الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [فاطر ١١] لما بيَّن سبحانه وتعالى ما سبَق من الآيات الدالة على قدرته من إرسال الرياح، وإثارة السحاب، وسَوْقه إلى الأرض الميِّت، وإحياء الأرض بعد موتها، وأن الأعمال تُرْفَع إلى الله عز وجل، وكذلك الأقوال؛ الأعمال من أقوال وأفعال ترفع إلى الله، قال هنا: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ هذا باعتبار الأصل الذي هو آدم؛ ولهذا قال: (بخلق أبيكم آدمَ منه) فإن الله تعالى خلقه من تراب، وهذه الآية كما تَرَوْن فيها أن الله خلقه من تراب، وفي آية أخرى أنه خلقه من طين، وفي آية ثالثة أنه خلقه من صَلْصالٍ كالفخَّار، وفي آية رابعة من حمأٍ مسنون، فما هو الجواب عن هذا التغير؟
الجواب أن هذا تغيُّر أوصاف، وليس تغير ذوات، وحينئذ فلا تناقض؛ إذ يجوز أن تتعدد أوصاف على موصوف واحد؛ قال الله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾ [الأعلى ١ - ٤] مع أنَّه واحد، الحاصل أنه هنا أنْ يقال في هذا التغير تغير أوصاف، لا تَغَيُّرَ ذواتٍ وأعيان، فالعين واحدة، لكن أولها التراب فإذا أضيف إليها الماء صارت طينًا، فإذا أبطأ وأخذ مدة صار حمأ مسنونًا متغيِّرًا؛ يعني الطين إذا حطَّ فيه الماء تجده يَسْوَدُّ، ويكون له رائحةٌ، والرابع من صلصالٍ كالفخَّار هذا بعد أن كان حمأ مسنونًا يَبِسَ وصار صلصالًا كالفخَّار، ثم نفخ الله فيه الروح، فيكون هذا التغيُّر أيش؟ تغيرَ أوصاف، والأصل فيه التراب.
قال: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ [فاطر ١١] ﴿ثُمَّ﴾ أتى بـ(ثم) الدالة على التراخي والترتيب؛ لأن (ثم) تدل على التراخي والترتيب، والفاء تدل على الترتيب بدون تراخٍ. هنا قال: ﴿ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾؛ لأنه لما خلق آدم -سبحانه وتعالى- وخلق ذريته تناسَل هؤلاء الذرية بواسطة هذا الماء الذي هو النطفة، والنطفة هو الماء القليل.
قال: ﴿ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ أي: مَنِّيٍّ يدفق، عندكم (بخلق)؟ (بخلق ذريته منها) أي: من هذه النطفة، والغريب أن هذه النطفة القليلة يذكر علماء الطب أنها تشتمل على ملايين من الحيوانات المنوية، وهذه (...) يزعمون أنها ملايين -وهم أعلم منا بذلك- يعني: لا يصلُح منها إلا واحد في الغالب، أو اثنان، أو ثلاثة، أو أربعة، هذا (...) ما سمعت، أنه يلج في المرأة أربعة آلاف يبقى فيهم واحد، والله على كل شيء قدير، قد يزيد، ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ [فاطر ١].
يقول: (﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾ ذكورًا وإناثًا)، قوله: ﴿أَزْوَاجًا﴾ فسر المؤلف هنا الأزواج بالذكورية والإناث نعم بقرينة قوله: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾ [فاطر ١١] انتبهوا، فالأزواج هنا باعتبار الجنسين الذكر والأنثى، ويؤيد تخصيصَ الأزواج هنا بالذكورة والأنوثة قولُه: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى﴾.
أما إذا نظرنا إلى لفظ أزواج فإن الأزواج معناها الأصناف، والأصناف أعم من الذكورة والأنوثة؛ فإنه يشمل الشقيَّ والسعيد، والأسود والأبيض، والطويل والقصير، وغير ذلك، لكن الذي جعل المؤلف يحمِلُ الكلامَ على الذكورة والأنوثة فقط؛ لقوله: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾، فالله عز وجل بقدرته وحكمته جعل هذه الذرية التي خرجت من هذا الرجل الواحد جعلهم ذكورًا وإناثًا لبقاء النسل؛ لأنه لا يمكن بقاءُ النَّسْل إلا بهذا، وإن كان الله سبحانه وتعالى قادرًا على أن يُبْقِيَ النسل بدون ذلك، فإنه يُقال: إن البشرية منها ما خُلِقَ بلا أم ولا أب، ومنها ما خلق من أب بلا أم، ومنها ما خلق من أم بلا أب، ومنها ما خلق بين أبوين؛ فالذي خلق بلا أم ولا أب؟
* طلبة: آدم.
* الشيخ: ومن أب بلا أم؟
* طلبة: حواء.
* الشيخ: حواء، ومن أم بلا أب؟
* طلبة: عيسى.
* الشيخ: وسائر الناس؟
* طلبة: بين أبوين.
* الشيخ: بين أبوين من ذكر وأنثى.
يقول عز وجل: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾ ( ما ) هذه (...) والثاني؟
* طالب: متعدٍّ.
* الشيخ: (...) ولَّا المتعدي؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) اللازم أو المتعدي؟
* الطالب: الأول من اللازم.
* الشيخ: من اللازم.
* الطالب: والثاني من المتعدي.
* الشيخ: والثاني من المتعدي، صح؟
* طالب: صح.
* الشيخ: (...) حرف جر زائد، ﴿أُنْثَى﴾ فاعل ﴿تَحْمِلُ﴾ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، كذا؟ ﴿أُنْثَى﴾ فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر؟
* طالب: اشتغال المحل.
* الشيخ: ما فيه اشتغال، (...).
* طالب: التعذر.
* الشيخ: طيب التعذر، لكنه واقع من حيث اللفظ، مجرور لفظًا.
﴿أُنْثَى وَلَا تَضَعُ﴾ أي الأنثى، (﴿إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾ حال أي: معلومة له)، شوف ﴿مَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى﴾ أي أنثى تحمل؟ من بني آدم، ولَّا منهم ومن غيرهم؟ منهم ومن غيرهم، ما (...) ﴿وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾ [الأنعام ٥٩]، فالله عز وجل يعلم ما تحمل كل أنثى، في ابتداء الحمل، وتطور الحمل، ومآل الحمل، وكل ما يتعلَّق به، ﴿وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾، فأول ما ينشأ الحمل في الرحم معلوم عند الله، وإذا وضعت فهو معلومٌ عند الله عز وجل.
وقول المؤلف: (حال) ويش معنى حال؟ يعني: أن الجار والمجرور في موضع نصب على الحال (...) ﴿إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾ قال: إلا (معلومة له)، ويمكن أن نقول: إنه لا حاجة إلى هذا التأويل، بل نقول: إن الباء هنا للمصاحبة والمقارنة، أي: لا يحصل الحمل ولا الوضع إلا (...) بعلم الله عز وجل، و(...) إلى ذلك أيضًا أنه بعلمه وإرادته، (...) في الفوائد أنَّ فيها دليلًا على أنَّ مَن أثبت العلم لزم أن يثبت الإرادة؛ ولهذا قال أهل السنة بالنسبة للقَدَرِيَّة قالوا: ناظروهم بالعلم؛ قال الشافعي وغيره: ناظروهم بالعلم؛ فإن أنكروه كفروا، وإن أقروا خصموا، إن قالوا: إن الله ما يعلم (...)، وإن قالوا: يعلم، خصموا؛ لأنه إذا علم ذلك فإما أن يقع الشيء على خلاف معلومه أو على وفاقه؛ فإن كان على وفاقه فبإرادته، وإن كان على خلافه (...).
* طالب: (...).
* الشيخ: هو (...) المكر.
* الطالب: (...) ولا اسم ولا..؟
* الشيخ: أي هو اسم، مثل هو قائم (...) هو قائم، (...)، والجملة خبرُه، لكن (...) التوكيد، يعني لما قال: ﴿وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ [فاطر ١٠] كأنه قال: مكر أولئك مكر أولئك يبور (...).
﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ [فاطر ١١] ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ﴾ (ما) هذه نافية أيضًا بدليل قوله: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾، ودليل آخر: رفع الفعل (...).
(﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ﴾ أي ما يُزاد في عُمرِ طويلِ العمر) ﴿وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ أي: ذلك المعمر، أو معمر آخر ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾.
قوله: ﴿يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ﴾ معنى التعمير: الزيادة في العمر؛ المعنى: لا يُزادُ في عمر أحد، ولا يُنقَص في عمره إلا في كتاب.
(...) وقوله: ﴿مِنْ مُعَمَّرٍ﴾ ﴿مِنْ﴾ هذه زائدة داخلة على نائب الفاعل، فنقول في ﴿مُعَمَّرٍ﴾: نائب فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره، (...) حركة حرف الجر الزائد.
وقوله: ﴿وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ هنا يقول: ﴿مِنْ عُمُرِهِ﴾ قال المؤلف: (أي: ذلك المُعمَّر، أو مُعَمَّر آخر) أما كون الضمير في قوله: ﴿مِنْ عُمُرِهِ﴾ يعود على معمر آخر، فهذا لا إشكالَ فيه؛ لأنَّه يكون معمرًا، فيكون الثاني ناقصًا، لكن الإشكال إذا قلنا: إن الضمير يعود على نفس المعمر، فكيف يكون مُعمَّرًا وهو في نفس الوقت منقوص من عُمُرِه؟ ﴿مَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ هذا محل إشكال فيما يظهر ولَّا لا؟ (...).
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: طيب ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ﴾ (...) ﴿وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ إذا قلنا: الضمير يعود على ذلك المعمر صار يعود على أيش؟ على (...) فيكون (...) معمرًا منقوصًا من عُمُرِه.
إذا قلنا: إنه عائد على معمر آخر ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ أي: مِن عُمرِ مُعَمَّر آخر، لا (...) الأول صار النقص يعود على شخص آخر، فعندنا زيد مُعَمَّر وعمرو منقوص من عمره، وهذا لا إشكال فيه، لكن في الإشكال الأول اختلف المفسرون في توجيهه؛ فقال بعضهم: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ [فاطر ١١] إن النقص هنا في مقابل الزيادة؛ لأن الإنسان كلما تقدم يومًا في الدنيا نقص عمره باعتبار آخر عمره؛ مثلًا الذي له عشر سنوات إذا صار له أحد عشر إذا قُدِّرَ أنه سيموت في عشرين سنة نقص ولَّا لا؟ كلما زاد من وجه نقص من وجه آخر؛ فالمعنى: أنه يُكتَب نقصُه كما تكتب زيادته فيقال مثلًا: يحسب مثلًا فلان بلغ من العمر عشر سنين، ونقص من عمره -يعني: من آخر عمره- عشر سنين، بلغ أحد عشر فنقص من عمره إحدى عشرة، فبقي تسع وهكذا، وإلى هذا ذهب بعض التابعين.
ولكن آخرين من أهل العلم من المفسرين قالوا: أن هذا فيما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: «مَن أَحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رِزْقِه ويُنْسَأَ لَه في أَثَرِه فَليَصِلْ رَحِمَه»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٠٦٧)، ومسلم (٢٥٥٧ / ٢٠) من حديث أنس بن مالك.]] (...) أن الإنسان ينقُص عمره ويزاد بحسب صلة الرحم، ثم يُنْقَص من عمره إذا لم يصل رحمه، ولا يُزادُ في عمره إذا وصَلَه، والمعنى على هذا التفصيل أن زيادة العلم أو نقصه مكتوب عند الله عز وجل، مكتوب فمن قُدِّر له أن عمره يطول بصلة الرحم فسوف يُقَّدر له أن يصل رحمه، ومن قُدِّر له أن ينقص عمره في قطيعة الرحم فسوف يكون قاطعًا لرحمه؛ لأن المسببات مربوطة بأسبابها، معلومة عند الله أفهمتم؟ وهذا يزيل عنا الإشكال الذي أورده بعض العلماء في هذا الحديث، وحاولوا أن يفسروا زيادة العمر بالبركة في عمر الإنسان؛ لأن الله إذا أنزل بركة في العمر وإن كان قصيرًا صار أحسن أو صار خيرًا من عمرٍ طويلٍ بلا بَرَكَة، ولكن تقدم لنا أن هذا لا يخرجهم من الإشكال؛ لأن البركة أيضًا مكتوبة أو غير مكتوبة؟
* طالب: مكتوبة.
* الشيخ: مكتوبة، وكذلك نزعها مكتوب، فلا يخرِجُنا ذلك من الإشكال، لا يخرِجُنا من الإشكال إلا أن نقول: إنَّ عمر الإنسان المطول بسبب صلة الرحم قد كُتِبَ، وقد كُتِبَ أن يصل رحمه، إذن ما الفائدة من قول الرسول: «مَن أَحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رِزْقِه ويُنْسَأَ لَه في أَثَرِه»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٠٦٧)، ومسلم (٢٥٥٧ / ٢٠) من حديث أنس بن مالك.]]؟
الجواب أن الفائدة من ذلك هو الحثُّ على صلة الرحم؛ كما أننا نقول: مَنْ أحبَّ أن يدخل الجنة فليعمل عملًا صالحًا، لا يقول قائل: إذا كانت الجنة المكتوبة، فكيف (...) يعمل؟ وكيف إذا عمل كُتِبَت له الجنة؟ نقول: هي مكتوبة من قبل (...)، لكن قد كتبت له الجنة، وكتب أن يَعمَل لها عملها، وعلى هذا كلنا بحسب تقديرات الله عزَّ وجل فإنه لا ينقص هذا في العمر، الإشكال وارد على الجميع، ولكنَّ الجواب عنه يسير وهو يقال: إن هذا مكتوب نتيجة لهذا السبب، وهو معلوم عند الله، أما عندنا فليس بمعلوم.
طيب، إذن يكون أحسن الاحتمالات (...) الآية أن المراد ﴿مِنْ عُمُرِهِ﴾ أي: من مُعَمَّر، وما الإنسان قد يزاد في عمره لسبب من الأسباب، وقد يُنقَص من عمره لسبب آخر.
قال: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ ﴿كِتَابٍ﴾ فِعال بمعنى مفعول؛ كفراش بمعنى مفروش، وغراس بمعنى مغروس، وبناء بمعنى مبني، فكتاب بمعنى مكتوب، فما هو هذا الكتاب؟ قال المؤلف رحمه الله: (هو اللوح المحفوظ) اللوح المحفوظ (...)؛ محفوظ من عدة أوجه: محفوظ أن يناله أحد، لأنه خاصٌّ بتقدير الله عز وجل، محفوظ من أن يُغَيَّر أو يبدل؛ ولهذا ما كُتِبَ في اللوح المحفوظ فإنه سيكون كما قال الله تعالى للقلم: «اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِن إلى يَوْمِ القِيَامَة»[[أخرجه الترمذي (٢١٥٥)، وأبو داود (٤٧٠٠) من حديث عبادة بن الصامت.]]، وكذلك أيضًا محفوظ عن الخلل؛ بحيث لا (...) يكتب فيه، ولا يتخلف ما كتب فيه؛ يعني لا يقع فيه السهو فهو (...) من كل وجه.
(﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ هين) ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ المشار إليه: كل ما سبق؛ الزيادة في العمر، والنقص، والكتاب، كله يسير على الله، أي: هين عليه، وإن كان عند المخلوقين صعبًا وعسيرًا، لكنه عند الله سهل ويسير؛ لأن الله عز وجل إذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ﴾ [فاطر ١٢] ﴿مَا يَسْتَوِي﴾ ﴿مَا﴾ نافية، و﴿يَسْتَوِي﴾ بمعنى يتساوى ويتماثل، ﴿الْبَحْرَانِ﴾ وهذا مُجْمَل، والبحر هو الماء الكثير، فكلُّ ماء كثير يسمى بحرًا، البحران هنا مجمل فسَّره عز وجل بقوله: ﴿هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ ﴿هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ﴾ العذب معناه: الحُلو المستساغ شربُه، والفرات يقول المؤلف في تفسيره: (شديدُ العُذوبة ﴿سَائِغٌ شَرَابُهُ﴾ أي: شربه) ﴿سَائِغٌ﴾ معناه: سهل ومُيَسَّر؛ لأنه حلو عذب، وليس فيه ما يُكَدِّره بوساخة، أو حرارة زائدة، أو برودة زائدة، المهم أنه عذب فرات سائغ شرابه.
الثاني: (﴿وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ شديدُ الملوحة) ﴿مِلْحٌ﴾ شديد الملوحة، هل يستويان؟
* طلبة: لا يستويان.
* الشيخ: لا، وهل هذا يُراد به الحقيقة، أو هو مَثَلٌ ضَرَبه الله تعالى للمؤمن والكافر؟ قيل: إنه يُرادُ به الحقيقة بدليل قوله: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾، وقيل: إنه يراد به مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر، فالمؤمن بمنزلةِ العَذْب الفرات، والكافرُ بمنزلة المِلحُ الأجاج، ولكن لدينا قاعدة في الكلام أنَّه إذا دار الأمر بين أن يكون حقيقة أو غير حقيقة وجب أن يُحْمَل على الحقيقة، فهو إذن حقيقة، ويُؤيِّدُه أيضًا قوله: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾، فإن مثل هذا الترشيح يدل على أنه حقيقة، وليس بمجاز، على أننا نقول: إنه لا مجازَ في القرآن، ولا في غيره، كما مر علينا كثيرًا، ولكن مع هذا لا بأس أن (...) مِن نفيِ اتصالٍ بين هذين البحرين، ونفي اتصال بين كل شيئين متغايرين؛ يعني: لا مانع مِن أن ينتقل الذهن من انتفاء التساوي بين هذين المحسوسين إلى انتفاء التساوي بين الأمور المعقولة (...).
قال: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ ﴿وَمِنْ كُلٍّ﴾ تتعلق بقوله: ﴿تَأْكُلُونَ﴾.
(﴿لَحْمًا طَرِيًّا﴾ هو السمك) الطري معناه الذي لم يتغير بنتن، وهذه من خصائص السمك أنه لو مات فإنه طري كما قال الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ [المائدة ٩٦]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «صيده ما أكل حيًّا، وطعامه ما أكل ميتًا»[[أخرجه الدار قطني في سننه (٤٧٢٨)، وابن منصور في تفسيره (٨٣٣) من حديث ابن عباس.]].
* ثانيًا: مِن فوائِد هذين الوصفين: (﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ﴾ من الملح، وقيل: منهما ﴿حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ وهي اللؤلؤ والمرجان) كما قال تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن ٢٢]، وقد اختلف الناس: هل هذا لا يخرج إلا من المالح، أو يخرج من المالح والعذب؟ فأكثرُ المفسرين على أنه لا يخرج إلا من المالح، وحملوا قوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن ٢٢] على أنَّ المراد من مجموعهما، لا من جمعهما، فهنا إذا قلنا: عندنا بحران عذب ومالح يخرج منهما لؤلؤ ومرجان، منهما أي: من المجموع، لا من الجميع بحيث يعني كل واحد، ولكن الصحيح أنه يخرج من الجميع؛ لأن هذا ظاهر القرآن، والله سبحانه وتعالى أعلم بما خلق، كونه يخرج منهما وقد ثبت الآن أنه يخرج اللؤلؤ والمرجان من هذا ومن هذا، ولهذا قال المؤلف: (وقيل: منهما).
﴿حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ وذكر اللبس؛ لأنه غاية ما ينتفع به في هذه الحلية، وإلا من المعلوم أن من يستخرج هذه الحلية يتخذها تجارة، وتجارة اللؤلؤ والمرجان فيما سبق وإلى الآن لم تزل تجارة قوية، لكن هؤلاء التجار الذين يتجرون به ويش الغرض من ذلك؟ اللبس؛ لأن الذي يشتريها منهم يريد بها اللبس، فإن أراد بها التكسب فسيبيعها على مَن؟
* طلبة: يلبسها.
* الشيخ: يلبسها، فذكر الله في هذين البحرين منفعتين: منفعة ظاهرة، ومنفعة باطنة؛ كسوة للبدن في باطنه، وكسوة للبدن في ظاهره؛ كسوة البدن في الباطن؟ أكل اللحم، فإنما أكل اللحم كسوة للبدن في باطنه؛ ولهذا قال لآدم: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى﴾ [طه ١١٨]، ولم يقل: ولا تظمأ، بل قال:﴿وَلَا تَعْرَى﴾؛ لأن الجوع عُرْيُ الباطن، والعُري عُري الظاهر.
ثم نقول: ذكر الله لباسين: اللباس الباطن بأكل اللحم، واللباس الظاهر بهذه الحلية.
﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ﴾ ﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ﴾، (﴿﴿وَتَرَى﴾ ﴾ تبصر ﴿الْفُلْكَ﴾ السفن ﴿فِيهِ﴾ في كل منهما ﴿مَوَاخِرَ﴾ ).
قال: ﴿وَتَرَى﴾ أي: (تُبصِر) الخطاب لمن؟ لكل مَنْ يتوجه إليه الخطاب، والرؤية هنا بصرية، رؤية بصرية فإن من يشاهد البواخر في البحار تمخَر الماء أي تشقه.
وقوله: ﴿فِيهِ مَوَاخِرَ﴾ قال المؤلف: (في كل منهما) أشار المؤلف رحمه الله أن الإشكال (...)؛ لأنه هنا يقول: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ﴾، ثم قال: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ﴾، ومقتضى السياق أن يكون التعبيرُ هكذا: وترى الفلك فيهما. ولكن الضمير هنا لا يعود على البحرين، وإنما يعود على ﴿كُلٍّ﴾، و(كل) كلمة لفظها مفرد، فعاد الضمير في هذه الآية على ﴿كُلٍّ﴾ باعتبار أيش؟ باعتبار اللفظ؛ لأنه مفرد، ومن هنا قال المؤلف: (في كل منهما) فزال الإشكال.
وقوله: ﴿مَوَاخِرَ﴾ قال: (تمخَر الماء، أي: تشقه بجريها فيه مقبلة ومدبرة بريح واحدة) وهذا من نعمة الله عز وجل أنْ سخَّر الفلك لنا تجري على هذا الماء، وتمخَر عُباب الماء حاملة أنواع الأرزاق، وحاملة البَشَر الكثير؛ ولذلك ترون الفلك الآن تعتبر بلدًا كاملًا إذا دخلتها وإذا هي كالبلد، هذا من نعمة الله سبحانه وتعالى، فذكر هنا ثلاث نِعَمٍ: الأولى: أكل اللحم، والثاني: الحلية، والثالث: البواخر التي تعبُر أو تشق الماء من ناحية إلى أخرى؛ لتنقل الأرزاق والآدميين.
وتأملْ قوله هنا: ﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً﴾ و﴿تَأْكُلُونَ﴾ ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ﴾؛ لأن السمك أكله هين ما يحتاج إلى كلفة، فذكر الأكل مباشرة، اللؤلؤ والمرجان يحتاج إلى كلفة وإلى تعب؛ لأنه يحتاج إلى غَوْصٍ وآلات وطول نفس أو حمل أشياء تعين على التنفس؛ ولهذا قال أيش؟ ﴿تَسْتَخْرِجُونَ﴾ أي: تطلبون حلية، الفلك قال: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ﴾؛ لأن مشاهدتها بالعين وهي تَعُبُّ تشق الماء من أعظم يعني (...) من أعظم آيات الله عز وجل.
قال تعالى: ﴿لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ (﴿لِتَبْتَغُوا﴾ تطلبوا ﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾ تعالى بالتجارة ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ الله على ذلك) يعني: سخَّر الفلك وجعلها مواخر في هذا البحر؛ لأمرين: أولًا ﴿لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي: تطلبوا الرزق حين تحمله هذه البواخر، (...) مثلًا الأرزاق من أمريكا ومن اليابان، (...) الأخرى البعيدة إلا بواسطة هذه البواخر التي تحمل الأشياء الكثيرة، هذا مِنْ فضل الله عز وجل (...) ﴿لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾.
أما قوله: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ فإن (لعل) هنا لا ندري معناها حتى نستعرضَ المعاني التي تأتي لها (لعل)؛ (لعل) تأتي للترجِّي، وتأتي للتوقع، وتأتي للإشفاق، وتأتي للتعليل، فلأيِّ المعاني كانت في هذه الآية؟
* طلبة: التعليل.
* الشيخ: التعليل، يعني: لأجل أن تشكروا الله عز وجل، إذا رأيتم هذه البواخر تمخَر الماء، وتأتي بالأرزاق من ناحية إلى ناحية، فإن هذا يستوجِبُ أن تشكروا الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، والشكر قال العلماء في تفسيره: هو القيام بطاعة المنعم اعترافًا بالقلب، وتحدُّثًا باللسان، وطاعة بالأركان، فمواضعه ثلاثة: القلب واللسان والجوارح؛ ولهذا قال الشاعر؟
* طالب:
؎أَفَادَتْـــكُـــــمُ النَّعْـــــمَاءُ مِنِّيثَلَاثَةً ∗∗∗ يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَالْمُحَجَّبَا
* الشيخ:
؎أَفَادَتْـــكُـــــمُ النَّعْــــــمَاءُ مِنِّيثَلَاثَةً ∗∗∗ يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَالْمُحَجَّبَا
فهذا الشكرُ يكون في هذه المواضع الثلاثة، والحمد يكونُ باللسانِ، فمتعلَّق الشُّكْرِ أعمُّ وسببه أخص، ومتعلَّق الحمد أخصُّ وسببه أعم؛ لأن الحمد يكون في مقابلة النعمة، ويكون في مقابلة كمال المحمود، فهو أعم من حيث المتعلق، بخلاف الشكر فإنه أخص يعني هو (...)، الشكر أعم في المتعلق وأخص في السبب، والحمد بالعكس.
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [فاطر ١١] إلى آخره.
* في هذه الآية الكريمة: بيانُ قدرة الله سبحانه وتعالى في ابتداء خلق بني آدم؛ بأن خلقهم من تراب، ثم من نطفة، إلى آخره.
* ومِن فوائدِها أيضًا: أن الله بحكمته ورحمته جعل بني آدم أزواجًا ذكرًا وأنثى؛ وذلك لبقاء النسل وحصول المتعة.
* ومِن فوائدِها: إحاطةُ علمِ الله بكل شيء؛ لقوله: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾ [فاطر ١١].
* ومِن فوائدِها: إثباتُ القدرة لله عز وجل، من قوله: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾؛ لأن الخلق لا يكون إلا بعد علم وقدرة.
* ومن فوائِدِها أيضًا: أن الأعمارَ الطويل منها والقصير كله مكتوب عند الله عز وجل في كتاب.
* ومن فوائدِها: إثبات مرتبتين من مراتب القدر؛ وهما: العلم والكتابة.
* ومن فوائدِها أيضًا: سهولة هذا الشيء على الله سبحانه وتعالى وهو الخلق والكتابة؛ لقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾، فيها المرتبة الثالثة من مراتب القدر، وهي الخلق، إذن فيه ثلاث مراتب: العلم، والكتابة، والخلق، ويش بعدها؟ المشيئة، (...) المشيئة، يمكن نأخذها من الآية؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: كيف ذلك؟
* الطالب: يخلق ما يشاء.
* الشيخ: (...) ﴿مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ﴾ [فاطر ١١] وهذا لا يكون إلا بالمشيئة؛ لأن الله لم (...) هذه، فتكون (...) الآية إثبات مراتب القدر الأربعة العلم ثم الكتابة ثم المشيئة ثم الخلق وقد جمعت هذه المراتب الأربع في بيت (...).
* طالب:
؎عِلْمٌ كِتابَةُ مَوْلَانَا مَشِيئَتُهُ ∗∗∗ وَخَلْقُهُ وَهْوَ إِيجَادٌ وَتَكْوِينُ
* الشيخ:
؎عِلْمٌ كِتابَةُ مَوْلَانَا مَشِيئَتُهُ ∗∗∗ وَخَلْقُهُ وَهْوَ إِيجَادٌ وَتَكْوِينُ
هذه مراتب القدر الأربعة.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ﴾ إلى آخره [فاطر: ١٢].
* في هذه الآية من الفوائد:
* أوَّلًا: أن الأشياء المختلطة لا يمكن أن تكون متساوية؛ لقوله: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ﴾ إلى آخره، يتفرع من هذه الفائدة أنه لا يمكن التسوية بين الرجل والمرأة في الحقوق ولا في غيرها، نعم، لماذا؟ لأن تكوين خلقة المرأة مختلف عن تكوين خلقة الرجل، ولهذا جعل الله (...) أعمالًا تليق بها، وللرجل أعمالًا تليق به؛ فقد سألت عائشة النبي عليه الصلاة والسلام: هل على النساء جهاد قال: «عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لا قِتَالَ فيه: الحَجّ والعُمْرَة»[[أخرجه البخاري (١٥٢٠)، وابن ماجه (٢٩٠١) واللفظ له من حديث عائشة.]]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «لن يُفْلِح قومٌ ولَّوْا أَمْرَهُم امْرَأَة»[[أخرجه البخاري (٤٤٢٥) من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث.]]، ومنع النبيُّ ﷺ من تزويج المرأة نفسها[[أخرجه أبو داود (٢٠٨٣)، والترمذي (١١٠٢)، وابن ماجه (١٨٧٩) من حديث عائشة.]]، إلى آخر ما تعرفون من الفروق بين الرجل وبين المرأة، وفي الميراث جعل للمرأة نصف الرجل إذا كان من جنسها كالإخوة والأعمام والأخوال.
* طلبة: لا (...).
* الشيخ: كالإخوة، طيب والأعمام؟
* طالب: (...).
* الشيخ: الإخوة (...) والأعمام؟
* طالب: لا يرثون.
* طالب آخر: (...).
* الشيخ: لأن العمة لا ترث، العمة لا ترث؛ يعني: لو هلك هالك عن عمه وعمته ما ورثت العمة، (...)، إي نعم، طيب نكمل الفوائد، (...).
* طالب: كيف يكونون من بحر واحد، ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ﴾ [فاطر ١٢] (...)؟
* الشيخ: (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) ظاهر القرآن، ظاهر القرآن من هذا ومن هذا، أما مسألة السمك فهما جميعًا ما فيه إشكال ولا أحد يقول: من واحد، لكن اللي فيه إشكال هو مسألة اللؤلؤ والمرجان؛ هل يخرج من واحد أو لا؟ وسيأتينا إن شاء الله في الفوائد، كذلك أيضًا أنه ليس المراد اللؤلؤ والمرجان فقط، قد يتحلى الناس مما يخرج من البحر من غير هذين النوعين.
(...) إخوة يوسف أعقل من أن يوجِّهوا خطابًا لأبيهم يريدون أن يذهب إلى الجدران يسأل، لكن ﴿إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ [العنكبوت ٣١] المراد بالقرية: المساكن ولَّا لا؟ مساكن القوم؛ بدليل قوله: ﴿أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾، فأنت ترى الآن أنَّ هذه الكلمة صارت في موضع لها معنى لا تحتمل المعنى الآخر في الموضع الآخر، فالسياقُ له دور كبير في معرفة المراد بالكلام.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: بيانُ قدرة الله سبحانه وتعالى؛ حيث جعل من هذا الماء هذين الصنفين المتباعدين هما بحران من الماء أحدهما ﴿عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ﴾ [فاطر ١٢]، والثاني: ﴿مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ [فاطر ١٢] فهما شيء واحد، ومع ذلك يختلفان هذا الاختلاف.
* ومِن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن الماء العذب يكون سائغَ الشرب، وعكسه الماء المالح، ويتفرع على ذلك أنه لا ينبغي للإنسان أن يشرب ما لا يستسيغه؛ لأن ذلك يؤثِّر عليه ويضره، كما أنه لا مانع من أن يتناول ما تشتهيه نفسه وإن كان في بعض الحالات ضررًا عليه، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أن لطلب النفس الشيء أثرًا كبيرًا في انتفاء مضرته، وضرب لذلك مثلًا فيما أظن الميتة خبيثة مُضِرَّة، فإذا اضطر الإنسان إليها واشتدت حاجته (...) صارت النفس تقبلها وتستسيغها، ثم تهضمها فلا تضرُّها؛ لأنها لو كانت تضر –أي: الميتة- تضر المضطر ضررَ غيرِ المضطر لكان حِلُّها له يتضمن قتل نفسه؛ ولذلك لو اضطر إلى أكلٍ وليس عنده إلا سُم لم يَحِلَّ له أن يأكل السُّم، واضح؟ وضرب مثلًا لذلك أيضًا بقصة صُهَيْبٍ الرُّومِيِّ «كان أرمد» -يعني: توجعه عينُه من رمد كان بها- «فجيء إلى النبيِّ ﷺ بتمرٍ فأكل منه النبي عليه الصلاة والسلام، وذهب صهيب ليأكل فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّكَ أَرْمَدُ» -والمعروف أن الذي في عينه رمد لا يأكل التمر- «فقال: يا رسول الله! أمضغه من الجانب الآخر.» كيف؟ مثلًا إذا كانت عينه اليمنى فيها رمد يمضغه من الجانب الأيسر، «فضَحِك النبي عليه الصلاة والسلام، وقال له: «كل»[[أخرجه الحاكم في مستدركه (٨٤٦٨) من حديث عبد الله بن صهب.]] قال: لأن نفسه الآن كانت تطلبه طلبًا قويًّا، وهذا الطلب يزيل الضرر، فالمهم أن الشيء الذي لا يستساغ لا ينبغي للإنسان أن يتناوله، ويُكْرِه نفسه عليه، ولهذا قيل: كلْ ما يشتهي بطنك، ولا تأكل ما يشتهي فمك، ما أدري هل يصلح هذا ولَّا لا؟ نعم، يصح؛ لأن بعض الناس يتلذذ بنوع من الطعام، لكن باطنه لا يقبله، تجده إذا أكل يبدأ يقرقر بطنه، وربما يسهل نقول: هذا لا تأكل، لو اشتهيته بفمك؛ لأن هذا ضرر عليك.
* ومِن فوائد الآية الكريمة: بيان نعمة الله سبحانه وتعالى على عباده بما يستخرجونه من هذه البحار من اللحوم؛ لقوله: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ بدون مَشَقَّة وبدون تعب ما (...)، ومع ذلك فإن لحوم السمك من أحسن اللحوم، وكذلك نعمة الله عز وجل فيما نستخرجه من هذه البحار، من أيش؟ من الحُلي التي نلبسها.
* ومِن فوائد الآية الكريمة: بيان الفرق بين كمال اللحوم من هذه البحار وكمال الحلي؛ لأنه في اللحوم قال: ﴿تَأْكُلُونَ﴾، ولم يذكر العلاج الذي نتوصل به إلى هذا الأكل؛ لأنه سهل هين لا يُذكَر، لكن في الحلية قال: تستخرجون؛ لأنها تحتاج إلى مشقة وعناء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان قدرة الله عز وجل بحملِ هذا الفلك الثقيل المملوء بالبضائع على متن الماء، ومع ذلك يستطيع أن يدفع الماء ويمخَرَه؛ لقوله: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ﴾ [فاطر ١٢]، وإلا فإن الماء ثقيل ليس بهين؛ ولهذا عندما يسبح الإنسان في الماء يحتاج إلى قوة حتى يدفع الماء، لكن هذه السفن تمخَر الماء، ولا يظهر أثر هذه النعمة إذا تذكَّر الإنسان السفن القديمة التي تجري بالرياح.
* ومِن فَوَائِدِ الآية الكريمة: بيان نعمة الله تعالى علينا بنيل ما نطلبه من فضله بواسطة هذه البواخر؛ لقوله: ﴿لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾.
* ومِن فوائدِها: أنه ينبغي للإنسان أن يفعلَ الأسباب التي يتوصَّلُ بها إلى المقصود؛ لقوله: ﴿لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [فاطر ١٢]، أما أن يقول الإنسان: أبغي أبقى في البيت، ورزقي يأتيني، ويقول: إنه متوكل على الله، هل نوافقه على قوله؟ لا، نقول: إذا كنت متوكلًا على الله، لا تكن متواكلًا، فرق بين التواكل والتوكُّل، افعل السبب؟ هذا النبي عليه الصلاة والسلام سيد المتوكلين، ومع ذلك كان يفعل الأسباب الجالبة للخير الدافعة للشَّرِّ، أليس كذلك؟ طيب، إذن ابتغ من فضل الله، وافعل السبب، فإن السماء لا تُمْطِر ذهبًا ولا فِضَّة، وإنما يأتي الرزق بطلب الإنسان، والأمر أظهر من أن يحتاج إلى أمثلة وإلَّا لكنا نُمَثِّل بمثال من أقرب ما يكون؛ لو قال قائل: إذا كان الله قد قدَّر لي ولدًا فسيأتيني، ولم يتزوج، نقول: هذا الكلام كلام رجل مجنون؟ نعم، مجنون، كيف يمكن أن يأتيك الولد وأنت لم تتزوج؟! نعم، ما علمنا أن الأولاد تنبت من (...) أبدًا، وإنما تأتي بفعل أسبابها بالزواج مثلًا، طيب، هذا يقتضي أيضًا الرزق يحتاج إلى طلب (...).
* ومن فوائدِها: وجوب شكر نعمة لله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ فإن الله جعل هذه النعم وسخَّرها لك (...) لنقوم بشكره سبحانه وتعالى، وقد مر علينا كثيرًا بأن الشكر موضعه اللسان والقلب والجوارح.
{"ayahs_start":11,"ayahs":["وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابࣲ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةࣲ ثُمَّ جَعَلَكُمۡ أَزۡوَ ٰجࣰاۚ وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَمَا یُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرࣲ وَلَا یُنقَصُ مِنۡ عُمُرِهِۦۤ إِلَّا فِی كِتَـٰبٍۚ إِنَّ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣱ","وَمَا یَسۡتَوِی ٱلۡبَحۡرَانِ هَـٰذَا عَذۡبࣱ فُرَاتࣱ سَاۤىِٕغࣱ شَرَابُهُۥ وَهَـٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجࣱۖ وَمِن كُلࣲّ تَأۡكُلُونَ لَحۡمࣰا طَرِیࣰّا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡیَةࣰ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِیهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"],"ayah":"وَمَا یَسۡتَوِی ٱلۡبَحۡرَانِ هَـٰذَا عَذۡبࣱ فُرَاتࣱ سَاۤىِٕغࣱ شَرَابُهُۥ وَهَـٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجࣱۖ وَمِن كُلࣲّ تَأۡكُلُونَ لَحۡمࣰا طَرِیࣰّا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡیَةࣰ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِیهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











