ثم قال الله عز وجل: (﴿﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ ﴾ [الأحزاب: ٥٣] "في الدخول بالدعاء ﴿﴿إِلَى طَعَامٍ﴾ ﴾ فتدخلوا ﴿﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ﴾ ﴾ منتظرين إياه ﴿﴿إِنَاهُ﴾ ﴾ نضجه، مصدر أنى يأني) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ سبق لنا الكلام على مثل هذه العبارة، وبيَّنَّا أن تصدير الحكم بالنداء يدل على الاهتمام به والعناية به؛ لأن النداء يستلزم انتباه المنادى، وأن وصف هذا النداء بالإيمان يدل على أن التزام هذا الحكم من مقتضيات الإيمان، وأن التخلف عنه سبب لنقصان الإيمان، ثم إن التعبير بالإيمان فيه إغراء وحث؛ لأن المؤمن حقًّا يلتزم ما أمر به، ويترك ما نهي عنه، ومن ذلك إذا قلت: يا رجل، افعل كذا. المعنى: بمقتضى رجولتك يلزمك أن تفعل كذا يا مؤمن، افعل كذا؛ أي بمقتضى إيمانك يلزمك أن تفعل كذا، ففيه إغراء وحث.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يعني لإيمانكم وجهنا إليكم هذا الخطاب ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ﴾، ﴿بُيُوتَ النَّبِيِّ﴾ جمع ومضاف إلى الرسول ﷺ؛ لأن بيوته كانت تسعة، كل امرأة من نسائه لها بيت، لم يجمعهن عليه الصلاة والسلام في بيت واحد، بل جعل لكل امرأة بيتًا.
وإضافته إلى النبي عليه الصلاة والسلام ﴿بُيُوتَ النَّبِيِّ﴾، مع أنه أُضيف إلى النساء أنفسهن كما سبق في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾ [الأحزاب ٣٤] هل هذا يتناقض مع ذاك؟ لا يتناقض فهو مضاف إلى كل شيء منهما بنسبة معينة، فباعتبار أن هذه البيوت مأوى النبي ﷺ ومسكنه أضيفت إليه، وباعتبار أنها -أي: هذه البيوت- ملك لزوجاته أضيفت البيوت إليهن.
والعلماء اختلفوا؛ هل بيوت زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام ملك لهن أو ملك للرسول عليه الصلاة والسلام؟ فيه قولان لأهل العلم، وسبق لنا أن الأظهر أنها ملك للزوجات، بدليل أنهن ورثن هذه البيوت، ولو كانت ملكًا للرسول عليه الصلاة والسلام ما ورثنها؛ لأن النبي ﷺ يقول: «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٠٩٣)، ومسلم (١٧٥٩ / ٥٢) من حديث أبي بكر.]].
ولا يرد على هذا أن هذه البيوت أُدخلت في المسجد فيما بعد؛ لأنها إما أن تكون أدخلت بعوض وإما أن تكون أدخلت برضا مستحقيها، وهذا لا ينافي التمليك.
﴿بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾، ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ﴾ بالبناء للمجهول، ولم يقل: إلا أن يأذن النبي؛ لأنه قد تأذن المرأة من نسائه لأحد فيدخل، فليس بشرط أن يكون الإذن من الرسول ﷺ، ولكن الله تعالى اشترط ثلاثة شروط: الإذن، و﴿إِلَى طَعَامٍ﴾، والثالث: ﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾.
ولننظر هذه القيود، هل هي معتبرة أو لا؟ فقوله: ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ يشمل الإذن العرفي والإذن اللفظي، فالإذن اللفظي أن يُقال: ادخل، والإذن العرفي أن يكون هناك علامة تدل على أن المقام مقام إذن كفتح الباب وما أشبه ذلك، فهل يمكن الدخول بدون إذن؟ لا يمكن، فالإذن إِذَنْ مُعتبرٌ، قيدٌ.
قال: ﴿إِلَى طَعَامٍ﴾ هل هذا يدل على أنه لو أذن لهم بالدخول إلى غير طعام لا يحل؟ لا، إلى طعام، فلو دعي إلى غير طعام هل يدخل أو لا؟ إن نظرنا إلى ظاهر قوله: ﴿إِلَى طَعَامٍ﴾ قلنا: لا يدخل؛ لأن الله تعالى قال: ﴿إِلَى طَعَامٍ﴾، ولكننا نقول إن هذا القيد بيان للواقع، وما كان بيانًا للواقع فإنه لا مفهوم له، فالآية وردت في قضية مُعينة وهي دخول هؤلاء إلى الطعام بدون دعوة، فلهذا قُيدت بقوله: ﴿إِلَى طَعَامٍ﴾.
الثالث: ﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾، (ناظر) إن تعدت بـ(إلى) فهي من النظر بالعين، وإن تعدت بنفسها فهي بمعنى الانتظار، تقول: نظرت إليه، وتقول: نظرته، بمعنى: انتظرت، قال الله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [الأنعام ١٥٨]، ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ [الأعراف ٥٣]، المعنى: هل ينتظرون؛ لأنها تعدت بنفسها.
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة ٢٢، ٢٣] هذا من النظر بالعين، هنا ﴿نَاظِرِينَ﴾ متعدية بنفسها ولّا بـ(إلى)؟ بنفسها، فتكون بمعنى منتظرين، وقوله: ﴿إِنَاهُ﴾ أي: نضجه، هل هذا شرط ولّا غير شرط؟ نقول: إنه شرط لجواز الدخول أن يدخلوا لطعام غير منتظرين نضجه، وكانوا يتحرون نضج الطعام، فإذا تحروا أنه قد نضج وقارب أن يقدم أو قَدِم دخلوا البيوت؛ لأجل أن يأكلوا، ولا شك أن مفاجأة الإنسان عند أكله تؤذيه، ويُسمى هذا الذي يفجأ الناس عند تقديمه الطعام يسمى طفيليًّا، وضيفنًا، ما هو بضيف، ضيفنٌ بالنون؛ لأن النون هذه مثل اللي يتكأ على عصا كأنه ثقيل.
فإذا كان واحد عندك ضيفًا، وأنت ما تحب أنه يكون عندك، فقلت لصاحبك، قال: عندك ضيف؟ قلت: لا عندي ضيفن؛ يعني: ثقيل طفيلي جاء بلا دعوة، ونام على (...) صاحب البيت، لا يتزحزح ولا يطلع، ويتطلب هات ماء هات شراب هات كذا، أبغي الحمام أبغي كذا، يتعبك.
المهم أن قوله: ﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ هذا شرط؛ يعني لا يجوز لكم أن تتحروا إنى الطعام حتى تدخلوا، لما في ذلك من التضييق على النبي عليه الصلاة والسلام، ويحتمل أن المعنى: لا تدخلوا مبكرين بحيث تبقون في البيوت حتى ينضج الطعام؛ لأن في هذا أيضًا إشقاقًا على صاحب البيت، إذا كان تجهيز الغداء في الساعة الواحدة فجاء هؤلاء في الساعة الثانية عشرة انتظروا ولّا لا؟ كم انتظروا؟ ساعة، هذا فيه تضييق على النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام حيي كريم، لو استأذنوا عليه قبل نضج الطعام بساعة ما يردهم ﷺ، وإن كان يتأذى بذلك لكن لكرمه وحيائه لا يردهم.
فتبين بهذا النهي عن دخول بيوت الرسول عليه الصلاة والسلام إلا بثلاثة شروط: الإذن، وأن يكون إلى طعام، وأن يكونوا غير ناظرين إناه، لكن إلى طعام قلنا: إن هذا ليس بشرط؛ لأنه قيد لبيان الواقع، فلا مفهوم له، كل قيد لبيان الواقع فإنه لا مفهوم له، ولهذا لو دُعُوا إلى غير الطعام فلا بأس أن يدخلوا.
الآن نرجع إلى الآية ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ قال المؤلف: (فِي الدُّخُول بِالدُّعَاءِ ﴿﴿إلَى طَعَام﴾ ﴾) أفادنا المؤلف بقوله: ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ ما يتعلق ﴿يُؤْذَنَ﴾ إلا على وجه التضمين؛ لأن يؤذن لا تتعدى بـ(إلى) وإنما تتعدى بـ(في) أو بـ(اللام)، لكنها بـ(اللام) للمأذون له لا للمأذون إليه، فتتعدى بـ(في) إلا أن يؤذن لكم في طعام، لكنها جاءت بـ(إلى)؛ لأن الإذن هنا ضُمِّن معنى الدعاء؛ يعني: إلا أن تُدْعَون إلى طعام.
وقوله: ﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ لماذا جاءت منصوبة مع أن الذي قبلها مجرور؟ يعني لم تكن بلفظ إلى طعام غير ناظرين إناه؛ لأنها حال من الكاف في قوله: ﴿يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ إلى طعام حال كونكم غير ناظرين إناه، فإن كنتم منتظرين نضجه وتتحرون نضجه فلا تدخلوا عليه أيضًا؛ لما في ذلك من الإشقاق والأذية.
وقوله: ﴿إِنَاهُ﴾ يقول المؤلف: إنها (مصدر أنى يأني إنًى)، ليست هي شيئًا محذوفًا؛ يعني ليست: (إناءه) في الأصل، بل هي ﴿إِنَاهُ﴾ أصلًا وفرعًا مصدر أنى يأني إنًى.
وقوله: ﴿وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا﴾ [الأحزاب ٥٣] لما كان قوله: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ قد يتوهم منه واهم بأنهم لا يدخلون أبدًا، قال: ﴿وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا﴾ فكان في قوله: ﴿وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا﴾ كان فيه فائدة، وهو أنه متى دُعوا دخلوا، إذا دعوا يدخلون، فكونهم هم يدخلون بأنفسهم لا يجوز إلا بالشروط السابقة، لكن إذا دعوا فيدخلون، فإذا طعموا فإنهم ينتشرون، ولهذا قال: ﴿وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا﴾ ولا تدخلوا بغير دعوة.
وهذا غير قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ﴾ [الأحزاب ٥٣] لأن (يؤذن) معناه أنهم جاءوا فاستأذنوا، وأما التي معنا الجملة الثانية: ﴿وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ﴾ فهذه هم الذين دُعوا، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو الناس إلى طعامه كما دعا أبا هريرة رضي الله عنه حين وجده جائعًا في يوم من الأيام، «خرج أبو هريرة من بيته وهو جائع حتى كاد يسقط مغشيًا عليه من الجوع، فلما خرج الناس تَبِع عمر بن الخطاب يسأله عن آية من كتاب الله، وأبو هريرة حينما سأله عن الآية يعرف الآية لكن يُؤَمل، لعل عمر يقول: اتبعني، ولكن عمر رضي الله عنه ما فكر في هذا الأمر، أخبره بالآية ومضى، يقول: فلما جاء الرسول عليه الصلاة والسلام ورآني عرف ما في وجهي، فدعاه، فدخل، فجيء بلبن إلى النبي ﷺ، فأمره أن يدعو أهل الصُفَّة -أهل الصفة هم الفقراء المهاجرون الذين ليس لهم مأوى في المدينة، فكان لهم صُفَّة في المسجد يجتمعون فيها، أحيانًا يبلغون الثمانين وأحيانًا يكونون أكثر وأحيانًا يكونون أقل- يقول: لما قال: «ادْعُ أَهْلَ الصُّفَّةِ» واللبن قليل، كأنه تردد رضي الله عنه، قال ما يغني هذا اللبن لأهل الصفة، إذا دعوت أهل الصفة وشربوا اللبن بقيت أنا جائعًا، يقول: ولكن لم يكن لي بد من طاعة الله ورسوله، فذهب فدعا أهل الصفة، فجاءوا فشربوا، كُلٌّ يشرب من هذا اللبن، وكل يشرب، وكل يشرب، فلما بقي بقية قال: «اشْرَبْ»، يقول: فشربت حتى رويت، فقال: «اشْرَبْ أَبَا هِرٍّ»، فقلت: والله يا رسول الله لا أجد له مساغًا، فبقيت بقية فشربها النبي ﷺ»[[أخرجه البخاري (٦٤٥٢) من حديث أبي هريرة.]].
ففي هذه دعوة عامة ودعوة خاصة، وكذلك في حديث أنس «لما صنع النبي عليه الصلاة والسلام طعامًا، قال: «اخْرُجْ فَادْعُ لِي مَنْ لَقِيتَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥١٦٣)، ومسلم (١٤٢٨ / ٩٤) من حديث أنس بن مالك.]]، فإذا دعي المسلمون إلى طعام فادخلوا ﴿وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا﴾ [الأحزاب ٥٣]، ولم يَقُل: فإذا شبعتم، قال: ﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ﴾؛ لأن الطعام قد يُشبع، وقد لا يُشبِع، وقوله: ﴿انْتَشِرُوا﴾ أي: تفرقوا.
(ولا تمكثوا ﴿﴿مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ ﴾ [الأحزاب: ٥٣]) أفادنا المؤلف بقوله: (ولا تمكثوا) أن كلمة ﴿مُسْتَأْنِسِينَ﴾ حال من فاعل محذوف مع فعله، والتقدير: ولا تمكثوا مستأنسين لحديث، والاستئناس بالشيء معناه الاطمئنان إليه؛ يعني: لا تبقوا بعد الأكل تتحدثون وتنبسطون وتطمئنون، وأما الحديث العابر فلا بأس به بعد الأكل، ولكن هذا ليس من آداب الطاعم على كل حال؛ لأنه علل قال: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ﴾ [الأحزاب ٥٣].
قال: (﴿﴿مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ ﴾ مِنْ بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ ﴿﴿إنَّ ذَلِكُمْ﴾ ﴾ الْمُكْث ﴿﴿كَانَ يؤذي النبي فيستحيي منكم﴾ ﴾ أن يخرجكم ﴿﴿والله لا يستحيي مِنْ الْحَقّ﴾ ﴾ أَنْ يُخْرِجكُمْ)، وعلى هذا فيُنْهون عن البقاء مطمئنين للحديث لِعِلَّة وهي الأذية، أذية النبي عليه الصلاة والسلام، وبناء على هذه العلة لو قُدِّر أنه لا يتأذى بذلك فلا حرج على الإنسان أن يبقى، وسيأتي إن شاء الله في الفوائد بيان ما يستعمله بعض الناس أنه إذا طعم يقول له: اجلس شوي، ﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا﴾ أن هذا استدلال في غير محله.
(...) ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ﴾ أعاد الاسم الظاهر في موضع الضمير تعلية لشأن الرسول ﷺ، وإلا لكان المتوقع أن يقول: إن ذلكم كان يؤذيه، ولكن قال: ﴿يُؤْذِي النَّبِيَّ﴾ إعلاءً لشأنه ﷺ، وإشارة إلى أنه لنبوته يجب أن يتحاشى المرء أذيته لما له من الفضل، وقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ﴾ لماذا جمع في الخطاب ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ﴾؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، لماذا جمع؟ لأن المخاطبين جمع، اسم الإشارة إذا اقترنت به الكاف فإنه يراعى فيه المخاطب والمشار إليه، المشار إليه يتغير به اسم الإشارة، والمخاطب تتغير به الكاف، أفهمتم القاعدة هذه؟ إذا اقترنت الكاف باسم الإشارة فإنه يُراعى في اسم الإشارة المشار إليه، وفي الكاف ويش اللي يُراعى؟ المخاطب.
فلنفرض أنني أشير إلى جماعة وأخاطب واحدًا، أقول: أولئك، وبالعكس أشير إلى واحد وأخاطب جماعة أقول: ذلكم، أشير إلى جماعة وأخاطب جماعة أقول: أولئكم، أشير إلى جماعة وأخاطب جماعة نساء أقول: أولئكن، أشير إلى واحد وأخاطب جماعة نساء أقول: ذلكن، ﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ [يوسف ٣٢].
والمهم أن اسم الإشارة إذا اقترنت به الكاف فإنه يُراعى في الكاف المخاطب، ويُراعى في اسم الإشارة المشار إليه إن كان جمعًا اجمعها، إذا كان مثنى ثَنِّها، إن كان مفردًا فأفردها، إذا كنت تشير إلى اثنين مخاطبًا اثنين كيف تقول؟ تشير إلى اثنين مخاطبًا اثنين.
* طالب: ذلك.
* الشيخ: لا، تشير إلى اثنين مخاطبًا اثنين؟
* طالب: ذلكما.
* الشيخ: ذلكما لا، ذانكما، إي نعم.
تشير إلى اثنتين مخاطبًا اثنتين؟
* طالب: ما أدري.
* الشيخ: كيف ما تدري.
* طالب: تانكما.
* الشيخ: تانكما، إي نعم، واضح؛ لأن المثنى المؤنث يُقال: تَان، قال ابن مالك:
؎...................... ∗∗∗ وَذَانِ تَـــانِ لِلْمُثَنَّىالْمُرْتَـــــفِعْ
فهمتم يا جماعة؟ ترى هذه يغلط فيها كثير من الطلبة، يلتبس عليه المشار إليه بالمخاطب.
إذن ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ﴾ المشار إليه هنا مفرد ولّا جمع؟ المشار إليه مفرد، والمخاطب جمع؛ لأنه يخاطب جماعة المؤمنين ويشير إلى شيء مذكور، أن ذلك المذكور يؤذي النبي فيستحيي منكم.
وقوله: ﴿يُؤْذِي النَّبِيَّ﴾ الأذية ليست هي الضرر، إذ قد يتأذى المتأذي ولا يتضرر بذلك، ولهذا يوصف الله تعالى بالتأذي، ولا يوصف بالضرر، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [الأحزاب ٥٧]، وقال تعالى: في الحديث القدسي «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٢٦)، ومسلم (٢٢٤٦ / ٢) من حديث أبي هريرة.]] أما في الضرر فقال في الحديث القدسي فقال: «يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) من حديث أبي ذر.]]، ونحن نشاهد الآن في أنفسنا أننا نتأذى بالشيء ولا نتضرر به، يتأذى الإنسان بالرائحة الكريهة كرائحة البصل والكراث والوسخ والعرق وما أشبه ذلك، ولكنه لا يتضرر به، إذن لا يلزم من الأذية الضرر.
﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ﴾ [الأحزاب ٥٣]، الفاء عاطفة على قوله: ﴿يُؤْذِي﴾ يعني فكان أيضًا يستحيي منكم أن يخرجكم إذا دخلتم في هذه الحال، وقوله: ﴿فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ﴾ ما هو الحياء؟ عَرِّف الحياء؟ الحياء نكتب عليه (ميم) بخط عريض أي: معروف في القاموس إذا جاءت كلمة معروفة كتب: (ميم) يعني: معروف، ما يحتاج إلى أن نحده كما لو قيل لك: ما هي المحبة؟ ما تستطيع، مثل ما قال ابن القيم في روضة المحبين يقول: إن المحبة ما تُحد بأوضح من لفظها، المحبة هي المحبة.
ما هي الكراهة؟ هي الكراهة، ما تستطيع أن تَحُدَّها؛ لأن هذه انفعالات نفسية يحس بها الإنسان من نفسه، ولا يستطيع أن يعبر عنها، فالحياء هو الحياء ما هو النوم؟ النوم هو النوم، معروف، وبعضهم يقول: إنها غشية ثقيلة تهجم على المخ فتفقد له الوعي والإحساس، أنا لو أتصور أن هذا هو النوم ما جاني النوم، لو أتصور أنه غشية الله يدفع البلاء، فالحاصل أنك إذا قلت: النوم معروف، هذا معروف لكل أحد.
الجوع أو انصفات البطن من قلة الطعام، هذا أثره، أما هو فإنه معروف، فهذه المعاني النفسية لا يمكن في الحقيقة أن يعرِّفَها أحد لا يمكن أن تُعَرَّف بأوضح من لفظها، إذن الحياء معروف، والنبي عليه الصلاة والسلام يستحي من هؤلاء؛ لأنه ﷺ أكمل الناس إيمانًا، والحياء من الإيمان، ولأنه ﷺ أكرم الناس، والكريم يستحي من ضيفه أن يخرجه أو أن يتبرم بوجوده أو أن يتكرَّه له، فلهذا الرسول ﷺ يصبر وإن كان متأذيا من ذلك لما جبله الله عليه من كمال الإيمان وكمال الكرم ﴿فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ﴾.
قال المؤلف: (﴿﴿فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ﴾ ﴾ أن يخرجكم) قوله: (أن يخرجكم) هذه في محل جر بدل اشتمال؛ لأن التقدير فيستحيي من إخراجكم.
﴿وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ [الأحزاب ٥٣]، الله عز وجل لا يستحي من الحق، وهو العدل في الأحكام، والصدق في الأخبار، فالرب عز وجل لا يستحي من الحق؛ لأن الحياء من الحق معناه ترك الحق أو يستلزم ترك الحق والخور وعدم الحزم، والله عز وجل لا يستحي من أن يبين الحق.
ويقول المؤلف: ﴿لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ (أن يخرجكم) هكذا قال المؤلف، إن الله لا يستحي أن يخرجكم، وفي ما قاله نظر، بل الصواب: ﴿لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ أن يبينه لكم؛ لأن المقام هنا ما هو مقام إخراج، المقام مقام تبيين، لما يجب على هؤلاء الذين استأذنوا على الرسول عليه الصلاة والسلام فالمعنى لا يستحي من الحق، قلت: إن الحق هو الصدق في الأخبار والعدل في الأحكام، والمراد بالحق هنا -على رأي المؤلف- هو الإخراج؛ يعني لا يستحيي أن يخرجكم، ولكن الصواب: لا يستحيي أن يبين لكم ما يلزمكم فتخرجوا.
ثم قال المؤلف -عفا الله عنه: (أي لا يترك بيانه) أي: لا يترك بيان الحق، وهذا من التحريف، حيث فسر الحياء بلازِمِهِ وهو الترك؛ لأن من لازم الحياء من الشيء أن يدعه الحيي منه، والمؤلف فسر الحياء بلازمه وهو الترك؛ أي: لا يترك بيان الحق.
وفي قوله: (لا يترك بيان الحق) مع قوله: (لا يستحي أن يخرجكم) فيه شيء من التناقض؛ لأنه جعل المستحيا منه هنا بيان الحق، وجعله بالأول الإخراج، والصواب الرأي الثاني، قوله الثاني هو الصواب، أي: لا يستحي من بيان الحق، لكن تفسيره الاستحياء بالترك هذا باطل؛ لأنه خلاف ظاهر اللفظ، والواجب علينا فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته الواجب علينا أن نجريها على ظاهرها اللائق بالله سبحانه وتعالى، معتقدين أنه لا مثيل له في هذه الصفة، ومبتعدين عن تكييفها.
أما وجوب إجرائها على ظاهرها فلأن الله خاطبنا بلسان عربي مبين، ولو أراد خلاف ذلك الظاهر لكان التعبير بهذا الذي يفيد ظاهره الكفر أو التمثيل لكان التعبير به بيانًا أو خلاف البيان، والله عز وجل يقول: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء٢٦]، وكيف يعبر سبحانه وتعالى أو يتكلم بما هو خلاف البيان فيما يُعتبر صميم العقيدة، وهو ما يتعلق بأسماء الله وصفاته؟!
ولهذا كان طريق هؤلاء المحرفين من أبلغ ما يكون طعنًا في كلام الله عز وجل، بل من أبلغ ما يكون طعنًا في الله نفسه، إذ إن طريقتهم تستلزم أن يكون الله عز وجل لم يبين الحق فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، وجعل الحق موكولًا إلى ما تقتضيه عقولهم، ويحاولون بعد ذلك أن يردوا كلام الله عز وجل وكلام رسوله إلى ما تقتضيه هذه العقول الفاسدة المتناقضة، والطريق الأسلم والأعلم والأحكم هي طريق السلف، أن تأخذ كلام الله ورسوله على ظاهره؛ لأننا نعلم علم اليقين أنه لا أحد أعلم من الله بنفسه، ولا أحد من الخلق أعلم بالله من رسول الله ﷺ، ونعلم أيضًا أنه لا أحد أصدق كلامًا من الله، ولا أحد من المخلوقين أصدق كلامًا من رسول الله ﷺ، هذا ثابت أيضًا.
الأمر الثالث: أنه لا أحد أوضح بيانًا في كلامه من الله عز وجل، ولا أحد من المخلوقين أعظم بيانًا من رسول الله ﷺ هذه ثلاثة أمور.
الأمر الرابع: نعلم أيضًا أنه لا أحد أصح إرادة وقصدًا من الله عز وجل، فإن الله ما أراد من عباده إلا أن يبين لهم الحق، وكذلك بالنسبة لرسول الله ﷺ لا نعلم أحدًا أنصح منه للخلق، وأصدق إرادة في بيان الحق.
فإذا تمت هذه الأمور الأربعة في كلام -من أي كلام- يكون صار ما يدل عليه ظاهره هو المراد الذي يجب علينا أن نأخذ به، فهذه أمور أربعة إذا اجتمعت في الكلام صار الكلام واجب الأخذ بظاهره، الأربعة هي؟
* طالب: العلم والقصد والصدق..
* الشيخ: نعم، والصدق والبيان، أربعة أمور.
ضدها ما يُؤخذ ولا يُعتبر، لو جاء إنسان جاهل يتكلم لك بكلام من أفصح الكلام، وهو رجل نعرف أنه من أنصح الخلق وأصدقهم، هل تثق بقوله؟ ما نثق بقوله، جاء رجل يتكلم عن الطب ونحن نعلم أنه ما درس في الطب أبدًا، وقام يشرح لنا الطب، نثق به؟ ما نثق به؛ لأنه جاهل.
لو جاء عالم نعرف أنه عالم بما يتكلم به لكنه كذوب هل نثق بكلامه؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: لماذا؟ لأنه كذوب، يمكن كذب علينا.
لو جاءنا رجل عالم وصدوق لكنه سيء الإرادة قد يغش ويقصد ضلال الخلق هذا أيضًا ما نثق به؛ لأننا نخشى أنه غشنا فيما قال.
الرابع: لو جاءنا إنسان عالم وناصح وصدوق لكن ما يحسن يعبر، مثل إنسان فارسي ما يعرف اللغة العربية وقام يعبر باللغة العربية هل نثق من قوله؟ لا، ما نثق؛ لأنه ما يعرف –أحيانًا- يقول، إذا بغى يضيف الضمير إلى نفسه يقول: أنت أكلت، وإذا بغى يقول: أنا أكلت، يقول: أنت أكلت، وإذا بغى يقول: أنت أكلت، يقول: أنا أكلت، ما نثق بكلامه يمكن يقلب الكلام؛ لأنه عيي، لكن كلام الله وكلام الرسول ﷺ اجتمعت فيه صفات القبول الأربع، فلهذا يجب علينا أن نؤمن بكل صفة وصف الله بها نفسه.
فإن قال قائل: الآية وما أشبهها فيها نفي الحياء، والنفي ضد الإثبات، فكيف تقول: إن في الآية أنها إثبات للحياء؟ نقول: منطوق الآية: ﴿لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ [الأحزاب ٥٣]، ومفهومها: يستحي من غير الحق، ولّا لا؟ إذ لو لم يكن الأمر كذلك لكان نفي الاستحياء عن الحق لغوًا من القول لا معنى له، ثم نقول: إنه قد ثبتت صفة الحياء لله عز وجل بصيغة الإثبات كما في الحديث الذي في المسند «إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ»[[أخرجه الترمذي (٣٥٥٦) واللفظ له، وأحمد (٢٣٧١٤) من حديث سلمان.]]، هذا هو إثبات الحياء لله سبحانه وتعالى.
فكل صفة أثبتها الله لنفسه فإنه يجب علينا أن نأخذها بالقبول، ولكننا ننزه اعتقادنا عن محظورين عظيمين وهما؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، التمثيل والتكييف، والتمثيل أحسن من التشبيه؛ يعني التعبير بالتمثيل أحسن من التعبير بالتشبيه؛ لأن هذا هو الذي نفاه الله عن نفسه، ولأن نفي التشبيه المطلق هذا ليس بصواب؛ لأننا ذكرنا أنه ما من موجودين إلا ويشتركان في صفة الوجود، وإن كانا يتباينان فيما تقتضيه هذه الصفة في مقتضياتها ومستلزماتها، وما من سميعين إلا ويشتركان في صفة السمع، وإن كانا يختلفان في ملزوماتها ومقتضياتها، وما من بصيرين إلا ويشتركان في صفة البصر، فيكون بينهما مشابهة من بعض الوجوه فيما يشتركان فيه، ولهذا نفي التمثيل هو الذي ينبغي لنا -معشر طلبة العلم- أن نعبر به؛ لأنه هو الذي جاء في القرآن، وهو أسلم.
قال: ﴿وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾، ثم قال: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ﴾ أي: لا يترك بيانه، وقرئ ﴿﴿يستحي﴾ ﴾ بياء واحدة، شاذًا أو سبعية؟ شاذًا؛ لأن قاعدة المؤلف -رحمه الله- أنه إذا قال: وقرئ. فهي قراءة شاذة، بخلاف ما إذا قال: وفي قراءة. أو قال: بالياء والنون، أو: بالياء والتاء، وما أشبه ذلك، فهما قراءتان سبعيتان.
* طالب: يكون فيه قصور أو لا يؤدي المطلوب؟
* الشيخ: ما يؤدي المطلوب وفيه قصور؛ لأنه خلاف تعبير القرآن ولأن هذا أدى إلى أن تنكر كثير من الصفات بهذه الدعوى.
* طالب: تعبير الطحاوي؟
* الشيخ: إي نعم، ولهذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في العقيدة الواسطية ما قال: من غير تشبيه، قال: من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وهذا هو الأولى.
﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ﴾ الفاعل يعود على الصحابة، والمفعول يعود على نساء النبي ﷺ، وهن لم يسبق لهن ذكر في الآية، لكن قوله: ﴿بُيُوتَ النَّبِيِّ﴾ يدل على ذلك؛ لأن ساكن بيوت النبي هن أزواج النبي ﷺ.
(﴿﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ﴾ ﴾ أي: أزواج النبي ﷺ) (أي): هذه تفسيرية، و(أزواج): عطف بيان للهاء في قوله: (﴿﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ﴾ ﴾ أي: أزواج النبي ﷺ) ﴿مَتَاعًا﴾ المراد بالمتاع: ما يُتمتع به من ملابس ومطاعم ومشارب وغيره، حتى الدراهم تعتبر متاعًا، فكل ما يُتمتع به فهو متاع.
(﴿﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ ﴾ ستر) ﴿فَاسْأَلُوهُنَّ﴾ تنصب مفعولين، الأول الهاء في قوله: ﴿فَاسْأَلُوهُنَّ﴾، والثاني: محذوف دل عليه ما قبله؛ أي: فاسألوهن المتاع من وراء حجاب، وقوله: ﴿مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ حجاب بمعنى ستر، وكلمة ﴿مِنْ﴾ تدل على أن هذا الستر لا بد أن ينفصل، وأنه غير ستر الوجه أو البدن بالثياب، بل هو ستر آخر؛ حجاب، وحجاب أمهات المؤمنين غير حجاب نساء المؤمنين؛ لأن حجاب نساء المؤمنين يصح أن يكون متصلًا بالبدن كالخمار والملحفة وما أشبهها من الثياب، أما حجاب أمهات المؤمنين فإنه حجاب آخر منفصل، يحول بين الرجل وبين رؤية أمهات المؤمنين، ولهذا قال: ﴿مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾، فتدل على أن هذا الحجاب منفصل عن المستتر به، ومنه قوله تعالى عن الكفار يقولون للرسول: ﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ [فصلت ٥] كأنه..
لماذا قال: (ذا)، وقال: (كُم)؟ فـ(ذا) للمفرد و(كُم) للجمع، كيف يتفق الجمع والمفرد؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ما تعرف، أنتم فاهمون السؤال؟ كيف يتلاءم الجمع مع المفرد؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني: لاختلاف المرجع؛ فاسم الإشارة يعود على المشار إليه، والكاف في الخطاب يعود على المخاطب، فقد يكون المشار إليه مفردًا والمخاطب جمعًا كما هنا.
﴿ذَلِكُمْ﴾ أي: المذكور، والخطاب للصحابة رضي الله عنهم.
﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ [الأحزاب ٥٣] ﴿أَطْهَرُ﴾ يعني: أبلغ في طهر القلوب، ﴿لِقُلُوبِكُمْ﴾ أيها السائلون ﴿وَقُلُوبِهِنَّ﴾ أي: المسؤولات (من الخواطر المُرِيبَة). شوف الخطاب الحين لمن؟ للصحابة، وهم أطهر هذه الأمة قلوبًا في جانب مَنْ؟ في جانب نساء النبي ﷺ، وهن أعظم النساء عفةً وبُعدًا عن المكروه، فإذا كان هذا الخطاب في مثل هؤلاء القوم لهؤلاء النساء فما بالك بمن سواهم إذا كان احتمال تدنس القلب بمخاطبة المرأة من دون حجاب؟! إذا كان احتمال هذا واردًا في مثل هؤلاء القوم فما بالك فيمن دونهم بمراحل؛ لا في الزمن ولا في الرتبة؟! يكون هذا أشد وأشد؛ ولذلك يُنْكَر إنكارًا عظيمًا على مَنْ قال: إن الحجاب خاص بأمهات المؤمنين. نقول له: من أين الخصوصية؟ فإذا كان الله علَّل بأنه أطهر لقلوبهم أي: قلوب المخاطبين والمخاطبات وهنَّ بلا شك أطهر النساء وأعفُّهن، وكذلك الذين يخاطبونهنَّ خير الناس كما جاء في الحديث: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٥٢)، ومسلم (٢٥٣٣ / ٢١٢) من حديث عبد الله بن مسعود.]]، فما بالك بمن دونهم، أليس كذلك؟ احتمال تنجس القلب بمخاطبة المرأة بدون حجاب فيمن بعد الصحابة أقرب ولَّا أبعد؟ أقرب وأقرب بكثير، وإذا كان هذا باعتبار الصحابة مع زوجات الرسول ﷺ فغيرهم مع نساء دونهنَّ بكثير من باب أولى.
وقوله: ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ المؤلف رحمه الله يقول: (من الخواطر المُرِيبَة) الخواطر التي ترد على القلب، والخواطر التي ترد على القلب إذا لم يطمئن الإنسان إليها ويسترسل معها فإنه لا يعاقب عليها؛ لأنها من حديث النفس، بل هي مما يصول على النفس والتحرز منها أشد؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ثبت عنه أنه قال: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢٦٩)، ومسلم (١٢٧ / ٢٠١) من حديث أبي هريرة. ]] فإذا كان هذا في حديث النفس فما بالك في ما يهجم على النفس بدون قصد؟! يكون العفو عنه من باب أولى، فالخواطر التي تَرِد على القلب إذا لم يسترسل معها الإنسان ويطمئن إليها فإنها لا تضره، سواء كانت هذه خواطر فيما يتعلق بجلال الله عز وجل أو فيما يتعلق برسوله أو فيما يتعلق بشهوة النفس وإراداتها، فإنها لا تضر الإنسان بشرط ألا يسترسل، بل إن هذه الخواطر ما تَرِد إلا على قلب سليم يهاجم الشيطان بها القلب حتى يفسده؛ ولهذا «لما شكا الصحابة إلى النبي ﷺ مثل هذه الخواطر قال: «أَوَجَدْتُمْ ذَلِكَ» قالوا: نعم قال: «ذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ»[[أخرجه مسلم (١٣٢ / ٢٠٩) من حديث أبي هريرة.]] يعني: خالصه؛ لأن الشيطان ما يهجم على قلب فاسد، وإنما يهجم على القلوب الصالحة ليُفْسِدها، ودواء ذلك أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن تنتهي، وأن تثني على الله عز وجل بما هو أهله؛ فتقول: الله أحد صمد،لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد؛ استجارة بالله وانتهاء، ووصف لله تعالى بالكمال وبعد ذلك تزول عنك شيئًا فشيئًا.
قال: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ﴾ [الأحزاب ٥٣] الخطاب للصحابة رضي الله عنهم وكذلك من بعدهم من باب أولى، ﴿مَا كَانَ لَكُمْ﴾ ومثل هذه العبارة تدل على الممتنع غاية الامتناع؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾ بشيء)، ما عيَّن، ما بيَّنَها، يعني: ما يصلح ولا يستقيم ولا يمكن لكم أن تؤذوا رسول الله، ومثل هذا التعبير يدل على امتناع الشيء مثل قوله تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾ [المؤمنون ٩١] المعنى أن ذلك ممتنع لا يصلح، ولا يستقيم فكل مؤمن لا يمكن في حقه ولا يستقيم ولا يصلح في حقه أن يؤذي رسول الله ﷺ لا بالقول ولا بالفعل.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [الأحزاب ٥٧] وأذية الرسول ﷺ من أعمال المشركين هم الذين يؤذون الرسول الله ﷺ بالقول وبالفعل.
﴿مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾، وهنا قال: ﴿أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾، وفي أول الآية يقول: ﴿النَّبِيِّ﴾ إشارة إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام شرف لعِظَم من أرسله وهو الله، فلما كان رسول الله كان لا يمكن أن يُؤْذَى؛ لأنه رسول من عند الله تبارك وتعالى؛ أذية الرسول عليه الصلاة والسلام في حياته ما يتصل بشخصه، وأذية الرسول بعد مماته ما يتصل بسنته، فإنه لا ينبغي ولا يصلح لأي مؤمن أن يكون في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام على وجه يتأذى به الرسول مثل ردِّها وتحريفها وما أشبه ذلك.
قال: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾ إذن هل نجلس مستأنسين للحديث بعد الطعام، يعني في حق الرسول؟ لا؛ لأن الله قال: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ﴾ إذن ما كان لنا أن نجلس ما دام فيه أذية للرسول ﷺ.
﴿وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا﴾ يعني: وما كان لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا، ﴿تَنْكِحُوا﴾ المراد بالنكاح هنا: العقد، يعني: ما يمكن تعقدوا على أزواجه من بعده، وكل نكاح في القرآن فإنه بمعنى العقد خلافًا لمن قال: كل نكاح في القرآن فهو بمعنى الوطء إلا قوله: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء ٢٢]، والصواب أن كل نكاح في القرآن فإنه بمعنى العقد، وأما مَن قال: إنه بمعنى الجماع إلا في الآية هذه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [الأحزاب ٤٩] فليس بصحيح.
وقوله: ﴿أَزْوَاجَهُ﴾ متى تكون المرأة زوجة للإنسان؟ بالعقد عليها، وقوله: ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ أي: من بعد مفارقته لها، ومفارقة النبي ﷺ لها تكون في الحياة وتكون في الموت، والمفارقة في الحياة تكون قبل الدخول وبعد الدخول، فها هنا ثلاث حالات:
الحال الأولى: مَن فارقها بعد موته أو مَن فارقها بموته فهذه لا تَحِلُّ لأحد من بعده بالإجماع ولم يخالف في ذلك أحد.
والحال الثانية: مَنْ فارقها في حياته بدون دخول، فهذه تَحِلُّ ولا نزاع فيها كما ذكره ابن كثير في التفسير.
والثالثة: مَنْ فارقها في حياته بعد دخوله بها، فهذه موضع خلاف بين أهل العلم؛ فمنهم من قال: إنها تحل، ومنهم من قال: إنها لا تحل، وعلى هذا الرأي الذي يقول: إنها لا تحل، يقول: إنه يصدق عليها أنها زوجته وأنها من بعده، ولولا أن مَن عَقَد عليها ثم فارقها قبل الدخول لولا الإجماع لقلنا: أيضًا لا تحل لمن بعده؛ فصارت الأحوال ثلاثًا، ما هي؟
مَنْ فارقها بعد موته فهذه لا تحل بالإجماع.
من فارقها في حياته قبل الدخول بها فهذه جائزة تَحِلُّ لغيره، قال ابن كثير: لا نزاع في ذلك.
من فارقها في حياته بعد الدخول بها، ففيها خلاف بين العلماء؛ منهم من قال: إنها تحل، ومنهم من قال: إنها لا تحل. انتهى الموضوع، ما يحتاج نصحح ولا ما نصحح.
* طالب: يعني ما نقول: إنه الأرجح (...)؟
* الشيخ: أصلًا ما نعلم أن أحدًا تزوج زوجة الرسول بعد الدخول بها، ما هي ظاهرة الآية: ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ قد تكون ظاهرة في أمر من بعد حياته.
* طالب: شيخ، ولكن المرأة المستعيذة التي دخل عليها النبي ﷺ؟
* الشيخ: نعم، ما جامعها ما دخل بها.
* طالب: هل نأخذ أن الدخول يكفي يعني الخلوة؟
* الشيخ: لا، يقول: دخل بها يعني: جامعها.
يقول: ﴿وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ [الأحزاب ٥٣] ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ﴾ المشار إليه إيذاء النبي ﷺ ونكاح زوجاته من بعده.
وقوله: ﴿كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ (كان) هنا مسلوبة الدلالة على الزمن، والمراد إثبات عِظَم ذلك عند الله.
﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ وفي كون هذا الأمر عظيمًا عند الله عز وجل دليل على حماية الله عز وجل لرسوله ﷺ ولا سيما فيما يتعلق بالنكاح؛ ولهذا قال الله في قصة الإفك: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور ١٥]، فهنا قال: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ ﴿عَظِيمًا﴾ يعني في قَدْره ورِفْعَتِه ولَّا عظيمًا في إثمه وجُرْمه؟ في إثمه وجرمه، وعلى هذا فالعِظَم معناه عِظَم الشيء؛ يعني كبره، وهو شامل لما يكون مدحًا ولما يكون ذمًا، فهنا كان عند الله عظيمًا في إثمه قال: (فيجازيكم عليه) على حسب الذنب الذي قمتم به؛ لأن الجزاء من جنس العمل (...).
زوجات النبي ﷺ من بعده أنه عظيم عند الله حذَّر من مخالفة ذلك بقوله: ﴿إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [الأحزاب ٥٤]، والجملة هنا شرطية و﴿شَيْئًا﴾ نكرة في سياق الشرط فتكون دالة على العموم ﴿إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا﴾.
وقوله: ﴿إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ﴾ قال المؤلف: (في نكاحهن بعده)، والصواب في الآية عدم التقييد وأنها عامة في كل شيء في نكاح زوجات النبي ﷺ بعده وفي غير ذلك.
وقوله: ﴿أَوْ تُخْفُوهُ﴾ يعني: فلا تُظْهِروه لأحد، تخفوه في أنفسكم أو تخفوه فيما بينكم وبين أقاربكم؛ لأن الإخفاء والإظهار أمر نسبيٌّ أشده ما أخفاه الإنسان في نفسه، ثم ما أظهره لذويه وأصحابه وأخفاه عن غيره، ثم ما أظهره لأهل بلده، ثم ما أظهره لعموم الناس، وأيًّا كان فإن كل ما أبداه الإنسان أو أخفاه ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ الجملة هنا جواب الشرط واقترنت بالفاء لأنها جملة اسمية، ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ فهي جملة اسمية وإن قرنت بـ(إن) الدالة على التوكيد، وجه ارتباطها بما قبلها، أي: بفعل الشرط أنه إذا كان الله تعالى عالمًا به فسوف يجازيكم عليه إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، وبعد إكمال هذه الآية لتعلقها بما قبلها، نرجع إلى بيان الفوائد من الآية السابقة لأنه ما أخذناها، الظاهر من ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب ٥٣] أو لا؟
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: أنه لا يحل لأحد من المؤمنين أن يدخل بيوت النبي عليه الصلاة والسلام إلا بالشروط المذكورة؛ لقوله: ﴿لَا تَدْخُلُوا﴾، والأصل في النهي التحريم حتى يقوم دليل على أنه لغير التحريم، ويؤيد التحريم هنا أن هذا يتعلق بحق الآدمي، وما كان متعلقًا بحق الآدمي فإنه لا يُتَسامح فيه.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن الإضافة تكون لأدنى ملابسة، إضافة الشيء إلى الشيء تكون لأدنى ملابسة سواء كان ذلك على صفة الملكية أو الاختصاصية أو الصحبة أو القرب أو غير ذلك؛ ولهذا من قواعدهم المعروفة أن الإضافة تكون لأدنى ملابسة، لكن لا بد أن يكون بين المضاف والمضاف إليه شيء من الارتباط تؤخذ هذه من قوله: ﴿بُيُوتَ النَّبِيِّ﴾؛ لأن إضافتها إلى النبي عليه الصلاة والسلام باعتبارها مأواه وإلا فإنها ملك لزوجاته على القول الراجح.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن الإذن بالدخول معتبر سواء كان من صاحب البيت أو ممن أنابه؛ لقوله: ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ ولم يقل: (إلا أن يأَذن لكم) أي: النبي، فإذا أُذِنَ للإنسان بالدخول سواء كان من صاحب البيت أو من خادمه أو من ابنه أو ما أشبه ذلك جاز الدخول، وهل يستفاد منه جواز الدخول إذا وجدت الباب مفتوحًا، وقد كان بينك وبين صاحبك وعد ولَّا ما يستفاد؟
إن قلنا بأن الإذن العرفي كالإذن اللفظي فهو مستفاد من ذلك؛ ويؤيد هذا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور ٢٧] فإن الاستئناس وهو الاطمئنان يشمل الإذن أو الاستئذان باللفظ والاستئذان بالفعل والعرف.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أنه يجوز دخول بيوت النبي عليه الصلاة والسلام بهذه الشروط: الإذن، وألا يكون ذلك بانتظار نضج الطعام؛ لما في المفاجأة من الإيذاء لأنه إذا نضج طعامك ثم جاء إنسان يستأذن صار في هذا نوع من الإيذاء، لأنك إن منعته شق عليك وإن أذنت له شق عليك أيضًا؛ فلهذا لا يجوز الدخول لمنتظر نضج الطعام.
* ويستفاد من الآية: تحريم التطفل ولَّا لا؟ نعم؛ لأن الطفيليَّ عادته أنه ينتظر متى يُقَدَّم الطعام فإذا قُدِّم الطعام استأذن أو هجم هجومًا بدون استئذان؛ لأنه قبل أن ينضج الطعام ويقدم يمكن يدخل ثم يقال له: اخرج، لكن بعد أن يقدم الطعام لا بد أن يأكل.
* ويستفاد من هذه الآية الكريمة: مشروعية إجابة الدعوة؛ لقوله: ﴿وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا﴾، وهل يستفاد منها دخول الإنسان المدعو وإن لم يؤذن له إذا وجد الباب على هيئة تدل على الإذن؟
الجواب: نعم، وهو واضح؛ لأنه قال: ﴿إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا﴾، ولم يقل: إذا دُعِيتم فأجيبوا، والدخول أخص وعلى هذا فإذا كنتُ مدعُوًّا وأحضرت إلى الباب فلي أن أدخل إذا علمنا بالقرينة أن الباب قد وضع موضع الإذن كما لو كان مفتوحًا.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن الإنسان ينبغي له إذا قضى حاجته من الطعام أن ينصرف؛ لقوله: ﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا﴾ وهذا كما أنه في بيوت النبي عليه الصلاة والسلام فهو أيضًا في بيوت غيره، فإن الأفضل لمن دُعِي إلى طعام الأفضل له إذا طَعِم أن ينتشر؛ لأن بقاءه قد يَشُقُّ على صاحب البيت، ولأن الحاجة التي جاء من أجلها قد انتهت، وإذا تأملت الشريعة وجدت أن الإنسان من حسن أدبه وسلوكه أنه كلما فرغ من حاجته التي يريد ينتهي منها وينصرف إلى حاجات أخرى؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في المسافر إذا قضى حاجته قال: «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ حَاجَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ وَلَا يَنْتَظِرْ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٨٠٤)، ومسلم (١٩٢٧ / ١٧٩) من حديث أبي هريرة. ]]. ولو أننا حفظنا أوقاتنا بمثل هذا الأدب لكانت أوقاتنا مباركة، لكن تجدنا يضيع أوقاتنا ولسنا نراعي هذه الحال أنه كلما انتهى الشغل ما ننتظر نمشي إلى شغل آخر كما قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ [الشرح ٧، ٨] لا تضيع الوقت.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن مَن دخل بيوت النبي ﷺ بدعوة ثم طَعِم، فإنه لا يجلس للحديث؛ لقوله: ﴿وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾، وهذا فوق قوله: ﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا﴾؛ لأن ذلك أمر، أما هذا فنهيٌ، يُنْهَى أن يبقى هؤلاء المدعوُّون مستأنسين للحديث بعد فراغهم من الطعام.
* ويستفاد من الآية: أن هذا الحكم إنما يكون في حال تَأَذِّي صاحب البيت؛ لقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ﴾، أما إذا كان لا يتأذى به بل يُسَرُّ به، بل قد يكون بطلبه إذا فرغوا من الطعام قال: انتظروا، اجلسوا، نستأنس، نتحدث فإن هذا منهي عنه ولَّا لا؟ جائز، ولا بأس به؛ لأن القاعدة عند أهل العلم أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فإذا وُجِدَت العلة وُجِدَ المعلول، وإذا انتفت العلة انتفى المعلول.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن النبي ﷺ كغيره من البشر يتأذى كما يتأذى غيره؛ لقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ﴾ لكنه يختلف عن غيره بقوة صبره وتحمُّلِه ﷺ بخلاف غيره من البشر فإنه لا يصبر ولا يتحمل كما يتحمل النبي ﷺ؛ ولهذا كان الرسول يتأذى من بقائهم مستأنسين للحديث ولا ينهاهم حتى نهاهم الله عز وجل.
* ويستفاد من الآية الكريمة: عناية الله عز وجل بنبيه ﷺ وذلك بالدفاع عن كل ما يؤذيه؛ لقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ﴾.
* ويستفاد منه: كمال حياء الرسول عليه الصلاة والسلام وكرمه؛ لقوله: ﴿فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ﴾، وإنما كان يستحيي لشدة حيائه، فإنه كما وُصِفَ «أحيا من العذراء في خدرها»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٥٦٢)، ومسلم (٢٣٢٠ / ٦٧) من حديث أبي سعيد الخدري.]]، «والحياء من الإيمان»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤)، ومسلم (٣٦ / ٥٩) من حديث عبد الله بن عمر.]] كما ثبت به الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أيضًا دليل على كرمه؛ لأن الكريم يستحيي أن يخجل أضيافه بقوله: اخرجوا، أو يخجلهم بالتبرُّم منهم، والتَّكَرُّه لتصرفهم؛ فلهذا كان الرسول ﷺ يعاملهم وكأنه مسرور منهم حتى بَيَّن الله تعالى ذلك للصحابة.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن القرآن شاملٌ لكل شيء حتى أدب الدخول والجلوس والطعام وما أشبه ذلك قد بيَّنَه القرآن فيكون في ذلك إيضاحٌ لقوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل ٨٩].
ودلالة القرآن على الأشياء نوعان؛ دلالة عينية بمعنى أنها تدل على الشيء بعينه، وهذا واضح. ودلالة شمول لفظي أو معنوي؛ فالشمول اللفظي بمعنى أن يكون اللفظ عامًّا بصيغته يشمل كل ما يحتمله ذلك اللفظ من المعنى، والعموم المعنوي هو ما يُعْرَف عند أهل العلم بالقياس؛ لأنه يكون المقيس والمقيس عليه متفقينِ في العلة فيكون بينهما عموم في المعنى، فدلالة القرآن على هذا الشيء تكون على هذا الوجه إما دلالة لفظية وإما دلالة معنوية بالشمول اللفظي أو المعنوي.
وهناك أيضًا الدَّلالات؛ دلالة الالتزام وهي متفرعة أو داخلة فيما ذكرنا من الدلالتين، فإن قلت: يرد عليك أنه لا يوجد في القرآن مقدار أنصبة الزكاة، ولا مقدار الواجب، ولا يوجد عدد الركعات، ولا مقدار ما يسن فيها من الذكر، فما هو الجواب؟ الجواب أن السنة قد بيَّنت ذلك، وقد أمرنا الله تعالى في كتابه أن نأخذ بما جاء عن رسول الله ﷺ؛ فقال: ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر ٧]، فقوله: ﴿مَا آتَاكُمُ﴾ يشمل ما أتانا من المال وما آتانا من العلم، والعلم يسمى إيتاءً؟ نعم، يسمى إيتاءً ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ﴾ [الروم ٥٦] فكما أن إعطاء المال فإعطاء العلم أيضًا يسمى إيتاءً فقوله: ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ﴾ [الحشر ٧] يشمل ما آتانا من المال وما آتانا من العلم، وكذلك قال الله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء ٨٠]، وقال: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب ٣٦]، وكل هذا يدلُّ على أن ما جاءت به السنة فهو مما جاء به القرآن.
* ويستفاد من الآية الكريمة: وصف الله تعالى بالحياء؛ لقوله؟
* طالب: ﴿وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾، وجه الدلالة مع أن هذا نفي؟
* الطالب: غير الحق الله يستحيي منه؟
* الشيخ: وجه الدلالة أنه لو كان الله تعالى لا يوصف بالحياء ما صح أن يُنْفَى عنه الحياء في حال من الأحوال دون الحال الأخرى، وعلى هذا فيكون الآية دليل على أن الله تعالى موصوف بالحياء، ولكن حياء الله تعالى ليس كحياء الإنسان؛ لأن الله يقول في كتابه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى ١١].
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن من الأمور ما هو حق، ومنها ما هو باطل؛ فالحق في الأخبار هو الصدق، وفي الأحكام العدل، والباطل فيهما عكس ذلك؛ فالباطل في الأخبار هو الكذب، وفي الأحكام هو الجور.
* ومن فوائد الآية الكريمة * قوله: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا﴾ إلى آخره أنه لا يجوز سؤال زوجات النبي ﷺ شيئًا إلا من وراء حجاب، والآية في ذلك صريحة: ﴿فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾.
* ومن فوائدها: جواز تكليم زوجات النبي ﷺ، وجهه ﴿فَاسْأَلُوهُنَّ﴾، فأباح الله تعالى سؤالهن، والسؤال هنا سؤال استخبار ولَّا سؤال استجداء؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، متاعًا ما هو كله واحد؛ لأنه قال: ﴿إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا﴾ فهو سؤال استجداء، ولكن سؤال العلم من باب أولى، وهل يستفاد منه جواز مكالمة النساء غير زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام؟
الجواب: نعم، يُستفاد؛ لأنه إذا جاز في زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام مع ما لهن من الاحترام والتعظيم ففي غيرهن من باب أولى، ولكنه يُشْتَرط في ذلك الأمن من الفتنة، فإن خيفت الفتنة من المكلِّم أو من المرأة كان ذلك حرامًا، وكذلك يشترط ألا يتمتع الإنسان بمكالمة المرأة، وإن لم يكن تمتع شهوة؛ لأنه قد يكون الإنسان مثلًا يتمتع بمخاطبة المرأة ما هو من ناحية الجنسية الغريزية، ولكنه يحب أن يستمر معها في الكلام، فهذا أيضًا لا يجوز، اللهم إلا إذا كانت من محارمه، وأراد أن يتحدث معها ليُؤْنِسها أو يستأنس بها، فهذا لا بأس به.
* ويستفاد من الآية الكريمة أن الحجاب المذكور هنا ليس هو سَتر الوجه فقط، بل هو شيء فوق ذلك؛ لقوله: ﴿مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ ولم يقل: متحجبات، وهذا يدل على أن هذا الحجاب منفصل، وليس من ثياب المرأة، بل هو شيء منفصل مثل أن تكون في خِدْرِها فيتحدث الناس إليها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ثبوت تعليل الأحكام الشرعية من قوله: ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ﴾، ومن قوله فيما سبق: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ﴾.
* ويستفاد منه: أنه يجب على المرء أن يسعى في كل ما فيه تطهير قلبه، وأن يبتعد عن كل ما فيه تدنيس قلبه؛ لأنه علَّل النهي أو علَّل الأمر بالحجاب بكونه أطهر للقلوب، ولا فرق في ذلك بين طهارة القلب من الأخلاق الرذيلة كالزنا واللواط، أو طهارته من الاعتقادات الفاسدة أو الإرادات السيئة، كل هذا يجب على المرء أن يُطَهِّر قلبه منه، وأن يبتعد عن كل ما يدنِّس قلبه من ذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الفتنة في مخاطبة النساء قد تكون من الرجل وحده، ومن المرأة وحدها، ومنهما جميعًا؛ لقوله: ﴿لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾؛ فقد يكون الرجل هو الذي يتلذَّذ بمخاطبة المرأة، والمرأة ما على بالها هذا الأمر ولا اهتمت به ولا فكرت في هذا الموضوع، لكن هو يتلذذ بهذه المخاطبة، فيكون الدَّنَس في قلب الرجل، وقد يكون الأمر بالعكس تتحدث المرأة إلى الرجل وهي تتلذَّذ بهذه المخاطبة، والرجل ما على باله هذا الأمر، فيكون هنا الدَّنَس في قلبها هي، وقد يكون من الطرفين فيكون الدنس في قلبيهما جميعًا.
* ويستفاد من الآية الكريمة: التحريم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: يمكن، كيف؟ وذكرناها.
* الطالب: (...).
* الشيخ: هذه ثلاثة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: من قلب الرجل وحده، أو المرأة وحدها، أو هما جميعًا.
* الطالب: أو هما جميعًا.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: يعني: ما ممكن مثلًا ما يتلذَّذ الرجل ولا المرأة؟
* الشيخ: لا، يمكن، كيف؟ يعني الرابعة هذه ما أردناها، أردنا أن الدنس يكون من هذا.
* يستفاد من الآية الكريمة: تحريم نكاح زوجات النبي ﷺ بعده؛ لقوله: ﴿وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾.
* ويستفاد منها: أن التحريم فيهن مؤبد؛ لقوله: ﴿أَبَدًا﴾؛ وعلى هذا فالمحرمات إلى الأبد كم من صنف؟ محرمات بالنسب، وبالرضاع، وبالصهر، وبالملاعنة، وبالاحترام، خمسة أنواع، كذا؟ محرمات بالنسب، وبالرضاع وبالصهر وباللعان والاحترام خمسة.
المحرمات بالنسب سبع ذُكِرْن في قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ﴾ [النساء ٢٣].
وبالرضاع في قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾، وقولِ النبي ﷺ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٤٥)، ومسلم (١٤٤٧ / ١٢) من حديث عبد الله بن عباس.]].
وبالصهر في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [النساء ٢٢]، وفي قوله: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾.
* طالب: حلائل أبنائكم الذين ليسوا من أصلابكم خرجت بهذه الآية؟
* الشيخ: خرج أيش؟
* الطالب: أبناؤكم غير الذين من أصلابكم؛ يعني من الرضاعة؟
* الشيخ: إي خرج به، خرج بالآية.
المحرمات باللعان: هو أن الرجل إذا قذف امرأته بالزنا ولم تُقِرَّ به ولم يثبت ببينة، فإنه يلاعنها، فإذا تم اللعان حرُمت عليه على التأبيد.
وأما المحرمات إلى الأبد بالاحترام فهن زوجات النبي ﷺ.
* ويستفاد من الآية الكريمة: عِظَم إِثْم من تزَوَّج واحدة من زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام من بعده لقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾.
* ويستفاد منها: أن الذنوب تتفاوت في العظم؛ لقوله: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾، وهو كذلك؛ فإن في الذنوب كبائر وصغائر، والكبائر فيها ما هو أكبر وما هو دون ذلك، والصغائر كذلك تختلف، وكذلك الطاعات تختلف؛ منها ما هو من أصول الإسلام، ومنها ما هو دون ذلك.
هل يستفاد من الآية الكريمة أنه لا ينبغي للضيف أن يسأل عن طعام المضيف إذا قدَّمه له ولَّا لا؟ هل يُفْهَم منه أنه لا ينبغي للضيف أن يَسْأَل مضيفه عن طعامه إذا قدَّمه له، فيقول مثلًا لو قدَّم له دجاجًا: هذا الدجاج مستورد ولَّا غير مستورد؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لقوله: ﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا﴾، ولم يأمر الله تعالى بالسؤال عن الطعام وهو كذلك، فإنه ليس من المشروع ولا من الأدب أيضًا أن تسأل صاحبك الذي قدَّم لك الطعام تقول: والله منين هذا؟ وحلال ولَّا حرام؟ لأن هذا خلاف هدي النبي عليه الصلاة والسلام، «النبي عليه الصلاة والسلام قدَّمت له امرأة من اليهود شاة فأكل منها ولم يسأل»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦١٧)، ومسلم (٢١٩٠ / ٤٥) من حديث أنس بن مالك. ]]، «ودعاه يهودي إلى طعام فأكل منه ولم يسأل»[[أخرجه أحمد في المسند (١٣٢٠١) (١٣٨٦٠) من حديث أنس بن مالك. ]]، ثم إنك إذا سألت أخجلت صاحبك، رجل أكرمك بالضيافة تقول له: منين هذه؟! منين أنت شارٍ هذه؟! من المشروع ولَّا من المستورد؟! وإذا فتحنا هذا الباب أيضًا نقول: تعال، أصل الطعام هذا منين جاءك؟ يمكن أنه غاصبه؟! سارقه؟! وإذا انتفى هذا يمكن لهذا الرجل له كسب حرام ما ندري عنه نقول له: منين جاءك؟ والله أنا شريته من السوق، طيب هات الشهود أنك شاريه، مشكلة إذا فتحنا هذا الباب انفتحت علينا أبواب كثيرة؛ ولهذا كان من حكمة الشرع أن الإنسان لا يُشْرَع له السؤال أبدًا مهما كان، حتى لو كان اللي مقدمه لك يهوديًّا أو نصرانيًّا لا تسأله عن طعامه؛ لأن هذا من التعنُّت والتعمُّق، وفيه إشقاق على صاحبك وإشقاق على نفسك؛ لأنك إذا عودت نفسك ما تأكل إلا بعد البحث معناه كل شيء تأكله تكون شاكًّا فيه، والحمد لله على السلامة ما دام أن الرسول (...).
يقول: السلام عليكم وأدخل.
* طالب: (...) إحنا قلنا: إذا عرفنا (...).
* الشيخ: نعم دخلنا، وإذا وصلنا سلَّمنا عليه أو نسلم عندما ندخل مع الباب.
* طالب: الآية ﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا﴾ خاصَّة بالرسول ولَّا عامَّة؟
* الشيخ: ذكرنا قبل أن تحضر بأنها عامة في المعنى؛ يعني: إنه حتى غير الرسول ﷺ إذا لم نعلم أنه يفرح بالبقاء فإنا نخرج وأن كل إنسان دعاك إلى طعام فانتشر إلا إذا قال: استرح نتحدث، فهذا الخيار له.
* طالب: لا يُسْأَل عن لحم البعير؟
* الشيخ: أبدًا، ولا يُسْأَل عن لحم البعير، أولًا إن لحم البعير في الغالب إنه معروف إلا إذا كان حاشية صغيرًا، والإنسان هذا ما تمرَّن بأكل اللحم يمكن يشتبه عليه.
* طالب: إذا كان (...).
* الشيخ: لا يصح، إذا كان محتمٍ لا يأكل أصلًا، ويش اللي يحرجه؟
* طالب: (...).
* الشيخ: هذه ربما نسأل لأجل دفع الضرر ما هو علشان التعمق، يعني: إذا كان قد قيل له: لا تأكل لحم الإبل وشك هذا هل هو لحم إبل أم لا؟ فهذا قد نقول: إن السؤال لا من أجل الحلِّ أو من أجل أنه هل يجب عليه الوضوء أم ما يجب، فهذه لدفع الضرر لا بأس به (...).
تحريم أذية الرسول ﷺ وامتناعه أشد الامتناع من المؤمنين؛ لقوله: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾، الإشارة إلى امتناع ذلك أي: امتناع الأذية لكونه رسول الله؛ لقوله: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾، ولكونه رسولًا من عند الله امتنع غاية الامتناع من المؤمنين أن يؤذوه.
* ومن فوائد الآية: تَشَوُّف الشرع إلى ما يكون سببًا لطهارة القلوب، ما أدري كتبتم هذه ولَّا لا؟ تَشَوُّف الشرع إلى ما يكون سببًا لطهارة القلوب؛ لقوله: ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه إذا أوجب الله في ذلك العصر ما يكون سببًا لكمال طهارة القلوب ففي عصرنا من باب أولى، فكل ما يكون سببًا لطهارة القلوب وبُعْدِها عن دناءة الأخلاق فإنه يكون واجبًا، ما أدري كُتِبَت هذه ولا لا؟ ما كُتِبَت؟ وأظن أننا كتبنا أن الشرع أحكامه معللة، كَتَبْناها؟ وكتبنا بيان فوائد ذكر العلة أو ذكر ربط العلة بالحكم، ما كتبناها؟ يتفرع على الفائدة، شوف بعد كم رقمها عندكم؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ثلاثة وثلاثين، الأحكام مربوطة بعللها وأحكامها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، أنتم كتبتم أن الأحكام مربوطة بعللها وحكمها، في أي فائدة؟ كم رقمها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: سبعة عشر.
* طالب: (...) تعليل الأحكام الشرعية (...).
* الشيخ: كم رقمها؟
* الطالب: سبعة عشر.
* طالب آخر: (...).
* الشيخ: عندك واحد عشرين إي، وتعليقًا على ما سبق من قَرْنِ الأحكام بحكمها نقول: إن من فوائد ذلك طمأنينة الإنسان إلى الحكم، وبيان سمو الشريعة وأن أحكامها ليست لغوًا ولا باطلًا، والثالث إلحاق ما وافق الحكم في علته بحكمه، يعني أن يلحق بهذا الحكم ما وافقه في تلك العلة، هذه ثلاثة فوائد أو لا؟ وهي؟
* طالب: سمو الشريعة، طمأنينة الإنسان، إلحاق الحكم ما وافقه في العلة.
ذكرنا من فوائد الآية: إثبات للحياء لله؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ذكرناه، ذكرنا أنه ينبغي مغادرة المكان بمجرد انتهاء الطعام؟
* طالب: (...).
* الشيخ: ذكرناه، ذكرنا تفاوت الذنوب في عظمها عند الله؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: إذن نأخذ الآية الأخيرة ﴿إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا﴾ [الأحزاب ٥٤].
* طالب: (...).
* الشيخ: لا نقول: مشروعية؛ لأن العلماء مختلفون في هذا في غير وليمة العرس مختلفون فيها.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما هو على كل حال، حتى حق المسلم على المسلم منها إجابة الدعوة[[متفق عليه؛ البخاري (١٢٣٩)، ومسلم (٢٠٦٦ / ٣) من حديث البراء بن عازب. ]] أبين وأوضح.
لكن إحنا ذكرنا أن الفرق بين (ولكن إذا دُعِيتم فأجيبوا) وبين قوله: ﴿إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا﴾.
قال الله تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾.
* يستفاد من الآية الكريمة: عموم علم الله تعالى بكل شيء؛ لقوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾.
* ويستفاد منها: تحذير المكلَّف من مخالفة الله عز وجل بقليل أو كثير؛ لأن الفائدة من ذكر علمه هو التحذير من المخالفة.
* ومن فوائدها: الرد على القدرية على الغلاة، على غلاة القدرية المنكرين لعلم الله سبحانه وتعالى بأفعال العبد؛ لقوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ إذ إنه يشمل ما سيفعله الإنسان وما قد فعله.
* ويستفاد من الآية الكريمة: أن ما يفعله العبد من خير أو شرٍّ فإنه محاسَب عليه؛ إما له وإما عليه؛ لعموم كلمة ﴿شَيْءٍ﴾، وفي آية أخرى ﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [النساء ١٤٩]، لكن هذه الآية أعم.
{"ayahs_start":53,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَدۡخُلُوا۟ بُیُوتَ ٱلنَّبِیِّ إِلَّاۤ أَن یُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَیۡرَ نَـٰظِرِینَ إِنَىٰهُ وَلَـٰكِنۡ إِذَا دُعِیتُمۡ فَٱدۡخُلُوا۟ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُوا۟ وَلَا مُسۡتَـٔۡنِسِینَ لِحَدِیثٍۚ إِنَّ ذَ ٰلِكُمۡ كَانَ یُؤۡذِی ٱلنَّبِیَّ فَیَسۡتَحۡیِۦ مِنكُمۡۖ وَٱللَّهُ لَا یَسۡتَحۡیِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَـٰعࣰا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَاۤءِ حِجَابࣲۚ ذَ ٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُوا۟ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَاۤ أَن تَنكِحُوۤا۟ أَزۡوَ ٰجَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۤ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَ ٰلِكُمۡ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِیمًا","إِن تُبۡدُوا۟ شَیۡـًٔا أَوۡ تُخۡفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣰا"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَدۡخُلُوا۟ بُیُوتَ ٱلنَّبِیِّ إِلَّاۤ أَن یُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَیۡرَ نَـٰظِرِینَ إِنَىٰهُ وَلَـٰكِنۡ إِذَا دُعِیتُمۡ فَٱدۡخُلُوا۟ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُوا۟ وَلَا مُسۡتَـٔۡنِسِینَ لِحَدِیثٍۚ إِنَّ ذَ ٰلِكُمۡ كَانَ یُؤۡذِی ٱلنَّبِیَّ فَیَسۡتَحۡیِۦ مِنكُمۡۖ وَٱللَّهُ لَا یَسۡتَحۡیِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَـٰعࣰا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَاۤءِ حِجَابࣲۚ ذَ ٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُوا۟ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَاۤ أَن تَنكِحُوۤا۟ أَزۡوَ ٰجَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۤ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَ ٰلِكُمۡ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِیمًا"}