الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾ [الروم ٤٤] يقول المؤلف: (وبال كفره وهو النار)، هذا كالتفصيل لقوله تعالى: ﴿يَصَّدَّعُونَ﴾؛ لأن يصدعون يتفرقون بحسب أعمالهم، فقوله: ﴿مَنْ كَفَرَ﴾ هذه نشوف الإعراب: ﴿مَنْ كَفَرَ﴾ (من) شرطية، وفعل الشرط (كفر)، وجوابه جملة (فعليه كفره)، وقوله: ﴿فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾ جملة خبرية مكونة من مبتدأ وخبر، المبتدأ قوله: ﴿كُفْرُهُ﴾، والخبر قوله: ﴿فَعَلَيْهِ﴾ مقدم، وفائدة التقديم الحصر.
﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ [الروم ٤٤] مثلها شرطية، وجواب الشرط قوله: ﴿فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾، وقدم المعمول وهو (لأنفسهم يمهدون) للحصر، وهي فائدة معنوية، ولمراعاة الفواصل، وهي فائدة لفظية؛ لأنه لو قال: فيمهدون لأنفسهم استقام الكلام، لكنه قدم لهاتين الفائدتين.
يقول الله عز وجل: ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾ نعم يعني أي إنسان يكفر فإن وبال كفره عليه لا يضر إلا نفسه، ويكون على غيره ولَّا لا؟ لا يكون على غيره إلا أن يكون ذلك الغير سببًا فيه، فإن كان سببًا فيه صار عليه مثل وزره، قال الله تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل ٢٥]، وقال تعالى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ [العنكبوت ١٣]، وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه مسلم (١٠١٧ / ٦٩) من حديث جرير بن عبد الله.]].
فإذا قيل: هل هذا يناقض الآية ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾ [الروم ٤٤]؟
فالجواب: لا يناقضها؛ لأنه إذا كان هو السبب فإن ذلك من عمله، لكن صورة المسألة مختلفة أنه عمل غيره وعمل نفسه، إنما حقيقة الأمر أن الدال على الكفر فاعل لما يؤزر عليه.
قال: ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ [الروم ٤٤] (يوطئون منازلهم في الجنة) من عمل صالحًا، الكفر في اللغة العربية الكفر: هو الستر، ومنه الكُفُرَّى الذي هو غلاف طلع النخل، ويسمى بلغتنا العامية الكافور، غلاف طلع النخل، هذا يستر الطلع، فالكفر في الأصل هو هذا، والمراد به الخروج عن طاعة الله؛ لأن الخارج عن طاعة الله قد ستر ما أنعم الله به عليه من العقل والعلم وما أشبه ذلك.
وقوله: ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا﴾ العمل الصالح قال أهل العلم: هو ما جمع شرطين أساسيين: أحدهما: الإخلاص، والثاني: المتابعة للرسول ﷺ، ويش ضد الإخلاص؟ ضده الشرك، والمتابعة ضدها الابتداع، فمثلًا إذا وجدنا رجلًا يصلي الصلاة المعتادة لكنه يرائي الناس بها فعمله ليس بصالح، ويش الذي فقد منه؟ الإخلاص، وإذا وجدنا رجلًا قد أحدث نوعًا من العبادات لم يرد به الشرع، لكنه مخلص، يريد بذلك وجه الله، وتجده خاشعًا يبكي ويتأثر بهذه العبادة، لكنها على غير شريعة الله، فهذا عبادته باطلة؛ لفقد المتابعة للرسول ﷺ، ومن ذلك ما إذا أخرج العبادات المشروعة عما شرعت عليه، هي عبادة مشروعة في الأصل لكن أخرجها عما كانت عليه، فإنه لا يُقبل عمله، كما لو صلى الصلاة بعد خروج وقتها متعمدًا بدون عذر فهذا يقبل منه؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: لماذا؟ لأنه ما فيه متابعة، هو مخلص، لكنه غير متابع، وكذلك لو صلى صلاة بغير طمأنينة، لو صلى صلاة ما يطمئن فيها، إذا قال: سمع الله لمن حمده على طول سجد، إذا قام من السجود على طول سجد الثانية، فصلاته باطلة، لو صلى إلى يوم الدين ما قبل الله منه، لماذا؟ لعدم المتابعة، ولهذا لما صلى رجل صلاة لا يطمئن فيها قال له النبي ﷺ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٥٧)، ومسلم (٣٩٧ / ٤٥ ) من حديث أبي هريرة.]]، فنفى عنه الفعل لانتفاء صحته، وإلَّا هو مصل الآن لكن ما هي صلاة.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، هو لو سألته: لماذا صليت؟ قال: ما صليت إلا لله، لكنه خالف أمر الله.
* طالب: ما ينافي الإخلاص هذا؟
* الشيخ: لا، ما ينافي الإخلاص، الإخلاص في القلب؛ لأنه ما قام يصلي علشان الناس، ما همه الناس يقولون: صلى ولَّا ما صلى، صلى لله لكنه خالف أمر الله.
* طالب: هل يلزم أن يفقه ما يقول المصلي؟
* الشيخ: لا، ما هو لازم، ليس بلازم، بس أفضل أن يفقه ما يقول إذا كان قلبه حاضرًا، يعني خاشعًا في صلاته حاضر القلب، فهو أفضل.
* طالب: وخاشع القلب الآن يخشع لأشياء خارج الصلاة ولَّا.
* الشيخ: ويش لون يعني.
* طالب: أي مثلًا وهو يصلي يتفكر مثلًا في..
* الشيخ: لا، لا يخشع في أمور داخل الصلاة، يعني يستحضر ما يقول في صلاته، وما يفعل في صلاته، ما هو مثلًا يروح يتذكر جلسة كان فيها خاشعًا فيما سبق.
* طالب: لا مثلًا يتذكر القبور مثلًا الجنة والنار.
* الشيخ: إي ما يصح إلا إذا مرت به، مرت به مثلًا في أثناء قراءته.
يقول: ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا﴾ إذن العمل الصالح ما هو؟ هو الذي جمع بين شرطين: الإخلاص لله سبحانه وتعالى، والمتابعة للرسول ﷺ.
﴿فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ المهد والتمهيد بمعنى التوطئة، ومنه قولهم: هذا طريق ممهَّد، يعني: موطأ محسن لأجل أن تطأه الأقدام، فمعنى ﴿يَمْهَدُونَ﴾ أي: يحسنون الشيء حتى يكون موطئًا لهم؛ وذلك لأن الذين يعملون صالحًا يتوصلون بعملهم الصالح إلى دخول الجنة، فيسهل لهم الطريق الذي يوصلهم إليها.
وقوله: ﴿فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ تقديم المعمول يفيد الحصر، فإذا قال قائل: هل هذا ينافي ما ثبت فيه الحديث من أن «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فِي الْإِسْلَامِ فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه مسلم (١٠١٧ / ٦٩) من حديث جرير بن عبد الله.]]، نقول: لا ينافيه؛ لأن الذين يعملون حسنة يسنون الحسنات، عملوا ولَّا لا؟ عملوا، فتوبعوا على ذلك، فالأجر الذي حصل لهم من أجل اتباع غيرهم لهم هو في الحقيقة من فعلهم، قال الله تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [الروم ٤٥].
قال: (متعلق بيصدعون) دائما نشوف العلماء إذا جاء ظرف أو جار ومجرور يقولون: متعلق بكذا، متعلق، ويش معنى متعلق؟ يعني أن هذا هو الذي عمل فيه؛ لأن الجار والمجرور والظرف بمنزلة المفعول به، والمفعول به لا بد له من عامل يعمل به، فإذا قال: متعلق بكذا يعني أن هذا هو الذي عمل فيه، ولا بد لكل جار أو ظرف لا بد له من متعلق:
؎لَا بُدَّ لِلْجَـــــــــــــارِ مِنَ التَّعلُّقِ ∗∗∗ بِفِعْلٍ اوْ مَعناهُ نَحْوُ مُرْتَقِي
فإذن معنى قوله: (متعلق بيصدعون) أن العامل في كلمة (ليجزي) قوله: ﴿يَصَّدَّعُونَ﴾، وهذا رأي المؤلف.
ويَحتمل أن يكون متعلقًا بقوله: ﴿يَأْتِيَ﴾، ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ﴾، ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ لأن التصدع في الحقيقة هو نفس الجزاء، فكيف يكون الشيء علة لنفسه، هذا ما يبعد كلام المؤلف، لكن إذا قيل: يأتي هذا اليوم لأجل المجازاة، صار المعنى مستقيمًا واضحًا، فإذا قلنا: إن هذه اللام (ليجزي) لأن اللام حرف جر، إذا قلنا: إنها متعلقة بـ(يأتي) فهو أوضح من قولنا: إنها متعلقة بـ(يصدعون)؛ لأن نفس التصدع والتفريغ الذي يؤوي إلى النار هو نفس الجزاء.
وقال بعض العلماء، بعض المعربين: إنه خبر لمبتدأ محذوف، فهو متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: ذلك ليجزي، والمشار إليه ما سبق، وهذا أيضًا وجيه جدًّا أن يجعل متعلقًا بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف.
قلنا: إن اللام في (ليجزي) حرف جر، والمعلوم أن حروف الجر لا تدخل إلا على الأسماء، وقد تبين لكم بأن من علامات الاسم الجر، دخول (...) عليه، الآجرومية، يقول: الاسم يُعرف بالخفض، والتنوين، ودخول الألف واللام، وحروف الخفض.
فكيف صح أن نقول: إن اللام في قوله: ﴿لِيَجْزِيَ﴾ حرف جر، مع أنها داخلة على فعل؟ نقول: لأن هذا الفعل بمنزلة الاسم؛ إذ إنه فعل مقدر فيه (أن)؛ لأن التقدير: لأن يجزي، و(أن) مصدرية تحول الفعل إلى مصدر، والمصدر اسم ولَّا غير اسم؟ المصدر اسم، فعليه يكون المعنى: لجزائه، لجزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات إلى آخره، عرفتم الآن؟ فإذا دخلت اللام -لام التعليل- على الفعل فإنه يقدر بينها وبين الفعل (أن) المصدرية: لأن يجزي، وقوله: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الفاعل -فاعل الجزاء- هو الله سبحانه وتعالى، وهو ضمير مستتر يعود عليه.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، على أنه منصوب بـ(أن) مضمرة بعد اللام: ليجزي، واللام جارة لما بعدها، باعتبار أن الفعل سيكون مصدرًا.
* طالب: لكن هى نفسها حرف جر.
* الشيخ: إي هي نفسها حرف جر.
* طالب: هي نفسها لام التعليل التي تنصب الفعل المضارع.
* الشيخ: هي نفسها لام التعليل التي ينصب الفعل المضارع بـ(أن) بعدها على رأي البصريين.
* طالب: (...) لام التعليل.
* الشيخ: لا، اللام هي واحدة، ولام التعليل كما تدخل على الفعل تدخل على الأسماء، فلو قلت: جئت لإكرامك فهي لام التعليل، وجئت لأكرمك هي لام التعليل.
وقوله: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الجزاء بمعنى المكافأة، يعني ليكافئهم ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ﴾ (يثيبهم) هذا تفسير للجزاء بمعنى الإثابة، والثواب هو المكافأة، وسُمي ثوابًا لأنه من ثاب يثوب إذا رجع؛ لأنه يرجع إلى الإنسان جزاء عمله، وقوله: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ انتبهوا لهذين الشرطين: إيمان وعمل صالح، فالإيمان وحده ما يكفي، والعمل الصالح وحده لا يكفي، هذا إذا قُرن الإيمان بالعمل، أما إذا قيل: عمل صالح يكفي، أو إيمان يدخل فيه العمل، الإيمان يكون بالقلب، فمن لا إيمان في قلبه لو عمل من الصالحات ما عمل لم ينفعه، المنافق يذكر الله ويصلي وينفق ولَّا لا؟ وربما يخرج في الجهاد، ينفعه عمله؟ لماذا؟ لأنه لا إيمان في قلبه.
الإنسان اللي عنده إيمان بالله سبحانه وتعالى لكنه لم يعمل عملًا صالحًا، ما عمل عملًا صالحًا.
* طالب: ممكن.
* الشيخ: ممكن أيش؟ ممكن يجزى إلا في واحدة فقط، وهي الصلاة، فإنه إذا لم يعملها لا ينفعه إيمان؛ لأنه قد دلت الأدلة على أن هذا العمل وإن كان عملًا بدنيًّا ولكنه يكفر الإنسان بتركه كفرًا مخرِجًا عن الملة، أما غير الصلاة من الأعمال فقد قال عبد الله بن شقيق: «كان أصحاب النبي ﷺ لا يَرَوْنَ شيئًا من العمل تَرْكُه كُفرٌ إلا الصلاة »[[أخرجه الترمذي (٢٦٢٢) من حديث عبد الله بن شقيق.]] يعني لو لم يزكِّ فإنه لا يخرج من الإيمان، لو لم يصم فإنه لا يخرج من الإيمان، لو لم يحج فإنه لا يخرج من الإيمان، هذا هو الصحيح، وعن الإمام أحمد رواية أن جميع أركان الإسلام إذا تركها الإنسان متهاونًا فهو كافر، فإذا لم يزكِّ فهو كافر، إذا لم يصم فهو كافر، إذا لم يحج فهو كافر، يقول: لأن الركن عليه الاعتماد، ركن الشيء عليه اعتماد الشيء، فإذا لم يوجد الركن ما قام الشيء، وهذا لا شك أنه له وجه، لكن الأدلة تمنع من القول بهذا؛ فإن حديث أبي هريرة في الصحيح فيمن لا يؤدي زكاته ذكر النبي عليه الصلاة والسلام عقوبته ثم قال: «ثُمَّ يَرَى سَبِيلهُ إِمَّا إِلَى الْجنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ»[[أخرجه مسلم (٩٨٧ / ٢٦) من حديث أبي هريرة.]]. فقوله: «يَرَى سَبِيلهُ إِمَّا إِلَى الْجنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ» » يدل على أنه لا يكفر بمنع الزكاة، ويش وجهه؟ لأنه لو كفر بذلك ما صار له سبيل إلى الجنة، فإذا لم يكفر بترك الزكاة فما دونها من باب أولى، ولا شك أن أركان الإسلام التي دون الزكاة أنها دونها، فالصيام دون الزكاة، والحج دون الزكاة.
فإن قال قائل: ما تقولون في قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران ٩٧] فإن ظاهره من كفر فلم يحج فإن الله غني عن العالمين؟
فالجواب أن يقال: المراد بالكفر هنا سوى الكفر الأكبر، يعني كفرًا دون كفر، ولهذا ما قال: ومن لم يحج فهو الكافر، أو وترك الحج هو الكفر كما قال في الصلاة، و(كفر) فعل، والفعل يدل على الإطلاق ولا يدل على العموم، فهذا الجواب عن هذه الآية، والذين قالوا: إنه يكفر بترك الحج احتجوا بهذه الآية.
* طالب: يقول علي بن أبي طالب:« «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا، وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا»[[أخرجه الدارمي في السنن (١٨٢٦) من حديث أبي أمامة الباهلي.]].
* الشيخ: هذا عمر بن الخطاب، وهذا يقال من باب التهديد، أو أن هذا رأي له، وهذا أيضًا إن صح الحديث؛ لأن في الحديث مقالًا، لكن إن صح فهو يُحمَل على أن المراد أن هذا من باب التحذير، أو أنه رأي له كما رآه غيره من أهل العلم.
* طالب: يا شيخ قوله: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مات ميتة جاهلية».
* الشيخ: اللي أفهم من الحديث «مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ»[[أخرجه مسلم (١٩١٠ / ١٥٨) من حديث أبي هريرة. ]] مات ميتة جاهليةً ما يمنع أن الإنسان مات ميتة جاهلية؛ لأنه فعل فعلًا من أفعال الجاهلية، حيث لم يقم بواجب الجهاد.
* طالب: طيب يا شيخ عيسى عليه السلام يقول يوم القيامة: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي﴾ [المائدة ١١٧] بعدين آخره قال: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة ١١٨] يعني كأنه يرد الغفران عيسى عليه الصلاة والسلام أنها شيئان، ذكر العذاب والغفران مثل الحديث الذي ذكرتم يعني.
* الشيخ: ويش وجه الإشكال؟
* طالب: الإشكال إما يرى سبيله إلى النار أو الجنة؟
* الشيخ: لا؛ لأن هذا ما هو بهذا خبر؛ لأن عيسى عليه الصلاة والسلام يقول: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة ١١٧] ثم بين ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ﴾ وقد استحقوا ذلك ﴿وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة ١١٨].
* طالب: وكيف المشركون يعني.
* الشيخ: لا، يعني إن تغفر لهم بمعنى أني أنا ما أعلم هل هم أشركوا ولَّا فعلوا ذنوبًا أخرى يستحقون بها المغفرة.
* طالب: (...) ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ للناس للعموم ﴿قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [المائدة ١١٦، ١١٧] هذا الأمر ﴿رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ﴾ [المائدة ١١٧، ١١٨] هؤلاء الناس الذين هم عبادك يعبدونني وأمي أو يتخذوني إلهين من دون الله، بعدين قال: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [المائدة ١١٨] (...).
* الشيخ: (﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ [الروم ٤٦] تعالى) من للتبعيض وآياته مجرور بمن و ﴿أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ﴾ [الروم ٤٦] هذه فعل مؤول بالمصدر هو المبتدأ، أي: من آياته إرسال الرياح ﴿مُبَشِّرَاتٍ﴾ حال من الرياح، يقول الله عز وجل في هذه الآية: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ أي بعض آياته؛ لأن (من) هنا للتبعيض؛ وذلك لأن آيات الله عز وجل لا يمكن إحصاؤها ولا حصرها:
؎وفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ∗∗∗ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الوَاحِدُ
كل شيء، لو أراد الإنسان أن يحصي آيات الله عز وجل التي في جسمه هو فقط ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، فكيف بآيات الله تعالى التي ملأت الكون، ولهذا تأتي (من) الدالة على التبعيض، وقوله: ﴿آيَاتِهِ﴾ أي علاماته.
واعلم أن كل آية فإنها تدل على العلم، وتدل على القدرة، وتدل على الحكمة، هذا لا بد منه، لا بد من ذلك في كل آية؛ أنها تكون آية –علامة- على هذه الأمور الثلاثة: العلم والقدرة والحكمة، ثم تختص بعض الآيات بما تختص به؛ إما أن تكون مثلًا اللي بعدها رحمة، أو بعدها شيء يدل على السلطان والعظمة، المهم أن لكل آية شيئًا خاصًّا وشيئًا عامًّا، فالشيء العام هو هذه الثلاثة: العلم والقدرة والحكمة ﴿أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ﴾ [الروم ٤٦]، يضاف إلى هذه الثلاث الرحمة؛ لأن هذه الرياح تبشر بالمطر، وقوله: ﴿أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ﴾ والإرسال بمعنى الإطلاق، ومنه قول الشاعر: (فأَرْسَلَها العِراكَ).
يعني أطلقها، ومنه قول الفرضيين: دين مرسل، يعني: مطلق ليس به رهن.
﴿أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ﴾ يعني يطلقها سبحانه وتعالى، والرياح جمع ريح، وهي الأهوية، واعلم أن الريح تُذكر مفردة وتُذكر مجموعة، فإذا ذُكرت مجموعة فإنها تكون غالبًا للرحمة، وإذا ذُكرت مفردة فإنها تكون غالبًا للعقاب ﴿فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ ريح [الحاقة: ٦]، ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ [الذاريات ٤١] ﴿رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الأحقاف ٢٤] وما أشبه ذلك، ولكنها -أعني الريح- قد تُفرَد وتكون في مقام النعمة، لا سيما إذا وصفت بما يدل على ذلك؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس ٢٢] هنا الريح عقوبة ولَّا نعمة؟ نعمة، وإنما كانت نعمة لأنها وصف طيبة، وأيضًا بالنسبة للسفن هل الأولى اختلاف الرياح أو اتحاد الريح؟ اتحادها؛ لأنها إذا اختلفت اختلف سير السفينة، فيما سبق لما كانت السفن شراعية، هنا الرياح في مقام النعمة، ولهذا جمعت الرياح، ﴿مُبَشِّرَاتٍ﴾ حال من الرياح، أى تبشر بالخير، ولهذا بعض الرياح إذا هبت استبشر الناس؛ لأن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة أن هذه الريح المعينة يتكون منها السحاب ثم المطر، وأحيانًا يستبشرون بالريح إذا رأوها تجمع السحاب، تجمعه وتكثفه، استبشروا بها. وقوله: ﴿مُبَشِّرَاتٍ﴾ البشارة هي الإخبار بما يَسُرُّ غالبًا، وسُميت بشارة لأنها تؤثر على البشرة، فالإنسان إذا استبشر ينير وجهه ويسفر، وتجد عليه علامة البشرى. وقد تطلق البشارة بما يسوء؛ كقوله تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران ٢١]، ﴿مُبَشِّرَاتٍ﴾ قال: (بمعنى لتبشركم بالمطر) شوف المؤلف -رحمه الله- فسر اسم الفاعل بالفعل المعلل، وقال: (بمعنى لتبشركم) لأجل أن يسهل العطف في قوله: ﴿وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾؛ لأن (مبشرات) و(ليذيقكم) يجد الإنسان بينهما فجوة، هذه الفجوة أراد المؤلف أن يقربها بقوله: بمعنى ليبشركم بها، ولكن الصحيح عندي أن (مبشرات) على حالها تعتبر اسمًا، ولكننا نقدِّر فعلًا يناسب ما بعده لأجل أن يصح عطف الفعل عليه، والذي أرى أن يُقدر: لتستبشروا بها مبشرات لتستبشروا بها وليذيقكم من رحمته، أو نجعل: لتبشركم كما قال المؤلف ما نجعلها بمعنى مبشرات، بل نجعلها فعلًا مستقلًّا قدرناه ليصح العطف في قوله: ﴿وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾.
وقوله: (﴿وَلِيُذِيقَكُمْ﴾ بها ﴿مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ المطر والخصب) تقدم لنا أن الله تعالى يعبر عن الإصابة بالإذاقة؛ لأنها أعلى أنواع الإصابة وأبلغها، ﴿وَلِيُذِيقَكُمْ﴾ بها ﴿مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ يقول: المطر والخصب، ففسر الرحمة بأثرها، وعلى هذا فتكون الرحمة في هذه الآية مخلوقة ولَّا صفة من صفات الله؟ تكون مخلوقة، وهذا الذي فسرها به محتمل؛ لأن الله تعالى قد يطلق الرحمة على الشيء المخلوق الذي يكون من آثار رحمته كما ثبت في الحديث الصحيح أن الله قال للجنة: «أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٥٠)، ومسلم (٢٨٤٦ / ٣٤) من حديث أبي هريرة.]]، ومن المعلوم أنه سبحانه وتعالى لم يرد أنها رحمته التي هي صفته؛ لأن الجنة مخلوق بائن، ولكن أراد أنها من أثر رحمته، أو مقتضى رحمته، فهنا يصح أن نقول: ﴿وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ أي من هذا المطر والخصب، وتكون الرحمة هنا مخلوقًا من المخلوقات، ويحتمل أن تكون الرحمة (...).
وإن جعلناها الصفة فهي للابتداء، يعني ليذيقكم نعمة صادرة من هذه الرحمة (﴿وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ﴾ السفن بها ﴿بِأَمْرِهِ﴾ بإرادته ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ تَطْلُبُوا ﴿مِنْ فَضْله﴾ الرزق بالتجارة في البحر ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ ) قوله: ﴿وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ﴾ يقول: (السفن بها) بها: الضمير يعود على الرياح، فالله تعالى يرسل الرياح لتسير بها المياه في أجواء السماء، وهو السحاب، ويرسل الرياح لتسير بها السفن في البحار، وكل من السحاب ومن السفن يحمل نعمًا كثيرة، السفن ماذا تحمل؟ تحمل الأرزاق والأناسي والحيوان وغيرها، والسحب تحمل الماء الذي هو مادة الحياة ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ﴾ [الواقعة ٦٨، ٦٩]. ففي الرياح إذن فائدتان: تسيير السحب في أجواء السماء، وتسيير السفن في أجواء البحار.
وقوله: ﴿الْفُلْكُ﴾ واحد ولَّا جماعة؟ تصلح لهذا ولهذا، الفلك تصلح للجمع وللمفرد، أو لا؟
* طالب: في القرآن موجود.
* الشيخ: في القرآن موجود، هات مثالًا لها للمفرد؟
* طالب: ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ [النحل ١٤] هذه للجماعة أصلها يا شيخ، ﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ﴾ [البقرة ١٦٤] هذا مفرد.
* طالب آخر: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ [هود ٣٧].
* الشيخ: لا.
* طالب آخر: في قصة نوح عليه السلام: ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ﴾ [هود ٣٨].
* الشيخ: هذه الإجابة.
* طالب آخر: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ﴾ [لقمان ٣١].
* الشيخ: على كل حال المثال الذي ذكره أيضًا صحيح ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس ٢٢] هذا جمع ولَّا مفرد؟ جمع ﴿فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ﴾ ما قال: في الفلك وجرى.
* طالب: مفرد يا شيخ ﴿فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [الشعراء ١١٩].
* الشيخ: نعم ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ﴾ [فاطر ١٢] أيضًا جمع.
على كل حال الفلك صالحة للمفرد وللجماعة.
ذكر الفقهاء كلمة ذكرتها لكم سابقًا فقالوا: إن الأحدب ينوي الركوع بقلبه، الأحدب ما هو قائم حتى يركع، ينوي بقلبه، قال بعض الفقهاء: فهو شبيه للفلك في اللغة العربية، يعني انحناء هذا الأحدب شبيه بالفلك في اللغة العربية، ما يعرف إلا بالنية، فالفلك صالح للمفرد وللجماعة، ولا يعرف إلا بالنية أو القرينة، هذا المسكين اللي أحدب في حال الركوع ما الذي يعلمنا أنه راكع أو غير راكع؟ فركوعه وقيامه سواء، وهذه يمكن أن يستدل بها على ما ذكر عن الكسائي يقول: إن الإنسان إذا أتقن شيئًا من العلم أمكنه أن يفهم غيره من العلوم، وذكروا قصة أنه كان هو وأبو يوسف عند الرشيد أحد خلفاء بني العباس، وأنهما تناظرا في مسألة، فقال له أبو يوسف، يقول للكسائي: ما رأيك لو سها الإنسان في سجود السهو؟ هل نحوك يعلمك حكم هذه المسألة، قال: نعم، إذا سها في سجود السهو فإنه لا يسجد، قال: أين القاعدة في نحوك؟ قال: عندنا قاعدة في النحو أن المصغر لا يصغر. فاستدل بأن سجود السهو صلاة مصغرة، فإذا سها فيه ما عاد (...) هذا واقع أو غير واقع، الله أعلم، ذكروها.
يقول: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ﴾ [الروم ٤٨] ﴿وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ﴾ قال (بإرادته)، والصحيح: بأمره، من الأمر الذي هو بالقول، وليس المراد بالإرادة فقط؛ لأن الفلك ما تعلم عما يريد الله عز وجل، لكنها إنما تأتمر بأمره القولي، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢] فكل مراد الله إن لم يقترن بالقول فإنه لا يقع، وكيف تحدث الكائنات بمجرد إرادة لا يعلم بها إلا الله، فلا بد من قول، فالصواب أن المراد بأمره أمره القولي؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، ولا يمنع ذلك أن يكون هذا الجريان بأمره بأسباب محسوسة معلومة لنا؛ لأن المقدر للأسباب هو الله عز وجل، فهو سبحانه وتعالى يخلق ويسخر ولكن بأسباب ﴿وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [الروم ٤٦]، كل هذا مما خلقه الله عز وجل لهذه الحكم العظيمة.
(﴿وَلِتَبْتَغُوا﴾ تطلبوا ﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾ الرزق بالتجارة في البحر) وهو كذلك، وكم من أناس كانت تجارتهم في البحار ينقلون الأرزاق من جهة إلى جهة بواسطة هذه السفن، لولا هذه السفن لكان من المتعذر أن تنتقل الأرزاق من الجهة التي خلف البحر إلى جهة أخرى، ولكن الله عز وجل جعل هذه السفن لأجل أن تنقل هذه الأرزاق والنعم.
(﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الروم ٤٦] هذه النعم يا أهل مكة فتوحدونه)، ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، (لعل) هذه معناها التعليل، (تشكرون) الشكر هو القيام بطاعة المنعم، ويكون باللسان وبالقلب وبالجوارح، الشكر يكون باللسان والقلب والجوارح، وهو القيام بطاعة المنعم، فأما الشكر بالقلب فأن يؤمن الإنسان بأن هذه النعمة من الله عز وجل، هو الذي أمده بها، وهو الذي يسرها له، وهو الذي جلبها إليه، هذا بالقلب.
والشكر باللسان أن يحمد الله عليها، فإن هذا من شكر النعمة، وأن يتحدث بها اعترافًا لله بالفضل، لا افتخارًا بها على غيره، وأما الشكر بالجوارح فأن يقوم لله تعالى بالعمل البدني من صلاة وزكاة وصيام وحج وغيرها، ولهذا يقول الشاعر:
؎أَفَادَتْــــــــــــكُمُالنَّعْمَــــــــــــــــــــــــاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ∗∗∗ يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَالْمُحَجَّبَا
فيدي الجوارح، ولساني القول، والضمير المحجب القلب، ما هي الواسطة بين الحمد والشكر؟ أو النسبة بين الحمد والشكر؟
نقول: الحمد أعم من حيث السبب، والشكر أعم من حيث التعلق؛ لأن الحمد يكون باللسان، ويكون على النعم، وعلى كمال صفات المحمود، يعني أنه يحمد المحمود على نعمه وإحسانه على الحامد، وعلى كمال صفاته، وأما في المتعلق فإنه يتعلق باللسان، خاصة الحمد يكون باللسان فقط، وربما يكون بالقلب أيضًا بأن يعتقد الإنسان كمال هذا المحمود، لكنه لا يسمى حمدًا لغةً إلا باللسان، وأما الشكر فهو أخص من الحمد باعتبار سببه، وأعم باعتبار متعلقه، كيف أخص باعتبار سببه؟ لأن سببه النعمة فقط، الإنعام على الشاكر هذا السبب نعم، وإلا لو كان الإنسان المحمود من أكمل الناس، وهو ما أعطاك شيئًا هل تشكره ولَّا لا؟ ما تشكره، الشكر يكون على النعم، فهو أخص من حيث السبب، ويكون بالقلب واللسان والجوارح، فهو من حيث المتعلق أعم، إذن النسبة بينهما العموم والخصوص الوجهي.
﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ الشكر قلنا: هو القيام بطاعة المنعم، صح هذا، بالمعنى العام، لكن شكر النعمة الخاصة يكون بالقيام بوظيفتها من الطاعة، شكر النعمة الخاصة يكون بالقيام بوظيفتها الخاصة، مثلًا شكر الإنسان ربه على العلم يكون بماذا؟ بالعمل به وتعليمه، هذا شكر خاص لنعمة خاصة، شكر الإنسان ربه على المسكن مثلًا يكون بطاعته في هذا المسكن، بألا يكون فيه مثلًا إسراف ولا تبذير وما أشبه ذلك، فالشكر هنا له إذن معنيان: المعنى العام هو القيام بأيش؟ بطاعة المنعم، والمعنى الخاص هو القيام بطاعة الله تعالى فيما يتعلق بهذه النعمة الخاصة، وكل نعمة لها شكر خاص.
* * *
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا﴾ [الروم ٤٧] إلى آخره، اللام في قوله: ﴿وَلَقَدْ﴾ موطئة للقسم، يعني أنها جواب لقسم محذوف، التقدير: والله لقد، وبهذا نعرف أن الجملة هنا مؤكدة بثلاثة أمور؛ وهي القسم واللام و(قد) ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ﴾.
من المشهور المعروف عند أهل العلم أن الرسول من أُوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه؛ لأنه مرسل، وهذا الصنف من الناس هو أعلى أنواع الأصناف من بني آدم، هم أعلى الأنواع، ويليهم الأنبياء، ثم الصديقون، ثم الشهداء، ثم الصالحون، فأعلى أجناس البشر الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ لأنهم جمعوا بين الاختصاص بالرسالة والعبادة ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام ١٢٤] ما يعطي الرسالة إلا لمن هو أهل لها، فأحق الناس بالرسالة بلا شك هم هؤلاء الأعيان الذين أرسلهم الله عز وجل، ولا يمكن أن يكون أحد من الناس أحق منهم بها.
وبهذا نعرف ضلال، بل وكفر من قالوا: إن علي بن أبي طالب أحق بالرسالة من محمد ﷺ؛ لأنهم في ذلك طعنوا في الله عز وجل، ونسبوه إلى ما لا يليق به؛ لأنه إذا كان أعطى الرسالة محمدًا وعلي أولى بها، فهو إما جاهل بالأحقية وإما غير مريد لإعطاء الحق أهله، وكلا الأمرين بالنسبة إلى الله محال وممتنع، وأي أحد يصف الله بهذا أو بما يستلزم هذا فإنه كافر بلا شك.
إذن الرسل عليهم الصلاة والسلام هم أشرف الخلق، أشرف أصناف الخلق، وهم أحق الناس بالرسالة بلا شك، ولا أحد أحق منهم، ويوجد والعياذ بالله بعض الناس الفلاسفة يرون أن الرسل من آخر مراتب الخلق، ويقولون: إن الولي أفضل من النبي، والنبي أفضل من الرسول؛ لأن الولي خاص الخاصة، ولي على اسمه، والنبي له مزية في الوحي، والرسول بمنزلة الخادم الذي في البيت يرسل ليشتري الحوائج، شوف والعياذ بالله الضلال، ويقولون فيما يقولون:
؎مَقامُ النُّبُـــــــــــــــــــــــــــوَّةِ فيبَرْزَخٍ ∗∗∗ فُوَيْق الرَّسُول ودُونَ الوَلِي
شوف أعوذ بالله، مقام النبوة في برزخ فويق الرسول يعني فوق الرسول شوية، وبالنسبة للولي ودون الولي دون منحط بعيد عن الولي، وعلى هذا فتكون رتبة الولاية عندهم أعلى شيء، وهذا لا شك أنه كفر، بل نقول: إن مقام الرسالة فوق كل شيء، ثم النبوة، ثم الولاية؛ لأن الرسول جامع بين الرسالة والنبوة والولاية، أليس كذلك؟ والنبي له النبوة والولاية، والولي له الولاية دون النبوة والرسالة، ومعلوم أنه كلما ازدادت صفة الكمال في شخص كان أكمل من غيره.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ﴾ والقوم هم الطائفة الذين ينتسب إليهم الإنسان؛ لأن بهم قوامه، فهو يقوم بهم، وهم به يقومون. وقوله: ﴿إِلَى قَوْمِهِمْ﴾ لأنه ما من رسول أرسل سوى رسول الله ﷺ إلا ورسالته خاصة؛ كما ثبت في الحديث الصحيح حديث جابر: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٥)، ومسلم (٥٢١ / ٣) من حديث جابر بن عبد الله.]].
﴿إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ﴾ الفاعل للرسل والمفعول للقوم (﴿فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بالحُجَج الواضحات على صِدقهم في رِسالتهم إليهم فكذَّبوهم). قوله: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ هل المراد البينات، معلوم أنها الواضحات، لكن هل المراد بالبينات هنا ما يبين صدق رسالتهم، فيكون المراد بها المعجزات التي أيدوا بها، أو المراد بالبينات أي بالشرائع البينات الظاهرة التي كل من استقرأها عرف أنها من عند الله، أو المراد الأمران؟
المراد الأمران، فالرسل أتوا بالآيات البينات التي تؤيدهم، وتدل على صدقهم، وأتوا أيضًا بالبينات، بالشرائع البينة الظاهرة التي يعلم أنها من عند الله عز وجل، فالباء إذن في قوله: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ تكون للمصاحبة، يعني أرسلوا رسالة مصحوبة بالبينات، أو للاختصاص على القول بأن المراد بالبينات الشرائع، وهذا من حكمة الله عز وجل ورحمته؛ أن الله ما أرسل رسولًا إلا أيده بآية من حكمته ورحمته؛ لأنه لو جاء الرسول بدون آية إلى الناس وقال: أنا رسول الله بدون آية يقبلون ولَّا لا؟ من طبيعة البشر ألا يقبل حتى يعرف، كما أنه لو جاء واحد من الناس وقال: ترى أنا عالم عندي علم بالشرع فاستفتوني، أي شيء تستفتوني أفتيكم، يطيعونه ولَّا لا؟ أبدًا ما يطيعونه حتى يمتحنوه ويسألوه، فكيف عاد بالذي يدعي أنه يوحى إليه؟ ما يقبل، إلا إذا جاء بآية، فهذا من حكمة الله، من رحمته أيضًا؛ لئلا يعاقب أحدًا بذنب بدون حجة؛ لأنه لو أرسل الرسل بدون آيات وكذبهم الأمم لكانوا معذورين بالتكذيب؛ لعدم وجود الآية، وقد لا يعذرون لأنهم يجب عليهم أن يستسلموا، لكن من رحمته أنه قال: جعلنا معهم آيات بينات ليطمئن الناس إليهم ويؤمنوا بهم عن اقتناع.
وقوله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ﴾ [الروم ٤٧]، ﴿مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا﴾ ربما يستفاد من كلمة (من قبلك) أنه لا رسول بعده، كما سنذكره إن شاء الله تعالى في الفوائد، ونناقش هذه الفائدة ﴿فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا﴾، ﴿فَانْتَقَمْنَا﴾ الانتقام هو الأخذ بالعقوبة، وهذا من فعل الله، وليس من أسمائه، ولهذا الحديث الذي فيه سياق الأسماء الحسنى[[أخرجه الترمذي (٣٥٠٧) من حديث أبي هريرة.]] وهي مدرجة ما صحت عن النبي ﷺ، فيها أن من أسمائه المنتقم، وليس من أسمائه، بل هو من أوصافه وأفعاله، ولهذا ما جاء مطلقًا، قال: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ [السجدة ٢٢] فهو فعل، وقوله: ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا﴾ ما هو الإجرام؟ الإجرام فعل الجرم، والجرم كل ما يكون سببًا في الإثم فهو الجرم، والمراد بالإجرام هنا الكفر، وفهم من الآية الكريمة ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا﴾ أن من لم يجرم لم ينتقم منه، ولهذا قال: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم ٤٧]، ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ﴾ نصر ويش إعرابها؟ اسم (كان)، أين خبرها؟ حقًّا، ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ هذا أحسن ما يكون في إعراب الآية، وأوجه ما يكون، وأسهل ما يكون، وإلا ففيه أوجه أخرى.
قوله: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا﴾ الحق بمعنى الشيء الثابت اللازم ﴿نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ المؤمنين بما يجب الإيمان به؛ من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فأوجب الله عز وجل على نفسه أن ينصر المؤمنين، أوجب، كان حقا علينا، التزام وضمان من الله عز وجل، ﴿نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بماذا نصر المؤمنين؟
نصر المؤمنين أي منعهم من أعدائهم، وذلك بأن يجعل لهم من النصر الحسي والمعنوي ما تكون العاقبة لهم، وهذا كقوله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: ٥١.
فإن قال قائل: هذا الحق الذي التزم الله به قد يشكل علينا أن الله تعالى يخذل المؤمنين أحيانًا، كما في أحد مثلًا؛ فإن النصر في أحد لمن؟ لقريش وأتباعهم، فما هو الجواب عن هذه الآية؟
نقول: إن الجواب أن نصر قريش على الرسول ﷺ ليس نصرًا دائمًا كانت العاقبة فيه لهم، بل إن هذا في الحقيقة من نصر المؤمنين عليهم، وإذا شئت أن يتبين لك ذلك فاقرأ ما (...) الله به هذه الغزوة في سورة آل عمران من جملة ما ذكر من الحكم ﴿وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران ١٤١] يمحق الكافرين إذن فهو نصر لجلبهم؛ لأنهم لو هزموا في كل مقام ما قاموا ولا حاربوا، لكن إذا صار لهم شيء من النصر فإن ذلك يغريهم بالقتال حتى تكون العاقبة للمؤمنين ويبيدهم الله عز وجل.
ومنها أيضا نصر المؤمنين على أنفسهم؛ لأنهم ما أتاهم ما أتاهم في أُحد إلا بسبب مخالفتهم؛ كما قال تعالى: ﴿وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران ١٥٢]، فهنا يعرفون قدر المعصية وأنه يفوت بها من المحبوب ما (...). فالحاصل أن هذه الآية على بابها أن الله تعالى ينصر المؤمنين حقًّا عليه أوجبه هو بنفسه على نفسه؛ كما في قوله: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام ٥٤]. قال: ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ [الروم ٤٤].
* من فوائد هذه الآية: الجمع بين الترغيب والترهيب الترهيب في قوله: ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾ والترغيب في قوله: ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾.
* ومن فوائدها: أن شؤم الكافر لا يتعداه إلى غيره؛ لقوله: ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾ وتقديم الخبر يدل على الحصر.
* ومن فوائد الآية: أنه لا يتم الثواب إلا بالعمل الصالح المبني على أمرين؛ وهما الإخلاص لله تعالى، والمتابعة لرسوله ﷺ؛ لقوله: ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا﴾.
* ومن فوائدها: أن الحزم والكياسة في العمل الصالح؛ لقوله: ﴿فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾؛ لأنهم إذا فعلوا ذلك استراحوا في المستقبل؛ إذ إنهم وطؤوا لأنفسهم منزلًا هو خير المنازل.
وقد ذكرنا ﴿فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾ أي: جمع بينها وبين قوله ﷺ: «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه مسلم (١٠١٧ / ٦٩) من حديث جرير بن عبد الله.]]، وقوله تعالى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ [العنكبوت ١٣]، وقوله: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [النحل ٢٥] ويش ذكرنا الجمع؟
* طالب: أن هذه الأعمال السيئة هي من أعمالهم أنفسهم.
* الشيخ: نعم لأنهم هم السبب.
* طالب: في إضلال هؤلاء.
* الشيخ: نعم، ثم قال تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [الروم ٤٥].
* يستفاد من هذه الآية: إثبات العلل في أفعال الله؛ لقوله: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، وقد انقسم الناس في هذا إلى ثلاثة أقسام: قسم أنكروا العلل في أفعال الله وفي شرعه وقالوا: إنه سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم بما شاء بدون أي علة أو حكمة، مثل؟ كالجبرية.
وقسم آخر أثبتوا العلل في أفعال الله وقالوا: إن الله تعالى لا يفعل إلا لحكمة، ولا يشرع إلا لحكمة، لكنهم جعلوا تلك العلل موجبة وقالوا: يجب عليه أن يفعل كذا لكذا، وهؤلاء المعتزلة.
وقسم ثالث توسطوا وقالوا: أفعال الله تعالى لحكمة، وشرائعه لحكمة، لكن ليست هذه الحكمة موجبة، بل الذي أوجب على نفسه الحكمة هو الله، والحكمة من مقتضى اسمه الحكيم، فتكون واجبة ليست بإيجاب أحد ولكنها بمقتضى كونه حكيمًا، هو الذي أوجبها على نفسه، وهذا القول هو الصحيح، وإذا قلنا به فإننا لا يمكن أن نعترض على أي حكم من أحكام الله كونيًّا كان أم قدريًّا؛ لأننا نعلم أن الذي أوجب أن تقترن أفعاله وشرائعه بالحكم من هو؟ الله، لا نحن، فلا نقول: إن الله يجب عليه فعل الأصلح، ولا فعل الصلاح إيجابًا مستقلًّا عن إرادته، وهذا القول هو الحق. إذن نأخذ منه أن جميع أفعال الله وأحكام الله كلها معللة بالحكمة بمقتضى اسمه الحكيم.
* من فوائد الآية الكريمة: أن الجزاء ليس واجبًا على الله؛ لقوله: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [الروم ٤٥]، لكنه أوجبه على نفسه، في قوله: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام ٥٤] أوجبه هو سبحانه وتعالى على نفسه، ولهذا قال الشاعر:
؎مَا لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ ∗∗∗ كَلَّا وَلَا عَمَلٌ لَدَيْهِ ضَائِعُ؎إِنْ عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ أَوْ نُعِّمُوا ∗∗∗ فَبِفَضْلِهِ وَهُوَ الْكَرِيمُ الْوَاسِعُ
وابن القيم رحمه الله نظم معنى هذين البيتين لكنه علل فقال:
؎مَا لِلعِبَادِ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ ∗∗∗ هُوَ أَوْجَبَ الْأَجْرَ الْعَظِيمَ الشَّانِ؎إِنْ عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ أَوْ نُعِّمُــوا ∗∗∗ فَبِفَضْلِهِ وَالْفَضْلُلِلْمَنَّــــــــــــــــــــــــــــــــانِ
فقيد المطلَق في البيتين السابقين أنه هو الذي أوجب ذلك تفضلًا منه سبحانه وتعالى.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المحبة لله، من أين تؤخذ؟ ﴿لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ بس هذا نفي، كيف نأخذ منه الإثبات؟ لأنه إذا انتفى محبته عن الكافرين لزم محبته للمؤمنين، فإن لم يكن؛ لم يكن فرق بين المؤمنين وبين الكافرين، لو كانت المحبة منتفية في هؤلاء وهؤلاء ما كان بينهم فرق، أليس كذلك؟
ولهذا استدل أهل العلم على إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى بقوله: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين ١٥] قالوا: فلما حجب هؤلاء في حال السخط دل على أنه لا يحجب الآخرون في مقام الرضا.
إذن نأخذ من هذه الآية إثبات المحبة، وهي كما سبق الكلام عليه صفة ثابتة لله على وجه الحقيقة، وليست بمعنى الثواب ولا إرادة الثواب، وإنما ذلك من لازمها ومقتضاها، إذا أحب قومًا أثابهم، ولا يثيبهم إلا بإرادة ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس ٨٢].
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحث على الإيمان والعمل الصالح، الله ما قال: آمنوا واعملوا، لكن ذكر الجزاء يستلزم الحث على الفعل، وهذا أحد الطرق التي يستدل بها على أن الشيء مأمور به، لا تظن أن الشيء المأمور به هو ما جاء بالصيغة افعل، بل الأمر يستفاد من عدة أمور، فإذا ورد الترغيب في شيء فهو مأمور به.
إذن يستفاد من هذا الحث على الإيمان والعمل الصالح.
* ويستفاد من الآية الكريمة أيضًا: ذم الكفر، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾، فإذا نفى الله المحبة عن هؤلاء فإنه يقتضي ذم عملهم.
* ومنها أن الحكم إذا علق بمشتق، وهذه فائدة أصولية، إذا علق الحكم بمشتق فهو دليل على أن ذلك المشتق هو علة الحكم، مثلًا لا يحب الكافرين لماذا؟ لكفرهم، فالحكم هنا علق على وصف، فيقال: لا يحبهم لكفرهم، إذن فالكفر علة انتفاء المحبة؛ كما لو قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا﴾ [الصف ٤]، ما هي العلة في المحبة؟ القتال في سبيله صفًّا، وهكذا جميع حُكْم يُعلَّق بمشتق فإنه يدل على عِلية ذلك الشيء.
* يستفاد أيضًا من الآية فائدة: وهي اعتبار اللازم، بمعنى أنه إذا لزم من الشيء كذا وكذا فإنه يثبت هذا اللازم تبعًا لثبوت الملزوم، فمثلًا لاحظوا في المؤمنين ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، ما قال: إنه يحب ولا يحب الكافرين، قال: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ﴾ المقابل ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ ويش يلزم منه؟ ألا يجزيهم من فضله، وإنما يعاملهم بماذا؟ بعدله، فعقاب الكافرين مأخوذ من لازم انتفاء المحبة، ودلالة التلازم هذه مفيدة جدًّا لطالب العلم دلالة التلازم؛ أنه يلزم من كذا وكذا كذا وكذا، لكن لا بد من شرطين:
الشرط الأول: أن يكون اللازم صحيحًا، فإن كان اللازم فاسدًا فإنه ليس بلازم، حتى لو ادعى الإنسان أنه لازم فليس بلازم.
الشرط الثاني: أن يكون ذلك في كلام الله وكلام رسوله ﷺ.
أما الشرط الأول أن يكون التلازم صحيحًا فإننا نحترز به عما إذا كان التلازم غير صحيح، مثلًا أهل التعطيل الذين أنكروا الصفات أو بعضها ما شبهتهم في الإنكار؟ قالوا: إنه يلزم التمثيل فهل هذا اللازم صحيح؟ ليس بصحيح، ولذلك ما نقول إنه يلزم من إثبات الصفات التمثيل؛ لأنه ليس بلازم.
في كلام الله وكلام رسوله إذا كان اللازم صحيحًا فهو حق، ويكون النص دالًّا عليه، لكن في كلام غيره لا يكون اللازم قولًا لصاحب القول الملزوم، ولهذا العلماء عندهم ترجمة في هذه المسألة: هل لازم القول قول أو ليس بقول؟ منهم من قال: إن لازم القول ليس بقول، ومنهم من قال: إن لازم القول قول، والصحيح أن لازم القول في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ قول، لكن بشرط أن يكون اللازم صحيحًا، لماذا يكون قولًا؟ لأن الله عز وجل يعلم ما يترتب على كلامه من اللوازم، وإذا لم ينفها الله دل ذلك على ثبوتها، لكن الإنسان البشر هل يعلم ما يلزم على قوله؟ أحيانًا يقول الإنسان قولًا يظنه صوابًا، ويكون هذا القول يلزم منه أمور فاسدة، يلزم منه لزومًا صحيحًا حقيقيًّا أمور فاسدة، لو نُبه القائل لها ماذا يصنع؟ لرجع عن قوله، فلذلك نقول: إن لازم القول في غير كتاب الله وسنة رسوله ليس بقول صحيح أنه يستدل به على بطلان القول، لكن ما يقال: إنه قول فلان.
فالحاصل أن هذه المسألة ينبغي التنبه لها، وإنما نقول بذلك لأن الإنسان بشر لا يحيط بما يستلزمه كلامه من اللوازم الصحيحة أو اللوازم الباطلة، الآن نشوف كثيرًا ما يأمر الإنسان بشيء أو ينهى عن شيء في أولاده، ثم إذا فعلوه علم أنه يستلزم مفسدة، فيرجع عنه، هذا اللازم هل كان عالمًا به من قبل؟ لو كان عالما ما أمرهم، وكثيرًا ما ينهاهم عن شيء ثم إذا تركوه رأى في ذلك مفسدة، استلزم مفسدة ما كان يعلم بها حين النهي، فتجده يرجع.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، لازم القول في كتاب الله وسنة رسوله قول، لكن بشرط أن يكون التلازم صحيحًا، أما في غيره فليس كذلك، ليس بقول.
ثم قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الروم ٤٦].
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن هناك علامات ودلالات على وجود الخالق، وعلى علمه وقدرته وحكمته. هذه الآيات التي تعرَّف الله بها لعباده هذه من نعمة الله عليهم أن الله تعالى يريهم آياته ليقوموا بشكره ويعترفوا بفضله.
* من فوائد هذه الآية التي نحن فيها زيادة على الآيات الثلاث التي ذكرنا من آياته: ثبوت الرحمة؛ لقوله: ﴿أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ﴾، هذه الرياح لو اجتمع الخلق كلهم على أن ينفخوا بجميع وسائل النفخ هل يستطيعون أن يغطوا بهذا النفخ بلدًا واحدًا؟ ما يستطيعون، والرب جلت قدرته يغمر ما شاء أن يغمر بهذه الريح التي قد تقلع الأشجار، وتهدم الديار، أليس هذا دليلًا على قدرة الله العظيمة؟ نعم، وكونها مبشرات فيه إثبات الرحمة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: نعمة الله سبحانه وتعالى على العباد بالفلك التي تجري بأمره، لولا أن الله سبحانه وتعالى يسر من الأسباب ما يكون به ذلك ما عرف الناس كيف يتعدون من بر إلى بر بواسطة البحر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن ظهور الآيات للإنسان سبب لشكر نعمة الله عليه، من أين نأخذها؟ من قوله: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات العلل والحكم في أفعال الله لقوله: (ولعل)؛ لأنها للتعليل.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [الروم ٤٧] إلى آخره.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: تسلية الرسول ﷺ وتحذير المخالفين له؛ تسليته بمن سبقه من الرسل؛ فقد كذبوا وأوذوا، فإذا علم أن أحدًا شاركه في ذلك هان عليه الأمر؛ لأن كل إنسان يتسلى بما أصاب غيره بمثله، أو بما أصيب به غيره بمثله، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الزخرف ٣٩].
.. شأن مَن قَبْله من الرسل.
* ومن فوائدها: تحذيرُ المخالفين له؛ لقوله: ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا﴾ [الروم ٤٧].
* ومن فوائد الآية أيضًا: رحمةُ الله عبادَه بإرسال الرُّسُل؛ إذْ لولا هذه الرسالة ما عرف الناسُ كيف يعبدون الله عز وجل، بل ولا عرفوا ما عرفوا مِن تفاصيل أسمائه وصفاته كما سبق في درس التوحيد، فالرُّسُل رحمةٌ عظيمةٌ للخَلْق كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء ١٠٧].
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن الانتقام من المكذِّبين كان بسبب فِعْلهم؛ لقوله: ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا﴾؛ أي: لإجرامهم، فهُم السبب.
* ومن فوائدها: أنَّ الرِّسالات السابقة خاصَّةٌ.
* طالب: ﴿إِلَى قَوْمِهِمْ﴾.
* الشيخ: لقوله: ﴿إِلَى قَوْمِهِمْ﴾، ويُبَيِّنه الحديثُ الثابتُ في الصحيحين: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٥)، ومسلم (٥٢١ / ٣)، من حديث جابر بن عبد الله.]].
* ومن فوائد الآية: أنَّ الله تعالى ما أرسلَ الرُّسُل إلا ببيِّناتٍ تشهد بصِدْقهم وبشرائعَ بيِّنةٍ لا تُوجب لَبْسًا على المتَّبِعين، من أين تؤخذ؟ ﴿فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [الروم ٤٧] أي: بالآيات البيِّنات الدالَّة على صِدْقهم، وبالشرائع البيِّنات الواضحة التي لا تقتضي لَبْسًا على المتَّبِع.
قال أهلُ العلم: وآياتُ الأنبياء على حسب عَصْرهم؛ ففي عَهْد موسى انتشرَ السِّحْرُ وكَثُر، فأعطاه الله تعالى من الآيات ما تُبْطل السِّحْر، وليستْ بسِحْر، أعطاه الله تعالى اليدَ، وأعطاه العصا.
قالوا: وفي عَهْد عيسى تقدَّم الطبُّ، فأعطاه الله من الآيات ما لا يمكن للطبِّ أنْ يقوم به، وهو إبراءُ الأَكْمهِ والأبرصِ، وإحياءُ الموتى وإخراجُهم من قبورهم، هذا ما يمكن يقوم به الطبُّ أبدًا، الميِّت لا يمكن يحيا بالطبِّ. وقالوا أيضًا: إنَّ الأبرص لا يمكن شفاؤه بالطبِّ.
الأَكْمه مَن هو؟ قالوا: إنَّه الذي خُلِقَ بلا عينٍ، هذا يُمْكن فيما سبق من العصور ما يُمْكن أنْ يُوضع له عين، لكن الآن إذا وُجِد مكانُ العين يُمْكن يُوضَع له عين بالطبِّ، لكنْ إذا لم يوجَد، مثلًا خَلَقَه اللَّهُ عز وجل بدون أنْ يخلق له مكانًا للعين، ما يُمْكن أن يُوضع له عين.
في عَهْد الرسول ﷺ قالوا: إنَّ البلاغة بلغتْ أَعْلى ذروتها، فكان مِن أَعْظم آيات الرسول عليه الصلاة والسلام هذا القرآن الذي أَعْجَزَ البُلَغاء والفُصَحاء، بل تحدَّى اللَّهُ به كلَّ الجنِّ والإنسِ؛ ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ لا انفرادًا ولا تعاوُنًا، ولهذا قال: ﴿وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء ٨٨].
* طالب: شيخ، اللي يقولون بالإعجاز العلمي للقرآن يستخدمون هذا المعنى (...).
* الشيخ: (...)؟
* طالب: أن الإعجاز من جنس ما تفوَّق فيه كلُّ قوم، فيقولون: الآن زالت الآن البلاغة عند الناس، ما يعرفون (...) أوجُه البلاغة (...)، ولكن الآن طغى العلم (...) إشارات علمية ليصدق (...).
* الشيخ: إي نعم، يمكن، هذا ليس يبعد، أقول: ليس ببعيد، إي نعم، يمكن يكون صحيحًا أن القرآن في كلِّ عصرٍ يكون معجزةً بما تناسب العصر؛ لأنه نَزَلَ لجميع الخلْق إلى يوم القيامة، فلا يبعد هذا، القرآن بكل (...)، لكنْ في ذلك الوقت أشدُّ ما فيه البلاغة.
* وفيه أيضًا: إثباتُ فِعْل الانتقام لله عز جل؛ ﴿فَانْتَقَمْنَا﴾.
* وفيه أيضًا: إثباتُ العظمة؛ لقوله: ﴿فَانْتَقَمْنَا﴾ و﴿أَرْسَلْنَا﴾، فإن هذا للتعظيم وليس للتعدُّد بإجماع المسلمين أنَّه للتعظيم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنَّ الله أوجبَ على نفسه نَصْرَ المؤمنين؛ لقوله: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم ٤٧].
* ومنها: أنَّ هذا النصر لا بدَّ أنْ يكون؛ لأنه أتى بصيغة التعظيم: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا﴾، ولم يَقُل: عَلَيَّ، بل قال: ﴿عَلَيْنَا﴾ إشارةً إلى أنَّ هذا الحقَّ لا بدَّ أن يكون؛ لأن الله تعالى أعظمُ مِن كلِّ شيء.
* وفيه أيضًا: دليلٌ على أنَّ غير المؤمنين لا يُنصَرون؛ لقوله: ﴿حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
فإذا أَوْرَدَ إنسانٌ علينا ما حَصَلَ من الانتصارات الخاطفة للكفار، فما هو الجواب؟
* طالب: استدراجٌ من الله سبحانه وتعالى.
* الشيخ: أنَّ هذا استدراجٌ من الله عز وجل حتى يتمَّ النصرُ للمؤمنين في النهاية.
* طالب: قد يكون تأديبًا للمؤمنين.
* الشيخ: إي نعم وقد يكون من مصلحة المؤمنين لأن (...) نصر لأنفسهم على أنفسهم، ثم إنَّه لا يدومُ هذا النصرُ أبدًا، العاقبة لا بدَّ أن تكون للمؤمنين.
وقال بعض أهل العلم: إنَّ النصر نوعان: نَصْرٌ بالحجَّة والبُرهان، ونَصْرٌ بالسيف والسِّنان.
فأمَّا النصر بالحجَّة والبُرهان فهو مضمونٌ وثابتٌ ولا فيه استثناء، أو لا؟ لأنَّ الحجَّة والبُرهان مع المؤمنين على كلِّ حال، حتى لو هُزِموا عسكريًّا فإنَّ الحجَّة والبُرهان معهم، غالبون بِحُجَّتهم وبُرهانهم، وهذا لا استثناء فيه.
والثاني بالنَّصْر العسكري؛ يعني بالسيف والسِّنان، وإحنا نقول الآن: بالطائرة والقنابل وما أشبهها، هذا قد يحصُل نصرٌ لغير المؤمنين امتحانًا للمؤمنين واستدراجًا للكافرين.
ثم قال عز وجل..
* طالب: شيخ، ذكرتَ أمس هل يؤخذ منها أن الرسول خاتم الأنبياء؟
* الشيخ: إي نعم، ما تقولون؟ هل يؤخذ منها أن الرسول ﷺ خاتم الأنبياء، ﴿مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا﴾؟
* طلبة: ما يَلْزم.
* الشيخ: يعني ما يَلْزم ألَّا يكون بعده أحد؟
* طالب: إي نعم، من هذه الآية.
* الشيخ: إي، معلوم، من هذه الآية.
* طالب: (...) ﴿إِلَى قَوْمِهِمْ﴾.
* الشيخ: ﴿إِلَى قَوْمِهِمْ﴾، إي، هذه تدلُّ على أنَّ رسالتهم خاصَّة، لكن هل تدلُّ على أنه انتهى؟
* طالب: (...) كافَّة إلى الناس (...).
* طالب آخر: القاديان يستدلُّون بهذه الآية (...) آية النحل: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ [النحل ٢].
* الشيخ: على أيش؟ (...) القاديانية؟
* طالب: الرسالة جارية، ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ﴾ (...) صيغة الاستقبال ..
* الشيخ: هذا كفر.
* الطالب: تدل على (...) عندهم، عند القاديانية.
* الشيخ: الكلام على أن هذه الآية هل تدلُّ على خَتْم الرسالة بالرسول ﷺ لقوله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ﴾ أو لا تدلُّ، الوجْه الذي ذَكَره يقول: قد تدلُّ من حيث إن الرسول مُرْسَل إلى الناس عامَّةً، والعموم هذا يشمل العموم في الوقت والمكان والأُمَم، وهذا يستلزم ألَّا يوجد رسولٌ بَعْده، لو وُجِدَ رسولٌ بَعْدُ انتفى العموم إلى الناس كافَّة، صار معناه أن الرسول اللي بَعْدَه يكون رسولًا إلى هؤلاء الناس دون محمد عليه الصلاة والسلام.
* طالب: بس يا شيخ هذا ما فيه دليل على أنه أُرْسِل إلى الناس كافَّة (...).
* الشيخ: لا، فيه (...)؛ لأنَّه إذا لم يكن آخِرهم فالذي يأتي مِن بَعْدِهِ صارَ أُرْسِل إلى بعض الناس وهم الذين تأخَّروا، طيب، على كلِّ حالٍ أخْذُها فيه شيءٌ من الغموض، والأمرُ في هذا واضحٌ، والغريبُ أنَّ بعض الناس -على سبيل الاستطراد- أنْكَرَ نزول عيسى بن مريم ﷺ وقال: إنَّنا لو قُلنا بنزوله لَكان ذلك تكذيبًا للقرآن؛ ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب ٤٠]، ماذا تقولون؟
* طالب: لكن في آية قال: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ [الزخرف ٦١] هذا يدلُّ على نزوله، والشيء الثاني يا شيخ يُنكرون مَجِيء المهدي.
* الشيخ: (...) لا تُدخل مسألة في مسألة، أقول: هل استدلالهم بالآية الكريمة صحيح ولَّا لا؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: غير صحيح؛ لأن عيسى ما ينزل مُشَرِّعًا، وإنما ينزل تابعًا للرسول ﷺ ولا يُنْشِئ ولا شيئًا من الشريعة، حتى كَسْر الصليب وقَتْل الخنزير، هذا أَخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام فأَقَرَّه؛ يعني يُقال: إنه يأتي ويحكم بذلك، ولا يَقْبل إلا الإسلام، ما فيه جِزية بعد نزول عيسى، ما فيه أخْذ جِزية ولا عَهْد، ما فيه إلا الإسلام[[أخرج البخاري (٢٤٧٦)، ومسلم (١٥٥ / ٢٤٢) واللفظ له، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ ﷺ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ».]]، فيقال: إن هذا ليس شرعًا جديدًا ناسخًا لشَرْعِ الرسول عليه الصلاة والسلام، بلْ هو شَرْعٌ مقرَّر من الرسول ﷺ، أليس كذلك؟ الرسولُ أخبر بأنَّه سيفعلُ هذا مقرِّرًا له، فهو لم يَنْزل على أنَّه رسولٌ بشرعٍ جديدٍ، بل على أنَّه تابعٌ للرسول عليه الصلاة والسلام، ولعلَّ هذا -والله أعلم- ليتحقَّق ما أخبرَ اللَّهُ به بالفعل؛ ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران ٨١]، هذا خَبَرٌ من الله عز وجل، لكنْ هل نحن عَلِمْنا هذا بأنَّ نبيًّا من الأنبياء تابعَ الرسولَ فِعْلًا؟ لا، لكن نزول عيسى ومتابعته لرسالة الرسول عليه الصلاة والسلام تكون هذه حقَّ اليقين؛ لأن الآية -آية آل عمران- فيها علم اليقين، فإذا وُجِدَ ذلك بالفِعْل صار أيش؟ صار حقَّ اليقين، فهذا من الحكمة في نزوله ﷺ في آخِر الزمان.
وأيضًا عندنا أحاديثُ واضحةٌ صحيحةٌ صريحةٌ مُتَلَقَّاةٌ بالقَبول عند أهل العلم، فكيف يُنكِر ذلك؟! ولكن -والعياذ بالله- بعض الناس يأتي بقاعدةٍ من أَفْسَدِ القواعدِ وأَبْطَلِ القواعدِ، وهي أنَّ العقيدة لا تَثْبُت بأخبار الآحاد ولو كان الخبرُ صحيحًا، وهذا في الحقيقة مزلةٌ مِمَّن قاله؛ لأننا نقول له: أنت تُثبت مِن الأحكام العملية تُثبت الحكم العملي بدليلٍ لا يصل إلى درجة الصحة، تُثبته بدليل يصل إلى درجة الْحُسْن، وربما يكون إلى درجة الْحُسْن عندك أنت وعند غيرك لا يصل إلى درجة الْحُسْن، وإثبات الحكم العملي مستلزم للعقيدة؛ لأنَّ تنفيذه مقتضى الإيمان، ولأنَّ الإنسان لا يعمل بهذا إلا بعد أن يعتقد أنه من شريعة الله، وإلا لَمَا عَمِل به، فهناك عقيدة سابقة أنَّ هذا من حُكم الله ومن شريعة الله، وأنَّه مقرِّبٌ إلى الله، وأنَّه عبادةٌ لله، ثم العمل به.
ثم ما هذا؟! إذا أخذْنا بذلك لَزِم أن نُنكر أشياء كثيرة مِمَّا يتعلَّق بالأمور العِلمية؛ لأن الشرع -كما تعلمون- إمَّا أُمُور عِلمية أو أُمُور عملية، والصواب بلا شك أنَّه لا فرق بينهما، وأنَّ ما صحَّ عن رسول الله ﷺ فإنَّه يجب الإيمان به عقيدةً وعملًا، وإذا شئتَ مَزِيدَ إيضاحٍ فاقرأ ما كتبه ابن القيِّم رحمه الله في آخِر الصواعق المرسلة، فإنَّه تكلَّم على هذه المسألة كلامًا شافيًا.
* طالب: هو متواتر ياشيخ.
* الشيخ: واللهِ ما أدري هل يصل إلى حدِّ التواتر ولَّا لا.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إنْ يتواتر إذن يكون يفيد العلم اليقيني ولا أحد (...).
* طالب: بالنسبة إلى نزول عيسى بن مريم (...)، هل أنَّه سبحانه وتعالى يُلْهمه الصواب في (...).
* الشيخ: الظاهر -والله أعلم- لأن القرآن والسُّنة محفوظات إلى ذلك الوقت، والعجيب أن بعضهم ذَكَر من شُبَه إنكار نزوله قال: إن لُغة عيسى سريانية، ولغة الرسول ﷺ عربية، كيف ينزل ويحكم بالشريعة وهو سرياني؟! هذه شُبَهة هذه؟
* طالب: لا.
* الشيخ: ويش الجواب؟ نقول: نعم الجواب بالتسليم (...)؛ أولًا: فيه الآن ناس يتكلمون باللغة العربية وهم مسلمون ملتزمون بأحكام الإسلام، قائمون به على أَتَمِّ وجْه، ولُغتهم غير عربية. والثاني: أنَّ الله على كلِّ شيءٍ قدير، يمكن يكون لسانه عربيًا، إذا كان بالممارسة والمخالطة ينقلب لسانُ الإنسان مِن سرياني إلى عربي، فكيف عاد بقدرة الله! لكن سبحان الله العظيم، الإنسان إذا اشتهى شيئًا أتى بشبه ما تنطلي على أحد (...).
* * *
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم ٤٧] أخذنا فوائدها؟ ويش هي؟
* طالب: (...) تحذير المخالفين له (...).
أنَّ الرسالات السابقة خاصَّة (...).
أنَّ الله أوجبَ على نفسه نَصْرَ المؤمنين، وهو لا بدَّ أن يكون، وغير المؤمنين لا يُنصرون.
(...) أحيانًا وهو (...).
* الشيخ: فيها فائدة أيضًا.
* من فوائد الآية أيضًا: أنَّ على الله حقًّا أوجبه على نفسه؛ لقوله تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا﴾، فإذا قُلنا: هل يجب على الله شيءٌ؟ نقول: أمَّا بعقولنا فلا يجب على الله شيءٌ، وأمَّا أنْ يُوجِب هو على نفسه شيئًا فهذا أمرٌ واقِع.
* ومن فوائدها أيضًا: فضيلةُ الإيمان وأنَّه سببٌ للنصر؛ ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
{"ayahs_start":44,"ayahs":["مَن كَفَرَ فَعَلَیۡهِ كُفۡرُهُۥۖ وَمَنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَلِأَنفُسِهِمۡ یَمۡهَدُونَ","لِیَجۡزِیَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِن فَضۡلِهِۦۤۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلۡكَـٰفِرِینَ","وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَن یُرۡسِلَ ٱلرِّیَاحَ مُبَشِّرَ ٰتࣲ وَلِیُذِیقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِیَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ","وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَاۤءُوهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَٱنتَقَمۡنَا مِنَ ٱلَّذِینَ أَجۡرَمُوا۟ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَیۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"مَن كَفَرَ فَعَلَیۡهِ كُفۡرُهُۥۖ وَمَنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَلِأَنفُسِهِمۡ یَمۡهَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق