﴿قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٩] الخطاب بـ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ تقدم التنبيه عليه وهو أن الله عز وجل نادى محمدًا ﷺ بوصفه نبيًّا، والنبي يُنفِّذ ما أُوحِي إليه ولا يتأخر عنه.
وسبق أن النبي مأخوذ من النبأ، أو من النبوة، أو منهما جميعًا فإنه مُنبِئ، مُنبَأٌ، وذو رِفْعة، فهو مشتق من النبأ سواء كان واقعًا منه أو واقعًا عليه، ومن النبوة؛ وهي الرِّفعة، فالشيء النابي أي الشيء المرتفع.
﴿قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب ٥٩].
﴿قُلْ﴾ هذه فعل أمر، ومن المعلوم أن الرسول ﷺ قد أُمِر أن يقول جميع القرآن، وأن يبلغه، لكن إذا كان الحكم مُصدَّرًا بـ(قل) فهو دليل على العناية به؛ لأنه أُمِر أن يبلغه بخصوصه، فيكون في هذا دليل على أنه -أي هذا الشيء الذي أُمر أن يقوله الرسول ﷺ- أمر هام.
﴿قُلْ لِأَزْوَاجِكَ﴾ جمع زَوْج، وزوج يطلق على الرجل وعلى المرأة؛ لأنه مأخوذ من الازدواج وهو الاختلاط.
واللغة الفصحى فيه ألا تفريق بين الذكر والأنثى، ولكن الفرَضِيين -رحمهم الله- التزموا أن يجعلوا الأنثى بالهاء والرجل أو الذَّكَر بدون هاء تفريقًا بين المسائل؛ لأنهم إذا قالوا: مات ميت عن زوج وابن، وأرادوا بالزوج الأنثى اشتبه هل يراد به الزوج الذكر والأنثى فالتزموا أن يفرقوا بين الذكر والأنثى بالتاء على أنه قد قيل إنها لغة لكنها قليلة.
﴿قُلْ لِأَزْوَاجِكَ﴾ وبدأ بالأزواج؛ لأن الحماية لهن والغيرة فيهن أشد وأبلغ.
﴿وَبَنَاتِكَ﴾ كم كُنَّ؟ كن أربعًا، لكن إذا كانت هذه الآية نزلت في السنة السادسة من الهجرة فإن بعضهن قد مات، وعلى هذا فيكون المراد الموجود منهن.
﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ عام في كل امرأة من المؤمنين، وإنما قال: ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ دون أن يقول: والنساء، من أجل الإغراء والحثِّ كقوله: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ». وإلا فإن الكافرات يجب عليهن من الحجاب ما يجب على المؤمنات لئلا يفتتن الناس بهن.
وقوله: ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يشمل زوجات المؤمنين، ومَنْ للمؤمنين عليهنَّ ولاية من البنات والأخوات والعمات والخالات والأمهات وغير ذلك.
وفي قوله: ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ دليل على أن الرجال قوَّامون على النساء، وإلا لاكتفى بقوله: والنساء المؤمنات.
﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ جملة ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ يحتمل أن تكون مرفوعة، وأن تكون مجزومة، وعلى كل حال هي مبنية الآن، مبنية لماذا؟ مبنية لاتصالها بنون النسوة، والفعل المضارع يكون مبنيًّا في موضعين إذا اتصل بنون النسوة أو نون التوكيد، وهنا اتصلت به نون النسوة، فهو مبني على السكون، لكن هل هو في محل رفع أو في محل جزم؟
إن كانت ﴿يُدْنِينَ﴾ مقول القول فهي في محل رفع، يعني: قل لهم أدْنِين، قل لهؤلاء أدنين، وإن كانت جوابًا للأمر فهي في محل جزم؛ لأن جواب الأمر يكون مجزومًا.
وقيل: إنها مجزومة على تقدير اللام؛ أي: قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين ليدنين عليهن من جلابيبهن؛ أي: على تقدير لام الأمر كقول الشاعر:
؎مُحَمَّدُ تَفْدِي نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ ∗∗∗ ..........................
تفدي: جزمها على تقدير اللام، أي: لتفدي نفسك.
أي الاحتمالين أرجح؟ أن تكون مقولًا للقول في محل رفع، أو أن تكون في محل جزم؟
نشوف القرآن قد يُبيِّن ذلك، قال الله تعالى: ﴿قُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الإسراء ٥٣]، هذا يدل على أنها مجزومة على أنها جواب الأمر، إذ لو كانت مرفوعة لقال: يقولون هي التي أحسن، فلما قال: ﴿يَقُولُوا﴾ دل على أنها جواب الأمر.
وهي أيضًا من حيث المعنى أبلغ إذا كانت جوابًا للأمر كأنهم يفعلون ذلك مباشرة؛ يعني كأن فعلهم هذا جوابهم للأمر؛ أي أنه متسبب عنه، فيكون ذلك أبلغ في الامتثال من أن يُؤمروا أمرًا قد يمتثلونه وقد لا يمتثلونه.
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور ٣٠] ويش يؤيد؟ أن جواب الأمر ولَّا أنها مقول القول؟ أنها جواب الأمر؛ ولهذا قال: ﴿يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ فجزمها بحذف النون، ولم يقل يغضون من أبصارهم.
﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ [النور٣١] ويش يؤيد؟ هذا ما فيه دليل؛ لأنه مبني، فليس فيه دليل على هذا ولا على هذا.
المهم أن الأولى أن نجعل قوله: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ جوابًا للأمر، ويؤيد ذلك السياق في كتاب الله، ويؤيد ذلك أنه أقوى في الامتثال والتنفيذ حيث كان جوابًا لمجرد القول كأنهن يفعلن ويمتثلن.
﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ ﴿مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾. قوله: ﴿مِنْ﴾ ليست زائدة كما قيل؛ لأن (مِن) ما تزاد إلا في النفي كما قال ابن مالك:
؎وَزِيدَ فِي نَفْيٍ وَشِبْهِهِ فَجَرْ ∗∗∗ ........................
أكملوا؟
؎........................ ∗∗∗ نَكِرَةً كَـ(مَــــا لِبَـــــاغٍ مِنْمَـــفَرْ)
وعلى هذا فـ(مِن) ليست بزائدة؛ يعني ليس المعنى يدنين عليهن جلابيبهن، بل (مِن) للتبعيض؛ أي: يدنين عليهن من جلابيبهن؛ يعني بعض جلابيبهن.
وهل التبعيض هنا تبعيض جزء من كل، أو تبعيض فرد من فرد؟ بمعنى: هل إن قوله: ﴿مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ أي من الجلابيب التي عندهن؛ لأن الواحدة قد يكون عندها جلبابان أو أكثر، أو أن المعنى بعض الجلباب الذي عليها؟ هذا الأخير هو الأقرب؛ يعني تُدني عليها بعض جلبابها، والجلباب هو الرداء أو الملاءة أو الملحفة، يعني الشيء الواسع الذي يشمل جميع البدن أو أكثره.
و﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ﴾ ولم يقل: إليهن، بل قال: ﴿عَلَيْهِنَّ﴾ ليكون الإدناء ملاصقًا لهن، فمثلًا هنا إذا قلت هكذا، هذا أدنيت إليَّ لكن إن قلت: هكذا عليَّ، فكأنه ضُمِّن معنى يضممن عليهن.
﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ أي يقربنه حتى يضممنه عليهن.
وقوله: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ ﴿عَلَيْهِنَّ﴾ لم يقل: على وجوههن، ولا على نحورهن، ولا على صدورهن فيكون شاملًا لجميع البدن.
﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ﴾ أي: على جميع البدن، ولكن من المعروف أن الجلباب ساتر لأكثر البدن والعادة عندهم أن المرأة تكشف وجهها وتخرج مكشوفة الوجه ومكشوفة النحر، فَأَمَر الله عز وجل أن ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ أي على هذا المكشوف الذي يُكشف عادة وهو الوجه والنحر كما قال ذلك ابن عباس وغيره بأن تُغطِّي وجهها ولا تبدي إلا عينًا واحدة تنظر بها للضرورة، وهذا فيما إذا كان الجلباب صفيقًا، بحيث إذا غطت به وجهها لا ترى، أما إذا كان خفيفًا كما هو المعروف عندنا في الوقت الحاضر فلا حاجة إلى إبداء العين؛ لأن إبداء العين إنما هو للضرورة؛ بدليل أن الصحابة كابن عباس وغيره رخصوا في إبداء العين الواحدة؛ لأنها بقدر الضرورة وإلا لكانوا يقولون: تُخرِج العينين جميعًا، وعلى كل حال فالمعنى ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ فيما يكشفنه من أبدانهن وهو الوجه، هذا ما جرت به العادة.
وكان هذا الكشف عامًّا للإماء والحرائر فصار بعض من في قلبه مرض من المنافقين الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات صاروا يلاحقونهم، فإذا عُثِر عليهن قالوا: هذه أمة، حسبناها أمة فعيرناها وهي حرة، فشُكِي ذلك إلى رسول الله ﷺ فأنزل الله هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ [الأحزاب ٥٩] هكذا قال بعضهم في سبب النزول لكنه غير مسند، ونحن لا يهمنا أن تكون الآية لها سبب في نزولها أم ليس لها سبب، المهم هو الحكم الذي دلت عليه.
قال: (﴿﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾ ﴾ جمع جلباب، وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة، أي يُرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن إلا عينًا واحدة) ليش؟ لضرورة النظر.
وقوله: (جمع جلباب وهي الملاءة) هو كما قال، وهي تشبه العباءة عندنا، ولما أمر النبي ﷺ بخروج النساء في العيد للصلاة قالت أم عطية: يا رسول الله، إحدانا ليس لها جلباب فقال: «لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٤)، ومسلم (٨٩٠ / ١٢) من حديث أم عطية.]]. ولم يقل: لتخرج بدون جلباب، وهذا يدل على أنه لا بد أن تخرج المرأة بما يسترها ولا يبين حجم جسمها.
(﴿﴿ذَلِكَ أَدْنَى﴾ ﴾ أقرب إلى ﴿﴿أَنْ يُعْرَفْنَ﴾ ﴾ بأنهن حرائر ﴿﴿فَلا يُؤْذَيْنَ﴾ ﴾ بالتعرض لهن).
قوله: (﴿﴿أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ﴾ ﴾ بأنهن حرائر) هذا بناءً على ما قلت، ولكن لنا أن نقول: ﴿أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ﴾ بأنهن محتشمات وبعيدات عن الرِّيَب، ولا يُردن السوء ولا الفاحشة؛ لأن المرأة إذا كانت محتشِمة محتجبة دل هذا على كمال عفتها، وأنها لا تريد أن تقع في مواضع الرِّيَب بخلاف المرأة العاهر -والعياذ بالله- فإنها تتبرج، وتكشف وجهها، وتخرج يديها، وذراعيها، وحليها، وما أشبه ذلك، فإذا كانت المرأة مُتحجِّبة عُلِم أنها امرأة محتشمة عفيفة؛ ولهذا قال: ﴿أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ﴾، وإذا كانت عفيفة محتشمة فإن الفُسَّاق لا يتعرضون لها؛ لأنهم يعلمون أنها ليست من أصحابهن، وإنما هي امرأة حامية نفسها محتفِظة، هذا من جهة، ويحتمل أن ما قاله المؤلف: (﴿﴿أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ﴾ ﴾ بأنهن حرائر) والآية صالحة لهذا ولهذا.
قال: (﴿﴿أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ﴾ ﴾ بالتعرض لهن بخلاف الإماء فلا يُغَطِّين وجوههن، فكان المنافقون يتعرضون لهن).
وهكذا كانت الإماء في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي عهد الخلفاء لا يحتجبن؛ لأنهن مملوكات، ولا يتعلق بهن إلا رديء النفس.
ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إنما هذا في الإماء اللاتي لا يُخشى منهن فتنة، وأما الإماء الجميلات اللاتي يفتن فإنهن يجب عليهن أن يُغطِّين وجوههن؛ وذلك لخوف الفتنة، لا لإلحاقهن بالحرائر.
وما قاله -رحمه الله- صحيح، والمعنى يؤيده فإن كل ما يُخشى منه الفتنة فإنه يجب البعد عنه؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور٣١]؛ لأن الخلخال الذي يُسمَع إذا ضربت المرأة برجلها يُخشَى منه الفتنة، وخشية الفتنة بخلخال مخفي عند ضرب المرأة برجلها أقل بكثير من أن تُخرِج المرأة وجهها، ذلك الوجه الجميل المجمَّل بالكحل والتحمير وغير ذلك، وكلٌّ يعلم أن هذا أعظم فتنة من خلخال مستور يُسمَع صوته عند الضرب بالرجل، وتأبى حكمة الله عز وجل أن ينهى عن ضرب المرأة برجلها لئلا يُسْمع خلخالها، ثم يرخص لامرأة من أجمل النساء أن تُخرِج وجهها وكفيها فإن هذا تأباه حكمة الله عز وجل.
* طالب: «عمر لما ضرب الأمة لما غطت رأسها»[[أخرجه عبد الرزاق في المصنف (٥٠٦٤) من حديث أنس بن مالك.]]؟
* الشيخ: نعم، ضربها لئلا تتشبه بالحرائر خوفًا من أن يختلط هؤلاء بهؤلاء، ثم يبقى الفرق والميزة بينهما لا أثر له، إذا كانت الإماء يغطين وجوههن بقيت الحرائر غير معلومات.
* الطالب: قد يحتج به على قول شيخ الإسلام؟
* الشيخ: لا، ما يحتج به؛ لأن عندنا قواعد عامة وهي أن التعرض للفتن ممنوع في الشرع.
* طالب: شيخ، طيب ترى بعين واحدة يُعتبر سنة إلى الآن يعني؟
* الشيخ: لا، ما هو سنة؛ لأن الجلابيب في ذلك الوقت غليظة ما تتمكن المرأة من النظر، أما في وقتنا فهي خفيفة تتمكن المرأة، تمشي بالنظر ولو غطت جميع وجهها.
* الطالب: إن فعلت هذا الجلباب هي نفسها؛ يعني لبست؟
* الشيخ: الآن النساء عندنا يتجلببن ولا يكشفن ولا عينًا واحدة والأمور ماشية.
* طالب: (...) اللبس (...)؟
* الشيخ: بالنيل؟
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي، هو الظاهر؛ ولهذا الصحابة جعلوا إبداء العين الواحدة للضرورة؛ ولهذا اقتصروا على قدر الضرورة فقط وهي العين الواحدة، وهذا يدل على أنه إذا كان يمكن للمرأة أن تبصر بدون إخراج العين فإنه لا يجوز إخراج العين.
* طالب: شيخ، قوله: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ﴾ ما فيه دليل على وجوب تغطية الوجه؛ لأن المرأة ما تعرف إلا من وجهها؟
* الشيخ: لا، هو على كلام المؤلف: ﴿يُعْرَفْنَ﴾ بمعنى يميزن، تميز الحرائر من..
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، إذا أخذنا بظاهر اللفظ، ولا سيما على التفسير الذي ذكرنا أنها تُعرف بأنها محتشمة، وأنها بعيدة عن الرِّيَب نعم.
﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب ٥٩].
(﴿﴿كَانَ اللَّهُ غَفُورًا﴾ ﴾ لما سلف منهن من ترك الستر ﴿﴿رَحِيمًا﴾ ﴾ بهن إذ سترهن).
﴿﴿كَانَ اللَّهُ غَفُورًا﴾ ﴾ سبق لنا تفسير (الغفور) و(الرحيم)، وأن الله تعالى يجمع بينهما دائمًا لأجل أن يتركب من الاسمين زوال المكروه وحصول المطلوب، فزوال المكروه بماذا؟ بالمغفرة، وحصول المطلوب بالرحمة، والله عز وجل يذكر دائمًا المغفرة والرحمة عن أمر قد سلف ولم ينزل به حكم، مثل قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [النساء٢٢]، ما هذا.. الآية: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء٢٣]؛ لأنه لولا مغفرة الله ورحمته لكان يعاقبنا على المخالفة التي لا تليق، لكن الله عز وجل من مغفرته ورحمته لا يؤاخذنا بما لم يشرعه لنا.
ثم قال: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ [الأحزاب ٦٠].
﴿لَئِنْ﴾ يقول المؤلف: (لام القسم) يعني لام موطئة للقسم، وليست هي أداة القسم، بل القسم محذوف والتقدير: والله لئن لم ينتهِ، أو: وَرَبِّك لئن لم ينتهِ؛ فهي مُوطِّئة للقسم.
وإنما قال المؤلف: (لام القسم) لئلا يتوهم واهم أنها لام الابتداء.
وقوله: (إن) هذه شرطية ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ﴾ ﴿لَمْ يَنْتَهِ﴾ مجزومة ولَّا مرفوعة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: الدليل؟ حذف حرف العلة الياء، والجازم لها (إن) أو (لم)؟ (لم)؛ لأنها هي المباشرة.
﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ﴾ يعني: (عن نفاقهم) كما قال المؤلف، وإنما قال المؤلف: (عن نفاقهم)؛ لأنه هو الوصف الذي اشتُقَّ منه اسم (المنافقون)، وإلا قد يكون معناها لئن لم ينتهِ المنافقون عن نفاقهم وعن أذيتهم للمؤمنين وغير ذلك.
وقوله: ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ (بالزنى)، وهذا بناءً على أن قوله: ﴿ذلك أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ﴾ أن المراد الأذية بالتعرُّض لهن بالفاحشة؛ فالمعنى ﴿الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ هم الذين يتعرضون للنساء بطلب الفاحشة والزنى، ويحتمل أن يكون المعنى أعم مما قال المؤلف؛ أي: في قلوبهم مرض من الشك وسوء الخلق وغير ذلك، وهو أعم وأحسن.
﴿وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ﴾ المؤمنين مفعول (مرجفون)؛ لأنها من أَرْجَفَ يُرْجِف، وهي مأخوذة من الرَّجْفة، والرَّجْفَة هي الزلزلة، والمرْجِف هو الذي يقول: قد أتاكم العدو، وإن لكم عدوًّا كثيرًا، وسراياكم قد قُتلت، وهُزِمت الجنود، وما أشبه ذلك، يُدْخل الخوف والرعب في قلوب الناس، وسُمِّي ذلك إرجافًا؛ لأنه يزلزل ثقة الإنسان بنفسه وبإخوانه؛ ولأنه يزلزل أمنه وطمأنينته، قال بعضهم: ولأنه لا ثبات له؛ لأنه قولٌ كذب، كل هذه المعاني يحتمل أن يكون الإرجاف مشتقًا منها أو دالًّا عليها.
إذن فالمرجِف هو الذي يُخبر بماذا؟ بما يزلزل طمأنينة المؤمنين من هزيمة، أو قتل عدو، أو كثرة جنود، أو ما أشبه ذلك، ويوجد فيه أناس من هذا النوع في المدينة إذا بعث النبي ﷺ السرايا صاروا يبثون مثل هذه الأقوال بأن السرية قد هُزِمت، وأُسِرت، وقُتِلت، وما أشبه هذا.
﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ اللام في قوله: ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ﴾ واقعة في جواب القسم المقدَّر؛ فالجملة إذن جواب للقَسَم وليست للشرط؛ لأن القاعدة أنه إذا اجتمع قَسَم وشرط فالجواب للسابق منهما كما قال ابن مالك:
؎وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ∗∗∗ جَـــــــوَابَ مَــا أَخَّـــــرْتَ فَهْــــــوَمُلْــــــتَزَمْ
وقوله: ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ﴾ قال المؤلف: (لنُسلِّطَنَّك عليهم) وهذا التفسير تفسير باللازم؛ لأن الإغراء معناه الحث بإزعاج على أن ينكِّل بهم، ومنه إغراء الإنسان بالعدو؛ بمعنى أنه يحثه عليه بإزعاج ليُوقع به ويقتله أو يهزمه أو ما أشبه ذلك.
﴿ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا﴾ (﴿﴿ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ﴾ ﴾ يساكنونك -﴿فِيهَا﴾ يعني في المدينة- ﴿﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ ﴾ ثم يخرجون ﴿﴿مَلْعُونِينَ﴾ ﴾ مُبعَدِين عن الرحمة) يعني لنغرينك بهم بالتسلط عليهم؛ إما بالتعزير، أو بالتأديب، أو بالقتل، أو بغير ذلك، فإذا ضاقت عليهم المدينة خرجوا؛ ولهذا قال: ﴿ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ﴾ ولم يقل: فلا يجاورونك؛ وذلك لتأخر انتفاء المجاورة عن الإغراء؛ لأن الله يغريه بهم فيحصل لهم من التأديب والتعزير والإهانة ما لا يتمكنون معه من البقاء في المدينة؛ ولهذا جاءت بـ﴿ثُمَّ﴾.
وقوله: ﴿ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا﴾ يحتمل أن المعنى إلا قليلًا من الزمن أو إلا قليلًا منهم وعلى كلا الاحتمالين:
فإن قوله: ﴿مَلْعُونِينَ﴾ حال من الفاعل في ﴿يُجَاوِرُونَكَ﴾. وعلى تقدير المؤلف هي حال من فاعل حذف مع عامله، حيث قال: ثم يخرجون ملعونين.
ولكن الأقرب ألا نقدر بل المعنى: ثم لا يجاورونك إلا قليلًا في حال كونهم ملعونين حال المجاورة؛ يعني حتى في بقائهم عندك يكونون ملعونين مطرودين مُبعَدين لا يألفهم أحد ولا يحنو عليهم.
ثم قال: ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ (﴿﴿أَيْنَمَا ثُقِفُوا﴾ ﴾ وُجِدوا ﴿﴿أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ ﴾)
﴿أَيْنَمَا﴾ هذه أداة شرط تفيد العموم في المكان، وفعل الشرط قوله: ﴿ثُقِفُوا﴾ وجواب الشرط ﴿أُخِذُوا﴾.
وقال: ﴿أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ يقول: (أي الحكم فيهم هذا على جهة الأمر به).
الجملة ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا﴾ جملة خبرية ولَّا إنشائية، جملة خبرية؛ لأنها شرطية، والجملة الشرطية خبرية، لكنها خبرية بمعنى الإنشاء؛ أي: بمعنى الأمر والطلب، أي: أينما وجدتموهم فخذوهم واقتلوهم.
وفي قوله: ﴿تَقْتِيلًا﴾ المصدر المؤكِّد دليل على أنهم يُقتَّلون أفرادًا وجماعات.
هذه الآية لا شك أن فيها وعيدًا لهؤلاء الذين جمعوا هذه الأوصاف، المنافقون، والذين في قلوبهم مرض، والمرجفون في المدينة، هي وعيد، والبحث فيها:
أولًا: هل هذه الأوصاف لموصوف واحد؟ أو أنها لأناس متعددين؟ هل المعنى أنهم منافقون وفي قلوبهم مرض ومُرجِفون؟ فالأوصاف هذه لموصوف واحد وصح العطف؛ لأنه من باب عطف الصفة كما في قوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾ [الأعلى ١ - ٤] وهو واحد ولَّا متعدد؟ واحد؛ فالعطف هنا عطف صفات، هل نقول: إن هذه عطف صفات، وأنها لموصوف واحد؟ أو نقول: إنها عطف أعيان موصوفين ليست لموصوف واحد؟ هذا الأخير هو الأصح وهو أعم أيضًا؛ لأن المنافق قد يكون في قلبه مرض يميل إلى الفاحشة والزنى وقد لا يكون ولًّا لا؟ وقد يكون مرجفًا وقد لا يكون، وقد يجمع بين النفاق والمرض القلبي والإرجاف، وقد يكون الإنسان في قلبه مرض وليس منافقًا، وقد يكون مرجفًا وليس منافقًا ولا في قلبه مرض، فحينئذٍ يتبين أن الأولى أن هذا العطف عطْف لموصوف على موصوف وليست عطفًا على موصوف واحد؛ يعني ليست وصفًا لموصوف واحد حتى نجعل العطف من باب عطف الصفات بعضها على بعض.
البحث الثاني: هل هؤلاء انتهوا أم لم ينتهوا؟ الواقع أن الإغراء لم يحصل؛ ولهذا بقي المنافقون، ما قُتِّلوا، ولا أُخِذوا فهم باقون، فهل نقول: إنهم انتهوا حين رأوا هذا الوعيد، أو نقول: إنهم لم ينتهوا لكن الله عز وجل عفا عنهم فيما بعد، وأن هذا من باب إخلاف الوعيد، وإخلاف الوعيد من الكرم بخلاف إخلاف الوعد، أيهما أرجح؟
هما قولان للعلماء؛ فبعضهم يقول: إنهم لما رأوا هذا الوعيد وكانوا من أخوف الناس وأرعن الناس انتهوا وتركوا هذا الأمر.
وبعضهم قال: إنهم لم ينتهوا لكن الله عز وجل لم يُغْرِ نبيهم بهم لحكمة اقتضت ذلك.
الذي يظهر لي -والله أعلم- أنهم انتهوا؛ لأن المعروف من حال المنافقين أنهم جبناء، وأنهم يخافون ويحذرون؛ ولهذا يحلفون عند الرسول عليه الصلاة والسلام بأنهم مؤمنون، ولما تخلفوا عن غزوة تبوك جاؤوا يحلفون ويعتذرون، فهم جبناء، وهم يعلمون أن وعد الله حق، وأنهم لو استمروا في أعمالهم العدوانية هذه لأغرى الله بهم نبيه، وحصل الجلاء، ثم القتل.
* طالب: الذين يقولون بالقول الثاني بماذا يجيبون عن قول الله تعالى: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [ق٢٩]؟
* الشيخ: إي يقولون: هذا فيما فيه الظلم؛ ولهذا قال: ﴿قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾ [ق ٢٨، ٢٩] وهذا في يوم القيامة، أما في الدنيا فإنه يجوز (...).
﴿وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب ٥٩].
* يستفاد من الآية الكريمة: أهمية ما أمر اللهُ به رسولَه في هذه الآية، وجه ذلك أن الله أمره أن يبلغها أمرًا خاصًّا؛ بقوله: ﴿قُلْ﴾ وإلا كل القرآن مأمور بأن يقوله للناس: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة ٦٧] لكن بعض الأحكام يُصدِّرها الله عز وجل بـ﴿قُلْ﴾ فيكون كأنه أُرسِل بهذه الآية إرسالًا خاصًّا فيكون في ذلك دليل على أهمية هذا الأمر الذي أمر الله به رسولَه.
* ومن فوائدها: أنه يجب على الإنسان أن يغار على زوجته أكثر من غيرها؛ لأنها فراشه، وفي فسادها فساد لفراشه وتشكيك في نسله، وجه ذلك أن الله بدأ بالأزواج فقال: ﴿قُلْ لِأَزْوَاجِكَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان مسؤول عمن تحت رعايته سواء كانت تلك مسؤولية عامة أو خاصة.
وفي هذه الآية مسؤوليتان على رسول الله ﷺ؛ خاصة وعامة، الخاصة قوله: ﴿لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ﴾، والعامة: ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإيمان مقتضٍ للعمل بهذه الآية؛ لقوله: ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
* ومن فوائدها: أن على المؤمنين مسؤولية في نسائهم؛ لقوله: ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ولم يقل: ونساء المؤمنات إشارةً إلى أن المؤمن يجب أن يكون مُلاحِظًا لنسائه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب الحجاب، حجاب الوجه؛ لقوله: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾.
* ويتفرع على هذا: أنه يجب أن نعرف مفهوم الحجاب الشرعي؛ لأن أكثر الناس يظنون أن الحجاب الشرعي هو أن تُغطِّي المرأة جميع جسدها إلا وجهها وكفيها، وهذا يعني نحن فهمناه من الأسئلة التي ترد إلينا؛ أنهم إذا قالوا: الحجاب الشرعي يعني حَجْب وسَتْر جميع البدن إلا الوجه والكفين، وهذا خطأ؛ فالحجاب الشرعي أول وأولى ما يدخل فيه حجاب الوجه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من عادة نساء الصحابة لبس الجلابيب؛ لقوله: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾؛ ويدل لذلك أيضًا أن النبي ﷺ لما أمرهن بالخروج إلى مصلى العيد قلنا: يا رسول الله، إحدانا ليس لها جلباب. فقال: «لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٤)، ومسلم (٨٩٠ / ١٢) من حديث أم عطية.]].
* ويتفرع على هذه الفائدة: أن الشرع يتشوف إلى أن تكون المرأة بعيدة عن إبراز مفاتنها؛ لأن الجلباب يكون غالبًا واسعًا لا تظهر منه مفاتن الجسم.
.. إي، بعباده حيث يبيِّن لهم علل الأحكام الشرعية.
وجه ذلك أن ذِكر العلل يفيد طمأنينة النفس واقتناعها اقتناعًا أكثر بذلك الحكم المعلَّل.
وتفيد أيضًا سمو الشريعة وأنها لا تأمر بشيء عبثًا، بل لا بد لكل شيء تأمر به من الحكمة المناسبة التي ينبني عليها الحُكم.
ومن فوائد ذكر العلل أيضًا أن العلة إذا كانت عامة أمكن أن نقيس على المعلَّل ما وافقه في تلك العلة، فنُلْحقه به في الحكم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عناية الله عز وجل بالمرأة بدفع ما يمكن أن يكون فيه أذًى عليها؛ لقوله: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾ [الأحزاب ٥٩].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن في الحِجاب كفَّ الأذى عن المرأة، فيكون في ذلك كرامةٌ لها، وإعزازٌ لها، ورفعةٌ لها من أن تُؤْذَى.
* ويتفرع على هذه القاعدة: بيان قصور نظرِ أولئك الذين يقولون: إن الحجاب ونحوه إذلال للمرأة وغضٌّ من كرامتها وإهانة لها.
فنقول لهم: كذبتم أعظم الكذب وافتريتم أعظم الفرى؛ فإن حجابها هو الذي يدفع عنها الأذى؛ أذى الفساق، وتتبعهم لها؛ لأن المرأة الجميلة تكون بالنسبة لهؤلاء الأراذل كالجيفة أمام الكلاب لا بد أن يتبعوها ولو على الرائحة.
وبهذا نعرف ما انزلق فيه كثير من الشعوب الإسلامية في رفع الحجاب الشرعي عن المرأة حيث أدى إلى المفاسد الكبيرة، ولو فتَّشت ما فتَّشت في أولئك الأمم الذين يدَّعون التمدن والتحضر لوجدت كثيرًا وكثيرًا من الحوامل من البغاء والزنا، هذا فضلًا عمن يَسْتَعملن الحبوب المانعة من الحمل، وفضلًا عمن يجهِضن الحمل قبل أن يستتمَّ، وكل هذا يدل على أن الإسلام ومناهج الإسلام أسمى كل المناهج وأحسن كل الأنظمة، ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المغفرة والرحمة لله عز وجل، وهي مأخوذة من هذين الاسمين الكريمين ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، هذان الوصفان دلَّ عليهما الاسمان دلالة تضمن أو دلالة مطابقة؟ مطابقة، وفي دلالة الالتزام يدل هذان الاسمان على الكرم دلالة التزام؛ لأن الكريم هو الذي يغفر وهو الذي يرحم، ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾.
ثم قال تعالى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب ٦٠] إلى آخره.
* في هذه الآية الكريمة من الفوائد: شدة عناية الله عز وجل بنساء المؤمنين، فإن علاقة الآية هذه بالتي قبلها ظاهرة؛ فإن المنافقين والذين في قلوبهم مرض هم أكثر الناس تعرضًا لأذية المؤمنات، فلهذا أعقب الآية السابقة بهذه الآية، ففيه كمال عناية الله تعالى بنساء المؤمنين.
* ومن فوائدها: الوعيد الشديد لهؤلاء المتصفين بهذه الصفات الثلاث الذميمة؛ النفاق، ومرض القلب، والإرجاف.
* ومن فوائدها: أنه إذا ظهر نفاق المنافق وتبين عداؤه فإنه يجوز أن يعامل بما يقتضيه نفاقه؛ لقوله: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ﴾، ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾.
وسبق لنا البحث هل هؤلاء المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون هل انتهوا عن أعمالهم أم لا؟ وقلنا: إن في ذلك رأيين لأهل العلم، وإن الأقرب من هذين الرأيين أنهم انتهوا عن ذلك؛ لأننا لم نرَ أن الله عز وجل سلَّط رسوله عليهم وأغراه بهم، وهذا أقرب بكثير من القول بأن الله تعالى لم يُغْرِه من باب إخلاف الوعيد.
* ومن فوائد الآية الكريمة: التحذير من النفاق ومرض القلب والإرجاف؛ لأن الله توعَّد هؤلاء إذا لم ينتهوا بأن يسلط الله رسوله عليهم ويُغْرِيه بهم، وقُبْح هذه الصفات معلومٌ.
أما النفاق فظاهر فإنه من أرذل الأخلاق؛ لأن من الصفات التي يرتكبها المنافق أنه إذا وعد أخلف، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا اؤتمن خان، وهذه من أرذل الصفات الاجتماعية.
وأما الذين في قلوبهم مرض فإن مرض القلب أشد من مرض البدن؛ لأن مرض البدن يوجب الألم الحسي الذي قد يتحمله الإنسان، وأما مرض القلب -والعياذ بالله- فإنه يوجب القلق النفسي وضياع الحياة كلها والموت المعنوي، واسمع إلى قول الله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف ٢٨]، ما أكثر الأوقات التي تضيع على من غفل عن ذكر الله، تضيع بلا فائدة، وأنت إذا رأيت من نفسك أن أوقاتك ضائعة بلا فائدة فيجب عليك أن تلاحظ قلبك؛ فإن هذا لا يكون إلا من غفلة القلب عن ذكر الله.
ولو نظرْت فيما سبق من التاريخ كيف أنتج العلماء ما أنتجوا من المؤلفات ومن فطاحل العلماء الذين تخرجوا على أيديهم في أوقات قد تكون أقل من الوقت الذي عشته أنت، وذلك بسبب ما ملأ الله به قلوبهم من ذِكره حتى صارت أعمارهم لا يضيع منها لحظة واحدة.
فعليك أن تنتبه لهذا لمرض القلب وأن تبادر بمداواته؛ لأنه إذا تفشى المرض في القلب -نسأل الله العافية- قد يموت ويُطْبَع عليه، فلا يُحِق حقًّا ولا يُبْطِل باطلًا.
وأما الإرجاف وتخويف الناس المؤمنين وإلقاء الذعر في قلوبهم فهذا أيضًا من الأخلاق الذميمة؛ لأن الواجب على المرء على الأقل أن يكون موقفه موقف المحايد، أما أن يذهب ويرجف بالمؤمنين ويقول: عدوكم أكثر منكم، ولا يمكن أن تغلبوه، وعدوكم فعل وفعل وفعل؛ فإن هذا من علامات النفاق.
* ويستفاد من الآية: أنه ينبغي للإنسان أن يُدْخِل على المؤمن ما يقوِّي عزيمته وينشطه، سواء في الجهاد في سبيل الله أو في غيره من الأعمال النافعة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن النبي ﷺ مكلَّف عبدٌ يُؤْمَر ويُنْهى؛ لقوله: ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾، إذن إذا لم يُغْرِه الله بهم فالواجب عليه الكفُّ والتوقف حتى يُؤْذن له فيهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: مشروعية إجلاء مَن في بقائه ضررٌ. من أين تؤخذ؟ ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا﴾. وقد ثبت نحو هذا الإجلاء في الزاني إذا لم يكن محصنًا فإنه يُجْلَد مئة جلدة ويُغَرَّب عن وطنه أو عن البلد الذي زنى فيه لمدة سنة[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٤٩)، ومسلم (١٦٩٨ / ٢٥) من حديث زيد بن خالد.]]، وثبت أيضًا الإجلاء في قُطَّاع الطريق إذا أخافوا الناس ولم يأخذوا مالًا ولم يقتلوا نفسًا فإنهم يُنْفَون من الأرض ويُبْعدون، وثبت الإجلاء أيضًا في التعزير؛ فإن عمر بن الخطاب نفى نصر بن الحجاج، وكان رجلًا وسيمًا حتى إن النساء بدأن يتغزلن به، تقول القائلة:
؎هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا ∗∗∗ أَمْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى نَصْرِ بْنِحَجَّاجِ
فأمره عمر أن يحلق رأسه حتى لا تفتتن النساء به، فلما حلق رأسه صِرْن يتغزلن به من وجه آخر بعد الحلق، فرأى عمر رضي الله عنه أن يُنْفَى، فنفاه إلى البصرة[[أخرجه ابن سعد في الطبقات (٣/ ٢٨٥).]]، وكذلك أيضًا نَفَى الحُطَيئة، إذن فأصل النفي والإبعاد عن الأرض ثابت في القرآن؛ يعني: دلَّ عليه القرآن وهو قوله: ﴿ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذه الأوصاف الثلاثة سبب للعن؛ النفاق، ومرض القلب، والثالث الإرجاف؛ لقوله: ﴿مَلْعُونِينَ﴾ يعني: إذا لم ينتهوا فإنهم يتصفون بهذا الوصف ﴿مَلْعُونِينَ﴾.
* ومن فوائدها: أن المنافق إذا أظهر نفاقه فإنه يجوز قتله؛ لقوله: ﴿أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾، هذا إذا لم ينتهِ عن أذية المؤمنين فإنه يُؤْخَذ ويُقْتَل.
ولا يَرِد على ذلك أن النبي ﷺ كان يعلم من المنافقين أقوامًا بأعيانهم؛ لأن النبي ﷺ كفَّ عن قتلهم قال: «لِئَلَّا يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٩٠٥)، ومسلم (٢٥٨٤ / ٦٣) من حديث جابر بن عبد الله.]]، فيكون في ذلك تنفير عن الإسلامِ والإسلامُ ما زال في ابتداء الدعوة إليه، ثم إن المنافقين في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام يتسترون، ما يُعْرَفون إلا في لحن القول أو بوحي أوحاه الله تعالى إلى رسوله ﷺ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: استعمال المبالغة في الألفاظ لفظًا ومعنى؛ أما معنى فقوله: ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا﴾ في أي مكان؛ في برٍّ أو بحرٍ أو جو، قريبًا كان أو بعيدًا، أخذًا من عموم الشرط في قوله: ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا﴾.
والوجه الثاني من المبالغة في اللفظ قوله: ﴿وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾؛ لأن هذا أبلغ من قوله: وقُتِلوا قَتْلًا ﴿قُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾، فيه استعمال المبالغة في الألفاظ والمعاني أيضًا، فالمبالغة في المعاني مأخوذة من الشرط، والمبالغة في الألفاظ مأخوذة من قوله: ﴿قُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، تعزيرًا له؛ لأنه هو يتعرض أيضًا ويعرض نفسه، ففيه تعزير من جهة، وفيه كفٌّ لفتنته من جهة أخرى.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب ٥٩]، المرأة تُدْني من جلبابها، قال المفسرون ومنهم ابن عباس: تُغَطِّي وجهها إلا عينًا واحدة تخرجها لتَنْظُر الطريق[[أخرجه الطبري في التفسير (١٩/ ١٨١). ]].
* طالب: (...) الكتابيات (...)؟
* الشيخ: سبق لنا أن قوله: ﴿نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب ٥٩]؛ لأن الخطاب موجه لهم، وإلا فغير المؤمنات؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، حتى غير المؤمنات يجب أن يسترن وجوههن؛ لأن الفتنة حاصلة، بل ربما تكون الفتنة في غير المؤمنات أكثر؛ لأن الرجل يقول: هذه كافرة، ذنبها أعظم من أن يحارشها أو يتوصل إليها بالزنا.
* طالب: لو قال: إنها غير مكلفة (...)؟
* الشيخ: لا، مخاطَبَة ولاسيما في الأمور الظاهرة، ولهذا يُمْنَعون من إظهار الخمر والخنزير وما أشبه ذلك مع أنه مباح في شريعتهم.
* طالب: طيب شيخ، (...) في الإرجاف (...)؟
* الشيخ: ويش تقولون؟
* طالب: المدينة.
* الشيخ: لا، ما يخالف، المدينة وغيرها سواء، لكن هذا بيان للواقع؛ ﴿الْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ﴾ [الأحزاب ٦٠] بيان للواقع، والقيد إذا كان بيانًا للواقع فلا مفهوم له. ويش تقولون؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يدخل في هذا، أو نقول: إنه ما بيننا وبينهم حرب الآن، إحنا -اللهُ يرحم حالنا- ذليلون الآن، وأنه ربما يكون أن هذا من الفوائد، من فوائده أننا نحرص أن نكون مثلهم أو ما يمكن؟
* طالب: يذكر على سبيل التخويف (...).
* الشيخ: هو إن ذُكِر على سبيل التخويف والتعظيم فهو حرام، إذا ذُكِر على سبيل تعظيم هؤلاء الكفار وترفيع شأنهم هذا حرام؛ لأن كل شيء يُوجب أن نعظم الكافرين وأن يكون لهم في قلوبنا منزلة فهذا حرام؛ لأننا مأمورون اتجاه الكفار بما أَمَر الله به نبيه ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة ٧٣]، ومأمورون بأن نفعل كل ما يغيظهم، قال الله تعالى: ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ [الفتح ٢٩]، وقال تعالى: ﴿وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ﴾ [التوبة ١٢٠]، فنحن مأمورون بإغاظتهم وإهانتهم ما استطعنا، أما أن نذكر ما فيه تعلية شأنهم وبيان مقدرتهم وإلقاء الهيبة في قلوبنا منهم فإن هذا لا يجوز كما قلت.
* طالب: (...) ناس من السعودية سافروا (...)؟
* الشيخ: قد يكون لكن (...) إما إكرامًا ولا ذعرًا (...)، وأيًّا كان فالحمد لله هذه من نعمة الله، وأنا حدثني رجل رحمه الله سافر إلى لندن وبقي على لباسه كما يلبسه في عنيزة؛ مشلح وعقال وكل شيء، يقول: فصاروا يكرموني إكرامًا عظيمًا، حتى إني جيت أركب السيارة يتبادرون الباب ليفتحوه لي، بيننا اللي يروح من عندنا يروح يلبس لباسهم ما يُعَد إلا كحامل الزبل، ما يهتمون به، إلا كان له صفة رسمية يهتمون به من جهة رسميته، أو كان يمكن أن ينفعهم بماله.
على كل حال، من اتقى الله تعالى جعل الله له هيبة في القلوب، اتق الله يتَّقِك الناس، وخفْ من الله يَخَفْكَ الناسُ.
{"ayahs_start":59,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ قُل لِّأَزۡوَ ٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاۤءِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ یُدۡنِینَ عَلَیۡهِنَّ مِن جَلَـٰبِیبِهِنَّۚ ذَ ٰلِكَ أَدۡنَىٰۤ أَن یُعۡرَفۡنَ فَلَا یُؤۡذَیۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا","۞ لَّىِٕن لَّمۡ یَنتَهِ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِی ٱلۡمَدِینَةِ لَنُغۡرِیَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا یُجَاوِرُونَكَ فِیهَاۤ إِلَّا قَلِیلࣰا","مَّلۡعُونِینَۖ أَیۡنَمَا ثُقِفُوۤا۟ أُخِذُوا۟ وَقُتِّلُوا۟ تَقۡتِیلࣰا"],"ayah":"۞ لَّىِٕن لَّمۡ یَنتَهِ ٱلۡمُنَـٰفِقُونَ وَٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِی ٱلۡمَدِینَةِ لَنُغۡرِیَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا یُجَاوِرُونَكَ فِیهَاۤ إِلَّا قَلِیلࣰا"}