الباحث القرآني
(إلا ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [سبأ ٦] الآية، وهي أربعة)، عندكم (أربعة)؟ (أربعٌ) هذا الصواب، (وهي أربع أو خمس وخمسون آية)، الصواب أن يقال: أربع.
قوله: (مكية إلا) كذا، المكي على المشهور هو الذي نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعد الهجرة، فيعتبر الجمهور المكي والمدني بالزمن لا بالمكان، فما كان بعد الهجرة فهو مدني، وما كان قبلها فهو مكي.
وقوله: (إلا ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ )، سبق لنا أنه لا يُقْبَل استثناء شيء من السور المكية والمدنية إلا بدليل، أي أنه إذا كانت الصورة مكية فجميع آياتها مكية إلا بدليل، وإذا كانت مكية فجميع آياتها مدنية إلا بدليل، فاستثناء المؤلف لهذه الآية ننظر إن شاء الله تعالى إذا وصلناها؛ إذا كان هناك دليل يدل على أنها نزلت في المدينة قبلناها، وإلا فلا.
قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾.
قبل: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ البسملة تقدم أنها آية مستقلة من كتاب الله عز وجل يُؤتَى بها للفصل، أو يُؤتَى بها لبدء السورة، إلا في (براءة) فإنه ليس فيها بسملة؛ لأنها لم تنزل بسملة بينها وبين الأنفال فتُرِكَت.
وسبق لنا أن الجارّ والمجرور متعلِّق بمحذوف؛ لأن كل جارّ ومجرور لا بد أن يتعلق بشيء؛ إذ إن الجارّ والمجرور معمول، وكل معمول فلا بد له من عامل، وعليه فكل جارّ ومجرور فإنه لا بد له من متعلَّق، أي شيء يتعلق به، وكذلك الظرف.
والمتعلَّق إما أن يكون فعلًا، أو ما بمعنى الفعل، هنا نقدِّر المتعلَّق فعلًا؛ لأنه الأصل في العمل، ولذلك لا يعمل غيرُ الفعل عملَ الفعل إلا بشروط، وكل شيء لا يتم عمله إلا بشروط فإن ذلك لأن الأصل عدمه؛ عدمُ العمل، انتبه الآن، كل جارّ ومجرور لا بد له..
* طالب: متعلّق بمحذوف
* الشيخ: علِّل؟ لأن الجارّ والمجرور معمول، وكل معمول لا بد له من عامل.
المتعلَّق إما أن يكون فعلًا، أو ما بمعنى الفعل، وهنا نقدِّره فعلًا، لماذا؟ لأنه الأصل؛ الأصل في العمل الأفعال، ولهذا غيرُ الأفعال كالأسماء والمصادر وشبهها لا تعمل عمل الفعل إلا بشروط، أما الفعل فيعمل بدون بشروط، ونقدِّره متأخرًا، نقدره -أي: الفعل- متأخرًا عن الجارّ والمجرور لفائدتين:
الفائدة الأولى: التَّيَمُّن بالابتداء بذكر اسم الله.
الفائدة الثانية: الدلالة على الحصر، فنقدِّر العامل متأخرًا نظرًا لهاتين الفائدتين، ونقدِّره فعلًا خاصًّا فنقول مثلًا عند ابتداء القراءة: التقدير: باسم الله أقرأ، وعند الوضوء التقدير: باسم الله أتوضأ، وعند الأكل: باسم الله آكل، وهكذا، وإنما نقدِّره خاصًّا لأنه أدلّ على المقصود، يصح أن نقدِّره عامًّا فنقول: التقدير: باسم الله أبتدئ، أو باسم الله أبدأ، ولكن الخاصّ أولى.
فصار عندنا الآن ثلاثة أمور: لا بد من متعلَّق، متأخِّر، خاصّ، وعرفنا التعليل.
وهنا ﴿بِسْمِ اللهِ﴾ مفرد مضاف فيَعُمّ، ويكون المعنى: بكل اسم من أسماء الله أبتدئ، وناسب ذِكْر الرحمن الرحيم دون غيرهما من الأسماء لأنها –أي: البسملة- يؤتَى بها للاستعانة، وأنسب ما يكون للاستعانة هي الرحمة، فلهذا أتبع لفظ الجلالة بهذين الاسمين الكريمين.
و(الله) أصله: الإله، هذا أصحّ ما قيل فيه، وحُذِفَت الهمزة لكثرة الاستعمال، كما حُذِفَت الهمزة من (الناس)، وأصلها (أناس)، وحذفت الهمزة من (شر وخير) وأصلها (أشر وأخير).
وأما ﴿الرَّحْمَنِ﴾ فهو اسم من أسماء الله دالّ على سعة رحمته سبحانه وتعالى؛ لأن الرحمن فَعْلَان يدل على السعة والامتلاء، وانظر ذلك في كلمة غضبان وندمان وسكران وعطشان وريان، وما أشبهها، تجد أن هذه الصيغة دالة على أيش؟ على السعة والامتلاء، ولهذا قال بعض السلف: إن الرحمن رحمة عامة لجميع الخلق.
وأما ﴿الرَّحِيمِ﴾ فهي دالة على الفعل، أي أنه سبحانه وتعالى يرحم برحمته الواسعة.
فالرحيم دَالٌّ على الفعل، وهو إيصال الرحمة إلى المرحوم.
والرحمن دالّ على الصفة، وهي اتصاف الله سبحانه وتعالى بهذه الرحمة الواسعة.
ثم قال: (﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ حَمِدَ تعالى نفسه بذلك، والمراد به الثناء بمضمونه من ثبوت الحمد، وهو الوصف بالجميل لله تعالى).
قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ [سبأ ١]
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ (أل) يقول العلماء: إنها للاستغراق، أي: كل حمد، و(أل) التي للاستغراق هي التي يحل محلها (كل)، مثل: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر ٢]، أي: كل إنسان لفي خسر، ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء ٢٨] أي: كل إنسان، فـ(أل) في ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾؟
* طالب: للاستغراق.
* الشيخ: للاستغراق، إذن معناه أن كل حمد فهو لله، واللام هنا للاستحقاق والاختصاص؛ للاستحقاق لأنه لا أحد يستحق أن يُحْمَد لذاته إلا الله عز وجل، والاختصاص لأن الحمد المستغرِق لكل المحامد لا يكون إلا لله.
يقول المؤلف: (حَمِدَ تعالى نفسه بذلك) يعني: حَمِدَ الله تعالى نفسه بهذا الوصف الذي هو الحمد.
(والمراد به الثناء بمضمونه من ثبوت الحمد)، يعني: ليس هذا تجديدًا لحمد الله، ولكنه ثناء على الله تعالى بمضمون الحمد.
(وهو الوصف بالجميل لله تعالى)، لو قال المؤلف: الوصف بالكمال، لكان أعمّ؛ فالحمد وصف المحمود بالكمال، هذا الحمد، فإن كرر وصفه بالكمال صار ثناءً، قال الله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة ٢]، فيجيب الله: «حَمِدَنِي عَبْدِي»، ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة ٣]، يجيب الله: «أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي»[[أخرجه مسلم (٣٩٥ / ٣٨) من حديث أبي هريرة.]]، والله سبحانه وتعالى يُحْمَد على ما له من الكمال الذاتي والكمال المتعدي للغير، أي: على كماله بذاته، وعلى كماله بفعله وإحسانه سبحانه وتعالى، فيُحْمَد على الأمرين جميعًا، أما غيره فلا يُحْمَد إلا على فعله إن كان فعله مما يُحْمَد عليه، أما حمدٌ للذات نفسها فهذا لا، ما يكون إلا لله.
فمثلًا إذا حمدنا الله عز وجل على ما له من صفات الكمال؛ كالسمع والبصر والعلم والقدرة والعظمة، وما أشبهها، فهذا حَمْدٌ على الكمال الذاتي، وإذا حمد الله تعالى على ما له من الإحسان والإنعام فهو حمد على الكمال المتعدي، إذا حمدناه سبحانه وتعالى على إنزال الغيث وإنزال الكتب وإرسال الرسل ودفع الضرر، فهذا حمد على الكمال المتعدي.
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [سبأ ١] (ملكًا وخَلْقًا).
﴿الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ هذا كالتعليل للحمد؛ لأن هذا الوصف يدل على العِلِّيَّة، أي: يحمد الله نفسه؛ لأنه مالك لما في السماوات وما في الأرض.
وقوله: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ يشمل العقلاء وغير العقلاء، ولهذا أتى بـ﴿مَا﴾ لأجل يشمل هؤلاء وهؤلاء، وإنما غَلَّبَ غير العقلاء لأنهم أكثر من حيث النوع، أما من حيث العدد فإن في هذا شكًّا؛ لأن الملائكة عليهم الصلاة والسلام لا شك أنهم من العقلاء، وهم لا يحصيهم إلا الله، ما من موضع أربع أصابع في السماء إلا وفيه ملك[[روى ابن ماجه (٤١٩٠) والترمذي (٢٣١٢) من حديث أبي ذرٍّ مرفوعًا: «أطَّتِ السماءُ وحقَّ لها أن تَئِطَّ، ما فيها موضعُ أربعِ أصابعَ إِلَّا ومَلَكٌ واضعٌ جبهتَهُ ساجدًا للهِ». ]].
وقوله: ﴿السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾، السماوات جمع، وجُمِعَت لأنها متعددة، كم؟ سبع سماوات، كل واحدة فوق الأخرى، وهي مأخوذة من السمو وهو العلو والرفعة.
﴿وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ أُفْرِدَت، لكن المراد بها الجنس، فتشمل الأرضين السبع؛ لأن الأرضين سبع بصريح السنة، وسبع بظاهر القرآن؛ فهي سبع بصريح السنة؛ لقول النبي ﷺ: «مَنِ اقْتَطَعَ مِنَ الْأَرْضِ شِبْرًا ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣١٩٨)، ومسلم (١٦١٠ / ١٣٧) واللفظ له، من حديث سعيد بن زيد.]].
وبظاهر القرآن؛ لقوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢]، فإن المثلية هنا قطعًا ليست بالصفة، فتكون للعدد.
وقول المؤلف: (ملكًا وخَلْقًا)، يعني أنه هو الذي خلقها سبحانه وتعالى، وهو المالك لها المدبِّر، ولو قال المؤلف: وتدبيرًا، لكان أَبْيَن، وإن كان كلمة (ملكًا) يتضمن التدبير، فالله سبحانه وتعالى له ما في السماوات وما في الأرض خلقًا، فلم يخلقها إلا الله، وملكًا فلا مالك لها إلا الله، وتدبيرًا فلا تدبير لأحد فيها على وجه الإطلاق إلا الله سبحانه وتعالى.
وقوله: (﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ﴾ كالدنيا يحمده أولياؤه إذا دخلوا الجنة).
قوله: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ﴾ هنا خصّ الحمد في الآخرة مع أنه محمود في الدنيا والآخرة، كما قال الله تعالى في آية ثانية: ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ﴾ [القصص ٧٠]، لكنه ذَكَرَ ذلك لأن ظهور حمده في الآخرة أَبْيَن وأوضح، فإن في الدنيا مَن ينكر حمد الله عز وجل ويكفر به، ولا (...) إلا أن هذه الدنيا طبيعة تتفاعل بذاتها وليس لها مُدَبِّر، ومَن اعتقد هذا الاعتقاد فهل يمكن أن يحمد الله؟ أبدًا، لا يمكن، حتى لو رأى الخير واندفاع الشر فإنه لا يحمد الله؛ لأنه لا يقر به، لكن في الآخرة لا يمكن لأحد إلا أن يحمد الله، فالحمد في الآخرة لله.
كما أنه في الآخرة لا أحد يحمد إلا النادر، قال الله تعالى للنبي ﷺ: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء ٧٩]، أما بقية الناس ممن لم يحمدهم الله عز وجل فإنهم ليس لهم حمد في الآخرة، فأنت في الدنيا تحمد مَن يحسن إليك، لكن في الآخرة ما تحمد صديقك ولا صاحبك، اللهم إلا أن يكون ذلك بعد دخول الجنة فربما.
يقول: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ﴾ (كالدنيا)، يعني: كما أن له الحمد في الدنيا، وكأن المؤلف بهذا التقدير -رحمه الله- يقول: إنه حذف الشق الآخر لدلالة السياق عليه، كما في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل ٨١] يعني: والبرد.
قوله: (يحمده أولياؤه إذا دخلوا الجنة)، قال الله تعالى: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ﴾ [الزمر ٧٤].
ولكن الصحيح أنه يُحْمَد حتى على جزائه الكافرين، فإن الله تعالى في آخر سورة الزمر لما ذكر سَوْق أهل النار إلى النار، وسَوْق أهل الجنة إلى الجنة قال: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الزمر ٧٥]، فإن الله تعالى يُحْمَد على كمال عدله وكمال فضله، ومجازاته لأهل النار، من باب أيش؟ من باب العدل، فيُحْمَد عليه.
قال: (يحمده أولياؤه إذا دخلوا الجنة، ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ﴾ في فعله ﴿الْخَبِيرُ﴾ في خلقه).
﴿الْحَكِيمُ﴾، يقول المؤلف: (في فعله)، وهذا فيه قصور؛ لأنه حكيم في شرعه وفعله أيضًا الذي هو القدر، فليست الحكمة خاصة بالفعل، بل حتى في الشرع الذي يكون بكلامه فإن الشرع هو الوحي، وهو كلام الله وليس فعل الله، بل هو كلام، وكذلك فعله هو حكيم فيه.
والحكمة مأخوذة من الإحكام وهو الإتقان، ولهذا يقال في تفسيرها: إنها وضع الشيء موضعه، وهذا هو الإتقان.
ولكنه سبق لنا أن الحكيم له معنيان: الحاكم والْمُحْكِم؛ لأنها مأخوذة من الْحُكم ومن الإحكام، وأن حكم الله كم نوعًا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم.
* الطالب: شرعي وكوني.
* الشيخ: صح، حكم شرعي وكوني، وأن الحكمة نوعان أيضًا؟
* طالب: الحكم من الإحكام.
* الشيخ: حكم منين؟
* الطالب: الحكمة..
* الشيخ: إي نعم، نوعان.
* الطالب: الحكمة من الإحكام.
* الشيخ: هي كلها من الإحكام، لا، ما لها دخل في الحكم.
* طالب: صورية وغائية.
* الشيخ: صورية وغائية؛ الصورية بمعنى أن كون هذا الشيء على هذه الصورة المعينة موافق للحكمة، والغائية بأن الغاية من هذا الشيء حكمة يُحْمَد الله عليها.
فمثلًا: كون الصلاة على هذا الوجه، والصيام على هذا الوجه، والوضوء على هذا الوجه، هذه في الأمور الشرعية.
وكذلك في الأمور الكونية كَوْن خِلْقة الإنسان على هذا الوجه، والشمس والقمر، وما أشبه ذلك، هذه حكمة صورية، بمعنى كون الشيء على هذه الصورة المعينة هذا لا شك موافق للحكمة، ثم الغاية من ذلك الشيء حكمة أخرى.
تكون هذا الحكمة الصورية والغائية في الشرع، أيش بعد؟ وفي القدر، وإذا ضربت اثنين في اثنين تكون أربعة، حكمة غائية في الشرع، حكمة صورية في الشرع، حكمة غائية في القدر، حكمة صورية في القدر، وكل ذلك ثابت لله عز وجل، وإذا آمن الإنسان بهذا اطمأن إلى أحكام الله تعالى الكونية والشرعية، ولم ينقدح في ذهنه أي اعتراض؛ لأنه يعلم أن هذا صادر عن حكمة، وإذا علم أنه صادر عن حكمة فإنه لا يبقى في قلبه شك من أن هذا هو عين الصواب، وهو الذي تقتضيه الحكمة، وبهذا يطمئن الإنسان إلى شريعة الله، ويطمئن الإنسان أيضًا إلى قدر الله عز وجل، ويعلم أن هذا هو الصواب الذي لا يجوز غيره.
وقوله: ﴿الْخَبِيرُ﴾ يقول المؤلف: (بخلقه)، والخبير معناه: ذو الخبرة؛ وهي العلم ببواطن الأمور، ومنه سُمِّيَ الزارع خبيرًا؛ لأنه يستر الحبة بالحرث، فالخبير ذو الخبرة، وهي العلم ببواطن الأمور.
وهل ينافي ذلك العلم بظواهر الأمور؟ لا، بل إنه يؤيده؛ لأن الذي يعلم ببواطن الأمور من باب أولى أن يعلم بظواهرها.
والحكمة دائمًا يقرنها الله عز وجل بالعزة والعلم، هنا قُرِنَت بماذا؟ بالعلم الذي تتضمنه الخبرة، وإنما يقرنها الله بذلك ليتبين أن حكمته سبحانه وتعالى مبنية على علمه، وأنه إذا تراءى لك أن هذا الشيء ليس بحكمة فذلك لنقصان علمك، وإلا لو كان عندك علم وفهم لعرفت أن الحكمة فيما شرعه الله وفيما قَدَّرَه.
ثم فَسَّر أو فَصَّل شيئًا من علمه، فقال: (﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ﴾ [سبأ ٢] يدخل في الأرض كماء وغيره، ﴿وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾ كنبات وغيره، ﴿وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ﴾ من رزق وغيره، ﴿وَمَا يَعْرُجُ﴾ يصعد ﴿فِيهَا﴾ من عمل وغيره)، هذا من باب التفصيل.
﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ﴾، و﴿مَا﴾ اسم موصول تفيد العموم، و﴿يَلِجُ﴾ بمعنى: يدخل، كل ما يدخل في الأرض فالله سبحانه وتعالى يعلمه.
يقول المؤلف: (كماء)، الماء يدخل في الأرض ولَّا يخرج منها؟ يدخل ويخرج، فإذا أنزل الله الماء من السماء أدخله في الأرض ينابيع، وإذا أراد الله تعالى أن يخرج خرج بآلة أو بغير آلة.
وقوله: (وغيره) ويش غير الماء مما يدخل في الأرض؟
* طالب: الأموات.
* الشيخ: الأموات، وغير؟
* طالب: الحيوانات كالثعابين.
* الشيخ: نعم، والأشياء التي لها جحور في الأرض، كذا؟ ما نقول: النبات أيضًا؟ النبات أيضًا بذوره كلها داخلة في الأرض.
المهم أن ما يَلِج في الأرض لا يُحْصَى أصنافه، فضلًا عن أفراده، وهو واسع جدًّا، والله سبحانه وتعالى يعلمه، حتى الذرة التي تدخل في جُحْرِها يعلمها الله سبحانه وتعالى.
﴿وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾، يقول المؤلف: (كنبات وغيره)، النبات واضح، وغيره كالماء والمعادن والحيوانات التي تنتشر في الأرض، وهل نقول: ومن ذلك الإنسان؟
﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ﴾ [طه ٥٥]، هذا الأصل إي نعم، ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ إخراج وإدخال، ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾ [نوح ١٧، ١٨].
يقول: ﴿وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [سبأ ٢] (من رزقٍ وغيره)، الرزق كيف ينزل من السماء؟ أنت تبقى في البيت كل يوم ويعطيك التمر ينزل عليك من السماء أو الثياب؟ لا، ولكن الرزق يكون بالمطر، مثلًا ينزل الله المطر فتنبت الأرض ويخرج منها الماء والمرعى، ﴿مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ [النازعات ٣٣]، واضح؟
وغير هذا أيش ينزل؟ ينزل أمر الله عز وجل، ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [السجدة ٥]، وتنزل أيضًا الملائكة، وتنزل الشُّهُب تُرْمَى بها الشياطين، وأشياء كثيرة من هذا، والله يعلمه.
﴿وَمَا يَعْرُجُ﴾ يقول: (يصعد ﴿فِيهَا﴾ من عمل وغيره).
هنا ﴿يَعْرُجُ﴾ بمعنى يصعد، كذا؟ ويعرج تعدَّى بـ(إلى) كما قال تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج ٤]، وقال: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ [السجدة ٥]، وهنا قال: ﴿يَعْرُجُ فِيهَا﴾، والنحويون اختلفوا في مثل هذا؛ فمنهم مَن قال: إن الحرف بمعنى يناسب الفعل، يعني: يجعل الحرف بمعنى حرف آخر يناسب الفعل، فمثلًا يقول: (في) بمعنى (إلى).
ومنهم مَن يقول: بل الحرف باقٍ على معناه الأصلي ويُضَمَّن الفعل معنى يناسب ذلك الحرف، وهذا مذهب البصريين، فيقول: ﴿يَعْرُجُ﴾ مُضَمَّن مع معناه الظاهر وهو العروج معنى الدخول، يعني: يعرج فيدخل فيها، ليس المراد ما يعرج فقط ولا يدخل، يعرج ويدخل فيها.
وسبق لنا في مقدمة التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا المذهب هو المذهب الصحيح المحقَّق، وهو أن يُضَمَّن الفعل معنى يناسب الحرف؛ لأن هذا التضمين يجعل للفعل معنيين:
أحدهما: المعنى الظاهر من اللفظ.
والثاني: المعنى الذي تَضَمَّنَه ليناسب الحرف الذي تعلَّق به، ويظهر لك ذلك جليًّا في قوله تعالى: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان ٦]، معلوم أننا لا نشرب بالعين، ما هي آلة، ما هي بإناء، ما هي آلة الشرب، أنت تقول: أنا أشرب بالإناء، صح، لكن يشرب بها وهي عين؟ لا يمكن أن تكون إناءً له.
يرى بعض العلماء أن نجعل الباء بمعنى (مِن)، أي: يشرب منها.
ويرى آخرون أننا نُضَمِّن ﴿يَشْرَبُ﴾ معنى يَرْوَى، إذا ضَمَّنَّا (يشرب) معنى (يروى) استفدنا فائدتين: الشرب، أيش بعد؟ والري، لكن إذا قلنا: إن الباء بمعنى (مِن) لم نستفد هذه الفائدة.
فالمهم أن المذهب الصحيح هو أننا نُضَمِّن فعلًا معنى يناسب الحرف، ولا نجعل الحرف بمعنى حرف آخر.
قال: (﴿وَهُوَ الرَّحِيمُ﴾ بأوليائه ﴿الْغَفُورُ﴾ [سبأ ٢] لهم)، هذا أيضًا من التخصيص بلا دليل.
كلمة ﴿الرَّحِيمُ﴾ لم يُذْكَر مُتَعَلِّقُها، والمؤلف رحمه الله يقول: (بأوليائه)، فعليه يكون أعداؤه لا رحمة لهم، هذا كلام المؤلف، و﴿الْغَفُورُ﴾ أيضًا لأوليائه، فأعداؤه لا مغفرة لهم.
ولكن الصحيح العموم؛ لأن هذين الاسمين مطلقان، فيبقيان على إطلاقهما، فهو رحيم حتى بأعدائه؛ الكافر قد أعطاه الله تعالى صحة ورزقًا من اللباس والطعام والشراب والمسكن والزوجة والأهل، وكل هذا رحمة، لكنها رحمة عامة، يعني أنها لا تكن خاصة كرحمة المؤمنين.
والمغفرة أيضًا يستحقها مَن تاب من عداوته لله، وإذا تاب فهو وَلِيّ من أولياء الله عز وجل، ولكن قد يكون في الإنسان عداوة وولاية، أو لا؟ ﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ [التوبة ١٠٢] وهم مستحقون لمغفرة الله سبحانه وتعالى، والله أعلم.
* طالب: (...) خاصة بالمؤمنين.
* الشيخ: لا، عامة، كما قلنا قبل قليل: الرحيم معناها تختص بالفعل، يعني: إيصال الرحمة إلى المرحوم، بعده التوحيد أظن؟
* طالب: دلالة السبع.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: ما فيه احتمال أن هذه السبع زيادة في النكال عليهم؟
* الشيخ: لا، ما فيه احتمال.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، تركناه؛ لأن بعض العلماء ضَعَّفَه (...).
﴿الْحَكِيمُ﴾ [سبأ ١] بمعنى حاكم، فهو إذن صيغة مبالغة فَعِيل، وإذا كان حكيم مِن أَحْكَمَ فهو بمعنى مُحْكِم.
وفَعِيل تأتي بمعنى مُفْعِل، وقد أنشدناكم بيتًا سابقًا:
؎أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ∗∗∗ يُؤَرِّقُنِي .................
(...).
* طالب: الفوائد.
* الشيخ: الفوائد.
* من فوائد الآيات السابقة: ثبوت الحمد الكامل لله عز وجل في قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ إلى آخره.
وثانيًا: أن هذا الحمد الذي ثبت له هو أهل له؛ لقوله: ﴿لِلَّهِ﴾؛ لأن اللام -كما قلنا- للاستحقاق والاختصاص.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ثناء الله عز وجل على نفسه لأجل مصلحة العباد؛ لأننا نحن لا نستطيع أن نثني على الله أو نحصي ثناء عليه، فإذا حمد الله نفسه فهذا من مصلحتنا؛ لأنه يعلِّمنا عز وجل كيف نحمده، وكيف نثني عليه، وهو أهل لأن يمدح نفسه سبحانه وتعالى ويُثْنِي عليها لمصلحة عباده، وإلا فهو في غِنًى عن كونه يُظْهِر لنا من صفات الكمال ما يُظْهِر، في غِنًى عن أن نعرف ذلك، ولكن هذا من أجل مصلحتنا.
وهذه الفائدة قد تكون مبنية عن سؤال مُقَدَّر: كيف يثني الله تعالى على نفسه؟ وهل مَدْح الشخصِ نفسَه يعتبر مَنْقَبَة أم لا؟
فالجواب أن يقال: إن الله يمدح نفسه لا لحاجته إلى أن نثني عليه، أو أن نعرف كماله؛ لأنه كامل، لكن من أجل أيش؟ من أجل مصلحتنا؛ إذ إننا لا نحصي ثناءً عليه، ولا نعرف ماذا نثني به عليه إلا عن طريق وَحْيِه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عموم ملك الله؛ لقوله: ﴿الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [سبأ ١]، وهنا حَمِد نفسه على عموم ملكه، وقد يحمد نفسه على فعله، مثل: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [سبأ ١]، وقد يحمد نفسه على شرعه، مثل: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [الأنعام ١]، ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ [الكهف ١].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن السماوات جمع، يعني أكثر من واحدة؛ لقوله: ﴿السَّمَاوَاتِ﴾، ومن أدلة أخرى قد ثبت أنها سبع، وكذلك الأرض.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ظهور كمال الله عز وجل يوم القيامة أظهر مما يكون في الدنيا؛ لقوله: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ﴾، فالملك عامّ، وظهور الحمد جليًّا واضحًا يكون في الآخرة.
* ومنها: ثبوت البعث؛ لقوله: ﴿الْآخِرَةِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات حكم الله عز وجل الكوني والشرعي، وإثبات حكمته المتعلِّقة بالكون والمتعلِّقة بالشرع.
* ويتفرع على هذه القاعدة: وجوب التسليم لقضائه الكوني والشرعي، بحيث لا نريد أيّ اعتراض، حتى وإن جاء على ما ظاهره خلاف الحكمة فإنه يجب أن نتهم أيش؟ عقولنا؛ لأنه إذا ثبت أنه سبحانه وتعالى حكيم في الْحُكْمَيْن الكوني والشرعي لزم من ذلك التسليم للقضاء الكوني والشرعي؛ لأنه صادر عن حكمة، لكن هذه الحكمة قد تخفى علينا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عموم علم الله، يؤخَذ من قوله: ﴿الْخَبِيرُ﴾، وما جاء من التفصيل بعدها؛ لأن الخبير هو العالِم بالبواطن، والعالم بالبواطن عالم بالظواهر.
* ومن فوائدها: إثبات هذين الاسمين الكريمين لله عز وجل، وهما: الحكيم، الخبير.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من الأساليب البلاغية الإجمال ثم التفصيل؛ لقوله: ﴿الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ﴾ إلى آخره [سبأ: ١، ٢].
وفائدة هذه الطريقة البلاغية هو أن الشيء إذا جاء مُجْمَلًا تَشَوَّفَت النفوس إلى تفصيله، فجاء التفصيل واردًا على نفوس تتطلع إليه، فإذا ورد التفصيل على نفوس تتطلع إليه كان أوقع في النفس وأرسخ في القلب، أليس كذلك؟
لو قلت لك: حدث البارحة شيء عظيم، ما دريت، البارحة الساعة الواحدة من الليل حدث أمر عظيم ما علمت، ويش يكون؟ تتشوَّف لهذا، تتطلع، أيش هذا الشيء العظيم، لكن لو قلت لك: حدث البارحة -مثلًا- أن رُمِيَ بنجم فاستنار نورًا عظيمًا، على كل حال تقبل هذا الخبر، لكن ليس كالأول؛ لأنك ستقول: ويش هذا الشيء العظيم؟ (...) شيء عظيم، ويش هذا الشيء؟ (...) ويش هذا الشيء؟ حتى يرد على قلبك وقد تَشَوَّفْت إليه كثيرًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تمام تصرُّف الله سبحانه وتعالى في مخلوقاته، هذا يلج، وهذا يدخل، وهذا ينزل، وهذا يعرج، ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ [سبأ ٢].
* ومن فوائدها -وهي فائدة بلاغية-: البداءة بما يماس الإنسان، وإن كان غيره أشرف منه؛ لأنك تتحدث عما يَلِج في الأرض وما يخرج منها قبل أن تتحدث عما ينزل من السماء وما يعرج فيها.
هنا هذه الفائدة بناء على أن السماء أشرف من الأرض، وهل هذا مسلَّم؟ لا تستعجلوا، هل هو مسلَّم أن السماء أشرف من الأرض، أو الأرض أشرف من السماء؟
هذا فيه خلاف بين العلماء، فيه جدل كثير؛ منهم مَن يرى أن السماء أشرف، ويقول: إن السماء لو لم يكن فيها إلا الملائكة المقرَّبُون، وهي جهة عُلُوّ، والسماء فيها أيضًا الله عز وجل فوقها.
ومنهم مَن يرى أن الأرض أشرف، يقول: لأنها خُلِقَ منها أفضل المخلوقات وهم الأنبياء والرسل، فهي أشرف، وهذا النزاع وإن كان نزاعًا قد يقال: إنه من فضول العلم، لكنه على كل حال في أول وهلة يرى الإنسان أن السماء أشرف من الأرض، ولكن ذُكِرَت الأرض هنا لأنها تُمَاسُّنَا أكثر ونعرف عنها أكثر.
* وفيها أيضًا -من فوائد الآية الكريمة-: إثبات الرحمة والمغفرة لله عز وجل، في قوله: ﴿وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾، وهنا قدم الرحيم على الغفور، وإن كان الأكثر في القرآن تقديم الغفور على الرحيم؛ لما يكون في السماء والأرض من المصالح والمنافع، والمصالح والمنافع من آثار أيش؟ الرحمة، ودَفْع المصائب من آثار المغفرة؛ لأن المغفرة مَحْو الذنب الذي تدور فيه المكروهات، والرحمة حصول الخير.
الرحمة عند أهل السنة والجماعة صفةٌ من صفات الله عز وجل حقيقة ثابتة له، وعند الأشاعرة يقولون: إن الرحمة هي الإحسان، أو إرادة الإحسان، فيفسرونها بالشيء المفعول لله، يعني بالنعم أو بإرادة النعم، لماذا؟ لأنهم يُقِرُّون بصفة أيش؟ بصفة الإرادة، فيفسرون الرحمة بإرادة الإنعام والإحسان، أو بالإنعام والإحسان نفسه.
ولكن سبق لنا أن القول الصواب المقطوع به هو أن تُجْرَى نصوص الكتاب والسنة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته على ظاهرها.
يحتاج أن نقول: اللائق بالله، ولَّا ما حاجة؟ لا نقول: اللائق بالله، إلا على سبيل الإيضاح فقط؛ لأننا نعلم علم اليقين أن ظاهرها لائق بالله، وليس ظاهرها كما يقول أهل التعطيل: التشبيه؛ لأنه لو كان ظاهر نصوص الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته التشبيه أو التمثيل لكان ظاهر القرآن والسنة في هذا الباب هو الكفر؛ لأن مَن شَبَّهَ الله بخلقه فقد كَفَرَ حيث كذَّب قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى ١١]، ومحال أن يكون ظاهر الحق أيش؟ باطلًا وكفرًا، ولهذا إذا قلنا: إن نصوص الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته تُجْرَى على ظاهرها اللائق بالله، فهذا من باب أيش؟ من باب الإيضاح، وإلا فإننا نعلم علم اليقين الذي هو عندنا أيقن من الشمس أن ظاهرها هو ما يليق بالله، فلا حاجة إلى التقييد به، لكننا قد نقيِّده على سبيل الإيضاح فقط.
والرحمة هل هي صفات كمال من حيث هي، بقطع النظر عن موصوفها، أو صفة نقص؟ هي صفة كمال في الواقع، حتى الرحمة في (...).
؎....................... ∗∗∗ ...كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِالنَّدَى
معروف البيت، معروف؟
يقول: ووضع الندى، الندى: العطاء والبذل.
؎وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالْعُلَا ∗∗∗ مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِالنَّدَى
حكمة هذا، يقول: وَضْع الندى في موضع السيف مُضِرٌّ بالعُلَا والأخلاق، ليش؟ لأن الذي يستحق السيف أحسن ما نضع له السيف، واحد مجرم مُفْسِد في الأرض أمسكناه وقَدَرْنَا عليه نقول: يا ولد شوف هذه الفيلَّا لك، وهذه السيارة لك، وهذا المستودع المملوء بخزائن الذهب والفضة لك، لأنك مجرم، حكمة ولَّا لا؟ ما هي حكمة.
كوضع السيف في موضع الندى، إنسان صاحب خير وإحسان ومُسْتَحِقّ لأن يُكْرَم، فجِيءَ به فوضعناه على نطع القتل، قلنا: بنقتلك الآن، ليش؟ لأنك محسن، هذا حكمة ولَّا لا؟ ليس بحكمة، فالبيت هذا من أعظم ما يكون من أبيات الحكمة، والمتنبي معروف أنه حكيم الشعراء.
* طالب: أبو العلاء
* الشيخ: لا، المتنبي.
إذن نقول: إن الرحمة صفة كمال من حيث هي هي، فإذا أضيفت إلى الله صارت أكمل وأكمل.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِیمُ ٱلۡخَبِیرُ","یَعۡلَمُ مَا یَلِجُ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَا یَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا یَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَمَا یَعۡرُجُ فِیهَاۚ وَهُوَ ٱلرَّحِیمُ ٱلۡغَفُورُ"],"ayah":"ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِیمُ ٱلۡخَبِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق