الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ﴾ [سبأ ٣]، الذين كفروا بالله عز وجل وبقدرته وبحكمته قالوا: ﴿لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ﴾، قالوا هذا اللفظ ولَّا قالوا معنى هذا اللفظ؟
الجواب: قالوا هذا اللفظ؛ لأن الأصل إنما نقل عن الغير فإنه منقول بنصه وفصله، فهم قالوا: ﴿لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ﴾.
وقالوا في موضع آخر: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس ٧٨]، وتنوعت عباراتهم في إنكار القيامة، هم قالوا: ﴿لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ﴾، يعني: لا يمكن أن تأتينا الساعة، مع أن الله يقول: ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ [الحج ٧]، فكذَّبُوا بذلك قول الله مستَنِدِين إلى استبعاد عقولهم أن ترجع هذه العظام النخرة حتى تعود إنسانًا حيًّا، وما علموا أن الذي بدأ الخلق قادر على إعادته، ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم ٢٧].
فشُبْهَتُهم إذن في هذا الإنكار هي أيش؟ الاستبعاد فقط، هذه واحدة.
ثانيًا: يقولون: إذا كنتم صادقين في أننا سنُبْعَث ائتوا بآبائنا، ابعثوهم لنا، وهذا تحدٍّ في غير موضعه؛ لأن الرسل لم تقل لهم: إنكم تُبْعَثُون الآن، تبعثون متى؟ إذا مات الخلق، إذا انتهت الخلائق ومات الخلق كلهم بُعِثُوا، فهذا التحدي في غير موضعه، هذا التحدي في موضعه لو كانت الرسل تقول: إن الناس يُبْعَث أولهم الآن مع وجود آخرهم، صح أن يقال: ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين، أَمَا وقد قالت: إنهم سيُبْعَثُون بعد أن يفنى الخلق كله ممن سيُبْعَث، فهذا ليس فيه التحدي.
المهم إذن شُبْهَتهم الاستبعاد والتحدي في غير موضعه، حيث قالوا: ائتوا بآبائنا.
يقول الله عز وجل: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ [سبأ ٣]، ﴿بَلَى﴾ هذه يؤتَى بها لإبطال النفي، ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾، أمر الله النبي عليه الصلاة والسلام أن يصدع بخلاف ما قالوا مُؤَكِّدًا ذلك بالقسم واللام والنون، ﴿وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾.
قلت: ﴿بَلَى﴾ جواب لإبطال النفي، ﴿وَرَبِّي﴾ قسم، واللام للتوكيد، والنون أيضًا للتوكيد، فالجملة مؤكَّدة بثلاث مؤكِّدات.
﴿لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ أي: الساعة، وهذا أحد المواضع الثلاثة التي أمر الله نبيه أن يُقْسِمَ عليها.
والموضع الثاني: قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ [يونس ٥٣].
والموضع الثالث: قوله تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [التغابن ٧].
وإنما أمر الله تعالى نبيَّه محمدًا ﷺ أن يُقْسِم على ذلك لأهميته وعِظَمِه، ولأنه مقتضى البلاغة، فإن مقتضى البلاغة أن المنكِر يؤتَى له بالكلام مؤكَّدًا بمؤكِّد واحد، أو اثنين، أو ثلاثة، حسب ما يقتضيه المقال.
ولأهمية هذا الموضوع أمر الله نبيه محمدًا ﷺ أن يقسم عليه.
فإن قلت: ما فائدة القَسَم أمام مَن يُنْكِر؛ لأن مَن أنكرك بدون قَسَم أنكرك مع القسم، فما الفائدة؟
الجواب من وجهين:
الوجه الأول: أن هذا هو مقتضى اللسان العربي؛ أن الأخبار تؤكَّد بأنواع المؤكِّدات.
الثاني: أن التأكيد يدل على أن المتكلِّم جازم بهذا الْمُقْسَم عليه جزمَه بما أقسم به، فكما أننا جازمون بالله عز وجل بوجوده وكماله، فنحن جازمون أيضًا بما أقسم عليه، وهو إتيان الساعة.
قال: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ﴾، ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ بالجر، عندي يقول: (بالجر صفة، والرفع خبر مبتدأ)، و﴿عَلَّامِ﴾ بالجر، ففيها إذن ثلاث قراءات.
* طالب: عالم.
* الشيخ: لا، و﴿عَلَّامِ﴾ صَحِّح، و﴿عَلَّامِ﴾ بالجر، فالقراءات إذن ثلاث: ﴿عَالِمِ﴾ مرفوعة ومجرورة، و﴿عَلَّامِ﴾ مجرورة فقط.
قوله: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ﴾، مناسبة ذكر هذه الصفة لإثبات القيامة ظاهر؛ لأن قيام الساعة مِن عِلْم الغيب، والذي أخبر به هو عَلَّام الغيب، فإذا صدر هذا الخبر من عالم الغيب وجب علينا قبوله، ولهذا الخبر عن المستقبل إذا صدر من جاهل لا يدري فإننا نرفضه، وإذا صدر من عالم فإننا نقبله، وعِلْم الله الغيب أمرٌ معلوم حتى عند الكفار، فإن الله سبحانه وتعالى يخبر بأشياء ثم تقع ويشاهدونها، وهذا شيء لا يَمْتَرُون فيه، فلهذا وصف الله نفسه بهذه الصفة بعد إثبات إتيان الساعة؛ لأنه أمر معلوم عندهم، فإذا صدر هذا الخبر من عالم الغيب الذين يُقِرُّون بعلمه الغيب صار الخبر مؤكَّدًا واقعًا.
وقوله: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ بالجر صفة لـ(رب)؛ لأن (رب) مجرور.
فنقول في إعرابه: الواو حرف قسم وجَرّ، (رِبِّ) مُقْسَم به مجرور بالكسرة الظاهرة، و(رب) مضاف، والياء مضاف إليه مبنية على السكون في محل جر، صحيح إعرابي؟
* طالب: غير ظاهرة.
* الشيخ: الباء ﴿رَبِّي﴾.
* طالب: ما فيه ياء.
* الشيخ: فيه، عندي أنا ﴿رَبِّي﴾ فيها ياء.
* طلبة: (...).
* الشيخ: إي، إذن يكون معربًا مجرورًا بكسرة مقدَّرة على ما قبل ياء المتكلِّم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، فليست الكسرة هذه كسرة الإعراب، عرفتم؟ وإنما قلنا ذلك لأنه ربما يَرِد علينا مثل قولنا: ربي الله، كيف تكون مجرورة؟ ما هي مجرورة هذه، الكسرة هذه لأجل المناسبة، فالكسرة إذن ثابتة قبل أن يدخل حرف الجر، فلذلك تكون الكسرة الإعرابية مقدَّرة على ما قبل ياء المتكلِّم.
إذن هو مجرور، ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ صفة لـ(رب)، وصفة المجرور مجرور.
أما بالرفع فيقول: (خبر مبتدأ) يعني: هو عالم الغيب، والجملة كلها إما حال من (رب)، وإما استئنافية لبيان اتصاف الله تعالى بهذا العِلْم.
والغيب ما غاب عن الإنسان، وهو أمر نسبي، لكن الغيب المطلَق لا يكون إلا لله عز وجل.
أقول: إن الغيب أمر نسبي؛ لأنه قد يَغِيب عنك ما لا يغيب عن غيرك، فصاحب الدكان اللي عند المسجد الآن تَصَرُّفُه الذي يتصرفه الآن بالنسبة لنا غيب، لكن بالنسبة لمن عنده شهادة، فالغيب أمر نسبي.
ولذلك الخبر عن الشيء الواقع هل يُعْتَبَر من الغيب الذي يختص به الله؟ لا؛ لأنه يعلمه مَن وقع عنده وحدث عنده، لكن الغيب المستقبل هذا هو الذي من خصائص علم الله عز وجل، ولهذا مَن ادَّعَى علم الغيب في المستقبل صار مكذِّبًا لقول الله تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل ٦٥]، ومَن ادَّعَى علم غيب واقع فهذا الغيب ليس غيبًا مطلقًا، ولكنه غيب نسبي يعلمه مَن شاهده، ولا يعلمه مَن لم يشاهده.
فغيب الله في قوله: ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ يشمل الأمرين ولَّا يشمل المستقبل فقط؟ يشمل الأمرين؛ لأن كل ما حدث ولو في أزمان بعيدة جدًّا فالله عالم به، وكل ما سيحدث فالله عالم به، فالغيب المطلَق للواقع وغيره، والمنتظَر هذا من خصائص علم الله، والغيب المقيَّد بالواقع هذا أيش؟ ليس من خصائص علم الله، بل هو حاصل لكل مَن شاهده.
قوله: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ﴾ يقول: (يغيب، ﴿عَنْهُ﴾ يعني: عن الله عز وجل، ﴿مِثْقَالُ﴾: وزن، ﴿ذَرَّةٍ﴾: أصغر نملة، ﴿فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ ٣]).
هذا قوله: ﴿لا يَعْزُبُ عَنْه﴾ إلى آخره، صفة من الصفات السلبية، و﴿عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ من الصفات الثبوتية.
والصفات الثبوتية كما تَقَرَّر كلها صفات كمال، والصفات السلبية تأكيد لصفات الكمال؛ لأنها تتضمن صفة الكمال المنفي عنها هذا العيب، انتبه! الصفات السلبية يعني: النفي تأكيدٌ للكمال؛ لأنها تتضمن ثبوت الصفات الكمالية الخالية من هذه الصفة التي تعتبر صفة نقص، ولهذا ما مِن نفي في صفات الله إلا وهو متضمِّن لإثبات ضده، بل لإثبات كمال ضده.
فمثلًا إذا قلنا: لا يعزُب عن علم الله شيء، فذلك لكمال علمه، إذا قلنا: إنه عز وجل خلق السماوات في ستة أيام ولم يَمَسَّه لغوب، فذلك لكمال قدرته، وعلى هذا فَقِسْ.
فكل صفات النفي المضافة إلى الله عز وجل يُرَاد بها إثبات كمال الضد، كأنه وصف الله بالكمال الخالي عن هذا النقص.
وقوله: ﴿مِثْقَالُ ذَرَّةٍ﴾ يقول المؤلف: أنها صغار النمل (أصغر نملة)، أفادنا المؤلف أن من النمل ما هو صغير وما هو كبير، ونحن في عُرْفِنا على خلاف ذلك، عندنا أن النملة نوع معين من الذَّرّ، ولَّا لا؟ عندنا الذرة الصغار، وعندنا شيء يسمونه نملة، النمل معروف هذا اللي أكبر من الذَّرّ شوي ودون القعر، القعر ما أدري أنتم تسمونه بهذا الاسم ولَّا لا؟ تسمونه بهذا الاسم؟
* طالب: ما أعرفه.
* الشيخ: إي ما تعرفه؟ يمكن تقرصك في يوم من الأيام تعرفه إن شاء الله.
هي يقولون: إن هذا القعر هذه من أَعْنَد ما يكون، يُضْرَب بها المثل في العناد؛ لأنك تزحزح عنك ولكنها ترجع، ثم إذا مسك ثوبك ولَّا جلدك ما يمكن تنفك، تنقطع ولا تنفصل، سبحان الله! من عنادها إذا أمسكت بالثوب، يعني عضدته بقرنيها ولَّا الجلد ما تتزحزح أبدًا، تجيء تزيلها تنقطع.
وفيه أيضًا يسمونه عندنا القِعْس، لكن هذه أنواع لجنس في الواقع، كلها تسمى نملًا، كلها نمل وكلها ذَرّ، ولهذا نَهْي الرسول ﷺ عن قَتْل النمل يشمل هذا كله.
قوله: (﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ ٣] وهو اللوح المحفوظ)، هل في هذا علم؟
﴿وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾، نقول: فيه إثبات العلم؛ لأنه لا كتابة إلا بعد العلم، كتابة المجهول لا تتصور، فيكون فيه فائدة زائدة على إثبات العلم، وهو أن معلوم الله عز وجل مكتوب في اللوح المحفوظ، وسيأتي إن شاء الله بقية الكلام على هذا (...).
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ما يدل على هذا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: قد يَعْرُج الشيء ولا يصل إلى السماوات ولا يدخل فيها، فروح الكافر -مثلًا- تُغْلَق عنها أبواب السماء ما تدخل، وهي تعرج.
* طالب: (...).
* الشيخ: الواقع اللي حادث مثلًا.
* الطالب: لو قال قائل: الجنة وما فيها شيء واقع، هذا ما يختص، يعني: ما يختص بعلم الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: لا أبدًا، نحن نعلم الجنة من وجه، ونجهلها من وجه آخر.
* الطالب: نجهل كيفية (...) نعرف أنها (...).
* الشيخ: نعم، نعرف الأسماء من هذه دون المسميات.
* الطالب: هذا أيضًا من علم (...).
* الشيخ: إي، ما فيه شك، هذا علم واقع، نعرف أن هناك جنة الآن، وفيه نار، وفيها ما ذُكِرَ من النعيم أو من العذاب.
* الطالب: لكن نجهل كيفيتها وكيف..
* الشيخ: صحيح؛ لأن ما باشرناها، عندنا الآن لو يعلمك إنسان بخبر واقع في بلادك -مثلًا- بل في بيتك الآن اللي أنت فيه تعرف المعنى لكن ما تعرف الحقيقة كما هي إلا إذا شاهدتها.
* * *
* طالب: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
الثالث: بيان ما يلزم على نفيهم من لوازم باطلة فإن فساد اللازم يدل على فساد الملزوم.
الرابع: أن النصوص الواردة في الصفات لا تحتمل التأويل، ولئن احتمله بعضها فليس فيه ما يمنع إرادة الظاهر، فتعيَّن المصير إليه.
الخامس: أن دعوى هذه (...).
* الشيخ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ﴾، أين مقول القول في قول (...).
فيه أيضًا قبل أَخْذ الفوائد أَمَرَ الله نبيه ﷺ أن يقسم هنا بأن الساعة تأتيهم، هل لها نظير في القرآن؟
* طالب: نعم، ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ﴾ [يونس ٥٣].
* الشيخ: لا، الإقسام على هذا المعنى نفسه.
* طالب: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ﴾.
* الشيخ: ﴿ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [التغابن ٧]، فيه موضع ثالث أيضًا أمر الله نبيه بالقسم به.
* طالب: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [القيامة ١].
* الشيخ: لا، أمر الله نبيه أن يقسم.
* طالب: ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ [يونس ٥٣].
* الشيخ: ﴿قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: إنكار الكافرين للبعث؛ لقولهم: ﴿لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ﴾.
* ومن فوائدها: أن إنكار البعث كفر؛ لقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، فإن قلت: ما وجه الدلالة؟ فالجواب: أن وجه الدلالة أنه لو لأن هذا الوصف تأثيرًا لما قاله الله تعالى بهذا الوصف، لقال: وقالوا لا تأتينا الساعة، فلما قال: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، عُلِمَ أن هذا القول لا يصدر إلا عمَن؟ عن كافر، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تعظيم شأن القيامة؛ لأمر الله نبيَّه محمدًا ﷺ أن يُقْسِم على أنها ستقع، ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: كمال رحمة الله عز وجل بعباده، حيث أخبرهم بالبعث وأكَّده بالمؤكِّدات اللفظية والمعنوية والحسية أيضًا؛ لأن الإيمان بالبعث هو الذي يحمل الإنسان على القيام بطاعة الله؛ إذ لو لم يكن هناك بعث ما عمل الإنسان للآخرة أبدًا.
فنقول: إن هذا دليل على رحمة الله سبحانه وتعالى بالعباد؛ أن يؤكِّد لهم البعث الذي يكون فيه الجزاء على العمل من أجل أن يعملوا لهذا اليوم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الساعة موكولة إلى علم الله؛ لقوله: ﴿لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ﴾، فهي خبر من أخبار الله سبحانه وتعالى الغيبية التي لا يطلع عليها إلا الله.
والآيات في هذا المعنى والأحاديث أيضًا كثيرة، فمن ادَّعَى علم الساعة فهو كافر؛ لأنه مُكَذِّب للقرآن والسنة وإجماع المسلمين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: شمول علم الله لكل شيء؛ لقوله: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ﴾.
* ومنها: إثبات السماوات، وأنها عدة، يؤخَذ ذلك منين؟ (...).
نعم من قوله: ﴿فِي السَّمَاوَاتِ﴾ وجمعها، ففيه إثبات السماوات وأنها عدة.
الأرض هل هي كالسماوات؟
الجواب: نعم، كما تدل عليه نصوص أخرى غير هذه الآية.
* ومن فوائدها: أن هناك شيئًا أصغر من الذرة؛ لقوله: ﴿وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ﴾ وهو الواقع، فإن في مخلوقات الله عز وجل ما لا تكاد تراه بعينك، ما لا تراه إلا بالمجهر، ومع ذلك إذا رأيت هذا الشيء -سبحان الله العظيم!- في مجهر يُكَبِّر يخلي الشيء مليون مرة، كبّره مليون مرة، إذا رأيت هذا الشيء اللي ما تراه بعينك تجد له جميع مصالحك أيدي وأرجل وأعين، كل شيء، حتى الزغب اللي على ظهره لوقايته تجده موجودًا، وهذا دليل على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى، وأنه لطيف خبير سبحانه.
* وفيها أيضًا -من فوائد الآية الكريمة-: إثبات اللوح المحفوظ؛ لقوله: ﴿كِتَابٍ﴾.
* ومن فوائدها: أن هذا اللوح كُتِبَ فيه مقادير كل شيء الصغير والكبير؛ لقوله: ﴿وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.
* ومنه -من فوائده أيضًا-: أن هذا الكتاب مُبِين، أي: مُفَصِّل لكل شيء، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام ٣٨]، ففي هذا اللوح المحفوظ كل ما يكون إلى يوم القيامة كما جاءت بذلك السنة موضحة هذا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إباحة القَسَم، بل وجوبه إذا دعت الحاجة إليه، من أين يؤخذ؟ من أَمْر الله نبيه أن يُقْسِم أيش؟ على قيام الساعة: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾.
ولهذا نجد بعض الأئمة رحمهم الله إذا ذَكَرُوا حكم مسألة من المسائل أحيانًا يُقْسِمُون عليها، وهذا يوجد في كلام الإمام أحمد، وربما في كلام غيره لكن لم نطلع عليه، فإنه أحيانًا يُسْأَل: هل تقول بكذا وكذا؟ فيقول: إي والله، فيُقْسِم على الشيء تثبيتًا له وتأييدًا، وإيحاءً بطمأنينته إليه بالنسبة للمخاطب.
وعلى هذا فيجوز للمفتي أن يحلف على الحكم إذا دعت الحاجة إلى ذلك، بل قد يكون ذلك واجبًا حسب ما تقتضيه الحال.
قوله: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ هل يستفاد من هذه الآية الكريمة أن الخطاب الخاص بالرسول ﷺ يشمله والأمة؟ ليس فيها دلالة ظاهرة على هذا، ولكنه سبق لنا أن الخطاب الموجَّه إلى الرسول ﷺ ينقسم إلى؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، إلى ثلاثة أقسام؛ قسم فيه الدلالة الصريحة على أن المراد به الأمة، يعني مع الرسول ﷺ.
والقسم الثاني: الدلالة الصريحة على أنه خاص بالرسول ﷺ.
والقسم الثالث: ما ليس فيه دلالة ولا قرينة، فهذا مختلَف فيه عند أهل العلم؛ هل هذا الخطاب الموجَّه للرسول عليه الصلاة والسلام يشمل الأمة بمقتضى الصيغة، أم يشمل الأمة بمقتضى الأسوة؟
مثال الذي فيه الدلالة على أنه خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام، مثل: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ [الشرح ١، ٢]، فهذا بلا شك خاصّ بالرسول عليه الصلاة والسلام.
ومثال ما قام الدليل على العموم: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق ١]، ففي قوله: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾ دلالة واضحة على أن الخطاب للرسول ﷺ مرادًا به الأمة أيضًا، وما عَدَا ذلك فهو كثير.
فهل يشمل الأمة الحكم بمقتضى الخطاب أو بمقتضى الأسوة؟ فمنهم مَن يقول: إنه يشمل الأمة بمقتضى الخطاب، لكنه وُجِّه للرسول عليه الصلاة والسلام لأنه إمامهم، وأن نظير ذلك أن تقول لقائد الجيش: اذهب إلى الجبهة الفلانية، فالمراد: اذهب ومَن معك، مَن يتبعك مِن الجنود.
ومنهم مَن يقول: إنه خاصّ بالرسول عليه الصلاة والسلام لا يشمل الأمة، لكن الأمة مأمورة بالتأسي به؛ ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب ٢١].
والخلاف في هذا قريب من اللفظ؛ للاتفاق على أن هذا الحكم يشمل الأمة.
إذن لو سمعنا شخصًا ينكر الساعة لنا أن نحلف، أو هل نحن مأمورون أن نحلف على ثبوتها؟ نعم، مأمورون بأن نحلف على ثبوتها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تأكيد الحكم على حسب ما تقتضيه الحال، أو بعبارة أصح: تأكيد الخبر على حسب ما تقتضيه الحال، وقد ذكر البلاغيون أن الخبر ينقسم إلا ثلاثة أقسام:
إما أن يُلْقَى إلى خالي الذِّهْن، أو إلى المتردِّد، أو إلى الْمُنْكِر؛ فإن أُلْقِي إلى خالي الذهن فإنه لا حاجة إلى تأكيده، ولا يمكن أن يؤكَّد حسب قواعد البلاغة إلا لنكتة، وإن ألقي إلى متردد حَسُن توكيده؛ ليزول عنه هذا التردد والشك، وإن أُلْقِي إلى مُنْكِر وجب توكيده.
فالأول: ابتدائي، والثاني: طلبي، والثالث: إنكاري، مَرَّ علينا هذا في البلاغة.
هذه المسألة تأكيد هذا الخبر: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾ من أي الأقسام الثلاثة؛ الإنكاري، أو الطلبي، أو الابتدائي؟ الإنكاري؛ لأنه يخاطَب به قومٌ مُنْكِرُون، فكان تأكيده واجبًا.
ذكرنا أثناء الشرح إيرادًا، وهو أنه إذا كان هؤلاء مُنْكِرين فلا فائدة من القَسَم لهم؛ لأن الْمُنْكِر للخبر سواء أقسمت أم لم تقسم ما هو مصدقك، وأجبنا عن ذلك.
* طالب: بحوابين، قلنا: الأول: أنه أسلوب من أساليب العرب إذا أُنْكِر عليهم يُقْسِمون، يعني يُبَيِّن صدق اعتقاد هذا الشخص أنه مستيقِن المنقول عن الشيخ، فهو يُقْسِم.
* الشيخ: كما استيقن مِن وجود المحلوف به.
* طالب: قوله في الشرح: (حَسَن في الجنة).
* الشيخ: إي نعم، ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [سبأ ٤] هنشرح الحين دي؟ ما شرحناها.
* طالب: شيخ، الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾ [البقرة ٢٢٤].
* الشيخ: نعم، ﴿لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾ كَمِّل الآية.
* الطالب: ﴿أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
* الشيخ: أصحّ ما قيل فيها: إن المعنى لا تجعلوا اليمين مانعًا لكم مِن فِعْل البِرّ والتقوى والإصلاح بين الناس، لا تجعلوه عرضة في كذا وكذا، هذا أصح ما قيل فيها.
{"ayah":"وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَا تَأۡتِینَا ٱلسَّاعَةُۖ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّی لَتَأۡتِیَنَّكُمۡ عَـٰلِمِ ٱلۡغَیۡبِۖ لَا یَعۡزُبُ عَنۡهُ مِثۡقَالُ ذَرَّةࣲ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَاۤ أَصۡغَرُ مِن ذَ ٰلِكَ وَلَاۤ أَكۡبَرُ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق