الباحث القرآني

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ﴾ إلى آخره. أولًا: إن القرآن الكريم في غالب ما يتحدث عن الأحكام الجزائية والأحكام العملية أكثر ما يتحدث مخاطبًا الرجال؛ لأن الرجال أشرف من النساء، ولأن الرجال قَوَّامُون على النساء، فإذا صلح الرجال صلحت النساء، ولأنه إذا اجتمع جنسان فإنه يُغَلَّب أيش؟ أشرفهما وأعلاهما، فلهذا أكثر الخطابات الواردة في القرآن توجَّه إلى الرجال؛ لهذه الأسباب الثلاثة ولغيرها، لكن في بعض الآيات تُذْكَر الأحكام للرجال والنساء؛ إما على سبيل التفصيل، وإما على سبيل على الإجمال. مثال الأول: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ إلى آخره، ومثال الثاني: قوله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ [آل عمران ١٩٥]، فإن في هذا إجمالًا، ﴿أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾. في هذه الآيات ذكر المفسرون أن من أسباب نزولها أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، إن الله تعالى إذا تكلم إنما يتكلم عن.. ولا يذكر النساء، فأنزل الله تعالى هذه الآيات: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ إلى آخره، فقوله عز وجل: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾، هذه (إنّ) التوكيدية التي تنصب المبتدأ وترفع الخبر. (...) ذكور وإناث. ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ﴾ أيش؟ ذكور ولَّا إناث؟ ذكور، ما قال: أعد الله لهم ولهن، قال: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ﴾، فدلَّ ذلك على تغليب جانب الذكورية، كما أن في قوله: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ تقديم الذكور يدل على شرف الذكور، وهذا أمر لا يَمْتَرِي فيه عاقل، لكن لما جاء الغرب الخبيث القبيح المقلوب فطرةً ودينًا، وصار يقدِّم النساء من أجل إثارة الفتنة بهن، وتشريفهنّ على الرجال، لَمَّا جاء هذا الغرب الخبيث تبعه الذين يتبعون كل ناعق، وصاروا يقدِّمُون النساء على الرجال، حتى كانوا لا يطلقون على النساء إلا كلمة السيدات، يعني أنهن سيدات للرجال، فقلبوا الحقائق والأوضاع؛ لأن الله تعالى قد قلب فِطَرَهم، فعبدوا المادة دون خالقها، وكذلك تصرَّفوا في تصرفاتهم هذه، ويجب على المسلمين الحذر والتنبه من مغالطات أولئك الكفرة، لا في هذا، ولا في غيره، حتى يكونوا على بينة من أمرهم، ودينُهم والحمد لله قد بَيَّنَ الله فيه كل شيء. ﴿الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ الإسلام في أعمال الجوارح الظاهرة؛ لأنه يشمل أو يُرَاد به أن يستسلم الإنسان لله ظاهرًا بجوارحه؛ بلسانه، بيديه، برجليه، بعينه، بأُذُنه، هذا الاستسلام الظاهر يسمى.. أيش تقولون؟ يسمى إسلامًا، وقد يقع من غير المؤمن، قد يقع من المنافق، وقد يقع من ضعيف الإيمان، قال الله تعالى: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات ١٤]، هذا الإسلام مرتبته دون الإيمان، ليش؟ لأنه يقع من المؤمن الحق، ومن المنافق، ومن ضعيف الإيمان؛ لأنه الاستسلام لله تعالى بالجوارح الظاهرة. ﴿وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾، هذا الاستسلام لله تعالى باطنًا، وذلك بالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، ولسنا بحاجة إلى تفسير أحد للإيمان بعد أن فسَّره مَن؟ النبي ﷺ، حين سأله جبريل: ما الإيمان؟ قال:« «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠)، ومسلم (٩ / ٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو عند مسلم (٨ / ١) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أيضا، واللفظ له.]]، وتفاصيل هذه الجملة قد تكلمنا عليها مرارًا وليس هذا موضع بسطه. إذن الإيمان هو أيش؟ الاستسلام لله باطنًا، بحيث يؤمن الإنسان بما يجب الإيمان به، وهو.. أكملوا، الإيمان بالله وملائكته، إلى آخره. الإيمان أعلى من الإسلام لأن الإيمان يستلزم الإسلام، ولا عكس، فكل مؤمن لا بد أن يكون مسلمًا؛ لأنه إذا صلح القلب، أيش؟ صلحت الأعضاء، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْعَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.]]، ولكن بعض الناس يعمل المعاصي ويحتج بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «التَّقْوَى هَاهُنَا»[[أخرجه أحمد (٧٧٢٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ]]، إذا قلت: يا أخي اتقِ الله، صَلِّ مع الجماعة، اتقِ الله دع حلق اللحية، اتقِ الله اترك الغيبة، وما أشبه ذلك، يقول لك: التقوى هاهنا، كيف ترد؟ * طالب: نعم، صحيح أن التقوى في القلب، لكن إذا صلح القلب تصلح الجوارح، الإيمان باطنًا (...). * الشيخ: نعم، نقول: لو اتقى ما هاهنا لاتَّقى ما هاهنا، يعني لو اتقى الباطن لاتقى الظاهر؛ لأن الرسول ﷺ يقول: «إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ»، فجعل الأمر جملة شرطية، والمعروف في اللغة والعرف والشرع أن الجملة الشرطية يتحقق فيها المشروط متى؟ إذا تحقق الشرط. * طالب: بعضهم يحتج علينا حين المناقشة بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء ٤٨]، فكيف نرد عليه؟ * الشيخ: نقول: صحيح، نحن معك أن هذه الذنب الذي تعمله دون الشرك قابل لأن يغفره الله، ولكن الله لم يقل: ويغفر ما دون ذلك لكل أحد، بل قال: ﴿لِمَنْ يَشَاءُ﴾، فهل تشهد أنك أنت ممن شاء الله أن يغفر له؟ أيش نقول؟ إذن فأنت على خطر، والأصل أن الوعيد على المعاصي ثابت، هذا هو الأصل؛ لأن رَفْعَه تحت المشيئة، ووقوعه بمقتضى الوعد، فالأصل ثبوته، واضح؟ فلا حجة له في هذا. ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ يقول المؤلف، ما شرحها، ﴿وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ﴾، الله يهديه يقول: (المطيعات)، كان عليه أنه يقول -الله يهديه ويغفر له، ولَّا عاد انتهى وقت الهداية- لكن يقول: ﴿وَالْقَانِتِينَ﴾ كان عليه أن يقول: المطيعين، ولَّا لا؟ ويصير: ﴿وَالْقَانِتَاتِ﴾ معروف أنها المطيعات، واضح؟ نعم. ﴿وَالْقَانِتِينَ﴾ القنوت هو ليس مطلق الطاعة كما يُفْهَم من كلام المؤلف، ولكنه الطاعة بدوام وذُلٍّ وسكون، ويدل لذلك قوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة ٢٣٨]، ولما نزلت هذه الآية أُمِرُوا بماذا؟ بالسكوت، ونُهُوا عن الكلام، فدلَّ هذا على أن القنوت ليس مجرد فعل الطاعة، بل هي طاعة مع ذُلٍّ وخضوع ودوام. وقوله: ﴿الْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ﴾، القنوت أعلى مما سبقه؛ لأن القانت معه الإيمان والإسلام، كما قال الله تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر ٩]. ﴿وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ﴾ في الإيمان، الصدق هو الإخبار بما يطابق، هذا الأصل في معنى الصدق؛ الإخبار بما يطابق الواقع، مثل أن أقول لك: إن هذه المروحة تشتغل، هذا صدق؛ لأنه إخبار بما يطابق الواقع، ولو قلت: إن هذه المروحة لا تشتغل، لم يكن صدقًا؛ لأنه إخبار بما يخالف الواقع، ولكن الصدق هل هو في القول فقط، أو يكون الصدق في القول والعمل والعقيدة؟ الجواب: الأخير، يكون الصدق في العقيدة بأن يكون الإنسان صادق الإخلاص لله عز وجل في كل أعماله، صادق العقيدة بحيث تكون مطابقة لما جاء به الشرع، ويكون الصدق كذلك في الأقوال بألا يقول إلا صدقًا، ولو كان الأمر عليه، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾ [النساء ١٣٥]، وانظر إلى نتيجة الصدق في قصة الثلاثة الذين خُلِّفُوا عن أيش؟ * طالب: عن المعركة. * الشيخ: أي معركة؟ * الطالب: اليرموك. * الشيخ: اليرموك؟! وين أنت .. اليرموك يا شيخ؟ نعم، الذين خُلِّفُوا؟ * طالب: عن غزوة تبوك. * الشيخ: عن غزوة تبوك؟ لا، خطأ، ما قال: تخلفوا، فنقول: عن الغزوة، لكن خُلِّفُوا يعني أُرْجِئَ أمرهم؛ لأنهم جاؤوا أخبروا بالصدق، المنافقون كانوا يأتون ويقولوا: يا رسول الله لنا عذر ولنا عذر، فيستغفر لهم، ويَكِلُ سرائرهم إلى الله، لكن هؤلاء صدقوا فخُلِّفُوا، خُلِّفُوا عن أيش؟ عن الحكم عليهم بما حُكِمَ على المنافقين، وليس المراد أنهم خُلِّفُوا عن الغزوة، لو كان كذلك لقال: الذين تخلَّفُوا، هؤلاء الثلاثة وهم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، هؤلاء صدَقُوا رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأشد مَن تكلم وأَبْيَن مَن تكلم وأفصح مَن تكلم من هؤلاء الثلاثة كعب بن مالك؛ لأنه أشبُّهم رضي الله عنه، فتكلم كلامًا عجيبًا، ويحسن بكم أن تراجعوا قصته؛ لأنها في الحقيقة تزيد في الإيمان. هؤلاء صدقوا، ماذا كانت نتيجة صدقهم؟ أن الله أنزل فيهم كتابًا يُتْلَى إلى يوم القيامة في مدحهم والثناء عليهم، حتى قال الله للناس كلهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة ١١٩]، أما الآخرون قال: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [التوبة ٩٥]، شوف الفرق بين الأمرين؛ هؤلاء كَذَبُوا فأُرْجِسُوا -والعياذ بالله- وهؤلاء صَدَقُوا فرُفِعُوا، فعليك بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكْتَب عند الله صِدِّيقًا[[أخرج البخاري (٦٠٩٤)، ومسلم (٢٦٠٧ / ١٠٣) بسنديهما عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إنَّ الصدق يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنةِ، وإنَّ الرجل ليصدق حتى يكونَ صِدِّيقًا. وإنَّ الكذبَ يهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النار، وإنَّ الرجلَ ليكذب حتى يكتبَ عند الله كذَّابًا».]]. فالمهم أن الصادقين والصادقات نقول: في الإيمان، وفي القول، وفي العمل، كيف الصدق في العمل، أيش لون؟ الصدق في العمل أن يكون مطابقًا للباطن، فلا تعمل رياءً، ولا سمعة، ولا مصانعة، ولا مجاملة، ولا لأجل شيء من الدنيا. مثال ذلك: رجل أخرج من جيبه ألف درهم فتصدق بها؛ لأن الناس يشاهدون، فقال: أريد أن يقول الناس: ما أكرم فلانًا! هل صدق في فعله؟ ويش ظاهر فعله؟ أنه لله، صادق، ولكن حقيقة أمره العكس، بل كان كاذبًا. ومن الصدق في الأعمال متابعة الرسول ﷺ، فإنها دليل على صدق محبة الإنسان لله ورسوله، ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران ٣١]، فصار الصدق في العقيدة، في القول، في العمل. وما هو الأصل في الصدق؟ ما معنى الصدق في الأصل؟ قال لك إنسان: إنه قد طلع الفجر، فنظرت وإذا الفجر طالع، وقال لك آخر: إن الفجر لم يطلع، فنظرت فإذا هو طالع، إذن ما هو الصدق والكذب؟ أيش معنى الصدق؟ الإخبار بما يطابق الواقع، هذا هو الصدق. ذكرنا أن الصدق يكون في العقيدة، وفي القول، وفي العمل؛ الصدق في العقيدة الإخلاص لله عز وجل، وأن يكون ما يعتقده مطابقًا لما جاء به الشرع، الصدق في القول الإخبار بما يطابق الواقع، ولو كان على نفسك، يقول واحد: إن الكذب منجاة، إذا فعلت جريمة وسألك أحد فقل: ما فعلت، تنجو، قال له الثاني: لكن الصدق أنجى، أيهما أصح؟ الأخير، أنت إذا كذبت وقُدِّرَ أنك نجوت فإن العاقبة وخيمة، لكن إذا صَدَقْتَ وقُدِّرَ أنك عُوقِبْتَ فإن العاقبة حميدة، الصدق في العمل أن يكون مطابقًا لما في الباطن، في القلب، بحيث يتطابق الظاهر والباطن. * طالب: الصدق والكذب نجوة، الصدق أنجى وأنجوين. * الشيخ: إذا كان في الكذب. * الطالب: نجوة يعني نجاة فالصدق أنجى وأنجوين يعني.. * الشيخ: إي نعم، أنجى مرتين، صحيح، نقف على هذا؛ لأنه انتهى الوقت. (...) * * * ﴿وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ﴾ إلى آخره. كيف يخاطب الله سبحانه وتعالى المؤمنين (...). مَن يعتقد ما يوافق الشرع فيما يتعلق بآيات الله وأسمائه وصفاته هذا من الصدق، الصدق في القول أظن (...). ﴿وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ﴾، لَمَّا كان الصدق قد يترتب عليه من مجاهدة النفس ما يترتب؛ لأن إخبار الإنسان بالصدق ولا سيما مع نفسه أمر صعب، أعقبه بذِكْر أيش؟ الصبر، يعني كأنما يقول: اصدق واصبر على صدقك، فقال: ﴿وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ﴾، والصبر في اللغة الْحَبْس، ومنه قولهم: قُتِلَ صبرًا، يعني حَبْسًا، وفي الشرع: حَبْس النفس عن الكراهة لحكم الله عز وجل والتضجر منه. أقول: إن الصبر أيش؟ حَبْس النفس عن التسخط والكراهة لحكم الله، حُطُّوا بالكم لهذا، فقولنا: لحكم الله، يشمل الحكم الكوني والحكم الشرعي، وهذا التعريف يشمل أنواع الصبر الثلاثة التي تكلَّم عليها أهل العلم، حيث قالوا: إن الصبر ثلاثة أقسام، أو ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، فنحن إذا قلنا: حَبْس النفس عن التسخط والكراهة لحكم الله، يشمل الأنواع الثلاثة ولَّا لا؟ لأنه يقول: حكم الله الكوني والشرعي، فالكوني يتعلَّق بالصبر على أقدار الله، والشرعي يتعلق بالصبر على طاعة الله، وعن معصيته. الصبر على طاعة الله هو أعلى أنواع الصبر؛ لأنه صَبْرُ النفس على عمل وحركة وتعب، والصبر عن معصية الله دونه في المرتبة؛ لأن فيه حَبْسًا للنفس عما تشتهيه من أجل أنه معصية لله عز وجل، لكن هل فيه عمل كالصبر على طاعة الله؟ ما فيه عمل، ما فيه إلا الكف؛ كفّ النفس عن هذا المحرَّم، فبهذا تميَّز الصبر على طاعة الله على الصبر عن معصيته؛ لأن في كل منهما جهادًا للنفس، لكن الصبر على الطاعة فيه تكليف النفس بالعمل، وهذا ليس فيه تكليف نفس بعمل، ولكن فيه أيش؟ الكف عن معصية الله، فلهذا كان دون الأول في المرتبة، ولكننا نحن نقول: دون الأول في المرتبة، باعتبار نفس النوع، لا باعتبار الصابرين؛ لأن بعض الصابرين يعاني من المشقة من الصبر على معصية الله أكثر مما يعاني من الصبر على طاعة الله، أليس كذلك؟ فلو فرضنا أن رجلًا تُسَاوِرُه نفسه وتدعوه إلى فعل الفاحشة بضغط شديد، ولكنه عندما يصلي يجد نفسه مرتاحًا بدون عناءً ولا مشقة، لا شك أن معاناته الأولى أشد، ولكننا نحن نتكلم عن أنواع الصبر من حيث هي نوع، بقطع النظر عن الصابر وما يتعلق بحاله. أما القسم الثالث فهو صبر على أقدار الله المؤلمة، وهذا أدنى أنواع الصبر؛ لأنه صبر على ما لا فِعْل الإنسان به، صبر على أمرٍ ليس من فعله ولا من مقدوره، أليس كذلك؟ لكن الصبر على الطاعة وعن المعصية من مقدوره، أما أقدار الله فإنها ليست بمقدوره، فهو صبر على أمر ليس بمقدورك، لهذا كان أدنى منه. ولذلك قال بعض السلف في المصاب: إما أن يصبر صبر الكرام، أو يسلو سُلُوَّ البهائم، وهذا صحيح، مَن منا لم يُصَب ببدنه أو أهله أو ماله، ثم تكون المصيبة عظيمة جدًّا، وبعد مُضِيّ مدة من الزمن ينساها، ما كأنها شيء، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى»[[متفق عليه؛ البخاري (١٣٠٢)، ومسلم (٩٢٦ / ١٤) من حديث أنس رضي الله عنه.]]، هذه حقيقة الصبر، أما بعد ذلك تبرد النفس، وتتلهى بأمر بما يحدث لها من شؤونها في حياتها حتى تتسلى، ولا كأن شيئًا جرى. إذن الصبر كم أنواعه؟ * طالب: ثلاثة. * الشيخ: ثلاثة، صبر على طاعة الله، وصبر عن معصيته، وصبر على أقداره المؤلمة. ما تقولون في صبر أيوب عليه الصلاة والسلام، من أي أنواع الصبر؟ * طالب: (...). * الشيخ: ما هي؟ * الطالب: صبر على طاعة الله. * الشيخ: بماذا؟ * الطالب: والحقيقة أنه صبر على أقدار الله. * الشيخ: نحن ما نبغي إلا الحقيقة، صبره على ما مَسَّه من الضر، من باب الصبر؟ على أقدار الله، ما تقول في صبر يوسف عن فعل الفاحشة في امرأة العزيز؟ * طالب: عن معصية الله. * الشيخ: صبر عن معصية الله، ما تقول في صبر يوسف على ما ناله من أَلَم السجن وأذيته؟ * طالب: (...). * الشيخ: (...) انتهى منه، لكن كونه سُجِن تألم وتأذى وصبر. * الطالب: أقدار الله. * الشيخ: على أقدار الله المؤلمة، هل ليوسف صبر على طاعة الله؟ * طالب: دخوله السجن اختياري، ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ [يوسف ٣٣]، فيدل هذا على أنه اختار الطاعة (...). * الشيخ: أيضًا دعوته لأهل السجن إلى عبادة الله وإلى توحيده هذا من الصبر على طاعة الله، فاجتمع في حقه أنواع الصبر الثلاثة، وهكذا تكون أنواع الصبر الثلاثة لكثير من عباد الله، الرسول ﷺ صبر على طاعة الله، وعن معصيته، ويش بعد؟ وعلى أقداره، وهذا شيء كثير. إذن الصبر هل هو واجب أو مستحب؟ الصبر واجب؛ إحنا قلنا: كَفُّ النفس عن؟ * طالب: المعصية. * الشيخ: لا، المعنى العام للصبر حَبْس النفس عن التسخط والكراهة لأحكام الله، ما قلنا: لشريعة الله، لأحكام الله، لأجل يشمل الصبر على أقدار الله المؤلمة، فالصبر إذن واجب، وفيه أجر كثير، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر ١٠]، ولهذا قال الله تعالى في الصوم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»[[أخرج الترمذي (٧٦٤) بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إنَّ ربَّكُم يقولُ: كلُّ حسنةٍ بعشْرِ أمثالها إلى سبع مئةِ ضعفٍ، والصومُ لي وأنا أجزي به، والصوم جُنّة من النار» الحديث. ]]؛ لأن الصوم حقيقةً اجتمع فيه أنواع الصبر الثلاثة؛ فهو صبر على طاعة الله، وصبر عن معصيته، وصبر على أقداره المؤلمة، فنسأل الأخ يحلِّل لنا هذه الأنواع الثلاثة في الصوم؟ * طالب: صبر على طاعة الله؛ لأن الله أمر به. * الشيخ: لأنه؟ ما تقول: لأن الله أمره به، لأنه هو. * الطالب: (...). * الشيخ: اصبر ما خلصنا منك إلى الآن، صبر على طاعة الله، لماذا؟ * الطالب: لأن الله أمر به. * الشيخ: لأنه صبر على الصوم، وحبس نفسه على الرضا به فصام، وصبرٌ عن معصية الله؟ * الطالب: (...). * الشيخ: لا، الصائم مأمور بأن يجتنب أشياء كثيرة، فاجتنبها، إذن صَبَرَ عن معصية الله، صبرٌ على أقدار الله؟ * الطالب: (...). * الشيخ: أنت صُمْتَ هذه السنة في رمضان؟ * الطالب: (...). * الشيخ: الحمد لله، جعت وعطشت، وتألمت من هذا الجوع والعطش، إذن صبر على أقدار الله المؤلمة، ففيه أنواع الصبر الثلاثة: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ﴾. * طالب: (...)؟ * الشيخ: لا، ما هو متعلق بالإرادة الكونية، متعلق بالإرادة الشرعية، هو مراد لله تعالى شرعًا، وأما كونًا فإنما يكون مرادًا له فيمن صام فقط، انتهى الوقت الآن؟ * طالب: نعم. * طالب آخر: المؤلف يقول: (على الطاعات). * الشيخ: لا، فيه نقص: (صابرين على الطاعات) أقول: في هذا نقص، الصواب: الصابرين على الطاعات، وعن المعاصي، وعلى أقدار الله المؤلمة. * طالب: (...) الصبر حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب. * الشيخ: إي، صحيح، إحنا قلنا: عن الكراهة لحكم الله، عام، أعم مما قال رحمه الله. (...) أو لا يُنَال أجرها ومرتبتها إلا بوجود أسبابها، فأما أن يقول الإنسان: أنا صابر، ثم لا يصبر، فإنه لا ينال تلك المرتبة، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يناله من أقدار الله المؤلمة أكثر من غيره، كما ثبت عنه أنه قال: «إِنَّهُ يُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ الرَّجُلَانِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٦٦٠) ومسلم (٢٥٧١ / ٤٥). وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (٣٦٨) بهذا اللفظ، كلهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. ]]، يعني أنه يصاب بالحمى كما يصاب الرجلان، وفي سياق الموت شُدِّدَ عليه عليه الصلاة والسلام من أجل أن تتم له هذه المرتبة، مرتبة الصابرين حتى ينال أعلاها. قال: ﴿وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ﴾، يقول المؤلف: (المتواضعين) -هذا مبتدأ درس اليوم- الخاشع المتواضع المتطامِن، وضده الْمُتَعَالِي المستَكْبِر، فالخشوع إذن تطامُن وخضوع وتواضع، وهو من أعلى مراتب الإيمان، ومن أكمل أحوال القلب، والخشوع له مواضع، منها: الخشوع في الصلاة، فَسَّرَه الفقهاء بأنه سُكُون في القلب يتبين على الجوارح، وبعضهم قال: معنًى في النفس يظهر منه خشوع الأطراف، فهو في القلب، ويظهر أثره على الجوارح، ولهذا يُرْوَى عن عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلًا يعبث بلحيته وهو يصلي فقال: «لو سكن قلبُ هذا لسكنتْ جوارحه »[[أخرجه عبد الرزاق (٣٣٠٨) عن ابن المسيب موقوفًا عليه، ولفظه: أنه رأى رجلًا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: إني لأرى هذا لو خشعَ قلبُه خشعت جوارحه. ]]، وقد رُوِيَ مرفوعًا ولا يصح، وإنما هو عن عمر على ما فيه من ضعف عنه. فالخشوع في الصلاة هو سكون القلب الذي يظهر أثره على الجوارح، أو معنًى يقوم بالنفس يظهر منه سكون الأطراف، وهناك أيضًا خشوع في بقية الطاعات بأن يؤديها الإنسان وهو متواضِع متطامِن لله عز وجل، ومنه ما حصل لرسول الله ﷺ حين فَتَحَ مكة وانتصر على أهلها، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يدخل دخول العالي المستَكْبِر، وإنما دخل مطأطِئًا رأسه ﷺ خاضعًا لله تبارك وتعالى. ومنه أيضًا الخشوع في الحج والعمرة، حيث يؤديها الإنسان بتطامُن وذُلّ وهو يعتقد أنه يعبد الله، فأنت إذا دخلتَ في العمرة أو الحج فاعتقد أنك في عبادة من حين أن تقول: لبيك اللهم لبيك، إلى أن تنتهي، ولكننا مع الأسف الشديد لا نشعر بهذا، فتجد الإنسان يَتَلَبَّس بمحظورات الإحرام وبغيرها من الْمُحَرَّمَات إلا أن يشاء الله، أو إلا مَن شاء الله. إذن الخشوع يشمل جميع الطاعات بأن يؤديها الإنسان بتواضع وذُلّ وتطامُن، ليس في قلبه استكبار ولا عُلُوّ، ولا فرق في هذا بين أن يكون الخشوع في أثناء العبادة، أو بعد فعل العبادة أيضًا؛ لأن من الناس مَن يخشع في العبادة، لكن إذا انتهى منها رأى نفسه في درجة عالية، وأنه مرتفع، وأنه قد نال درجة ما نالها غيره، وهذا من الإعجاب بالنفس وبالعمل، فالإنسان ينبغي له إذا أدى العبادة أن يكون كما قال الله عز وجل: ﴿قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون ٦٠]، إن رأوا إلى تقصيرهم خافوا، وإن رأوا إلى فضل الله طمعوا. ﴿وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ﴾، ﴿وَالْمُتَصَدِّقِينَ﴾ يعني: الباذلين للصدقة، والصدقة هي بَذْل المال تقربًا إلى الله عز وجل، ويشمل الزكاة فإنها أعلى الصدقات، ويشمل البذل التطوعي؛ كصدقة التطوع، وكالإنفاق على الضيف، وعلى الأهل، وعلى النفس، كل هذا من الصدقة، فما يجعله الإنسان في فَمِ امرأته من الصدقة، وما يأكله من الصدقة، كل شيء من المال تَبْذُلُه لله عز وجل فهو من الصدقة. وقد يقال: إن المتصدقين أعمّ من الباذلين لمالهم فيما يرضي الله عز وجل، فيشمل فعل كل خير؛ لأن الرسول ﷺ يقول: «كُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، تُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، تُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ تَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ»[[أخرجه مسلم (١٠٠٦ / ٥٣) عن أبي ذرٍّ ولفظه: أنَّ ناسًا من أصحاب النبي ﷺ قالوا للنبي ﷺ: يا رسول الله، ذهب أهل الدُّثُور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم. قال: «أوَليسَ قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إنَّ بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن منكر صدقة، وفي بُضع أحدكم صدقةٌ»، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدُنا شهوته ويكون له فيها أجر! قال: «أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلالِ كان له أجرٌ». ]]. فإذا أخذنا بهذا العموم صار المتصدقون والمتصدقات يشمل مَن قام بأي طاعة من طاعات الله عز وجل، ولكنه من المعروف أن المتصدقين والمتصدقات يتبادر إلى الذهن أنهم الباذلون لمالهم فيما يُرْضِي الله عز وجل. وقوله: ﴿وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ﴾ لا حاجة بنا إلى التطويل في تفسير الصدقات، وما ينبغي للإنسان أن يتصدق به، وهل يجوز أن يتصدق بكل ماله ويدع عائلته فقراء، أو لا يجوز، فإن هذا له موضع آخر. المهم أن الله تعالى أثنى على مَن؟ على المتصدقين والمتصدقات. قال: ﴿وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ﴾ في الصدقة بذل، وفي الصيام إمساك، ﴿وَالصَّائِمِينَ﴾ هم الذين قاموا بالتعبد لله تعالى بالصيام، والصيام هو التعبد لله بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهو أنواع؛ منه ما هو ركن من أركان الإسلام، ومنه ما هو واجب وليس بركن، ومنه ما هو سنة معينة مقيَّدة، ومنه ما هو سنة مطلقة، أربعة أنواع، فالواجب الذي هو فرض من فروض الإسلام؟ * طالب: رمضان. * الشيخ: وغيره؟ ما فيه غيره، والواجب الذي ليس من أركان الإسلام؟ * طالب: (...). * الشيخ: غيره، النذر أوجبته على نفسك. * الطالب: القضاء. * الشيخ: لا، القضاء من أركان الإسلام. * الطالب: (...). * الشيخ: لا. * الطالب: (...). * الشيخ: صح كصيام الكفارات. * طالب: (...). * الشيخ: لا أبدًا، عندما يحنث الإنسان في يمينه ما أَوْجَبَ على نفسه أن يصوم، لكن فعل السبب. ومنه ما هو سنة مقيَّدة بوقت معين؟ * طالب: (...) الإثنين والخميس. * الشيخ: نعم، ومنه عاشوراء، وتسع ذي الحجة، ويوم عرفة، لا هذه الظاهر أنها ما تدخل في المعين، أو تدخل في المعين الست من شوال، تدخل في المعين؟ لكنها في كل الشهر، ومنه ما هو مطلَق، مثل أن يصوم الإنسان لله تعالى يومًا من الأيام، إلا أنه يُكْرَه أن يصوم الإنسان يوم جمعة منفردًا، بل إما أن يصوم يومًا قبله، أو يومًا بعده. الصائمون والصائمات مُمْسِكُون عن ملاذِّهم وشهواتهم؛ عن الأكل، والشرب، والجماع، وما يتبع ذلك، لكن هذه هي الأساسيات في الملاذّ، ولهذا قال الله عز وجل في الحديث القدسي في الصائم: «يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي»[[أخرجه مسلم (١١٥١ /١٦٤)، وأحمد واللفظ له (٩١١٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ]]، الصيام ألا يدخل في الصبر؟ بلى، ولكنه عبادة مستقلة بنفسها، متضمِّن للصبر. ﴿وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ﴾ من الحرام. * طالب: (...). * الشيخ: أيهم؟ * الطالب: (...). * الشيخ: فيها أنواع الصبر الثلاثة. ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ﴾، ﴿الْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ﴾ عن أي شيء؟ قال المؤلف: (عن الحرام)، وهي كلمة جامعة تشمل حفظ الفرج عن الزنا، وحفظ الفرج عن النظر، وحفظ الفرج عن العمل المحرَّم الذي هو دون الزنا، وقد بَيَّنَ الله عز وجل مَن يُحْفَظ عنه الفرج، أو مَن لا يُحْفَظ، فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ [المؤمنون ٥ - ٧]. فأعلى شيء يُحْفَظُ عنه الفرج الزنا، وهو فعل الفاحشة في قُبُل أو دُبُر، إلا أنه إذا تعلَّق بذَكَر سُمِّيَ لواطًا، واللواط أعظم من الزنا -والعياذ بالله- لأن اللواط عقوبته الإعدام بكل حال، بل الأصح عقوبته القتل بكل حال، سواء كان الفاعل مُحْصَنًا أو غير مُحْصَن، لكن بشرط أن يكون مكلَّفًا، أي: بالغًا عاقلًا، فإذا تَلَوَّط ذَكَرٌ بآخر وهما عاقلان بالغان وجب قتلهما وإن لم يكونَا مُحْصَنَيْنِ، ولكن كيف يُقْتَلَان؟ اختلف في ذلك الصحابة رضي الله عنهم ومَن بعدهم، فقيل: يُرْجَمَان بالحجارة كالزاني المحصَن، وقيل: يُلْقَيَانِ من أعلى مكان في البلد ويُتْبَعَان بالحجارة، وقيل: يُحْرَقَان بالنار، كما فعل أبو بكر رضي الله عنه، حين كتب إلى خالد بن الوليد لما قال له: إن عنده رجلًا يُنْكَح كما تُنْكَح المرأة، فكتب إليه أبو بكر أن يحرقه، مبالغةً في عقوبته. إذن أوجب ما يكون أن يُحْفَظ عنه الفرج هو الزنا، كذلك النظر يجب أن يحفظ الإنسان فرجه عن النظر، حتى الجنس مع جنسه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا تَنْظُرِ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ»[[أخرجه مسلم (٣٣٨ / ٧٤) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ولفظه: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة». الحديث. ]]، فيجب حفظ العورة عن النظر، إلا على الزوجة وما ملكت يمينه، كذلك حِفْظُ الفرج عن الأفعال المحرَّمة غير الزنا واللواط والنظر، كالاستمناء مثلًا، وهو ما يُعْرَف عند الناس بالعادة السرية، ويكون في الرجال، ويكون في الإناث أيضًا، حتى الإناث يَسْتَعْمِلْنَ ذلك، هذه أيضًا مُحَرَّمَة لا تحل، وذلك لأنه ليس فيها حفظ للفرج، فإن الإنسان الذي يبتغي نيل شهوته بغير امرأته وما ملكت يمينه يدخل في قوله تعالى: ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾، فهو حرام بالقرآن وبالسنة أيضًا؛ السنة ذكرنا أن من أدلتها قول الرسول عليه الصلاة والسلام، أَجِبْ الحديث.. «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِنَّهُ لَهُ وُجَاءٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٩٠٥)، ومسلم (١٤٠٠ / ٣) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.]] ما وجه الدلالة من الحديث؟ * طالب: أن النبي ﷺ أرشد إلى الصوم (...) لو كان فيه خير لأرشد الإنسان إليه. * الشيخ: لو كان جائزًا لأرشد إليه. * الطالب: النبي ﷺ قال: «مَا وَجَدْتُ شَيْئًا يُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ إلَّا أَمَرْتُكُمْ بِهِ»[[أخرج البيهقي في سننه الكبرى (٧ / ٧٦) بسنده عن المطلب المخزومي أن رسول الله ﷺ قال: «ما تركت شيئًا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئًا مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه».]] (...). * الشيخ: وجه الدلالة أن الرسول أرشد إلى الصوم وهو أشق من هذه الفعلة ولو كانت هذه الفعلة جائزة لأرشد إليها الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنها أسهل وأيسر، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: «مَا خُيِّرَ النبي ﷺ بين أمرين إلا اختار أيسرَهما ما لم يكن إثمًا»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٥٦٠)، ومسلم (٢٣٢٧ / ٧٨) واللفظ له من حديث عائشة رضي الله عنها.]]. فلما لم يختر هذا الأيسر عُلِمَ أنه إثم محرم. * طالب: استخدام -يا شيخ- اللواط، الله سبحانه وتعالى أطلق عليه فاحشة. * الشيخ: الفاحشة؟! مو فاحشة. * الطالب: الفاحشة، نعم، فنُطْلِق عليها لواطًا، أليس فيها إساءة للنبي؟ * الشيخ: لا، أبدًا هذا شيء متعارف. * الطالب: ويش (...)؟ * الشيخ: لا، هي أصلًا النسبة يجوز أن تُنْسَب إلى المضاف أو المضاف إليه، هذا مقتضى اللغة العربية، قوم لوط، يعني: لوطي أي: منتسب إلى هؤلاء القوم. * طالب: إذا استمنى وهو في رمضان المحصن هل عليه الكفارة؟ * الشيخ: لا، ما عليه الكفارة، الكفارة ما تكون إلا بالجماع فقط. * طالب: فيه أثر عن عن النبي ﷺ سئل عن نكاح المرأة في الخلف قال: «تِلْكَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى»[[أخرجه أحمد (٦٧٠٦) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.]]؟ * الشيخ: أحاديث وطء المرأة في الدبر كلها فيها مقال، لكن يَشُدُّ بعضها بعضًا وتدل على التحريم، وقد مر علينا في قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى﴾ [البقرة ٢٢٢] مر علينا أن من فوائدها تحريم وطء الدبر، هي مرت علينا. * الطالب: قصدي على الاسم هذا؛ يعني: اللوطية؛ على الفعل هذا. * الشيخ: إي نعم، اللوطية الصغرى. * طالب: يدخل فيه إذا كان صومًا واجبًا يعني محرم عليه..؟ * الشيخ: محرم أيش؟ * الطالب: الوطء. * الشيخ: معلوم؛ لأن الصوم الواجب لا يجوز قطعه إلا لضرورة بخلاف الصوم اللي غير واجب. * الطالب: (...)؟ * الشيخ: كيف..؟ لا، مو هذا علشان حفظ الفرج، علشان العبادة، هذا حرام عليه حتى على امرأته. * الطالب: (...) على امرأته؟ * الشيخ: إي، ما يدخل في هذا، لأن هذا ما يتعلق بحفظ الفرج، ولكن يتعلق بصوم العبادة؛ يعني: تحريم الوطء على مَنْ تَلَبَّس بِنُسُكٍ أو تَلَبَّس بصوم أو تلبس بصلاة مفروضة ما هو من أجل حفظ الفرج، لكن من أجل احترام هذه العبادة. قال: ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ﴾ [الأحزاب ٣٥]. * الطالب: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء ٢٤]؟ * الشيخ: ﴿مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ المحرمات اللي ذكر الله عز وجل. * الطالب: (...)؟ * الشيخ: الاستمناء ما هو من النساء؛ لأن الله ذكر المحرمات ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٢٣) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء ٢٣، ٢٤] منين؟ من النساء، التحدث الآن ما هو عن الفعل، التحدث الآن عن المحلل مَنْ من الأشخاص، فبين الله عز وجل أن هؤلاء محرمات؛ ولهذا قال: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ فهذا معناه أن الله أحلَّ للناس ما سوى هؤلاء الأصناف، وليس هذا ما هو بالتحدث عن الفعل، التحدث الآن عن موضع الفعل؛ يعني عن المحلل من النساء. * * * ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ [الأحزاب ٣٥] ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ ختم الآية الكريمة بهذا الوصف العظيم، وهو ذكر الله عز وجل وهو شامل لكل عبادة؛ كل عبادة فهي ذكر لله عز وجل حتى دراستكم للعلم هي من ذكر الله عز وجل؛ ولهذا تُسَمَّى حِلَق العلم تُسَمَّى حِلَقَ الذكر أو مجالس الذكر، فكل ما يُقَرِّب إلى الله، كل عبادة فهي من ذكر الله. وذكر الله عز وجل يكون بالقلب ويكون باللسان ويكون بالجوارح؛ ففي القلب التفكر، وفي اللسان النطق، وفي الجوارح الفعل والعمل، أيها أفضل؛ ذكر الله باللسان، أو ذكر الله بالقلب، أو ذكر الله بالجوارح؟ * الطالب: كلها. * الشيخ: ما فيه شك، الجمع أفضل، هذا معلوم. * الطالب: بالقلب. * الشيخ: لا، القلب وحده لا يكفي، واللسان وحده لا يكفي، والجوارح وحدها لا تكفي؛ يعني: لو أن الإنسان قال: أبغي أتفكر في آيات الله عز وجل، وفي أسمائه وصفاته، ولكنه ما هو بذاكر (...)، هل يكون مسلمًا؟ * طالب: (...). * الشيخ: أقول: هل يكون مسلمًا؟ لا، لا بد أن يقول؛ «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»[[أخرج الحميدي في مسنده (٣٧٣) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه أو يقينًا من قلبه دخل الجنة، ولم تمسَّه النار».]].. وكذلك أيضًا بالنسبة للجوارح، لكن لا شك أن اختلال الذكر بالقلب له أثر عظيم جِدًّا؛ لأن المدار على القلب، ولا شك أيضًا أن تأثير ذكر الله بالقلب أبلغ في تقوية الإيمان وفي التقرب إلى الله عز وجل من الذكر بماذا؟ بالجوارح؛ لأن المدار كله على ما في القلب لا بالنسبة للأعمال وقوام الأعمال ولا بالنسبة للجزاء كما قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ﴾ [الطارق ٩، ١٠]. ذكر الله عز وجل يكون مطلقًا في كل وقت، ويكون مقيدًا بأحوال، ويكون مقيدًا بأماكن، ويكون مقيدًا بأزمان. فهو إذن أربعة أنواع وهي؟ * طالب: مقيدا بأقوال؟ * الشيخ: بأقوال، هو ذكر الله، ويكون الذكر مطلقًا، مقيد بأزمان، مقيد بماذا؟ بأماكن، مقيد بأحوال. إذن أنت مُلْزَم بإغلاق (...). أما المطلق؛ فقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران ١٩٠، ١٩١] هذا في كل وقت في كل حال، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب ٤١، ٤٢] كما في هذه الآية ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾. المقيد بزمن أيش مثله؟ مثل أدبار الصلوات، هذا مقيد بزمن، وكذلك الدعاء في أول النهار أو الذكر في أول النهار وفي آخره ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ [ق ٣٩]. المقيد بأمكنة؛ كدخول المسجد، ودخول المنزل والخروج منه، ورمي الجمرات، وركوب السيارات.. لا، ركوب السيارات بمكان؟ طيب. أما المقيد بحال من الأحوال فهو أيضًا كثير؛ عند الهم والحزن وعند الأكل والشرب، وما أشبه ذلك. * طالب: صلاة (...)؟ * الشيخ: صلاة أيش؟ * الطالب: (...). * الشيخ: الاستسقاء يعني، إي نعم. * الطالب: ركوب (...) الآن.. * الشيخ: والله الركوب الإخوان يقولون: مقيد بمكان. على كل حال: إن الذكر إما مطلق وإما مقيد، والله عز وجل شرع لعباده ذلك من أجل أن يكونوا دائمًا على ذكر الله عز وجل، حتى عند لبس الثوب، عند الأكل والشرب والفراغ منهما. ﴿الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ ﴿أَعَدَّ﴾ فعل ماض، ولفظ الجلالة فاعل والجملة من الفعل والفاعل خبر (إن)، واسم (إن) ما هو؟ ﴿الْمُسْلِمِينَ﴾ وما عطف عليه. وقوله: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ﴾ أي: لهؤلاء، والميم علامة جمع الذكور، وفيه دلالة واضحة على تفضيل الرجال على النساء. لم يقل الله عز وجل: أعد الله لهم ولهن، ولم يقل: أعد الله لهن، وإنما قال: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ﴾. وقوله: ﴿أَعَدَّ﴾ بمعنى: هيأ لهم. وقوله: ﴿مَغْفِرَةً﴾ المغفرة مأخوذة من الغَفْر وهو الستر مع الوقاية؛ لأن أصلها من الْمِغْفَر الذي يوضع على الرأس لاتقاء السهام. والمغفر الذي يوضع على الرأس لاتقاء السهام يحصل به؟ * طالب: (...). * الشيخ: ويش بعد؟ المغفر يوضع على الرأس يحصل به الستر والوقاية. كذا؟ إذن المغفرة نقول: هي ستر الذنوب والتجاوز عنها، ليست ستر الذنوب فقط، بل هي ستر مع التجاوز؛ ستر عن الخلق وتجاوز عن العقوبة؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح: «إِنَّ اللَّهَ يَخْلُو بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ يُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ»[[أخرج البخاري (٢٤٤١) ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢) واللفظ له بسندهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ «إن الله يُدْنِي المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي رب، حتى إذا قَرَّره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم» ]]. وقوله: ﴿وَأَجرًا عَظِيمًا﴾ بإعداد المغفرة يسلمون من الآثام وأوزارها وعواقبها ﴿وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ أي: ثوابًا ذا عظمة في نفسه، هذا الأجر العظيم هو دخول الجنة، وهو أجر لا يمكن أن يحيط به البشر؛ لأن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٤٤)، ومسلم (٢٨٢٤ / ٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، وفي القرآن الكريم يقول الله تعالى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة ١٧]، ويقول تعالى: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [ق ٣٥]، هذا الأجر العظيم الذي لا يقدر قدره إلا الله عز وجل يكون لهؤلاء المتصفين بهذه الصفات، وإذا كان الله تعالى قد بَيَّن هذه الصفات أو بين القائمين بهذه الصفات وبين ما أعد لهن من الأجر والثواب، فهل المراد بذلك مجرد إعلام الناس بهذا أو أن المراد شيء وراء ذلك؟ المراد شيء وراء ذلك؛ وهو أن يقوم الناس بهذه الصفات العظيمة حتى ينالوا ذلك الأجر العظيم والمغفرة. وقوله: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ كلمة ﴿مَغْفِرَةً﴾ نكرة، فهل نقول: إنها نُكِّرَت للتعظيم بدليل العطف عليها ﴿وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ أو ماذا؟ هو الظاهر أنها نُكِّرَت للتعظيم أي: مغفرة عظيمة كما أن لهم أجرًا عظيمًا. يقول: (مغفرة للمعاصي وأجرًا عظيمًا على الطاعات) جيد هذا؛ لأن المؤلف رحمه الله جعل المغفرة في مقابل المعاصي والأجر في مقابل الطاعات، ولكن هل لترك المعاصي أجر؟ يعني من ترك المعصية هل له أجر؟ إن قلتم: لا. أخطأتم، وإن قلتم: نعم. أخطأتم، نقول: تارك المعاصي له ثلاث حالات: إما أن يتركها عجزًا عنها مع فعل الأسباب الموصلة إليها، وإما أن يتركها؛ لأنها لم تطرأ له على بال، ما عملها لأنها ما طرأت على باله، وإما أن يتركها مع كونها على باله لكن تركها لله عز وجل. أما الحال الأولى الذي ترك المعصية عجزًا عنها مع فعل الأسباب الموصلة إليها فهذا له حكم الفاعل؛ مثال ذلك: رجل أتى بالسلم ليصعد إلى البيت فيسرق لكن وهو جاي بيصعد سمع صوتًا ونظر وإلى حوله أناس فترك. ويش نقول؟ هذا له حكم الفاعل، لكن عند الله، أما في الدنيا ما نقطع يده، لكن عند الله له حكم الفاعل، ويش الدليل؟ قوله ﷺ: «إِذَا التَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ». قالوا يا رسول: هذا القاتل فما بال المقتول. كيف مقتول ويصير في النار؟! قال: «لِأَنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣١)، ومسلم (٢٨٨٨ / ١٤) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.]] حريصًا، وفاعل للسبب، ملتقٍ مع الآخر بالسيف، فحكم الرسول عليه الصلاة والسلام بالنار؛ لأنه كان حريصًا على قتل صاحبه. وأما من تركها لأنها لم تطرأ له على بال؛ مثل إنسان مثلًا لا سرق ولا زنى ولا شرب الخمر؛ لأن نفسه ما دعته إلى ذلك يومًا من الأيام فما الحكم؟ هذا ليس له شيء وليس عليه شيء؛ لأنه ما فعل إثمًا ولا تَقَرَّب إلى الله تعالى بنية فلا يكون له شيء ولا عليه شيء. والقسم الثالث: رجل هم بالمعصية وربما فعل أسبابها، ولكنه تركها لله عز وجل، عندما تذكر عظمة الله خشي الله عز وجل وخافه فهذا أيش حكمه؟ له أجر على الترك كما جاء في الحديث الصحيح: «مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى حَسَنَةً كَامِلَةً» قال: «لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَ ذَلِكَ مِنْ جَرَّائِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٤٩١)، ومسلم (١٣١ / ٢٠٧) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وزيادة «إنما تركها من جراي» فأخرجها مسلم (١٢٩ / ٢٠٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] أي: من أجلي، فإذا تركتها لله فإنك تؤجر على ذلك. لو أن الإنسان هَمَّ بالمعصية وفعل الأسباب لكن تركها لا لله ولا لعباد الله، هل يأثم أو ما يأثم؟ يعني: واحد هَمَّ بالسرقة وأتى بالسلم ولما أراد أن يصعد رجع إلى نفسه وقال: ليش تسرق، ما دام مغنيك الله وعندك مال وليس بحاجة إلى السرقة؟ ويش تبغي في السرقة؟ فتركها. * طالب: ليس عليه شيء (...). * الشيخ: هو ليس عليه السرقة ولا له أجر، لكن هل يأثم على فعل السبب؟ يأثم على فعل السبب هو الظاهر، وإن كان الغاية لم يصل إليها، لكن يقول: هذا السبب الذي فعلت ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة ٧، ٨]. * طالب: (...) رجع. * الشيخ: ما رجع، هو الآن الأسباب الأولى ما تركها لله، إنما تركها؛ لأنه نظر إلى أنه ليس بحاجة إلى السرقة فتركها. إحنا نقول: أما السرقة فلا تأثم وإن كنت قد نويتها بالأول؛ لأنك ما فعلتها، وأما فعل الأسباب فإن هذه الأسباب محرمة. * طالب: رجع وترك المعصية (...)؟ * الشيخ: إي نعم، هذا يكون تركها للناس لا لله، ما تقولون: هل يأثم ولَّا ما يأثم؟ * الطالب: (...). * الشيخ: هذا رجل ترك المعصية لشرفه يعني ترك الزنا مع تيسره؛ لأنه يقول: إنه رجل شريف، ما يحب أن يتلوث بهذه الأخلاق السافلة، أيش تقولون؟ * الطالب: (...). * الشيخ: إي ما يخالف، لكن السؤال: هل يؤجر أو لا يؤجر؟ * طلبة: ما يؤجر. * الشيخ: أما على ترك الزنا فالظاهر أنه لا يؤجر؛ لأنه ما تركه لله، وأما على حماية شرفه فإنه يؤجر؛ لأن الإنسان ينبغي له أن يدافع عن شرفه حتى أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قال: «هَذِهِ صَفِيَّةُ» على كل حال ما هو لدفع التهمة عن نفسه؛ لأنه هذا الشيء بعيد، لكن لئلا تقع التهمة في أولئك فيهلكوا؛ ولهذا قال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٠٣٨)، ومسلم (٢١٧٥ / ٢٤) من حديث صفية رضي الله عنها.]]. فالظاهر لي أن الإنسان الذي يترك الشيء محافظة على شرفه وعلى سمعته فإنه يؤجر على ذلك لأنه صان نفسه، وفي الحديث «رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا كَفَّ الْغِيبَةَ عَنْ نَفْسِهِ»[[ذكره العجلوني في كشف الخفا (١ / ٤٢٦) بلا عزو.]] ولا أدري عن صحته، لكن الإنسان مأمور بحماية شرفه بلا شك والزود عن نفسه وإزالة التهمة عنها، فإذا كانت هذه نيته فإنه يؤجر لكن لا يؤجر أجرَ مَنْ تَرَك الزنا لله؛ لأنه بينهما فرقًا عظيمًا. * الطالب: بالنسبة (...)؟ * الشيخ: الحياء من الإيمان، إي، لكن ما يثاب كثواب من ترك الزنا لله. (...) * فوائد الآية الكريمة: التفصيل في ذكر الرجال و النساء؛ لقوله: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ [الأحزاب ٣٥] إلى آخره، التفصيل في ذكر الرجال والنساء، أو لا؟ وهذا وإن كان موجودًا في القرآن، لكنه قليل. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإسلام غير الإيمان، من أين يؤخذ؟ ﴿الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ﴾ والعطف يقتضي المغايرة، وقد اختلف الناس هل الإسلام هو الإيمان أو غيره؟ والصواب في ذلك التفصيل؛ فإذا أُطْلِق الإسلام دخل فيه الإيمان، وإذا أُطلق الإيمان دخل فيه الإسلام، يعني أطلق: بمعنى ذكر مفردًا، فقوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمران ١٩] يدخل فيه الإيمان لا شك، وقوله: (والله يحب المؤمنين) يدخل فيه الإسلام لا شك في هذا، وأما إذا ذُكِرَا جميعًا فإنهما يختلفان؛ ولهذا سأل جبريل النبي ﷺ عن الإسلام فذكر له أشياء، وسأله عن الإيمان فذكر له أشياء تخالف الأولى، إذا ذكرا جميعًا صار الإيمان في القلب والإسلام علانية في الجوارح. ثالثا: أيهما أكمل؟ الإيمان أكمل لقول الله تعالى: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات ١٤] هذا من القرآن. ومن السنة أن رجلًا أثنى عند النبي ﷺ على رجل فقال: إنه مؤمن. فقال النبي ﷺ «أَوْ مُسْلِمٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٧)، ومسلم (١٥٠ / ٢٣٦) واللفظ له من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.]]. فدلَّ ذلك على أن الإسلام أضعف من الإيمان؛ لأن الرجل كان يثني عليه يمدحه فقال: إنه مؤمن فقال: «أَوْ مُسْلِمٌ».» أظنه كررها؛ وعلى هذا فنقول: إن الإيمان أعلى من الإسلام وهو مغاير له إذا ذُكِرَا جميعًا. * الطالب: (...)؟ * الشيخ: أيها؟ * الطالب: (...). * الشيخ: اللي معناه؟ لا، من قوله: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا﴾. * ومن فوائد الآية: فضيلة الإسلام والإيمان وكل ما ذكر بعد ذلك. فإن قال قائل: إن الفضل جاء بمن اتصفوا بهذه الصفات كلها. قلنا: لكن لما جاء هذا الفضل لها مركبة أو لها مجموعة دلَّ على أن كل واحد منها له فضل، وإلَّا لما كان لذكرها جميعًا فائدة. * ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة القنوت؛ لقوله: ﴿وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ﴾. * ومن فوائدها: أيضًا: فضيلة الصدق؛ لقوله: ﴿وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ﴾، وإذا كان الصدق فضيلة كان ضده وهو الكذب رذيلة، وهو كذلك؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٠٩٤)، ومسلم (٢٦٠٧ / ١٠٥) واللفظ له، من حديث ابن مسعود رضي الله عنهما.]]. فإن قلت: أفلا يجوز الكذب الأبيض؟ نقول: ليس في الكذب أبيض، كل الكذب أسود، وعند العوام الكذب الأبيض هو الذي لا يستلزم أكل المال، اكذب كما شئت لكن لا تأكل أموال الناس بالكذب، ولكن هذه خلاف تحذير النبي عليه الصلاة والسلام حين قال: «إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ». هل رُخِّصَ في شيء من الكذب؟ * طالب: إي نعم. * الشيخ: ما هو؟ * الطالب: الإصلاح بين الناس. * الشيخ: الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل مع امرأته والمرأة مع زوجها. لكن بعض أهل العلم يقول: لم يُرخص في شيء من الكذب إطلاقًا وقال: إن المراد بالكذب في هذا الحديث التورية؛ فالتورية -كما تعرفون- كَذِبٌ من وجه صدق من وجه آخر فهي باعتبار نية القائل صدق وباعتبار ما فهمه المخاطب كذب، فيقولون: إن عمومات الحديث تدل على الكذب، ويجمع بينها وبين الحديث الذي في الاستثناء بأن هذا من باب التورية، وقالوا: إن الإصلاح بين الناس إذا بُني على الكذب فقد تكون النتيجة فيما بعد عكسية، إذا علم المتصالحان فيما بعد أن الأمر ليس على ما ذُكِرَ يمكن يزيد الشر وينتقض الصلح، وقالوا: أيضًا إن الكذب في الحرب ربما يُنْتِج نتيجة سيئة حيث يتبين للعدو أن الأمر ليس على ما قيل، مثل أن يقال له: إن عندنا جمعًا كثيرًا، وما أشبه ذلك بدون تورية، فهذا خطأ قالوا: وأيضًا حديث المرأة، حديث الرجل لزوجته وحديث المرأة لزوجها هذا أيضًا لو أجزنا الكذب صار مشاكل عظيمة، يجي الرجل يقول: أنا عندي مليون ريال، وعندي مئة سيارة وعندي ثلاثين فيلا، وما أشبه ذلك. (...) وما عنده إلا ثيابه ويش تكون النتيجة؟ طيبة ولَّا حسنة؟ تقول: أنت كذاب ولا تصلح زوجًا لي، وكذلك بالعكس المرأة تحدث زوجها أيش تطلعي السوق؟ تقول: ما عمري طلعت السوق، ولا أعرف السوق، ولا أعرف الرجال، فإذا الأمر بالعكس، فيه خطورة. ولهذا قال بعض أهل العلم: إن المراد بذلك التورية، والتورية لا تجوز إلا في حالين وهما: الحاجة أو المصلحة. على كل حال ظاهر الحديث الاستثناء أن هذا من الكذب الصريح وأنه لا بأس به، ولكن حتى على القول بأن الاستثناء يعود على الكذب الصريح دون التورية يجب أن يقال: هذا من المباح، والمباح إذا تضمن ضررًا كان حرامًا؛ لأن القاعدة عندنا كل المباحات يمكن أن تجري فيها الأحكام الخمسة، كل ما كان مباحًا فإن يمكن أن تجري الأحكام الخمسة؛ ولهذا ذهب بعض الأصوليين إلى أن ما في الشريعة شيء اسمه مباح؛ لأنه مستوي الطرفين، بل لا بد من تَرَجُّح، لكن جمهور العلماء على أن المباح ثابت في الشريعة. الحاصل ويش عليه؟ على أنه إذا كان الحديث صريحًا في جواز الكذب في هذه الأمور الثلاثة، فماذا نقول فيه؟ يجب أن يُقَيَّد بما إذا لم يتضمن ضررًا فإن تضمن ضررًا منع منه. * ويستفاد من الآية الكريمة: فضيلة الصبر؛ لقوله تعالى: ﴿وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ﴾ وقد سبق لنا بيان أقسام الصبر. * ويستفاد من الآية الكريمة أيضًا: فضيلة الخشوع في العبادات؛ لقوله: ﴿وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ﴾ ولا سيما في الصلاة التي نص الله تعالى على الخشوع فيها فقال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون ١، ٢]. * ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة الصدقة؛ لقوله: ﴿وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ﴾ وهو شامل للواجب والمستحب. وهنا نسأل هل الواجب أفضل أم المستحب أفضل؟ الواجب أفضل بالنص والنظر؛ أي: بدلالة الأثر والنظر كيف ذلك؟ أما الأثر فقد قال الله عز وجل في الحديث القدسي: «مَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ»[[أخرجه البخاري (٦٥٠٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] وهذا صريح، وأما النظر فنقول: لولا أن الواجب أحب إلى الله ما فرضه الله على العباد، لجعله تطوعًا، لك الخيار فيه، فإيجاب الله له دليل على محبته له. * طالب: شيخ، (...). * الشيخ: * ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة الصوم؛ لقوله: ﴿وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ﴾ فرضِه ونَفْلِه، وأفضل النفل في الصوم، ما هو؟ صوم يوم وفطر يوم وهو صيام داود عليه الصلاة والسلام. * ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة حفظ الفرج؛ لقوله: ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ﴾، ويُستثنى من ذلك حفظ الفرج عن الزوجة وما ملكت اليمين فإن الإنسان لا يُلام عليه. * ويستفاد من هذه الآية الكريمة: أنه ينبغي اتخاذ الوسائل التي يكون بها حفظ الفرج؛ لأن الثناء على شيء ثناء عليه وعلى وسائله، فكل ما يَحصُل به حفظ الفرج فإنه مطلوب ومشروع؛ ولهذا حَرُم النظر إلى الأجنبية، وحَرُم التلذذ بمخاطبتها والاستماع إلى صوتها، وحَرُم أيضًا مصافحة المرأة الأجنبية، وحَرُمت الخلوة بها، وحرم سفرها بلا محرم، وما أشبه ذلك مما يكون سببًا في حفظ الفروج. إذا كان الله تعالى أثنى على الحافظين فروجهم فإن الوسائل التي تؤدي إلى حفظ الفرج من الأمور المطلوبة. * ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة كثرة ذكر الله؛ لقول الله تعالى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ وجدير بالمرء أن يكون دائمًا ذاكرًا لربه عز وجل؛ لأنه ما من نعمة هو فيها إلا وهي من الله، فإذا كان الله قد أدام عليك النعم، وأفرغ عليك النعم فلماذا لا تديم ذكره؟ حقيقة الأمر أن الإنسان لو فكر لوجد أنه لو يستوعب ليله ونهاره في ذكر الله ما كفى؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «سُبْحَانَكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ»[[أخرجه مسلم (٤٨٦ / ٢٢٢) من حديث عائشة رضي الله عنها.]] فالإنسان ما يمكن أن يُحْصِي الثناء على الله أبدًا مهما كان. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل أعد لهؤلاء المتصفين بهذه الصفات أعد لهم المغفرة للذنوب والأجر العظيم على الطاعات؛ ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾. كم الأوصاف اللي ذُكِرَت؟ عشرة؛ المسلمين والمؤمنين والقانتين والصادقين والصابرين والخاشعين والمتصدقين والصائمين والحافظين فروجهم والذاكرين الله كثيرا، عشرة مع المعطوف عليها تكون عشرين، هذه العشرون كفى عنها ضمير واحد وهو قوله: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ﴾، لو جاء يعدد هؤلاء كان يقول: أعد الله للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، ولكن هذا من فوائد الضمائر الاختصار؛ أنها تختصر الكلام الكثير بضمير واحد. * ومن فوائد الآية الكريمة: تفضيل الرجال على النساء؛ لأنه قَدَّم في الذِّكْر الرجال ولَّا لا؟ ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ﴾ إلى قوله: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾. * ومن فوائدها: أيضًا: التغليب في جانب المذكر؛ لقوله: ﴿لَهُمْ﴾ ولم يقل: لهم ولهن. * ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي عند ذكر الرجال والنساء أن يُقَدَّم الرجال كما في هذه الآية وغيرها من الآيات، وأما من تَغَرَّبوا فصاروا يقدمون النساء على الرجال فأولئك ولَّاهم الله ما تولوا من مشابهة الكفار وقلب الفطرة وانتكاس الحال أن يقدموا النساء على الرجال عندما يقول مثلًا: سيداته وساداته، سيداته يقدم النساء على الرجال، بل العجب من ذلك أنهم يسمون النساء سيدات، يقول: السيدة الفلانة، والرجل ما عمره قال: السيد فلان، من أين أخذ ذلك؟ إي نعم، من الغرب والكفار؛ لأن الرجل في الحقيقة هو السيد على المرأة؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾ [يوسف ٢٥]، أما المرأة ما هي سيدة على الرجل أبدًا، لكن هؤلاء -كما قلت- قَلَبَ الله فطرتهم بسبب أنهم تابعوا أعداء الله عز وجل وكثير من المسلمين مع الأسف الآن ما يحسون بهذه المسائل ولا يرونه شيئًا، ماشين مع العالم، حتى الألفاظ التي قد تكون محرمة يمشون فيها. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن عطاء الله تعالى أو أن جزاء الله أعظم من عمل المرء؛ لأن هذا الأعمال التي ذكرها الله عز وجل جعل الثواب عليها أمرين؛ مغفرة الذنوب والأجر العظيم، وهذا الأجر العظيم المبهم هنا قد بُيِّنَ في نصوص من الكتاب والسنة ما هي؟ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وهذا مما يدل على فضل الله سبحانه وتعالى. ومن العجب أن فضل الله عليك في الثواب كفضله عليك بالعمل؛ فإن فضل الله على الإنسان بالعمل فضل لا يعدله شيء؛ ولهذا جعل الله ذلك من إتمام النعمة فقال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة ٣]، وجعل ذلك من منته؛ حيث قال: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا﴾ [آل عمران ١٦٤] وقال: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ﴾ [الحجرات ١٧]، شوف الآن، انظر إلى أن الله هو الذي مَنَّ عليك بالعمل، ثم مَنَّ عليك بالثواب، ثم قال: ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ﴾ [الرحمن ٦٠] مع أنه هو الذي أحسن إليك، أليس كذلك؟ وإحسان الله عليك بالعمل مسبوق بإحسانه عليك بشيء آخر؛ الهداية، العلم؛ لأنه لا عمل إلا بعلم فيكون عمل الإنسان مسبوق بالعلم، بنعمة الله عليه بالعلم، ثم بنعمة الله عليه بالتوفيق وملحوق بنعمة الله عليه بالقبول والجزاء، فتأمل مثل هذه الأمور حتى يتضح لك فضل الله عليك. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الجنة موجودة الآن؟ منين نأخذها؟ من قوله: ﴿أَعَدَّ﴾؛ لأن الإعداد بمعنى التهيئة، و(أعد) فعل ماض فيكون لازم ذلك أن تكون الجنة موجودة، وهذا أمر معلوم عند أهل السنة والجماعة ومدعوم بنصوص الكتاب والسنة أن الجنة والنار موجودتان الآن. * * * * طالب: شيخ، قلنا: هذه الصفات العشرة. * الشيخ: كيف؟ يعني كل المتصفين بهذا ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ﴾. * الطالب: يعني كل فرد منهم ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ﴾؟ * الشيخ: كل فرد منهم، لا، ما فيه شك أن فيه تفاضلًا، وكل يعطى بحسبه؛ يعني إذا أعد الله للجميع مثلًا الذين يتصفون بهذه الصفات العشرة كلها أكمل ممن يتصف ببعضها. * طالب: قلنا: الإسلام والإيمان إذا اجتمعا هنا يستلزم (...) على قولنا أن المسلمين إذا عملوا بالأشياء الظاهرة أعده الله لهم.. * الشيخ: إذا لم يكن عندهم إيمان ما صاروا مسلمين حقًا. * الطالب: (...) مسمى الاسلام؟ * الشيخ: ظاهرًا فقط، لكن في ثواب الآخرة ما يدخلون في هذا؛ لأن الآخرة الجزاء فيها على ما في القلوب كما قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ [الطارق ٩] فنقول: هؤلاء وإن كانوا في الدنيا مسلمين ويعاملون معاملة المسلمين لكن في ثواب الآخرة إذا لم يكن إسلامهم مبنيًّا على الإيمان فلا ينفعهم. * الطالب: ويش الفائدة من ذكر الإسلام؟ * الشيخ: لأن المؤمن قد يكون عنده شيء من التفريط في العمل الظاهر. * الطالب: يكون مسلمًا. * الشيخ: يكون عنده إيمان لكن عنده تفريط في الأعمال الظاهرة. فإذ قيل: مسلِم مؤمن فإذا قيل مسلم مؤمن صار معناه أنه كامل من هذا ومن هذا. * طالب: (...). * الشيخ: نشهد بظاهر الحال، وقد نقول: أن الأولى ألا نشهد أيضًا؛ لأن الرسول ﷺ لما شهد الرجل لهذا أنه مؤمن قال: «أَوْ مُسْلِمٌ»، فقد نقول أن نشهد لهذا بظاهر حاله أنه مؤمن، والمسألة هذه فيها صعوبة جدًّا؛ لأنك إذا شهدت له بالإيمان لزم أن تشهد له بالجنة، ولكن نقول: هذا الرجل اللي يعمل عمل المؤمن نقول: هو في ظاهر حاله مؤمن، والله أعلم بما عنده. * الطالب: (...) «فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ»؟ * الشيخ: الحديث ضعيف؛ «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ»[[أخرجه الترمذي (٢٦١٧) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.]] هذا ضعيف، ثم لو صح فالمراد بظاهر الحال. * الطالب: هل يلزم يا شيخنا في الإيمان أن يكون في الجنة؛ مطلق الإيمان؟ * الشيخ: إي نعم، مطلق الإيمان يستوجب أن يكون في الجنة ولو مآلًا، يعني قد يُعذب بذنوبه ثم يدخل الجنة، كل من في قلبه أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فإنه من أهل الجنة. * الطالب: ما يدرى عن (...)؟ * الشيخ: ما ندري عنه، الله أعلم. * الطالب: لا يشهد له بالجنة؟ ما يُدْرى عنه؟ * الشيخ: إي نعم، لكن في الحال التي هو عليها الآن يستلزم، مثلًا إذا قلنا: هذا الرجل مات على الإيمان استلزم أن نشهد له بالجنة ولكننا (...)؛ لأن ما لنا إلا الظاهر؛ ولهذا نأتي بالميت ونصلي عليه. * الطالب: (...)؟ * الشيخ: ما يخالف ولا ما لنا شيء من هذا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب