُدْرَة الله سبحانه وتعالى.
* ومنها: بيان احتياج النخيل والأعناب إلى الماء، وأن ثمره يكثُر بحسب الماء؛ لأنه قال: ﴿وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ﴾ [يس ٣٤، ٣٥]، فدل هذا على أن الماء له أثر في الثمار؛ في كثرة الثمار وطيبها، وهذا هو الواقع.
* ومنها: الرد على الجبرية بإثبات العلة والحكمة في قوله: ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ﴾.
والنصوص الدالة على إثبات حكمة الله عز وجل كثيرة جدًّا، منها ما صرح الله تعالى به مثل قوله تعالى: ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ [القمر ٥].
* ومنها: ما صرح الله به على وجه السلب والنفي: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ [الدخان ٣٨] ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّار﴾ [ص ٢٧]، ولا أدل على الصفة من إثباتها ونفي ضدها، فإن إثباتها يدل على ثبوتها، ونفي ضدها يدل على كمالها، وأنها غير مشوبة بهذا النقص الذي يحصل بفقدها أو بفقد كمالها، ولا شك أننا إذا نفينا الحِكمة عن فِعْل الله عز وجل أو عن شرع الله لزم من ذلك النقص العظيم، وأن يكون الله عز وجل يفعل الشيء سفهًا وعبثًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان ما أنعم الله به على العباد من هذا الثمر الذي يؤكل، أرأيتم لو أن هذا الثمر صار مُرًّا هل ينتفع به؟ لا؛ ولهذا قال الله تعالى في الماء: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا﴾ [الواقعة ٦٨ - ٧٠]، فلم تستطيعوا شربه، هذا الثمر جعله الله تعالى شهيًّا للنفوس، تأكل منه، وتتغذى به الأبدان؛ ولهذا قال: ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ﴾ لو شاء الله عز وجل لجعل هذا الثمر فاسدًا، قد يكون حلوًا لذيذًا شهيًّا لكن يجعل الله فيه آفة تفسده، أليس كذلك؟ موجود بكثرة ولكن من نعمة الله أنه يبقى ويؤكل من ثمره.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أننا لا نملك لأنفسنا أن نُوجِد هذا الثمر، وأن ذلك مجرد فضل من الله؛ لقوله: ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ [يس ٣٥]، فإن هذا ليس من صُنعنا، لو اجتمع الناس كلهم على أن يخرجوا رُطبة واحدة، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا أو حبة عنب ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، ومع هذا يخلق الله عز وجل هذه العناقيد التي لا تُحصى كثرة، وهذه الأعذاق في النخل التي لا تُحصى كثرة، ونحن لم نعمل ذلك بأيدينا غاية ما هنالك أننا نوجه هذه الثمار حسب ما علمنا الله عز وجل، فنأخذ مثلًا من طلع الفحل، ما نجعله في طلع النخلة حتى يطيب الثمر، أما أننا نحن الذين خلقناه وأوجدناه فلا، هذا على جعل ما نافية.
* وفائدة أخرى، وهي: بيان نعمة الله عز وجل بما علمنا مما نصنعه من هذه الثمار على وجه يخالف ما خُلِقَت عليه حتى يتكون من هذا طِيب على طِيب؛ لقوله: ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ [يس ٣٥]، فإن الله تعالى علمنا كيف نصنع هذه الثمار على وجه نتلذذ بها وننتفع بها أكثر مما هي عليه في الخِلقة، هذا على جعل (ما) موصولة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب شُكْر نعمة الله عز وجل؛ لأن الله وبَّخَ من لا يشكر، والشكر مع كونه طاعة لله يُثاب الإنسان عليه، ويعرف به قدْر نعمة الله عليه فهو سبب للمزيد من هذه النِّعم؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم ٧].
فإن قال قائل: نحن نرى كثيرًا من الناس قد أغدق الله عليهم النعم مع كفرهم بها، فبماذا نجيب عن هذه الآية؟
الجواب على هذا أن نقول: إن الله تعالى قد عاقبهم عقوبة عظيمة؛ لأن العقوبة لا تنحصر في فقدان النعمة، بل العقوبة تكون بفقدان النعمة، وتكون بقسوة القلب ومرض القلب، وإن كان أكثر الناس يظنون أن العقوبات إنما هي بزوال النِّعم، والواقع أن عقوبات القلوب بالمرض، والقسوة، والإعراض عن الله، وعن ذكره، هذه أكبر عقوبة، ثم هؤلاء المنعَّمون بأبدانهم، لا تظنون أنهم مُنعَّمون بقلوبهم أبدًا، ففي قلوبهم من الضيق والحرج، وعدم الصبر على القضاء والقدَر ما يجعلهم دائمًا في نار، ولا تجد أطيب حياةً من حياة المؤمن، وإن كان أفقر الناس ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل ٩٧].
هذا جواب، ما هو الجواب الآن؟ أن نقول: إن هؤلاء قد عُوقِبوا عقوبة أعظم من إتلاف الأموال والثمار وغيرها، وهو قسوة القلْب ومرضه وإعراضه فإن هذا يُوجِب للإنسان ضيق الصدر والتعب من الحياة؛ لأنه لا يرضى بالله ربًّا ولا بشرعه دينًا.
ثانيًا: أن نقول: هذه النعم عُجِّلت لهم عقوبةً لهم واستدراجًا؛ ولهذا «لما جاء عمر رضي الله عنه إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو على سرير من الليف -يعني مخيط بالليف- وإذا هو قد أثَّر في جنبه، بكى وقال له: «مَا يُبْكِيكَ». قال: يا رسول، فارس والروم يُنعَّمون بما نُعِّموا به من الدنيا وأنت على هذه الحال؟! فقال:» «يَا عُمَرُ، إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٩١٣)، ومسلم، (١٤٧٩/٣١)، واللفظ له من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه قول عمر رضي الله عنه: وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم، حشوها ليف، وإن عند رجليه قَرَظًا مَضْبُورًا، وعند رأسه أُهُبًا مُعلَّقَة، فرأيت أثر الحصير في جنب رسول الله ﷺ، فبكيت، فقال: «مَا يُبْكِيكَ؟». فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله. فقال رسول الله ﷺ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمَا الدُّنْيَا، وَلَكَ الْآخِرَةُ». وأخرجه بنحوه أحمد (٧٩٦٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]. إذن نقول: هؤلاء يُعاقَبون بهذه النعم التي تدر عليهم؛ لأنه استدراج؛ ولأنهم إذا ماتوا وصاروا في العذاب؛ صار هذا أشد عليهم؛ لأنهم فارقوا دنيا تعلقت بها قلوبهم، ونُعِّموا بها، ثم أعقبها هذا العذاب والعياذ بالله، فصاروا أشد حسرة.
ويذكر عن ابن حجر العسقلاني رحمه الله وهو قاضي القضاة في مصر أنه مر ذات يوم بيهودي زيَّات يبيع الزيت، تعبان من الزيت، وثيابه وسخة، وهو يهودي، وقاضي القضاة؛ قضاة مصر، يمشي على عربة تجره الخيول، والناس حوله يمينًا وشمالًا، فهذا اليهودي أوقف الموكب، وقال له: يا قاضي القضاة، كيف تكون أنت في هذه الحال وأنا في هذه الحال ورسولكم يقول: «إِنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ»[[أخرجه مسلم (٢٩٥٦/١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]].
ويش لون هذا؟ أيهما اللي في جنة الآن؟ قاضي القضاة، وهذا في بلاء وتعب، قال له: نعم، ما أنا فيه من النعيم، في الدنيا هو سجن بالنسبة لنعيمي في الآخرة، أو لنعيم المؤمن في الآخرة، وما أنت فيه من التعب والبلاء هو بالنسبة لعذاب الآخرة جنة، أنت الآن في جنة؛ لأنك بتنتقل إلى عذاب، عذاب ما تتصوره، فلما قال ذلك قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؛ فأسلم.
فالمهم أن نقول: إن هؤلاء الْمنعَّمِين نعيمهم في الحقيقة شقاء وعذاب، وإن نُعِّمت أجسامهم لكن أكثر الناس في غفلة عن هذا، ومع الأسف أن هذا الداء دَبَّ إلى المسلمين فصار أكثر المسلمين اليوم لا ينشدون إلا هذا النعيم فقط، أعني نعيم الدنيا، وفي غفلة عن نعيم الآخرة؛ ولهذا تجدهم يتحدثون دائمًا عن الترف واللهو وما أشبه ذلك كأنهم ما خُلقوا إلا لهذا، وهذا من أكبر ما يصد الإنسان عن دينه؛ أن يكون قلبه معلقًا بالدنيا، ولا ينظر إلا إلى التنعم بها.
ونحن لا نُنكر أن ينال الإنسان من الدنيا ما يستفيد به في الآخرة، بل إن الدنيا إذا جُعِلت وسيلة للآخرة صارت من الآخرة في الحقيقة، لكننا ننكر أن تكون الدنيا أكبر هم الإنسان كأنما خُلِقَ لها فقط، وهذا من نقص دينه ونقص عقله أيضًا، كيف تجعل نفسك وحياتك الثمينة، كيف تجعلها مهتمة غاية الاهتمام بأمر ليس بمضمون، وليس بِمخلَّد؟
قال الله تعالى مُنكرًا على قوم هود عليه الصلاة والسلام: ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ [الشعراء ١٢٩]، أنت لست بخالد، كيف تجعل هذا الممر الذي أنت تعيش فيه تجعله أكبر همك مع أنك لا تدري متى تفارقه؟! كل من هؤلاء المترفين لا يدري متى يموت، أليس كذلك؟ لكن يدري أنه سيبقى في الآخرة، إن كان مؤمنًا بها ومع هذا يعمل للدنيا التي لم يُخلق لها ويدع الآخرة التي قد خلق لها (...).
﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ إلى آخره،* في الآية الكريمة: تنزيه الله تعالى نفسه عن كل نقص وعيب؛ لقوله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ [يس ٣٦]، وفيه (...)
التنبيه على وحدانيته عز وجل ومخالفته للمخلوقات؛ لقوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ [يس ٣٦]، فلم يقل: سبحان الله، بل قال: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ﴾ [يس ٣٦]، والجمع بين ما يثبت للعباد وما يُنَزَّه الله عنه قد ورد في غير موضع من القرآن، منها قوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن ٢٦، ٢٧]، فلما ذكر حال الخلائق ذكر حال الخالق؛ لأنه عز وجل يبقى مع فناء غيره، كذلك هنا المخلوق كله مزدوج لا بد فيه من زوجين ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ [الذاريات ٤٩] أما الرب عز وجل فإنه واحد؛ ولهذا قال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ [يس ٣٦].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ما من شيء مخلوق إلا (...)؛ لقوله: ﴿وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يس ٣٦]، وهذا لفظ من أعم ما يكون من الكلمات.
وقوله: ﴿مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [يس ٣٦] فيه أيضًا فوائد؛ * من فوائد الآية أيضًا: أن بني آدم على أصناف متنوعة كما كان ذلك فيما تُنبته الأرض، بل وفي الأرض نفسها، قال الله تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ﴾ [الرعد ٤]، فإثبات التجاور لها يقتضي أن كل واحد منها يخالف الآخر؛ لأن الجار غير جاره، وكذلك هنا ﴿مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ﴾ يدل على أن في الأرض أصنافًا منوعة من النباتات، كذلك ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ فيما خلق الله عز وجل فيها أصناف ذكر وأنثى؛ أسود وأبيض، طويل وقصير، شقي وسعيد، ذكي وبليد، عاقل وسفيه، هكذا؛ ليعتبر الإنسان قدرة الله عز وجل على خلق هذه الأشياء المتضادة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الجهل للإنسان، وأنه لا يحيط بكل شيء؛ لقوله: ﴿وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يس ٣٦]، وهذه إذا أضفتها إلى قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء ٨٥]، فبين لك مدى جهل الإنسان بالأمور.
{"ayahs_start":33,"ayahs":["وَءَایَةࣱ لَّهُمُ ٱلۡأَرۡضُ ٱلۡمَیۡتَةُ أَحۡیَیۡنَـٰهَا وَأَخۡرَجۡنَا مِنۡهَا حَبࣰّا فَمِنۡهُ یَأۡكُلُونَ","وَجَعَلۡنَا فِیهَا جَنَّـٰتࣲ مِّن نَّخِیلࣲ وَأَعۡنَـٰبࣲ وَفَجَّرۡنَا فِیهَا مِنَ ٱلۡعُیُونِ","لِیَأۡكُلُوا۟ مِن ثَمَرِهِۦ وَمَا عَمِلَتۡهُ أَیۡدِیهِمۡۚ أَفَلَا یَشۡكُرُونَ","سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلۡأَزۡوَ ٰجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ وَمِنۡ أَنفُسِهِمۡ وَمِمَّا لَا یَعۡلَمُونَ"],"ayah":"وَجَعَلۡنَا فِیهَا جَنَّـٰتࣲ مِّن نَّخِیلࣲ وَأَعۡنَـٰبࣲ وَفَجَّرۡنَا فِیهَا مِنَ ٱلۡعُیُونِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق