الباحث القرآني
(...) تشريفًا له وإظهارًا لنبوته، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾ جَمَع له بين الوصفين النبوة والرسالة على وجه صريح وإلَّا فلو وُصِفَ بالرسالة وحدها لتضمنت وصفه بالنبوة؛ لأن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولًا، لكن الجمع بين الوصفين أولى على وجه النص والتعيين، وفي حديث البراء بن مالك فيما يقال من الذكر عند النوم أن النبي ﷺ علمه إذا أوى إلى فراشه أن يقول مما يقول: «آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ» فلما أعادها عليه البراء قال: آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت. فقال له: «وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٧)، ومسلم (٢٧١٠/ ٥٦) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.]] لماذا؟ قال العلماء: لأجل أن يجمع له بين وَصْفَيِ النبوة والرسالة على وجه التعيين؛ لأن دلالة الرسالة على النبوة من باب دلالة الالتزام، وأما دلالة النبوة على النبوة فهو من باب دلالة النص والتعيين، هذا من وجه، وجه آخر أنه إذا قال: ورسولك الذي أرسلت لم يكن نصًّا في الإيمان بمحمد ﷺ؛ إذ قد يجوز أن يراد به الرسول الملكي دون الرسول البشري، هنا يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾ ولم يقل: يا أيها الرسول إنا أرسلناك؛ لماذا؟ ليجمع له بين وصفي النبوة والرسالة على سبيل التعيين والنص، لكن انظر إلى قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [المائدة ٦٧] حيث قال: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ﴾ ثم قال: ﴿بَلِّغْ﴾ لأنه إنما يأمره بالبلاغ، وهذا يناسب الرسالة.
قال: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا﴾ على مَنْ أُرْسِلْت إليهم، وكلمة ﴿شَاهِدًا﴾ حال من الكاف في قوله: ﴿أَرْسَلْنَاكَ﴾، والشاهد يطلق على المخبر، ويطلق على الحاكم، والنبي ﷺ شاهد مُخْبِر حاكم فهو مخبر عن الله عز وجل بما أرسله به، وكذلك مخبر عمن أُرْسِل إليهم بالقبول أو الرفض، وكذلك هو حاكم فإن الحكم لله ورسوله؛ والدليل على أن الشاهد بمعنى الحاكم قوله تعالى: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [يوسف ٢٦، ٢٧] إذن شاهد بمعنى مخبر وحاكم، فهو مخبر عن الله ومخبر عن عباد الله؛ مخبر عن الله بما أوحاه إليه، ومخبر عن عباد الله بالقبول أو الرفض. وكذلك هو شاهد على من سبقه من الأمم في تبليغ رسالات الرسل وفي تكذيب قومهم لهم؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة ١٤٣]، إذن شاهد بما أوحاه الله إليه وحاكم به، وشاهد على من أُرْسِل إليهم، وشاهد على من سبقه من الأمم.
وقوله: ﴿وَمُبَشِّرًا﴾ معطوف على ﴿شَاهِدًا﴾، قوله: ﴿مُبَشِّرًا﴾؛ يعني: وأرسلناك مبشرًا، والبشارة تقتضي ثلاثة أمور مبشِّر ومبشَّر ومُبَشَّر به -أربعة أمور- وسببًا يوصل إلى المبشر به.
الرسول عليه الصلاة والسلام مبشر وقلت: إن البشارة لا بد فيها من أمور أربعة؛ مُبَشِّر ومُبَشَّر ومُبَشَّرٌ به وسببًا يوصل إلى المُبشَّر به، فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام مبشرًا فلا بد أن يكون هناك من يُبَشِّره وهم الذين أُرْسِل إليهم واتبعوه على ما دعا إليه، ولا بد أن يكون هناك مُبَشَّرٌ به، وما هو المُبشَّر به؟
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، الجنة، مبشرٌ به: الجنة، تقدم لنا في هذه الآيات: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب ٤٧]، ولا بد أن يكون هناك سبب يوصل إلى المُبَشَّر به ما هو؟ الأعمال الصالحة.
إذن فالنبي عليه الصلاة والسلام قد بَيَّن وبَلَّغ الرسالة إلى المبشرين، وبَيَّن المبشر به وما يتضمنه من الثواب وأنواع النعيم، وبيَّن الأسباب الموصلة إلى ذلك وهي الأعمال الصالحة؛ ولهذا ترك النبي عليه الصلاة والسلام أمته على مَحَجَّة بيضاء ليلها كنهارها لا يَزيغ عنها إلا هالك.
﴿وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ النذير: هو من أتى بالإنذار وهو الإعلام بتخويف، الإعلام المقرون بالتخويف يُسَمَّى إنذارًا، وفي حديث جابر رضي الله عنه في صفة خُطْبة النبي ﷺ: «كأنه مُنْذِر جيش؛ يقول: «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ»[[أخرج مسلم (٨٦٧/ ٤٣) بسنده عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله ﷺ إذا خطب احمرَّت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: «صَبَّحَكم ومسَّاكم».. الحديث.]].
وقوله: ﴿نَذِيرًا﴾ نقول فيها كما قلنا في ﴿بَشِيرًا﴾ [البقرة ١١٩]: لا بد فيها من أمور أربعة: منذِر، ويش بعد؟ ومُنْذَر، ومنذر به، وأسباب تُوصِل إلى ذلك، وكلها قد جاء بها النبي ﷺ، فما هو المنذر؟ الأُمَّة عمومًا، والمُنْذَر به النار، وأسبابه الأعمال السيئة، والمنذِر هو الرسول ﷺ؛ فقد بَيَّن النبي ﷺ كل هذه الأمور؛ بَيَّن لكل المُنذَرين وأدَّى إليهم الرسالة أو أدى الأمانة، وكذلك بَيَّن المُنْذَر به وما فيه من العقوبات المتنوعات والعذاب الأليم..
يصلح: أنذرته بذلك أو منه.
قال: (﴿﴿مُبَشِّرًا﴾ ﴾ من صدَّقك بالجنة ﴿﴿وَنَذِيرًا﴾ ﴾ منذرًا من كذَّبك بالنار).
﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾ إلى طاعته ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾ بأمره، هذا الوصف الرابع ﴿شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ﴾ [الأحزاب ٤٥، ٤٦] هذا الوصف الرابع ﴿دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾ أي: يدعو الناس إلى الله عز وجل.
وقول المؤلف: (إلى طاعته) فيه نظر بل الأَوْلَى أن تبقى الآية على ظاهرها، وأن النبي ﷺ يدعو إلى الله عز وجل إلى الوصول إليه في دار كرامته، ولا وصول إليه في دار كرامته إلا بامتثال أمره واجتناب نهيه فهو داعٍ إلى الله تعالى بطاعته واجتناب نهيه.
وقوله: ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾ لم يبين هنا كيفية الدعوة، ولكنه بيَّنها في آية أخرى في قوله: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل ١٢٥] والدعوة لا بد فيها أيضًا من أمور أربعة؛ داعٍ، ومدعو، والثالث مدعو إليه، والرابع سبب يُوصِل إلى المدعو إليه، وكل هذا جاء به النبي ﷺ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يدعو الناس سرًّا وجهرًا حسب ما تقتضيه المصلحة والحاجة، فكان أول دعوته سرًّا؛ لأنه كان يخشى أن تُصادَم هذه الدعوة حتى تدفن ثم بعد ذلك جهر بالدعوة لمَّا قال له الله: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الحجر ٩٤]، ثم صار يدعو من قرُب ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء ٢١٤] ثم من بعُد على حسب ما تقتضيه الدعوة.
وقوله: ﴿دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾ يعني: لا إلى نفسك؛ ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام لا ينتقم لنفسه قط أبدًا إلا أن تُنْتَهك حُرُمات الله عز وجل فإنه كان أشد الناس غضبًا لله[[أخرج البخاري (٦١٢٦) بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما خُيِّر رسول الله ﷺ بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله ﷺ لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم بها لله».]]؛ لأنه ليس يدعو إلى نفسه كما يوجد من كثير من الدعاة يدعون إلى أنفسهم في الواقع، يريدون أن يعظمهم الناس وأن يأخذوا بقولهم حتى إنهم إذا خولفوا في ذلك تجد الإنسان يتكدر لا لأنه خولف أمر الله، ولكنه لأنه خولف هو، الذي هذا شأنه إنما يدعو إلى نفسه وليس يدعو إلى ربه ففتش نفسك هل فيك سرٌّ من هذا؟ إن كان فيك سر من هذا فأصلح الأمر، وإن كنت لا تغضب إلا لله ولا ترضى إلا لله فهذا هو الداعية حقيقة.
وقوله: ﴿إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ﴾ الإذن هنا يشمل الإذن الكوني والإذن الشرعي؛ فإن كان المراد به ما يُدْعَى به فهو الشرعي؛ يعني إن كان المعنى داعيًا إلى الله تعالى بأمره الذي أمرك بالدعوة إليه فالمراد به الإذن الشرعي، وإن كان المراد داعيًا إلى الله تعالى بِقَدَرِه يعني حيث قواك على ذلك فهو إذن وهيأ لك الأسباب فهو إذن كوني، والآية تشمل هذا وهذا، فإن الرسول ﷺ إنما يدعو بقضاء الله وقدره، ويدعو كذلك بدينه وشرعه فهو داعٍ بالأمرين جميعًا.
قال: ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ﴾ الوصف الخامس: ﴿وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ أي: مثله في الاهتداء به؛ ﴿سِرَاجًا﴾، والسراج ما يُستضاء به، هذا نسميه الذي أمامنا نسميه سراجًا ولَّا لا؟
ووصفه بأنه منير إما لبيان الواقع؛ لأن كل سراج فله إنارة، وإما لبيان أن هذا السراج كان له إضاءة قوية فهو منير لما حوله وهذا هو الأقرب؛ لأننا عندنا من القواعد المقررة أنه إذا دار الأمر بين أن يكون الكلام تأسيسًا أو توكيدًا فالأصل أنه تأسيس؛ لأن التأسيس فيه زيادة معنى بخلاف التوكيد، التوكيد ليس فيه إلا التقوية، لكن التأسيس فيه زيادة معنى؛ وعلى هذا فالأظهر أن هذا وصف للسراج باعتبار قوته وإضاءته، ولا شك أن النبي ﷺ عَلَم يُهتدى به في الظلمات؛ فهو قد فتح للناس نور العلم ونور الإيمان حتى ترك أمته على محجة بيضاء ليلها كنهارها.
هذه الأوصاف الخمسة التي بَيَّنها الله تعالى لرسوله ﷺ ممكن أن نضيف إليها وصفًا سادسًا ووصفًا سابعًا؛ الوصف السادس قوله: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾ فإن هذا فيه إثبات الرسالة له، والوصف السابع قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ فإن فيه أيضًا إثبات للنبوة، وعلى هذا فالآية تضمنت كم وصفًا للرسول ﷺ؟ سبعة أوصاف: النبوة، والرسالة، والشهادة، والبشارة، والإنذار، والدعوة إلى الله بإذنه، وكونه سراجًا منيرًا.
﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ هذا عطف، ولكنه مبين للمبشر في قوله: ﴿مُبَشِّرًا﴾ ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾ والمؤمنون هنا يُرَاد به المؤمنون والمسلمون جميعًا؛ لأنه مرَّ علينا أن الإيمان إذا ذُكِر وحده شمل الإسلام، والإسلام إذا ذُكِر وحده شمل الإيمان، وإن ذُكِرا جميعًا صار الإيمان في القلب والإسلام في الجوارح؛ فقوله: ﴿بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ لم يقل: بشر المسلمين؛ لأن من المسلمين من يكون إسلامهم ظاهرًا، ويكون الإيمان في قلوبهم إما مفقودًا وإما ضعيفًا، فالذين لهم البشارة المطلقة مَن؟ المؤمنون الذين وَقَر الإيمان في قلوبهم وصاروا ينفذون مقتضى الإيمان؛ ولهذا قال الله عز وجل: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس ٦٢ - ٦٤]؛ فالبشارة المطلقة لا تكون إلا للمؤمنين.
وقوله: ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ كلما جاءت لفظ ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ مفردة -كما قلت قبل قليل- فإنها تشمل المؤمن والمسلم.
قال: بشرهم ﴿بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾، ما الذي نصب فضلًا؟
* طالب: ﴿أَنَّ﴾.
* الشيخ: ﴿أَنَّ﴾ فهو اسمها مؤخرًا ﴿بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾ الفضل الكبير هو الجنة، ولا شيء أكبر من فضل الجنة؛ قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾ [آل عمران ١٨٥]، ولا نعيم أعظم من دخول الجنة بما يكون في ضِمْنِه، بل هو أعلى شيء فيه وهو النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى.
قال: ﴿بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (٤٧) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ لمَّا كان الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: مؤمن ظاهرًا وباطنًا، وكافرٌ ظاهرًا وباطنًا، ومؤمن ظاهرًا كافر باطنًا؛ بيَّن الله هؤلاء الأقسام في قوله: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ بعد قوله: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، والله تعالى يقرن بين هؤلاء الأصناف في عدة مواضع من القرآن ففي أول سورة البقرة ذكر الله الأصناف الثلاثة، أو لا؟
وفي سورة الأحزاب لما ذكر الأمانة وتحملها ذكر الأصناف الثلاثة، وهنا ذكر الأصناف الثلاثة قال: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ الكافر كلُّ مَنْ كفر بالله سواء كان كفره عن جحود أو عن استكبار؛ لأن الكفر كلَّه يدور على هذين الأمرين: إما الجحود وهو التكذيب، وإما الاستكبار عن الطاعة؛ فمن كفر بالله وأعلن كفره فهو من الكافرين، ومن سَتَر كفره فهو من المنافقين؛ فالمنافق إذن مَنْ يُظْهِر الإسلام ويُبْطِن الكفر مأخوذ من نافقاء اليربوع، نافقاء اليربوع هي بيته؛ لأن اليربوع له حيلة يحفر في الأرض جُحْرًا له ويجعل له بابًا ويجعل في أطرف الجحر قشرة رقيقة؛ لأجل إذا حجر مع بابه نتق مع هذه القشرة الرقيقة، فيقال: نافقاء اليربوع، المنافق هكذا عملُه إذا حُجِرَ فَعَل ما يتخلص به لكن نفاقًا كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُستَهْزِئُونَ﴾ [البقرة ١٤].
﴿لَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ وهذا النهي نهي عَمَّا لم يكن لئلا يكون وليس نهيًا عما كان لئلا يستمر، وبينهما فرق فهو نهي عما لم يكن لئلا يكون، وليس نهيًا عما كان لئلا يستمر، فإذا قلت لشخص: يا فلان، لا تسرق -وهو يسرق- فهو نهي عما كان لئلا يستمر، وإذا قلت لمن لم يسرق لكنه همَّ بالسرقة أو لم يهم فهذا نهي عما لم يكن لئلا يكون؛ فقوله: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ﴾ ليس المعنى أن الرسول ﷺ كان يطيعهم حاشاه من ذلك، لكنه لآجل ألا يكون أذيتهم له ومضايقتهم له وإحراجهم إياه لئلا يكون سببًا لأن يتنازل عن شيء مما أُمِر به من أجل دفع آذاهم، وإلا فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يطيع المنافقين أو الكافرين في معصية الله، ولكن النفس البشرية قد تجتهد في أمر من الأمور وترى أن من المصلحة التنازل عن بعض الأشياء لدفع ما هو أعظم في نظر المكلَّف ويكون الأمر ليس كذلك.
ولهذا قال: ﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ﴾ قال بعض المفسرين: إنها مضافة إلى المفعول به؛ يعني: لا تؤذهم، وقال بعض المفسرين: إنها مضافة إلى الفاعل؛ يعني: دع أذيتهم إياك فلا تلتفت لها ولا تهتم بها، أيهما أصح؟ الأول ولَّا الثاني؟ تأمل، فهمتم المعنى؟
﴿دَعْ أَذَاهُمْ﴾ يعني: دع أذيتك إياهم فهو مضاف إلى المفعول به أو ﴿دَعْ أَذَاهُمْ﴾ دع أذاهم لك أو دع آذاهم إياك، لا تهتم به ولا تلتفت لهم الثاني قطعًا؟
لأن الأول غير وارد، الرسول عليه الصلاة والسلام لم يؤذهم، ولكنه يؤذى منهم، وعلى هذا فيكون المصدر هنا مضافًا إلى الفاعل ولَّا إلى المفعول به؟
إلى الفاعل؛ يعني: دع أذيتهم إياك، وهذا الأمر إما أن يكون للتهديد، وإما أن يكون للتأييد والتقوية، وإما أن يكون لهما جميعًا فهو للتهديد؛ إما أن يكون للتهديد -تهديد هؤلاء الكافرين والمنافقين- يعني: دع آذاهم إياك فسوف ينتقم الله منهم بدليل قوله: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾، أو أن المعنى التأييد؛ يعني: دع آذاهم أي اصبر عليهم فيكون هذا من باب تأييد الله تعالى لرسوله ﷺ بأن يأمرهم بأن يدع أذاهم ولا يهتم به ولا يبالي به؛ لأن العاقبة ستكون لمن؟ للرسول ﷺ حتى مع هذه الأذية التي قاموا بها بالنسبة لرسول الله ﷺ.
وقوله: ﴿دَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾.
* طالب: ما الفرق بين الكفر والشرك؟
* الشيخ: الفرق بينهما أن الكفر أعم؛ فإن كل مشرك كافر، وليس كل كافر مشركًا؛ قد يجحد الإنسان شيئًا مما أنزل الله فيكون كافرًا وليس بمشرك.
﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ التوكل؛ ذكروا في حَدِّه أقوالًا متعددة، ولكن أقرب ما يقال فيه: أنه صدق الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به، هذا أحسن ما قيل في تفسير التوكل؛ لأن الإنسان إذا اعتمد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به صار ذلك أقوى له وأطمن لقلبه، ولكن مع هذا فإن التوكل لا ينافي فعل الأسباب الشرعية التي ثبتت إما عن طريق الشرع وإما عن طريق الحس، ومن زعم أن هذا ينافي التوكل فقد أخطأ؛ وذلك لأن الرسول ﷺ لا شك أنه إمام المتوكلين وسيد بني آدم ومع هذا فكان يفعل الأسباب؛ كان يتقي من البرد، ويتقي من الحر ويتقي من البأساء أو من البأس؛ فكان يلبس الدروع كما ظاهر في يوم أحد بين درعين، ومع هذا فإنه لا يقال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام ضعيف التوكل.
إذن فعل الأسباب من تمام التوكل على الله؛ لأن درء ما تخافه يكون بأمرين: أمر من قِبَلك أنت، وأمر آخر من قبل الله؛ فالأشياء الخفية التي لا تدركها ولا طاقة لك بها هذا من قِبَل الله، والأشياء الظاهرة التي لك بها قِبَلُ هذه من قبل نفسك، فعليك أن تفعل هذا وأن تعتمد على الله تعالى فيما لا تدركه ولا يصل إليه ذهنك.
* طالب: ما هو حد فعل الأسباب (...)؟
* الشيخ: إذا ما يقدر عليه، كل ما يقدر عليه من الأسباب الحسية والشرعية.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: العقل يحصل بعقل إحدى قوائمها؛ ولذلك العقل ما هو بربط، العقل أن يربط الحبل على يدها فقط، وأحيانًا يربطونه على اليدين الثنتين ولَّا لا؟ هذا العقل، أما أربط كل شيء وعنقه ورأسه.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ولو قاله؟
* الطالب: أخشى يجيء واحد ويقطع..
* الشيخ: اللي بيقطع هذا بيقطع هذا.
* الطالب: أو أخشى أنها تتحرك (...)؟
* الشيخ: هذا خلاف الأصل، يعني: ما جرت العادة به فهو سبب، والله أعلم.
* * *
(...) يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ ﴿كَفَى﴾ فعل ماض كما هو معروف، والباء حرف جر زائد لتحسين اللفظ، و(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره مَنَعَ من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر زائد.
﴿وَكَفَى﴾ تارة تتعدى بنفسها؛ يعني يكون الفاعل فيها بدون الباء؛ مثل ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ [الأحزاب ٢٥]، وتارة تتعدى بالباء، متى تتعدى بالباء ومتى لا تتعدى بالباء؟
إذا كان المراد بها معنى التعجب -يعني: ما أبلغ كفايته- فإنها تتعدى بالباء؛ مثل ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾، ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ وما أشبهها.
وإذا كان المراد بيان الكفاية فقط فإنها تتعدى بدون حرف الجر؛ مثل: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ مثل: أنت تقول: كفاك الله شرَّ أعدائك، وما أشبهها.
وهنا المراد بها التعجب؛ يعني معناه: أنه ما أشد كفاية الله تعالى، وما أبلغ كفايته.
وقوله: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ ﴿وَكِيلًا﴾ هذه حال من فاعل (كفى).
وقوله: ﴿وَكِيلًا﴾ بمعنى: حفيظًا وكافيًا؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق ٣] أي: كافيه.
واعلم أن الله تعالى أطلق على نفسه الوكيل، وأطلق على نفسه المُوَكِّل؛ يعني: وصف نفسه بالمُوَكِّل؛ فأما الوكيل فكثير في كتاب الله، ومعناه: الكافي الحافظ وما أشبه ذلك، وأما وصف الله بالتوكيل؛ أي: أنه مُوَكِّل؛ ففي قوله تعالى: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ [الأنعام ٨٩] قال: ﴿وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾.
ومناسبة قوله: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ لقوله: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ مناسبتها أنك إذا توكلت عليه كفاك كل شيء وحفظك وصار رقيبًا عليك.
ثم قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [الأحزاب ٤٩] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ تقدَّم لنا الكلام على تصدير الخطاب بمثل هذا النداء، وأنه يدل على أهمية الموضوع، وأنه يدل على أن امتثال ما سيأتي من مقتضيات الإيمان، وأن مخالفته من نواقص الإيمان.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ﴾ ﴿نَكَحْتُمُ﴾ المراد بالنكاح هنا: العقد، والنكاح يُطْلَق على العقد وعلى الجماع؛ وذلك لأن أصله في اللغة العربية الضَّمُّ والجمع؛ لأن العقد يضم الزوج إلى زوجته، والزوجة إلى زوجها، وهو يُطْلَق بمعنى هذا وهذا، ولكنه إذا أُضِيف إلى أجنبية فهو بمعنى العقد، وإذا أُضِيف إلى زوجة فهو بمعنى الجماع؛ فإذا قيل: نكح الرجل زوجته أي: جامعها، وإذا قيل: نكح فلانةَ بنت فلان فالمعنى عَقَد عليها، وهي في القرآن بمعنى العقد، كلما جاءت فهي بمعنى العقد، والغريب أن بعض أهل العلم يقول: لم تأت بمعنى العقد إلا في هذه الآية، وأنها في القرآن جاءت بمعنى الجماع، ولكن هذا ليس بصواب، الصواب العكس أنها ما جاءت في القرآن إلا بمعنى العقد.
نستعرض الآيات الواردة في هذا؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة ٢٢١] المعنى: العقد، ﴿وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا﴾ [البقرة ٢٢١] العقد ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء ٢٢] العقد، ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ [النور ٣] العقد، ويش بعد؟ بقينا ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة ٢٣٠] أيش؟ العقد. نعم العقد، لكن السنة بَيَّنَت أضافت إلى هذا شرطًا آخر وهو أن يذوق عسيلتها وأن تذوق عسيلته، وإلا فهو العقد، واضح؟ أقول: أيش بعد؟ ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ﴾ [النور ٣٢] اعقدوا لهم.
المهم كلما جاءت في القرآن فهي بمعنى العقد حتى في هذه الآية -واضح- بمعنى العقد، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ يعني: من قَبْلَ أن تجامعوهن، أيش عندك؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم العقد، ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ﴾ [النور ٣] ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ﴾ لا يعقد إلا على زانية أو مشركة، والزانية لا يتزوجها إلا زان أو مشرك.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: لا، شوف قوله: ﴿لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾، أما في آخر الآية ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور ٣] فإذا كان نكاح الزانية حرامًا ونكاح الزاني حرامًا، فإذا عقد على زانية وهو حرام، فإما أن يعتقد التحريم فيكون زانيًا؛ لأنه جامعها وهو يعتقد أنه حرام، وإما ألا يعتقد التحريم ويقول: هذا حلال، فتحليل ما حرَّم الله شرك؛ كما قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [التوبة ٣١]. هذا هو معنى الآية التي لا تحتمل سواه، وهو الذي قرره شيخ الإسلام وابن القيم رحمهما الله.
طيب الآن ﴿إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ أي: عقدتم عليهن.
* الطالب: شيخ: الانسان اذا تزوج، وزوجته وجدها قد جومعت من قبلُ يجب عليه أن يفارقها (...)؟
* الشيخ: لا، ما يجب عليه إلا إذا علم أنها لا تزال على إصرارها، أما إذا تابت فيجوز أن يتزوجها.
قال: ﴿إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾، قوله: ﴿الْمُؤْمِنَاتِ﴾ بناءً على الأغلب؛ أن الأغلب أن المؤمن لا يتزوج إلا مؤمنة، ولكن لو كانت يهودية أو نصرانية فالحكم لا يختلف، فعلى هذا يكون هذا من باب الاقتصار، وليس من باب الاختصار، من باب الاقتصار على أحد الصنفين نعم، وأما الصنف الآخر فلأنه قليل بالنسبة إلى نكاح المؤمنات.
﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ قوله: ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ﴾ ولم يقل: (وطلقتموهن) أو (فطلقتموهن) ليِتَبَيَّن به أنه لو تأخَّر الطلاق عن العقد مدة طويلة فالحكم لا يتغيَّر، كما لو أنه لو طلقها مباشرة فالحكم لا يتغير أيضًا، فقوله: ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ﴾ أي: بعد العقد.
والطلاق في اللغة: حل قيد البعير ونحوه؛ يعني: حل القيد يُسَمَّى طلاقًا، وهو اسم مصدر (طَلَّق)، والمصدر من طَلَّق تطليقًا؛ مثل كلَّم والمصدر تكليمًا، واسم المصدر كلام، طلَّق المصدر: تطليق، واسم المصدر: طلاق.
فالطلاق إذن حَلُّ القيد، أما في الاصطلاح أو الشرع فطلاق المرأة معناه: حلُّ قيد النكاح أو بعضه؛ فإن كان الطلاق بائنًا لا تحل به الزوجة، فهو حلٌّ لقيد النكاح مطلقًا، وإن كان رجعيًّا فهو حلٌّ لبعضه؛ إذ إنه يجوز له أن يراجع.
وقوله: ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ أي: من قَبْل أن تجامعوهن، وهذا من باب الكناية عما يُسْتَقْبَحُ ذكرُه بما يدل عليه؛ ولهذا لم يأت الجماع بلفظه الصريح في القرآن الكريم، وإنما كُنِّي عنه في كل موضع بما يتناسب والمقام؛ فمرة يُعَبَّر عنه بالإتيان، ومرة بالإفضاء، ومرة بالمس، ومرة بالملامسة، وما أشبه ذلك، كل هذا من باب استعمال ما لا تَمُجُّه الأسماع من الكلمات.
﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ قال: (وفي قراءة: ﴿﴿تُمَاسُّوهُنَّ﴾ ﴾ أي: تجامعوهن).
يقول: ﴿فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ ﴿فَمَا لَكُمْ﴾ (ما) هذه نافية، و﴿لَكُمْ﴾ جار ومجرور خبر مقدم، و﴿مِنْ﴾ حرف جر زائد لمعنى زائد، وقد قلنا: إنه حرف زائد زائد، كلمة (زائد) الثانية هي تأسيس ولَّا توكيد؟
* طالب: (...).
* الشيخ: نقول: هو حرف جر زائد زائد هل هو توكيد ولَّا تأسيس؟
* الطالب: تأسيس.
* الشيخ: تأسيس، هو حرف جر زائد لفظًا، لكنه يزيد المعنى. (زائد) الأولى من (زاد) اللازم و(زائد) الثانية من (زاد) المتعدي، وين أنتم عن اللغة يا جماعة؟
(زاد) فعل ماض متعدٍّ ولازم، أنتم معنا؟ فإذا قلتُ: زاد إيمان الرجل، هذا متعدٍّ ولا لازم؟ لازم، وإذا قلتُ: زادهم إيمانًا هذا متعدٍّ.
فنقول: هذا حرف جر زائد من (زاد) اللازم، (زائد) من (زاد) المتعدي؛ يعني: زائد بنفسه زائد معنى في غيره.
المهم أن قوله ﴿مِنْ عِدَّةٍ﴾ من حرف جر زائد لفظًا، لا معنى.
﴿عِدَّةٍ﴾ مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.
لو قال لنا قائل: هل يجوز أن نجعل (ما) هنا حجازية؟ لا يجوز، من يقول: لا يجوز؟ لماذا؟
* الطالب: لأنه مقدم.
* الشيخ: لأن الخبر مقدم، وابن مالك يقول:
؎...................... ∗∗∗ مَعَ بَقَا النَّفْيِ وَتَرْتِيبٍ زُكِنْ
﴿فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ قال المؤلف: (تُحْصونها).
﴿مِنْ عِدَّةٍ﴾ ما هي العدة؟ العدة في اللغة: اسم مأخوذ من العدد، ولكنها في الاصطلاح أو في الشرع: تربص مفارقة في الحياة أو في الممات محدود شرعًا، تربص زوجة مفارقة في الحياة أو بعد الممات محدود أيش؟ شرعًا.
(﴿﴿تَعْتَدُّونَهَا﴾ ﴾ تحصونها بالأقراء وغيرها) (بالأقراء) إن كانت من ذوات الأقراء، كمالتها ثلاثة قروء، (وغيرها) إن لم تكن من ذوات الأقراء وهن الحوامل ومن لا تحيض لصغر أو إياس؛ فالحامل عدتها وضع الحمل، ومن لا تحيض عدتها ثلاثة أشهر.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، المعنى أنك فوضت أمرك إليه فاعتمدت عليه هذا معناه ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ﴾ [غافر ٤٤].
يقول: (﴿﴿فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ﴾ ﴾ أعطوهن ما يَسْتَمْتِعْنَ به أي: إن لم يُسَمّ لهن أَصْدِقة، وإلا فلهن نصف المُسَمَّى فقط قاله ابن عباس، وعليه الشافعي).
قوله: ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ﴾ الفاء حرف عطف، و﴿مَتِّعُوهُنَّ﴾ أي: أعطوهن ما يستمتعن به، منين؟ من الدراهم، من الثياب، من المتاع، من العقار، من أي شيء، الله عز وجل أطلقها، ثم إنها مطلقة من جهة الكمية، كما أنها مطلقة من جهة النوعية؛ الكمية ويش أعطيها؟ إذا أردت أن أعطيها دراهم كم أعطيها؟
﴿مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾ [البقرة ٢٣٦] حسب حال الزوج.
وقوله: ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ﴾ بعد قوله: إذا طلقتم المؤمنات ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ﴾ يُسْتَثْنَى من ذلك من سُمِّيَ لها مهر؛ فإن من سُمِّيَ لها مهر لا يجب لها إلا نصفه؛ لقوله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ [البقرة ٢٣٧] فبَيَّنَ الله عز وجل أن لهُنَّ نصف ما فرضن وهذا إذا سُمِّي لها المهر سواء قلَّ أو كثر.
قال: (﴿﴿فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ ﴾ خَلُّوا سبيلهن من غير إضرار) فأمر الله عز وجل بأمرين: التمتيع وهو بذل المال، والسراح الجميل وهو بذل الخلق؛ وذلك بأن تكون المفارقة عن رضا وبالقول اللين الذي يجبر الخاطر؛ لأن المرأة إذا طُلِّقَت بعد أن عُقِدَ عليها ولم يدخل بها لا شك أنه ينكسر خاطرها وأنها تتأثر، وأن الناس سوف يتكلمون لماذا طُلِّقَت قبل أن يدخل بها؟ ما هو السبب؟ هل رأى فيها عيبًا؟ هل سمع عنها بشيء؟ ولا سيما إذا كانت هي راغبة أيضًا للزوج ثم طلقها من قبل أن يتصل بها فإنه لا بد أن يكون هناك ردود فعل في نفسها، فأرحم الراحمين أمرنا أن نُمَتِّعَهن بالمال وأن نسرحهن سراحًا جميلًا بالقول والمعاملة الطيبة؛ مثل أن نقول لها: هذا أمر لم يُقَدَّر، وهذا أمر أراده الله عز وجل، وأنا ما فارقتك مثلًا لسوء خلقك أو لأني سمعت عنك ما يسوء أو ما أشبه ذلك من الكلام، حتى تنفصل منه وهي طيبة النفس منشرحة الصدر، ثم بعد ذلك ما يحصل منها أو من أهلها كلام؛ لأنه ربما إذا طلقها ولم يُمَتِّعْها أو متعها بدون ما تستحق أو سرحها سراحًا غير جميل ربما يحصل منها أو من أهلها كلام في الرجل؛ يتكلمون فيه وفي عرضه وفي أهله وما أشبه ذلك، فهذا من آداب الله عز وجل التي أدَّب بها عباده؛ إذا طلق المرأة قبل المسيس فإن الواجب عليه أمران: التمتيع بماذا؟ بالمال، والسراح الجميل بالقول والفعل وطلاقة الوجه وانبساط القلب وما أشبه ذلك.
قد يقول قائل: كيف يمكن هذا والرجل لم يطلقها في هذه الحال إلا وهو كاره لها بلا شك، ولو كان عنده أدنى محبة لكان دخل بها وجامعها ونظر ربما تتغير الأمور؟ يعني: لو كان زهد فيها بعض الزهد لكن في قلبه محبة لها هل يغامر ويطلقها من قبل أن يجامع؟
العقل لا يقتضي ذلك، يقتضي أن تنتظر وتجامعها؛ لأنه ربما أيش؟ ربما تغيرت الأمور، ومن ثَمَّ نُهِيَ عن الطلاق في الحيض؛ لأن الإنسان إذا كانت امرأته حائضًا فإنه لا يُجامِعها فيبقى كارهًا لها، ولا يوجد هناك سبب يدعو إلى المحبة وهو الجماع؛ فلهذا نُهِيَ عنه، يعني هذا من الحِكَم في النهي عن الطلاق في الحيض، وليس هي الحكمة الوحيدة.
﴿فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ وإن شاء الله سيأتي فوائدها فيما بعد.
(...) ثبوت رسالة النبي ﷺ ؛ لقوله..
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، ﷺ مبشرٌ في قوله: ﴿وَمُبَشِّرًا﴾؛ ويتفرع على ذلك أنه أتى بالأسباب التي توجب البشارة من الأعمال الصالحة والطاعات.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن النبي ﷺ جمع بين البشارة والإنذار؛ لقوله: ﴿مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾، * وفائدة قبل هذه: أنه منذر أيضًا؛ لأن كونه منذرًا وكونه مبشرًا، فائدتان، والجمع بينهما فائدة ثالثة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن رسول ﷺ داعٍ إلى الله؛ لقوله: ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها: الإشارة إلى أنه يجب على الداعية أن تكون دعوته إلى الله تعالى، لا إلى حَظِّ نفسه؛ لقوله: ﴿دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾ فإن هذا وصف الرسول ﷺ.
* ومن فوائدها: أن دعوة رسول الله ﷺ إلى الله كانت بإذن منه؛ لقوله: ﴿بِإِذْنِهِ﴾، وهذه يتفرع عليها فائدة أخرى وهي رضا الله عما كان الرسول ﷺ يدعو إليه، أليس كذلك؟ لأن الله لا يأذن إلا بما يحبه ويرضاها.
* ومنها: أن دعوة النبي ﷺ مبنية على شرع الله.
(...) بكيفيتها وفيما يدعو إليه؛ لقوله: ﴿بِإِذْنِهِ﴾ فهو داعي إلى الله بإذنه؛ أي: على حسب أمره وبشرعه؛ فيدعو إلى سبيل الله والموعظة الحسنة ويجادل بالتي هي أحسن، وكذلك يدعو إلى شرع الله لا يتجاوزه.
* ومنها: أن النبي ﷺ لا يمكن أن يُشَرِّع من عنده؛ لقوله: ﴿دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ﴾ لا بشيء من عنده.
* ومنها: أن ما يدعو إليه الرسول عليه الصلاة والسلام فهو من الله؛ فيتفرع على هذه الفائدة أن طاعة الرسول طاعة لله، ومعصية الرسول معصية لله؛ ولهذا لما جاءت امرأة إلى ابن مسعود رضي الله عنه وقالت: إنك تقول: إن المتفلجات للحُسن ملعونات بكتاب الله. وإنني فتحت المصحف أو قرأت المصحف من فاتحته إلى خاتمته فلم أجد ذلك. فقال: بلى. ثم قرأ عليها الحديث، وتلا قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ﴾ «[الحشر: 7] »[[أخرج البخاري (٤٨٨٦) ومسلم (١٢٠/٢١٢٥) واللفظ له بسندهما عن عبد الله قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنكَ أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله ﷺ؟ وهو في كتاب الله. فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله عز وجل: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾... الحديث.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الإذن لله، وما هي الإذن؟ هل هي الأُذُن أو غيرها؟
الإِذن غير الأُذن، إثبات الإِذن لله عز وجل، وإِذْن الله تعالى -كما سبق في التفسير- تنقسم إلى قسمين: شرعية، وكونية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما جاء به النبي ﷺ فهو نور كالسراج يضيء الظلم؛ لقوله: ﴿وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾.
* ومنها: أن النبي ﷺ لا ظل له، شوف الفائدة هذه تحتاج إلى مناقشة ولَّا لا؟ لا ظلَّ له يعني: لو وقف في الشمس، والشمس مائلة ما يكون له ظلال.
* الطالب: غير صحيح.
* الشيخ: غير صحيح ﴿سِرَاجًا مُنِيرًا﴾؟!
* الطالب: ليس السراج (...).
* الشيخ: السراج يضيء وليس له ظل.
* الطالب: إضاءة معنوية.
* الشيخ: سراجًا معنويًّا، وإلَّا فالرسول عليه الصلاة والسلام له ظل كغيره؛ لأنه بشر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن كل من حكم بشريعة النبي ﷺ فإنه على سراج منير ولَّا لا؟ لقوله: ﴿وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾.
* ومنها: فضيلة النبي ﷺ؛ حيث جمع الله له بين هذه الأوصاف العظيمة: النبوة، والرسالة، والشهادة، والبشارة، والإنذار، والدعوة إلى الله بإذنه، كم؟ هذه ستة، والسراج المنير سبعة.
ثم قال تعالى:
﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (٤٧) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب ٤٧، ٤٨] إلى آخره.
* يُستفاد من هذه الآية الكريمة: أنه يجب على النبي ﷺ أن يبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلًا كبيرًا، من أين يُؤْخذ؟ من قوله: ﴿وَبَشِّرِ﴾، والأمر للوجوب لا سيما على النبي ﷺ، فإن الأمر للوجوب على كل حال لماذا؟ لأن الله إذا أمر رسوله بشيء فإنما يأمره أن يفعله ويبلغه إلى الناس، وتبليغ الرسول ﷺ الرسالة واجب؛ ولهذا نقول: إن الرسول عليه الصلاة والسلام يجب عليه أن يبلغ حتى السُّنَنَ فيجب عليه أن يخبر بالسنة وأن يفعلها حتى يحصل البلاغ، ثم بعد ذلك تكون مندوبًا في حقه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة الإيمان؛ وجهه أن المتصفين به هم أهل البشارة؛ لقوله: ﴿وَبَشِّرِ﴾.
* ومنها: ثواب المؤمنين بهذا الفضل الكبير؛ ﴿بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا﴾.
* ومنها: بيان مِنَّة الله عز وجل على المؤمنين وأن الفضل فضله؛ لقوله تعالى: ﴿بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ﴾ لا من غيره؛ ولهذا قدَّم ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ مع أنها متعلقة بـ ﴿فَضْلًا كَبِيرًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الجزاء على الإيمان أكثر مما عمله العبد؛ من قوله: ﴿فَضْلًا كَبِيرًا﴾، وقوله: ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ يعني: يؤخذ من الأمرين أما وجه أخذه من الأول؛ فلقوله: ﴿كَبِيرًا﴾، والكبير إذا وصف الشيء بالكبير فهو كبير جدًّا، وأما الثاني؛ فلأنه أضاف الفضل إلى مَنْ؟ إلى الله ﴿مِنَ اللَّهِ﴾، وكما قال المثل: (العطية على قَدْرِ مُعْطِيها).
فإذا كان هذا الفضل من الله فإنه سيكون فضلًا لا يخطر على البال؛ ولهذا في الحديث الذي عَلَّمه النبي ﷺ أبا بكر أن يدعو به في صلاته قال: «فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٣٢٦)، ومسلم (٢٧٠٥/٤٨) من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه.]] وكونها من عند الله لها مزية.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب ٤٨].
* الطالب: (...) محبة الله (...)؟
* الشيخ: هو ما قلنا فضيلة الإيمان بالأول؟
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: (...).
* الطالب: (...) ولم يكن مُضيئًا؟
* الشيخ: إي؛ لأن النور أبلغ؛ لأنه جامع بين الحرارة وبين الإضاءة، ففيه وصفان.
قال: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية: تحريم طاعة الكافرين والمنافقين، لكن ليس على إطلاقه، بل طاعتهم فيما يخالف أمر الله؛ فلو أمروا بشيء لا يخالف أمر الله فإن طاعتهم ليست حرامًا كما لو أمرك كافر بأن تركب على هذا الباب مفتاحًا مثلًا، فهل نقول: حرام عليك أن تطيعه؟ لا، إذن لا تطعهم فيما يخالف أمر الله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن القرآن على أكمل ما يكون من البلاغة؛ فإننا نجده في مواضعَ يُقَدِّم المنافقين على الكافرين، وفي هذه الآية قدَّم الكافرين على المنافقين؛ لأنه في مقام الجزاء وفي مقام الذم يُقَدِّم المنافقين؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء ١٤٠]، ﴿لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ﴾ [الأحزاب ٧٣]؛ لأن ذنب المنافق أعظم من ذنب الكافر الصريح، وأما هنا فمَنِ الذي يعارض الرسول صراحة؟ الكافر، ولهذا قدَّمه على المنافق؛ لأن المنافق لا يأمر بمخالفة الشرع كما يأمر به الكافر؛ إذ إنه يتستر بنفاقه؛ ولهذا قال: ﴿لَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ﴾ فبدأ بهم؛ لأن معارضتهم للشرع أَبْيَن وأظهر من المنافقين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه قد يتوجه النهي عما لم يُفْعَل لئلا يُفْعَل من قوله: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام ما كان يطيعهم، لكنه نُهِيَ أن يطيعهم لئلا يفعل في المستقبل.
* ومنها: أن النهي قد يَرِد على الأمور البعيدة أو المستحيلة؛ وجهه: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ فإن هذا بعيد أو مستحيل على الرسول ﷺ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تهديد الكافرين والمنافقين؛ لقوله: ﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ﴾.
* ومنها: تأييد النبي ﷺ وتسليته؛ من قوله أيضًا: ﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ﴾.
* ومنها: أن من طبيعة الكافرين والمنافقين أذية المؤمنين؛ لقوله: ﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ﴾، لكن قد يقول قائل: هذا أذى الرسول ﷺ.
فنقول: إن من آذى النبي ﷺ فإنه مؤذٍ للمؤمنين، وأيضًا فإن من عادى الرسل سيعادي أتباعهم ويؤذيهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب الصبر على أذى الكفار والمنافقين؛ لقوله: ﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ﴾ فإن هذا أمر بالصبر على أذيتهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب التوكل على الله؛ لقوله تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾، والأمر للوجوب.
* ومن فوائدها: أن النبي ﷺ لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا ولا لغيره من باب أولى؛ لقوله: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾، فهو مفتقر إلى ربه مأمور بأن يتوكل عليه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عِظَم كفاية الله عز وجل للمتوكلين عليه؛ لقوله: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾؛ فإنا ذَكَرْنَا فيما سبق أن هذا يُرَاد به التعجب من كفاية الله لمن توكل عليه.
ثم قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [الأحزاب ٤٩] إلى آخره.
* من فوائد الآية الكريمة: أهمية النكاح والطلاق؛ لأن الله تعالى صدَّره بالنداء الذي يُطْلَب به تَنَبُّه المنادى لما سيُلْقَى عليه.
* ومنها: أن التزام أحكام الشريعة في النكاح والطلاق من مقتضيات الإيمان؛ وجهُه: من قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فإن هذا من مقتضيات إيمانهم أن يمتثلوا ما أُمِروا به.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا طلاق قبل النكاح؛ لقوله: ﴿إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ﴾ و﴿ثُمَّ﴾ للترتيب، فلا طلاق قبل النكاح، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الطلاق لمُعَيَّنة أو على سبيل العموم؛ فلو قال رجل لامرأة: إن تزوَّجتُكِ فأنت طالق. ثم تزوجَها فإنها لا تطلق لماذا؟ لأن الطلاق كان قبل النكاح.
وكذلك لو قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق. فإنه إذا تزوج امرأة لا تطلق؛ لأنه لا طلاق إلا بعد النكاح.
* ومن فوائدها: أنه لا إيلاء ولا ظهار ولا تحريم على امرأة إلا بعد النكاح؛ لأنه إذا كان الطلاق وهو أعظم فرقةً من الظهار والإيلاء وما أشبهه لا يكون إلا بعد النكاح فكذلك ما دونه، إلا أن التحريم إذا حرَّم رجل امرأة مُعَيَّنة ثم تزوجها بعد ذلك، فإن عليه كفارة يمين، وكذلك الظهار إذا قصد به التحريم وظَاهَر من امرأة قبل أن يتزوجها فإن عليه كفارة يمين وليس عليه كفارة ظهار؛ لأن الظهار لا يصح إلا من زوجها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز الطلاق؛ لقوله: ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ﴾ ولم يَلُمِ الله المؤمنين على الطلاق، ولو كان حرامًا لَلَامَهُمْ عليه.
* ومن فوائدها أيضًا: جواز الطلاق قبل المسيس أو لا؟ لقوله: ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾. وهذه فائدة غير فائدة (جواز الطلاق مطلقًا)؛ لأن الطلاق قبل المسيس قد يكون فيه شيء من غَضِّ حق المرأة، فيقال: هذا الرجل لولا أنه عَلِمَ بأن فيها بلاءً ما طلَّقها قبل أن يَدْخُلَ بها ويمسها؛ لأن العادة أن الإنسان إذا تزوج فإنما يتزوج عن رغبة، فإذا طلَّقها قبل أن يمسها فهو دليل على أن فيها شيئًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه إذا طلَّقها قبل الجماع فلا عدة عليها، وهذا فيه خلاف؛ فإن بعض أهل العلم -وهم الجمهور- على أنه إذا خلا بها فإن عليها العدة، فجعلوا الخلوة بمنزلة الجماع، وهذا هو الذي قضى به الخلفاء الراشدون وعليه جمهور الصحابة بل جمهور الأمة، ولم يخالف في ذلك إلا نفر قليل منهم الشافعي رحمه الله في قوله الجديد؛ فإنه رأى أنه إذا لم يجامعها فلا عِدَّة عليها ولو خلا بها، ولا شك أن هذا هو ظاهر الآية، لكن الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم ولا سيما الخلفاء الراشدون يُثْبِت بأن عليها العدة إذا خلا بها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب المتعة على مَنْ طلَّق قبل الدخول، من أين تُؤخذ؟ من قوله: ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ﴾ وهذا مقيد بالآية الأخرى وهي ما إذا فرض لها فريضةً؛ فإنه إذا فرض لها مهرًا فليس عليه إلا نصف المهر؛ لقوله: تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ [البقرة ٢٣٧].
* ومن فوائد الآية الكريمة: التكنية عما يُستحيا من ذكره؛ لقوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المعتدة من وفاة عليها العدة مطلقًا وإن لم يدخل بها، من أين تُؤْخَذ؟ من قوله: ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ﴾ فجعل الله هذا الحكم في أي شيء؟ في الطلاق، فيبقى قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة ٢٣٤] يبقى على إطلاقه؛ أن المتوفَّى عنها تجب عليها العدة وإن لم يدخل بها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده وخَلْقِه؛ حيث أوجب المتعة لمن طُلِّقَتْ قبل الدخول؛ وجه ذلك أن فيه جبرًا لخاطرها وإزالةً للهَمِّ والغَمِّ الذي اعتراها بعد الطلاق.
* ومن فوائدها: وجوب التسريح الجميل في المفارقة؛ لقوله تعالى: ﴿وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن العدة حق للزوج؛ وجهه: قال: ﴿فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ﴾ فهي حق للزوج على المرأة.
* ومن فوائدها: أن مما ينبغي أن يحصي الإنسان عِدَّة زوجته ويعتني بها ولا يدعها هملًا لا يدري عنها؛ لقوله: ﴿تَعْتَدُّونَهَا﴾؛ فإن هذا دليل على أن مِنْ شأن الأزواج أن يَعْتَدُّوا عدة أزواجهن وأن يحصوها ويراقبوها؛ لأنها فراش له ما دامت في العدة إذا كانت رجعيَّة.
هل يؤخذ من مفهوم قوله: ﴿إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ أنه إذا نكحوا الكِتابيَّات تغيَّر الحكم؟ لا، لماذا؟ لأن هذا قيد أغلبيٌّ، وقد ذكر أهل العلم في الأصول أن ما كان قيدًا أغلبيًّا فإنه لا مفهوم له، منين يؤخذ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: من قوله: ﴿الْمُؤْمِنَاتِ﴾ لأن هذا الحكم شامل للمؤمنات ولغيرهن.
* فيها أيضًا من الفوائد: أنه لا عِدَّة في الطلاق قبل الدخول ولو طالت المدة؛ لقوله: ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ﴾.
* وفيها أيضًا فائدة أخرى: أن الطلاق بيد الزوج؛ لقوله: ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ﴾ فلا يملك الأب ولا الجد ولا العم ولا الخال ولا غيرهم أن يُطَلِّقُوا على الإنسان.
* وفيها أيضًا فائدة أخرى: أنه لا عدة لغير المطلقة كالمفسوخة بخُلْعٍ أو غيره أو لا؟ أو فيها مناقشة؟ أيش تقولون في هذه الفائدة؟ أنه لا عدة على من فُورِقَت في الحياة بغير الطلاق؟
* طالب: ما يؤخذ.
* الشيخ: ما يؤخذ، ليش؟
* الطالب: لأنه ما قال: (...)؟
* الشيخ: إي، لكن في الطلاق فمفهومها أن العدة إنما هي في المُطَلَّقات؛ هذه حديث النبي، إذا كانت العدة في المطلقات فمعناها المختلعات ليس عليهن عدة، أيش تقولون يا جماعة؟
* الطالب: لأنه (...) صفاتها؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما هو مثلًا ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ﴾ معناه إن طلقتموهن بعد المسيس فعليهن العدة، فجعل العدة من أحكام الطلاق، طيب غير الطلاق؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا ما يمكن؛ لأن الطلاق له أحكامه؛ لهذا يقولون: المتوفى عنها زوجها تعتدُّ وإن لم يدخل بها.
على كل حال يعني قد لا تكون إلى ذلك في الظهور إلا أن القول الراجح: أن المفارقة بغير الطلاق ليس عليها عدة، المختلعة إنما تُسْتَبرأ بحيضة ثم تَحِل.
ما نقول: في الآية أيضًا الجمعُ بين الإحسان المالي والفعلي أو لا؟ منين؟
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: هذا أيش؟ هذا المالي ولَّا الفعلي؟
* الطالب: الفعلي.
* الشيخ: الفعلي، والمال؟
* الطالب: ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ﴾.
* الشيخ: ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ﴾.
طيب، فيه أيضًا فائدة: يُسْتَثْنَى من الآية مَنْ فُرِضَ لها فريضة.
* طالب: (...).
* الشيخ: موجودة؟ وين؟
* طالب: في الشرح.
* الشيخ: الشرح؟
* طالب: الفائدة ما هي؟
* الشيخ: الفائدة: مَنْ فُرِضَ لها فريضة فلها نصف الفريضة وليس على الزوج متعة.
* الطالب: (...) متعة لمن لم يفرض لها (...)؟
* الشيخ: إي، زين.
{"ayahs_start":45,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ شَـٰهِدࣰا وَمُبَشِّرࣰا وَنَذِیرࣰا","وَدَاعِیًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجࣰا مُّنِیرࣰا","وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَضۡلࣰا كَبِیرࣰا","وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِینَ وَدَعۡ أَذَىٰهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِیلࣰا","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِذَا نَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَیۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةࣲ تَعۡتَدُّونَهَاۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحࣰا جَمِیلࣰا"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ شَـٰهِدࣰا وَمُبَشِّرࣰا وَنَذِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق