الباحث القرآني
ثم قال الله سبحانه تعالى مبينًا كمالَ قدرته ونعمته أيضًا؛ قال: (﴿يُولِجُ﴾ يدخل ﴿اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ﴾ فيزيد ﴿وَيُولِجُ النَّهَارَ﴾ يدخله ﴿فِي اللَّيْلِ﴾ فيزيد)، انتبه لكلام المؤلف، هل يوافق الظاهر ولَّا لا؟ (﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ﴾ فيزيد)، ويش اللي يزيد؟
* طلبة: النهار.
* طلبة آخرون: الليل.
* الشيخ: طيب، نشوف..
طلع النهار، زاد الليل، وإن كان يعود على أقرب مذكور؛ وهو النهار فيزيد، فهذا فيه نظر لكن توجيهه ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ﴾ [فاطر ١٣] أن شيئًا من الليل يكون جزءًا من النهار، هذا توجيه، أن شيئًا من الليل يكون جزءًا من النهار، فإذا كان شيء من الليل جزءًا من النهار معناه: زاد النهار، يعني كأنه يقول مثلًا: دخل الليل في النهار فصار نهارًا، وحينئذٍ ويش اللي يزيد؟ النهار، والعكس بالعكس، لكن الظاهر من الآية الكريمة أنه يُدخِل الليل في النهار فيكون جزءٌ من النهار ليلًا.
الآن لو قلت: أدخلت هذا في الساقية في هذه الأرض، تعرفون الساقية ولَّا لا؟ (...) في الأرض. الجزء الذي دخل من الساقية جعل الأرض ساقية.
إذن أدخلتُ الليل في النهار؛ جعلت جزءًا من النهار ليلًا، وحينئذٍ يكون الليل هو الذي يطول.
إيلاج الليل في النهار، وإيلاج النهار بالليل لا شك أنه دال على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى؛ لأن الخلق لو اجتمعوا كلهم على أن يولجوا جزءًا يسيرًا من الليل في النهار أو بالعكس ما استطاعوا أبدًا.
ثم هذا الإيلاج أيضًا إيلاج بالنظام، أيش معنى بالنظام؟ أي أنه يأتي شيئًا فشيئًا حتى تتكيف طباع البشر بهذا الإيلاج، ما ظنكم لو أنه جاء الليل بنهايته دفعة واحدة؟ يعني مثلًا اليوم صار الليل ثماني ساعات وخمسًا وثلاثين دقيقة، في الليلة القادمة صار اثنتي عشرة ساعة وخمس دقائق، ماذا تكون حال الناس؟ تضطرب، لكنه سبحانه وتعالى يولجه شيئًا فشيئًا، هذا من جهة الاضطراب.
من جهة أخرى لو وَلَجَ هكذا دفعة، أنتم تعرفون أن سبب طول النهار قُرْب الشمس من مسامتة الرؤوس، وإذا قربت الشمس من مسامتة الرؤوس فلا بد أن تكون شديدة الحرارة، معنى ذلك أن يكون اليوم هذا في عز الشتاء، واليوم اللي يليه في عز الصيف، وهذا ضرر عظيم، لكنه سبحانه وتعالى يولجه شيئًا فشيئًا، وهذا من تمام القدرة والحِكمة والرحمة.
أيضًا إيلاج الليل في النهار، وبالعكس له تأثير عظيم على الجو؛ لأنه ينقلب الجو من بارد شديد على طول الزمن إلى حار شديد على طول الزمن أيضًا، ألم تعلموا أن هذه الحرارة الشديدة تقتل من الجراثيم الضارة ما لا يعلم به إلا الله عز وجل.
ولهذا لنضرب مثلًا بسيطًا كلنا نشاهده: البعوض إذا اشتد الحر مات فلم يبقَ له أثر؛ ولهذا أكثر ما يكثر في الزمن اللي بين الحر والشتاء؛ الشتاء كذلك شدة البرودة تقتل الجراثيم، تعيش على الحرارة ولا يعلم بها إلا الله عز وجل.
ومن ثم قال العلماء: إن أكثر أهل الأرض أمراضًا هم الذين على خط الاستواء وما قاربه، لماذا؟ لأنه ليس عندهم شتاء يقتل، أو صيف حار يقتل أيضًا، وهذا أمر مُشاهَد.
إذن إيلاج الليل في النهار فيه عِدَّة حِكَم؛ ولهذا بينه: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [فاطر ١٣].
﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ [فاطر ١٣] أي: ذلَّلَهما لعباده.
﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ الشمس معروفة، والقمر معروف، سخرهما؛ أي: ذللهما، ذللهما لمن؟ لمصالح العباد، فإن في الشمس والقمر من المصالح العظيمة للعباد ما يعرفه أهل العلم بهذا الشأن؛ مصالح عظيمة.
هذه الشمس والقمر ما بين الله لنا ثقلهما ولا حجمهما؛ لأن ذلك ليس بالعلم النافع (...) لنا؛ فالجهل به لا يضر، والعلم به من فضول العلم، إن لم يشغلك عما هو أهم منه فاشتغل به، إنما بين المصالح التي تترتب على تسخير الشمس والقمر، قال: ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ [فاطر ١٣]، فبالشمس يكون النهار والليل ولَّا لا؟ ويكون أيضًا نضج الثمار، وتكون الأنوار العظيمة، ما رأيكم مثلًا ماذا يتوفر للعالم من الطاقة بعد خروج الشمس؟ كثير لا يُحصى؛ لأنها توفر الكهرباء، وتوفر أيضًا تليين الأشياء، تحتاج إلى تليين وإلى حرارة، ثم إنه في الأزمنة الأخيرة صاروا يستنتجون من حرارة الشمس طاقة كبيرة عظيمة.
أما القمر فسُخِّر لنا أيضًا بما يحصل من نوره في الليل، وبما يحصل منه من العِلْم بالحساب وعدد السنين وما إلى ذلك.
وإن شئتم مزيدًا من هذا فراجعوا كتاب مفتاح دار السعادة لابن القيم رحمه الله، ذكر من مصالح الشمس والقمر أشياء عديدة كبيرة، وذكر غيره أيضًا ذلك لكن يجد الإنسان فرقًا بين بحث ابن القيم مثلًا وبحث العلماء علماء الطبيعة؛ لأن علماء الطبيعة ينظرون إلى هذه الأشياء من زاوية مظلمة حالكة مادية محضة، لا يتربى فيها الإنسان تربية دينية، ولا يعرف بها قُدرة الله ونعمته، لكن إذا تكلم مثل ابن القيم رحمه الله في ذلك يعطي من هذا دائمًا برحمة الله وقدرته وحكمته فيجد الإنسان مع علمه بهذا الكم من العلوم، يجد مع ذلك خشية لله عز وجل وتعظيمًا له ومحبة له.
قال: (﴿كُلٌّ﴾ منهما ﴿يَجْرِي﴾ في فلكه ﴿لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [فاطر ١٣] يوم القيامة) كل منين؟ من الشمس والقمر. ﴿يَجْرِي﴾ يعني يسير في فلكه، لأجل مسمى.
الفَلَك شبهه ابن عباس رضي الله عنه بفلكة الْمِغزل، فَلَكة الْمِغْزل عبارة عن قرص في أعلاه، وفي أسفله عود ينطوي عليه الحبل الذي يُغزل، يمكن شاهده بعضكم، نعم، هذه تدور؛ لأن المرأة اللي تغزل تبرمه هكذا حتى يدور ويُحكِم الحبل، الفلَك هذا للشمس فلك تدور به وللقمر فلك يدور به.
وفي إسناد الجريان إلى كل منهما دليل على أنهما يسيران بذاتهما ويدوران على الأرض، وهذا شيء مشاهَد أن الشمس تدور على الأرض، وكذلك القمر.
وما ادعاه علماء الهيئة من أن الأرض هي التي تدور والشمس لا تدور حول الأرض فإننا نكذبهم حتى يقوم لنا دليل حسي، يكون لنا حجة أمام الله عز وجل في الخروج عن ظاهر كلامه، وإلا فالواجب علينا نحو هذه الأمور ألا نخرج عن ظاهر كلام الله؛ لأن الله تعالى هو الخالق، والخالق أعلم بما خلق من غيره، مُسَلَّم هذا ولَّا لا؟
* طلبة: مُسَلَّم.
* الشيخ: مُسَلَّم؛ ولأن كلام الله عز وجل أوضح الكلام وأبينه، فلا يمكن أن يكون فيه شيء من التعقيد، لا اللفظي ولا المعنوي، بل هو واضح في معناه ظاهر؛ ولأن كلام الله عز وجل أصدق الكلام، فلا يمكن أن يخبرنا الله عز وجل بأمر لم يكن، أو بأمر يكون الواقع على خلافه؛ ولأن الله عز وجل أحب أحد يكون البيان إليه، يعني أنه يحب البيان لعباده أكثر من أي أحد، واقرأ قوله تعالى: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء ١٧٦] وما أشبهها من الآيات الدالة على أن الله عز وجل يريد أن يُبَيِّن لعباده ما يهتدون به، فإذا كان سبحانه وتعالى هو أحب من تكلم بالبيان، أو هو أحب من أن يكون البيان إليه أحب وهو الله عز وجل، فإن الله تعالى لا يمكن أن يقول في كلامه ما ليس فيه بيان لنا.
إذن فنحن نكذبهم ونقول: كذبتم أن يكون تعاقب الليل والنهار من أجل دوران الأرض، بل تعاقب الليل والنهار من أجل دوران الشمس على الأرض، ولا غرابةَ في ذلك.
هم يقولون: كيف أن الكبير يدور على الصغير؟
قلنا: ما فيه مانع، نحن معكم بأن الشمس أكبر من الأرض، لكن ما المانع من أن يكون الجزء الكبير أو الجرم الكبير هو الذي يدور على الصغير.
ونحن إذا نظرنا إلى القرآن وجدنا أن الله سبحانه وتعالى يُضيف هذه الحركة إلى الشمس نفسِها، وكذلك إذا نظرنا إلى السُّنَّة؛ ففي القرآن يقول الله تعالى: ﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ﴾ [الكهف ١٧]، وفي القرآن يقول الله تعالى: ﴿إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ﴾ [ص ٣٢]؛ أي: الشمس ﴿بِالْحِجَابِ﴾، وفي القرآن يقول: ﴿سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [لقمان ٢٩]، هذه ستة مواضع.
* طالب: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾.
* الشيخ: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾ [يس ٣٨] مثل: ﴿كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [فاطر ١٣]، كلها تدل على أن هذه الأفعال تقع من الشمس، لو كان هذا يأتي بدوران الأرض لقال: وترى الشمس إذا طَلَعوا عليها؛ لأن دارت الأرض فنحن الذين نطلع على الشمس ما هي بالشمس اللي تطلع علينا.
وأما قولهم: إن هذا خطاب للناس بما يشاهدونه بأعينهم والأمر على خلافه؛ يعني: إذا طلعت حسب رؤية العين.
وفي الواقع أننا نحن الذين نطلع عليها، فبماذا نجيبهم؟
نقول: هذا خلاف أمر الله، ولا يمكن أن نحيد عن هذا الظاهر إلا بدليل محسوس، يمكننا أن نحتجَّ به أمام الله عز وجل؛ لأن الله سيُحاسبنا يقول: لماذا عدلتم عن كلامي إلى كلام غيري؟ والخطاب من الله سبحانه وتعالى: ﴿إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ﴾ [الكهف ١٧] ﴿تَزَاوَرُ﴾ أي: تميل، ولو كان ذلك بدوران الأرض لكان الأرض هي التي تميل، ﴿وَإِذَا غَرَبَتْ﴾ لو كان هذا بدوران الأرض لكان الأرض هي التي تغرب عن الشمس.
أما في السنة فقد قال النبي ﷺ لأبي ذر حين غربت الشمس: «أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟»[[متفق عليه؛ البخاري (٣١٩٩)، ومسلم (١٥٩ / ٢٥٠) من حديث أبي ذر.]]. أتدري أين تذهب؟ أسند الذهاب إليها، عندما غربت، ولو كانت الأرض هي التي دارت حتى اختفت الشمس لكان يقول: أتدري أين تذهب الأرض مثلًا؟
والحاصل: أنه يجب علينا وجوبًا أن نأخذ بظاهر القرآن، وأن الشمس هي التي تدور على الأرض، وأنه بدورانها يحصل اختلاف الليل والنهار، هذا الواجب، ولا يجوز أن نحيد عن هذا أبدًا إلا إذا قام الدليل الحسي على خلاف ذلك فإنه حينئذٍ يتعين التأويل، وصرف الكلام عن ظاهره؛ لأننا نعلم علم اليقين أن القرآن لا يخالف الواقع، أما شيء يقولونه بأوهامهم ويقدرونه فإننا لا نوافقهم على ذلك، ولا يسع المؤمن أن يحيد عن ظاهر كلام الله لمجرد قولهم أبدًا.
أما مسألة الأرض هل تدور أو ما تدور فنحن نقول: لا نُصدِّق ولا نُكذِّب، فيمكن أن يكون لها دورة، ومع ذلك للشمس دورة.
هم يقولون: إذا أقررتم بدوران الأرض لزمكم أن تقولوا: إن الشمس ثابتة، فنقول: ليس ذلك بلازم، يمكن يكون للشمس دورة، وللأرض دورة أخرى، ولا مانع من ذلك، ولكن مع هذا نقول: إن الكلام في دوران الأرض من فضول العلم الذي لا ينبغي للإنسان أن يضيع وقته به إلا رجلًا يحتاج إلى معرفة ذلك كما يُذْكَر أنهم يحتاجون إليه في الصواريخ الموجَّهة وما أشبه ذلك مما هو معروف عند أهله، فحينئذٍ إذا احتاج إليه فلا حرج أن يبحث فيه، أما إذا لم يَحْتَجْ إليه فنقول: هذا ضياع وقت، وما الفائدة من أن تعلم أنها تدور أو لا تدور؟ احمد الله أن الله جعلها قرارًا سواء كانت تدور أو لا تدور.
قال: ﴿كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [فاطر ١٣] يحتمل أن تكون اللام للعاقبة؛ أي: كل يجري حتى ينتهي لهذا الأجل، ويحتمل أن تكون اللام بمعنى (إلى) كما جاءت به في موضع آخر ﴿كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [لقمان ٢٩].
وعلى كل حال فهي تدل على أن لهذا الجريان غاية، وهو كذلك، هذه الغاية فسرها المؤلف بقوله: (يوم القيامة).
وقوله: ﴿أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [فاطر ١٣] أي: مُعَيَّن، عند مَنْ؟ عند الله سبحانه وتعالى، وهو معلوم عنده وليس معلومًا عندنا.
إذن فهذه الشمس والقمر ليستا أبديتين لكنهما دائبان كما قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ﴾ [إبراهيم ٣٣] أي: مستمرين لكن لهما أجل ﴿كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ﴾ [فاطر ١٣] الإشارة تعود إلى ما ذُكِر من التسخير والجريان، انتبه! أقول: ﴿ذَلِكُمُ﴾ تعود إلى ما ذكر من التسخير والجريان، أو تعود إلى الفاعل في قوله: ﴿سَخَّرَ﴾؟
* طالب: الفاعل.
* الشيخ: إذن ذلكم الْمُسَخِّر الله، فالمشار إليه الآن مفرد مذكر، والمخاطَب جماعة ذكور.
وهنا نسأل: ماذا يراعى في اسم الإشارة وكاف الخطاب؟ هل يراعَى المخاطَب أو الْمُشَار إليه؟
نقول: أما اسم الإشارة فيُراعى فيها الْمُشار إليه، وأما الكاف فيُراعى فيها المخاطب، عرفت؟ فإذا أشرتَ إلى رجلين مخاطبًا جماعة إناث، أشرت إلى ذكرين مخاطبًا جماعة إناث، ماذا تقول؟
* طالب: هذان.
* الشيخ: لا.
* الطالب: ذانكن.
* الشيخ: نقول: ذَانِكن، (ذَانِ) هذا تخاطب ذكرين، (كُنَّ) تخاطب جماعة إناث، ذانكن، في القرآن: ﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ [يوسف ٣٢] لكن هنا في الآية المشار إليه مفرد مذكر، المشار إليه مفرد مذكر.
خاطب جماعة ذكور مشيرًا إلى جماعة إناث.
* طالب: أولئكم.
* طالب آخر: تلكم.
* الشيخ: تلكم صح؟ تلكم أو أولئكم؟ يصلح هذا وهذا.
هل الأفصح في المخاطَب أن يكون الضمير على حسب المخاطَب؛ يعني جماعة ذكور إذا كان المخاطب جماعة ذكور، جماعة إناث إذا كان المخاطب جماعة إناث، ومثنى إذا كان المخاطب مثنى، مفردًا مفتوحًا إذا كان المخاطب مذكرًا، مفردًا مكسورًا إذا كان المخاطب مؤنثًا؟ أو الأفصح أن يكون بلفظ الإفراد دائمًا؟
نقول: فيه ثلاث لغات:
أولًا: أن يكون باعتبار المخاطب مطلقًا، هذا واحد.
ثانيًا: أن يكون بالفتح دائمًا؛ يعني للمفرد؛ بالفتح للمفرد.
ثالثًا: أن يكون بالفتح لمفرد في المذكر، وبالكسر في المؤنث مطلقًا. كم هذه؟ ثلاث لغات متصورينها زين ولَّا؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: اللغة الأولى وهي المشهورة الفصحى: أن تكون الكاف بحسب المخاطَب مطلقًا، تخاطب مفردًا مذكرًا، تقول: (ذلكَ)، مفردة مؤنثة: (ذلكِ)، مثنى (ذَلِكُما)، جماعة ذكور: (ذَلِكم)، جماعة الإناث: (ذَلِكُنَّ)، هذا الأفصح.
ثانيًا: أن تجعله مفردًا مفتوحًا في المذكر مطلقًا، فتقول: (ذلكَ)، سواء كنت تخاطب مفردًا أو مثنى أو جمعًا لكن بشرط أن يكون مذكرًا.
وتقول في المؤنث: (ذلكِ) سواء كنت تخاطب واحدة أو جماعة أو مثنى.
الثالث: أن تجعله مفتوحًا بصيغة المذكر دائمًا أيهم خاطبت فتقول: (ذلكَ) سواء كنت تخاطب رجلًا أو امرأة جماعة أو مثنى أو مفرد.
هنا يقول الله عز وجل: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾ [فاطر ١٣]، المشار إليه في الآية ﴿ذَلِكُمُ﴾ المشار إليه ما نوعه؟
* طلبة: مثنى.
* الشيخ: لا، المشار إليه مفرد مذكر، والمخاطب جماعة؛ لأن الله يخاطب الناس جميعًا.
﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾ [فاطر ١٣] الربُّ يُطلق على معانٍ كثيرة في اللغة العربية:
منها: الخالِق، المالك، المدبر، فالربوبية معناها أن الله سبحانه وتعالى خالق مالك مدبر؛ ولهذا قال: ﴿لَهُ الْمُلْكُ﴾ جملة خبرية قُدِّم فيها الخبر للدلالة على الحصر؛ يعني: له وحده الملك دون غيره، الملك المطلق الشامل لله وحده، ملك الذوات والأعيان، وملك التصرف في هذه الأعيان، فهو المالك لكل مخلوق، وهو المتصرف في كل مخلوق.
فإذا قلت: كيف يصح الحصر مع أن الله عز وجل أثبت الملك لغيره فقال: ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [المؤمنون ٦]، وقال: ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ [النور ٦١]، وقال: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النور ٣٣] فأثبت الملك لغيره وأن تقول: إن هذه الجملة فيها حصر؟
فالجواب من وجهين:
الوجه الأول: أن ملكنا ليس ملكًا مطلقًا بل هو ملك مُقيَّد بحسب الشريعة، فأنا مثلًا مالِك لهذه الحقيبة لكن لا أملك أن أتلفها، هل أملك أن أتلفها؟ أبدًا؛ لأن حرام عليَّ أن أتلفها، مالِك لهذه البعير مثلًا، لكن هل أملك أن أُعَذِّبها؟ هل أملك أن أجرحها؟ والله ودي أجرح البعير هذا، ما أملك هذا إلا بإذن من الشرع؛ ولهذا لما أذن الشرع بالوسم؛ وسم البعير مع أنه مؤذٍ لها مؤلم؛ جاز، ولما أذن بإشعار الإبل والبقر في الهدي؛ جاز.
تعرفون الإشعار؟ الإشعار أن يُشق السنام بالسكين في الْهَدْي حتى يسيل الدم على الشعر والجلد، ويش الفائدة من هذا؟
الفائدة ليُعرف أن هذه هدْي؛ ولذلك نحن نشعرها الإبل والبقر، ونُقَلِّد الإبل والبقر والغنم.
الغنم ما فيها إشعار، فيها تقليد فقط.
وكأن الأخ يقول: ما هو التقليد؟ التقليد أننا نضع عليها قلادة في العنق، نُعَلِّق فيها النعال القديمة المتقطعة، وآذان القِرَب؛ القِرَب معروفة، القربة واحدها قربة، آذان القرب يعني قطع القرب يتعلق بها، نعلقه على هذه البعير أو البقرة أو الشاة لماذا؟ ليُعرف أنها هدْي؛ لأن النعال المتقطعة وقطع القرب تدل على الرثاثة والفقر، إشارة إلى أن هذه للفقراء لكن قصدنا أن ملكنا -نعود إلى الأصل- للشيء مقيد ولا مطلق؟
* طلبة: مقيد.
* الشيخ: مقيد إي نعم.
ثانيًا: أنه ملك قاصر؛ يعني ليس شاملًا؛ فأنا مثلًا أملك هذه الحقيبة لكن أنت لا تملكها، وأنت تملك هذا الكتاب وأنا لا أملكه.
إذن فهو مُلك قاصِر لا يتعدى، أما ملك الله عز وجل فإنه ملك مُطلق، يتصرف في ملكه كما يشاء، وهو مُلك عام شامل، أليس كذلك؟ الله عز وجل يُنزل الأمراض، ويُنزل الجروح في مخلوقاته ولَّا لا؟ أليس الله تعالى يبتلي الإنسان يظهر فيه جروح تؤلمه وتزعجه وآلام في أعصابه، وفي عظامه لو أن أحدًا من المخلوقين أراد أن يفعل ذلك لكان ممنوعًا، ولا يجوز لكن الله عز وجل له أن يفعل ما شاء ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء ٢٣].
إذن قال: الله هو الرب، وهو الذي له الملك، وهذا الملك أيضًا شامل للأعيان والذوات وشامل للتصرف فيها، ومنه التصرف في الحكم؛ فالأحكام الشرعية لا تتلقى إلا من الله عز وجل، ويجب أن نؤمن ونطبق جميع أحكام الله سواء كان ذلك في العبادات أو في المعاملات أو الأحوال يجب أن نطبق الجميع.
فإن قال أحد من الناس: العبادة حق الله، فهي بيني وبينه، ولا أتجاوز ما شرع، والمعاملة حق الإنسان، له أن يتجاوز الشرع فيها، فأنا لي أن أعدل عن شريعة الله إلى حكم الطواغيت، يجوز ولَّا لا؟
* طلبة: لا يجوز.
* الشيخ: انتبه يا أخ! البيع والشراء (...) العبادة حق الله خاص ما أعرف أتصرف فيه، البيع والشراء لي أنا لمصلحتي، فأي من البيع والشراء يتفق مع المصلحة والكسب فلي أن أفعله؛ ربا، غش، مكر، كل شيء، ويش عليكم مني؟ هذا تصرف لنا.
* طلبة: المسجد لله بخلاف الشرع.
* الشيخ: المسجد لله، والوطن للشعب أو للجميع، ما عليكم منا، نقول: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ﴾ [فاطر ١٣] ليس لأحد مُلك؛ الملك لله عز وجل، يتصرف في هذا الملك كما يشاء حِلًّا وحُرمة وإيجابًا، ولا أحد يدخل في ذلك، والذي يقول هذا، ويعمل بالشرع في العبادات، ويُنكر الشرع في المعاملات نقول: إنه كافر، مرتد عن الإسلام، لا يجوز إقراراه على هذا الشيء؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا﴾ [النساء ١٥٠، ١٥١].
فالإيمان ببعض الرسل دون بعض كالإيمان ببعض الشريعة دون بعض؛ لأن الأول تجزئة في الرسل، وهذا تجزئة في المرسَل به، ولا فرق، فالذي يُؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه هو في الحقيقة كافر في الجميع؛ لأننا نقول: لو سلمت أنه من الله، وأنه شرعه ما كفرت به، فإذا كفرت به فهو كُفْر بالجميع، وشرع الله تعالى لا يتبعض.
ومن هنا نأخذ خطورة الأمر في كثير من بلدان المسلمين الذين يُحكِّمون فيما بينهم غير شريعة الله، ويرون أن هذه القوانين الوضعية الطاغوتية أفضل من شرْع الله، وأقْوم لمصالح عباد الله مما شرعه الله -نسأل الله العافية- وهذا بلا شك نقص في عقولهم وذهاب لأديانهم.
كيف يكون هذا الوضع الطاغوتي المحدَث المبني على العقل القاصِر أفضل وأنفع للعباد من شرع الله عز وجل الذي شرعه لعباده وهو أعلم بمصالحهم وأحكم لما يرشدهم؟ أي إنسان عنده عقل فضلًا عن أن يكون عنده إيمان لا يمكن أبدًا أن يدور في فكره أن هذه الأحكام الوضعية المخالفة لشرع الله خير لعباد الله من شرع الله إلا مخبلًا ومجنونًا والعياذ بالله، وما ذلك بغريب على بني آدم، فالذين كانوا يعبدون الأحجار في الجاهلية مثل هؤلاء في السفه، هؤلاء أيضًا عبدوا آراء غيرهم وقدموها على شريعة الله، والقول بأن الدين لله والوطن للخلق، صح؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: هذا خطأ ظاهر، يقال: الدين لله والبلاد لله ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [الأعراف ١٢٨] ما هي لك، الأرض لله، والشعب لله، والدين لله، وكل شيء فهو لله، وإذا كان لله فالواجب علينا أن نسير على هدي الله، والله الموفق (...).
(الواو) إما استئنافية ولَّا عاطفة من باب عطف الجمل بعضها على بعض.
﴿الَّذِينَ﴾ مبتدأ، وجملة ﴿مَا يَمْلِكُونَ﴾ [فاطر ١٣] خبره.
وقوله: ﴿الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ [فاطر ١٣] قال المؤلف: (تعبدون)؛ لأن الدعاء عبادة، والعابد لله عز وجل قد تتضمن عبادته الدعاء كالصلاة مثلًا فيها دعاء، وهي عبادة، وقد تكون دعاء بلسان الحال؛ لأن العابد ماذا يريد؟ الفوز بالجنة والنجاة من النار، فهو وإن لم يقل: أسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار فهو لا يريد إلا ذلك.
إذن فهو داعٍ بلسان الحال؛ ولهذا نقول: إن الدعاء عبادة قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ بعد قوله: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر ٦٠]، فدل هذا على أن الدعاء عبادة.
هنا يقول: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ [فاطر ١٣]، قال المؤلف: (يعبدون) يعبدون؛ إما بالعبادة فعل كالركوع للصنم، والسجود للصنم، والذبح له والنذر له وما أشبه ذلك، أو يدعونه دعاء مسألة لا دعاء عبادة فيأتون إلى الصنم وإلى القبر ويسألونه حاجاتهم ويستغيثون بهم.
فشمل قوله: ﴿تَدْعُونَ﴾ دعاء المسألة ودعاء العبادة.
وقلت: إن دعاء العبادة دعاء مسألة لكن بلسان الحال، كيف يدعون هؤلاء؟ أقول: يدعونهم، يدعون هذه الأصنام على وجهين: إما بدعاء مسألة، وإما بدعاء عبادة، ودعاء العبادة دعاء بلسان الحال.
قال: ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ (أي غيره وهم الأصنام)، الأصنام تارة يُعبِّر الله عنها بصيغة المؤنث، وتارة يعبر عنها بصيغة المذكر، هنا عبر عنها بصيغة المذكر العاقل ﴿الَّذِينَ تَدْعُونَ﴾ هذا للمذكر العاقل، وإنما وصف هذه مع أنها جماد ميتة للتنزل مع هؤلاء العابدين لها، وذِكرها على أكمل حال يعتقدونها فيها؛ يعني هي مع كمالها على زعمكم كونها من ذوات العقل لا تملك شيئًا.
قال: ﴿مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ﴾ [فاطر ١٣] ﴿مِنْ﴾ زائدة زائدة؛ ولهذا نقول: ﴿قِطْمِيرٍ﴾ مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد؛ أي: ما يملكون قطميرًا.
القطمير يقول: (لفافة النواة)، وسبق لنا أن في النواة ثلاثة أشياء يُضرب بها المثل في الحقارة: قِطْمير، ونَقِير، وفَتِيل، قال: ﴿مِنْ قِطْمِيرٍ﴾.
ويدل على هذا -أنهم لا يملكون شيئًا- قوله: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾ [فاطر ١٤] ﴿إِنْ﴾ هذه شرطية، وفعل الشرط ﴿تَدْعُوهُمْ﴾ وهو مجزوم بحذف النون، وجواب الشرط ﴿لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ﴾ وهو مجزوم أيضًا بحذف النون؛ يعني هذه الأصنام إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم، لو تدعون هذه الأصنام إلى يوم القيامة ما سمعوا؛ لأنها جماد.
قال الله عز وجل: ﴿وَلَوْ سَمِعُوا﴾ قال المؤلف: (فرضًا) ﴿مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ (ما أجابوكم)، يعني لو سمعت هذه الأصنام دعاءكم ما استجابت لكم؛ أي: ما أجابتكم، سواء قلتم: يا لات، يا عزى، يا منات، يا يعوق، يا يغوث، يا نسرًا، لو سمعت هذا الدعاء هل تجيبكم تقول: نعم، ماذا تريدون؟! لا، ولا تعطيكم المطلوب أيضًا، حتى لو سكتت ما (...)؛ ولهذا قال: ﴿مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ [فاطر ١٤] يشمل الاستجابة بالقول بأن تقول هذه الأصنام: ماذا تريدون؟ والاستجابة بالفعل وهي إيصال المطلوب إلى هؤلاء الطالبين، لا تستجيب لا هذا ولا هذا.
وقول المؤلف: ﴿اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ (أي: أجابوكم)، مثل قوله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ﴾ [آل عمران ١٩٥] أي: أجابهم، ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ [البقرة ١٨٦] أي: فليجيبوني، وأمثال هذا كثير.
فالاستجابة هنا بمعنى الإجابة؛ أي: أن هذه الأصنام لا تجيب.
﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [فاطر ١٤] شوف زد على ذلك ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر ١٤] (بإشراككم إياهم مع الله؛ أي يتبرؤون منكم ومن عبادتكم إياهم).
إذن انتفى عنها إجابة الدعاء، ومع ذلك ليتهم سلموا من شرها، يوم القيامة في هذا الموقف العظيم المشهور ﴿يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر ١٤] ويتبرؤون منكم، وهذا غاية ما يكون من الخذلان؛ لأن يوم القيامة الناس فيه أحوج ما يكونون إلى النصر والعزة، وهؤلاء الأصنام يوم القيامة تذلهم، كما قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ [العنكبوت ٢٥] يقوله من؟ إبراهيم: ﴿وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [العنكبوت ٢٥].
في هذه الآية دليل واضح أن هذه الأصنام لا تملك نفعًا لعابديها، هذي واحدة.
ثانيًا: وتزيد عابديها ذلًّا وخذلانًا في الموضع الذي يكونون فيه أحوج ما يكونون إلى العز والنصر ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر ١٤].
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: بيان قدرة الله عز وجل في إيلاج الليل بالنهار والعكس؛ وذلك لأن أحدًا من الخلق لا يستطيع أن يفعل ذلك مهما عظمت قوته.
* ويستفاد من الآية: بيان رحمته بعباده؛ لأن في هذا الإيلاج من المصالح والمنافع ما لا يحصل مع عدمه، وقد ضربنا لكم مثلًا فيما سبق في مَنْ؟
* طلبة: اللي على خط الاستواء.
* الشيخ: إي نعم، الذين على خط الاستواء الذين لا (...) عندهم النهار والليل، ماذا يكون عندهم من الأمراض والفتور في الأجسام وعدم النشاط؟
* ومن فوائدها أيضًا: نِعمة الله عز وجل بتسخيره الشمس والقمر لمصالح العباد ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ [فاطر ١٣].
* ومنها أيضًا: بيان هذه الآية العظيمة بل هاتين الآيتين العظيمتين من آياته؛ وهما الشمس والقمر، والليل أيضًا والنهار، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ [فصلت ٣٧]، وظهور الآيات فيهما واضح لما فيهما من تمام الحكمة والقُدرة والرحمة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الشمس والقمر يجريان أي يسيران، ففيها رد على أرباب الهيئة الجديدة الذين يدعون أن الشمس والقمر لا يجريان على الأرض، ولا يدوران عليها.
ونحن قلنا: إنه يجب علينا أن نتمسك بهذا الظاهر ما لم نجد دليلًا يقينيًّا يدل على أن هذا الظاهر غير مراد، وحينئذٍ لنا مساغ في مخالفة هذا الظاهر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن كل شيء مضبوط ومُحكَم ومُقَدَّر لأجل محدود، لا يزيد عليه ولا يتأخر؛ لقوله: ﴿لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [فاطر ١٣].
هذا الأجل الذي تسير عليه الشمس والقمر، يقول المؤلف: (إنه يوم القيامة)، ويمكن أنه نجعله أعم فنقول: يسيران إلى أجل مسمى حتى في الفلك، فمثلًا الشمس تنزل على مدار الجدي في أيام الشتاء، ثم تتنقل منه شيئًا فشيئًا إلى أن تصل إلى مدار السرطان، لا يمكن أن تتجاوز هذا ولا هذا؛ لأنها تسير إلى أجل معين كل يوم محدد، مكان الطلوع وزمان الطلوع، وهذا لا شك أنه سير إلى أجل مسمى.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن فاعل هذه الأشياء هو الله؛ لقوله: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾ [فاطر ١٣]، ولا يستطيع أحد أن يفعل ذلك ففيه إبطال لقول أهل الطبيعة الذين يقولون: إن اختلاف الليل والنهار والشمس والقمر كان بمقتضى الطبيعة؛ طبيعة الأفلاك.
فيرد عليهم بقوله تعالى: ﴿ذَلِكُمُ﴾ أي: الفاعل لهذا ﴿اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: عموم ملك الله لكل شيء؛ لقوله: ﴿الْمُلْكُ﴾ [فاطر ١٣] و(أل) هنا للعموم، وضابط (أل) التي للعموم أن يحل محلها (كل)، فإذا صح أن يحل محلها (كل) فهي للعموم، ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر ٢] اجعل بدل (أل)؟
* طالب: إن كل إنسان لفي خسر.
* الشيخ: إن كل إنسان لفي خسر، ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء ٢٨] اجعل بدلها (كل)، خُلِق كل إنسان ضعيفًا، فإذا كانت (أل) يحل محلها (كل) فهي للعموم.
وهنا ﴿لَهُ الْمُلْكُ﴾ [فاطر ١٣] هل يصح أن يحل محلها (كل)؟ نعم، نقول: له كل ملك.
* ومن فوائدها أيضًا: اختصاص الله تعالى بالملك؛ لقوله: ﴿لَهُ الْمُلْكُ﴾ [فاطر ١٣]، حيث قدَّم الخبر وحقه التأخير.
وقد ذكرنا في أثناء التفسير الجمع بين هذه الآية وبين إثبات الملك لغير الله، وبينا أنه لا تعارض بينهما؛ لأن الملك الذي لله له شأن والملك الذي للآدميين له شأن آخر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما يُدْعَى من دون الله لا يجلب خيرًا لداعيه بأي وجه من الوجوه؛ لأن الله نفى عنه كل طريق يمكن أن يصل به الخير أو يندفع به الضرر، قال: ﴿لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ [فاطر ١٤]، هذا في انتفاء الخير، وعدم إزالة الضرر والشر، زد على ذلك أنه يوم القيامة يكفرون بشرك هؤلاء، وهذا ضرر أعظم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: النداء الواضح على سفه هؤلاء المشركين، وجهه أنهم يدعون من لا يصلح دعاؤه، يدعون ما لو سمع دعاءهم على الفرض والتقدير لن يستجيب له، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأحقاف ٥] ﴿مَنْ أَضَلُّ﴾ يعني لا أحد أضل.
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة ١٣٠]، وما ملة إبراهيم؟ استمع إليها ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل ١٢٣] هذه ملة إبراهيم: التوحيد وعدم الشِّرْك، هؤلاء سفهاء، يدعون ما لا يستجيب، ولا ينفع بل يضر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من تعلَّق بغير الله خاب أمله، كيف ذلك؟ لأن هذه الأصنام لا تنفعهم في الدنيا، ولا تنفعهم يوم القيامة.
إذن: خاب أملهم ولَّا لا؟ خاب أملهم.
هم يقولون: إننا نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ولكن ما قربوهم، ما زادتهم إلا بُعدًا فأملهم قد خاب والعياذ بالله، وخسروا الدنيا والآخرة.
قوله: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر ١٤] ما نوع هذا الكفر؟ التبرؤ.
* فيستفاد منه: أن هذه الأصنام المعبودة تتبرأ من عابديها يوم القيامة، نعم، بل إن الله عز وجل يجمع الأصنام وعابديها ويلقيهم في جهنم ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (٩٨) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا﴾ [الأنبياء ٩٨، ٩٩]، ولكنها ليست آلهة، ما تنفع.
فإن قلت: قد يُبتلى داعي هذه الأصنام فتستجيب له ظاهرًا؛ بمعنى أن يدعو الصنم أن يشفيه من المرض الفلاني فيُشفى، أو أن يجلب له الخير الفلاني فيجلبه، فما هو الجواب؟
* طالب: أن هذه قد حصلت عند دعاء الأصنام.
* الشيخ: يعني الدعاء ما أفاد لكن الله عز وجل جعل هذا الشيء يقع عند دعائه امتحانًا لهؤلاء العابدين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات البعث؛ لقوله: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر ١٤].
* ومنها: إثبات ربوبية الله سبحانه وتعالى: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾ [فاطر ١٣].
* ومنها أيضًا: إثبات عِلْم الله وإحاطته بكل شيء؛ لقوله: ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر ١٤].
هل نأخذ منها الرد على الجبرية؟ نعم، مِنْ قوله: ﴿إِنْ تَدْعُوهُمْ﴾ [فاطر ١٤].
وهل نأخذ منها أن هذه الأصنام من العقلاء؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لكن ذكرت على سبيل التنزل وعلى ذكرها بأكمل أوصافها عندهم وهو العقل.
{"ayahs_start":13,"ayahs":["یُولِجُ ٱلَّیۡلَ فِی ٱلنَّهَارِ وَیُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِی ٱلَّیۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلࣱّ یَجۡرِی لِأَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۚ ذَ ٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۚ وَٱلَّذِینَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا یَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِیرٍ","إِن تَدۡعُوهُمۡ لَا یَسۡمَعُوا۟ دُعَاۤءَكُمۡ وَلَوۡ سَمِعُوا۟ مَا ٱسۡتَجَابُوا۟ لَكُمۡۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یَكۡفُرُونَ بِشِرۡكِكُمۡۚ وَلَا یُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِیرࣲ"],"ayah":"یُولِجُ ٱلَّیۡلَ فِی ٱلنَّهَارِ وَیُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِی ٱلَّیۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلࣱّ یَجۡرِی لِأَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۚ ذَ ٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۚ وَٱلَّذِینَ تَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مَا یَمۡلِكُونَ مِن قِطۡمِیرٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق