الباحث القرآني
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [سبأ: ٢٩] ﴿يَقُولُونَ﴾ يعني المكذبين للرسول ﷺ، الذي تُوعِّدوا بالعذاب والنكال فيقولون متحدين ومستبعدين ومنكرين: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾.
﴿مَتَى﴾ اسم استفهام، والمراد به الإنكار والتحدي.
﴿الْوَعْدُ﴾ أي: بالعذاب الذي وعدتمونا به، ويحتمل أن يكون ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ بالنصر لكم؛ لأن المعروف أن الوعد في الخير، وفي الشر وعيد، ولكن قد يُقال: إن الوعيد لهؤلاء الكفار هو بالنسبة للمؤمنين وعد.
(﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ بالعذاب ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فيه) يعني إن كنتم صادقين بما تقولون من أن العذاب سيحل بنا وسنعاقب، والصدق: هو الإخبار بما يوافق الواقع، والكذب: الإخبار بما يخالف الواقع، فإذا قلت: قَدِمَ زيد البلد، ولم يكن قدم؛ فهو كذب؛ لأنه خلاف الواقع، وإذا قلت: قدم زيد البلد، وقد قدم؛ فهو صدق لموافقة الواقع.
فيقولون إن كنتم صادقين فمتى يكون هذا؟ وهذا كقوله تعالى في الساعة: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾ [الشورى ١٧، ١٨]، فالكفار يستعجلون العذاب تكذيبًا للرسل عليهم الصلاة والسلام.
قال الله تعالى: ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾ [الشعراء ٢٠٤، ٢٠٧] أي: يعني أي شيء يغني عنهم، فمهما طال بهم الأمد فإن المسألة محدودة معدودة ﴿إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾ [الشعراء ٢٠٥، ٢٠٧].
فهم يتحدون، ومع ذلك أحيانًا يتحدون كذبًا فإنهم قالوا: حين أُخبِروا بالبعث، قالوا متحدين للرسل عليهم الصلاة والسلام: ﴿ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الجاثية ٢٥] وهل قيل لهم: إن آباءهم يأتون الآن حتى يوجهوا الصورة إلى هذا؟ لا، يعني قيل لهم: إن آباءهم سيبعثون يوم القيامة لكنهم يُموِّهون على العامة بمثل هذه الدعاوى.
يقول الله عز وجل: (﴿قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ﴾ [سبأ ٣٠] عليه وهو يوم القيامة).
﴿لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ﴾ قوله: ﴿مِيعَادُ﴾ يحتمل أن يكون ظرف مكان أو زمان، ويحتمل أن يكون مصدرًا ميميًّا، والمعنى أن لكم وعدًا يكون في يوم لا تستأخرون عنه ساعة، ولا تستقدمون عليه؛ وذلك لأن الله عز وجل بحكمته البالغة قدَّر لكل شيء أجلًا معينًا، قال الله تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [الرعد ٨] كل شيء بمقدار عند الله ومُحدَّد بأجله، فالعذاب لا يقدمه استعجالهم، ولا يؤخره، إذا جاء لا يتقدم ولا يتأخر، وفي هذا جواب من التهديد لهم ما هو ظاهر كما لو قلت للإنسان: إن لك عندي موعدًا لا يتقدم ولا يتأخر؛ فالمعنى احذر من هذا اليوم.
وقول المؤلف: (هو يوم القيامة) هذا لا شك أنه محتمل لكن فيه احتمال آخر أنه يوم القيامة ويوم موتهم أيضًا فإن يوم موتهم يشاهدون العذاب، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [الأنفال ٥٠، ٥١].
فهذا اليوم يجدون فيه العذاب قبل يوم القيامة، ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأنعام ٩٣]، وفي سورة الدخان ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى﴾ [الدخان ١٠ - ١٣] إلى قوله: ﴿إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾ [الدخان ١٥، ١٦] وهذا متى حصل؟ حصل في بدر حين قتل شرفاؤهم وساداتهم.
قال تعالى: (﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [سبأ ٣١] من أهل مكة)، أهل مكة (...) عليهم بالكفر قبل أن يكونوا مؤمنين لكن لا ينبغي أن نخصص ما عممه الله عز وجل، فالصواب: وقال الذين كفروا من أهل مكة وغيرهم، أيش قالوا؟ ﴿لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [سبأ ٣١] أعوذ بالله، أتوا بـ ﴿لَنْ﴾ الدالة على تأكيد النفي، ولم يقولوا: لا نؤمن، بل قالوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ﴾ يؤكدون انتفاء إيمانهم بالقرآن في المستقبل. ﴿لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ﴾ (هذا) الإشارة للقريب تحقيرًا له كما في قوله تعالى: ﴿أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ [الأنبياء ٣٦] ﴿أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾ [الفرقان٤١].
﴿لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [سبأ ٣١] قلت: إن الإشارة هنا للقريب تحقيرًا له. وقوله: ﴿الْقُرْآنِ﴾ على وزن (فُعْلان)، فهل هو بمعنى المقروء؛ أو بمعنى القارِئ، أو هو مصدر بمعنى الجمع؟ فيه خلاف لعلماء العربية، والصواب أنه مُتضمن للمعاني كلها؛ فهو بمعنى قارئ أي جامع؛ لأنه مُهيمن على الكتب السابقة، وجميع ما فيها من المصالح موجود فيها وهو مقروء؛ لأن الناس يقرؤونه ويتلونه وهو جمع أيضًا؛ لأنه جامِع لكل شيء، والفُعلان بمعنى المصدر موجود في اللغة العربية، مثل: الشُّكْران والكُفْران والنُّكْران، وما أشبه ذلك، والمراد بالقرآن هنا الكتاب الذي أنزله الله تعالى على محمد ﷺ، وهو اسم خاص به ﴿بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ ﴿وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ يعني ولا نؤمن بالذي بين يديه أي: (تقدمه كالتوراة والإنجيل الدالَّيْن على البعث بإنكارهم له)، يعني ولا نؤمن أيضًا بالذي بين يديه، والمراد على رأي المؤلف: بما بين يديه، ما سبقه، وليس ما يأتي بعده، ما سبقه من (...) منين؟ (...).
ما ذهب إليه المؤلف.
ويحتمل أن يراد بقوله: ﴿وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [سبأ ٣١] أي: ما يأتي مما أخبر به، فإن ما بين يدي الشيء مستقبله، كما قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [البقرة ٢٥٥] والمعنيان صحيحان، وإذا كانت الآية تحتمل معنيين صحيحين لا يتنافيان وجب حملها على الجميع؛ لأن القرآن شامل واسِع ﴿وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [سبأ ٣١] أي: ولا بالذي يأتي بعده مما أخبر به، أو: ﴿وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ ما تقدمه من الكتب كالتوراة والإنجيل.
قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى﴾ قال المؤلف: (يا محمد ﴿إِذِ الظَّالِمُونَ﴾ الكافرون ﴿مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [سبأ ٣١]).
﴿وَلَوْ تَرَى﴾ هذه (لو) شرطية، فعل شرطها ﴿تَرَى﴾ وهي جازمة ولَّا غير جازمة؟ غير جازمة، وجوابها محذوف؛ أي: لرأيت أمرًا فظيعًا، وجواب الشرط في مثل هذا التركيب أعظم من ذِكْره؛ لأن النفس تذهب في تقديره كل مذهب من الفظاعة والبشاعة.
و(لو) تأتي في اللغة العربية على عدة معانٍ: تأتي شرطية كما هنا، وتأتي مصدرية كما في قوله: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم ٩].
وقول المؤلف: (يا محمد)، قصر المؤلف الضمير على الرسول ﷺ مع أنه يحتمل أن يكون المراد به كل مخاطب؛ يعني ولو ترى أيها المخاطَب حال هؤلاء لرأيت أمرًا فظيعًا.
وقوله: ﴿إِذِ الظَّالِمُونَ﴾ [سبأ ٣١] ﴿إِذِ﴾ بمعنى وقت أو حين، فهي ظرف زمان، و﴿الظَّالِمُونَ﴾ مبتدأ و﴿مَوْقُوفُونَ﴾ خبره.
والمراد بالظالمين هنا قال المؤلف: (الكافرون)، وإنما خصَّها بالكافرين مع أن الظلم أعم لقرينة السياق؛ حيث قال الله تعالى في آخرها: ﴿وَجَعَلْنَا الأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [سبأ ٣٣]، فصار المراد بالظالمين هنا الكافرين.
هل كل كافر ظالم؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: هل كل ظالم كافر؟ لا؛ ولهذا لما قال الله تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة ٢٥٤] قال العلماء: نحمد الله أن لم يقل: والظالمون هم الكافرون.
﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [سبأ ٣١] أي: محبوسون، فمعنى وَقَفَه أي: حبَسَه، ومنه سُمِّي الوقْف للمال الحبيس الذي تُحبس عينُه، وتُسبَّل منفعته، فمعنى ﴿مَوْقُوفُونَ﴾ أي: محبوسون عند الله عز وجل. وقوله: ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ ولم يقل: عند الله؛ لأن مِثْل هذا الفعل العظيم الدال على العظمة يتناسب مع الربوبية؛ لكمال ربوبيته عز وجل، وكمال ملكه وسلطانه، تجد هؤلاء الظلمة الذين عندهم من العتو والاستكبار والعناد في الدنيا تجدهم في أذل شيء أمام ربوبية الله عز وجل.
﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ﴾ [سبأ ٣١] ﴿يَرْجِعُ﴾ بمعنى يرد، وعلى هذا فتكون متعدية؛ لأن رجع تأتي لازمة، وتأتي متعدية، فقولك: رجعت من مكة إلى المدينة؛ هذه لازمة ولَّا متعدية؟
* طلبة: لازمة.
* الشيخ: لازمة؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: رجعت من مكة إلى المدينة؛ لازمة، أيش تقولون؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: لازمة؛ لأنها لم تنصب المفعول. وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ﴾ [التوبة ٨٣] هذه متعدية.
وهنا قال: ﴿يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ﴾ متعدية ولَّا لازمة؟ متعدية؛ أي: يردهم.
وقوله: ﴿يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ﴾ ﴿الْقَوْلَ﴾ هنا مُبهم ومُجْمَل، ثم فصَّله بقوله: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ إلى آخره [سبأ: ٣١].
وفائدة الإبهام المفصل فائدته عظيمة؛ لأنه إذا أُجمل أولًا وأُبهم فإن النفس تتطلع إلى بيان ذلك الشيء وتفصيله ولَّا لا؟ عندما أقرأ: ﴿يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ﴾، ماذا يكون ذهنك؟ يكون ذهنك متطلعًا إلى بيان هذا القول الذي يتراجعونه، لكن لو قال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ ﴿يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ هكذا جاءت لم يكن لها من التمكن في الذهن مثل ما كان لها حينما أبهم القول، ثم بُيِّن، أو أُجْمِل، ثم فُصِّل.
﴿يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ﴾ ماذا يقولون؟ (﴿يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ الأتباع ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ الرؤساء ﴿لَوْلَا أَنْتُمْ﴾ صددتمونا عن الإيمان ﴿لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ بالنبي).
﴿لَوْلَا﴾ هذه شرطية أو لا؟ شرطية، ويقال فيها: حرف امتناع لوجود؛ لأنه امتنع جوابها لوجود شرطها، وتأتي (لولا) شرطية كما هنا، وتأتي للتحضيض كما في قوله: ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ [النور ١٣]، وتأتي للنفي كما في قوله: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ﴾ [يونس ٩٨] المعنى فما كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا.
هنا يقول: ﴿لَوْلَا أَنْتُمْ﴾. ابن مالك رحمه الله يقول:
؎وَبَعْدَ لَوْلَا غَالِبًا حَذْفُ الْخَبَرْ ∗∗∗ حَتْمٌ .....................
إذن هنا المبتدأ موجود، وهو ﴿أَنْتُمْ﴾ فأين الخبر؟ محذوف قدَّرَه المؤلف بقوله: (صددتمونا) من أين عرف أنه بهذا اللفظ؟ من قولهم: ﴿أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى﴾ [سبأ ٣٢]، إذن ما نُقدِّر هنا: لولا أنتم موجودون؛ لأن الصد أخص من مطلق الوجود، وإذا كان لنا طريق إلى تقدير الأخص فهو أولى من تقدير الأعم؛ ولهذا قلنا: إن القارئ إذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم، يُقدِّر المتعلَّق بقوله: أقرأ، لا بقوله: أبتدئ؛ لأن أبتدئ عامة وأقرأ خاصة، هنا يمكن أن نقول: لولا أنتم موجودون، لكن ما دُمنا نجد فعلًا أخص وهو الصد المدلول عليه بقوله: ﴿أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ﴾ [سبأ ٣٢] فإنه يجب أن نقدر لولا أنتم صددتمونا.
﴿لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ ٣١] هذا جواب الشرط؛ ولهذا اقترن باللام ﴿لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ لكن بمن؟ قال: (بالنبي).
والأصح أنه أعم؛ أي لكنا مؤمنين بما تشمله رسالة النبي ﷺ من الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبغير ذلك مما يجب الإيمان به.
﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ [سبأ ٣٢] ردوا عليهم القول ﴿يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ﴾ [سبأ ٣١] ردوا القول؟ وين الرد؟ (...).
يقول: ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ هذا رد لقولهم، شوف ﴿أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ﴾ [سبأ ٣٢] الاستفهام هنا بمعنى النفي؛ يعني لن نصددكم عن الهدى بعد إذ جاءكم، بل أنتم الذين اخترتم الكُفر، وهنا صدق قول الله عز وجل: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ [البقرة ١٦٦]، فهنا قال: ﴿أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ﴾ يعني إنا متبرئون منكم، ولا أجبرناكم على الكفر بل أنتم الذين اخترتم ذلك.
وقوله: ﴿صَدَدْنَاكُمْ﴾ أي: صرفناكم.
وقوله: ﴿عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ﴾ [سبأ ٣٢] هذا من باب تحقيق مجيء الهدى ووضوحه، وهذا إقرار من هؤلاء الرؤساء المستكبرين، إقرار منهم على أن الهدى قد جاء وبان ووضح ﴿بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ﴾ قال المؤلف في تفسيرها: (لا) إشارة إلى أن الاستفهام هنا للنفي، وكلما جاءكم (لا) بعد الاستفهام فإن ترجمتها أن المؤلف يرى أن الاستفهام هنا للنفي.
(﴿بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ﴾ [سبأ ٣٢] في أنفسكم)، شوف أعوذ بالله، في الدنيا تجده يأتي إليه المستكبِر هذا الضعيف يدعوه بلطف تام، وفي الآخرة يلعن بعضهم بعضًا، ويتبرأ بعضهم من بعض.
«انظر إلى ملك غسان لما بلغه أن النبي عليه الصلاة والسلام هجر كعب بن مالك، ويش أرسل إليه؟ أرسل إليه خطابًا رقيقًا لطيفًا وقال له: إنه بلغنا أن صاحبك قد هجرك فأتِ إلينا نواسِك، شوف التلطف (...) ولكن لم ينخدع كعب رضي الله عنه لإيمانه، وخاف أن ينخدع في المستقبل، فماذا صنع؟ ذهب إلى التنور وأوقد هذه الورقة»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٤١٨)، ومسلم (٢٧٦٩ / ٥٣) من حديث كعب بن مالك.]].
وهكذا كل شيء تخشى على نفسك منه في المستقبل يجب عليك أن تُتلفه، لا تقل: إني الآن ما يمكن أفعل هذا الشيء أبدًا، ولا يمكن أن أضل به، صحيح أنك في بادئ البدء قد لا تنخدع لكن الشيطان يعمل عمله؛ ولهذا يجب عليك أن تتلف كل ما تخشى أن تكون عاقبته عليك وخيمة.
الحاصل أن هؤلاء في الآخرة ما يتوددون، ولا يتلطفون، ولا يرحمون هؤلاء الأتباع، قال: ﴿بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ﴾ [سبأ ٣٢]، والإجرام هو الذنب الذي لا يغتفر.
قال: ﴿بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ﴾ ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ﴾ [سبأ ٣٣] شوف إضراب على إضرابهم، (...) قال: ﴿بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ﴾ إضراب في أيش؟ عن قولهم: ﴿لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ ٣١]، ثم هؤلاء أضربوا عنهم؛ يعني قابلوهم بإضراب آخر.
قالوا: (﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [سبأ ٣٣] أي مكر فيهما منكم بنا). ﴿مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ هنا المكر مضاف إلى الليل على تقدير (في)؛ لأن الإضافة قد تكون على تقدير (من)، وعلى تقدير (اللام)، وعلى تقدير (في)، فإن كان الأول من الثاني يعني بأن كان الثاني جنسًا للأول فهو على تقدير (مِن)، وإذا كان الثاني ظرفًا للأول فهو على تقدير (في)، وما عدا ذلك فعلى تقدير (اللام).
خاتم حديد، على تقدير (مِن)، كذا؟ ثوب خز، على تقدير (مِن)، (في) مكر الليل؛ أي: مكر في الليل.
ما هو المكر؟ قالوا في تعريف المكر: إنه التوصل بالأسباب الخفية إلى الإيقاع بالمقابِل، هذا المكر؛ يعني بالذي قابلك، أو إن شئت فقل: بالخصم، كذا؟ عرِّف لي ما (...)؟ ﴿مَكْرُ اللَّيْلِ﴾ أضيف المكر هنا إلى الليل؛ لأنه ظرف..
يقول: نحن أكثر أموالًا وأولادًا، وإن رُجِعْنا إلى الله فإننا لن نعذب، وهذا على أحد الاحتمالين، والاحتمال الثاني أن قولهم: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ ٣٥] أي: أننا لن نُبْعَث ونُعَذَّب.
ثم قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ [سبأ ٣٦] إلى آخره.
في هذا إثبات المشيئة لله؛ لقوله: ﴿لِمَنْ يَشَاءُ﴾، وإثبات الأفعال الاختيارية؛ لقوله: ﴿يَبْسُطُ﴾ ﴿وَيَقْدِرُ﴾.
* وفيه أيضًا: أن كثرة المال والولد لا يدل على الرضا، وإنما هو تابع لماذا؟ لمشيئة الله.
* ومنها: الحكمة العظيمة البالغة في اختلاف الناس في سعة الرزق وضيقه، لولا ذلك ما قامت مصالح الخلق، لو كان الناس على حَدٍّ سواء في الغنى هل يخدم بعضهم بعضًا؟ لا، ولا يقوم بعضهم بمصالح بعض، وانظر إلى قوله تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ [الزخرف ٣٢] لماذا؟ ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف ٣٢]، ولولا هذا الاختلاف من بَسْط الرزق وسعته ما حصلت هذه الفائدة العظيمة، وهو تسخير الناس بعضهم لبعض.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن أكثر الناس جهالٌ بحكمة الله عز وجل في أفعاله؛ لقوله: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
{"ayahs_start":29,"ayahs":["وَیَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","قُل لَّكُم مِّیعَادُ یَوۡمࣲ لَّا تَسۡتَـٔۡخِرُونَ عَنۡهُ سَاعَةࣰ وَلَا تَسۡتَقۡدِمُونَ","وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَن نُّؤۡمِنَ بِهَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَلَا بِٱلَّذِی بَیۡنَ یَدَیۡهِۗ وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ مَوۡقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمۡ یَرۡجِعُ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ ٱلۡقَوۡلَ یَقُولُ ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ لِلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوا۟ لَوۡلَاۤ أَنتُمۡ لَكُنَّا مُؤۡمِنِینَ","قَالَ ٱلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوا۟ لِلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوۤا۟ أَنَحۡنُ صَدَدۡنَـٰكُمۡ عَنِ ٱلۡهُدَىٰ بَعۡدَ إِذۡ جَاۤءَكُمۖ بَلۡ كُنتُم مُّجۡرِمِینَ","وَقَالَ ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ لِلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوا۟ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَاۤ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥۤ أَندَادࣰاۚ وَأَسَرُّوا۟ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا۟ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَـٰلَ فِیۤ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۖ هَلۡ یُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ","وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا فِی قَرۡیَةࣲ مِّن نَّذِیرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَاۤ إِنَّا بِمَاۤ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَـٰفِرُونَ","وَقَالُوا۟ نَحۡنُ أَكۡثَرُ أَمۡوَ ٰلࣰا وَأَوۡلَـٰدࣰا وَمَا نَحۡنُ بِمُعَذَّبِینَ","قُلۡ إِنَّ رَبِّی یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ"],"ayah":"قُلۡ إِنَّ رَبِّی یَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن یَشَاۤءُ وَیَقۡدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق