الباحث القرآني

قال الله عز وجل بعد هذا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا﴾ [سبأ ٢٨].. ذكرنا أن المؤلف رحمه الله فسَّر في تفسيره العزيز بـ(الغالب)، وفي قوله: ﴿الْحَكِيمُ﴾ [سبأ ٢٧] (في تدبيره لخلقه)، وأخطأ أيضًا في قوله: (فلا شريك له في ملكه)؛ لأنه ليس المقام مقام نفي الشريك في الملك، إنما المقام مقام نفي الشريك في العبادة؛ إذ إن هؤلاء المشركين يعترفون بأن الله لا شريك له في ملكه. قال الله تعالى: (﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً﴾ حال من الناس قُدِّم للاهتمام ﴿لِلنَّاسِ﴾ [سبأ ٢٨]). قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً﴾ هذا الاستثناء يسمونه استثناء مفرغًا من أعم الأحوال؛ يعني ما أرسلناك لأي حال من الأحوال إلا بهذه الحال يعني إلا للناس كافة ﴿كَافَّةً﴾ بمعنى جميعًا. وقوله: ﴿أَرْسَلْنَاكَ﴾ الإرسال معناه الأمر بتبليغ الشيء فأنت إذا أرسلت شخصًا من الناس إلى شخص آخر معناه أنك أمرتَه أن يبلغ شيئًا ما إلى الموصل إليه؛ ولهذا قال العلماء في تفسير الرسول: هو الذي أوحي إليه بالشرع وأُمِر بتبليغه. وقوله: ﴿إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾ [سبأ ٢٨] الناس معناهم هم البشر، وسموا ناسًا من قولهم: أنِس إذا تحرك وعمل، وعلى هذا فيكون الناس اسمًا مشتقًا، وليس اسمًا جامدًا، قالوا: وأصله الأُناس، أصله الأناس، لكنها حُذِفت الهمزة تخفيفًا لكثرة الاستعمال، قالوا: ومثل ذلك قولهم: شر وخير، بأن تقول: هذا خير من هذا؛ بمعنى أَخْيَر من هذا، فحُذِفت الهمزة للتخفيف لكثرة الاستعمال، قالوا: ومِنْ ذلك الله، فأصله الإله، حُذِفت الهمزة للتخفيف؛ لكثرة الاستعمال، على أن هذه المسألة الثانية الأخيرة فيها شيء من النظر؛ لأن الإله تأتي إلى جانب الله فتقول: هو الله الإله العظيم، إلى آخره. يقول: (﴿إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾ أي: كفار مكة) وهذا قصور من المؤلف رحمه الله؛ لأننا إذا قلنا: إنك أُرسلت إلى كفار مكة فغيرهم لم يرسل إليهم، وهذا قصور عظيم جدًّا، كيف تأتي كلمة الناس في مقام الرسالة ونقول: المراد بها كفار مكة، الصواب أن المراد بها كل البشر، كفار مكة، وكفار واشنطن، وكفار موسكو، وكفار الصين، وكل الكفار ولَّا لا؟ إلى يوم القيامة ولَّا في حياته فقط؟ إلى يوم القيامة للناس عمومًا. ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [سبأ ٢٨]. (﴿بَشِيرًا﴾ مُبشِّرًا للمؤمنين بالجنة و﴿وَنَذِيرًا﴾ منذرًا للكافرين بالعذاب) ﴿بَشِيرًا﴾ حال أيضًا من الكاف في قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ﴾ ﴿بَشِيرًا﴾ فعيل بمعنى (مُفْعِل)، أو بشير بمعنى لبشارة، وفعيل تأتي بمعنى (مُفْعِل) كما أسلفنا ذلك كثيرًا. وقوله: (بشيرًا للمؤمنين بالجنة ونذيرًا للكافرين بالنار)، ينبغي أن يقال: (بشيرًا للمؤمنين بالجنة) كما قال المؤلف: ونذيرًا للعاصين بالعقوبة؛ ليشمل الإنذار عن الكفر والإنذار عن المعاصي، يعني حتى المعاصي رُتِّبت عليها عقوبات من أجل أن تردع الإنسان عن فعلها، والله أعلم. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [سبأ ٢٨] (...). ﷺ؛ لقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ﴾ [سبأ ٢٨]. وفيها دليل على أن محمدًا ﷺ عبد مأمور لا رب آمِر؛ لقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ﴾ كذا، ما الذي قلت؟ (...). * وفيها أيضًا: عموم رسالة النبي ﷺ. على رأي المؤلف: ﴿إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾، فهو كقوله ﷺ: «وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»[[أخرجه البخاري (٣٣٥) من حديث جابر بن عبد الله.]]. أو نقول: لقوله: ﴿لِلنَّاسِ﴾ فإن الناس هذه من صيغ العموم؛ لأن فيها رأيًا آخر يقول: ﴿كَافَّةً﴾ بمعنى كاف، يعني إلا تكف الناس عن الشرك والعصيان، أو ﴿إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾ [سبأ ٢٨]؛ أي: جامعًا لهم على التوحيد والإخلاص، وعلى هذا فتكون حالًا من الكاف في قوله: ﴿أَرْسَلْنَاكَ﴾ والتاء فيها على هذا المعنى، التاء فيها للمبالغة كقوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ [النحل١٢٠] أي: إمامًا، وكما يقال: هذا علَّامة؛ أي (علَّام)، لكن تكون التاء للمبالغة. فصار عندنا في ﴿كَافَّةً﴾ قولان: وأن ما ذكرته في الشرح للقصور لا للتقصير ﴿كَافَّةً﴾ أيش؟ فيها وجهان: أن تكون حالًا من الناس مقدمة عليها، وأن تكون حالًا من الكاف في ﴿أَرْسَلْنَاكَ﴾ وعلى هذا المعنى على هذا الوجه تكون ﴿كَافَّةً﴾ بمعنى: كافّ؛ أي جامع أو كاف؛ أي: مانع تكف الناس. وهذا الرأي واضح معناه، والعموم منين تستفيد على هذا الرأي؟ من قوله: (الناس)؛ لأنها لفظ عام. * من فوائد الآية أيضًا: أن رسالة النبي ﷺ تضمن شيئين هما البشارة والإنذار، البشارة للطائع بالثواب والإنذار للعاصي بالعقوبة. * ومن فوائدها: الإشارة إلى الحكمة من إرسال الرسل، وهي التبشير والتنذير، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء ١٦٣] إلى قوله: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء ١٦٥]. * ومن فوائدها: أن أكثر الناس لا يعلمون الحكمة من إرسال الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يعلمون أنه رسول، كذا؟ أكثر الناس، أما الأول فواضح أن أكثر الناس لا يعلمون الحكمة من إرسال الرسل؛ وأما الثاني ففيه نظر؛ لأن الرسالة بلغت أكثر الناس، وستبلغ الناس جميعًا حتى تقوم عليهم الحجة. * من فوائد الآية الكريمة: أن الأكثرية لا يلزم أن يكون الصواب معها؛ لأن أكثر الناس لا يعلمون فهم في جهل؛ إذ إن المتمسك بالأديان قليل، والمتمسك بالأديان هو صاحب العلم، وهو صاحب اليقين. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الأسباب مِنْ أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾ على المعنى الأخير الثاني اللي هو ﴿كَافَّةً﴾ بمعنى مانع، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام سبب، وليس بموجب، فهو سبب للهداية ولكن إنك لا تهدي من أحببت، وهل يُستفاد منها إثبات أفعال الله الاختيارية؟ * طالب: (...). * الشيخ: منين؟ من قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ﴾، فإن هذا فعل من الأفعال المتعلقة بمشيئته سبحانه وتعالى. * ومن فوائد الآية أيضًا: إقامة الحجة على الخلق؛ لقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [سبأ ٢٨] فلم يبقَ لأحد حُجَّة على الله بعد الرسل، وهل يؤخذ منها عُذْر مَنْ لم تبلُغه الرسالة؟ * طالب: (...). * الشيخ: من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ [سبأ ٢٨] فإن مَنْ لم تبلغه الرسالة لم يحصل له بشارة ولا نذارة. فما حكم مَنْ لم تبلغه الرسالة؟ نقول: لا يخلو من أمرين: إما أن يكون مُقصِّرًا في طلب الحق، فهذا لا عُذْر له؛ لأنه مُقصِّر، وإما ألا يكون مُقصِّرًا بحيث لم يبلغه أي شيء عن الرسالات، ولم يطرأ في قلبه أي شيء من ذِكْر الرسالات فهذا نقول: إنه يُحكَم له في الدنيا بما هو عليه من دِين، وأما في الآخرة فأمره إلى الله، ما نشهد عليه بشيء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب