الباحث القرآني
﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧] فيها قراءتان: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ على أنه فعل ماضٍ فتكون الجملة صفة لـ﴿شَيْءٍ﴾، أو﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ فتكون بدل اشتمال، وقد أعطيناكم قاعدة في معرفة بدل الاشتمال، وهي أن تجعل البدل مضافًا إلى المبدل منه، ففي قوله: ﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ اجعل (خلْق) مضافة إلى كل شيء (الذي أحسن خلق كل شيء) وتقول مثلًا: نفعني زيد علمه تقول: نفعني علم زيد، واشتريت زيدًا ثوبه.
* طالب: ثوب زيد.
* الشيخ: ثوب زيد، على أن ثوبَه تحتمل أن تكون بدل الغلط، أراد أن يقول: اشتريت ثوب زيد، فقال اشتريت زيدًا ثوبه.
* طالب: بدل البعض.
* الشيخ: إلا، يصلح، لكن هذاك بعض، ما هو باشتمال، لو قلت: مثلًا أكلت الرغيف ثلثَه، صح أن تقول: أكلت ثُلُثَ الرغيف.
* طالب: القاعدة (...).
* الشيخ: لا، بس، الفرق بينهما أن هذاك بعض، هذا ظاهر لو ما جعلت قاعدة، واضح.
* طالب: أنا كنت بسأل (...).
* الشيخ: إي نعم.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، الظاهر أنها السماء الدنيا كما قلنا في التفسير.
* الطالب: قلنا: (...) علو الله.
* الشيخ: معلوم؛ لأنه إذا كان في السماء فهو عال، وهو فوق السماء الدنيا.
* الطالب: يدبر الأمر من السماء فكان الأمر صادرًا من السماء.
* الشيخ: إي، هو كذلك، هو مارًّا بالسماء ما دام أنه فوق السماوات السبع إذا نزل الأمر لا بد أن يمرَّ من السماء.
* طالب: لماذا خصَّ السماء الدنيا؟
* الشيخ: لأن في ألف سنة؛ لأن لو كانت السماء السابعة مثلًا ما هي بالمدة، إذا جعلنا بين كل سماء إلى سماء خمس مئة عامٍّ وقُطر كل سماء خمس مئة عام يكون أكبر من هذا.
* طالب: (...) يرجع إلى السماء الدنيا أيضًا.
* الشيخ: يرجع إلى السماء الدنيا مارًّا بها، أو ثم يعرج إليه إلى الله ما فيه، ما هو بالسماء الدنيا، ثم يعرج إليه أي: إلى الله، ما هو بـ(إلى الدنيا).
* طالب: (...).
* الشيخ: ما يضرُّ، وكيف التقدير؟
* طالب: أنا أسأل إذا قلنا: ألف سنة نقول: يعرج إلى (...) العلو (...).
* الشيخ: لا، إلى الله، يعرج إلى الله، إلى الله تعالى فوق السماء السابعة أو نقول: يرجع إلى السماء؛ لأنه ابتداء السماوات اللي هي مقابل الأرض، يرجع إلى السماء مارًّا بها، ثم يصعد إلى الله عز وجل، المهم أن اللي يظهر أنها السماء نفسها ما هو بالعلو؛ لأنك إذا قلت: العلو، فإن أردت عُلُوًّا خاصًّا فعيِّنْه، وإن أردت عُلُوًّا مُطْلَقًا، فما الذي يدرينا أنه (...)؟ هو ما يتصور، إنه (...) إلا إذا جعلنا السماء هي الدنيا فقط.
* طالب: قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [السجدة ٤] حديث أن نسبة الأرض والسماوات إلى الكرسي أنها حلقة، وأيضًا الكرسي بالنسبة للعرش أيضًا سيقولون: إن العرش بالنسبة لقدم الرحمن كحلقة (...).
* الشيخ: لقدم الرحمن.
* طالب: نعم.
* الشيخ: ما سمعت به، يقولون: إن الكرسي موضع القدمين، هذا الثابت عن ابن عباس، والعرش لا يعلم قدره إلا الله، أو لا يقدر قدره إلا الله، هذا زيادة تأكد منها، لكن (...).
* * *
﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ [السجدة ٧] ﴿بَدَأَ﴾ يعني: ابتدأه.
وقوله: ﴿خَلْقَ الْإِنْسَانِ﴾ المراد الجنس أو المراد العين؟ ﴿بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ﴾ المؤلف مشى على أن المراد العين، الإنسان المعين وهو آدم ﴿خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾، ويحتمل أن يكون المراد به الجنس، ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ﴾؛ لأن آدم من الإنسان يكون الله بَيَّن أن ابتداء خلق هذا الإنسان أصله من الطين، وفرق بين قوله: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ﴾ وبين خلق الإنسان من طين، فإن الأخيرة أَبَيَن في كون المراد بها شخصًا معينًا بخلاف بدأ، على كل حال الآية محتملة؛ لأن يكون آدم أو أن يكون المراد به الجنس على القول بأنه آدم (...).
﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ﴾ [السجدة ٨] أي: نسل الإنسان الذي ابتُدِئ من الطين ﴿جَعَلَ نَسْلَهُ﴾ يقول: (ذريته)؛ لأن النسل بمعنى الانفصال كما في قوله تعالى: ﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾ [الأنبياء ٩٦] أي: ينفصلون مسرعين؛ فالنسل هو الذرية؛ لأنها ناسلة من أبيها أي: منفصلة ﴿جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ [السجدة ٨].
قوله: ﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ﴾ ﴿مِنْ مَاءٍ﴾ هذه صفة لـ﴿سُلَالَةٍ﴾ سلالة من الماء، والغريب أن المؤلف فسَّر السلالة بالعلقة، وليس كذلك، بل السلالة الخالص من الشيء، سلالة الشيء خالصه الذي يُسَلُّ منه.
وقوله: ﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ﴾ أي: من خالص من هذا الماء؛ لأن الماء بإذن الله اللي هو المني هذا يشتمل على حيوانات منوية منها يخلق الإنسان، هذه النطفة بمنزلة القمقم في الرحل يعني فيها من الحيوانات فيها الحيوانات المنوية، فهذا هو السلالة.
وقوله: ﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ قلت لكم: إنها صفة لأيش؟ لـ(سلالة) أن هذه السلالة من هذا الماء، قد تقولون: لماذا لا تجعلون ﴿مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ بيان لقوله: ﴿مِنْ سُلَالَةٍ﴾؛ يعني: من سلالة هي الماء المهين، إذن هذا خلاف الظاهر، والظاهر أنه من سلالة من هذا الماء، والماء المهين يقول: ضعيف وهو النطفة، ووُصِفَ بأنه ضعيف؛ لأنه لا يسيل سيل الماء فهو يسيل ببطء، والماء أقوى منه سيلانًا؛ فلهذا قال: ﴿مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾؛ لأن الماء الغليظ ما هو مثل الماء الذي ليس فيه غلظة.
﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ﴾ [السجدة ٨، ٩] إذا مَشَيْنَا على ما قال المؤلِّف ففيه إشكال كبير، وهو أنه يقتضي أن تسوية آدم بعد جَعْل ﴿سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾، انتبه، وهذا هو الواقع ولّا خلافه؟
* طالب: خلافه.
* الشيخ: خلافه؛ لأن تسوية آدم قبل أن تكون سلالته من ماء مهين، فما هو الجواب عن هذا؟
الجواب من وجهين، أو من أحد وجهين:
إما أن يقال: إن قوله: ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ [السجدة ٨] هذه جملة معترِضة لبيان أن آدم اللي كان من طين كان نسله من السلالة ثم عاد إلى آدم، فقال: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ﴾ [السجدة ٩].
وإما أن يقال: إن هذا من باب الترتيب الذِّكْرِي، وليس من باب الترتيب المعنوي أو الوقتي.
والترتيب الذِّكْري موجود في كلام العرب، ومنه قول الشاعر:
؎إِنَّ مَــنْ سَــادَ ثُمَّ سَـادَ أَبُـوهُ ∗∗∗ ثُمَّ سَادَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ جَدُّهُ
والترتيب هذا على خلاف الواقع، نعم هذا (...).
أما إذا قلنا: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ﴾ أي: النسل ﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾ [السجدة ٩] كما قاله بعض المفسرين فالآية على الترتيب، ما فيها إشكال.
لكن فيه -هذا الوجه أو هذا القول- فيه إشكال في قوله: ﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾ فإن هذا الوصف خاص بمن؟ خاص بآدم، «كما قال موسى له وهو يحاجه: أنت الذي علمك أسماء كل شيء وأسجد لك ملائكته ونفخ فيك من روحه»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٦١٤)، ومسلم (٢٦٥٢ / ١٥) من حديث أبي هريرة.]] فظاهره أن هذا خاص بآدم.
ولهذا الوجهُ الأول أولى من هذا الوجه وإن كان هذا الوجه له قوة من حيث الترتيب بـ(ثم).
لكن من حيث إن نفخ الروح ما كان إلا في آدم وفي عيسى -كما تعرفون- فإنه يدل على أن المراد بقوله: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ﴾ المراد به آدم، ويكون عودًا على بدء.
﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾ كلمة ﴿مِنْ رُوحِهِ﴾ مضافة إلى الله، وفيها إشكال، إذ أن ظاهرها أن آدم فيه شيء من روح الله، فيكون جزءًا من الله، وهذا شيء ممتنع ومستحيل، فما معنى الإضافة إذن؟
نقول: معناها إنها إضافة خلق وتشريف كما قال تعالى: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾ [الحج ٢٦]، ﴿بَيْتِيَ﴾، وهل الكعبة بيت لله يسكنه؟ لا، لكنه بيت أضافه الله لنفسه على سبيل التشريف والتعظيم.
وكما قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ [البقرة ١١٤]، وكما قال تعالى: ﴿نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا﴾ [الشمس ١٣]، ﴿نَاقَةَ اللَّهِ﴾ قلنا: هذه الإضافة على سبيل التشريف والتعظيم لهذا الشيء.
﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾ [السجدة ٩] أي: جعله حيًّا حساسًا بعد أن كان جمادًا.
﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ﴾ [السجدة ٩] ﴿جَعَلَ لَكُمُ﴾ هذا التفاتٌ مِن الغيبة إلى الخطاب ﴿بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ﴾ [السجدة ٧، ٨] كل هذا غيبة، ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ﴾ هذا غيبة، ﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾ هذا غيبة، ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ﴾ هذا خطاب.
والانتقال أو الالتفات يسميه البلاغيون الالتفات، له فائدة، بل فوائد، منها: تنبيه المخاطَب؛ لأن الكلام إذا كان على وتيرة واحدة ما حصل تنبُّه، لكن إذا اختلف يحصل التنبه، سواءٌ اختلف بعود الضمائر كالانتقال من الغيبة إلى الخطاب أو بالعكس، أو اختلف في شدة الصوت عندما يكون الإنسان كلامه هادئًا على وتيرة واحدة ما يكون هناك انتباه، لكن لو أتى بزجر في بعض الأحيان يحصل انتباه ولّا لا؟ يحصل الانتباه، فالالتفات أو تغيير الخطاب كلٌّ يحصل به الانتباه.
﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ﴾ [السجدة ٩] قال: ﴿لَكُمُ﴾ أي: لذريته، الخطاب لا شك أنه للذرية كما قال المؤلف.
* طالب: وما فائدة في الالتفات فيه؟
* الشيخ: هذا فائدته التنبيه؛ الفائدة تكون حسب السياق، إما مثلًا التوضيح أو الزيادة في بيان النعمة أو ما شابه ذلك حسب السياق.
﴿السَّمْعَ﴾ قال المؤلف: بمعنى الأسماع، أنا أستمع فهي الأسماع، لماذا أولها إلى الأسماع؟ لأن ﴿لَكُمُ﴾ خطاب لجمع، وإذا كان الخطاب للجمع لزم أن يكون السمع لكل واحد فيكون جمعًا.
قال أهل اللغة: وإنما أفرد السمع وجمع الأبصار؛ لأن السمع مصدر سَمِعَ يَسْمَعُ سَمْعًا، والمصدر لا يجمع ولا يثنى، وإنما يبقى مُفْرَدًا ويكون المراد به الجنس.
والأبصار جمع بصر وهو القوة الباصرة وليس مصدرًا؛ لأَنَّ المصْدَر إِبْصَار أبصر يبصر إبصارًا فلهذا جَمع هذا المراد به الجنس.
﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ﴾ [السجدة ٩].
﴿الْأَفْئِدَةَ﴾ يعني القلوب فذكر الله سبحانه وتعالى طريق الفهم ومكان الفهم طَريق الفهم ما هو؟ السمع والبصر، ومحل الفهم والوعي هو القلب ﴿جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ﴾، ولهذا يكون السمع والبصر كقناتين يصبان في القلب يتلقيان ما يُسمع أو يُبصر ثم يصبان في القلب وهو محل الوعي والإدراك.
﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ﴾ يعني القلوب، لماذا لم يذكر الشم والذوق واللمس؟
لأن الاتِّعَاظ بالآيات يكون بالسمع والبصر وبدأ بالسمع؛ لأنه أشمل وأعم؛ لأنك تسمع ما لا تراه، ولما كان أشمل وأعم كان الابتلاء به -والحمد لله- أقل لو نسبت الصمم إلى العُمْى لوجدت النسبة قليلة أو لا؟ لأن الصَمَم أشد، فوجود السمع أهم.
وقوله: ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [السجدة ٩] يقول المؤلف: ﴿قَلِيلًا مَا﴾ (ما) زائدة مؤكدة للقلة ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾.
و﴿قَلِيلًا﴾ ويش إعرابها؟ مفعول مطلق؛ يعني: تشكرون شكرًا قليلًا؛ يعني: مع هذه النعم التي ساقها الله عز وجل من ابتداء خلق الإنسان إلى انتقاله في الأرحام إلى خروجه بالسمع والبصر والقلب، مع هذه النِعَم العَظِيمة فالشكر قليل؛ أي: تشكرون شكرًا قليلًا.
و(ما) هذه يقول: زائدة لتأكيد القلة، وهذا معروف حتى في الأساليب العرفية الآن تقول: قليلًا ما؛ يعني: توكيد لهذه القلة، فـ(ما) زائدة؟ والله أعلم (...).
﴿وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [السجدة ١٠].
﴿وَقَالُوا﴾: قال المؤلف: أي: منكرو البعث، قالوا يوردون هذه الشبهة: ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾.
﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ قال المؤلف: (غبنا فيها بأن صرنا ترابًا مختلطًا بها) هذا معنى ﴿ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ يعني: غبنا فيها وصرنا ترابًا كسائر التراب، ﴿أَإِذَا﴾ حصل ذلك ﴿أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ استفهام إنكار؛ يعني: أنكون في خلق جديد بعد أن أَكَلَتْنَا الأرض وضللنا فيها.
والاستفهام هنا إنكاري؛ يعني: لن نكون ذلك، هذه الشبهة هل هي حُجَّة ولّا غير حُجَّة؟
الجواب: ليست بِحُجَّة؛ لأننا نقول: أنتم خُلقتم من تراب، والذي خلقكم أولًا من تراب قادر على أن يعيدكم ثانيًا من هذا التراب ولّا لا؟ إي نعم، ولهذا جاءت الآية بعد ذكر خلق الإنسان من طين لما قال: ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [السجدة ١٠].
﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا﴾ (إذا) هذه شرطية، فأين جوابُها؟ جوابها مفهوم من الجملة بعدها؛ يعني: أئذا ضللنا في الأرض نُنْشأ خلقًا جديدًا؟!
وقوله: ﴿أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ يعني: أيتأكد أننا في خلق جديد؟
ولهذا لو قال قائل: إذا كانت الجملة الاستفهامية هنا للإنكار فكيف تأتي اللام الدالة على التوكيد ﴿أَإِنَّا لَفِي﴾؟
نقول: المراد: ينكرون أن يتأكد ذلك؛ يعني أيتأكد أننا في خلق جديد بعد أن تأكله الأرض كقول إخوة يوسف: ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ﴾ [يوسف ٩٠]، المهم أن هذا التأكيد كأنهم ينكرون ما أُكِّد من كونهم يرجعون.
﴿أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [السجدة ١٠] قوله: ﴿لَفِي خَلْقٍ﴾ هل الخلق هنا بمعنى المخلوق؟ يعني: أئنا لنكون في أمة جديدة؟ أو أنه مصدر بمعنى التقرير؛ يعني: أئنا لفي خلق؛ أي: لأن يخلقنا الله؟ يحتمل المعنيين، وكلاهما صحيح، ولا يتعارضان؛ يعني: أنكون في خلق جديد، في أمة جديدة؟ أو أنُخلَقُ خلقًا جديدًا بعد أن ضللنا في الأرض وكُنَّا ترابًا؟
والجواب: نعم، تكونون في خلق جديد، وما ذلك على الله بعزيز؛ فالذي أنشأكم من التراب قادر على أن يعيدكم منه، حتى لو فني الإنسان كله، مع أنه ورد في الحديث «أنه يفنى كلُّه إلا عَجْبَ الذَّنَب»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨١٤)، ومسلم (٢٩٥٥ / ١٤٢) واللفظ له، من حديث أبي هريرة.]] فإنه مِنه يُخْلَقُ الإنسان كالنواة للشجرة.
ويُستثنى مِن ذلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن الله حَرَّم على الأرض أن تأكل أجْسَادَ الأنبياء، وهذا دليل على قدرة الله عز وجل، وإلا فالأنبياء بشر؛ لأنهم مكونون؟
* طالب: من تراب.
* الشيخ: خلقوا أصلًا من تراب، لكن الآن من لحم وعظم وجلد كسائر بني آدم، ومع ذلك الأرض ما تأكلهم، ما تأكل منهم شيئًا أبدًا، أما غير الأنبياء فإنها تأكلهم، لكن قد يحمي الله عز وجل بدن بعض الناس لا تأكله الأرض على نوع من الكرامة.
* طالب: دائمًا؟
* الشيخ: معنى دائمًا؟
* الطالب: يعني (...) الأنبياء؟
* الشيخ: هذا هو الأصل، أنها (...).
﴿أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ لا، فيها قراءة، بتحقيق الهمزتين، وتسهيل الثانية، وإدخال ألف بينهما على الوجهين في الموضعين (...).
بتحقيق الهمزتين في الموضعين فيُقرأ: ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ هذا التحقيق.
إدخال ألف بين همزتين محققتين: ﴿﴿آإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ آإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ ﴾، كم مِن قراءة هنا؟ قراءتان.
تسهيل الثانية: ﴿﴿أَاِذَا﴾ ﴾ ما تخليها محققة خَلِّيها بين الهمزة والياء ﴿﴿أَاِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ ﴾ بدون ألف.
بألف ﴿﴿آاِذَا﴾ ﴾ ما تبينهما، خليها بين الهمزة والياء، فالقراءات إذن القراءات أربع.
﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (قال الله تعالى: ﴿﴿بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ﴾ ﴾ بالبعث ﴿﴿كَافِرُونَ﴾ ﴾) يعني أن (بل) هنا للإغراق الإبطالي ولّا الانتقالي؟ الإبطالي؛ يعني: بل الأمر ليس كما شَبَّهوا ولبَّسوا، فهم يعلمون قدرة الله لكنهم جاحدون: ﴿بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾ [السجدة ١٠].
وقوله: ﴿بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ﴾ متعلق بـ(كافرون)، (كافرون) خبر المبتدأ (هم) أي: بل، هم كافرون بلقاء ربهم أو بملاقاته، ومتى تكون الملاقاة؟ تكون بالبعث، ومن كفر بلقاء الله فقد كفر بالله، ولهذا قال المؤلف مفسرًا لها بالمراد لا بالمعنى قال: (بالبعث) وإلا فهي أخص من البعث.
اللقاء بمعنى الملاقاة ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق ٦]، الإنسان: أي إنسان، ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ [الانشقاق ٧] إلى آخره؛ يعني: هؤلاء الكافرون بلقاء الله؛ لأنهم لا يؤمنون بالبعث، ومن لم يؤمن بالبعث لم يؤمن بلقاء الله.
ثم قال تعالى: (﴿﴿قُلْ﴾ ﴾ لهم ﴿﴿يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ ﴾ [السجدة:١١] أي: بقبض أرواحكم).
﴿يَتَوَفَّاكُمْ﴾ يقبضكم، كما تقول: توفيت حقي من فلان؛ أي: قبضته، وكذلك استوفيته؛ أي: قبضته على سبيل الوفاء، وهو الكمال.
فمعنى ﴿يَتَوَفَّاكُمْ﴾ أي: يقبضكم، والمُراد قبضُ الأرواح.
وقوله: ﴿مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ مَلَك: مفرد مَلَائِكَة، أو: مُفرد أمْلاك، وهو مُشْتَقٌّ مِن الأَلوُكَة؛ بمعنى الرِّسَالة، وعلى هذا فأصله: مَأْلك، ثم حُوِّل فقُدِّمَت اللام وأُخِّرَت الهمزة، فكانت مَلْأَك، ثم خُفِّف فحُذِفَتِ الهمزة، فصار: مَلَك، ولهذا إذا جُمِعَ جاءَتِ الهمزة، فقيل: ملائِكَة، ولا يقال: مَآلِكَة؛ لأنه صار فيه إعلَال بالتحويل؛ يعني فيه تقديم وتأخير، وهو مِن الألوُكة، أي: الرسالة.
فـ﴿مَلَكُ المَوْتِ﴾ معناه: الذي أُرْسِل -أرسله الله عز وجل لِقبض الأرواح- كما قال تعالى في آية أخرى: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾ [الأنعام ٦١].
وقوله: ﴿مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ أضيف إلى الموت؛ لأنه يُمِيتُ الناس بإذن الله، فسمي ملك الموت، وقد سُمِّي في بعض الآثار بعزْرَائِيل، ولكنه لم يصِحّ عن رسول الله ﷺ.
وقد سبق أن الذين صح أسماؤهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، ومالكٌ خازن النار، ورضوان خازن الجنة، منكر ونكير فيه بعض الشيء بعضهم أنكر هذا.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) بعضهم أنكره، وعلى كل حال عزرائيل ما ثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام، على الرغم من أن هذا الاسم أشهَر أسماء الملائكة عند العامة.
وقوله: ﴿مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ [السجدة ١١] من الذي وكلَّه؟ وكَّلَه الله عز وجل، وهذا التوكيل ليس توكيلًا لحاجة، ولكنه توكيل سلطان وعظمة؛ لأن الرب عز وجل لا يحتاج إلى أحد يعينه، كونه يوكل الملائكة بشيء فليس ذلك على سبيل الحاجة.
أنا إذا وكلت أحد قد أكون محتاجًا إلى هذا؛ لأني لا أستطيع مباشرة العمل، لكن الرب سبحانه وتعالى لا يحتاج، إذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون، لكنه يوكل ذلك توكيل سلطان وعَظَمَة؛ لبيان سلطانه وعظمته، وأن كل شيء في خدمته سبحانه وتعالى وفي عبادته.
وقوله: ﴿الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ [السجدة ١١] أي: وكَّله الله، إذن الله وكيل ومُوَكِّل أوَ لا؟ ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ [النساء ٨١]، ومُوَكِّل: ﴿فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا﴾ [الأنعام ٨٩]، وهنا قال: ﴿الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ [السجدة ١١]، ولكن ليس كونُه وكيلًا بمعنى أنه متوكل لغيره، والمُوَكِّل أعلى منه كما هو معهود، ولكنه وكيل بمعنى رَقيب على عباده مُهَيْمِن عليهم.
وقوله سبحانه وتعالى: ﴿يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ [السجدة ١١] هنا مفرد ﴿يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ﴾، وفي آية أخرى في سياق عام: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ [الأنعام ٦١] فجمع، وفي آية أخرى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ [الزمر ٤٢] في الزمر، فكيف نجمع بين هذه الآيات الثلاث؟
جمع أهل العلم بينهن بأن قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ﴾ [الزمر ٤٢] هذا هو الأصل؛ أن المُتَوَفِّي هو الله؛ لأنه مدبر، المدبر للشيء، والمدبر للشيء فاعل له، كما تقول بَنى الملك قصرًا للحكم؛ يعني ذهب وجاب الزنبيل وجاب الفارُوع وجاب المِسْحَاة وجاب سطل الماء ورَبَّعَ الطين وقام يشيل على متنِه ويبني الْمَلِك؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: ليس الأمرُ كذلك؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: إذن معنى بناه؛ أي: أمر ببنائه، لكن لما كان هذا البناء لا يكون إلا بأمره أُسند إليه، فالله تعالى يتوفى الأنفس، ما يكون توفيها إلا بأمره، فأُسنِدت الوفاة إليه.
أما قولُه: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ [الأنعام ٦١]، وقوله: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ [السجدة ١١]، فإما أن يُقال: إن ﴿مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ هنا مفرد مُضَاف، فيَعُم الملائكة، وهذا له وجه في اللغة العربية لكن ليس بصحيح من حيث الواقع، ولكن الواقع أن ملك الموت له أعوان قبل قبض الروح، وأعوان بعد قبض الروح، أعوان قبل القبض يسوقون الروح من البدن حتى تصل إلى الحلقوم، ثم يقبضها، وأعوان بعد ذلك إذا قبضها فهناك ملائكة الرحمة تنتظر هذه الروح بالكفن الذي من الجنة، فلا يدعونها في يده طرفة عين حتى يأخذوها ويجعلوها في ذلك الكفن، وإن كان الإنسان بالعكس -والعياذ بالله- تكون عنده ملائكة العذاب معهم كفن من نار، لا يدعونها في يده طرفة عين، فيكون هنا المراد الجمع بينهما.
أما إسناد الوفاة إلى الرسل -إلى الملائكة- وهم جمع؛ لأنهم أعوان ملك الموت، فكان لهم نوع مشاركة في هذا الفعل، وملك الموت هو الذي يقبضها إذا بلغت الحلقوم.
وبهذا الجمع يزول الإشكال، ونحن قد بينَّا كثيرًا أن القرآن والسنة ليس فيها تعارض ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء ٨٢]، وأنه إذا رأيت في شيء منهما تعارضًا فاعلم أن ذلك من سوء فهمك أو قلة علمك، فتدبر وتعلم حتى يتبين لك الأمر.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي، لكن الذي يتولى قبضها مباشرة من عند الحلقوم هو ملك الموت، ثم هؤلاء الملائكة اللي بسطوا أيديهم إن كانوا هم الذين ينتظرون قبضها، فهم ينتظرون قبضها ويأخذونها منه، وإن كانوا الآخرين الذين يخرجونها حتى تذهب إلى الحلقوم فكذلك، ما فيه إشكال.
﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ [السجدة١١] يقول المؤلف: (﴿﴿الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ ﴾ أي: بقبض أرواحكم) يعني: لم يوكل بنا في كل شيء ولكنه وكل بنا في قبض الأرواح فقط، لكن هناك ملائكة موكلون بنا في حفظ أعمالنا وفي حفظنا أيضًا، وكذلك ملائكة موكلون في أعمالنا يجوبون الأرض، وينظرون مجالس الذكر، ويجلسون فيها.
(﴿﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ ﴾ [السجدة: ١١] أحياءً فيُجَازيكم بأعمالكم) يعني بعد الموت يرجع الإنسان إلى ربه فيُجازَى بعمله، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر.
ثم قال تعالى: (﴿﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ﴾ ﴾ الكافرون ﴿﴿نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ ﴾ مطأطئوها حياءً، يقولون: ﴿﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا﴾ ﴾ ما أنكرنا من البعث، ﴿﴿وَسَمِعْنَا﴾ ﴾ منك تصديق الرسل فيما كذَّبناهم فيه ﴿﴿فَارْجِعْنَا﴾ ﴾ إلى الدنيا ﴿﴿نَعْمَلْ صَالِحًا﴾ ﴾ فيها ﴿﴿إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ ﴾ [السجدة: ١٢] الآن).
﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ﴾ الخطاب في قوله: ﴿وَلَوْ تَرَى﴾ إما إلى الرسول ﷺ، وإما إلى كل من يتوجه إليه الخطاب، وهذا المعنى أعم، والأخذ به أولى لعمومه، إلا أن يمنع منه مانع، ولهذا الخطابات التي تأتي للمفرد في جميع القرآن الأولى أن تُحمل على العموم، وأن يُراد بها كل من يتوجه إليه الخطاب، إلا إذا منع من ذلك مانع، فتكون خاصة بالرسول ﷺ.
وقوله: ﴿لَوْ تَرَى﴾ (لو) هذه شرطية، و(لو) الشرطية تحتاج إلى جواب؛ يعني إلى شرط وإلى جواب الشرط، فالشرط قوله: (ترى)، والجواب محذوف، تقديره: لرأيت أمرًا فظيعًا.
وقوله: ﴿لَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ﴾ [السجدة ١٢] (إذ) هذه ظرف؛ يعني: لو ترى ذلك الوقت الذي فيه المجرمون على هذا الوصف لرأيتً أمرًا فظيعًا، ﴿إِذِ الْمُجْرِمُونَ﴾ مبتدأ، و﴿نَاكِسُو﴾ خبر، وأين النون التي في ناكسو؟ حذفت لأجل الإضافة، ﴿نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ﴾ أي: مطأطئوها؛ يعني: خافضونها هكذا والعياذ بالله.
﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ يعني: عند الله عز وجل، وهم بين يديه يوم القيامة، ولكن ناكسوها -يقول المؤلف:- (حياءً)، وفي النفس من هذا التفسير شيء، ولكن الظاهر أنهم ناكسوها ذلًّا وخضوعًا لسلطان الله، بدليل قوله: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا﴾ [السجدة ١٢]، أما حياءً فالحياء محمود، لكن كونهم ناكسوها ذلًّا هذا هو الواقع.
﴿نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ ذلًّا، كما قال تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ [الشورى ٤٥].
﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ يقولون: ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا﴾، فجملة ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا﴾ مقول لقول محذوف تقديره: يقولون ربنا أبصرنا؛ يعني: يا ربنا، وندعو الله تعالى باسم الربوبية؛ لأن الغالب أن الجمل الدُعائية تأتي مصدرة بـ(رب)؛ لأن (رب) هو المالك المتصرف.
﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا﴾ قال المؤلف: (ما أنكرنا من البعث)، هذا ما قاله المؤلف، وعليه فيكون مفعول ﴿أَبْصَرْنَا﴾ محذوف، التقدير: ما أنكرنا البعث، ويحتمل أن ﴿أَبْصَرْنَا﴾ هنا أي: حَضَرت أبصارنا وبصائرنا، فيكون أعم مما قدره المؤلف؛ يعني: صرنا ذوي بصر وبصيرة الآن، فيكون أعمَّ؛ يعني كأنه يقول: الآن صِرْنا ذوي بَصَر وبصيرة، وهذا المعنى أعمّ وأبلغ.
وكذلك ﴿وَسَمِعْنَا﴾ يقول المؤلف: (﴿﴿وَسَمِعْنَا﴾ ﴾ منك تصديق الرسل فيما كذبناهم فيه) لأن الله تعالى يقول: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس ٥٢]، ولكن أيضًا هذا الذي قال المؤلف لنا فيه وجه أحسن مما قال، فيكون معنى (سمعنا) أي: كنا ذوي سمع الآن، ولهذا يقولون: ﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ﴾ يعني: فيما وراء ﴿أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك ١٠]، أما في يوم القيامة فيقولون: نعم الآن صرنا ذوي بصر، وصرنا ذوي سمع.
﴿فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ﴾ [السجدة ١٢] ارجعنا إلى الدنيا، وهو فعل طلب؛ أي: دعاء، وليس فعل أمر؛ لأن المخلوق لا يوجه أمرًا إلى الخالق.
وقوله: ﴿نَعْمَلْ﴾ هذا جواب الطلب، جُزِم بجواب الطلب؛ يعني إن تُرجعنا نعمل صالحًا.
وقوله: ﴿نَعْمَلْ صَالِحًا﴾ يعني عملًا صالحًا، والعمل الصالح تقدم كثيرًا أنه ما جمع شرطين، هما: الإخلاص لله سبحانه وتعالى، والمتابعة للرسول ﷺ، هذا هو العمل الصالح.
﴿نَعْمَلْ صَالِحًا﴾ يقول: (فيها ﴿﴿إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ ﴾ الآن فما ينفعهم ذلك ولا يرجعون) معلوم، ما ينفعهم إذا شاهدوا العذاب، فإن الإيمان لا ينفعهم، كل من شاهد العذاب فإنه لا ينفعه الإيمان، ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ﴾ [غافر٨٤]، قال الله تعالى: ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر٨٥]، وما أحد نفعه إيمانه بعد أن رأى العذاب إلا قرية واحدة، قوم يونس لما آمنوا كشف الله عنهم العذاب، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ﴾ [النساء ١٨] له توبة الآن؟ يُرى، شاهَدَ العذاب فلا ينفعه، ولهذا يجب على الإنسان أن يبادر عمره قبل أن يحل به أجله فلا يستطيع الخلاص.
﴿فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة ١٢] أتوا بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستمرار، ﴿إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ متى؟ الآن، لكن ما ينفع، لكن ما رأيكم لو رُدُّوا فماذا يكون الأمر؟
* طالب: لعادوا لما نهوا عنه.
* الشيخ: لعادوا لما نهوا عنه ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ هذا خبر الله عز وجل الذي لا يخلفه ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام ٢٧، ٢٨].
* طالب: شيخ، لكنْ في هذا ضابط (...) أنهم لو ردوا لعادوا.
* الشيخ: ما أدري، ما دام الله يقول هذا الكلام ما بعد كلام الله كلام، الكلام واضح ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾.
* الطالب: والفساق.
* الشيخ: الفساق لا، المراد الكفار، الفساق ما هم دائمون بالنار، يُعذبون بقدر أعمالهم ثم إنهم يدخلون الجنة، والفساق يعبرون الصراط ما يُذهب بهم إلى النار، يعبرون الصراط ثم يتساقطون في النار بحسب أعمالهم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: (...) كاليهود والنصارى مثلًا فإنه لا ينفعهم ما دام كفروا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، الملاحدة الحاليون منهم من يرى أنها حياته الدنيا يموت ويحيا فقط، ولا لهم كتاب ولا شيء، فإما أن يقولها عن عقيدة أو يقولها عن تقليد وعناد.
يقول الله عز وجل: ﴿وَلَوْ شِئْنَا﴾ [السجدة ١٣]، يقول المؤلف: (وجواب (لو): لرأيت أمرًا فظيعًا) يعني: جواب محذوف.
إذا قال قائل: ما هي الحكمة في حذف الجواب؟ ولماذا لا يُذكر من أجل ألّا يكون هناك اختلاف؟ وما هي الحكمة في الإبهام في قوله تعالى: ﴿فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ [طه ٧٨]؟ ولماذا لا يُذكر لأنه أبْيَن؟
الجواب: أنه في مقام التهويل ينبغي الإبهام؛ لأجل أن يذهب الذهن كل مذهب في تعظيم الأمر وهوله؛ لأنه إذا ذكر الشيء قد يهون، لو قيل لك: والله فيه سَبُع عظيم يأكل الناس ويفعل ويفعل ويفعل، وهُوِّل لديك، أنت ما شفته، يكون عندك رعب، لكن ربما إذا شفته يهون عليك الأمر، كذلك مثل هذه الأمور العظيمة إذا أبهمها الله فإنها أعظم وأوقع في النفس وأشد وأعظم؛ ولهذا حُذف الجواب هنا، وأبهم الغاشي في قوله: ﴿فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾، وأُبهمت الحاقة والقارعة في مثل ﴿الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾ [الحاقة ١ - ٣]، و﴿الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ﴾ [القارعة ١، ٢] وما أشبه ذلك، كل هذا من باب التعظيم والتهويل.
قال: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ [السجدة ١٣] -اللهم اهدنا فيمن هديت- ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ (فتهتدي بالإيمان والطاعة باختيارٍ منها).
﴿لَوْ شِئْنَا﴾ الخطاب الضمير يعود على الله عز وجل، وأتى بضمير الجمع تعظيمًا، فإذا قال النصراني: الآلهة ثلاثة، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا﴾ هنا للجمع، جيبوا لنا دليلًا يُخرج هذا اللفظ عن معناه، وإلا فالصواب معنا وأنتم أيها الموحدون على ضلال، وإلا لقال الله: ولو شئت؟
فالجواب: أن هذا من باب التشبيه والتلبيس، وإلا فارجع إلى قوله تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة١٦٣] كم يصير؟ واحدًا، فيكون ﴿لَوْ شِئْنَا﴾ للتعظيم، ﴿وَلَوْ شِئْنَا﴾ من باب التعظيم، والله تعالى عظيم بصفاته، كل صفة من صفاته تقتضي عظمة غير ما تقتضيه الصفة الأخرى، وباجتماع هذه الصفات يكون هناك عِظم أعظم وأجل.
﴿وَلَوْ شِئْنَا﴾ [السجدة ١٣] هذا الجواب الأول ﴿لَآتَيْنَا﴾ أعطينا، ولهذا نصبت مفعولين، المفعول الأول ﴿كُلَّ نَفْسٍ﴾، والثاني: ﴿هُدَاهَا﴾، والهدى بمعنى الدلالة والتوفيق، ولهذا قال: (فتهتدي بالإيمان والطاعة).
ولو شاء الله تعالى لفعل كما قال تعالى في آية أخرى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ﴾ [هود ١١٨، ١١٩]، فالله تعالى لو شاء لجعل الناس أمة واحدة على الإيمان والتوحيد والاستقامة، ولكنَّ حكمة الله تأبى ذلك لأسباب كثيرة، منها: أنه جل وعلا قال للنار: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [السجدة ١٣]، ﴿لَأَمْلَأَنَّ﴾ وهذا قسم وتعهد من الله عز وجل للنار أن يملأها ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ﴾.
ولو كان الناس أمة واحدة على التوحيد صَدَق هذا ولّا ما صَدق؟ ما صدق، فإذن لا بد أن يصدق.
ثانيًا: لو كان الناس على أمة واحدة على التوحيد هل يتميز المؤمن من الكافر؟ كلهم واحد، ما فيه امتحان واختبار، ولو كان الناس أمَّة واحدة على التوحيد لانسَدَّ بابُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، السبب؟ ما فيه منكر حتى يحتاج إلى نهي عن منكر، ولو كان الناس على أمة واحدة على التوحيد لبطل الجهاد أو لا؟ مَن نجاهد؟ ما فيه أحد.
المهم: أن هناك حكم كثيرة في كون الله عز وجل جعل الناس إلى قسمين؛ ولهذا قال هنا: ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي﴾ [السجدة ١٣] ﴿حَقَّ﴾ بمعنى وجب وثبت، و﴿الْقَوْلُ﴾ فاعل، و﴿مِنِّي﴾ متعلق بمحذوف حال من القول، ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ﴾ صادرًا ﴿مِنِّي﴾، ما هذا القول؟ ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ﴾ الجن ﴿وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [السجدة ١٣]، وهنا الفعل مؤكد بالنون وباللام وبالقسم المقدر والتأكيد هنا واجب نحويًا ولّا لا؟ واجب؛ لأنه فيه قسم مثبت مستقبل، لم يُفصل بينه وبين لامه فاصل.
وقوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ﴾ جهنم هذه اسم من أسماء النار، قيل: إنها عربية، والنون فيها زائدة، وأنها من الجهم أو التجهم وهو الظلمة.
وقيل: إنها اسم مُعَرَّب، مو هو عربي لكنه مُعَرَّب، وعلى كل الأقوال فالمراد بها النار -نسأل الله العافية.
﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ [السجدة ١٣] ﴿الْجِنَّةِ﴾ الجن، و﴿وَالنَّاسِ﴾ بنو آدم، ﴿أَجْمَعِينَ﴾ تُملأ من هؤلاء وهؤلاء، وأيهما أكثر؟
* طلبة: الله أعلم.
* الشيخ: الله أعلم، لكن ظاهر القسمة أنهم سواء ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾.
هل الجن -فُهِمَ الآن من هذه الآية ومن آية أخرى أنهم يدخلون النار، كما قال تعالى: ﴿قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ﴾ [الأعراف ٣٨]، يدخلون النار، وهذا بإجماع المسلمين أن كافر الجن يدخل النار- مؤمن الجن هل يدخل الجنة ولّا لا؟
اختلف فيه العلماء، والصواب أنهم يدخلون الجنة، قال تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾ فمن اتقى وأصلح، منين؟ من الجن والإنس ﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأعراف ٣٥، ٣٦].
وقال تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن ٤٦]، ثم ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا﴾ [الرحمن ٤٧] يخاطب مَن؟ الجن والإنس، فهذا دليل أيضًا على أنهم يدخلون الجنة.
وكذلك قوله: ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ﴾ [الرحمن ٥٦]، يدل على أنهم يدخلون الجنة؛ وهذا الذي عليه جمهور أهل العلم.
وقال بعضهم: إنهم لا يدخلون الجنة؛ لأن الذين ولَّوْا إلى قومهم منذرين ﴿قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأحقاف ٣٠، ٣١] ولا قالوا: يدخلكم الجنة. فهذا يدل على أن المؤمن منهم يُجار من العذاب الأليم فقط.
فيُقال: إن هذا استدلال بنص وترك نصوص، وما هكذا حال الإنسان الذي يوفق بين الأدلة، ثم إن مقام هؤلاء القوم مقام إنذار وتخويف ﴿وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ [الأحقاف ٢٩] دون مبشرين (...).
أليس كذلك؟ أعتقد أن البقرة لو فرضت مسابقة في وظيفة تذهب تسابق؟ لا طبعًا؛ لأنه ما هو من شأنها، لكن لو أُلقي علف في زاوية من البيت تسابق إليه؟ نعم، تُسابق إليه؛ لأن الله هدى كل مخلوق لما يناسبه.
* ومِن فوائد الآية الكريمة: تكذيب النظرية (...)، وهي نظرية داروين الذي يقول: إن الخلق نشأ بالتطور، وأن أصل الإنسان قرد، ثم صار على طول الزمن إنسانًا، وعلى قاعدته ما ندري ماذا سيكون الإنسان على طُول الزمن، ولا شك أنَّ هذه النظرية باطلة، وكفر بالله عز وجل، نأخذها من قوله: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ [السجدة ٧] ما أصرح من هذه الآية شيء، ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾.
* ومِن فوائد الآية الكريمة: تمام قدرته تبارك وتعالى، حيث خلق هذا الإنسان العجيب في خلْقه وفهمِه وتدبيرِه وذكائِه من هذا الشيء الجماد؛ وهو الطين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات أفعال الله الاختيارية التي تتعلق بمشيئته، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿وَبَدَأَ﴾ فإن البدء يكون عن عدم.
* ومن فوائدها: أن الإنسان حادث بعد أن لم يكن؛ لقوله: ﴿وَبَدَأَ﴾.
ثم قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ [السجدة ٨].
* من فوائد الآية الكريمة: أن هذا الإنسان الذي خُلق من الطين له نسل، جُعل له نسل من أجل أن يبقى هذا النوع من المخلوقات؛ لقوله: ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ﴾.
* ومن فوائدها: أن الإنسان يُخلق من المني لقوله تعالى: ﴿نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ﴾ [السجدة ٨]، والسلالة هي الخلاصة، والماء المهين هو الْمَنِي، وعلى هذا فهو مخلوق من مَنِي الرجل لا مني الأنثى؛ لأنه ما الماء المهين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: حكمة الله عز وجل لهذا الماء حيث جعله على هذا الضعف وعلى هذا النوع من أجل حفظ الحيوان المنوي، إذ لو كان سائلًا سيولة الماء ما احتفظ بهذه الحيوانات، ولو كان غليظًا أكثر من هذا لكان منه ضرر على هذه الحيوانات فربما تموت، ولكن الله عز وجل جعله على هذا الوضع (...).
ثم قال: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾ إلى آخره [السجدة: ٩].
* يُستفاد من هذه الآيات الكريمة: أن الله تعالى أكمل خلق الإنسان؛ لقوله: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ﴾ ويؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين ٤]، وقوله: ﴿صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ [غافر ٦٤].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان جسم لا يكون إنسانًا إلا بالروح؛ لقوله: ﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾ [السجدة ٩].
* ومنها -وليس بذاك القوي: أن الروح جسم؛ لأنها تُنفخ في هذا الجسم البائد، وهو كذلك، فإن الروح جسم لكنها جسم لطيف لا يُرى، مع أن الملائكة تقبضه وتجعله في الحنوط وتصعد به إلى السماء، لكن نحن لا نراه عندما تخرج روح الميت، فنحن عنده هل نرى شيئًا؟ لا، ما نرى شيئًا.
* ومِن فوائد الآية الكريمة: بيان نعمة الله عز وجل على الإنسان بجعل السمع والأبصار والأفئدة التي بها إدراك المعقول وعقله، إدراك المعقول بماذا؟ بالسمع والبصر، وعقله؟ بالقلب ووعيه.
* ومِن وفوائد الآية الكريمة: أن الإنسان قليل الشكر لقوله: ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [السجدة ٩]، كما أن الشاكر قليل أيضًا، الشاكر قليل والقائم بالشكر على الوجه المطلوب قليل، قال الله تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ ١٣].
* طالب: (...).
* الشيخ: الشاكر قليل؛ لأن معناه أنه من حيث الأفراد والأشخاص واحد في العشرة، هذا قليل، ونفس الواحد هذا أيضًا شكره قليل، والشاكر قليل، وشكر الشاكر أيضًا قليل، فقوله: ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [السجدة ٩] هذا باعتبار شكر الشاكر، وقوله: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ ١٣] باعتبار الأفراد الشاكرين.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ذم من لا يشكر لقوله: ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [السجدة ٩].
* ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يكون شكرُه على حسب النعمة، ففي السمع يستعمل السمع فيما يقرب إلى الله ويمنعه عما حرم الله.
وكذلك في البصر، أما القلب فنعم يجب عليه أن يُعْرِضَ بقلبه عن كل ما حرم الله، وأن يقبل بقلبه على كل ما أمر الله به.
ثم قال عز وجل: ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [السجدة ١٠].
* يُستفاد من هذه الآية الكريمة: توبيخ هؤلاء المنكرين كما سيأتي في آخرها: ﴿بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾ [السجدة ١٠].
* ومن فوائدها: أن هؤلاء المكذبين كانوا شاكِّين في قدرة الله، لقولهم: ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا﴾، ﴿أَإِنَّا﴾.
ويَحتمل أن يكون ذلك منهم مكابرة، وأنهم عالمون بقدرة الله، لكن يكابرون، ويؤيد هذا قوله: ﴿بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾ يعني الأمر واضح، لكن هؤلاء كفار.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تمام قدرة الله عز وجل بإعادة الأموات بعد أن غابوا في الأرض واضمَحَلُّوا فيها، ينشئهم الله تعالى خلقًا جديدًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إبطال قول من يقول: إن البعث إيجاد من عدم؛ لأن فيه من يقول: إن هذا الخلق يعدم بالكلية ثم يُنشأ من جديد، وهذا القول باطل؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لكان الثواب لمن لا يعمل، والعقوبة على من لم يعمل، لو قلنا: إنه يعدم بالكلية ثم ينشأ خلق جديد ويُحاسب، هذا الجديد ما هو موجود الأول، فيكون معاقبًا على ما لم يفعل، ومثابًا بما لا يفعل، والله تعالى قد بين أن الإنسان نفسه هو الذي يُعاد، فليس يُعدم ثم يُخلق من جديد، ولكنه يُعاد: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء ١٠٤]، ما قال: نخلق غيره، الشاهد قوله: ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [السجدة ١٠] ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا﴾ يجي يقول: كيف بعد ما نُغيَّب في الأرض ونكون تُرابًا كيف نُبعث؟ فدل هذا على أن البعث هو إعادة ما سبق، وليس ابتداء خلق جديد.
* ومن فوائد الآية: أنَّ هؤلاء المنكرين للبعث ليس عندهم حُجَّة إلا مجرد الكفر؛ لقوله: ﴿بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾ [السجدة ١٠].
* ومن فوائدها: إثبات ملاقاة الله عز وجل يوم القيامة؛ لقوله: ﴿بِلِقَاءِ﴾، ومثله قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق ٦].
قال تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ إلى آخره [السجدة: ١١].
* يُستفاد من الآية الكريمة: أن الذي يتولى قبض الأرواح ملك الموت؛ لقوله: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات الملائكة؛ لقوله: ﴿مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ والملائكة عالم غيبي خلقهم الله عز وجل من نور، وجعلهم من السامعين المطيعين له، وأقدرهم على فعل المأمور؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء ١٩، ٢٠]، وقال عز وجل: ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم ٦] من كمال الامتثال، وكمال القدرة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: كمال تنظيم الله عز وجل للأمور وإحكامه لها؛ لقوله: ﴿الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ فإن كل ملك موكل بشيء من الأشياء بتمام النظام وإحكامه وإحسانه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عظمة سلطان الله، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ فقد سبق لنا في الدرس أن هذا التوكيل ليس عجزًا من الله عز وجل، ولكنه لبيان سلطانه وعظمته.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الرجوع إلى الله: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ [السجدة ١١].
ويُؤخذ منه إثبات الجزاء؛ لأن هذا هو المقصود من قوله: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ إلى آخره [السجدة: ١٢].
في هذا بيان فظاعة ما يحل بالكافرين يوم القيامة، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿وَلَوْ تَرَى﴾ والمقدر جوابها: لرأيت أمرًا فظيعًا.
* ومن فوائدها: أن هؤلاء المجرمين المستكبرين في الدنيا الرافعي رؤوسهم ستكون حالهم في يوم القيامة على العكس من ذلك لقوله: ﴿نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ﴾ المؤلف يقول: (حياءً) والصواب أنه: ذلًّا وعارًا وخزيًا، والعياذ بالله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المجرمين يوم القيامة يقروُّن بالحق، من أين تؤخذ؟ ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا﴾ [السجدة ١٢] ولكن هل ينفع هذا؟ لا، بعد أن شاهد الإنسان العذاب أو الجزاء ما ينفعه هذا اليوم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء يطلبون الرجعة إلى الدنيا؛ لقوله: ﴿فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا﴾ [السجدة ١٢].
ويتفرع عليها أن الآخرة قد يكون فيها شيء من العبادات؛ لأن الدعاء من العبادة، وهم يدعون الله.
وعليه؛ فمن نفى أن الآخرة دار تكليف أو دار عمل فإن نفيه على سبيل العموم فيه نظرٌ ظاهرٌ، فإن الآخرة قد يكون فيها تكليف: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾ [القلم ٤٢]، ﴿يُدْعَوْنَ﴾ هذا تكليف ولّا لا؟ تكليف، فالآخرة قد يكون فيها تكليف.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء المكذبين يوقنون بالأمر بالآخرة لقوله: ﴿إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة ١٢].
* ومن فوائدها: إقرارهم على أنفسهم بأن عملهم السابق ليس بصواب، منين؟ من قوله: ﴿نَعْمَلْ صَالِحًا﴾ [السجدة ١٢] يعني: وكأنهم في الأول لا يعملون صالحًا.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي﴾ إلى آخره [السجدة: ١٣].
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: إثبات مشيئة الله؛ لقوله: ﴿وَلَوْ شِئْنَا﴾.
* ومن فوائدها: كمال سلطانه؛ قال: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾.
* ومن فوائدها: أيضًا إثبات حكمته، حيث لم يعطِ كل نفس هداها، وقد سبق لنا شيء من الحِكَم في اختلاف الناس إلى مؤمن وكافر.
* ويُستفاد من هذه الآية الكريمة: الرد على القدرية، من هم القدرية؟
القدرية هم الذين يقولون: إن الإنسان مستقل بعمله، ما لله تعالى فيه تقدير ولا خلق، يشاء لنفسه ويفعل بنفسه، ولكن لا تعلق بفعله. هؤلاء هم القدرية، وقوله: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا﴾ يرد عليهم.
ولكن هل في الآية دليل لمسألة الجبرية؟ ظاهرها، إلا أن الآيات الأخرى تدل على أنه لا حجة فيها لهم؛ لأن الله تعالى أعطى الإنسان قدرة واختيارًا، ونحن معشر أهل السنة لا نأخذ ببعض الكتاب ونضع بعضًا، بل نأخذ بالكتاب كله، فنؤمن بأن مشيئة الله فوق كل شيء، ونؤمن بأن للإنسان مشيئة وإرادة وقدرة على العمل؛ وأن الإنسان هو الفاعل، وليس الله هو الفاعل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات كلام الله، أن الله يتكلم؛ لقوله: ﴿حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ﴾ [السجدة ١٣].
* ومن فوائدها: أن كلامه سبحانه وتعالى بحرف؛ لأن قوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ﴾ حروف ولَّا لا؟ حروف، فكلام الله تعالى بحرف.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على من زعم أن كلام الله هو المعنى القائم بالنفس، إذ لو كان كذلك لقال سبحانه وتعالى: ولكن أردت أن أملأها، ولم يقل: ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات النار؛ لقوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ﴾.
* ومن فوائدها: أن الله جل وعلا أوفى المعاهدين، أين؟ أنه وعد النار أن يملأها فوفى لها بما وعدها، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ [التوبة ١١١]، وقال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البقرة ٤٠].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الجن يدخلون النار، منين؟ ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [السجدة ١٣].
وهل يدخلون الجنة؟ تقدم أن في ذلك خلافًا، وأن الصواب أنهم يدخلونها، وبينَّا الأدلة على ذلك من القرآن.
نبدأ درسًا جديد الآن.
* طالب: (...).
* الشيخ: هذه ذكرها الشيخ رحمه الله (...) وقد نُقلت عن بعض السلف، ولكن ما فيه دليل (...).
* طالب: التكليف في الآخرة يكون عليه ثواب؟
* الشيخ: نعم، ولهذا أهل الفترة يكلفون في الآخرة، فمن أطاع منهم دخل الجنة ومن عصى دخل النار.
* طالب: (...).
* الشيخ: (...) للترتيب، من بعد خلق السماوات استوى، لكن قبل أن يخلق السماء ما (...)، فهو حين الخلق غير مستوٍ، وبعد الخلق مستوٍ، وأما قبله فالله أعلم.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["ٱلَّذِیۤ أَحۡسَنَ كُلَّ شَیۡءٍ خَلَقَهُۥۖ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَـٰنِ مِن طِینࣲ","ثُمَّ جَعَلَ نَسۡلَهُۥ مِن سُلَـٰلَةࣲ مِّن مَّاۤءࣲ مَّهِینࣲ","ثُمَّ سَوَّىٰهُ وَنَفَخَ فِیهِ مِن رُّوحِهِۦۖ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَـٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِیلࣰا مَّا تَشۡكُرُونَ","وَقَالُوۤا۟ أَءِذَا ضَلَلۡنَا فِی ٱلۡأَرۡضِ أَءِنَّا لَفِی خَلۡقࣲ جَدِیدِۭۚ بَلۡ هُم بِلِقَاۤءِ رَبِّهِمۡ كَـٰفِرُونَ","۞ قُلۡ یَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِی وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ","وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُوا۟ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَاۤ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَـٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ","وَلَوۡ شِئۡنَا لَـَٔاتَیۡنَا كُلَّ نَفۡسٍ هُدَىٰهَا وَلَـٰكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّی لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِینَ"],"ayah":"وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُوا۟ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَاۤ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَـٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق