الباحث القرآني
﴿يَحْسَبُونَ﴾ بمعنى: يظنون، وهي تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، والمفعول الأول هنا قوله: ﴿الْأَحْزَابَ﴾، والمفعول الثاني جملة ﴿لَمْ يَذْهَبُوا﴾، يعني: يظنون هؤلاء المنافقون أن الأحزاب لم يذهبوا، وهذا يدل على جُبْنِهم وخوفهم وذُعْرِهم؛ لأنه حتى بعد ذَهَاب الأحزاب وتفريقهم يظن هؤلاء المنافقون أنهم لم يذهبوا.
يقول الله عز وجل: (﴿لَمْ يَذْهَبُوا﴾ إلى مكة؛ لخوفهم منهم، ﴿وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ﴾ كَرَّة أخرى ﴿يَوَدُّوا﴾: يتمنوا، ﴿لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ﴾ أي: كائنون في البادية، ﴿يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ﴾: أخباركم مع الكفار).
قوله: ﴿وَإِنْ يَأْتِ﴾ هذا على سبيل الفرض والتقدير، وقوله: ﴿الْأَحْزَابُ﴾ جمع حزب، وهم الطوائف الذي تَحَزَّبُوا على النبي ﷺ من قريش وغطفان وأسد وغيرهم، لو أتى هؤلاء الأحزاب مرة أخرى لَوَدَّ هؤلاء المنافقون ﴿أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ﴾، البادي هو الساكن البادية، ومنه قول النبي ﷺ: «لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ» »[[متفق عليه؛ البخاري (٢١٥٠)، ومسلم (١٤١٣ / ٥٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ]]، فبَادٍ هذه اسم فاعل، ومعناها: ساكن البادية، فيَوَدّ هؤلاء لو أنهم بَادُونَ في الأعراب، أي: ساكنون البادية، لماذا يودون أنهم ساكنون البادية؟ لأجل النجاة من هؤلاء الأحزاب.
وقوله: ﴿يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ﴾ جملة حالية من الفاعل في قوله: ﴿بَادُونَ﴾، يعني: يَوَدُّ هؤلاء المنافقون أنهم في البادية، ﴿يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ﴾ ولا يشاركونكم في القتال، تَصَوَّرْتم المعنى الآن، فبَيَّنَ الله سبحانه وتعالى ذُعْرَ هؤلاء المنافقين من وجهين:
الوجه الأول: أنهم يظنون أن الأحزاب ما زالوا باقين، مع أن الأحزاب قد انصرفوا.
ثانيًا: أنه لو فُرِضَ أن الأحزاب رجعوا فإنهم يتمنون أنهم في البادية لا يلحقهم مناوشات ولا قتال، وإنما يسألون عن أنبائكم.
إذن فجملة ﴿يَسْأَلُونَ﴾ نقول: إنها في موضع نصب على الحال من فاعل ﴿بَادُونَ﴾.
قال الله تعالى: (﴿وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ﴾ هذه الكَرَّة ﴿مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا﴾ رياءً وخوفًا من التعيير).
يعني ﴿لَوْ﴾ هذه شرطية، وجوابها هنا مقرون بـ﴿مَا﴾، وإذا كانت (لو) الشرطية مقرونة بـ(ما) فإن الأكثر ألَّا يقترن الجواب باللام، لماذا؟ لأن (ما) للنفي، واللام للتوكيد، واجتماع حرف يدل على التوكيد مع حرف يدل على النفي فيه شيء من التعارض والتناقض، فتقول: لو جاء زيد ما كلَّمتُه، ولا تقول: لو جاء زيد لَمَا كلمته.
لكن إذا كان جوابها مثبتًا فإن الكثير أن تقترن به اللام، تقول: لو جاء زيد لكلمتك، على الأكثر، ويجوز: لو جاء زيد كلمته، قال الله تبارك وتعالى في سورة الواقعة: ﴿لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا﴾ [الواقعة ٦٥]، اقترن بها اللام، ﴿لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ [الواقعة ٧٠]، أما (ما) فكما رأيت الآن لا تقترن بها اللام، لكن قد تقترن بها اللام قليلًا، ومنه قول الشاعر:
؎وَلَوْ نُعْطَى الْخِيَارَ لَمَا افْتَرَقْنَا ∗∗∗ وَلَكِنْ لَا خِيَارَ مَعَ اللَّيَالِي
الشاهد قوله: لما افترقنا.
يقول الله عز وجل: ﴿وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا﴾، ﴿قَلِيلًا﴾ هنا بمعنى: إلا عدمًا، أو هي على ظاهرها أنهم يقاتلون ولكن قتالًا قليلًا، هذا هو الأقرب؛ لأن الأصل إبقاء الكلام على ظاهره، إلا أن يقوم دليل على أن ظاهره غير مراد، فهؤلاء لو كانوا فينا حينما يأتي الأحزاب لوجدتهم مِن جُبْنِهم لا يقاتلون إلا قليلًا.
وفَسَّرَ المؤلف هذه القلة بأنها من أجل الرياء وخوف التأليب، يعني: يراؤون الناس بأنهم يقاتلون في سبيل الله، ويخافون من تعيير الناس لهم، فهم لا يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا، وهذا من أهم ما يكون، أعني إخلاص الإنسان عبادته لله سبحانه وتعالى، هذا من أهم ما يكون، ومن أشد ما يكون علاجًا على النفس؛ لأن الأعمال الظاهرة كل أحد يستطيع أن يجعلها على أحسن ما يرام، أليس كذلك؟
كل أحد يستطيع أنه يقوم يصلي بقراءة متأنية، وبركوع متأنٍّ، وبسجود متأنٍّ، وبقيام متأنٍّ، وبقعود متأنٍّ، لكن إصلاح القلب هو الصعب، ولهذا كان صلاح القلب موجِبًا لصلاح البدن، ولا عكس، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:« «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩ / ١٠٧) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما. ]].
فهؤلاء المنافقون ليس لديهم رغبة حقيقية في القتال الذي يرجون به إحدى الْحُسْنَيَيْن؛ إما الشهادة، وإما الظفر والسعادة، لا، لكنهم إنهم يقاتلون رياءً وخوفًا من التعيير فقط، لا لله، ومن كانت هذه نيته فإنه لن يقاتل القتال الذي ينبغي أن يكون، لأنه سيكون فاترًا، بخلاف الإنسان صاحب النية الخالصة لله عز وجل، بل سيكون لديه دافع قوي يَحْدُوه إلى العمل بما يرى أنه من طاعة الله سبحانه وتعالى.
ثم قال تعالى: (﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَضَمِّها).
﴿لَقَدْ كَانَ﴾ اللام موطئة للقسم، و(قد) للتحقيق، وعلى هذا فالجملة مؤكَّدة بثلاثة مؤكدات، وهي القسم الْمُقَدَّر واللام و(قد).
وقوله: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ﴾، (كان) هذا فعل ماضٍ، وكيف يتوجه أن يكون فعلًا ماضيًا، والتأسِّي بالرسول ﷺ مستمر دائم، والمعروف أن الفعل الماضي قد انقضى زمنه؟
فيقال -والله أعلم-: لقد كان لكم في علم الله، وفي شرع الله عز وجل أسوة حسنة.
وقوله: ﴿فِي رَسُولِ اللَّهِ﴾، ولم يقل: في محمد، ولم يقل: في النبي، إشارة إلى أن الأسوة فيه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه رسول الله، فهذا الوصف يفيد العِلِّيَّة، أي أن عِلَّة الأسوة كونه رسول الله ﷺ، وإلا ما كان علينا أن نتأسى به لأنه رجل من الناس، لكن لأنه رسول الله كان لنا فيه أسوة حسنة.
وقوله ﴿أُسْوَةٌ﴾ بكسر الهمزة وضمها، قراءتان سبعيتان؛ لأن طريق المؤلف رحمه الله إذا عَبَّر بمثل هذا التعبير فالقراءتان سبعيتان متساويتان، أما إذا قال: قرئ، فالقراءة الثانية شاذَّة.
إذن يجوز أن أقول: إِسْوَة وأُسْوَة، وهل الأفضل أن أقتصر على واحدة من قراءاتها، أو أن أقرأ بهذه تارة وبهذه أخرى؟
سبق لنا أن الأفضل لمن عَلِمَ القراءة وتأكدها أن يقرأ بهذه تارة وبهذه أخرى، لكن لا عند العامة، لو قرأنا بهذه القراءات عند العامة حصل بذلك تشويش ورد فعل، قال: كيف هذا يغيِّر في القرآن ويُحَرِّف؟!
لكن فيما بين الإنسان وبين نفسه إذا كان يعلم أن هناك قراءتين فإن من الأفضل أن يقرأ بهذه مرة وبهذه أخرى؛ لأن كلتا القراءتين ثابتة عن مَن؟ عن رسول الله ﷺ، فلا ينبغي أن نقتصر على واحدة فقط؛ لأننا إذا اقتصرنا على واحدة فقط هجرنا البقية.
* طالب: العوام إذا ما قرأنا عندهم بالقراءات كيف يعرفون القراءات؟
* الشيخ: بالتعلم، إذا جاء يبغي يتعلم القراءات نعلمه، لكن رجل عامي ما يدرى عن هذه الأمور لا شك أنه يجلب عنده التشويش من جهة، ثم إنه قد يُجَرِّئه على أن يقرأ بهذه القراءة على وجه الخطأ.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، وليكن ما يضر؛ لأنه بالإجماع الاقتصار على واحدة جائز، ما هو على سبيل الوجوب، فإذا كان فِعْل القراءة الثانية إذا كان يحصل بها مفسدة فلا حرج من عدم قراءتها.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، ما يزول، من جهة التعبير بالماضي ما يزول، هو الإشكال التعبير بالماضي.
وقوله: ﴿أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ قال المؤلف: (اقتداء به في القتال، والثبات في مواطنه)، هذا التفسير من المؤلف رحمه الله فيه نظر، أيش وجه النظر فيه؟ أنه خَصَّصَه بالقتال، والحقيقة أنه أسوة حسنة في كل ما يفعله، كل ما كان من سنته فإن لنا فيه أسوة حسنة، وقوله: ﴿أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ فيها معنيان:
المعنى الأول: أن التأسِّي بالرسول ﷺ كله حسن؛ لأنه عليه الصلاة والسلام معصوم من الخطأ في التشريع، فكل تأسٍّ به فهو حسن، بخلاف التأسي في غيره، فقد يكون حسنًا، وقد يكون غير حسن.
المعنى الثاني: أسوة حسنة باعتبار تأسِّينَا به، لا باعتبار ما هو عليه، والأسوة الحسنة باعتبار تأسينا به هو أن نكون موافقين له في القول والفعل والقصد الذي هو العقيدة، نوافقه في هذه الأمور الثلاثة؛ في العقيدة والقول والفعل، هذه الأسوة الحسنة، فمن وافقه في قوله دون فعله لم يَتَأَسَّ به أسوة حسنة، ومن وافقه في فعله دون قوله لم يَتَأَسَّ به أسوة حسنة، ومن تَأَسَّى في قوله وفعله دون عقيدته وقصده لم يتأسَّ به أسوة حسنة.
ويدخل في الأسوة الحسنة الدعوة إلى دين الله، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لا شك أنه يدعو إلى دين الله، ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف ١٠٨].
وبهذا نعرف أنه ينبغي لطالب العلم أن يكون حركيًّا في مجتمعه، لا نسخة كتاب فقط، بمعنى أن يكون مُحَرِّكًا لضمائر الناس ومشاعرهم وتوجيههم، ويكون لديه عزيمة في إصلاح الخلق حتى لا يكون مجرد نسخة، اللي مجرد نسخة ويش الفائدة منه، يقول: والله أنا حفظت –مثلًا- متن الزاد وحفظت بلوغ المرام وحفظت المنتقى وما أشبه ذلك، لكن (...) ويش الفائدة؟! أو تقول: أبغي أجلس في بيتي إن جاء أحد يسألني علَّمته وإلا ما..
لا، يجب نبث الوعي بين المسلمين، ولا سيما في هذا الوقت في عصرنا هذا؛ لأن الناس بدؤوا يتحركون، سئموا الحياة السابقة، وصاروا يتحركون الآن، لكن يحتاجون إلى بداية ودلالة؛ لأنهم قد يتحركون إلى شيء سيئ، إنما إذا تولى طلبة العلم الذين وهبهم الله العلم توجيه الناس إلى هذه الأمور حصل في هذا خير كثير، كما كان نبينا ﷺ يفعل، فالأسوة الحسنة في الرسول يدخل فيها الدعوة إلى دين الله عز وجل.
قال: ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾، صار الحسنة في ذاتها وفي تطبيقها؛ في ذاتها بمعنى أن التأسي به حسن، ولا يمكن أن يكون عليه الصلاة والسلام شيء من أفعاله غير موصوف بالحسن، وحسنة في تطبيق هذا التأسي بالعقيدة والقول والفعل.
لكن قال: ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾، ﴿لِمَنْ كَانَ﴾ يقول المؤلف: (بدل من ﴿لَكُمْ﴾ )، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ﴾ ﴿أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ لكن لمن كان يرجو الله، فهو بدل بعضٍ من كُلٍّ بإعادة العامل، كذا؟ أجيبوا يا إخوان، بدل بعض من كل بإعادة العامل، ﴿لَكُمْ﴾ الخطاب يشمل من يرجو الله واليوم الآخر ومن لا يرجوه، و﴿لِمَنْ كَانَ﴾ يَخُصّ مَن كان يرجو الله واليوم الآخر، فهو بدل بعض من كل.
وهل هو بدل بعض من كل في الذات أو في المعنى والصفات؟
إذا قلت: أَكْرِمِ القومَ بعضَهم، هذا بدل بعض من كل في الذات، لكن هنا في الذات ولَّا في الصفات؟ في الصفات، ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾، وقولنا: بإعادة العامل، وين العامل الذي أُعِيد؟ اللام، حرف الجر، فإنها موجودة في البدل والْمُبْدَل منه؛ موجودة في الْمُبْدَل منه في قوله: ﴿لَكُمْ﴾، وفي البدل في قوله: ﴿لِمَنْ كَانَ﴾.
وقوله: ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ﴾ قال المؤلف: (يخاف الله).
ولعل قائلًا يقول: كيف نفسر الرجاء بالخوف؟ لأن الرجاء هو طلب أو تمني ما كان قريب الحصول، فكيف نفسره بالخوف؟
يقال: إن الرجاء يطلق على الخوف، ويطلق على الأمل، فالرجاء في المحبوب، والخوف من المكروه، ولا يلزم أن يفسَّر بما فسر به المؤلف بأن المراد بالرجاء الخوف؛ لأن رجاء الله واليوم الآخر ثابت أيضًا، الذي هو تمني حصول المطلوب، فإن ما عند الله تعالى من الثواب لمن تأسوا بالرسول عليه الصلاة والسلام، يوجب الرجاء، وما في اليوم الآخر أيضًا من السعادة يوجب الرجاء أيضًا، فالذي يظهر أن المراد بالرجاء هنا معناه الحقيقي الذي هو طلب أن يأمُل الإنسان ما فيه مصلحة له وخير له.
وقوله: ﴿وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ ما المراد به؟ المراد به يوم القيامة، وسُمِّيَ يومًا آخر لأنه لا يوم بعده، فإن ذلك اليوم هو آخر مراحل الخلق؛ لأن للإنسان في هذه الدنيا أربع مراحل: مرحلة في بطن أمه، ومرحلة في الدنيا، ومرحلة في البرزخ، ومرحلة رابعة يوم القيامة، أربعة دول.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما فيها (...).
* الطالب: (...).
* الشيخ: كله ما فيه ليل ونهار؛ لأن الشمس تكوّر وتُرْمَى في النار.
وقوله: ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ يقرِن الله تعالى دائمًا الإيمان به باليوم الآخر كثيرًا في القرآن، ﴿آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء ٣٩]، لماذا؟ لأن الإيمان باليوم الآخر يستلزم العمل؛ لأنك إذا آمنت بأن هناك يومًا تجازَى فيه على عملك فسوف تعمل لذلك اليوم، بخلاف الإنسان الْمُنْكِر له، فالْمُنْكِر لليوم الآخر ما يعمل؛ لأنه يعتقد أن ما هناك إلا دنيا فقط، أرحام تدفع وأرض تبلع، ولا شيء، لكن إذا آمن الإنسان باليوم الآخر أوجب له ذلك أن يعمل، ولهذا يقول: ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾.
قال: ﴿وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ بخلاف مَن ليس كذلك، ﴿وَذَكَرَ اللَّهَ﴾ الواو هنا حرف عطف، و﴿ذَكَرَ﴾ معطوف على أيش؟ ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو﴾ يعني: ولِمَن كان ذَكَرَ الله، أو معطوفة على ﴿كَانَ﴾، ﴿لِمَنْ كَانَ﴾، ولِمَن ذَكَرَ، على ﴿كَانَ﴾؛ لأن الفعل الماضي يُعْطَف على الفعل الماضي، وأيضًا إذا جعلتَه معطوفًا على ﴿كَانَ﴾ اتضح المعنى أكثر، ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ﴾ هذا عمل قلبي، ﴿وَذَكَرَ اللَّهَ﴾ عمل جوارح، يقول: معطوفة على ﴿كَانَ﴾ ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ﴾، ولمن ﴿ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾.
قوله: ﴿وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾، ﴿كَثِيرًا﴾ هذه مفعول مطلق، أي: ذِكْرًا كثيرًا، وذِكْر الله عز وجل يكون بالقلب وباللسان وبالجوارح؛ يكون بالقلب بأن يتفكر الإنسان في آيات الله، وفي أسمائه وصفاته، هذا ذِكْر بالقلب، ويكون بالجوارح باللسان كالتسبيح والتهليل والتحميد، وما أشبه ذلك، ويكون بالجوارح غير اللسان مثل الصلاة، فيها ركوع وسجود، وقيام وقعود، وهي ذِكْر.
فالذِّكْر إذن يكون في القلب وفي اللسان وفي الجوارح، والإنسان العاقل الحازم المؤمن لا يزال يَذْكُر الله سبحانه وتعالى؛ لأن في كل شيء من مخلوقاته آيةً تدل على وحدانيته سبحانه وتعالى، وعلى حكمته، فأي شيء تشاهد من هذا الكون سيُذَكِّرك بالله عز وجل، كذلك بالنسبة لأعمالك إذا كنت حازمًا فإنك تستطيع ألَّا تعمل عملًا إلا كان عبادة، الإنسان الحازم يجعل من العادات عبادات، والإنسان الغافل يجعل من العبادات عادات، فإذا كان الإنسان حازمًا فإنه لن يضيع عليه لحظة من عمره، لا بد أن يستغلها في ذِكْر الله سبحانه وتعالى.
هل من ذكر الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ نعم من ذِكر الله، قراءة القرآن من ذكر الله، كل قول أو فعل يقرِّب إلى الله عز وجل فإنه من ذِكر الله عز وجل.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما أدري والله (...).
قال تعالى: ﴿يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا﴾ [الأحزاب ٢٠].
* يستفاد منه: قوة جُبْن هؤلاء المنافقين، حيث يظنون أن العدو باقٍ وهو قد ذهب، أو لا؟ فإن قلت: هل لهذا شاهد؟ قلت: نعم، لو أن رجلًا جبانًا رأى أسدًا في مغارة، وذهب الأسد من هذه المغارة وأُخْرِج، فقلت لهذا الرجل الجبان: تفضل امشي من عند المغارة هذه، أيش يقول؟ يقول: لا، فيها أسد؛ لأنه جبان، فالجبان يظن أن عدوه لم يبرح مكانه ويخشى حتى مِن ظِلِّه.
* يستفاد من الآية الكريمة أيضًا: أن هؤلاء المنافقين لو عاد الأحزاب مرة أخرى لوَدُّوا أنهم في الأعراب لا في المدن؛ لقوله: ﴿وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ﴾ [الأحزاب ٢٠]، وأيهما أحسن عيشًا؛ عيش البادية ولَّا عيش المدن؟ المدن، لكن لجبنهم يتمنون أن يذهبوا إلى الأعراب إلى البادية ولا يحضروا هؤلاء الأحزاب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء المنافقين لا يريدون أن يشاركوا المؤمنين في معاركهم؛ لقوله: ﴿يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ﴾، هم يحبون أن يكونوا بعيدين عن المعارك، ما يتَحَسَّسُون إلا الأخبار فقط.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المنافق لو شارك المؤمنين في القتال فإنه لن يقاتل إلا قليلًا، ﴿وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا﴾.
وهاهنا مسألة: هل يجوز لنا أن نشارك المنافقين في قتالنا إذا علمنا أنهم منافقون أو لا نشاركهم؟ لا نشاركهم؛ لأن ضررهم علينا أكثر بكثير من نفعهم، أما مَن لا نعلم حالهم فإن الأصل أن يؤاخَذ الإنسان بظاهر حاله.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: الله أعلم بما في قلبه، لكن في ظني إن ما أحد يخاف إلى هذا الحد؛ لأنه ويش بيخاف؟ غاية ما عنده القتل، وهو إذا قُتِلَ في سبيل الله خير من أن يموت على ..
* طالب: (...)؟
* الشيخ: هؤلاء يمكن القط لو يتحرك خافوا منه، يجب أن الإنسان يتغلب على هذه الأشياء.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: كل خوف يمنعك من واجب فهو مذموم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا لا، هذا ما هو بصحيح، هذا من جنس ما ورد في ثعلبة، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ﴾ [التوبة ٧٥]، هذا الخبر المشهور عند العامة الآن والذي يتحدث به كل مَن يَعِظُ الناس كذب ما هو صحيح.
* طالب: (...).
* الشيخ: هذا ثعلبة، يقولون: إنه رجل جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام واستأذنه أن يخرج عن المدينة لغُنَيْمَةٍ له، ولكن الرسول منعه، فأَصَرَّ وخرج، وصار يتخلَّف؛ لأنه قد عاهَد الله إن آتاه من فضله أن يتصدق ويكون من الصالحين، ثم إن الرجل نَدِمَ وجاء إلى الرسول تائبًا، ولكنه ما قَبِلَ توبته، ثم جاء إلى أبي بكر تائبًا ولم يقبل توبته، ثم جاء إلى عمر تائبًا ولم يقبل توبته، وهي مشهورة عند العامة.
* طالب: (...).
* الشيخ: هذه ابن حجر رحمه الله في تعليقه على تفسير الزمخشري تخريج أحاديثه يقول: إن سنده واهٍ جدًّا، وفي أحاديث الإخوان من الجامعة الإسلامية كتب تحقيقًا في هذا، رسالة، وبَيَّنَ أن هذه القصة كذب وباطلة.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) أن تصدق؛ لأن هذا بعيد أن الرجل يأتي ويتوب توبة صحيحة صادقة، ثم.. هذا ما يمكن.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما ينقسم إليه إن شاء الله بالتوحيد.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ [الأحزاب ٢١].
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: وجوب التأسي بالنبي ﷺ، من أين يؤخذ ؟ من قوله: ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾؛ لأن رجاء الله واليوم الآخر واجب.
* ويستفاد من هذه الآية الكريمة: أن محمدًا رسول الله؛ لقوله: ﴿فِي رَسُولِ اللَّهِ﴾.
* ويستفاد منها: أن جميع طريق النبي عليه الصلاة والسلام حسن، ليس فيه سيئ؛ لقوله: ﴿أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾.
* ويستفاد منها: أن الواجب علينا أن يكون تأسينا برسول الله ﷺ تأسِّيًا حسنًا، لا غُلُوّ فيه ولا تفريط؛ لقوله: ﴿حَسَنَةٌ﴾؛ لأن الغلو زيادة، والتفريط نقصان، ودين الله عز وجل بين الغالي فيه والْمُفَرِّط فيه.
* ويستفاد من الآية الكريمة: وجوب رجاء الله عز وجل واليوم الآخر، لكن شوف نقول: وجوب، من أين يؤخذ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي، ما يخالف، لكن الوجوب، يعني لو قال قائل: منين نأخذ الوجوب؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: وهي؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لأن هذا من تمام الإيمان بالرسل، نتأسى به رجاء لله واليوم الآخر.
* ويستفاد منها: الإيمان باليوم الآخر؛ لقوله: ﴿وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾، وسُمِّي يومًا آخِر؛ لأنه (...) آخر أيام الدنيا، الدنيا كذا، ولَّا آخر مراحل الإنسان، آخر مراحل الإنسان كما سبق لنا في التفسير.
* ويستفاد من الآية الكريمة: مشروعية كثرة الذِّكْر؛ لقوله: ﴿وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾، وقد بَيَّنَ الله تعالى في سورة آل عمران عن أولي الألباب أنهم يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، والإنسان إما قائم أو قاعد أو على جنب، وهم يذكرون الله في كل هذه الأحوال.
{"ayahs_start":17,"ayahs":["قُلۡ مَن ذَا ٱلَّذِی یَعۡصِمُكُم مِّنَ ٱللَّهِ إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ سُوۤءًا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ رَحۡمَةࣰۚ وَلَا یَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِیࣰّا وَلَا نَصِیرࣰا","۞ قَدۡ یَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلۡمُعَوِّقِینَ مِنكُمۡ وَٱلۡقَاۤىِٕلِینَ لِإِخۡوَ ٰنِهِمۡ هَلُمَّ إِلَیۡنَاۖ وَلَا یَأۡتُونَ ٱلۡبَأۡسَ إِلَّا قَلِیلًا","أَشِحَّةً عَلَیۡكُمۡۖ فَإِذَا جَاۤءَ ٱلۡخَوۡفُ رَأَیۡتَهُمۡ یَنظُرُونَ إِلَیۡكَ تَدُورُ أَعۡیُنُهُمۡ كَٱلَّذِی یُغۡشَىٰ عَلَیۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلۡخَوۡفُ سَلَقُوكُم بِأَلۡسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلۡخَیۡرِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَمۡ یُؤۡمِنُوا۟ فَأَحۡبَطَ ٱللَّهُ أَعۡمَـٰلَهُمۡۚ وَكَانَ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣰا","یَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ یَذۡهَبُوا۟ۖ وَإِن یَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ یَوَدُّوا۟ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِی ٱلۡأَعۡرَابِ یَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَاۤىِٕكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُوا۟ فِیكُم مَّا قَـٰتَلُوۤا۟ إِلَّا قَلِیلࣰا","لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا"],"ayah":"یَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ یَذۡهَبُوا۟ۖ وَإِن یَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ یَوَدُّوا۟ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِی ٱلۡأَعۡرَابِ یَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَاۤىِٕكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُوا۟ فِیكُم مَّا قَـٰتَلُوۤا۟ إِلَّا قَلِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق