الباحث القرآني
ثم قال: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ [سبأ ٤٦] نشرح الآن ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾، المراد بالقيام ذكرنا أمس المراد به القيام اللي هو ضد القعود؟ لا، المراد به الثبات على هذا الأمر فقوموا ثابتين.
﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ تتفكروا في شأن هذا الرسول الذي جاءكم من عند الله وقال: إنه رسول الله.
﴿مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ هذا القول هل هو من كلام الله سبحانه وتعالى ليبطل قولهم، أو أنهم يتفكرون فيه؟ يعني كما قال الشارح: (فتعلموا ما بصاحبكم من جنة) المؤلف مشى على أن ﴿مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ هو مفعول لما يقتضيه التفكر وهو..
وصل إلى الغاية، ما هي الغاية؟ العلم بأنه ما بصاحبهم من جنة، هذا هو ما مشى عليه المؤلف.
والقول الثاني: ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ [سبأ ٤٦] أي: في شأنكم وفي حالكم، ثم استأنف فقال: ﴿مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾، وهذا من كلام الله، وليس مفعولًا لما يقتضيه التفكر وهو العلم.
وقوله: ﴿مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ صاحبكم المراد به محمد رسول الله ﷺ، لكنه عبر عنه بالصاحب المضاف إليهم زيادةً في التشنيع عليهم والتوبيخ، كأنه يقول: هذا صاحبكم الذي تعرفون، ليس رجلًا منكرًا عليكم، بل هو صاحبكم الذي تعرفون عقله وصدقه وأمانته، فكيف تقولون: إنه ساحر وإنه مجنون وإنه شاعر وإنه كاهن، وما أشبه ذلك، ففيه أيش؟ الإضافة إليهم؟ زيادة التشنيع عليهم، هذه واحدة، فيه أيضًا الإشارة إلى أنه كان ينبغي أن يكونوا أول من يصدق به، وأول من يناصره؛ لأنه صاحبهم، وصاحب الإنسان مستحِق للنصر منه، والمساعدة والمعاونة، فكان في الإضافة هنا فائدتان:
الفائدة الأولى: زيادة التشنيع عليهم في أنهم يصفون صاحبهم الذي يعرفونه بهذا الوصف.
الثاني: أنه كان الأولى بهم، وهو صاحبهم، أن يكونوا أول الناس تصديقًا به، وأشد الناس معونةً له.
وقوله: ﴿مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ الجار والمجرور خبر مقدم، و(من جنة) مبتدأ مؤخر قُرنت به (مِن) الزائدة من حيث الإعراب المفيدة لمعنًى من حيث المعنى. الفائدة منها هي المبالغة أو التأكيد في النفي؛ لأن (مِن) إذا دخلت على المنفي أفادت العموم، فصارت نصًّا فيه.
وقوله: ﴿مِنْ جِنَّةٍ﴾ يقول المؤلف: (جنون) فالجنة هنا بمعنى الجنون، ويمكِن أن يكون المراد به الجِن الذي إذا خالط الإنسان جُن.
(﴿إِنْ﴾ ما ﴿هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ﴾ ) (إن) سبق لنا قبل وقت قريب أنها تُستعمَل في اللغة على أربعة أوجه. (إن) قال: بمعنى (ما) فهي نافية، (هو) أي محمد عليه الصلاة والسلام، الذي هو صاحبهم (﴿إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ﴾ أي: قبل ﴿عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ في الآخرة إن عصيتموه) يعني ما محمد عليه الصلاة والسلام إلا رجل من أعقل الناس، ومن أحنى الناس على قومه؛ لأنه نذير لكم، مماذا ينذرهم؟ من العذاب الشديد القريب لهم؛ لأنه قال: ﴿بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾، وبين يدي الشيء هو أن يكون قريبًا منه، فالنبي عليه الصلاة والسلام هذه حاله، رجل عاقل، ناصح لقومه، حانٍ عليهم؛ لأن الذي ينذرك من العذاب يُعتبر محسنًا إليك ولَّا لا؟ لو أن رجلًا جاء يصيح: أيها الناس، جاءكم العدو، أيها الناس، جاءتكم النار، سعير، أيها الناس جاءكم الماء، فيضان، بماذا تصف هذا الرجل؟ ناصح ولا غاشٌّ؟ ناصح، ولا تصفه بأنه مجنون، تصفه بأنه عاقل ناصح حانٍ عليك، يحب لك السلامة من الشرور.
فالنبي عليه الصلاة والسلام بالنسبة لنا ما هو إلا نذير ينذرنا من العذاب الشديد القريب، ولهذا قال: ﴿بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾، والشديد بمعنى القوي، وهل المراد عذاب الآخرة، أو يشمل عذاب الآخرة والدنيا؟
الصحيح أنه يشمل عذاب الآخرة والدنيا، ولذلك عُذب المكذبون للرسول عليه الصلاة والسلام في الدنيا قبل الآخرة، فزعماء قريش وصناديدهم قُتلوا في بدر، وأُلقوا جِيَفًا منتنة في قَليب من قُلُب بدر، ومن بقي منهم كان آخر أمرهم أن دُخلت عليهم البلدُ من أقطارها وأُذلوا حتى كان الواحد لا يأمن إلا بتأمين: «مَنْ دَخَلَ دَارَهُ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ»[[أخرجه أبو داود (٣٠٢٢) من حديث العباس.]]، ومن لم يكن في هذا فليس بآمن.
وهذا من أكبر الذل أن تُستحل بلدك ولا تأمن فيها إلا بتأمين، هذا لا شك أنه ذل وعار.
وآخر الأمر أن النبي ﷺ هو الذي منَّ عليهم وقال: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ»[[سيرة ابن هشام (٢/ ٤١٢).]]. وهذا بلا شك أنه عذاب في الدنيا، لكن إذا أسلموا كان مثل هذا العذاب كافيًا، ومَن أبى وكفر كان له عذاب شديد أيضًا في الآخرة. والله أعلم.
* * *
فيه أخذ الفوائد ما أخذناها:
قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ﴾ [سبأ ٤٦] إلى آخره.
* يستفاد من الآية الكريمة: دعوة الإنسان المعاند للتأمل في الأمر والنظر فيه؛ حتى لا يتعجل بالرد؛ لقوله: ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾.
* ومن فوائدها: أنه ينبغي لمن طلب الحق أن يكون مخلصًا لله بعيدًا عن الهوى؛ لقوله: ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ﴾.
* ومن فوائدها: جواز التعاون في طلب الوصول إلى الحق، من قوله: ﴿مَثْنَى وَفُرَادَى﴾.
* ومنها: أن الإنسان قد لا يصل إلى الحق إلا بمساعدة غيره؛ لقوله: ﴿مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ فإنه إذا أمكن أن يصل الحق بنفسه فذاك، وإلا استعان بغيره.
* ومنها: أن التفكير كما يكون في الآيات الكونية يكون كذلك في الآيات الشرعية؛ لأنه هنا طُلب منه التفكر فيما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي الرسول نفسه أيضًا.
* ومن فوائدها: انتفاء الجنون عن رسول الله ﷺ؛ لقوله: ﴿مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾.
* ومنها: بيان عُتُو قريش الذين كذبوا الرسول عليه الصلاة والسلام مع أنه صاحبهم الذي يعرفونه، وكان الأولى بهم أن يصدقوه.
* ومنها: أننا إذا أردنا استكشاف حال الشخص فإننا نسأل مصاحبه الذي يصاحبه ويلازمه؛ لأنه أعلم الناس به. وقد كان بعض السلف إذا أراد أن يسأل عن حال شخص يسأل المسؤول يقول: هل سافرت معه؟ فإن قال: لا، ترك تعديله له، وإن قال: نعم، قبل تعديله إياه، لماذا؟ لأن السفر يُظهِر حقيقة الرجال، حتى قيل: إنه إنما كان سفرًا لا لأن الإنسان يُسفِر ويبتعد عن البلد ويخرج إلى الفضاء، ولكن لأنه يُسفِر عن أخلاق الرجال، ولا شك أن السفر من أكبر ما يدل على خصال الرجل؛ لأنه في البلد الناس كلٌّ له شأن يغنيه عن الآخر، لكن في السفر محك للأخلاق الفاضلة من عدمها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن النبي ﷺ منذر للناس من عذاب قريب إذا خالفوه؛ لقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾.
* ومنها: استعمال الأسلوب المناسب للحال، وهذا معروف في علم البلاغة، أن يستعمل الإنسان ما يوافق مقتضى الحال، فهنا ذكر الإنذار دون البشارة؛ لأن المقام مقام تخويف وإنذار؛ لأنه يخاطب المكذِّبين، لكن عند وصف الرسول عليه الصلاة والسلام الوصف المطلق يقول: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ [الأحزاب ٤٥]، فبدأ بالبشارة قبل الإنذار، وهذا من حيث حال النبي ﷺ المطلقة، أما في المقامات التي تقتضي ذكر الإنذار دون غيره فيُستعمل فيها الإنذار دون غيره.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الجزاء، وعقوبة المخالفين؛ لقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾.
* ومنها: استعمال الأوصاف التي تَستلزِم الموافقة والمتابعة، من قوله: ﴿مَا بِصَاحِبِكُمْ﴾، فأنت عندما تخاطب إنسانًا لا تأتي له بالألفاظ التي تبعده، بل الذي ينبغي أن تأتي له بالألفاظ التي تدنيه وتقربه لتؤلف قلبه.
تفسير الآيات (47-50)
ثم قال عز وجل: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ﴾ [سبأ ٤٧].
قال تعالى: (﴿قُلْ﴾ لهم ﴿مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾ ) (قل) الخطاب معلوم أنه للرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه هو النذير لهؤلاء، ﴿مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ﴾ (ما) يحتمل أن تكون شرطية، يعني: أي أجر أسأله منكم فهو لكم، ويحتمل أن تكون اسمًا موصولًا، يعني يقول: الذي سألتكم من الأجر فهو لكم، ويكون اقتران الفاء بالخبر لأن اسم الموصول يشبه الشرط في العموم، فأُعطي حُكمه.
(﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ﴾ على الإنذار والتبليغ ﴿مِنْ أَجْرٍ﴾ ) (من) هذه بيان لـ(ما سألتكم) وليست زائدة لأن (ما) غير نافية.
وقوله: ﴿مِنْ أَجْرٍ﴾ الأجر هو ما يُعطى في مقابلة عمل، أو استيفاء نفع. في مقابلة عمل كما لو استأجرتُ رجلًا يعمل لي عملًا، أو استيفاء نفع كما لو استأجرتُ منك بيتًا، فالأجر هو ما يُعطى على العمل أو استيفاء المنفعة، يعني هذا العمل الذي قمتُ به إن كنتُ سألتكم عليه أجرًا وقلت: أعطوني مالًا أو أعطوني كذا، فهو لكم.
وقوله: ﴿مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾ هذا على فرض أن يكون ذلك موجودًا، وإلا فإنه غير موجود؛ كما قال تعالى: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص ٨٦]، فالرسول عليه الصلاة والسلام ما سأل الأجر، بل قال لهم: إن كنت سألتكم أجرًا فهو لكم لا تعطوني إياه.
قال: ﴿إِنْ أَجْرِيَ﴾ ما أجري ﴿إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (إن) بمعنى (ما)، ومن علامات (إن) النافية أن يقع بعدها (إلا)، وذلك ليس بشرط، هل هو شرط ولَّا لا؟ ليس بشرط.
﴿إِنْ أَجْرِيَ﴾ أي ثوابي على تبليغي وعلى إنذاري، ﴿إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ وحده، ونعم المثيب سبحانه وتعالى، فإن من كان أجره على الله فإنه سيجد الثواب العظيم؛ لأن عطاء أكرم الأكرمين سيكون أعظم العطاء، ولهذا يجزي الله سبحانه وتعالى الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
ثم الداعي إلى الله يُؤجَر على دعوته سواء قُبلت أم رُفضت، ويؤجَر أيضًا على ما يناله عليها من أذًى، سواء كان أذى قوليًّا أو فعليًّا، وسواء كان يعود الأذى إلى رد ما جاء به أو يعود الأذى إلى اتهام هذا الإنسان بما يشدخ كرامته، وكل هذا قد وقع للرسول عليه الصلاة والسلام؛ أُوذي على دعوته، وأوذي فيما يخدش كرامته ونزاهته، فأصحاب الإفك لما رموا عائشة رضي الله عنها ما رموا عائشة لأنها عائشة، لكن رموها لأنها زوج النبي ﷺ، الرسول عليه الصلاة والسلام أوذي في عرضه، وأوذي في بدنه، وأوذي في مهمته التي جاء من أجلها، فأجره على من؟ على الله سبحانه وتعالى.
واعلم أنك كلما أوذيت في الدعوة إلى الله فإن ذلك زيادة أجر لك من جهة، وزيادة قوة لدعوتك من جهة أخرى؛ لأن الإنسان إذا أوذي على شيء لا بد أن يجد من يتعاطف معه كما تقتضيه سنة الله عز وجل، حتى الذين يتكلمون بالباطل إذا أوذوا على باطلهم وجدوا من يتعاطف معهم، فكيف بمن يتكلمون بالحق، ولهذا أنا أدعو نفسي وإياكم إلى أن يكون علمنا منسابًا إلى غيرنا، بمعنى أن ننشر العلم وأن ندعو الناس إليه، صحيح أن حضورنا إلى هذا المجلس وتعلمنا لا شك أنه فائدة عظيمة، وأنه مجلس من مجالس الذكر، لكن ينبغي أن ننشر هذا العلم وندعو الناس إليه بقدر المستطاع، وأما أن نبقى كنسخ من كتب الفائدة لا تعدو صدورنا، فهذا لا شك أنه ضعيف، ولا يليق بطالب العلم، وعلينا أن نعرف ما جرى لأئمة المسلمين وعلماء المسلمين من الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ولستُ بذلك أريد أن تكرسوا جهودكم كلها للدعوة؛ لأن الدعوة بلا علم ضررها أكثر من نفعها، كما يوجد من بعض الإخوة الحريصين على الخير، تجدهم يضيعون أوقاتهم في الزيارات إلى فلان وإلى فلان، وفي الخروج، حتى إن العلم عندهم ليس بشيء، بل تجدهم يكرهون العلم والتعمق فيه، ويريدون أن تكون دعوتهم دعوة سطحية مهلهلة، أي إنسان يأتيهم (...) أنا أريد منكم أن تكونوا علماء ربانيين، دعاةً إلى الخير مهما استطعتم، ويكون أجركم على من؟ على الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإنسان مسؤول عن علمه؛ لأن الله تعالى ما أعطاك العلم إلا بميثاق ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران ١٨٧].
قال: ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى (﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ مطلع يعلم صدقي) ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ كل شيء فالله شهيد عليه، يعني: مطلع عليه، ومنه حالي معكم، فهو مطلع عليه، مطلع على أني بلغتكم وأنذرتكم، ومطلع على أنكم كذبتموني وخالفتموني، فأجري على الله، وعقوبتكم على الله عز وجل، كما قال تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [الغاشية ٢١ - ٢٦]، وهل الله عز وجل شهيد على ما في نفس الإنسان؟ نعم شهيد حتى على ما لا يطلع عليه أحد، فالله تعالى شهيد عليه.
ثم قال: (﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ﴾ يلقيه إلى أنبيائه ﴿عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [سبأ ٤٨] ما غاب عن خلقه).
قوله: ﴿إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ﴾ هذه جملة خبرية مؤكدة بـ(إن)، واسم (إن): (رب)، وخبرها جملة (يقذف)، و(علام الغيوب) خبر ثانٍ، يعني هو أيضًا علام الغيوب.
وقوله: ﴿يَقْذِفُ بِالْحَقِّ﴾ القذف هو الرمي بقوة، الرمي بقوة يسمى قذفًا، وقوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ أي بالقول الحق، وهو الوحي الذي أنزله الله تعالى على أنبيائه. وظاهر كلام المؤلف أن القذف هنا لازم لا يتعدى الأنبياء، وأن المراد به الوحي المنزل على الرسل، ولكن قول المؤلف فيه نظر، والصواب أن هذه الآية تفسرها الآية الثانية، وهي قوله تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء ١٨]، وأن معنى الآية: قل إن ربي يقذف بالحق على الباطل. وهو إشارة إلى أن حقه سوف يمحو باطلهم ويزهقه ويهلكه، بدليل أيضًا قال فيما بعد: ﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ [سبأ ٤٩].
قال: ﴿يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ قال: ﴿عَلَّامُ﴾ بصيغة المبالغة؛ لأن الغيوب كثيرة، فناسب أن يضاف إليها العلم على سبيل المبالغة، كما أن فيه مبالغة أيضًا من حيث الكيفية، لا من حيث الكمية فقط، من حيث الكيفية، فإن علم الله عز وجل للغيوب ليس علمًا سطحيًّا، بل هو علم عميق، يصل إلى أخفى شيء من الغيوب، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [آل عمران ٥]، والغيوب جمع غيب، وهو ما غاب عن الإنسان، وهذا خاص بالمستقبل ولَّا حتى في الحاضر والماضي؟
أما المستقبل فظاهر، فإنه لا أحد يمكنه أن يعلم الغيب في المستقبل، بل من ادعى علم الغيب في المستقبل فهو كافر؛ لأن الله يقول: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل ٦٥] فيكون مدعي الغيب في المستقبل مكذبًا للقرآن، والتكذيب للقرآن كفر.
أما الحاضر والماضي فهو في الحقيقة غيب نسبي، يكون غيبًا عني وليس غيبًا عمن شاهده، فلو أن حادثةً وقعت في بلدٍ ما، وأنا لست في هذا البلد، فهي بالنسبة إليَّ غيب، وبالنسبة لمن شاهدها ليست بغيب، فإذن المستقبل غيب مطلَق، والحاضر والماضي غيب نسبي يظهر لمن رآه، ولا يظهر لمن لم يره.
قال: (﴿عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ ما غاب عن خلقه في السماوات والأرض ﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ﴾ )، قال المؤلف: (الإسلام)، والإسلام لا شك أنه دين الحق، وأنه سيعلو على جميع الأديان؛ كما قال الله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة ٣٣]، ولو أن المؤلف عمم وقال: ﴿جَاءَ الْحَقُّ﴾ أي: كل ما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام وما جاء به من الأحكام فهو حق.
(﴿وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ﴾ الكفر ﴿وَمَا يُعِيدُ﴾ [سبأ ٤٩] أي لم يبق له أثر) هذه الجملة: ما يبدئ الباطل وما يعيد أو ما يبدئ فلان وما يعيد أسلوب من أساليب العرب، كناية عن هلاك هذا الشيء وعدم وجوده؛ لأن الذي لا يبدئ، يعني لا يأتي بالشيء ابتداءً، ولا يعيد ما صنعه أولًا، هذا غير موجود في الواقع، ما له حراك، لا حراك به، فهو كالهالك، والمعنى: ما يبدئ الباطل أي: ما يتبين ابتداءً، وما يعيد: ما يتبين إعادة، فهو إذن هالك، لا أثر له، لا ابتداءً ولا إعادةً، فإذا كان الحق قد جاء، والباطل ما يبدي ولا يعيد، فمعناه أن الدولة ستكون لمن؟ ستكون للحق، لِمَا جاء به النبي عليه الصلاة والسلام وإن كذبوه.
الباطل إن كان في الأخبار فهو الكذب، وإن كان في الأحكام فهو الجور والظلم، وكل ما خالف حكم الله فهو جور وظلم، وإن زعم أهله أنهم عادلون فيه فهم كاذبون، فالقوانين الوضعية المخالفة لشريعة الله نقول: إنها باطل ونقول: إنها ظلم وجور، وأما ما وافق الشرع فإنه وإن سُمي قانونًا أو نظامًا فهو شرع، يعني لو أن أحدًا صنع موادَّ معينة في الحكم لكنها مأخوذة من الكتاب والسنة لا نقول: إن هذه قوانين وضعية أو نُظُم وضعية، بل نقول: هي أحكام شرعية، لكنها رُتبت على مواد كما أن الفقهاء رحمهم الله رتبوا الفقه على أبواب، فالخلاف في كيفية العرض، وإلا فهو حق.
أما أن نقنن الشريعة بمعنى أن نُدخِل عليها أحكامًا تخالف أحكامها، فهذا كفر، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة ٤٤] فأما تقنينها بمعنى تبويبها وجعلها مواد معينة، فهذا لا بأس به، بشرط ألا يكون الحكم لازمًا بهذه المواد؛ لأن إلزام القضاة مثلًا أو الحكام بأن يحكموا بهذه المواد معناه أنهم يُلزَمون بأن يحكموا بما يعتقدون أن الحق في خلافهم؛ لأن الناس يختلفون في اجتهادهم؛ فقد ترى اللجنة مثلا أن الحكم في هذا هو كذا وكذا، ويرى القاضي أن الحكم خلاف ذلك، فوضعها على أنها موضحة أو كاشفة أو دالة هذا لا بأس به بلا شك، لكن وضعها على أنها ملزِمة هذا لا يجوز لأن الناس يختلفون في الجهاد.
(﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ﴾ عن الحق ﴿فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي﴾ أي إثم ضلالي عليها ﴿وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ من القرآن والحكمة ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ﴾ للدعاء ﴿قَرِيبٌ﴾ [سبأ ٥٠]).
﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ﴾ هذا من باب التنزُّل مع الخصم، وإلا فمن المعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان أهدى الناس، وهذا كقول الرجل المؤمن من آل فرعون، قال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ [غافر ٢٨] مع أن المؤمن هذا يؤمن بأنه صادق، لكن هذا من باب التنزل مع الخصم لإلزامه بقول الحق.
يقول الله عز وجل: ﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي﴾، ومعلوم أن الإنسان لا يريد أن يتمادى في إضلال نفسه، ومثل النبي عليه الصلاة والسلام إذا ضل؛ مثل الرسول إذا ضل لا يكون ضلاله أيضًا (...) بل عليه وعلى من اتبعه، ولهذا كان ضلال العالم أو زلة العالم من أعظم ما يفسد الناس، زلة العالم ليست بهينة؛ لأنه قدوة وأمة، ﴿إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي﴾ وليس عليكم من ذلك شيء ﴿وَإِنِ اهْتَدَيْتُ﴾ لم يقل: فإن ذلك من نفسي، بل وكله أو أضافه إلى ما جاء به الوحي النازل من عند الله، ولهذا قال: ﴿فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾، والباء للسببية، و(ما) إما أن تكون مصدرية وإما أن تكون موصولة، إن كانت موصولة فإن عائدها محذوف، التقدير: فبما يوحيه إلي ربي، وإن كانت مصدرية فلا تحتاج إلى عائد.
وقوله: ﴿يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ الوحي في اللغة هو الإعلام بخفاء وسرعة، هذا في اللغة، الإعلام بخفاء وسرعة، سواء كان ذلك الإعلام بالهمس أو بالإشارة في العين أو بالإشارة باليد، ومنه قوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ هو ما يتكلم، لأن الله قال له: ﴿آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾ [آل عمران ٤١] إذن أوحى إليهم بمعنى أشار إليهم، فالوحي في اللغة هو الإعلام بخفاء وسرعة، هكذا قالوا. أما في الشرع فهو إعلام الله سبحانه وتعالى أحدًا من خلقه بشرع يُؤمَر بتبليغه أو لا يؤمر، إن أُمر بتبليغه فهو رسول، وإن لم يؤمر فهو نبي.
وقوله: ﴿فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ الإضافة هنا إضافة خاصة، (ربي) لأن الله ربه ورب غيره، لكن الإضافة هنا إضافة خاصة تفيد أي شيء؟ تفيد العناية واللطف؛ لأن من أكبر نعم الله على العبد أن يوحي إليه بالرسالة، حتى ينال المرتبة العليا من بني آدم.
كذلك من نعمة الله على العبد أن يُلهمه هذه الرسالة بالتعلم، ولهذا كان العلماء ورثة الأنبياء، فهي من أكبر النعم، ولهذا قال: ﴿فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ فأضاف الربوبية إلى نفسه لأن هذه الربوبية خاصة تقتضي العناية والتأييد والرحمة واللطف.
﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾ إنه سميع قال المؤلف: (للدعاء)، والصواب أن الآية هنا عامة، سميع لكل شيء، وليس للدعاء فقط، بل سميع لما أقول لكم، وسميع لما تقولون لي، وسميع لدعائي أيضا بمعنى مجيب.
وقد مر علينا أن السمع المضاف إلى الله عز وجل ينقسم إلى قسمين:
سمع بمعنى إدراك المسموع، وسمع بمعنى إجابة المسموع.
السمع الذي بمعنى إدراك المسموع تارَةً يراد به التهديد، وتارة يراد به التأييد، وتارة يراد به بيان الإحاطة، أي إحاطة الله عز وجل بكل مسموع، فهذه ثلاثة أشياء.
تارة يراد به التهديد مثل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نع، وتارة يراد به التأييد، مثاله؟
* طالب: قوله تعالى عن موسى وهارون: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه ٤٦].
* الشيخ: قوله عن موسى وهارون: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه ٤٦].
وتارة يراد به بيان الإحاطة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ﴿فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ [المجادلة ١].
أما السمع الذي بمعنى الإجابة فكقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم ٣٩]، وقول المصلي: سمع الله لمن حمده.
وقوله: ﴿قَرِيبٌ﴾: (قريب) هذه اسم فاعل أو صفة مشبهة، والضمير المستتر فيها يعود على من؟ يعود على الله عز وجل، وكل فعل أو وصف يكون عائدًا إلى الله فالمراد به ذات الله، انتبه لهذه القاعدة التي ذكرها ابن القيم في مختصر الصواعق، يقول: كل فعل أو وصف تحمَّل ضميرًا يعود إلى الله فالمراد به ذات الله، لكن يجب أن يكون في ذهنك تنزه الله عز وجل عما لا يليق به، فيكون القرب هنا قرب رحمته أو قرب علمه أو قرب سمعه أو بصره أو قرب ذاته، أيها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، ما (...) قريب هو، أي ذاته، ولهذا صرح ابن القيم بأنه قريب بذاته، لكن يجب أن تعلم أنه مع قربه بذاته فهو مستو على عرشه، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٦١٠)، ومسلم (٢٧٠٤/ ٤٤)، واللفظ للنسائي (٧٦٣٣(، من حديث أبي موسى الأشعري.]]، يقوله وهم راكبون على رواحلهم، ولكن مع هذا يجب أن ننزه الله عز وجل عما لا يليق به، بحيث نتوهم أنه معنا في المكان، هذا لا يمكن، بل هو قريب بذاته مع علوه.
وقد ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية، قال: هو علي في دنوه، قريب في علوه.
ولا تظن أن الجمع بين القرب والعلو فوق السماوات متناقض، لماذا؟ أولًا: لأن الله تعالى جمع بينهما لنفسه، ودل عليهما كتاب الله، وكتاب الله عز وجل لا يمكن أن يدل على متناقض ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء ٨٢].
ثانيًا: أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، يعني لو فُرض أن بين القرب والعلو تناقضًا في حق المخلوق فإن ذلك لا يلزم في حق الخالق، لماذا؟ لأن الله ليس كمثله شيء، ولهذا نقول: إن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة وهو مع ذلك مستوٍ على عرشه، لا تقل: هذا محال، نقول: هذا محال بالنسبة لمن؟ للمخلوق، أما بالنسبة للخالق فيجب أن نؤمن بما أخبرنا به عن صفاته، وهو استواؤه على عرشه ونزوله إلى السماء الدنيا، ونقول: إن هذا ممكن في حق الخالق.
الشيء الثالث، الوجه الثالث مما نجمع فيه بين القرب والعلو، أنه قد يكون الشيء عاليًا وهو قريب حتى من المخلوقات، مثل القمر، القمر عالٍ لكنه قريب كأنه معك، كأنه في المكان الذي أنت فيه، وضوءه واصل إلى الأرض وهو في السماء، وأظنه مر علينا في البلاغة بيتان في هذا المعنى:
؎دانٍ إلى أَيْدِي العُفاةِ وشَاسِعٌ ∗∗∗ عن كلِّ نِدٍّ في النَّدَى وَضَرِيبِ؎كالبدرِ أفرطَ في العُلُوِّ وضَوْءُه ∗∗∗ لِلْعُصْبة السَّــــــــارينَ جِدُّقَريـــبِ
المهم أن الله إذا أضاف الشيء إلى نفسه، سواء كان فعلًا أو وصفًا، فإنه لا يجوز لنا العدول عن تحويل هذا الشيء المضاف إلى الله إلى شيء آخر؛ لأننا إذا سلكنا ذلك احتج علينا من؟ احتج علينا أهل التأويل من المعتزلة والأشاعرة وقالوا: كيف تؤولون هذه الآية مثلًا، وتنكرون علينا التأويل في آيات أخرى، أو في نصوص أخرى؟ فإذا قلت لهم: إن هذا يمنعه العقل قالوا: ونحن نرى أن ظواهر الآيات أو الأحاديث يمنعها العقل، لكن إذا أبقيت النصوص على ما هي عليه؛ على ظاهر دلالتها مع تنزيه الله عما لا يليق به سلِمتَ في دينك، وسلمت أمام الله عز وجل حين يسألك يوم القيامة: كيف تصرفت في كلامي، وكيف أخرجته عن ظاهره؟ وسلمت أيضًا من معارضة أهل التأويل.
وقد مر علينا في تلخيص الحموية أن الفلاسفة الذين ينكرون المعاد، بل وينكرون كل شيء، احتجوا على المعتزلة وأهل التعطيل وقالوا: كيف تجوزون التأويل في آيات الصفات وأحاديثها ولا تجوزون التأويل في نصوص المعاد؟ إذا أولتم في هذا فأولوا في هذا، وإلا فقد ظهر تناقضكم، وسبق لنا إجابة المعتزلة للفلاسفة، ماذا قالوا لهم؟
قالوا: إننا قد علمنا بالاضطراد أن الرسل جاءت بإثبات المعاد، وعلمنا أن الشبهة المانعة منه فاسدة، فوجب القول بثبوته. هذه الحجة يا جماعة هذه من أهم المسائل لطالب العلم في علم التوحيد، وذكرنا أن هذه الحجة التي دفع بها المعتزلة اعتراض الفلاسفة؛ ذكرنا أن هذه الحجة احتج بها أهل السنة على المعتزلة، وقالوا: قد علمنا بالضرورة أن الرسول جاء بإثبات الصفات لله، وعلمنا فساد الشبهة المانعة منه، فوجب القول بثبوتها، وأن طرد القاعدة في هذا وهذا هو اللي فيه السلامة، أما أن نتناقض ونؤول في شيء ونبقي النصوص على ظاهرها في شيء، فإن هذا وهم وضعف في الطريقة.
فالمهم أن القريب هنا لا نقول: قريب في علمه، أو قريب في رحمته، أو قريب في سمعه، أو ما أشبه ذلك، فنخصصها بشيء، لأنك إذا قلت: قريب في رحمته أو سمعه أو بصره أو علمه أو ما أشبه ذلك خصصتها، فإذا قلت: قريب بذاته شمل كل ما تقتضيه هذه الذات من الصفات، فكان أعم.
وقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح حديث النزول بأنه سبحانه وتعالى قريب بنفسه، وتلميذه ابن القيم قال: إنه قريب بذاته، ولكن مع ذلك يجب علينا أن نعلم علم اليقين بأنه قريب ولكنه في السماء على عرشه، وهذا لا تناقض فيه، وقد علمتم الجواب على ما يوهم أنه متناقض، وأن الجواب من كم من وجه؟ من ثلاثة أوجه. والله أعلم.
* * *
(...) لم يطلب من أحد أجرًا على تبليغ الرسالة وإنذار الناس؛ لأنه قال: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾ [سبأ ٤٧].
* من الفوائد أيضًا: التنزل مع الخصم، أو على فرض أني سألتُ ﴿فَهُوَ لَكُمْ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: تحريم أخذ الأجر على إبلاغ العلم الشرعي، ووجهه أنه مخالف لهدي النبي ﷺ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن تبليغ الشرع واجب على الإنسان. والواجب لا يجوز أن يتخذ الإنسان عليه أجرًا.
فإن قلت: هل يجوز الأخذ على تعليم القرآن، أخذ الأجرة على تعليم القرآن؟
فالجواب: أن العلماء اختلفوا في ذلك على قولين؛ لاختلاف ظواهر النصوص؛ فمنهم من قال: إنه جائز لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ»[[أخرجه البخاري (٥٧٣٧) من حديث ابن عباس.]].
ولأن هذا الرجل لا يأخذ أجرًا على قراءة القرآن، لو أخذ أجرًا على قراءة القرآن قلنا: هذا حرام، لكنه أخذ أجرًا على التعليم والتعب وتوطين هذا الرجل، ولذلك لو كانت المسألة واجبة عليه، بمعنى لو كان يجب عليه أن يعلم هذا الرجل لكان أخذ الأجر عليه حرامًا.
الوجه الثالث: أن النبي ﷺ جعله عوضًا في النكاح، فقال: «زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٣١٠)، ومسلم (١٤٢٥/ ٧٦) من حديث سهل بن سعد الساعدي.]]، وعوض النكاح أجر؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [النساء ٢٤]، فلما جعله النبي عليه الصلاة والسلام عِوضًا في النكاح؛ دل ذلك على جواز أخذ العوض على تعليمه.
ولأن النبي ﷺ أجاز أخذ قطيع الغنم للجماعة الذين قرؤوا على سيد القوم الذي لُدِغ، وأخذوا عليه قطيعًا من الغنم، فأجاز النبي ﷺ ذلك[[أخرجه البخاري (٥٧٣٧) من حديث ابن عباس.]]. لا لأنهم قرؤوا القرآن، ولكن لأنهم عالجوا هذا اللديغ، وهذا هو الصحيح، أي أنه يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، لكن إن كان تعليم القرآن واجبًا كما في صدر الإسلام، فإن أخذ الأجرة عليه حرام.
وهل يجوز على القول بأن أخذ الأجرة عليه حرام، هل يجوز أخذ رصدٍ من بيت المال لمعلِّم القرآن؟
الجواب: نعم؛ لأن هذا ليس بأجرة، ولذلك جاز للمؤذن والإمام أن يأخذ من بيت المال ما يستعين به على أذانه وعلى إمامته.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إخلاص النبي ﷺ في تبليغه ودعوته؛ لقوله: ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ [سبأ ٤٧]، فإنه واضح بأنه إنما يريد الأجر ممن؟ من الله، وهذا هو الإخلاص.
ومن فوائدها أيضًا: شموخ الرسول ﷺ وعلو همته، حيث اختار الأجر الأوفى عن الأجر الأدنى؛ لقوله: ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: تهديد الخصم بما تقتضيه أسماء الله وصفاته؛ لقوله: ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [سبأ ٤٧]؛ فإن في ذلك تهديدًا لهم، يعني فسيشهد على تكذيبكم وعلى تبليغه.
* ومن فوائدها أيضًا: الاستشهاد بإقرار الله سبحانه وتعالى الإنسان على صدق ما قال، من أين يؤخذ؟ الاستشهاد بإقرار الله تعالى الإنسان على ما قال على أنه صادق؛ لقوله: ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾، ويؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ﴾ [النساء ١٦٦]. قال العلماء: شهادة الله تعالى لرسوله بأن ما جاء به الحق تشمل الشهادة القولية والشهادة الفعلية، وهي إقراره على ما دعا إليه الناس وعلى استباحة أموالهم ودمائهم وأهلهم إذا لم يستجيبوا له.
ثم قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ [سبأ ٤٧].
* من فوائد الآية الكريمة: فضيلة الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك بإضافة الربوبية إليه، ربوبية الله إليه ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي﴾، وهذه الربوبية خاصة ولَّا عامة؟ خاصة.
* ومن فوائدها: بيان قوة الله سبحانه وتعالى، حيث يرمي بالحق على الباطل على وجه القوة، بل يقول: ﴿إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ﴾ أي: يرمي به بقوة وشدة على الباطل.
* ومن فوائدها: عموم علم الله بما شُوهد وما غاب: ما غاب لقوله: ﴿عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾، وما شوهد من باب أولى، يعني إذا كان يعلم الغيب فالمشهود من باب أولى.
* ومنها: إثبات أن ما جاء به النبي ﷺ حق؛ لقوله: ﴿يَقْذِفُ بِالْحَقِّ﴾.
* ومنها أيضًا: تهديد هؤلاء المكذبين بأن باطلهم سوف يُقضى عليه، بأي طريق؟ بطريق الإسلام الحق، فيُقضَى على باطلهم، ويؤيده قوله: ﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ [سبأ ٤٩]. ﴿جَاءَ الْحَقُّ﴾ الحق ما (...) الباطل كل ما خالف الحق فهو باطل.
﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾ [سبأ ٥٠] في هذا تحدي هؤلاء المكذبين للرسول عليه الصلاة والسلام بأنه لو كان ضالًّا لظهر أثر ضلاله على نفسه، ولأهلكه الله عز وجل ولم يُمَكِّنْه، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة ٤٤ - ٤٧] فلو كان ضالًّا فيما جاء به لكان ضلاله على نفسه، ولتبين أمره.
ولعلكم بلغكم ما أنزل الله تعالى في المكذبين الذين ادعوا الرسالة فأهلكهم الله، مثل مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وغيرهما، كلهم يظهر الله تعالى ضلالهم وكذبهم، وقصصت عليكم مرة ما ذُكر من آيات مسيلمة، تذكرونه؟ يقولون: إن مسيلمة هو ادعى أنه رسول، وأن بئرًا من آبار قومه غار ماؤه ولم يبقَ إلا قليل، فجاؤوا إليه يشكون هذا الأمر، فأراد أن يقتدي بالرسول عليه الصلاة والسلام، فأخذ منها ماء وأدخله في فمه، ثم مجه في الماء، فجعل ينتظر فوران الماء حتى يصل إلى ظاهر القليب، لكن الماء الذي فيها غار، هذه آية ولَّا لا؟ آية على كذبه. وجيء إليه بصبي أصلع، أصلع يعني ما عليه شعر إلا شعرًا قليلًا، فجاؤوا إليه ليمسح رأسه فيظهر له شعر كثيف، فلما مسح رأسه تساقط الشعر الموجود، كان هذا آية على كذبه.
فالله سبحانه وتعالى بحكمته لا يمكِن أبدًا أن يمكِّن لكاذب مهما كان، حتى الكاذب بعد الرسول عليه الصلاة والسلام لو كذب فيما يدعو الناس إليه، وكان يدعو الناس إلى الحق رياءً وسمعةً فلا بد أن يُظهِر الله تعالى أمره للناس، لا بد.
؎وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ ∗∗∗ وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِتُعْلَمِ
هنا يقول: ﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي﴾ [سبأ ٥٠] أي: سيتبين أمري وضلالي.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الاعتراف لله عز وجل بالجميل؛ لقوله: ﴿وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ [سبأ ٥٠].
* ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن ينسب الخطأ إلى نفسه، وينسب الصواب إلى من؟ إلى الله عز وجل؛ لأنه (...). ونحن إذا أصبنا هل نقول: فبما يوحيه إلينا ربنا؟ أو فبما أوحاه ربنا إلى نبيه؛ هذا هو الصواب، فإذا أصبنا فإن الواجب أن نضيف النعمة إلى مسديها سبحانه وتعالى، وهو الله عز وجل، لا نفتخر ونجعلها من ذات أنفسنا، أما الضلال فإنه على أنفسنا؛ لأننا نحن سببه.
* وفيها أيضًا: إثبات أن النبي ﷺ رسول؛ لقوله: ﴿فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾.
* ومن فوائدها: أن النظر في الوحي؛ القرآن والسنة سبب في الهداية؛ لأن الباء في قوله: ﴿فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ سببية، وإذا كان ذلك سببًا للهداية كان من العقل والبصيرة أن ننظر في وحي الله وشرعه وألا نطلب الصواب من غيرهما، لا نطلب الصواب مما قال فلان وقال فلان، ولكن مما قال الله ورسوله، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله:
؎العِلمُ قـــــــــــــــــــالَ اللهُقَـــــــــــــــــالَ رَسُولُهُ ∗∗∗ قال الصَّحابَةُ هُمْ أُولُو العِرفانِ؎ما العلمُ نَصْبُك للخِلافِ سَفَاهَةً ∗∗∗ بين الرسولِ وبينَ رأيِ فُــــــــــلانِ
وقال في موضع آخر:
؎والعِلمُ مَعرِفةُ الهُدى بِدَلِيلِهِ ∗∗∗ ما ذاك والتَّقليدُ مُسْتَوِيَانِ
فالمهم أن الهداية لها سبب، وهي النظر فيما أوحاه الله تعالى إلى نبيه ﷺ.
* ومن فوائد الآية: إثبات الأسباب؛ لقوله: ﴿فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ وأنها مؤثِّرة بإذن الله، لا مؤثرة بنفسها، ففي ذلك الرد على الأشاعرة، الذين يقولون: إن الأسباب لا تؤثر بنفسها، حتى إنهم يقولون: إن الورق إذا احترق بالنار فإنه لم يحترق بالنار، لكن احترق عند النار، لا بها. وإذا ضربت الزجاجة بالحجر فانكسرت قال: لم تنكسر بالحجر، لكن انكسرت عنده -شوف العقول!- ليش؟ قالوا: لأنك لو أثبت للسبب أثرًا ذاتيًّا لأشركتَ بالله العظيم؛ لأنه لا شيء يؤثر بنفسه إلا الله عز وجل، فأنت لو أثبت أن الحصاة تكسر الزجاجة، هي نفسها تكسر الزجاجة فهذا شرك بالله، يعني معناه أنك جعلت هذه تتأثر، أفهمتم؟
رجل أُتي بلحم، فجعل يحزه بالسكين، يقطعه، نقول: تقطَّعَ بالسكين؟ عند السكين لا به، شوف كيف العقول تصل إلى هذه الحال. الآن الزجاجة حط عندها الحصاة، حطها عندها بل حطها فوقها بهدوء، تنكسر؟ طيب أقبل الحجر على الزجاجة إقبالًا ولم يمسها لكنه حك من حولها..
{"ayah":"۞ قُلۡ إِنَّمَاۤ أَعِظُكُم بِوَ ٰحِدَةٍۖ أَن تَقُومُوا۟ لِلَّهِ مَثۡنَىٰ وَفُرَ ٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا۟ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا نَذِیرࣱ لَّكُم بَیۡنَ یَدَیۡ عَذَابࣲ شَدِیدࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











