الباحث القرآني
(...) قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ [يس ٢٤، ٢٥] ﴿إِنِّي إِذًا﴾ الجملة هذه مؤكدة بـ(إن)؛ لأن المقام يقتضي التوكيد.
وقوله: ﴿إِذًا﴾ أي: إن عبدت غير الله؛ لقوله: ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾، ويجوز أن نُقَدِّر: إن اتخذت من دونه آلهة كقوله: ﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾.
و﴿إِذًا﴾ هنا ظرف تدل على الحال، و(إذا) ظرف تدل على المستقبل، و(إذ) ظرف تدل على الماضي، فهذه الثلاثة تقاسمت الزمان؛ (إذن) للحال، و(إذا) للمستقبل، و(إذ) للماضي، وتأتي لغير ذلك (إذ) كما تأتي للتعليل مثلًا: ﴿إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، اللام هنا للتوكيد فالجملة مؤكدة بمؤكدين؛ يعني: إن اتخذت معه آلهة، أو عبدت غيره ﴿لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ قال المؤلف: (بين)، والضلال هو أن يَتيه الإنسان عن جادة الصواب، ثم إن كان عن علم كان طريقه طريق المغضوب عليهم، وإن كان عن جهل كان طريقه طريق الضالين، وقد ذكر الله تعالى في سورة الفاتحة فقال: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)﴾ [الفاتحة ٦، ٧] فالمغضوب عليهم هم الذي جانَبوا الصواب عن علم، والضالون هم الذين جانبوه عن غير علم، والمهتدون الذين أنعم الله عليهم هم الذين عَمِلوا بالصواب عن علم.
ووجه كونه ضلالًا مبينًا -أي: اتخاذ آلهة من دون الله- أنه حَيْدَة عن الواجب شرعًا وعقلًا؛ فالواجب شرعًا ألا نتخذ إلهًا مع الله كما جاءت به جميع الرسل، والواجب عقلًا ألا نتخذَ آلهةً مع الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإنسان وفَطَره، وهو الذي بيده النفع والضرر، فكيف نتخذ معه آلهة لم تخلق ولا تنفع ولا تضر؟!
﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ أعلن -رحمه الله- أنه آمن بالله عز وجل، وقال: ﴿آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ﴾، وهناك قال: ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ إشارة إلى أنه ليس ربًّا له وحده، بل هو رب للجميع، ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ والإيمان بالله عز وجل يتضمن الإيمان بأمور أربعة: الإيمان بوجوده، والإيمان بربوبيته، وهنا صرح به في قوله: ﴿آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ فإثبات الربوبية إثبات للوجود، والثالث الإيمان بألوهيته، والرابع الإيمان بأسمائه وصفاته؛ أي أنه متفرد بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات.
وقوله: ﴿آمَنْتُ﴾ مَرَّ علينا كثيرًا أن الإيمان في اللغة التصديق عند كثير من المفسرين الذين يفسرون الإيمان، وقيل: إن معناه الإقرار والاعتراف، فهو أخص من التصديق.
قال: ﴿فَاسْمَعُونِ﴾ الفاء هذه عاطفة على قوله: ﴿آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ أو على الجملة كلها، وقوله: ﴿اسْمَعُونِ﴾ أي: اسمعوا قولي، وهذا إعلان منه رحمه الله بإيمانه مراغمةً لقومه وإقامة للحجة عليهم، ولهذا لمَّا أعلن هذا الإعلان قتلوه، قال المؤلف: (فرجموه فمات، قيل له عند موته: ادخل الجنة، وقيل: دخلها حيًّا) لما أعلن هذا الإعلان وراغمهم ولم يأبه بهم ولم يهمه، والظاهر -والله أعلم- أنهم توعدوه، حينئذ رجموه فقتلوه، فقيل له بعد موته: ادخل الجنة. الأمر هنا للتكريم، والجنة هي الدار التي أعدها الله سبحانه وتعالى لأوليائه، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت ولا خَطَر على قلب بشر.
وقوله: ﴿ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾ بعد موته؛ لأن الإنسان يُعَذَّب في قبره أو يُنَعَّم، فإن كان من أهل الخير فإنه ينعم، وإن كان من أهل الشر فإنه يعذب.
قال: ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ لما قيل له: ادخل الجنة -وهذا الأمر كما قلت أمر إكرام- قال: ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ المفسر يقول: حرف تنبيه يعني ﴿يَا﴾، وليست حرف نداء؛ لأنها دخلت على حرف، و(يا) التي للنداء لا تدخل إلا على اسم، فإذا دخلت على ما لا تصح دخولها عليه فإنها لا تكون للنداء، وقد مر علينا في علامات الاسم أن من علاماته أيش؟ النداء، دخول (يا) النداء عليه، فإذا دخلت (يا) النداء على غير اسم فإنها للتنبيه، سواء دخلت على حرف؛ مثل ﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾، أو دخلت على فعل، وأكثر ما تدخل على الأفعال فعل الأمر فإنها تكون للتنبيه، ويجوز أن تكون حرف نداء والمنادى محذوف، ويُقَدَّر بحسب السياق، فمثل هذه الآية نقدرها فنقول: يارب، ليت قومي يعلمون، بما غفر لي ربي؛ فصار في إعرابها وجهان: أحدهما أنها للتنبيه، والثاني أنها للنداء والمنادي محذوف ويُقَدَّر بحسب ما يقتضيه السياق.
وقوله: ﴿لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ ﴿لَيْتَ﴾ هنا للتمني، و(لعل) للترجي، والفرق بينهما أن التمني يكون فيما فيه تَعَذُّر، والترجي يكون فيما يَقْرُب حصوله، وما كان بين ذلك فتارة تُستعمل فيه ليت، وتارة تستعمل فيه (لعل)؛ فالأحوال ثلاثة: ما قرب حصوله تستعمل فيه (لعل)، وما امتنع (ليت)، وما كان بين ذلك فأحيانًا (لعل) وأحيانًا، (ليت) بحسب قربه من التعذر أو من القرب.
﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ يعلمون ما حصل له، ولهذا قال: (﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ بغفرانه ﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ ) ﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾، الباء هنا متعلقة بـ﴿يَعْلَمُونَ﴾، والعلم هنا بمعنى المعرفة فلا تتعدى إلا إلى مفعول واحد، و(ما) مصدرية كما حَلَّها المفسر وأوَّلها إلى مصدر قال: بغفرانه، وهنا ينبغي أن نتذكر معاني (ما) فمن الذي يذكرها لنا؟
* الطالب: نعم قال الشاعر:
؎مَحَامِلُ (مَـــــا) عَشْرٌ إِذَا رُمْــتَعَــــــــدَّهَا ∗∗∗ فَحَافِظْ عَلَى بَيْتٍ سَلَيمٍ مِنَ الشِّعْرِ؎سَتَفْهَمُ شَرْطَ الْوَصْلِ فَــاعْجَبْ لِنُكْرِهَا ∗∗∗ بِكَفٍّ وَنَفْيٍ زِيدَ تَعْظِيمُمَـــــــــــــصْدَرِ
* الشيخ: تعظيم مصدر، تمام، صار معانيها عشرة، (ستفهم) يعني للاستفهام، (شرط) (الوصل) (فاعجب) تعجبية (لنكرها) نكرة، (بكف) (...)، (ونفي) نافية، (زيد) زائدة، (تعظيم) للتعظيم، (مصدر) مصدرية.
فهنا هي من القسم الأخير أو المعنى الأخير، مصدرية، وعلامة المصدرية التي تسبك وما بعدها أو يُسْبَك ما بعدها بمصدر يُحَوَّل إلى مصدر، وقوله: ﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ تَقَدَّم لنا أن المغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه؛ لأنها مأخوذة من (المِغْفَر)، و(الْمِغْفَرُ) فيه معنيان أو فيه شيئان:
أحدهما: الستر؛ لأنه يستر الرأس.
والثاني: الوقاية؛ لأن الإنسان يضع على رأسه المِغْفَر في القتال ليتقي به السهام، وليست المغفرة بمعنى الستر فقط.
ثم قال: ﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ فأضاف الربوبية إليه، وهي من الربوبية الخاصة؛ لأن الربوبية نوعان: ربوبية عامّة، وربوبية خاصة. الربوبية العامة: هي الشاملة لجميع الخلق التي مقتضاها التدبير والتصرف في الخلق كما تقتضي حكمته. والخاصة: هي التي يكون فيها عناية بهذا المربوب كربوبية الله سبحانه وتعالى لرسله وأوليائه، وقد اجتمع القسمان أو النوعان في قول السحرة: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢١، ١٢٢] فالأولى عامة، والثانية خاصة، ويقابل ذلك العبودية؛ فإنها عامة وخاصة؛ فالعامة كقوله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم ٩٣]، والخاصة كقوله: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان ٦٣]، والخاصة فيها أخص وهي عبودية الله تعالى للرسل كقوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ [الفرقان ١].
قال: ﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ هنا الربوبية خاصة ولَّا لا؟ خَاصَّة. ﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾، نعم ﴿جَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾؛ لدخوله الجنة؛ لأن دخول الجنة إكرام للإنسان، إكرام من قِبَل الله، وإكرام من قِبَل الملائكة، فإن الملائكة يدخلون عليهم من كل باب ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد ٢٤]، إكرام من جهة الوِلْدَان المخلدون الذين هم خَدَم لأهل الجنة، إكرام من جهة الزوجات اللاتي هن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، إكرام من جهة بعضهم لبعض فإنهم إخوان على سُرُر متقابلين، قد نَزَع الله ما في صدورهم من غِلٍّ، ومثل هذا لا بد أن يكون فيه إكرام من بعضهم لبعض؛ فأهل الجنة مكرمون، ومنهم هذا الرجل المؤمن الناصح المخلص فإنه مُكْرَم بدخول الجنة.
قال الله عز وجل لما ذَكَر المُصَلِّين الذين هم على صلاتهم دائمون ختم هذه الصفات بقوله: ﴿أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ [المعارج ٣٥]؛ ولهذا قال هنا: ﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾.
نأخذ فوائد هذه الآيات لأننا أظن أننا اتفقنا على أن نأخذ فائدة كل آية.
قال الله تعالى: ﴿إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [يس ٢٤].
* في هذه الآية الكريمة: بيان أن من أبين الضِّلال وأشَّدِّه تيهًا أن يتخذ الإنسان مع الله آلهة؛ لقوله: ﴿إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾.
* ومنها: أنه ينبغي التأكيد إذا كان المخاطب مُنكِرًا أو حاله حال المنكر؛ لأنه يخاطب مَن؟ يخاطب قومه الذين اتخذوا مع الله آلهة ويقول: إني إن اتخذت آلهة مع الله لفي ضلال مبين، ولهذا أَكَّد الجملة بكم؟ بمؤكدين: (إِنَّ)، واللام.
* وربما يؤخذ من الآية الكريمة: أن كل مَنْ ضَلَّ عن الحق أو كل من خالف الحق أصابه من الضلال بقدر ما خالف الحق؛ لقوله: ﴿لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ فيفيد أن الضلال قد يكون خَفيًّا، وقد يكون بينًا واضحًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: كمال نصح هذا الرجل؛ لأنه قرر وحدانية الله عز وجل بعدة أمور: منها ما سبق في قوله: ﴿وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾، ومنها التحذير من الشرك به بكون المشرك في ضلال مبين، وهكذا ينبغي للداعية إلى الله عز وجل إذا دعا إلى الحق أن يذكر ما في لزومه من الفضائل، وأن يذكر ما في مخالفته من الضلال والسوء؛ حتى يجمع بين الترغيب والترهيب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن عكس مَنِ اتَّخذ مع الله آلهة وكان في ضلال مبين أن مَنْ وَحَّد الله فهو على هدى مبين بَيِّن واضح؛ لأنه أصاب الفطرة وأصاب ما جاءت به الرسل.
ثم قال: ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ * يستفاد من هذه الآية: فضيلة هذا الرجل في إعلانه الإيمان بالله عز وجل، وكل إنسان يعلن إيمانه بالله فإن ذلك له مزية وفضيلة؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت ٣٣]، أعلن بأنه من المسلمين، ولم يَخَفْ أحدًا سوى الله.
* ومنها: قوة شخصية هذا الرجل؛ حيث أعلن أمام هؤلاء القوم أنه آمن، وآمن بربهم الذي يستلزم أن يكونوا مخلصين له في العبادة إذا كان ربًّا لهم، كأنه أقام الحجة عليهم بذلك، فإذا كان الله ربَّكم فالواجب أن تُوَحِّدوه ولا تتخذوا معه آلهة، وهذا يدل على قوة شخصيته، زد على ذلك أنه تَحَدَّاهم فقال: ﴿فَاسْمَعُونِ﴾، فأنا لا أبالي منكم، لا أبالي بكم، اسمعوا أني آمنت بربكم الذي يجب أن توحدوه؛ لأنه ربكم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان ربوبية الله تعالى العامة؛ حيث قال: ﴿بِرَبِّكُمْ﴾ مع كونهم مشركين كفارًا، وهذا من الربوبية العامة.
ثم قال: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ [يس ٢٦] * يستفاد من هذا الآية الكريمة: إثبات نعيم القبر؛ لقوله: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾، ويدل لذلك آيات من القرآن مثل قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ [النحل ٣٢] ﴿تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ﴾ ﴿طَيِّبِينَ﴾ هذه حال من الهاء ﴿يَقُولُونَ﴾ حال من الملائكة؛ يعني: حال كون الملائكة يقولون عند تَوَفِّيهم: ادخلوا الجنة؛ * فيستفاد من هذه الآية: إثبات نعيم القبر، فيه آية أخرى.. ما هي؟ إثبات نعيم القبر.
* طالب: من هذه يعني.
* الشيخ: القرآن من ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة ١، ٢] من الفاتحة: إلى ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس ١].
* الطالب: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [إبراهيم ٢٧].
* الشيخ: ما هي دليل.
* طالب: مفهوم المخالفة كقوم فرعون.
* الشيخ: لا. ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ﴾ [الواقعة ٨٣ - ٨٥] إلى قوله: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾ [الواقعة ٨٨، ٨٩]، فهنا قال: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ﴾ حين الموت، ثم قال: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾، ومنها هذه الآية: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾؛ لأن ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾ ولم تقم الساعة الآن، فهو دليل على أن الميت يُنَعَّم في قبره كأن ما دخل الجنة؛ لأنه يُلْبَس من الجنة، ويُفْرَش من الجنة، ويُفْتَح له باب إلى الجنة ، ويأتيه من روحها ونعيمها، فكأنه دخلها.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، لأن ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ حين تبلغ الروح الحلقوم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: الآن يعني.
﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ فيه إثبات نعيم القبر؛ لقوله: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ﴾ مع أن الساعة لم تَقُمْ بعدُ، ولم يدخل الناس الجنة.
* ومن فوائدها: أن هذا الرجل كان ناصحًا في حياته وبعد مماته؛ ففي حياته دعا قومه إلى توحيد الله عز وجل كما مر علينا، وبعد مماته تَمَنَّى أن قومه يعلمون بغفران الله له من أجل أيش؟ أن يؤمنوا ويتبعوا الرسل، وهذا دليل على أن المؤمن لا تَلْقَاه إلا ناصحًا، حتى بعد موته يكون ناصحًا، فهذا الرجل تمنى أن قومه يعلمون بما غفر الله له، لعلهم يرجعون فيؤمنون كما آمن.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات وجود الجنة، وقد دلَّ على ذلك آيات وأحاديث كثيرة؛ مثل قوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران ١٣٣]، والإعداد بمعنى التهيئة، والنصوص في هذا كثيرة، «وقد عُرِضَت الجنة والنار على النبي ﷺ وهو يصلي صلاة الكسوف»[[أخرج مسلم (٩٠٤ / ٩) بسنده من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كُسِفَت الشمس على عهد رسول الله ﷺ في يوم شديد الحر، فصلى رسول الله ﷺ بأصحابه فأطال القيام، حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم سجد سجدتين، ثم قام فصنع نحوًا من ذاك، فكانت أربع ركعات، وأربع سجدات، ثم قال: «إنه عُرِضَ عليَّ كل شيء تولجونه، فعُرِضَت عليَّ الجنة، حتى لو تناولت منها قطفًا أخذته -أو قال: تناولت منها قطفًا- فقصرت يدي عنه، وعُرِضَت علي النار...» الحديث.]].
طيب، وهل تبقى الجنة أبدًا؟ الجواب: نعم، وهذا متفق عليه بين أهل السنة، النار موجودة الآن وهو متفق عليه أيضًا بين أهل السنة، وهل تفنى؟ الصحيح المقطوع به أنها لا تَفْنى؛ لأن الآيات صريحة في ذلك، وقد ذكر الله تعالى تَأْبيدَ الخلود فيها في ثلاث آيات من كتابه، ما هي؟ تأبيد الخلود في النار ذكره الله في ثلاث آيات من القرآن؟
* طالب: في سورة النساء والأحزاب والجن.
* الشيخ: في سورة النساء والأحزاب والجن، طيب، في سورة النساء؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ما تذكرها؟
* الطالب: لا تحضرني.
* الشيخ: طيب.
* طالب: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء ١٦٨، ١٦٩].
* الشيخ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾، طيب، في سورة الأحزاب؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، هذه في البقرة، ولا هناك.
* طالب: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الأحزاب ٦٤، ٦٥].
* الشيخ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾، الآية الثالثة في سورة الجن؟
* طالب: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن ٢٣]
* الشيخ: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ فهذه ثلاث آيات صريحة في تأبيد أهل النار فيها.
* طالب: (...) قد دل عليه؟ (...).
* الشيخ: لا، ما يدل عليه، ما داموا فيها، طيب، المهم التصريح بالتأبيد، ومع ذلك مع التصريح بالتأبيد ذُكِرَ عن بعض السلف أنهم كانوا يقولون: بأنها تفنى، ولكن هذا القول لا شك مهما قاله مَنْ قاله فإن قوله مردودٌ عليه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: مِنَّة الله عز وجل على مَنْ آمن بالمغفرة والإكرام، فيتفرع على هذه الفائدة أن الإيمان سبب للمغفرة وسبب لإكرام الله تعالى العبد.
* ومن فوائدها: أنه لا يتم النعيم إلا بزوال المكروه، ويستفاد هذا من قوله: ﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾.
* ومنها أيضًا: ما أشار إليه بعض الأدباء؛ أن التخلية قبل التحلية كيف هذا؟ لقوله: ﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ وهذا تخلية وإزالة، ﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ هذا تحلية، ولهذا لو أردت أن تُحَلِّيَ امرأة تُنَظِّفها أولًا ثم تُلْبِسُها الحلي، لو ألبستها الحلي وهي غير نظيفة ما يليق ولا تجد جمالًا فيها، إي نعم.
* إذن يستفاد منها: أن المغفرة تسبق الإكرام والرحمة، ويدل لهذه القاعدة التتبع، فإن الغالب أن الله عز وجل إذا قَرَن بين الاسمين الغفور الرحيم يُقَدِّم الغفور على الرحيم.
* ومن فوائد الآية أيضًا: إثبات الربوبية الخاصة؛ لقوله: ﴿رَبِّي﴾ فهذه من الربوبية الخاصة.
* ومن فوائدها: أن الإكرام إكرام الله عز وجل لا يختص بهذا الرجل، بل هناك عالَم يكرمهم الله؛ لقوله: ﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ ففيه حَثٌّ على أن يفعل الإنسان كفعله لينال ما ناله، ولم يقل: بما غفر لي ربي وأكرمني، بل قال: ﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ ليبين أن الإكرام ليس خاصًّا به، بل الإكرام موجود لكل مَنْ قام بعمل كعمله.
{"ayahs_start":24,"ayahs":["إِنِّیۤ إِذࣰا لَّفِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ","إِنِّیۤ ءَامَنتُ بِرَبِّكُمۡ فَٱسۡمَعُونِ","قِیلَ ٱدۡخُلِ ٱلۡجَنَّةَۖ قَالَ یَـٰلَیۡتَ قَوۡمِی یَعۡلَمُونَ","بِمَا غَفَرَ لِی رَبِّی وَجَعَلَنِی مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِینَ"],"ayah":"بِمَا غَفَرَ لِی رَبِّی وَجَعَلَنِی مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق