الباحث القرآني

أصلًا، وأن القرآن نزل باللسان العربي، واللسان العربي لا (...) أبدًا، وهذا قول مجاهد وهو الصحيح أنه لا معاني لها. فإن قال قائل: كيف تجزمون بأنه لا معاني لها والنفي يحتاج إلى حجة؟ قلنا: نجزم بذلك؛ لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين، واللسان العربي ليس فيه هذه الحروف الهجائية، هذه الحروف في لسان العرب معناها أنها حروف يكون منها الكلام فقط، ولكن ذكروا أن لهذه الحروف الهجائية لها مغزى، ما هو المغزى؟ هو إظهار عجز هؤلاء المكذبين وأن هذا القرآن من هذه الحروف التي تُكَوِّنُونَ منها كلامكم، ومع ذلك فقد أعجزكم، هو لم يأت بشيء جديد إنما أتى بالحروف التي تُرَكِّبُون كلامكم منها، قال: ويدل لذلك أنك لا تكاد ترى سورة ابْتُدِئَتْ بهذه إلا ويليها ذكر القرآن قال: ﴿الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ﴾ [السجدة ١، ٢] القرآن، المراد بالكتاب القرآن، وسُمِّيَ كِتَابًا وهو فعال بمعنى مفعول أي مكتوب، سُمِّيَ كتابًا؛ لأنه كُتِبَ في اللوح المحفوظ وفي الصحف التي بأيدي الملائكة وفي الصحف التي بأيدينا؛ ولهذا سُمِّيَ كتابًا. قال: (مبتدأ)، أيهما مبتدأ ﴿تَنْزِيلُ﴾ ولَّا ﴿الْكِتَابِ﴾؟ ﴿تَنْزِيلُ﴾؛ لأن الكتاب مضاف إليه ما هو مبتدأ، (مبتدأ ﴿لَا رَيْبَ﴾ شَكَّ ﴿فِيهِ﴾ خبر أول). ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [السجدة ٢] يعني أن تنزيل الكتاب مؤكد ما فيه ريب، وهل النفي هنا على بابه أو هو نفي بمعنى النهي أي لا ترتابوا فيه؟ قولان؛ فمن العلماء من يقول: إن النفي هنا بمعنى النهي، فمعنى لا ريب فيه أي: لا ترتابوا فيه. ومن أهل العلم من يقول: إن المراد بالنفي حقيقته، والمعنى أن هذا الكتاب ليس فيه ريب، وإذا لم يكن فيه ريب لزم من ذلك النهي عن الريب؛ لأنه إذا انتفى الريب في القرآن فلا يحل لنا أن نرتاب فيه، وهذا القول أبلغ أن يكون للنفي، ليس فيه ريب سواء ارتاب فيه مَنِ ارتاب أم لم يرتب. فهو حقيقة لا ريب فيه. والريب يقول المؤلف: إنه الشك. ولكن ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يوجد كلمتان مترادفتان في المعاني، بل لا بد أن يكون هناك فارق، وقالوا: إن الريب شك مع قلق ورِيبة، فليس مطلق الحكم، بل هو شَكٌّ خاص، وهو الذي يكون فيه القلق والارتياب، وكون النفس يكون معها انشغال بخلاف الشك من غير ريب. وقوله: (﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [السجدة ٢] خبر ثان)، والمعنى تنزيل الكتاب مُؤَكَّد لا ريب فيه تنزيل الكتاب من رب العالمين، وعلى هذا فيكون الخبر الأول جملة أو لا؟ الخبر الأول لا ريب فيه جملة؛ لأن ﴿لَا﴾ نافية للجنس، و﴿رَيْبَ﴾ اسمها، و﴿فِيهِ﴾ خبرها، فهو جملة، والخبر الثاني من رب العالمين شبه جملة؛ لأنه جار ومجرور. وقوله: ﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ رب العالمين الذي خلقهم وملكهم وملك التصرف فيهم، فالربوبية تشمل ثلاثة أشياء: الخلق، والملك، والتدبير. وقوله: ﴿الْعَالَمِينَ﴾ المراد به ما سوى الله عز وجل، وسُمِّيَ ما سوى الله عالمًا؛ لأنهم علم على خالقهم، فما من شيء إلا فيه آية من آيات الله سبحانه وتعالى تشهد له بالوحدانية والقدرة والعزة وغير ذلك. وقوله: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يعني أن هذا تنزيل الكتاب من الله لا إشكال فيه، فليس قول محمد ولا قول جبريل ولا قول أحد من الخلق، بل هو من رب العالمين وحده، ويجوز في الإعراب أن نجعل ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ في موضعٍ نصبٍ على الحال، ذلك الكتاب خاليًا من الريب، من أين هو؟ ﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، ويجوز أن نجعل ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ خبرًا واحدًا، و﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ حال من قوله: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾، (...) أن تجعل الجملتين خبرين أو إحداهما خبرًا والأخرى حالًا. وعلى كل حال فمعنى الآية الكريمة أن تنزيل الكتاب أمر لا شك فيه وأنه من رب العالمين أيضًا لا شك فيه. وعندي أن أحسن ما يقال في الإعراب أن نجعل تنزيل الكتاب من رب العالمين، و﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ هي الحال، تنزيل الكتاب من رب العالمين لا من غيره، و﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ يكون حالًا. ثم قال: (﴿أَمْ﴾ بل ﴿يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [السجدة ٣] محمد). ﴿أَمْ﴾ يقول المؤلف: إنها بمعنى (بل)، إذن فهي للإضراب الانتقالي وليست للإضراب الإبطالي؛ لأنها لم تُبْطِل ما سبقها، ولكنها مع ذلك مُضَمَّنة معنى (بل) والهمزة، وأصلًا هم يقولون: بل أيقولون افتراه؟ والاستفهام في هذه الآية للإنكار بدليل قوله: لا، يعني أنه ليس مفترى. والافتراء معناه.. ويش معنى الافتراء؟ الكذب فمعنى ﴿افْتَرَاهُ﴾ أي: كذب بادعائه أنه من عند الله. ثم قال تعالى: ﴿بَلْ هُوَ الْحَقُّ﴾ [السجدة ٣] ﴿بَلْ﴾ هنا، ويش (...)؟ للإضراب الإبطالي. قال: بل هو أي القرآن أو الكتاب كما عبر الله به ﴿بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾، بل هو الحق أي الثابت الذي لا يتزلزل، وهو الحق المشتمل على كل خير. وقوله: ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ جار ومجرور حال من قوله: ﴿هُوَ﴾ يعني: حال كونه من ربك، وتأمل في الآية الأولى قال: ﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [السجدة ٢]، وهنا قال: ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾؛ لأن الذي اتُّهِم بالافتراء مَنْ؟ الرسول ﷺ، فأراد الله تعالى أن يبين أن الرسول عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يفتري الكذب؛ لأن له ربوبية خاصة وهي قوله: ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ فالربوبية هنا ربوبية خاصة، ثم بين الله الحكمة من ذلك في قوله: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا﴾ إلى آخره [السجدة: ٣]. (...) من رب العالمين، وهنا قال: من ربك (...)، ما هي الحكمة في اختلاف التعبير بين قوله: ﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وقوله: ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾؟ الحكمة هو أنه لَمَّا أراد أن يخبر عن القرآن من حيث هو قرآن بَيَّن أنه نازل من رب العالمين الذي يعتمد هؤلاء (...) فينزل عليه الكتاب؛ لأنه لما كان رب العالمين وجب على جميع العالمين أن يقبلوا هذا؛ لأنه من ربهم. أما في الثاني ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ فلأنه لما نُسِب الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الكذب في هذا القرآن ذكر الله تعالى ربوبيته الخاصة ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ إشارة إلى أنه رسول الله؛ لأن منزل القرآن مَنْ؟ هو ربه الذي (...) فيربه ربوبية خاصة، عرفتم الآن؟ ففي الأول من حيث وَصْفِ القرآن بأنه قرآن قال: تنزيل من رب العالمين، وفي الثاني (...) ﴿بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ [السجدة ٣] الذي يربك ربوبية خاصة فأنت رسوله. ثم قال تعالى: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا﴾ [السجدة ٣] لتنذر (...) محذوف تقديره (...)، ولكن في المسألة نظر (...) مفعولًا به ففيه نظر، ولكن لا شك أن التقدير به؛ لأنه هو آلة الإنذار التي ينذر به أي بسببه، ولكن المفعول الثاني محذوف غير التقدير الذي ذكره المؤلف؛ لتنذر به قومًا العذاب، وإنما اخترت ذلك؛ لأن قوله: ﴿فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ﴾ [فصلت ١٣] فبين الله تعالى في آية أخرى ما هو المنذر به. (﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا﴾ ما نافية) ﴿أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾. ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ﴾ يقول المؤلف: إن ﴿مَا﴾ نافية، وقوله تعالى في سورة يس: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ [يس ٦]، وهذا الذي قَرَّره المؤلف أن (ما) نافية هو الصواب في إعرابها، وإن كان بعضهم ذكر أنها اسم موصول أي: لتنذر قومًا الذي أتاهم من النُّذُرِ قبلك؛ يعني: تنذرهم العذاب، وعلى هذا الرأي تكون (ما) اسمًا موصولًا وهو المفعول الثاني لـ(تُنْذِر)، لكن الذي مشى عليه المؤلف أصوب أن (ما) نافية. فالخلاصة في إعراب (ما) قولان: أحدهما: أنها نافية فيكون معنى الآية الكريمة: لتنذر قومًا لم يأتهم نذير قبلك. والقول الثاني: أن (ما) اسم موصول؛ أي: لتنذر قومًا الذي أتاهم من النُّذُرِ قبلك. والصواب الأول. والعرب لم يرسل إليهم رسول بعد إسماعيل إلا محمد ﷺ؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ»[[أخرجه أحمد (١٧١٥٠)، والحاكم واللفظ له (٣٥٦٦) من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه.]] في قوله: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ﴾ [البقرة ١٢٩] إلى آخره. وقوله: ﴿مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ إذا قال قائل: ما وجه الفائدة في وصف هؤلاء القوم بكونهم لم يأتهم نذير من قبل؟ الفائدة في ذلك أمران: الأمر الأول: بيان شدة حاجتهم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم في غاية ما يكون من ضرورة إلى بعثته. والثاني: بيان مِنَّة الله عليهم بهذا الرسول عليه الصلاة والسلام؛ حيث إنه هو الرسول الذي أتاهم ولم يأتهم نذير من قبله. وقوله: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ يكثر في القرآن الكريم مثل هذا التعبير ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ فهل هي للرجاء أم للتوقع؟ قال بعضهم: إنها للرجاء، ولكن باعتبار حال المخاطب لا باعتبار حال المتكلم، لماذا لا باعتبار حال المتكلم؟ لأن الله تعالى ما (...) خلقه؛ لأن الرجاء هو الطمع في نيل ما يعسر إدراكه، قد لا يتعذر لكنه يؤمل إلا أن فيه نوع من (...)، والرب عز وجل لا يمكن أن يكون بهذا الوصف فيكون ترجيًّا باعتبار حال المخاطب. وقلنا: إن (لعل) للتعليل، وكون الله تعالى يجعل الشيء علة لشيء هل فيه نقص؟ لا، بل هو من كماله سبحانه وتعالى أن يقرن الأشياء بأسبابها. يَرِد على هذا -هذا القول- يرد عليه أن العلة ملازمة للمعلول، فإذا قال هنا: ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ لزم أن يهتدوا، هذا معه علة، فالعلة ملازمة للمعلول، لَمَّا زعم هذا النذير يلزم اتباعه. فالجواب على ذلك أن يقال: إن العلة علتان: علة باعثة، وعلة غائية؛ والعلة الباعثة موجبة وغير موجبة، وهذه كقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات ٥٦]، مع أنهم ما يعبدونه ما يعبدون الله كلهم. وكقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [النساء ٦٤]، ومعلوم أن كثيرًا من الرسل عُصُوا ما أطيعوا، يكون هنا العلة الباعثة غير الموجبة؛ يعني أن الحكمة من هذا هو هذا، ثم قد تحصل وقد لا تحصل، ومثَّلُوا لذلك بقوله: بَرَيْتُ القلمَ لأكتب به أو لهذه الغاية، ولكن هل يلزم أن تَكْتُبَ ولَّا لا؟ قد تكتب وقد لا تكتب. ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ الاهتداء هنا يشمل هداية الدلالة وهداية التوفيق؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام جاء بهداية الدلالة، والتوفيق بيد الله عز وجل، ولا توفيق إلا بعد علم. (﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ بإنذارك)، ثم قال: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ [السجدة ٤] ﴿اللَّهُ﴾ مبتدأ، و﴿الَّذِي﴾ اسم موصول خبر، و﴿خَلَقَ﴾ بمعنى أوجد بتقدير ونظام، وأن الخلق في الأصل في اللغة التقدير كما في قول الشاعر: ؎وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ ∗∗∗ وَبَعْضُ النَّاسِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَايَفْرِي ويطلق الخلق على الإيجاد بتقدير وهو المراد به هنا، وقوله: ﴿السَّمَاوَاتِ﴾ هي الأجرام المحسوسة وهي سبعة، والأرض المراد بها الجنس فيشمل جميع الأرضين. ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ يعني: والذي بينهما، الذي بينهما ما هو؟ السحاب أو لا؟ كذلك النجوم، القمر، الشمس، وما أشبهها، ويدل على أن هناك أشياء قد لا نعلمها إلى الآن، إلى الآن العلم يكتشف أشياء كثيرة مما بين السماء والأرض، ويدل على أن ما بين السماء والأرض أنه ليس مجرد السحاب فقط، بل يكون وراء ذلك أن الله تعالى جعله قسيمًا لخلق السماوات والأرض، فلا بد أن يكون شيئًا عليمًا يقابل هذه المخلوقات. ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ قال: (أولها الأحد وآخرها الجمعة)، وقد فصَّل الله تعالى هذه الأربعة في سورة فصلت فقال تعالى: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ [فصلت ٩، ١٠] فهمت الآن؟ خلق الأرض كم؟ في أربعة أيام، ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ إلى أن قال: ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾، ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت١١، ١٢] فتكون الأيام ستة أولها الأحد وآخرها الجمعة، وهل هذه الأيام كأيامنا أو كل يوم مقدار ألف سنة أو هي أيام بمعنى ساعات أو لحظات؟ أقوال؛ فمنهم من قال: إنها أيام؛ يعني: لحظات؛ لأن الله إذا أراد شيئًا قال له: كن، فيكون، وعبَّر بالأيام عن مطلق الزمن. ومنهم من قال: إنها أيام كل يوم منها مقدار ألف سنة فتصير كم من سنة؟ ستة آلاف سنة. ومنهم من قال: إنها أيام كأيامنا لأن الأيام إذا أُطْلِقَت فالمراد بها هذه الأيام المعروفة، لا سيما وأنه في سورة فُصِّلَت حددت ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ ﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ فلا يمكن أن نخرج بدلالة القرآن عن المعهود المعروف في اللغة العربية. وإن قال قائل: هذا القول وإن كان ظاهره القرآن يرد عليه أمران: الأمر الأول أنه حين خلق السماوات والأرض ما فيه شمس حتى تُحَدَّد بالأيام، فماذا نقول؟ * طالب: (...). * الشيخ: المهم مقدار هذه الأيام الأمر الثاني (...) أن يقال: لماذا لم تكن في لحظة، أو تكن في أيام طويلة جدًّا في لحظة (...) قدرة الله، كن فيكون، مهما (...) اختبار هذه المخلوقات، يعني ما يكفي ألف سنة ولا ألفين سنة ولا مئة ألف سنة، فهي مخلوقات عديدة ما يكفيها (...). فهي إما أن تقاس بقدرة الله أو تقاس بحسب واقعها، فإن شئتموها بحسب قدرة الله فالأيام الستة ما لها معنى، في لحظة، وإن شئتموها بحسب واقعها بغض النظر عن قدرة الله (...) فيها ملايين السنين؛ لأن المخلوقات عظيمة جدًّا منظمة في غاية النظام. فالجواب على ذلك أن يجعل هذين الإيرادين: الأول عرفنا الجواب عنه، والسنة بحسب علم الله، والله يعلم (...). وأما الثاني فالجواب عنه أن يقال: هكذا قال الله عز وجل، وليس لنا أن نتعدى ما أخبرنا الله به لأن هذا أمر لا يسعنا الإحاطة به، وقد قال الله تعالى: ﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الكهف ٥١]. ونحن نقول في هذه الأشياء: بحسب قدرة الله، لا بحسب واقعنا (...) الله عز وجل، فإذن يجب أن تقاس بقدرة الله ويقال: إن تقديرها بستة أيام حسب ما تقتضيه قدرة الله عز وجل، وليس لنا أن (...). ولهذا اليهود لعنة الله عليهم قالوا: إن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام فلما كان يوم السبت استراح، والعياذ بالله؛ لأن يوم راحة الله هو يوم عيدهم فجعلوا عيدهم يوم السبت، وكذبوا في هذا، الله عز وجل لا يتعب حتى يحتاج إلى راحة. يقول: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ استوى بمعنى علا، استوى على الشيء، وقد ذكرنا فيما سبق أن استوى وردت في القرآن على ثلاثة أوجه: مطلقة، ومقيدة بـ(إلى)، ومقيدة بـ(على) (...) على أربعة أوجه: مطلقة، بـ(إلى)، مقيدة بـ(على)، مقيدة بواو المعية؛ إذا جاءت مطلقة فهي بمعنى كَمُل كما في قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى﴾ [القصص ١٤] (...)، وإذا قيدت بـ(إلى) فهي بمعنى القصد (...) كما في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ﴾ [فصلت ١١]، وفي هذه الآية قول ثان أن ﴿اسْتَوَى﴾ بمعنى علا، ثم علا إليها، ليكون هذا كغيره من الصفات التي (...). الوجه الثالث: مقيدة بـ(على) وتكون بمعنى العلو والاستقرار، كما في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ﴾ [المؤمنون ٢٨]، وكما في قوله تعالى: ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ﴾ [الزخرف ١٣] أي: لتعلوا على ظهورها فتستقروا، ولم تأت بغير هذا المعنى أبدًا في اللغة العربية، إذا عُدِّيَت بـ(على) ما تأتي إلا بهذا المعنى (...)، لا تكون بغيره أبدًا. الرابع: مقيدة بواو المعية فتكون بمعنى تساوى، (استوى) بمعنى تساوى؛ كقولهم: استوى الماء والخشبة؛ يعني تساوى الماء مع الخشبة (...) هو استوى على العرش. ما تأتي في اللغة بغير هذا المعنى إطلاقًا، وقد جاءت في القرآن الكريم في سبعة مواضع ما فيها موضع واحد اختُلِفَ فيه التعبير عن هذا ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف ٥٤] ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه ٥] وما أشبهها، فهو عند أهل السنة والجماعة بمعنى: علا على العرش استقر عليه، وروي عنهم: ارتفع، وروي عنهم: صعد. وارتفع وصعد وعلا معناها متقارب؛ ولهذا اخترنا أن نقول: بمعنى علا واستقر، أما ارتفع وصعد (...). هذا الاستواء استواء بمعنى العلو والاستقرار قَدْ يرد عليه سؤال ويقال: ألستم تقولون: إن علو الله عز وجل بذاته صفة ذاتية أزلية أبدية، ماذا نقول؟ نقول: بلى، نقول: إن علو الله عز وجل بذاته صفة أزلية أبدية لا تنفك عن الله (...) خلق ثم استوى فمعنى ذلك أن (...) ليس مستو على العرش. قلنا: نعم، هذا حقٌّ؛ لأن الاستواء على العرش أخص من مطلق العلو؛ فالعلو لا بد، الاستواء على العرش، العلو على العرش خاصَّةً هذا معنى خاص غير معنى مطلق العلو، واضح ولا لا؟ فهو سبحانه وتعالى عال دائمًا، لكن كونه على العرش نفسه هذا حادث، قطعًا حادث؛ لأن العرش مخلوق وقد بين الله أنه استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض، نعم ولو (...) قبل ذلك فالله أعلم، ما نعرف. ولكن السؤال الآن إذا قلتم: إن معنى استوى على العرش أي: علا واستقر عليه فإنه يرد علينا إشكال، ما هو الإشكال؟ ما هو (...) نقول بأن علو الله عز وجل وصف ذاتي أزلي أبدي فكيف تقولون: إن معنى استوى على العرش علا عليه، وأنتم تقولون: إن العلو صفة ذاتية أزلية أبدية؟ نقول: العلو علوان: مطلق علو، وعلو خاص بالعرش. الأول اللي هو مطلق العلو صفة ذاتية أزلية أبدية؛ أن الله لم يزل ولا يزال عاليًا بذاته على جميع الخلق. أما الاستواء على العرش فهو صفة فعلية خاصة بمن؟ بالعرش. أضرب مثلًا يقرب المعنى؛ الإنسان إذا كان على السطح فهو عال على مَنْ تحت السطح، أليس كذلك؟ فإذا وُضِعَ له كرسي في السطح وجلس عليه صار علوه على هذا الكرسي عُلُوًّا خاصًّا مع ثبوت العلو الأول اللي هو مطلق العلو، لكن هذا علو خاص على هذا الكرسي. فتبين أن هناك فرقًا بين العلو بالمعنى العام فإنه وصف ذاتيٌّ أزليٌّ أبديٌّ وبين الاستواء على العرش الذي هو علو خاص على ذلك العرش؛ ولهذا بعض السلف ورد عنه تفسيره بأنه جلس عليه، وهذا قريب من تفسيره بالاستقرار، فهذا علو خاص، ففرق بين العلو الخاص وبين العلو بالمعنى العام، واضح يا جماعة؟ ننتقل من هذا المعنى إلى أن نقول: هل الاستواء على العرش من الصفات الفعلية أو من الصفات الذاتية؟ الجواب: من الصفات الفعلية؛ لأن كل شيء يتعلق بالمشيئة (...) فهو من الصفات الفعلية، فإذن الاستواء على العرش من الصفات الفعلية. أهل السنة والجماعة يقولون: استوى على العرش أي: علا عليه واستقر، وكيف كان ذلك العلو والاستقرار؟ لا ندري، يجب الوقوف، ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل؛ قيل له: يا أبا عبد الله، ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه ٥] كيف استوى؟ أطرق -رحمه الله- برأسه حتى علاه الرحضاء؛ العرق من شدة وقع هذا السؤال على قلبه، ثم رفع رأسه وقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وينقل عن مالك على غير هذا الوجه قال: إنه قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. ولكن الذي صح عنه بالسند هو اللفظ الأول: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. ثم قال: ما أراك إلا مبتدعًا. مع أنه يحتمل أنه سائل سؤال استفسار، ما هو سائل امتحان؛ ولهذا قال: ما أراك أو ما أظنك إلا مبتدعًا ثم أمر به فأُخْرِج (...). الحاصل أننا نقول: الاستواء غير مجهول، أو أنه معلوم معنى في اللغة العربية، والقرآن نزل باللغة العربية فما معناه لغة؟ عَلا وارتفع. (الكيف غير معقول) يعني: ما نعقله نحن، وهذا أبلغ من كلمة (مجهول) يعني: لا يمكن أن يدركه العقل أو يحيط به؛ لأن الله أعظم من أن تُدْرِك العقول كُنْهَ ذاته وصفاته، ثم إذا انتفى عنه الدليل العقلي ويش بقي؟ الدليل السمعي، ولم يرد السمع بذكر الكيفية. فإذا انتفى عنه الدليلان العقلي والشرعي السمعي فإنه يجب التوقف؛ ولهذا الصحابة رضي الله عنهم التزموا جانب التوقف مع أنهم أحرص مِنَّا على الخير وعلى العلم، فهل سألوا الرسول ﷺ قالوا: كيف استوى؟ أو لا؟ لا، ولهذا قال: والسؤال عنه بدعة؛ السؤال عنه يعني عن الكيفية بدعة، ما صار الصحابة رضي الله عنهم يسئلون عن هذا، ولا يمكن الوصول إليه، فإذن السؤال عنه تَكَلُّف من حيث لا يمكن الوصول إليه، وبدعة من حيث لم يسأل عنه الصحابة رضي الله عنهم. (والإيمان به واجب) (الإيمان به) بماذا؟ بالاستواء على العرش واجب، لماذا؟ ليش واجب؟ لأن الله أخبر به عن نفسه، وما أخبر الله به عن نفسه وجب علينا قبوله، وألا نقيس ذلك بعقولنا، فإذن الحمد لله الاستواء الآن واضح، الاستواء معناه العلو والاستقرار وهو معلوم المعنى، لكن الكيفية مجهولة غير معقولة يعني ما يدركها العقل، ولا (...) عليها، والسمع لم يدل عليها فوجب الوقوف، لكن هل له كيفية استواؤه؟ لكنها مجهولة؛ ولهذا قال: الكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة. (...) محال أن يكون استوى على العرش أي: علا عليه واستقر، ولكن معناه استولى على العرش وقَهَر وملك، وأن الاستواء فيه معنى ذلك أو ما وجدتموه في قواميس اللغة؟ قالوا: وجدناه في قول القائل: ؎قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ∗∗∗ مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ أَوْ دَمٍ مِهْرَاقِ استوى على العراق يعني: استولى عليه، فنرد كلام الله إلى هذا البيت الذي أُنْشِد في عهد بشر بن مروان حين استولى على العراق، وهذا البيت يقال: إن قائله مجهول ما يُعْرف، وسبحان الله أن (...) القرآن الكريم على بيت من الشعر قائله مجهول، وأظن نعرف جميعًا أن الرواية إذا كان فيها راو مجهول فهي مرفوضة (...). ثم نقول: على فرض أن القائل معلوم وأنه من أقحاح العرب الذين لم تتلوث ألسنتهم بعجمية، فإن استوى على العراق لا يصح أن نقول: بمعنى علا على العراق أي عُلُوًّا معنويًّا ما حسيًّا، وينبغي أن يكون المراد بالعلو الحسي أن العراق ما يمكن أن يجلس عليه بشر، أليس كذلك؟ فيكون المانع هنا أمرًا عقليًّا، ويكون الاستواء هنا استواء معنويًّا بمعنى أنه علا عليه علوًّا معنويًّا، وإذا فسرناها بمعنى علا عليه عُلُوًّا معنويًّا صار أبلغ من تفسيره بالاستيلاء أبلغ؛ لأن مجرد الاستيلاء قد لا يحصل به عُلُوٌّ، قد يكون مستوليًا لكنه كالعدم، فإذا قلنا: استوى بمعنى علا علوًّا معنويًّا صار أبلغ في التملك والقهر، واضح؟ فتبين أنه لا حجة في هذا البيت على كل تقدير. ثم إنه مخالف لظاهر القرآن ومخالف لما أجمع عليه السلف والأئمة من أن الاستواء بمعنى العلو والاستقرار فيكون هذا باطلًا. إذن الذي نؤمن به أن الله تعالى استوى على عرشه استواء يليق بجلاله بمعنى علا واستقر، يقول المؤلف: هي في اللغة سرير الملك، الاستواء على العرش إذن هو سرير خاص ولَّا لا؟ سرير خاص يليق (...)؛ قال الله تعالى عن ملكة سبأ حين أخبر عنها الهدد: ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل ٢٣]، وقال تعالى في قصة يوسف: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا﴾ [يوسف ١٠٠] يعني: السرير الخاص بالملك فلا بد أن يكون سريرًا مُفَخَّمًا حسب ملكه، هذا هو السرير، فيكون عرش الرحمن عز وجل أعظم شيء؛ لأنه عرش لأعظم الأشياء وهو الله عز وجل؛ ولهذا ورد في الحديث: أن السماوات السبع والأرَضين السبع بالنسبة إلى الكرسي كحلقة أُلْقِيَت في فلاة من الأرض حلقة (...) صغيرة، ألقيت في فلاة من الأرض، لو ألقيت حلقة (...) في فلاة من الأرض هل يصح أن تنسب إلى الفلاة؟ كم نسبتها؟ ولا واحد من (...)، «وَإِنَّ فَضْلَ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى هَذِهِ الْحَلْقَةِ»، إذن الكرسي بالنسبة للعرش كحلقة أُلْقِيَتْ في فلاة من الأرض، وبهذا تعرف مقدار عظمة الخالق سبحانه وتعالى الذي خلق هذه الأشياء العظيمة. يقول المؤلف: (استواء يليق به) بدنا نناقش المؤلف عن هذه الكلمة؛ هل هذا الكلام يدل على أنه على مذهب السلف في تفسير الاستواء، أو على مذهب الخلف؟ * طالب: ما ندري. * الشيخ: ما ندري؛ لأن الاستواء الذي يليق به الخلف يقولون: الاستواء الذي يليق به هو الاستيلاء هذا الذي يقولون عندهم. والسلف يقولون: الاستواء الذي يليق به العلو على الوجه الذي يليق بالله وهذه يعبر عنها كثير من الناس (...) كلمة الاستواء (...). العبارة هذه مجملة فيجب أن تضيف إليها استوى أي: علا واستقر استواء يليق به. قال: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ [السجدة ٤] ﴿مَا لَكُمْ﴾ ﴿مَا﴾ نافية، والخطاب في قوله: ﴿لَكُمْ﴾ قال المؤلف: (يا كفار مكة)، والصواب العموم يعني: ما لكم أيها المخاطبون، فيشمل كفار مكة وغيرهم. ﴿مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ الدون بمعنى سوى يعني: ما لكم من سواه؛ ولهذا قال المؤلف: (من غيره ﴿مِنْ وَلِيٍّ﴾ اسم (ما) بزيادة (مِنْ))، وين اسم (ما)؟ ﴿مَا لَكُمْ﴾ هذه (ما)، ويقول: ﴿مِنْ وَلِيٍّ﴾ اسم (ما) بزيادة (مِنْ)، وزيادتها هنا من أجل التوكيد والتنصيص على العموم، ولكن قوله: (اسم (ما))، هل فيها إغراب؟ * طالب: (...). * الشيخ: اسم (ما) نافية. * طالب: (...). * الشيخ: إعراب قوله: (اسم (ما)) فقط، ابن مالك ويش يقول؟ * طالب: (...). * الشيخ: لا. ؎....................... ∗∗∗ مَعَ بَقَا النَّفْيِ وَتَرْتِيبٍ زُكِنْ فلا بد في (ما) أن تكون مرتبة يعني الاسم قبل الخبر، فإن لم تكن كذلك فإنها لا تعمل؛ لأن هي ما تعمل إلا على لغة الحجازيين بالشروط التي ذكرها ابن مالك، فيكون كلام المؤلف رحمه الله اسم (ما) يكون قد سقطة قلم أو سهوًا، فإن (ما) هنا غير عاملة، هنا (ما) نافية فقط، وسبب بطلان عملها عدم الترتيب. أين خبر المبتدأ؟ ما هو خبر (ما)، خبر المبتدأ قوله: ﴿لَكُمْ﴾ ﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ يقول: (أي: ناصر ﴿وَلَا شَفِيعٍ﴾ ) فسَّر الولي هنا بالناصر، وقد اعترضوا عليه؛ لأن الله تعالى يقول في آية أخرى: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة ١٠٧]، والعطف يقتضي المغايرة وأن النصير غير الولي؛ ولهذا الأولى أن نفسر الولي بمن يتولى أمر الإنسان، يتولى أمره بجلب الخير له ودفع الضرر عنه، ثم إن قُرِنَت بالنصير صارت خاصة بجلب الخير، والنصير بدافع الشر، فالمراد ﴿مِنْ وَلِيٍّ﴾ أي: من متولٍّ لأمره بجلب الخير له ودفع الشرِّ عنه. وقوله: ﴿وَلَا شَفِيعٍ﴾ أي: شافع يشفع لكم؛ ولهذا قال: (﴿وَلَا شَفِيعٍ﴾ يدفع عذابه عنكم) هذا أيضًا فيه نظر؛ لأن الشفيع ليس يدفع، ولكنه يشفع ويطلب، الدافع هو الناصر والولي، أما الشفيع فإنه ليس يدفع ولكنه يتوسط؛ ولهذا قالوا في تعريف الشفاعة: هي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة التوسط للغير لأن الشفيع يأتي شافعًا للمشفوع له بعد أن كان فردًا صارا اثنين؛ فالصواب أن المراد بالشفيع أي: شفيع يشفع لكم عند الله. فنحن الآن ليس لنا أحد يتولانا من دون الله وليس لنا أحد يشفع لنا عند الله عز وجل، فـ﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ﴾؛ ولهذا لا تكون الشفاعة إلا بإذن الله، أليس كذلك؟ ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة ٢٥٥]. قال: (﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ [السجدة ٤] هذا فتؤمنون؟) ﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ تقدم لنا مرارًا وتكرارًا أن مثل هذه الجملة يرى النحويون في إعرابها وجهين: الوجه الأول: أن تكون الهمزة داخلة على شيء محذوف مناسب للمقام، والفاء عاطف على ذلك المحذوف. والوجه الثاني: أن تكون الهمزة داخلة على الجملة التي بعد العاطف، والعاطف عاطف على ما سبق. وقلنا: إن هذا الوجه أسهل؛ لأن الأول يحتاج إلى تقدير، وقد يكون المقدر صعبًا إذ قد يُشكِل على الإنسان ملاءمته للسياق، فإذا قلت: الهمزة للاستفهام وهي مقدمة على حرف العطف، والفاء حرف عطف، والمعطوف عليه ما سبق، والتقدير بدون تقديم وتأخير، التقدير (فألا تتذكرون). قال المؤلف: (هذا فتؤمنون)، (هذا) أفادنا المؤلف رحمه الله بقوله: (هذا) أن المراد بالتذكر هو البصر به والعلم به، ويحتمل أن يكون المراد بالتذكر الاتعاظ، وعلى هذا فيكون لازمًا لا متعديًّا؛ يعني: أفلا تتعظون بعد أن عرفتم مخلوقاته العظيمة واستواءه على عرشه وأنه ليس لكم من دونه وَلِيٌّ ولا شفيع أفلا تتعظون فتؤمنون. (﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾ مدة الدنيا ﴿ثُمَّ يَعْرُجُ﴾ يرجع الأمر والتدبير ﴿إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة ٥] في الدنيا، وفي سورة (سأل): ﴿خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج ٤]، وهو يوم القيامة لشدة أهواله بالنسبة إلى الكافر). ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾ قوله: ﴿مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾ المراد بالسماء هنا تلك الأجرام المعهودة المعروفة يدبرها من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه، يعرج يعني: يرجع إليه، كيف ينزل من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه؟ ويش اللي يعرج إليه؟ نفس الأمر ولَّا ما يترتب على ذلك الأمر؟ ما يترتب على ذلك الأمر، أما الأمر فهو نازل؛ مثل لو أمر سبحانه وتعالى لو أمر بأن يقوم هذا الرجل بعبادة الله، تكون العبادة ثم يرجع إليه ثواب العمل أو العقاب عليه حسب ما يفعله هذا العبد، كذلك أيضًا ينزل الأمر من السماء بنزول المطر ثم يرجع إليه أثر هذا الشيء بأنه نزل فأحيا به الأرض بعد موتها وما أشبه ذلك. فالأمر نازل ويش بعد؟ وصاعد من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه أي: إلى الله، يعرج بمعنى يصعد، لكن المؤلف رحمه الله فسَّر الآية بأنه يدبره من السماء إلى الأرض في الدنيا ثم يرجع إليه في الآخرة، ثم يعرج إليه في الآخرة، وجعل العروج بمعنى الرجوع ولا شك أن هذا تحريف؛ لأن العروج غير الرجوع ولَّا لا؟ نعم، ويش معنى العروج؟ * طالب: الصعود. * الشيخ: الصعود، يصعد إليه، وليس المعنى أنه يرجع إليه في يوم القيامة حتى يثيب عليه أو يعاقب، فالمؤلف جعل ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ﴾ في الدنيا، في كل (...) الدنيا، تدبير أمر ينزل من السماء إلى الأرض. أما العروج فيكون يوم القيامة وفسَّره بالرجوع. على رأي المؤلف يكون ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ يخالف ما ذكره تعالى في سورة (سأل) لأن في سورة (سأل) قال: ﴿خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج ٤] أجاب المؤلف بما يقتضي أنه يختلف باختلاف الناس فيكون على قوم بمقدار خمسين ألف سنة وعلى قوم بمقدار ألف سنة وعلى آخرين بمقدار أداء فريضة؛ كما قال: وأما المؤمن فيكون أخفَّ عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا كما جاء في الحديث[[أخرج أحمد (١١٧١٧) بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قيل لرسول الله ﷺ: يومًا كان مقداره خمسين ألف سنة، ما أطول هذا اليوم؟ فقال رسول الله ﷺ: «والذي نفسي بيده، إنه ليُخَفَّف على المؤمن، حتى يكون أخفَّ عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا».]]. إذن خلاصة رأي المؤلف أن تدبير الأمر من السماء إلى الأرض متى؟ في الدنيا من أولها إلى آخرها، وأن العروج إلى الله بهذا الأمر متى؟ في الآخرة، وفسَّر العروج بالرجوع فرارًا من إثبات العلو الذاتي. يبقى على المؤلف إشكال وهو أننا إذا جعلنا الرجوع في يوم القيامة ففي الآية هنا كم مقداره ألف سنة، وفي سورة المعارج مقداره خمسون ألف سنة. والجواب عند المؤلف أن يقال: إن اختلاف التقدير هنا باعتبار أحوال الناس، فمنهم من يُخَفَّف عنه حتى يكون كألف سنة، بل قد يكون كأداء صلاة مكتوبة، ومنهم من يُثَقَّل حتى يكون بمقدار خمسين ألف سنة، عرفتم؟ أما على القول الصحيح الذي مشى عليه ابن كثير وأكثر أهل التفسير فيقولون: إن هذا كله في الدنيا التدبير والعروج، وأنه سبحانه وتعالى يُدَبِّر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه آثار هذا التدبير يعرج في الدنيا ولَّا في الآخرة؟ في الدنيا، ويكون المعنى ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ بأن مسافة ما بين السماء إلى الأرض خمس مئة سنة، هذا النزول ومسافتها عروجًا خمس مئة سنة فيكون الجميع ألفًا فيكون معنى قوله: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ باعتبار النزول وباعتبار العروج. وقوله: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ﴾ ﴿فِي يَوْمٍ﴾ هو لا بد أن يكون في يوم كامل أو ﴿فِي﴾ للظرفية ولا تقتضي الاستيعاب؟ الجواب: أن ﴿فِي﴾ للظرفية، ولا تستلزم الاستيعاب؛ يعني: ما هو بلازم إن الأمر ينزل مثلًا عند صلاة الفجر ولا يعرج إلا في الغروب، ما هو لازم، قد ينزل ويعرج في لحظة حسب ما أراد الله عز وجل؛ لأن (في) لا تقتضي الاستيعاب، إذا قلت: زرتك في يوم الأحد، هل يقتضي أن تكون الزيارة مستوعبة لجميع اليوم؟ لا، ولكن في وقتٍ من هذا اليوم. فإذن ﴿فِي يَوْمٍ﴾ أي: في وقت من هذا اليوم، هذا اليوم كان مقداره ألف سنة. * طالب: بالنسبة (...). * الشيخ: نعم، هكذا جاء في الحديث: في كل سماء خمس مئة عام، وبين كل سماء (...) خمس مئة عام. * طالب: هو ذكر ألف سنة (...) مع أن المسافة إلى الله عز وجل أضعاف أضعاف. * الشيخ: لا، هو قال: ﴿مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾ يعني: سماء الدنيا إلى الأرض. * طالب: إلى الله. * الشيخ: لا، ما هو بإلى الله، من السماء. * طالب: ﴿إِلَيْهِ﴾ إلى السماء؟ * الشيخ: إلى السماء، نعم ﴿مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾، ثم يعرج إليه أو إلى الله تعالى، ولا يلزم أن يكون الله في السماء الدنيا. * طالب: (...) هذه الآية ﴿أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ بعد ما يدخل الناس الجنة والنار، وآية (سأل) يعني (...). * الشيخ: إذا دخل الناس الجنة والنار ما لها منتهى، أبد الآبدين. * * * قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ﴾ [السجدة ٦]، (﴿ذَلِكَ﴾ الخالق المدبر) وأتى باسم الإشارة الدال على البُعْدِ لِعِظَمِ شأنه وعُلُوِّه تبارك وتعالى. وقوله: (الخالق المدبر) اللي تقدم هاتان الصفتان فقط؟ نعم، الخالق المستوي على عرشه المُدَبِّر لخلقه، والاستواء على العرش من أهم ما يكون في هذا المقام؛ لأنه مع عُلُوِّه لا يخفى عليه ما غاب ولا ما شوهد، فكان ينبغي أن يذكره المؤلف مع هذا، فهو الخالق وهو المدبر، وهو المستوي على عرشه، ومع علوه واستوائه على عرشه لا يخفى عليه شيء، ومع خلقه أيضًا وتدبيره يخفى عليه شيء ولَّا لا؟ لا يخفى عليه شيء؛ ولهذا الرب عز وجل أعلم منك بنفسك لأنه هو الخالق فهو الذي خلق جسمك وهو الذي يُنَمِّيه، وإذا نما الجسم بمقدار ذرة فإن الله تعالى قد خلق هذا النمو، وهل أنت تشعر بما ينمو في جسمك بمقدار ذرة؟ لا، إذن فالله أعلم منك بنفسك؛ لأنه الخالق فهو المدبر وهو المستوي على عرشه. (﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ أي: ما غاب عن الخلق وما حضر) الغيب ما غاب عن الخلق وهو نوعان: غيب مطلق لا يعلمه إلا الله، وغيب نسبيٌّ بحيث يكون غائبًا عن شخص غير غائب عن آخر. والمراد الأول ولَّا الثاني؟ كلاهما، فهو سبحانه وتعالى يعلم ما غاب عن الخلق غيبًا مطلقًا بحيث لا يعلمه أحد، وما غاب عنهم غيبًا نسبيًّا، فمثلًا الآن الذي في الشارع غائب عنا لا نعلمه، لكن الذين هناك يعلمونه، وما هنا نحن نعلمه، وهم لا يعلمونه، هذا الغيب أيش؟ * طالب: نسبي. * الشيخ: نسبي، أما علم المستقبل وما يكون مما لم يُخْبِرنا الله به فإنه غيب مطلق. ﴿الشَّهَادَةِ﴾ يقول: الحضور؛ لأن شهد بمعنى حضر، وبمعنى أخبر. لها معان، فهنا المراد بالشهادة الحاضر فهو يعلم الغيب والحاضر سبحانه وتعالى. (﴿الْعَزِيزُ﴾ المنيع في ملكه ﴿الرَّحِيمُ﴾ بأهل طاعته) ﴿الْعَزِيزُ﴾ فسَّره المؤلف بأنه المنيع في ملكه، ودائمًا يمر علينا في تفسير المؤلف نفسه فيقول: العزيز بمعنى الغالب، وقد سبق لنا أن العزيز هو من اتصف بالعزة، وأن العزة ثلاثة معان: عزة القدر، وعزة القهر، وعزة الامتناع. فإذا قلت: هذا الشيء عزيز بمعنى أنه ذو قَدْرٍ، كما يقول قائل لأخيه: أنت عزيز عندي؛ يعني لك قدر عندي ومنزلة. وعزيز القهر كما يقال: ﴿وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ [الفتح ٣] يعني: تقهر به الأعداء. والثالث: عزة الامتناع، وهذا كما يقال في الأشياء النادرة: هذا عزيز، وكما في قوله تعالى: ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [إبراهيم ٢٠] أي: بممتنع، فما معنى الامتناع باعتبار كونه صفة لله؟ معناه أنه يمتنع أن يناله نقص في ذاته أو صفاته؛ ولهذا يقول المؤلف هنا: (المنيع في ملكه) فلا يلحقه نقص لا في ذاته ولا في صفاته. وأما قوله: (﴿الرَّحِيمُ﴾ بأهل طاعته) فكأنه أَخذ هذا التحقيق من قوله تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب ٤٣]. والصواب أن الرحيم هو مَنْ رَحِمَ غيرَه، ويشمل المؤمنين وغير المؤمنين، ولكنه إذا قيل: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ فالمراد بالرحيم هنا: الرحيم الخاص، الرحمة الخاصة. أما إذا أُطْلِق فهو رحيم بالخلق كلهم؛ ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النحل ٥٣]. هؤلاء الكفار هل الله عز وجل رَحِمَهم ولَّا لا؟ هل رحمهم الله؟ نعم بالمعنى العام، رحمهم، فهو تعالى يُنْزِلُ عليهم المطر وينبت لهم النبات ويعطيهم الرزق والصحة وغير ذلك، لكن هذه رحمة عامة، أما رحمته بالمؤمنين فهي رحمة عامة وخاصة. (﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة ٧] بفتح اللام فعلًا ماضيًا صفة وبسكونها بدلٌ اشتمال) ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شْيِءٍ خَلْقَهُ﴾ قراءة ثانية سبعية. على القراءة الأولى: ﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ الجملة فعلية صفة لشيء، وعلى القراءة الثانية: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شْيِءٍ خَلْقَهُ﴾ نقول: بدل اشتمال، ويكون المعنى الذي أحسن خَلْقَ كل شيء؛ لأن سبق لنا أن القاعدة في بدل الاشتمال أنه يَصِحُّ إضافته إلى المبدَل منه، نفعني زيد علمُه، تقول: نفعني علم زيد، أعجبني زيد فَهْمُهُ أي: فهم زيد، اشتريت زيدًا ثوبَه أي؛ ثوب زيد، هذا بدل اشتمال؛ أنه يصح أن يضاف إلى المبدل منه، فهنا نقول: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ يعني: الذي أحسن خَلْق كل شيء، والمعنى أنه سبحانه وتعالى هو الخالق، وأن كل شيء خَلَقه فقد أحسنه. ولكن هذا الإحسان يتفاوت؛ ففي الآدمي ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين ٤]، ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾ [الانفطار ٧] فعدَّلَكَ أحسن خِلْقَة من الحيوانات هو الآدمي، ولكن مع ذلك كل شيء له خِلْقَة تناسبه وهي بالنسبة إليه حسنة، ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا﴾ [الأنعام ١٤٢] الحَمولة ما يُحْمَل عليه، والفَرْش ما لا يُحْمَل عليه، كل شيء من هذا وهذا فإنه قد خُلِقَ على أحسن ما يكون وأنسب ما يكون لما خلق له (...). * * * بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى: ﴿الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ﴾ [السجدة ١، ٢]. * من فوائد هذه الآية الكريمة: أن القرآن الكريم لم يأت بجديد في الحروف التي يتكلم بها الناس، ومع ذلك أعجزهم، يؤخذ من قوله: ﴿الم﴾؛ لأن الصحيح أنه ليس لها معنى. * ومن فوائدها: أن القرآن كلام الله من قوله: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [السجدة ٢]؛ وجه ذلك أن القرآن كلام وأضافه الله إلى نفسه فيقتضي أن يكون كلامًا. * ومنها: إثبات علو الله؛ لقوله: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، والنزول لا يكون إلا من أعلى. * ومنها: إثبات أن القرآن الكريم مكتوب؛ لقوله: ﴿الْكِتَابِ﴾، وقد سبق لنا أنه مكتوب في اللوح المحفوظ وفي الصحف التي بأيدي الملائكة وفي الصحف التي بأيدينا. * ومن فوائد الآية: تأكيد أن هذا القرآن منزَّل من عند الله؛ لقوله: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾. * ومن فوائدها: إثبات ربوبية الله سبحانه وتعالى لجميع الخلق؛ لقوله: ﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. * ومن فوائدها: الإشارة إلى أن هذا القرآن مُلزَمٌ به جميع الناس، من أين تؤخذ؟ من قوله: (تنزيله من رب العالمين)، إذا كان ربهم هو الذي أنزله معناه أنه يلزمهم جميعًا العمل بهذا القرآن. ثم قال الله عز وجل: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [السجدة ٣] إلى آخره. * يستفاد من الآية: بيان جرأة هؤلاء المكذبين؛ لقولهم: ﴿افْتَرَاهُ﴾ أي: اختلقه وكذبه. * ومن فوائدها: أن القرآن حَقٌّ غير مفترى؛ لقوله: ﴿بَلْ هُوَ الْحَقُّ﴾. * ومن فوائدها: إثبات رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لقوله: ﴿بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾. * ومن فوائدها: عناية الله برسوله ﷺ حيث أضاف إليه الربوبية الخاصة، وين الربوبية الخاصة؟ ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ هذه الربوبية الخاصة. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الحكمة في إنزال هذا القرآن ﴿لِتُنْذِرَ﴾؛ لأن اللام للتعليل. * ومن فوائدها: بيان مِنَّة الله على هؤلاء الذين أُرْسِلَ إليهم الرسول عليه الصلاة والسلام، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [السجدة ٣]. * ومن فوائدها: شدة الضرورة إلى إرسال الرسول ﷺ، منين نأخذه؟ من كونه لم يأت من نذير من قبله فهم في ضرورة إلى رسالته، هذا على القول بأن (ما) نافية، أما على القول بأنها اسم موصول فيستفاد منها: أن النبي ﷺ أنذر ما أنذرت به الأنبياء من قبله، فيكون إذن مصدقًا لما سبقه من الرسالات. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنذار سبب للهداية؛ لقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [السجدة ٣]، وهذا يشهد به الواقع، فكم من إنسان اهتدى بما أُنذِر. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات رحمة الله تعالى بالخلق؛ حيث أرسل إليهم النُّذُر من أجل هدايتهم. ثم قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ إلى آخره [السجدة: ٤]. * يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن الذي خلق السماوات هو الله لا شريك له، من أين تؤخذ؟ ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ﴾ من كون المبتدأ والخبر معرفتين، وإذا كان المبتدأ والخبر معرفتين فإنهما يفيدان الحصر، الله الذي خَلَق لا غيره. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات ما تضمنته هذه الجملة من العلم والقدرة ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ إذ لا خلق بدون علم ولا خلق بدون قدرة، أو لا؟ * ومن فوائدها: بيان عظمة قدرة الله، كيف؟ لأن خَلْق هذه السماوات والأرض العظيمة يدل على عظمة الخالق، أليس كذلك؟ كما أننا لو رأينا قصرًا مشيدًا وبناء محكمًا استدللنا به على عظمة مَنْ؟ الباني. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن بين السماوات والأرض من الآيات شيئًا كبيرًا، من أين يؤخذ؟ * طالب: (...). * الشيخ: إي، لكن ما وجه أخذه؟ حيث جعله قسيمًا لخلق السماوات والأرض ومقابلًا له. * ومن فوائدها: أن خلق السماوات والأرض تم في ستة أيام مفصلة في سورة فصلت؛ أربعة للأرض، ويومان للسماء. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات علو الله؛ لقوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾، والعرش أعلى المخلوقات. * ومن فوائدها: إثبات استواء الله على عرشه، وهو علوه واستقراره عليه بدون تكييف، ما نكيف. * ومن فوائدها: إثبات قيام الأفعال الاختيارية بالله عز وجل. * طالب: الاستواء. * الشيخ: الاستواء على العرش؛ لأنه من الأفعال التي يفعلها بمشيئته، وهي ما يُعبَّر عنه أحيانًا بالصفات الفعلية. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات عظمة الله وسلطانه؛ من قوله: ﴿عَلَى الْعَرْشِ﴾؛ لأن العرش سرير الملك، وقلنا: إن العرش يعظم بعظم ملكه. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات العرش، والعرش ما هو؟ سرير الملك، هل هو الكرسي أو غيره؟ نقول: هو عند أهل السنة غير الكرسي. * ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ليس للخلق وَلِيٌّ من دون الله؛ لقوله: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾. * ومنها: أنه لا شفيع لهم من دون الله. * ومنها: إبطال تَعَلُّق المشركين بآلهتهم؛ وجهه أنهم إن أرادوا أن تكون وليًّا لهم مغيثًا مُنقِذًا من الشدة فلن يكون ذلك، وإن أرادوا أن تكون شفعاء فلن يكون ذلك، يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، وأحيانًا يطلبون منهم جلبَ الخير ودفعَ الضرر، وكل هذا لا مُتَعَلَّق لهم به، بل هو باطل إذ لا يكون ذلك إلا بإذن الله؛ ﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ﴾. ففي الآية -كما قلت- الفائدة هذه أيش؟ * طالب: إبطال تعلق المشركين.. * الشيخ: إبطال تعلق المشركين بآلهتهم سواء جعلوها أولياء أو جعلوها شفعاء. * ومن فوائد الآية الكريمة: توبيخ مَنْ لا يتذكر بعد هذا البيان؛ لقوله: ﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾، وهذه الفائدة يترتب عليها فائدة أخرى وهي؛ وجوب التذكر بآيات الله عز وجل؛ أن الإنسان يتذكر بآيات الله ما يكون كالذي يمر عليها على أنها ألفاظ عابرة. ثم قال: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ [السجدة ٥]. * في هذه الآية: دليل على كمال سلطان الله تعالى؛ حيث جعل تدبير الأمور إلى مَنْ؟ إليه، يدبر هو، ففيه كمال سلطانه، وأن التدبير له وحده. * وفيه: رَدٌّ على القدرية، رد على القدرية الذين يَدَّعُون أن أمر الإنسان مستقل به الإنسان.. * طالب: لأن الله هو الذي يدبر. * الشيخ: إذن، فيها رَدٌّ على القدرية؟ نعم، لأننا نقول: إن فعل الإنسان من الأمور والذي يدبره هو الله عز وجل. فإن قال قائل: وفيه دليل لقول الجبرية، ويش نقول؟ نقول: لكن هناك آيات تدل على أن الإنسان فاعل بالاختيار ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [التكوير ٢٨، ٢٩]، وفي قوله: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران ١٥٢]، ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾ [المائدة ٢]، وما أشبه ذلك، كلها تدل على أن للإنسان إرادة واختيارًا. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات علو الله عز وجل؛ من قوله: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ [السجدة ٥]، فقوله: ﴿مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ﴾ هذا النزول، ﴿ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ هذا الصعود، ولا نزول إلا من عال ولا صعود إلا إلى عال، فيستفاد علو الله تعالى من الجملتين جميعًا، كل واحدة على انفراد. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن أمر الله عز وجل شامل للسماء والأرض؛ لأنه إذا كان يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، فالسماء من باب أولى، أيهم أقرب إليك؟ السماء. * ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذا التدبير الذي يكون بلحظة في يوم مقداره ألف سنة، نزول وعروج يكون هذا بلحظة؛ لأن الله يقول: كن؛ فيكون، وهذا يدل على كمال نفوذ إرادة الله سبحانه وتعالى وأنه لا يمنعها بُعْد. ثم قال: ﴿ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [السجدة ٦]. * في هذه الآية: إثبات عموم علم الله؛ لقوله: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾. * وفيها، من فوائدها: إثبات هذين الاسمين من أسماء العزيز الرحيم وما تضمناه من الصفة، وهي العزة والرحمة وكمال عزته ورحمته باجتماعهما أنه مع كونه عزيزًا قاهرًا غالبًا فهو أيضًا رحيم؛ لأن بعض الأعزاء إذا عَزَّ لا يرحم أو لا؟ وبعض الرحماء تصل به الرحمة إلى أن يكون في مقام الذُّلِّ، فهو سبحانه وتعالى جامع بين العز والرحمة وهذا من كماله؛ يعني الجمع بين العزة والرحمة فيه كمال أكثر من إثبات العزة والرحمة؛ وهو أن رحمته مقرونة بِعِزٍّ ليست رحمة ذل، وأن عزته أيضًا مقرونة برحمة ليست عزة جبروت لا رحمة فيها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب