الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿﴿وَقِرْنَ﴾ ﴾ بالكسر، ولهذا قال: (بكسر القاف وفتحها)، وهو من القرار؛ وهو البقاء مع السكون والاستقرار، وهو أبلغ من قوله: وابقين في بيوتكن؛ لأن القرار بقاء وزيادة مع سكون، ولهذا قال: (﴿﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ ﴾ من القرار، وأصله: اقرِرْن، بكسر الراء وفتحها -اقرِرن واقرَرْن- من قَرَرْت، بفتح الراء وكسرها -قرَرت وقرِرت- نُقِلَت حركة الراء إلى القاف، وحُذِفَت مع همزة الوصل).
أصل ﴿قَرْنَ﴾ اقرَرن أو اقرِرن، فما الذي حدث؟ نُقِلَت فتحة الراء إلى القاف الساكنة، فماذا؟ لَمَّا نُقِلَت حركتها إلى القاف الساكنة صارت هي ساكنة، وصارت القاف مفتوحة أو مكسورة، ثم حُذِفَت همزة الوصل، فصارت ﴿وَقَرْنَ﴾.
﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ ﴿بُيُوتِكُنَّ﴾ هنا الإضافة يحتمل أنها للتمليك، وأن بيوت زوجات رسول الله ﷺ ملك لهن.
ويحتمل أنها للاختصاص، وأن البيوت ملك لرسول الله ﷺ، وأيهما أقرب؟ الأقرب أنه للتمليك، بدليل أن النبي ﷺ لما تُوُفِّيَ بقيت هذه البيوت لِمَن؟ لزوجاته، ولو كانت البيوت لرسول الله ﷺ لم تُورَث من بعده؛ لأن الأنبياء لا يورثون، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةً، عَلِّمُوني إذا أخطأت في اللفظ: «إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٧٢٧)، ومسلم (١٧٥٨ / ١٥) من حديث عائشة رضي الله عنها.]]، «صَدَقَةٌ»، نعم؛ لأنه يفسد المعنى، الرافضة يقولون: إن لفظ الحديث: (إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةً)، ليش؟ لأجل أن يقولوا: إن الذي تركوه غيرَ صدقة يُورَث، وأن أبا بكر وعمر وبقية الصحابة ظلموا ورثة النبي ﷺ حيث لم يورثوهم، لكن أهل السنة والجماعة يقولون: كذبتم أيها الرافضة، بل إن لفظ الحديث: «إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ»، انتهت في الجملة الأولى، ثم قال مُبَيِّنًا ماذا يكون مآل المال بعده، قال: «مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»، أي: الذي تركناه صدقة.
والمعنى الذي ذهبت إليه الرافضة باطل؛ لأن ما تُرِكَ صدقةً لا يورث حتى في غير الأنبياء، أليس كذلك؟ يعني: ما تركه الإنسان صدقة بعد موته لا يرثه ورثته، حتى لو كان غير نبي، فهم مُحَرِّفُون للحديث لفظًا ومعنى.
* طالب: (...).
* الشيخ: يقولون: إننا لا نورَث الذي تركناه صدقةً، يعني: لا يورث الذي تركناه صدقة، يعني معناه -مثلًا- إذا وَقَّفْنَا شيئًا -مثلًا- وجعلناه في سبيل الله فإننا لا نُورَث هذا الشيء، إنما نورَث الأملاك الأخرى، وهل هذا هو خاصّ بالرسل؟ لا، ليس خاصًّا بهم، إذن نقول: قوله: ﴿فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ الأقرب أن الإضافة للتمليك.
(﴿﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ﴾ ﴾ بترك إحدى التاءين من أصله)، ﴿تَبَرَّجْنَ﴾ هل هي فعل مضارع ولَّا فعل ماضٍ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: أيش الدليل؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: الدليل (لا) الناهية، نعم (لا) الناهية لا تدخل إلا على المضارع، وإلا فإن كلمة تبرج والنساء تبرجن هذا فعل ماضٍ، لكن في الآية ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ﴾ هذا فعل مضارع، يقول المؤلف: (بترك إحدى التاءين)، وأصلها (تتبرجن) هذا أصلها، وَلَا تَتبَرَّجْنَ، حَذْف إحدى التاءين في المضارع كثير في القرآن، ومنه قوله تعالى: ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى﴾ [الليل ١٤]، أي: تتلظى.
إذن ﴿لَا تَبَرَّجْنَ﴾ فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل جزم بـ(لا) الناهية.
﴿لَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ (أي: ما قبل الإسلام).
﴿لَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾، التبرج في الأصل مأخوذ من التعالي والترفُّع، ومنه: البُرْج؛ الحصن المنيع الرفيع، كما قال تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء ٧٨]، وكما في قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا﴾ [الفرقان ٦١]، أي: جعل فيها كُتَلًا عظيمة من النجوم كالبروج المشيدة.
يقول: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ﴾ أي: تتعالين وتترفعن باللباس وغيره، وقوله: ﴿تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾، هذا مصدر مُبَيِّن للنوع بالإضافة إلى الجاهلية، قال: ﴿تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾، ومعلوم أن المصدر يكون لبيان العدد، وبيان النوع، والتوكيد، وغير ذلك مما ذكره أهل العلم بالنحو.
﴿تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ أضافه إلى الجاهلية لأنه مبني على الجهل والسفه؛ لأن المرأة إذا تبرَّجَت فإن ذلك يعتبر جهلًا منها وسفهًا، ولهذا أُضِيفَ إلى ﴿الْجَاهِلِيَّةِ﴾، ثم أضيف إلى ﴿الْأُولَى﴾، وهل المراد الأولى زمنًا، أو الأولى مرتبة، أو كلاهما؟ يعني: هل معنى ﴿الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ يعني: معناها الأعظم جهلًا من نوعها، كما يقال: هذا هو الأول في الجهل، هذا هو الأول في السفه، هذا هو الأول في الإسلام، هذا هو الأول في الإصلاح، وما أشبه ذلك، أو المراد بـ﴿الْأُولَى﴾ الأولى من حيث الزمن، أو كلاهما؟ كلاهما في الواقع؛ فهي جاهلية من الطراز الأول من الجهل، وهي جاهلية أولى لأنها سبقت الإسلام، ولا يعني بذلك أنها الجاهلية المباشرة للإسلام؛ لأن الجاهلية المباشرة للإسلام امتداد لجاهلية سبقت منذ زمن بعيد، فالجاهلية الأولى استمرت إلى أن محاها الإسلام بالعلم والتقوى والحمد لله، ولهذا قال: ﴿تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾.
والمراد بالإضافة هنا -كما قلت قبل قليل- بيان النوع، وما أقبح نوعًا يكون جهلًا، وعلى هذا فالمراد به التقبيح، تقبيح هذا التبرج، وأنه تبرُّج مبني على الجهل والسفه، والبُعْد عن الإيمان والعلم والرشد.
(﴿﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ ﴾ أي: ما قبل الإسلام من إظهار النساء محاسنهن للرجال).
في الجاهلية تتبرج المرأة، وتخرج بأحسن ما يكون عندها من اللباس والحلي، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور ٣١]، فبالتبرج يكون بنوع اللباس، ويكون بالطِّيب، ويكون بتحسين البدن بالحناء والتحمير، وتسويد العين بالكحل، وما يسمى عندنا في الوقت الحاضر بالمكياج، وما يسمى بِمنكر المناكير، وعلى هذا فَقِس، كل هذا من التبرج الذي يعتبر من تَبَرج الجاهلية الأولى.
ولهذا يقول: (من إظهار النساء محاسنهن للرجال، والإظهار بعد الإسلام مذكور في آية ﴿﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ ﴾ [النور: ٣١])، رحم الله المؤلف فإن هذا ليس بصواب منه، ما في الإسلام إظهار للزينة أبدًا إلا في نوعين:
النوع الأول: الإظهار العام لكل أحد.
والنوع الثاني: الإظهار الخاص للبعولة والمحارم.
الإظهار العام ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ المراد بـ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ ما جرت العادة بأنه لا بد من ظهوره، كالجلباب والعباءة، وما أشبه ذلك، كما فَسَّرَه بذلك ابن مسعود رضي الله عنه، فعلى هذا يكون الاستثناء في قوله: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ استثناءً منقطعًا ليس متصلًا؛ لأن ما ظهر ليس من الزينة في الواقع، فما ظهر وما جرت العادة بظهوره ولا بد منه هذا أمر ليس من الزينة، حتى لو سُمِّيَ زينة ولباسًا فإنه لا بد من ظهوره، أما الزينة الأخرى التي خصها الله بقوم معينين فقال: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ﴾ [النور ٣١]، وهذه هي الزينة الباطنة كالثياب التي تكون داخل الجلباب والعباءة، وما أشبه ذلك، لا يبدينه إلا لبعولتهن أو آبائهن، إلى آخره، والحاصل أن التبرج ما أَذِنَ الله فيه أبدًا، التبرج النهي عنه عامّ.
* طالب: (...).
* الشيخ: نعم، التزين للزوج هذا أمر مطلوب، يعني المرأة أن تتجمل لزوجها لما في ذلك من تأكيد الحكمة التي من أجلها شُرِعَ الزواج، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم ٢١]، ولا شك أن المرأة إذا تجمَّلت لزوجها بأنواع الجمال فإن ذلك مما يوجب سكونه إليها ومودته لها، فيكون هذا من باب تأكيد الحكمة التي من أجلها شُرِعَ الزواج، ولهذا تُؤمَر المرأة بأن تتجمل لزوجها كما أن الزوج أيضًا، كما قال بعض السلف: «إن من حقها عليّ أن أتجمل لها كما أن من حقي عليها أن تتجمل لي»[[أخرج ابن أبي شيبة (١٩٢٦٣) بسنده عن ابن عباس قال: إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، وما أحب أن أستنظف جميع حقي عليها؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [البقرة: ٢٢٨].]].
أما أن يأتي الزوج لزوجته كلابس الخيشة وما أشبه ذلك، ويريد منها أن تلائمه، ويقول: ليش ما تتجملي لي وهو يلبس أردأ اللباس، هذا من غير العدل، الإنسان يجب عليه أن يراعي العدل في كل معاملاته.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، الخشونة في مواضع إذا رَكِبَ الخيل فليكن خشنًا وليلبس الْخَيْش (...)، لكن مع المرأة لا، لكل مقام مقال.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما راح إلا ثلث (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، معنى الحديث.
﴿وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ﴾: إيتينَ بها مستقيمة، وذلك بفِعْل شروطها وأركانها وواجباتها، ويش بعد؟ ومستحباتها، لكن الإتيان بالثلاثة الأولى على سبيل الوجوب، وبالرابع على سبيل الكمال والاستحباب.
وقوله: ﴿أَقِمْنَ الصَّلاةَ﴾ يشمل الفريضة والنافلة، ﴿وَآتِينَ الزَّكَاةَ﴾ أي: أَعْطِينَها، والزكاة في اللغة النَّمَاء والزيادة، وفي الشرع: مال مُقَدَّر مخصوص في مال مخصوص، يعني: جزء من أموال مخصوصة يُدْفَع لمستحقيه.
وقوله: ﴿آتِينَ الزَّكَاةَ﴾، ﴿آتِينَ﴾ تنصب مفعولين؛ لأنها من باب (كسا، وأعطى)، فالمفعول الأول ﴿الزَّكَاةَ﴾، والمفعول الثاني محذوف، أي: مستحِقَّهَا، آتين الزكاة مستحقها؛ لأن إيتاء الزكاة لغير أهلها لا ينفع، كما لو صلى الإنسان في غير الوقت.
وقوله: ﴿آتِينَ الزَّكَاةَ﴾ بعد الأمر بإقامة الصلاة فيه دليل على تأكد الزكاة، وهل يلزم منه أن أمهات المؤمنين عندهن مال يزكينه؟ ما يلزم؟ إذا قلنا: لا يلزم، صار توجيه الخطاب إليهن بإيتاء الزكاة من باب اللفظ؛ لأنهن سيقلن: ما عندنا مال، أو يقال: أُمِرْنَا بايتاء الزكاة إما التزامًا وإما إعطاء بالفعل؛ التزامًا إذا لم يكن عندهن شيء، وإعطاء بالفعل إذا كان عندهن شيء، ولا شك أن عندهن ما تجب الزكاة فيه، أو عند بعضهن من الحلي، كما في حديث «أم سلمة أنها كانت تلبس أوضاحًا من ذهب، فقالت: يا رسول الله، أكَنْزٌ هو؟ قال: «إِذَا أَدَّيْتِ زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ»[[أخرج أبو داود (١٥٦٤) عن أم سلمة، قالت: كنت ألبس أوضاحًا من ذهب، فقلت: يا رسول الله، أكنز هو؟ فقال: «ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكي فليس بكنز».]]، فهن عندهن ما يزكين به، قد لا يكون دراهم ودنانير، ولكن من الحلي.
﴿وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾، ﴿أَطِعْنَ اللهَ﴾ الطاعة قال العلماء: هي موافَقَة الأمر، هذه الطاعة، يعني عدم المعصية، توافق أَمْرَ الْمُطاع إن كان مطلوبًا بالفعل، وإن كان منهيًّا عنه بماذا؟ بالترك.
وقوله: ﴿وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ عَطَف طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام على طاعة الله بالواو؛ لأن طاعة الرسول من طاعة الله، كما قال الله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء ٨٠]، وقد سبق لنا مرارًا وتكرارًا أن المسائل الشرعية تجوز أن يُقْرَن فيها بين الله وبين الرسول ﷺ؛ لأن ما جاء به النبي ﷺ من المسائل الشرعية هو مما أمر الله به.
وقوله: ﴿وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ هل المراد هنا طاعة التعبد، أو المراد بها عدم المخالفة؟ أما بالنسبة لطاعة الله فهي طاعة التعبد والتذلُّل، ورجاء الثواب، والخوف من العقاب، وأما طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام فإنها طاعة بمعنى موافقة الأمر، سواء كان فيما يأمر به من الشرع، أو فيما يأمر به من حوائجه الخاصة، فإن الرسول ﷺ يوجه الأمر إلى أهله إما على سبيل العبادة مما أمره الله به، وإما على سبيل الأمور الخاصة المتعلِّقة به عليه الصلاة والسلام.
(﴿﴿وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾ ﴾ الإثم يا ﴿﴿أَهْلَ الْبَيْتِ)، أي نساء النبي ﷺ ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ﴾ ﴾ منه ﴿﴿تَطْهِيرًا﴾ ﴾).
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ﴾، ﴿إِنَّمَا﴾ هذه أداة حصر، والحصر يقول العلماء: معناه إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه، والْحَصْر هنا إضافي أو حقيقي؟ إضافي، حقيقي، أو إضافي حقيقي، أو لا إضافي ولا حقيقي؟ القسمة أربعة: إما إضافي، وإما حقيقي، وإما هما، وإما غيرهما.
* طالب: (...).
* الشيخ: إضافي، لماذا؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لأن الله يريد هذا وغيره، الإضافي هو الذي لا يكون محصورًا بحسب الواقع في هذا الشيء، والحقيقي هو الذي يكون محصورًا في هذا الشيء بحسب الواقع، فإذا قلت: لا طالب يلتفت إلا خالدٌ، أيش يصير؟ حقيقي ولَّا إضافي؟ نشوف؛ إن كان ما فيه غيره فهو حقيقي، وإن كان أحد يلتفت غيره فهو إضافي.
* طالب: (...).
* الشيخ: فائدة الإضافي كأن هذا الرجل لكثرة -مثلًا- التفاته لا يلتفت أحد سواه، كما لو قلت: لا شجاعَ إلا خالدٌ، أي خالد بن الوليد، لا شجاع إلا خالد، أيش تقولون؟ حقيقي ولَّا إضافي؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، ما هو حقيقي؛ لأن فيه شجعانًا كثيرين غير خالد بن الوليد، لا خاتم للأنبياء سوى محمد ﷺ، هذا حقيقي؛ لأن ما فيه خاتم للأنبياء إلا محمد رسول الله، واضح؟
هنا ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾ هل الله عز وجل لا يريد بآل البيت إلا ذلك؟
الجواب: لا، يريد الله أن يُذْهِب عنهم الرجس ويطهرهم، وأن يُنْعِم عليهم، وأن يغدق عليهم الفضل، إلى آخره.
وقوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾ الإرادة هنا شرعية ولَّا كونية؟ الإرادة كونية، وهذه هي الفائدة من اختصاص أهل البيت بذلك، أما إرادة عدم الرجس فهي لكل أحد من الناحية الشرعية، والإرادة -كما سبق لنا- نوعان: إرادة شرعية، وكونية، وهل هما متلازمان؟ لا، قد توجد إحداهما بدون الأخرى، وقد تجتمعان، فما هو الفرق بينهما حتى نعرف اجتماعهما وافتراقهما؟
أولًا: الإرادة الكونية تتعلق فيما يحبه الله وفيما لا يحب، هذا واحد، والإرادة الشرعية تتعلق فيما يحبه الله فقط، فإذا قلت: ﴿يُرِيدُ﴾ أي: شرعًا، فمعناها يحب.
ثانيًا: الإرادة الكونية يلزم فيها وقوع المراد، والإرادة الشرعية لا يلزم فيها وقوع المراد.
إذن الفرق من وجهين، ننظر الآن قد تجتمع الإرادتان في شيء، وقد تنتفيان جميعًا، وقد توجد إحداهما دون الأخرى.
فإذا سألنا الأخ: ما تقول في إيمان أبي بكر، أهو مراد لله شرعًا أم كونًا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: كونًا وشرعًا؟ كونًا لأنه وقع، وشرعًا لأن الله يحبه، إذن اجتمعت الإرادتان، ما تقول في إيمان أبي لهب؟
* طالب: (...).
* الشيخ: غير مراد، لا كونًا ولا شرعًا؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: غير مراد كونًا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ومراد شرعًا؟ أيش تقولون؟ صحيح، إي نعم مراد شرعًا، الله يريد منه أن يسلم.
ما تقول في كفر أبي بكر؟
* طالب: (...).
* الشيخ: غير مراد كونًا ولا شرعًا، صح، غير مراد كونًا؛ لأنه لم يقع، ولا شرعًا؛ لأن الله لا يحبه.
وما يقول الأخ في كفر أبي لهب؟
* طالب: (...).
* الشيخ: مراد كونًا لا شرعًا؛ لأن الله لا يحبه، صح؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، ما أراده الله، ولهذا آمن.
* الطالب: (...).
* الشيخ: معلوم، الكفر مراد لله كونًا، أيّ إنسان يكفر فقد أراد الله كفره كونًا.
نريد أمثلة من القرآن، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة ١٨٥]، الأخ، من أي الإرادتين هذه الآية؟
* طالب: (...).
* الشيخ: الكونية الشرعية؟ هل الإنسان ما أصابهم العسر؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: تراجعت عن الكونية؟ كونية شرعية، ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة ١٨٥]، تقول: الإرادة هذه كونية؟
* طالب: (...).
* الشيخ: كونية شرعية، كذا؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: شرعية، أيش الدليل؟ لأن الله تعالى قد يُعَسِّر على الإنسان، كذا؟ ولو كانت إرادة كونية لكان في الواقع تكذيب للآية، إذن ﴿يُرِيدُ﴾ هنا بمعنى يحب، يحب الله بكم اليسر ولا يحب العسر، وأما كونًا فإن الله تعالى يريد بنا العسر، قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح ٥].
قال الله تبارك وتعالى عن هود: ﴿وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ [هود ٣٤].
* طالب: (...).
* الشيخ: صح؟ ﴿إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ هذه إرادة كونية، أو لا؟ لأن الله لا يريد من خلقه الإغواء.
الدليل أنه ما يريد الإغواء قوله تعالى: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء ١٧٦]، ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء ٢٦]، ما هو هود؟ نوح؟ إذن قول نوح عليه الصلاة والسلام لقومه، بارك الله فيك.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾، اللام هنا فيها إشكال، يريد لكذا، فإن المعروف أن (أراد) تتعدى بنفسها، وهنا تَعَدَّت بماذا؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا تعرف؟ لكنك عندك اليوم فيه تخبيط، اللام هنا جاءت في مفعول ﴿يُرِيدُ﴾، والمعروف أن (يريد) تتعدى بنفسها ولَّا باللام؟ تقول: أردت كذا، ولَّا أردت لكذا؟ أردت كذا، إذن فاللام هنا زائدة، من حيث الإعراب زائدة، والتقدير: إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس، فاللام يقول النحويون: إنها زائدة.
وقوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾، يقول المؤلف: (الإثم)، والصواب أن الرجس هو النجاسة؛ لأن الرجس في الأصل النجس، سواء كانت نجاسة معنوية، أو نجاسة حسية، فمن الرجس بمعنى النجاسة الحسية قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام ١٤٥]، قال: ﴿فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ هذا حسي ولَّا معنوي؟ هذا حسي.
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ [المائدة ٩٠]، هذا رجس معنوي، هنا ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾ أيّ النوعين؛ الحسي ولَّا المعنوي؟ المعنوي طبعًا؛ لأن الرجس الحسي ما أراد الله أن يُذْهِبَه عنهم، بل هو موجود فيهم، هم يبولون ويتغوَّطون، وبولهم نجس وغائطهم نجس، أليس كذلك؟ إذن فالمراد بالرجس الذي أراد الله أن يُذْهِبَه عن أهل البيت هو الرجس المعنوي، وهو السافل من الأخلاق والأعمال، هذا الرجس، قال الله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ﴾ [الحج ٣٠]، الرجس هنا أيش معنوي ولَّا حسي؟ معنوي، ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ﴾، فكل خُلُق أو عمل سافل فإنه من الرجس.
وقوله: ﴿أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ أفادنا المؤلف بقوله: (يا أهل البيت) أن ﴿أَهْلَ﴾ منصوب على النداء، وحُذِفَ منه حرف (يا) النداء. وقوله: (يا أهل البيت)، مَن المراد بأهل البيت؟ لا شك أن المراد به نساء الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الآيات كلها في سياق مَن؟ في سياق النساء، نساء الرسول عليه الصلاة والسلام، ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٣٢) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (٣٣) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ [الأحزاب ٣٢ - ٣٤].
فلا شك أن المراد بذلك مَن؟ المراد بهم نساء الرسول عليه الصلاة والسلام، وهل ينافي ذلك ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من أنه «وضع الكساء على عَلِيّ وفاطمة والحسن والحسين وقال: «هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْبَيْتِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا»[[أخرج الترمذي (٣٢٠٥) بسنده عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي ﷺ قال: لما نزلت هذه الآية على النبي ﷺ ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: ٣٣] في بيت أم سلمة، فدعا فاطمة وحسنًا وحسينًا فجلَّلهم بكساء، وعلي خلف ظهره فجلَّله بكساء ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا». قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله، قال: «أنت على مكانك وأنت على خير».]]، هل ينافيه؟
نقول: لا ينافيه؛ لأن هؤلاء أهل البيت من حيث القرابة، وهؤلاء أهل البيت من حيث الزوجية، فكلهم أهل البيت بلا شك، لا آل علي، بل إن آل البيت أعمّ من هؤلاء الأربعة؛ لأن آل البيت تشمل كل مَن تَحْرُم عليهم الصدقة من بني هاشم، فدخل فيهم آل علي، وآل جعفر، وآل العباس، وآل الحارث بن عبد المطلب، وكل مَن كان من ذرية هاشم، الرسول ﷺ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، فكل مَن كان من آل هاشم فإنه من آل البيت لا تحل لهم الصدقة.
وعلى هذا فنقول: إن تفسيرنا لأهل البيت هنا بأنهن زوجات الرسول ﷺ الذي يعينه أيش؟ السياق، خلافًا للرافضة الذين أخرجوا الكلام عن سياقه، وجعلوا كلام الله عز وجل عِضِين مُتَفَرِّقًا، فقالوا: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾ يريد بهم آل البيت الأربعة فقط، وأما زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه لا يريد الله أن يُذْهِب عنهم الرجس، ولهذا يرمون عائشة بالفاحشة -والعياذ بالله- ولا يبالون بذلك.
أقول: إن قوله: ﴿أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ هنا، وفي أصحاب الكساء الأربعة، وفي آل البيت الذين لا تحل لهم الصدقة، كل هذا لا ينافي بعضها بعضًا، ولذلك كان القول الراجح أن زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام لا تحل لهن الصدقة؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ»[[أخرجه أبو داود (٢٩٨٥) من حديث المطلب بن ربيعة رضي الله عنه، ولفظه: «إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد» الحديث.]]، وزوجاته بلا شك من آله كما في هذا الحديث.
وعلى هذا فإننا نقول: إنه لا تعارض بين الأدلة، ونظير ذلك أن الرسول ﷺ سُئِلَ: ما هو المسجد الذي أُسِّسَ على التقوى من أول يوم؟ فقال: «مَسْجِدِي هَذَا»[[أخرج الترمذي (٢٠٩٩) عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: «هو مسجدي هذا».]]، مع أن المسجد الذي أُسِّسَ على التقوى من أول يوم هو مسجد قباء أيضًا، كل منهما أُسِّسَ على التقوى من أول يوم، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أَسَّسَ مسجده من أول يوم قدم، وكان الصحابة رضي الله عنهم كل منهم يقول: النزول عندي، النزول عندي، النزول عندي، فيقول: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ»[[أخرجه سعيد بن منصور في سننه (٢٩٧٨) من حديث صديق بن موسى مرسلًا.]]، يعني ناقته، فلما وصلت إلى مكان مسجده بَرَكَتْ فزجرها النبي عليه الصلاة والسلام فقامت، ثم التفتت يمينًا وشمالًا، ثم رجعت إلى مكانها الأول فبَرَكَتْ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «الْمَنْزِلُ هَاهُنَا إِنْ شَاءَ اللهُ»[[أخرجه ابن حبان في الثقات (١٣٤) عن البراء بن عازب رضي الله عنهما.]]، ثم نزل وكان أقرب البيوت إليه بيت أبي أيوب فذهب إليه.
ومن حين من أول يوم نزل وهو شارِعٌ في تخطيط المسجد، ولهذا ينبغي للمسؤولين في البلديات وفي الأوقاف أن يجعلوا أَكْبَر هَمِّهم في المخططات الجديدة وضع المساجد، يُعْتَنَى بها قبل كل شيء.
على كل حال إني أقول: إن وصف الشيء بصفة، ووصف غيره بصفة لا يقتضي أن يكون ذلك تناقضًا، بل كل منهما له نصيب من هذا الوصف.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما أعرف.
وقوله –خَلِّنَا نكمل الآية-: ﴿أَهْلَ الْبَيْتِ﴾، ﴿الْبَيْتِ﴾ هنا (أل) للعهد، أيّ العهود؟ الذهني، يعني أهل البيت المعهود المعروف، وهو هذا البيت الطاهر بيت رسول الله ﷺ.
قال: ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ﴾ منه، أي: من الرجس، ﴿تَطْهِيرًا﴾، و﴿تَطْهِيرًا﴾ هنا مصدر (طَهَّر)؛ مصدر للفعل السابق، والمراد به التوكيد، كما في قوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء ١٦٤]، والتطهير من الرجس أبلغ من ذهاب الرجس؛ لأنه بعد ذهاب الرجس قد يبقى له أثر.
فإذا قال: يُذْهِبه ويطهركم، صار ذلك أيش؟ أبلغ؛ لأنه يذهب ذلك الرجس ويُطَهَّر مكانه بحيث لا يبقى له أثر، ولا ريب أن بيت الرسول عليه الصلاة والسلام أبعد البيوت عن الرجس وأطهر البيوت من الرجس، فهذا لا يشك فيه مؤمن أبدًا، وكل مَن قدح في بيت الرسول عليه الصلاة والسلام وزوجاته فإنه يعتبر قادحًا بِمَن؟ بالرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله يقول في القرآن الكريم: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ [النور ٢٦]، ونحن نعلم علم اليقين أن الله عز وجل ما كان ليختار لنبيه إلا أفضل نساء العالمين بلا شك، وقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل ثبت في كتاب الله براءة عائشة رضي الله عنها مما رماها به أصحاب الإفك من المنافقين وغيرهم ممن انخدعوا من المسلمين، عفا الله عنهم، وقد قال الله عز وجل في نفس الإفك: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (١٥) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ [النور ١٥، ١٦]، يعني: هَلَّا إذ سمعتموه، ﴿قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا﴾، ﴿مَا يَكُونُ﴾ يعني يمتنع غاية الامتناع، ﴿أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ﴾ تنزيهًا لك، ﴿هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور ١٥ ١٦]، شوف قال: ﴿سُبْحَانَكَ﴾، أين التنزيه؟ يعني: نُنَزِّهُكَ يا ربنا أن يقع ذلك في إحدى أمهات المؤمنين زوجات خاتم النبيين، ولهذا قال: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ يعني: تنزيهًا لك أن يقع مثل هذا في زوجات نبيك عليه الصلاة والسلام.
هذا التأكيد العظيم نرى الآن ممن ينتسبون إلى الإسلام وهم بريؤون منه والإسلام منهم براء، يقولون: إن عائشة -والعياذ بالله- بَغَتْ، ومع ذلك قد بَرَّأَها الله من ذلك في القرآن الكريم، فمن قذف واحدة من زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام عائشة أو غيرها فهو كافر بلا شك، ويجب أن يُقْتَل ولو تاب، إن تاب توبة نصوحًا فهي بينه وبين الله، لكن نحن علينا أن نَغَارَ لرسول الله ﷺ، وأن نقتل هذا الذي قذف أحدًا أو واحدة من أمهات المؤمنين. (...).
﴿بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ [الأحزاب ٣٤]
سبق قوله تعالى: ﴿وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾، وبَيَّنَّا أن ﴿آتِينَ الزَّكَاةَ﴾ أن الفعل ينصب؟ الأخ.
* طالب: (...).
* الشيخ: أين الأول والثاني؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: هذا الأول ولَّا الثاني؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: مضمر ولَّا محذوف؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم، طيب ما هي الزكاة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لغة النماء، واصطلاحًا؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا (...)، فهمتموها الآن؟ حق مخصوص في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في زمن مخصوص، فهمتم الزكاة الآن، أو نقول: التعبد لله تعالى بإخراج جزء معلوم من المال على حسب ما جاءت به الشريعة، هذا أوضح.
فيه أيضًا قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾، اللام في قوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ﴾. (...).
﴿مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾ القرآن، ﴿وَالْحِكْمَةِ﴾، ﴿اذْكُرْنَ﴾ الأمر هنا للإرشاد وبيان الْمِنَّة والفضل من الله سبحانه وتعالى عليهم.
وقوله: ﴿اذْكُرْنَ﴾ يحتمل أن يكون المراد به تَذَكَّرْنَ وتَدَبَّرْنَ هذا الأمر، واعرفن ما فيه من فضل الله عليكن.
ويحتمل أن المعنى: اذْكُرْنَه بتلاوته ..
سوى لحافها، فإن زوجات الرسول ﷺ ما كان ينزل الوحي على الرسول فيه وهو في لحافهن إلا عائشة[[ أخرجه البخاري (٣٧٧٥) من حديث عائشة.]].
وقوله: ﴿مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب ٣٤]، ﴿يُتْلَى﴾ بمعنى: يُقْرَأ، والتلاوة نوعان: تلاوة لفظية، وتلاوة معنوية، فإذا قلت: تَلَا كتاب الله حتى أكمله، فالمعنى اللفظية، وإذا قلت: سجدة التلاوة، فهي التلاوة أيش؟ اللفظية، أما التلاوة المعنوية فهي اتباع القرآن، تلاه يتلوه إذا اتَّبعه، فالتلاوة المعنوية بمعنى اتباع القرآن في عقائده، في أخلاقه، في أعماله، هذه التلاوة، أيهما المقصود الأعظم؟ المقصود الأعظم هو التلاوة المعنوية، التلاوة اللفظية لا شك أنها مقصودة، وأن مَن قرأ حرفًا من كتاب فله به عشر حسنات، لكن المهم هي التلاوة المعنوية، ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ [ص ٢٩].
﴿مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ [الأحزاب ٣٤]، ﴿آيَاتِ اللهِ﴾ لا شك أنه القرآن، كما قال الله تعالى: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [العنكبوت ٤٩]، فالآيات ﴿آيَاتِ اللهِ﴾ هو القرآن، والآيات هنا المراد بها الآيات الشرعية، فإن آيات الله سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين:
آيات كونية، وهي ما خلقه الله تعالى ويخلقه في هذا الكون، فإن كله آيات علامات على خالقه عز وجل؛ لِمَا فيه من بديع الصنعة، والنظام الحكيم البالغ الذي لا يتناقض ولا يتنافر، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [المؤمنون ٩١]، وإذا ذهب كل إله بما خلق لم يكن الكون منتظمًا؛ لأن كل إله يَخْلُق على ما يريد، ثم لا بد من عُلُوّ أحدهما على الآخر؛ لأنهما إن تمانعا وعجز كل واحد منهما عن الآخر لم يصح أن يكونَا إلهين، وإن غلب أحدهما الآخر فالمغلوب لا يصح، وحينئذ تكون الدلالة العقلية على أنه لا بد من إله واحد فقط وهو الله سبحانه وتعالى.
المهم أن الآيات الكونية كل ما يخلقه الله في الكون، أما الآيات الشرعية فهي ما جاءت به الرسل من الوحي، وسُمِّيَت آيات لأنها علامات على مُشَرِّعها ومُنْزِلها؛ لِمَا فيها من انتظام المصالح وانتفاء المفاسد، فإن الشرع كله تحصيل للمصالح وتقليل للمفاسد، ولذلك ما من شيء يتضمن مصلحة راجحة أو خالصة إلا أمر به الشرع، وما من شيء يتضمن مفسدة خالصة أو راجحة إلا نهى عنه الشرع، لكن من المصالح ما ندركه بعقولنا، ومن المفاسد ما ندركه بعقولنا، ومنه ما لا ندركه، ولكننا نعلم علم اليقين أن مقتضى حكمة الله عز وجل ومن أسمائه الحكيم أنه لا يمكن أن يأمر إلا بما فيه مصلحة؛ إما خالصة، وإما راجحة، ولا ينهى إلا عما فيه مفسدة إما خالصة وإما راجحة، ولهذا سُمِّيَت الكتب النازلة من السماء آياتٍ؛ لأنها علامات على مَن شرعها سبحانه وتعالى، وعلى مَن أنزلها، ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء ٨٢]، ما يجدون اختلافًا مرة أو مرتين أو ثلاثًا، اختلافًا كثيرًا وتناقضًا كثيرًا.
هنا مسألة خارجة عن الموضوع بدأ الناس يفعلونها، يُقْسِمُون بآيات الله، يقول: قسمًا بآيات الله ما كان كذا وكذا، أو قسمًا بآيات الله لأفعلن كذا وكذا، فما رأيكم بهذا القَسَم؟
فيه تفصيل؛ إن قصد الآيات الكونية فهو حرام؛ لأنه حَلِفٌ بغير الله، حَلِفٌ بالمخلوقات، وإن أراد بالآيات الآيات الشرعية فهو حَلِف بكلمات الله، والْحَلِفُ بكلمات الله جائز؛ لأن كلمات الله من صفاته، فما هي الغالب على العامة حينما يُقْسِمُون هذا القَسَم؟ الغالب فيما أظن الآيات الشرعية، أنهم ما يريدون قسمًا بآيات الله قسمًا بالشمس، وبالقمر، وبالنجوم، وبالليل، وبالنهار، ما يقسمون بمثل هذا، قسمًا بآيات الله يقصدون بذلك القرآن، وحينئذ يكون هذا القسم جائزًا باعتبار الدلالة العرفية على المراد به، أما لو نظرنا إلى لفظه فلا بد من التفصيل.
* الطالب: الآيات الشرعية تدخل فيها السنة؟
* الشيخ: نعم، لكن هنا قال: ﴿وَالْحِكْمَةِ﴾ فبَيَّنَ لما قال الحكمة قال المؤلف رحمه الله: (﴿الْحِكْمَةِ﴾ السنة).
* الطالب: لو قال: قسمًا بآيات الله (...)؟
* الشيخ: لا، أبدًا، هم ما يريدون إلا القرآن، ما يسمون السُّنَّة آيات.
* الطالب: كلمة ﴿يُتْلَى﴾ إذا قلنا: بمعنى يَقْرَأ؟
* الشيخ: يُقْرَأ.
* الطالب: إي، يُقْرَأ، كيف تكون القراءة المعنوية؟
* الشيخ: لا، هنا ما تكون التلاوة المعنوية، التلاوة اللفظية، لكن إحنا قسمنا التلاوة من حيث هي عمومًا.
* الطالب: التلاوة أليست هي القراءة؟
* الشيخ: التلاوة إذا قيل: ﴿الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ﴾ [فاطر ٢٩]، ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ﴾ [البقرة ١٢١] فهو يشمل هذا وهذا اللفظية والمعنوية، لكن هنا الظاهر منها اللفظية فقط.
قال: ﴿مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: المصحف؟
* طالب: سورة براءة.
* الشيخ: سورة براءة؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: لماذا يَخُصُّون هذه السورة؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لكن لماذا يَخُصُّون السورة هذه؟
* الطالب: لأنها مُرْهِبَة.
* الشيخ: مُرْهِبَة، رهيبة، ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [المرسلات ١٥] المرسلات.
على كل حال القَسَم بالمصحف من البِدَع؛ لأنه ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام، والذي ورد في تغليظ الأيمان ما ذَكَرَه الله في سورة المائدة: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [المائدة ١٠٦]. قوله: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا﴾ قبلها، ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ﴾ صلاة العصر، وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الدعاوي أن التغليظ يكون بالزمان، ويكون بالمكان، ويكون بالهيئة، ويكون بالصيغة.
﴿وَالْحِكْمَةِ﴾ قال المؤلف: (هي السنة)، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [النساء ١١٣]، وقال: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [آل عمران ١٦٤]، والأصل في العطف المغايرة، وإلا فلقائل أن يقول: إن القرآن الكريم قد تَضَمَّن الحكمة، فيكون تعليم القرآن تعليمَ الأحكام وتعليمَ حِكَمِ الأحكام؛ لأن معرفة أحكام الشريعة أمر عظيم جدًّا، فالإنسان إذا عرف حكمة الأحكام الشرعية يستنير قلبه أكثر، ويقتنع بالأحكام الشرعية أكثر، ويعرف من صفات الله عز وجل وحِكَمِه ما هو أكثر، ويستطيع أيضًا أن يُقْنِع مَن؟ أن يُقْنِع الخصم؛ لأن الخصوم لو تقول له –مثلًا-: هذا حرام؛ لأن القرآن حَرَّمَه فهو قد لا يكون ممن يؤمن بالقرآن أو يطمئن إليه، لكن إذا كان لديك معرفة بحِكَمِ الشريعة أمكنك أن تُقْنِع هذا الشخص، ولهذا معرفة الحكمة -حكمة الشرع- مهم جدًّا، بل إن غالب القياس إنما جاء من معرفة الحكمة؛ لأنه إلحاقُ فرعٍ بأصلٍ في حُكْمٍ لعلةٍ جامعة، وعلى هذا فربما يقول قائل: إن المراد بالحكمة ما يُعْلَم من أسرار أحكام الشريعة وحِكَمِها، ولكن أهل العلم من السلف والخلف، أئمة الخلف فسَّرُوا الحكمة بأنها السنة.
ثم قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ [الأحزاب ٣٤].
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، معرفة المتشابه؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما أدري والله، ما أعرف هذا.
* الطالب: قوله تعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة ٢٦٩].
* الشيخ: أقول: ما أعرف هذا، ما هو كلما جاءت الحكمة فهي السنة، إنما إذا قال: الكتاب والحكمة، ﴿يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [البقرة ١٢٩]، ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [النساء ١١٣]، ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾، ما هو معناها أن كلما جاءت الحكمة فهي السنة.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾، ﴿لَطِيفًا﴾ قال المؤلف: (بأوليائه ﴿خَبِيرًا﴾ بجميع خلقه) اللطيف فسَّره أهل الباطل بأنه الذي لا يُدْرَك لصغره -أعوذ بالله- لطيف، أنت ما تقول: هذا لطيف، يعني: صغير ما ينشاف، ففسَّرُوه بذلك وكذبوا، وفسَّرَه أهل السنة فقالوا: إن اللطيف جاء في كتاب الله مُعَدًّى باللام ومُعَدًّى بالباء، ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ [الشورى ١٩]، ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ﴾ [يوسف ١٠٠]، فعُدِّي بالباء وعُدِّي باللام، وعلى هذا فيكون اللطيف له معنيان؛ أحدهما اللطف للعبد، وهو أن الله عز وجل يُقَدِّر له مواقع الإحسان، بمعنى أنه يلطف له فييسر له الأمر ويسهِّلُه عليه، وأما اللطيف به –بالباء- فهو بمعنى إدراك الأمور الخفية؛ لأن اللطيف معناه الذي يُدْرِك ما لَطُف، فمعنى ﴿لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ أي: مدرك لما خفي من أمورهم، فيكون بمعنى الخبير، بل أدق من معنى الخبير، ولهذا جمع الله بينهما فقال: ﴿خَبِيرًا﴾، والخبير قال العلماء: هو العالم ببواطن الأمور، يقول ابن القيم في النونية، وهي من أحسن ما نُظِمَ في التوحيد وأجمعه، يقول:
؎وَهوَ اللَّطِيفُ بِعَبْدِهِ وَلِعَبْدِهِ ∗∗∗ وَاللُّطْفُ فِي أَوْصَـــافِهِ نَوْعَــــــانِ؎إِدْرَاكُ أَسْرَارِ الْأُمُورِ بِحِكْمَةٍ ∗∗∗ وَاللُّطْفُ عِنْدَ مَوَاقِعِ الْإِحْسَانِ
فهذا معنى اللطيف، فصار اللطيف له معنيان؛ اللطيف للعبد، واللطيف به، فاللطيف به بمعنى: الخبير ببواطن أموره وما لَطُف من أمره، وله: الذي يُقَدِّر له من أسرار حكمته أو من أسرار إحسانه وفضله ما لا يدركه بعقله.
نأخذ الآن فوائد الآيات.. ويش آخر ما قرأنا الفوائد؟
قال الله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب ٣٣]،* في هذه الآية الكريمة: وجوب قرار المرأة في بيتها، انتبهوا إلى هذه الفائدة، أو نقول: مشروعية؟ مشروعية، لأن القول بوجوب القرار يخالفه ما جاء في السنة من الإذن للنساء بالخروج لكن بدون تَبَرُّج، وعلى هذا فنقول: مشروعية؛ لأن كلمة مشروعية تتسع للواجب والمستحب.
* ومن فوائد الآية: أن بيوت أزواج النبي ﷺ ملك لهن؛ لقوله: ﴿فِي بُيُوتِكُنَّ﴾.
فإن قال قائل: الإضافة هنا للاختصاص وليست للتمليك، كما تقول: السرج للدابة، والْمِقْوَد للبعير، وهل هي تملكه؟ لو قال قائل ذلك بأن الإضافة للاختصاص، وأن بيوت أزواج النبي ﷺ للنبي ﷺ، ماذا نقول؟
نقول: إن الواقع يخالف ذلك؛ لأن هذه البيوت لو كانت للرسول عليه الصلاة والسلام ما بَقِيَت مع أمهات المؤمنين بعد موته؛ إذ إن النبي ﷺ لا يُورَث.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الفائدة المأخوذة من الإضافة ﴿فِي بُيُوتِكُنَّ﴾، فإن فيها الإغراء على لزوم البيت؛ لأنه بيتها وسترها، يعني كلمة ﴿فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ أبلغ من كلمة: وقرن في البيوت، كأنه يقول: هذا البيت ما بُنِيَ إلا لك سترًا لك وصونًا، فالزمي هذا البيت الذي من أجلك بُنِيَ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم تبرُّج الجاهلية؛ لقوله: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾.
* ومن فوائدها: جواز التبرج إذا كان مبنيًّا على العلم والسنة؛ لأن المنهيّ عنه من التبرج هو تبرُّج الجاهلية، ولهذا يجوز للمرأة أن تتبرج في بعض المواضع، وليس حرامًا عليها كل تبرج.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ذَمُّ الجهل؛ لقوله: ﴿تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾، فإن نسبة هذا إلى الجهل لا شك أنه يراد به التنفير.
* ومن فوائد الآية الكريمة: مَدْح ما كان مبنيًّا على العلم، من أين يؤخذ؟ لأن ذَمّ الضِّدّ يدل على مدح ضده، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء.
فإذا كان التبرج المبني على الجهل مذمومًا فإن ما بُنِيَ على العلم ليس مذمومًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي عند الإغراء أو التحذير أن يُذْكَر كل وصف يستلزم الإغراء أو التحذير؛ لقوله: ﴿تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾، الأولى -كما قلنا فيما سبق- زمنًا أو الأولى نوعًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب إقامة الصلاة على النساء، كما هو واجب على الرجال؛ لقوله: ﴿وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ﴾، ووجوب إيتاء الزكاة؛ لقوله: ﴿وَآتِينَ الزَّكَاةَ﴾.
* ومن فوائدها: الإشارة إلى أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة من الموانع عن المحرَّمات؛ لأنه قال: ﴿لَا تَبَرَّجْنَ﴾، ثم قال: ﴿وَأَقِمْنَ﴾، فدل هذا على أن من أسباب عدم التبرج إقامة الصلاة، ولا ريب في هذا؛ لأن الله يقول: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت ٤٥]، ويقول عز وجل: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾ [البقرة ٤٥].
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، من أين تؤخذ؟ من الأمر بهذا، ثم بعد ذلك قال: ﴿وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾، وطاعة الله ورسوله يدخل فيها إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فالنص على بعض أفراد العامّ يدل على العناية به، سواء تقدم الخاصّ أو تأخَّر، فمثلًا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾ [الحج ٧٧]، هذا تقدَّم الخاصُّ على العامِّ، أو لا؟ ﴿ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ وهذا من فعل الخير، ثم قال: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾، ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا﴾ [القدر ٤]، هذا من باب تقدُّم العامّ على الخاصّ، وسواء تقدَّم العامّ على الخاصّ أو تأخَّر فإنه يدل على العناية بالخاصّ، ولهذا نُصَّ عليه من بين أفراد العامّ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب طاعة الله ورسوله؛ لقوله: ﴿وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾.
* ومن فوائدها: أن طاعة الرسول ﷺ من طاعة الله؛ للعطف بالواو الدالَّة على الاشتراك، وقد قال الله عز وجل في القرآن الكريم: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء ٨٠].
* ومن فوائدها: أن الله أراد بحكمته البالغة أن يُذْهِب الرجس عن آل البيت؛ لقوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ [الأحزاب ٣٣].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الخضوع بالقول، وأن تبرُّج الجاهلية من الرجس، وأن القرار في البيوت، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الله ورسوله من أسباب زوال الرجس؛ لأن ما تقدم أوامر ونَوَاهٍ بَيَّن الله تعالى أنه إنما أمر بها ونهى عنها من أجل أن يُذْهِبَ عن هذا البيت الرجس، ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن زوجات الإنسان من آل بيته، صح؟ فإذا قال: هذا وقفٌ على آل بيتي، شمل النساء، وإذا قال في الأضحية: اللهم هذا عني وعن أهل بيتي، شمل النساء؛ لأن الله تعالى جعل زوجات الرسول ﷺ من آل بيته.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تفخيم هذا البيت وتعظيمه؛ لقوله: ﴿أَهْلَ الْبَيْتِ﴾؛ لأن (أل) للعهد الذهني، كأن هذا البيت معهود معلوم بأذهان الناس لا يغيب عنها؛ لما لهذا البيت من المكانة الرفيعة والخصلة الحميدة.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الله عز وجل أراد أن يُذْهِب الرجس وأثر الرجس أيضًا، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾، وهذا فوق ذَهَاب الرجس؛ لأننا لو ضربنا هذا بالمثال الحسي وقلنا: إن هذا الثوب تلطَّخ بنجاسة، فحكَكْنَا هذه النجاسة حتى زالت عينُها، هذا ماذا يسمى؟ هذا إذهاب الرجس، فإذا صببنا الماء حتى نَظُفَ المكان تمامًا وزال الأثر صار ذلك تطهيرًا، ولهذا جاء في الحديث الصحيح في دعاء الاستفتاح: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٤٤) ومسلم (٥٩٨ / ١٤٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، فذكر المباعَدة أولًا قبل التَّلَبُّس بالخطيّة، ثم ذَكَر التنقية من الخطيّة بعد التلبس بها، ثم ذكر أبلغ من ذلك وهو الغسل، غسل هذه الخطية وآثارها بالماء والثلج والبَرَد، والحاصل أننا نقول: إن قوله: ﴿يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ هذا فوق إذهاب الرجس.
ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الإرادة لله؛ لقوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾.
ومن فوائدها أيضًا: أن البيت المطهَّر من الرجس، سواء بيت الرسول ﷺ ولَّا غيره من البيوتات، أن البيت المطهَّر يعتبر من أفضل البيوتات، ويعتبر تطهيره من أكبر النِّعَم عليهم، منين يؤخذ؟ من أن الله امْتَنَّ بذلك على آل بيت الرسول ﷺ، وهذا شيء معلوم في الناس، الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، من الناس معدن خبيث، ومن الناس معدن طيب، ولهذا لو أن أحدًا تلبَّس برجس من الأرجاس، من حَمُولة طيبة قبيلة طيبة، ويش يقول الناس؟ يستغربونه ويستنكرونه، ويرون هذا أشد، لكن لو تلبَّس أحد برجس من الأرجاس وهو من قبيلة معروفة بذلك أيش يقولون؟ ما يُسْتَغْرَب، يقولون: إن الغصن من الشجرة، ولا هو بغريب أن يفعل هذا الفعل؛ لأن آباءه وإخوانه وأعمامه وما أشبه ذلك فعلوا مثله، ولا شك أن الله إذا مَنَّ على آل بيت من البيوت بالتطهير والكرم والنظافة والنزاهة فإن ذلك من نعمة الله عليهم.
واعلم أن الله تعالى قد يجعل على يد الشخص الواحد طهارة كل قبيلته كما هو مشاهَد، يخرج رجل واحد صالِح مُصْلِح يُنْذِر عشيرته الأقربين، ويحرص على دعوتهم للحق، فيُصْلِح الله تعالى على يديه كل قبيلته، إذا جاء ذلك بإخلاص وبامتثال لأمره سبحانه وتعالى في قوله: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء ٢١٤]، لكن ما أدري عن أنفسنا نحن، أيش تقولون؟ إي والله الله يصلحنا، عندنا تفريط وإهمال، الإنسان ما يتفقد أهله اللي في بيته، ولا يتفقد أهله قرابته اللي في غير بيته، صحيح هذا هو الواقع؛ يعني الناس الآن ما كأنهم يعني غاية ما يتواصلون به إن تواصلوا في الأمور الدنيوية، لكن هدايا الدين ما أقلها، ما أقل ذلك، وإن كان والحمد لله يوجد، أنا ما أقول: إني أُقَنِّطُكم من رحمة الله، يوجد والحمد لله مَن إذا رأى في بيت أقاربه ما يُكْرَه ينصحهم ويرشدهم، ويُبَيِّن لهم ذلك، وربما بعض الناس يهجرهم ما يذهب إليهم، كل هذا من أجل الحرص على تقويمهم.
* طالب: الأول كان يحتاجون بعضهم، الآن (...).
* الشيخ: صحيح إن الآن ما هم مثل أول، وإن الفقر لباس طيب في الحقيقة، مثلما قال حميدان الشويعر:
؎الفقر خديديم أجواد ∗∗∗ ودك يا طا كل زنقه
فالحاصل أن الفقر قد يكون فيه خير، «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَغْنَاهُ اللهُ لَأَفْسَدَهُ الْغِنَى»[[أخرج الحكيم الترمذي (٨٩٦) والبغوي في شرح السنة (١٢٤٩) بسنديهما عن أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ، عن جبريل، عن الله تبارك وتعالى، قال: «إن من عبادي المؤمنين لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الصحة، ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا السقم، ولو صححته لأفسده ذلك» الحديث. ]]، لكن مع ذلك لا تيأسوا والله كم من قلب لان للحق وهو من أفسق عباد الله، هذا شيء الذي يجعلنا بالحقيقة نستحسر هو اليأس، ويعقوب عليه السلام قال لبنيه: ﴿اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ﴾ [يوسف ٨٧]، مع أنه في تلك الساعة ويش يظن؟ يظن أنهم ما هم بواجدينه، لكن مع هذا لقوة رجائه بالله عز وجل، وإن الأمور لا تقيسها بما تشاهد، هناك شيء وراء المادة، هناك شيء وراء المشاهدة وما تسمع، وهو إرادة الله عز وجل وقدرته، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق٢، ٣]، من بابٍ ما كان يظن أن يأتيه الرزق منه، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم اليقين.
* طالب: يعقوب كان يعلم بيوسف أنه حي؟
* الشيخ: لا، يمكن يظن ويرجو؛ لأن الله قد وَعَدَهُ بذلك.
* الطالب: (...) ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [يوسف ٨٦]؟
* الشيخ: إي نعم، هو يظن ويرجو، لكن هذه الوقائع قد تعطي القلب يأسًا.
ثم قال عز وجل: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ [الأحزاب ٣٤]، في هذه الآية من الفوائد تذكير أُمَّهَات المؤمنين بهذه النعمة العظيمة، وهي -لا أحد يسألني وأنا أستنبط الفوائد- تذكير زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام بهذه النعمة العظيمة؛ لقوله: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾.
* ومن فوائدها: أن مَن أعطاه الله علمًا كان طلب الاستقامة منه أَوْكَد وأوثق، إذا أعطى الله الإنسان علمًا فإنه يُطْلَب منه من الاستقامة أكثر مما يُطْلَب ممن؟ لم يُؤْتَ علمًا، لأنه قال: ﴿اذْكُرْنَ مَا يُتْلَى﴾ فليس عليكن قاصر في العلم، بل إن العلم يُتْلَى في بيوتكن.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن البيت الذي يُتْلَى فيه كتاب الله خير من البيت الذي لا يُتْلَى فيه كتاب الله؛ لقوله: ﴿اذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ﴾، ولهذا قال النبي ﷺ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا»[[أخرجه مسلم (٧٨٠ / ٢١٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ]]، يعني: لا تجعلوها مثل القبور لا تصلون فيها، وفي الحديث الصحيح عنه: «أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٢٩٠) ومسلم (٧٨١/٢١٣) من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، ولفظ البخاري: «... فإنَّ أفضلَ صلاةِ المرءِ في بيته إلا الصلاة المكتوبة». ]]، وكان مِن هَدْي الصحابة رضي الله عنهم أنه تُسْمَع لبيوتهم من تلاوة كتاب الله يُسْمَع لها دَوِيّ كدَوِيّ النحل من قراءة كتاب الله تعالى في البيوت.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن القرآن من آيات الله؛ لقوله: ﴿مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾، وقد سبق في التفسير بيان كونه من آيات الله عز وجل؛ لِمَا يتضمن عليه من المصالح والْحِكَم والأسرار.
* ومنها -من فوائد الآية الكريمة-: أنه إذا قُرِنَت الحكمة بالكتاب فالمراد بها السنة؛ لأن السنة أيضًا تتضمن الحكمة، والله عز وجل لم يَصِف السنة بالحكمة؛ لأن القرآن ليس فيه حكمة، ولكن لَمَّا كان القرآن من عند الله وكلام الله فإن احتمال ألَّا يتضمن الحكمة بعيد ولَّا لا؟ بعيد جدًّا، لكن لما كانت السنة من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام فإن كلام البشر قد يَرِد عليه احتمال ألَّا يكون مشتملًا على الحكمة، فبَيَّن الله عز وجل أن السنة حكمة، وإن كانت من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام أو من فعله فإنها حكمة؛ لأنها موافقة للصواب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات هذين الاسمين من أسماء الله: اللطيف والخبير.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله كان لطيفًا خبيرًا، أما الآن فلا.
* طالب: لا.
* الشيخ: لا؟ ليش؟ كان هذه مسلوبة الدلالة على الزمان، وإنما يراد بها اتصاف المبتدأ أو الاسم بالخبر فقط، بقطع النظر عن الزمان، إذن ما الفائدة منها، لماذا لم يقل: إن الله لطيف خبير؟ الفائدة منها تحقُّق الاتصاف بهذا الوصف، هذه الفائدة، (كان) يعني قد تحقق ذلك في حقه، وهو أنه سبحانه وتعالى لطيف خبير.
* ومن فوائدها: ما تضمَّنه هذان الاسمان من صفات الله عز وجل؛ من اللطف والخبرة.
* طالب: ﴿أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ ممكن يرد على مَن أنكر أن نساء النبي من آل البيت؟
* الشيخ: إي، كيف؟ فيها بلا شك، أنا سمعت شريطًا للأخ إحسان ظهير إلهي.
* الطالب: إلهي ظهير.
* الشيخ: إحسان إلهي ظهير يرد على رجل من الشيعة ويتكلم عن هذه الآية بشدة وبقوة، يقول: إن الذي يصرف الآية هذه إلى آل بيته الأربعة ما يعرف اللغة العربية، ولا يعرف أساليب الكلام، كيف إنه يُخْرِج هذه الآية من بين الآيات كلها المحيطة بها والتي توجَّه إلى أمهات المؤمنين ويُخْرِج هذه الآية؟
أيش سؤالك أنت؟
* الطالب: ما فيه فائدة أن (...)؟
* الشيخ: بشرط إن طلبة العلم يعلِّموهم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما يخالف، إذا كان الزوج أخرس ما يقول شيئًا، وهي لا تعرف تقرأ، وعنده كتب وهي ما تقرأ، والزوج ما يعلِّمها.
* الطالب: (...).
* الشيخ: قد لا يكون.
* الطالب: من قوله: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ﴾.
* الشيخ: إذا معناها ما (...)، ربما يكون عند المرأة مثل ما قال الأخ عندها أشرطة تستمع إليها، فيقال: كل امرأة يوجَد في بيتها أو يُتْلَى في بيتها حرف من كتاب الله أو سنة رسوله ﷺ، أو كلام أهل العلم المبني على الكتاب والسنة فعليها من الواجب أكثر ممن لم تعرف.
* طالب: طالب العلم.
* الشيخ: لا، تُلْزِم زوجات طلبة العلم الْخُرْس.
* الطالب: (...) ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ﴾؟
* الشيخ: ﴿مَا يُتْلَى﴾.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي، هذه يؤخذ منها؛ لأننا ذكرناها، قلنا: إن الذِّكر هنا أن المرأة تذكر فضل ونعمة الله عليها في هذا، وتتذكر أيضًا هذا الذي يُتْلَى بتَعَلُّمه وبتعليمه أيضًا؛ تعلُّمه يعني لأنه يأمر بالتعليم، وإلا نفس اللفظ ما يدل عليه؛ لأنه ما قال: ذَكِّرْن ما يُتْلَى، قال: ﴿اذْكُرْنَ﴾.
* الطالب: شيخ، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه: ﴿مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾، فيها رَدّ أيضًا على المسلمين الذين ينكرون السنة.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: يقولون: نأخذ بالقرآن ونتلوه.
* الشيخ: نعم، كيف؟ فيه رد على هؤلاء، ورد على آخرين يقابلونهم، يأخذون بالسنة ولا يأخذون بالقرآن؛ لأن فيه ناس الآن، فيه ناس مع الأسف يعتنون بالسنة اعتناء عظيمًا، حتى إنهم يغوصون على أشياء قد لا تكون صحيحة ويأتون بها، لكن في القرآن خاطِبْهم في القرآن ما يعرفون شيئًا في القرآن، لا في تفسيره، ولا في إعرابه، ولا في شيء أبدًا منه، بينما هم في السنة يُذْهِبُون ليلهم ونهارهم، وهذا خطأ؛ لأن أول ما يجب أن نتعلم القرآن، ثم بعد ذلك السنة؛ لأن القرآن هو الأصل، الآن انتهى وقت الحديث، لكن نبغي نأخذ (...).
﴿قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب ٢٨] لا بد نحن ذكرنا الفوائد، لكن في ظني أننا ما ذكرنا أن التخيير لا يكون طلاقًا، ولا ذكرنا أن في ذلك حماية لفراش الرسول عليه الصلاة والسلام من أن يكون فيه مَن يريد الحياة الدنيا وزينتها، ولا ذكرنا أن في ذلك أيضًا دفاعًا عن الرسول عليه الصلاة والسلام حتى لا يطالبنه بعد ذلك بشيء من الحقوق، أظن ذكرنا أن فيه مناقب لزوجات الرسول عليه الصلاة والسلام، فالمهم أن فيه فوائد كثيرة تحبون نأخذها ولَّا.. أنا أخشى أن.. بعضها مكتوبة الآن.
* طالب: (...) الأخرس.
* الشيخ: لا أن التخيير ليس بطلاق، ولا أخذنا أن فيه دفاعًا عن الرسول عليه الصلاة والسلام، أخذناه؟ خير إن شاء الله، أجل نمشي.
{"ayahs_start":33,"ayahs":["وَقَرۡنَ فِی بُیُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِ ٱلۡأُولَىٰۖ وَأَقِمۡنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِینَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعۡنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۤۚ إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَیۡتِ وَیُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِیرࣰا","وَٱذۡكُرۡنَ مَا یُتۡلَىٰ فِی بُیُوتِكُنَّ مِنۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِیفًا خَبِیرًا"],"ayah":"وَٱذۡكُرۡنَ مَا یُتۡلَىٰ فِی بُیُوتِكُنَّ مِنۡ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱلۡحِكۡمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِیفًا خَبِیرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق