الباحث القرآني
قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ [سبأ ١٠].
﴿آتَيْنَا﴾ بمعنى أعطينا، وهي تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، وكل فعل ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر يُسَمَّى من باب (أعطى وكَسَى)، فهنا ﴿آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾ ﴿دَاوُودَ﴾ المفعول الأول، و﴿فَضْلًا﴾ المفعول الثاني، ولا يمكن أن يكون هذا مبتدأ وخبرًا، لو قلت: (داود فضل) يصلح؟ ما يصلح، طيب.
ويقال: (أَتَيْنَا) ولكنها يختلف معناها عن ﴿آتَيْنَا﴾، بل معنى (أَتَيْنَا) جئنا، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ [الأعراف ٥٢]، وقال تعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل ١] أي جاء أمر الله.
قال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾ داود هو أحد أنبياء بني إسرائيل، وهو بعد موسى ولَّا قبله؟
* طلبة: قبله.
* طلبة آخرون: بعده.
* الشيخ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة ٢٤٦] وفي القصة أن داود كان منهم، إذن فهو بعد موسى وهو نبي من الأنبياء وقد أنكرت اليهود -لعنة الله عليهم- كونهم نبيًّا ووصفوه بأنه ملك وقد كذبوا في ذلك، فإنه كان نبيًّا من أنبياء الله الذين يجب علينا أن نؤمن بهم ولا يتم إيماننا إلا بالإيمان بهم؛ لأن أركان الإيمان -كما نعلم- الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وهو أيضًا رسول؛ لأن كل نبي ذكر في القرآن فهو رسول.
قال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾ ﴿مِنَّا﴾ فبدأ بالجهة قبل الفضل ليتبين عِظَم ذلك الفضل؛ لأن الشيء إذا نُسِبَ إلى جهة عظيمة كان عظيمًا؛ كما في قوله في الحديث الصحيح: «وَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٨٣٤) ومسلم (٢٧٠٥/٤٨) من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ]] «مِنْ عِنْدِكَ» فأضافها إلى الله حتى يتبين ذلك عظمها.
(﴿آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾ نبوة وكتابًا) وهذا الذي فَسَّر المؤلف الآية به من باب التمثيل، فإن الله أعطاه النبوة والرسالة أيضًا، وأعطاه الكتاب؛ قال الله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [النساء ١٦٣] وهل أعطاه شيئًا آخر غير هذا؟ نعم؛ ولهذا نَكَّر كلمة (فضل) جاءت منكرة؛ لتشمل كل ما أُعْطِيَه من فضل سواء كان ذلك دينيًّا أو دنيويًّا، وكان داود عليه الصلاة والسلام من أحسن الناس صوتًا وترنُّمًا بالذكر حتى إن الله عز وجل أمر الجبال أمرًا إما كونيًّا وإما شرعيًّا قال لها: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ (أَوَّبَ) بمعنى رَجَّع، ومنه الأوَّاب أي: رَجَّاع إلى الله، ومنه (آب يؤوب أوبًا) بمعنى رجع فـ﴿أَوِّبِي مَعَهُ﴾ أي: رجعي معه، والترجيع معناه أن تُرَدِّد الصوت الذي يقوله، فمثلًا إذا قرأ سمعت كأن الجبال التي حوله كلها تقرأ بقراءته، وهذا غير ما نسمعه من الصدى الذي يحصل لكل إنسان؛ لأن هذا الصدى الذي يحصل لكل إنسان إذا كانت قد أحاطت به الجبال هذا أمر طبيعي، لكن هذا الذي أوتيه داود فوق ذلك فكانت الجبال تُرجِّع معه؛ وذلك لحسن صوته ونغماته، حتى إن الجبال تُرَجِّع معه بأمر الله سبحانه وتعالى.
﴿وَالطَّيْرَ﴾ ﴿الطَّيْرَ﴾ يقول: (بالنصب عطفًا على محل الجبال) كيف؟ ﴿يَا جِبَالُ﴾ هذه منادى، ولَّا لا؟ مبنيٌّ على الضم في محل نصب، وإنما بُنِيَ على الضم وهو نكرة؛ لأنه مقصود، والنكرة المقصودة بمعنى العَلَم؛ فلهذا بُنِيَت على الضم، ﴿الطَّيْرَ﴾ لو عُطِفَت على اللفظ ﴿يَا جِبَالُ﴾ لكانت مرفوعة مبنية على الضم، لكنها عُطِفت على محلِّ الجبال وهو النصب؛ يعني: وكذلك أمر الله الطير بأن تُرَجِّع معه، فكانت الطيور في جوِّ السماء تقف عند سماع قراءة داود عليه الصلاة والسلام، وتُرَجِّع معه، وأنت إذا تَصَوَّرت هذا الأمر وأن رجلًا يقرأ الزبور بذلك القراءة والنغمات الجميلة، ثم الطيور من فوق تُسَبِّح والجبال لا شك أنه مشهد عظيم ورهيب، كل شيء يقرأ بقراءة هذا الرجل بأمر مَنْ؟ بأمر الله عز وجل.
وقوله: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ (﴿أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ فكان في يده كالعجين) ﴿أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ أي: جعلناه لينًا بيده حتى إنه كالعجين في يد أحدنا، وهل المراد أن المراد ألانه له بالوسائل التي تُلَيِّن الحديد سُخِّرَت له وهُيِّئَت له، أو أن الله ألان له الحديد بغير سبب المعلوم؟
يرى بعض الناس أنه الأول، وأن المراد بقوله: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ أي: يسَّرْنا له الأسباب التي تُلَيِّن له الحديد؛ لأن تيسير الأسباب لا شك أنه من نعمة الله، أرأيت لو أنك تريد أن تَعكُف سيخًا من الحديد وعندك نار ضعيفة تتعب في ذلك ولَّا لا؟ لكن لو كان عندك نار قويَّة جدًّا كان في خلال دقائق قليلة يلين هذا الحديد كما تشاء، فيرى بعض العلماء أن المراد من تَلْيِين الحديد لداود تَيْسِير الأسباب التي يَسهُل بها لينه، ولكن بعض أهل العلم يقول: إن الله ألان له الحديد بغير سبب، بل بقدرة الله عز وجل، وجعل الله ذلك آية له، كما جعل الله عصا موسى إذا نزلت في الأرض صارت حية وإذا رفعها صارت عصا في آن واحد في لحظة واحدة، فالله على كل شيء قدير، والذي جعل الحديد صلبًا قادر على أن يجعله لَيِّنًا، وعندي أن هذا أقرب إلى المعنى؛ أولًا: أن الله قال: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ﴾ فجعل التليين مضافًا إليه إشارة إلى أن لِين هذا الحديد بمجرد القدرة، وكوننا نقول: إن هذا بأسباب عادِيَّة لكنها يُسِّرَت له هذا خلاف ظاهر الآية، ثم لو قلنا بهذا القول هل تكون هذه آية له؟ لا؛ لأن كل مَنْ تَيَسَّر له أسباب إِلَانَة الحديد ألان الله له الحديد، طيب، ألان الله له الحديد حتى صار بيده كالعجين يقدر على أن يُدَوِّرَه على أن يجعله دقيقًا، على أن يجعله غليظًا حسب ما يريد؛ ولهذا قال: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ هذه هي الحكمة من كون الله ألان له الحديد أن يعمل منه الدروع للمجاهدين في سبيل الله.
قال ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ أفادنا المؤلف رحمه الله بقوله: (وقلنا ﴿أَنِ اعْمَلْ﴾ ) أن (أن) مصدرية حُذِفَ عاملها، والتقدير: (وقلنا: أن اعمل)؛ أي: بأن اعمل، أي: بالعمل، ويحتمل أن تكون (أن) تفسيرية وأن نقدر المحذوف بـ(أوحينا) (وأوحينا إليه أن اعمل)؛ لأن (أن) التفسيرية هي التي سبقها معنى القول دون حروفه، وهذا أقرب من تقدير المؤلف، و﴿أَنِ اعْمَلْ﴾ أي: ووأحينا إليه ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾.
﴿اعْمَلْ﴾ بمعنى اصنع منين؟ قال: (منه) أي: من الحديد، ﴿سَابِغَاتٍ﴾ ويش بعدها عندكم؟ دروعًا بالنصب؟ أنا عندي ما هي منصوبة، (كوامل يَجُرُّها لابسها على الأرض).
﴿سَابِغَاتٍ﴾ فسرها المؤلف بقوله: (كوامل يَجُرُّها صاحبها على الأرض)، وأفادنا بقوله: (دروعًا) أفادنا بأن ﴿سَابِغَاتٍ﴾ صفة لموصوف محذوف، وهذا المحذوف تقديره دروعًا، وحَذْف الموصوف جائز؛ قال ابن مالك:
؎وَمَا مِنَ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ عُقِلْ ∗∗∗ يَجُوزُ حَذْفُهُ وَفِي النَّعْتِ يَقِلْ
السابغ من كل شيء هو الكامل الظافر التام، ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان ٢٠] أي: أتمها وأكملها، ومنه إسباغ الوضوء أي: إتمامه وإكماله، فهذه الدروع السابغات يعني الوافيات الكوامل التي تمنع لابسها من أن يناله أذى.
وأما قول المؤلف: (يجرها لابسها على الأرض) ففي هذا نظر؛ لأنه ليس هناك حاجة إلى أن يَجُرَّها على الأرض، ولأنها إذا بلغت إلى هذا المستوى فربما تعيق إلى الكَرِّ والفَرِّ، والمعروف أن الدروع تصل إلى الركبة فقط هذا غايتها؛ لأنها حديد وإذا لبس الإنسان حديدًا يصل إلى الأرض فإنه سيكون مكبَّلًا بالأغلال فالواجب أن نقول: ﴿سَابِغَاتٍ﴾ أي: كاملات ليس فيها نقص، وكمال كل شيء بحسبه.
﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ (أي: نسج الدروع، قيل لصانعها: سَرَّاد أي: اجعله بحيث تتناسب حِلَقُهُ) ﴿قَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ (السرد) معناه نسج الدرع، كما ينسج الثوب من القطن، ومن الصوف، يُنْسَج الدرع من الحديد، ومعنى التقدير في السرد؛ أي: اجعل هذا السرد، أي: النسج مُقَدَّرًا مُتَناسِبًا، من التقدير أن..
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾ [سبأ ١٠] الواو حرف عطف، ويجوز أن تكون للاستئناف، واللام موطئة للقسم.
* طالب: (...).
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، (...)، اللام موطئة للقسم، و(قد) للتحقيق، ومثل هذا التركيب يأتي في القرآن كثيرًا، ويقال فيه: إن الجملة مُؤَكَّدة بثلاثة مؤكدات: القسم المُقَدَّر، واللام، و(قد) فتقدير هذه الجملة (والله لقد آتينا داود منا فضلًا)، هل يجوز أن تُحذف اللام؟ نعم يجوز، قال الله تعالى: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (١) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (٢) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (٤) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ [الشمس ١ - ٥] إلى أن قال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ هذا جواب القسم، ويجوز في ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ في غير القرآن أن نقول: لقد أفلح، طيب.
وهل يجوز أن تُحذف اللام و(قد)؟ نعم يجوز؛ كقوله: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾ [البروج ١ - ٤] فـ﴿قُتِلَ﴾ هذا جواب القسم، ليس فيه (قد) ولا اللام، فصار جواب القسم إذا كان فعلًا ماضيًا جاز فيه ثلاثة أوجه: أن يقترن باللام و(قد)، أن يقترن بـ(قد)، أن تُحذف (...) واللام و(قد)، لكن لا تحذف اللام ولا تحذف (قد) في الغالب إلا إذا طال القسم، أما إذا لم يطل فإنها لا تحذف.
إذا قلت: والله لقد قام زيد، صح؟ والله لقد قام زيد، صحيح ولَّا لا؟ صحيح، وهذا هو الأصل. والله قد قام زيد، هذا أيضًا صحيح حَذَفْنا اللام. والله قام زيد، هذا أيضًا صحيح حذفنا منه اللام و(قد)، والله أعلم.
(...) * من فوائد الآية الكريمة ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ﴾ [سبأ ٧] إلى آخره: أن النبي ﷺ دعا إلى الإيمان باليوم الآخر، من أين تُؤخذ؟ من قوله: ﴿يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان عُتُو الكافرين واستعلائهم واستكبارهم؛ حيث عبَّروا بهذا التعبير ساخرين بما أخبر به النبي ﷺ، وجه علوهم واستكبارهم:
أولًا: السخرية بهذا النبأ.
والثاني: تحقير النبي ﷺ.
والثالث: وصفه بأنه لا تخلو حاله من أحد أمرين: إما كاذب، وإما مجنون. هذه ثلاثة أوجه كلها تدل على علو هؤلاء الكافرين وعنادهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان ما حصل للنبي ﷺ من الأذى وأنه صبر؛ لأن أمرًا يصل إلى هذا الحد في الاستخفاف به والاستهانة بخبره لا شك أنه يُؤَثِّر على نفسه تأثيرًا بالغًا، وأعتقد أن صاحب الدعوة إذا أوذي بمثل هذا الإيذاء كان أشد عليه من أن يُضْرَب ويحبس.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان قدرة الله عز وجل حيث يعيد هذا الخلق بعد أن يتمزق كل تَمَزُّق؛ لأنه ظاهر من قوله: ﴿يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾.
* ومن فوائدها: أن الكافرين الذين كفروا برسول الله ﷺ كانوا يقرون بالله، من أين تُؤْخذ؟ ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾.
* ومن فوائدها: بيان قبح الافتراء على الله حتى إن الكافرين يستقبحونها؛ لقوله: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن أعداء الرسل بل أعداء دعوة الرسل يَكيلون السب والقدح والعيب لما جاءت به الرسل، أو للرسل ولما جاؤوا به الرسل؛ لقولهم: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾، ومعلوم أن كلام الكاذب وكلام المجنون ليس بمقبول، فهم يأتون بعبارات التشويه والتقبيح حتى لا يُقْبَل الحق، وهل هذا جارٍ إلى وقتنا هذا؟ نعم، جارٍ إلى وقتنا هذا؛ لأن أعداء دعوة الرسل لا يزالون إلى يوم القيامة، ولكن على أتباع الرسل أن يصبروا وألَّا يَثْنِي عزمَهم مثل هذا الكلام؛ لأنهم على الحق، كما قال تعالى: ﴿إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ [النمل ٧٩].
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان أن الله عز وجل تَكَفَّل ببيان الحق وإظهاره وإبطال الباطل واندحاره؛ لقوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الكفر يوجب عدم قَبول الحق والاهتداء به تُؤْخَذ من قوله: ﴿فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾، و﴿فِي﴾ للظرفية، ومعناه أن الضلال محيط بهم من كل جانب؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَا نِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام ١١٠]، فإذا لم يؤمن الإنسان بالحق بقي في ضلال، والشواهد على هذا كثيرة؛ استمع إلى مثل هذه الآية وإلى قوله تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ﴾ [ق ٥] يعني: مضطرب ومختلف، فكل من كذَّب بالحق فإنه لا يزداد إلا ضلالًا حتى لو جاءته الآيات البينات الظاهرات فإنه لا ينتفع بذلك، ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة ١٢٥] مع أنها آيات بينات واضحات.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾: وجوب النظر والاعتبار فيما حصل من الآيات في السماء والأرض؛ لقوله: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾؛ لأن هذا الاستفهام للتوبيخ، ولا يُوَبَّخ إلا على ترك واجب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن في السماوات والأرض آيات، لكنها لمن؟ للعبد المنيب إلى الله، وأما مَنْ لا يريد إنابة إلى ربه فإنه لا ينتفع بهذا الآيات حتى لو رآها ونظر فيها وفَكَّر فإنه لا ينتفع.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المشيئة لله؛ لقوله: ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن ما يحصل من الخسف والزلازل والنوازل فإنه بإذن الله عز وجل عقوبةً للعباد واعتبارًا خلافًا لمن قال: إن هذه أمور طبيعية لا تدل على غضب الله عز وجل ولا على إنذاره كما هو رأي من لا يؤمن بالله، فالخسف في الأرض عقوبة، وما يأتي من الصواعق والكوارث الأُفُقِيَّة فهي أيضًا عقوبة؛ ولهذا قال: ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى محيط بالعباد لا يمكنهم الفرار من قضائه وقَدَرِه؛ أن الله تعالى محيط بكل شيء لا مفر للعباد منه؛ لقوله: ﴿نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل يمن على العبد بظهور الآيات له حتى يتبين له الحق؛ لقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾، وإذا مَنَّ الله على العبد بالنظر في آياته والتدبر ازداد بذلك إيمانًا بالله عز وجل وإيمانًا ما تقتضيه هذه الآيات من صفاته فإن كل آية تدل على صفة معينة من صفات الله؛ فإنزال المطر يدل على القدرة والعلم والرحمة، وكونه في وقت مناسب يدل على الحكمة، كل شيء مما يقع في السماوات والأرض فإنه يدل على صفة من صفات الله تعالى تناسبه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن في السماء والأرض آيات عظيمة لمن نظر وتدبر، وهذا أثبته الله سبحانه وتعالى في القرآن في مواضع كثيرة: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَا تٌ لِلْمُوقِنِينَ﴾ [الذاريات ٢٠]، ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَا تٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الرعد ٤]، والآيات في هذا المعنى كثيرة، فكل مَنْ تدبر ما في السماء وما في الآرض وما بينهما تبين له من آيات الله ما يُقَوِّي إيمانه ويزيده طمعًا في فضل الله تعالى وخوفًا من عقابه.
* * *
قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ [سبأ ١٠].
﴿آتَيْنَا﴾ بمعنى أعطينا، وهي تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، وكل فعل ينصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر يُسَمَّى من باب (أعطى وكَسَى)، فهنا ﴿آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾ ﴿دَاوُودَ﴾ المفعول الأول، و﴿فَضْلًا﴾ المفعول الثاني، ولا يمكن أن يكون هذا مبتدأ وخبرًا، لو قلت: (داود فضل) يصلح؟ ما يصلح، طيب.
ويقال: (أَتَيْنَا) ولكنها يختلف معناها عن ﴿آتَيْنَا﴾، بل معنى (أَتَيْنَا) جئنا، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ [الأعراف ٥٢]، وقال تعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل ١] أي جاء أمر الله.
قال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾ داود هو أحد أنبياء بني إسرائيل، وهو بعد موسى ولَّا قبله؟
* طلبة: قبله.
* طلبة آخرون: بعده.
* الشيخ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة ٢٤٦] وفي القصة أن داود كان منهم، إذن فهو بعد موسى وهو نبي من الأنبياء وقد أنكرت اليهود -لعنة الله عليهم- كونهم نبيًّا ووصفوه بأنه ملك وقد كذبوا في ذلك، فإنه كان نبيًّا من أنبياء الله الذين يجب علينا أن نؤمن بهم ولا يتم إيماننا إلا بالإيمان بهم؛ لأن أركان الإيمان -كما نعلم- الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وهو أيضًا رسول؛ لأن كل نبي ذكر في القرآن فهو رسول.
قال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾ ﴿مِنَّا﴾ فبدأ بالجهة قبل الفضل ليتبين عِظَم ذلك الفضل؛ لأن الشيء إذا نُسِبَ إلى جهة عظيمة كان عظيمًا؛ كما في قوله في الحديث الصحيح: «وَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٨٣٤) ومسلم (٢٧٠٥/٤٨) من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ]] «مِنْ عِنْدِكَ» فأضافها إلى الله حتى يتبين ذلك عظمها.
(﴿آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾ نبوة وكتابًا) وهذا الذي فَسَّر المؤلف الآية به من باب التمثيل، فإن الله أعطاه النبوة والرسالة أيضًا، وأعطاه الكتاب؛ قال الله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [النساء ١٦٣] وهل أعطاه شيئًا آخر غير هذا؟ نعم؛ ولهذا نَكَّر كلمة (فضل) جاءت منكرة؛ لتشمل كل ما أُعْطِيَه من فضل سواء كان ذلك دينيًّا أو دنيويًّا، وكان داود عليه الصلاة والسلام من أحسن الناس صوتًا وترنُّمًا بالذكر حتى إن الله عز وجل أمر الجبال أمرًا إما كونيًّا وإما شرعيًّا قال لها: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ (أَوَّبَ) بمعنى رَجَّع، ومنه الأوَّاب أي: رَجَّاع إلى الله، ومنه (آب يؤوب أوبًا) بمعنى رجع فـ﴿أَوِّبِي مَعَهُ﴾ أي: رجعي معه، والترجيع معناه أن تُرَدِّد الصوت الذي يقوله، فمثلًا إذا قرأ سمعت كأن الجبال التي حوله كلها تقرأ بقراءته، وهذا غير ما نسمعه من الصدى الذي يحصل لكل إنسان؛ لأن هذا الصدى الذي يحصل لكل إنسان إذا كانت قد أحاطت به الجبال هذا أمر طبيعي، لكن هذا الذي أوتيه داود فوق ذلك فكانت الجبال تُرجِّع معه؛ وذلك لحسن صوته ونغماته، حتى إن الجبال تُرَجِّع معه بأمر الله سبحانه وتعالى.
﴿وَالطَّيْرَ﴾ ﴿الطَّيْرَ﴾ يقول: (بالنصب عطفًا على محل الجبال) كيف؟ ﴿يَا جِبَالُ﴾ هذه منادى، ولَّا لا؟ مبنيٌّ على الضم في محل نصب، وإنما بُنِيَ على الضم وهو نكرة؛ لأنه مقصود، والنكرة المقصودة بمعنى العَلَم؛ فلهذا بُنِيَت على الضم، ﴿الطَّيْرَ﴾ لو عُطِفَت على اللفظ ﴿يَا جِبَالُ﴾ لكانت مرفوعة مبنية على الضم، لكنها عُطِفت على محلِّ الجبال وهو النصب؛ يعني: وكذلك أمر الله الطير بأن تُرَجِّع معه، فكانت الطيور في جوِّ السماء تقف عند سماع قراءة داود عليه الصلاة والسلام، وتُرَجِّع معه، وأنت إذا تَصَوَّرت هذا الأمر وأن رجلًا يقرأ الزبور بذلك القراءة والنغمات الجميلة، ثم الطيور من فوق تُسَبِّح والجبال لا شك أنه مشهد عظيم ورهيب، كل شيء يقرأ بقراءة هذا الرجل بأمر مَنْ؟ بأمر الله عز وجل.
وقوله: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ (﴿أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ فكان في يده كالعجين) ﴿أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ أي: جعلناه لينًا بيده حتى إنه كالعجين في يد أحدنا، وهل المراد أن المراد ألانه له بالوسائل التي تُلَيِّن الحديد سُخِّرَت له وهُيِّئَت له، أو أن الله ألان له الحديد بغير سبب المعلوم؟
يرى بعض الناس أنه الأول، وأن المراد بقوله: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ أي: يسَّرْنا له الأسباب التي تُلَيِّن له الحديد؛ لأن تيسير الأسباب لا شك أنه من نعمة الله، أرأيت لو أنك تريد أن تَعكُف سيخًا من الحديد وعندك نار ضعيفة تتعب في ذلك ولَّا لا؟ لكن لو كان عندك نار قويَّة جدًّا كان في خلال دقائق قليلة يلين هذا الحديد كما تشاء، فيرى بعض العلماء أن المراد من تَلْيِين الحديد لداود تَيْسِير الأسباب التي يَسهُل بها لينه، ولكن بعض أهل العلم يقول: إن الله ألان له الحديد بغير سبب، بل بقدرة الله عز وجل، وجعل الله ذلك آية له، كما جعل الله عصا موسى إذا نزلت في الأرض صارت حية وإذا رفعها صارت عصا في آن واحد في لحظة واحدة، فالله على كل شيء قدير، والذي جعل الحديد صلبًا قادر على أن يجعله لَيِّنًا، وعندي أن هذا أقرب إلى المعنى؛ أولًا: أن الله قال: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ﴾ فجعل التليين مضافًا إليه إشارة إلى أن لِين هذا الحديد بمجرد القدرة، وكوننا نقول: إن هذا بأسباب عادِيَّة لكنها يُسِّرَت له هذا خلاف ظاهر الآية، ثم لو قلنا بهذا القول هل تكون هذه آية له؟ لا؛ لأن كل مَنْ تَيَسَّر له أسباب إِلَانَة الحديد ألان الله له الحديد، طيب، ألان الله له الحديد حتى صار بيده كالعجين يقدر على أن يُدَوِّرَه على أن يجعله دقيقًا، على أن يجعله غليظًا حسب ما يريد؛ ولهذا قال: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ هذه هي الحكمة من كون الله ألان له الحديد أن يعمل منه الدروع للمجاهدين في سبيل الله.
قال ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ أفادنا المؤلف رحمه الله بقوله: (وقلنا ﴿أَنِ اعْمَلْ﴾ ) أن (أن) مصدرية حُذِفَ عاملها، والتقدير: (وقلنا: أن اعمل)؛ أي: بأن اعمل، أي: بالعمل، ويحتمل أن تكون (أن) تفسيرية وأن نقدر المحذوف بـ(أوحينا) (وأوحينا إليه أن اعمل)؛ لأن (أن) التفسيرية هي التي سبقها معنى القول دون حروفه، وهذا أقرب من تقدير المؤلف، و﴿أَنِ اعْمَلْ﴾ أي: ووأحينا إليه ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾.
﴿اعْمَلْ﴾ بمعنى اصنع منين؟ قال: (منه) أي: من الحديد، ﴿سَابِغَاتٍ﴾ ويش بعدها عندكم؟ دروعًا بالنصب؟ أنا عندي ما هي منصوبة، (كوامل يَجُرُّها لابسها على الأرض).
﴿سَابِغَاتٍ﴾ فسرها المؤلف بقوله: (كوامل يَجُرُّها صاحبها على الأرض)، وأفادنا بقوله: (دروعًا) أفادنا بأن ﴿سَابِغَاتٍ﴾ صفة لموصوف محذوف، وهذا المحذوف تقديره دروعًا، وحَذْف الموصوف جائز؛ قال ابن مالك:
؎وَمَا مِنَ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ عُقِلْ ∗∗∗ يَجُوزُ حَذْفُهُ وَفِي النَّعْتِ يَقِلْ
السابغ من كل شيء هو الكامل الظافر التام، ومنه قوله تعالى: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان ٢٠] أي: أتمها وأكملها، ومنه إسباغ الوضوء أي: إتمامه وإكماله، فهذه الدروع السابغات يعني الوافيات الكوامل التي تمنع لابسها من أن يناله أذى.
وأما قول المؤلف: (يجرها لابسها على الأرض) ففي هذا نظر؛ لأنه ليس هناك حاجة إلى أن يَجُرَّها على الأرض، ولأنها إذا بلغت إلى هذا المستوى فربما تعيق إلى الكَرِّ والفَرِّ، والمعروف أن الدروع تصل إلى الركبة فقط هذا غايتها؛ لأنها حديد، وإذا لبس الإنسان حديدًا يصل إلى الأرض فإنه سيكون مكبَّلًا بالأغلال فالواجب أن نقول: ﴿سَابِغَاتٍ﴾ أي: كاملات ليس فيها نقص، وكمال كل شيء بحسبه.
﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ (أي: نسج الدروع، قيل لصانعها: سَرَّاد أي: اجعله بحيث تتناسب حِلَقُهُ) ﴿قَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ (السرد) معناه نسج الدرع، كما يُنْسَج الثوب من القطن، ومن الصوف، يُنْسَج الدرع من الحديد، ومعنى التقدير في السرد؛ أي: اجعل هذا السرد، أي: النسج مُقَدَّرًا مُتَناسِبًا؛ من التقدير أن تجعل الحلقات متناسبة، ما تأتي بحلقة كبيرة وحلقة صغيرة، ومنها ألا تجعل الحلقات ضيقة؛ لأنه إذا كانت ضيقة وقف الدرع ولم يكن سهل الحركة، ولا تجعلها واسعة جدًّا؛ لأنك إذا جعلتَها واسعة جدًّا لا تقي ثم هي تَكْبُر، إذا جعلتها واسعة جدًّا كبرت وآذت اللابس، ولكن اجعلها مقدرة متناسبة، ولا أدري هل تتصورون الدروع ولَّا لا؟
* طالب: (...) المدورة.
* الشيخ: في اليد؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: لا، الدروع قُمُص؛ قميص مثل ثوبنا هذا.
* الطالب: وهذه ويش تُسمَّى؟
* الشيخ: ما أدري عن هذا، الظاهر أنها دروع الرياضيِّين.
* الطالب: الترس؟
* الشيخ: اللي باليد؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، الدروع عبارة عن قُمُص من حديد، قميص تلبسه كما تلبس الثوب هذا إلا أنه لا يصل كمُّه إلى الكف، كمه إلى العضد فقط، وهذا الدرع منسوج من حِلَق حديد، حلق صغيرة مشبوك بعضها ببعض، مداخل ببعضها ببعض حتى يتم النسج.
* طالب: (...).
* الشيخ: هي موجودة، لعل الله سبحانه وتعالى ييسر أننا نشوف أحدًا من اللي عنده متحف من هون في البلد نخليه يجيب لنا شيئا ما.
* طالب: موجود؟
* الشيخ: موجود، وأما ما ذكرت اللي يُمْسَك باليد علشان يتقى به الرمح فهذا يُسمَّى تُرسًا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: درع؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: الترس هذا؟ ما علمت بهذه اللغة.
* طالب: (...).
* الشيخ: على كل حال الآن الدرع هو القميص من الحديد.
طيب، ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ معنى التقدير في السرد الآن أن تكون الحلقات متناسبة، وألا تكون ضيقة ولا واسعة؛ لأنها إذا لم تتناسب فإنها تؤذي، تكون واحدة صغيرة وواحدة كبيرة، وإذا كانت واسعة فإنها تؤذي وقد لا تقي السهام، وإذا كانت ضيقة فإنها لا تتحرك كما ينبغي ويثقل على اللابس.
قال: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ (﴿وَاعْمَلُوا﴾ أي: آل داود معًا ﴿صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فأجازيكم به).
لما بيَّن الله عز وجل ما مَنَّ به على داود من تعليم صنعة الدروع وتليين الحديد له وتوجيهه كيف يصنع هذه الدروع قال: ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ ﴿اعْمَلُوا﴾ كيف عدل عن ضمير المفرد ﴿قَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ إلى ضمير الجمع ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾؟ لأن تقدير السَّرْد خاص بداود، والعمل الصالح عام له ولغيره فوُجِّه الخطاب إلى جميع آل داود، قال: ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾.
وقوله: ﴿صَالِحًا﴾ هو صفة لموصوف محذوف، التقدير عملًا صالحًا، والعمل الصالح ما جمع وصفين: الإخلاص لله والموافقة لشريعته، هذا العمل الصالح فلا بد فيه من هذين الشرطين: الإخلاص لله والموافقة للشريعة؛ فإن فُقِدَ الإخلاص فليس بصالح لوجود الشرك، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِيَ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٨٥/٤٦) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ]] والثاني الموافقة لشريعة الله، فإن لم يوافق شريعة الله فإنه ليس بصالح ولا يُقْبَل؛ الدليل قوله ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[[أخرجه مسلم (١٧١٨/١٨) من حديث عائشة رضي الله عنها. ]]، وقوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى ٢١] فلا بد لكونه عملًا صالحًا من هذين الشرطين.
﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ هذه الآية فيها تقديم وتأخير، ويش التقديم؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: التقديم بصير؟
* طلبة: لا، (...).
* الشيخ: ﴿بَصِيرٌ﴾ هو المؤخر، والمقدم المعمول فإن قلت: من القواعد المقررة أن تقديم المعمول يدل على الحصر أليس كذلك؟ طيب، هنا إذا قلنا: إنه يدل على الحصر صار الله تعالى بصيرًا بما يعملون دون غيره، مع أنه عز وجل بصير بكل شيء فما هو السبب؟ السبب في ذلك التقديم حيث جاء بصيغة الحصر للردع عن المخالفة، كأنه لو لم يكن الله بصيرًا بشيء لكان بصيرًا بماذا؟ بأعمالكم، فلما كان الإنسان قد يقول: إن الله تعالى لا يُبْصِر عملي جعل الله تعالى الصيغة دالة بظاهرها على الحصر حتى لا يدعي مدعٍ أن الله تعالى ليس عالمًا بعمله هذا من وجه، من جهة أخرى مناسبة فواصل الآيات والله أعلم.
* طالب: قلنا: إن كل نبي في القرآن فهو رسول، وآدم يعني؟
* الشيخ: آدم قبل الرسل.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، يستثنى من هذا، يستثنى آدم؛ لأنه ما ذَكَرَه على أنه رسول.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: هذه تأتي إن شاء الله في الفوائد.
* طالب: عندما يقصد بها التشبيه (...) ولا في كل ما نقرأ؟
* الشيخ: لا، عام في كل شيء، كل ما قرأ وكل ما سبَّح.
* الطالب: قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ [سبأ ٩] هل يجوز الذهاب إلى الأمكنة (...)؟
* الشيخ: لا، لا يجوز الدخول إلى مكان العذاب إلا بشرط أن يكون الإنسان باكيًا، قال النبي عليه الصلاة والسلام «فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوهَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٣٣) ومسلم (٢٩٨٠/٣٨) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ولفظه: قال رسول الله ﷺ لأصحاب الحجر: «لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين، إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، أن يصيبكم مثل ما أصابهم». ]].
* الطالب: قلت: الأمر إما الشرعي أو الكوني يصح (...)؟
* الشيخ: إي نعم، يصح؛ لأن الله سبحانه وتعالى إذا أمرها لأنها هي تسبح بحمد الله تعبدًا لله عز وجل وتذللًا له يصح، وسيأتي إن شاء البحث فيه في الفوائد.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: بيان منة الله سبحانه وتعالى على داود؛ لقوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾.
* ثانيًا: من فوائدها أيضًا: عناية الله تعالى ببيان هذا الفضل؛ حيث أكده بالقسم واللام وقد.
* من فوائدها أيضًا: أن هذا الفضل فضل عظيم؛ لأن الله تعالى أضافه إليه في قوله: ﴿مِنَّا فَضْلًا﴾ والمضاف إلى العظيم يكون عظيمًا، ونظير ذلك الدعاء الذي علَّمه النبي ﷺ أبا بكر «فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٨٣٤) ومسلم (٢٧٠٥/٤٨) من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: توجيه الخطاب إلى الجماد من الله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الجماد يحس بخطاب الله سبحانه وتعالى؛ وجه ذلك لولا أنه يحس لكان توجيه الخطاب إليه عبثًا، والله سبحانه وتعالى منزه عن العبث في أقواله وأفعاله، ويدل على أنه يحس بذلك أنها أوَّبَت معاه ورجَّعت.
* ومن فوائدها أيضًا: أن من فضائل داود أن الله أمر الجبال أن ترجع معه التسبيح وقراءة الزبور هي والطير، وهل الأمر في قوله: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ أمرٌ كونيٌّ أو أمر شرعي؟ يحتمل المعنيين؛ فإذا نظرت إلى أنها مأمورة بعبادة قلت: إن هذا أمر شرعي، وإذا نظرت إلى أن هذه الجبال لو فُرِض أنها عصت هل تُعاقَب؟ الله أعلم ربما تعاقب وربما لا تعاقب؛ لأنه ليس لها عقل تدرك به كما يدرك بنو آدم قلت: إنه كوني وللتخلص من هذين الاحتمالين نقول: إن الله أمر الجبال أن تُرَجِّع معه، ولا نقول أمرًا كونيًا ولا أمرًا شرعيًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ظهور آية الله عز وجل في تمام القدرة حيث ألان الحديد لداود؛ لقوله: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾، وهذه الإلانة ليس لها سبب حسيٌّ معلوم؛ لأنه لو كانت بأسباب معروفة لم يكن فرق بين داود وغيره، هذا هو الصحيح، وإن كان بعض العلماء يقول: ﴿أَلَنَّا لَهُ﴾ أي: هيَّأنا له الأسباب التي بها يَلينُ الحديد، ولكننا هيأنا له أسبابًا عظيمة قوية لا تحصل لغيره.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الحديد بطبيعته قاسٍ ولَّا لا؟ وهو كذلك لولا أن الله يُلَيِّنه بما جعل من الأسباب ما انتفع الناس به، ولكن الله تعالى يلينه بما جعل له من الأسباب التي تلينه حتى ينتفع الناس به، وهل هو أقسى أم الحجارة؟ الحجارة؛ ولهذا لا تلين الحجارة بالنار، والحديد يلين بالنار، قال العلماء: فدل ذلك على أن الحجارة أقسى ولما شَبَّه الله تعالى القلوب القاسية قال: ﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [البقرة ٧٤].
ثم قال عز وجل: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ [سبأ ١١] إلى آخره.
* من فوائد الآية الكريمة : أن الله سبحانه وتعالى منَّ على داود وعلى غيره بتعليمه هذه الصنعة وهي صنعة الدروع كما قال تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ [الأنبياء ٨٠]، وهذا التعليم الذي علَّمه الله داود بقي إلى يومنا هذا، وهذا كما علَّم الله نوحًا صُنْع السفينة، وأشار الله تعالى إلى مواد بنائها في قوله: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ [القمر ١٣] أي: مسامير.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي لمن صنع شيئًا أن يُكَمِّلَه؛ لقوله: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ مكملة ولا ينقص منها شيئًا، وينبغي أيضًا لمن صنع شيئًا أن يتقنه وهذه فائدة جديدة أن يتقنه؛ لقوله: ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ إكمال وإتقان.
* ومن فوائد الآية الكريمة : أنه ينبغي، بل يجب على من أنعم الله عليه نعمة أن يقوم بشكرها بالعمل الصالح لقوله: ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الله إذا أنعم على شخص من القبيلة بنعمة فإنه إنعام على القبيلة كلها، كيف ذلك؟ لقوله: ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ فوَجَّه الخطاب إلى آل داود كلهم مع أن الفضل خاص بداود؛ ولهذا إذا نبغ نابغة في قبيلة من القبائل فإنه يَرْفَع قدر هذه القبيلة كلها، أليس كذلك؟ كما أن العكس بالعكس إذا سَفُل أحد من القبيلة عُيِّرت القبيلة به كلها، وهذا أمر معلوم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: التحذير من المخالفة؛ لقوله: ﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.
* ومن فوائدها: أن الله تعالى بصير بكل ما نعمل من خير وشر، وقليل وكثير، وظاهر وباطن حتى عمل القلوب يعلمها؟ نعم، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ﴾ [ق ١٦] انتبه لا تضمر في قلبك شيئًا يغضب الله، إنك إذا فعلت فإن الله تعالى سوف يعلمه ولا يخفى عليه شيء ﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.
{"ayahs_start":10,"ayahs":["۞ وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلࣰاۖ یَـٰجِبَالُ أَوِّبِی مَعَهُۥ وَٱلطَّیۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِیدَ","أَنِ ٱعۡمَلۡ سَـٰبِغَـٰتࣲ وَقَدِّرۡ فِی ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُوا۟ صَـٰلِحًاۖ إِنِّی بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرࣱ"],"ayah":"۞ وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا دَاوُۥدَ مِنَّا فَضۡلࣰاۖ یَـٰجِبَالُ أَوِّبِی مَعَهُۥ وَٱلطَّیۡرَۖ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلۡحَدِیدَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق