الباحث القرآني

قال: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الروم ١٠]. أولًا: قوله تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ﴾، العاقبة مصدر بمعنى العقبى، وفيه قراءتان سبعيتان؛ النصب: ﴿عَاقِبَةَ﴾، والثانية الرفع: ﴿عَاقِبَةُ﴾ . أما على قراءة الرفع فإنها اسم (كان)، أما على قراءة النصب فإنها خبر (كان) مقدمًا، يبقى النظر أين اسم (كان) على قراءة النصب؟ أو خبرها على قراءة الرفع؟ سيذكرها المؤلف. قال: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا﴾ أي: عملوا العمل السيئ من الكفار المكذبين للرسل، كما قص الله عز وجل، وأساؤوا ضدها أحسنوا، الذين أحسنوا قال الله فيهم: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس ٢٦]. والذين أساؤوا كان عاقتبهم ما ذكره الله هنا. وقوله: (﴿السُّوأَى﴾ تأنيث الأسوأ: الأقبح). ﴿السُّوأَى﴾ إذن هي اسم تفضيل، مثل ما نقول: الفُضْلَى اسم تفضيل، والعُظْمَى اسم تفضيل أيضًا. ما مذكر الفُضلى؟ الأفضل. ومذكر العُظمى: الأعظم، ومذكر الأُولى: الأول، ومذكر السوأى: الأسوأ. إذن فـ ﴿السُّوأَى﴾ هنا اسم تفضيل مؤنث؛ مؤنث الأسوأ. يقول المؤلف: معنى (الأسوأ: الأقبح)، يعني كان عملهم السيئ كانت نتيجته أسوأ، وهذا أسوأ بالنسبة لما هم عليه من النعيم في الدنيا، فلاقوا بعد ذلك الجحيم. ولا تظن أن هذه الآية تدل على أن السيئة تُجزَى بأسوأ منها؛ لأن الله يقول: ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الأنعام ١٦٠] ، لكن الأسوأ باعتبار حالهم لا باعتبار الجزاء على سُوئِهم، فهم كانوا في الدنيا منعمين، وكانت الدنيا بالنسبة للكافر جنة، فلما ماتوا على الكفر انتقلوا إلى أسوأ وأسوأ بكثير، ولا يُنسَب إلى حالهم في الدنيا. قال المؤلف في الإعراب: (خبر كان على رفع عاقبة، واسم كان على نصب عاقبة). أفادنا المؤلف أن في ﴿عَاقِبَةَ﴾ قراءتين: النصب، والرفع. على قراءة الرفع نعربها على أنها؟ * طالب: خبر (كان). * الشيخ: لا، اسم (كان)، على أنها اسم (كان)، و﴿السُّوأَى﴾ خبرها منصوب بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. وعلى قراءة النصب نعرب ﴿عَاقِبَةَ﴾ خبر (كان) مقدمًا، و﴿السُّوأَى﴾ اسمها مؤخر، هذا أحد الأوجه في الإعراب. وقيل: إن ﴿السُّوأَى﴾ أنه مفعول مطلق، يعني: أساؤوا السيئة السُّوأى، فيكون مفعولًا مطلقًا. ويكون الخبر أو الاسم: المصدر المؤول من قوله: ﴿أَنْ كَذَّبُوا﴾، أي: صار عاقبتهم حين أساؤوا أن كذبوا؛ لأن الأعمال السيئة -والعياذ بالله- تجر إلى السيئة، كما أن الحسنات يَجْرُرْن إلى الحسنات. ولكن ما ذهب إليه المؤلف أَوْلَى؛ أن نجعل ﴿السُّوأَى﴾ إما خبر كان على قراءة الرفع، وإما اسمها على قراءة النصب. يقول: (والمراد بها جهنم، وإساءتهم ﴿أَنْ﴾ أي بأن ﴿كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ﴾: القرآن، ﴿وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ). بيَّن لنا المؤلف أن العاقبة أنهم عُذِّبوا بالنار، وأن المصدر في قوله: ﴿أَنْ كَذَّبُوا﴾ علة لكون عاقبتهم السوأى، أي: لأنهم كذبوا بآياتنا، لكنه أتى بالباء، والباء للسببية واللام للتعليل والمعنى واحد، أي: كانت عاقبتهم ﴿السُّوأَى﴾ لأنهم كذبوا بآيات الله. هذا بالنسبة لأخبار الآيات كذبوا بها، وقالوا: ليست بصحيحة. وبالنسبة للعمل: ﴿وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾، فجمعوا بين الاستهزاء بالأحكام والتكذيب بالأخبار. وهذا الذي ذهب إليه في إعراب ﴿أَنْ كَذَّبُوا﴾ أحد الأوجه أيضًا؛ لأن فيه وجهًا آخر يقول: إن قوله ﴿أَنْ كَذَّبُوا﴾ بدل من ﴿السُّوأَى﴾، أو بيان لها، ويكون المعنى: أساؤوا السوأى وهو تكذيبهم، فيكون عاقبتهم إذن التكذيب والاستهزاء. وعلى كل حال فإنه سواء قلنا: إنها بدل أو عطف بيان من ﴿السُّوأَى﴾، أو قلنا: إنها للتعليل في ثبوت السوأى لهم، فإنه يدل على أن هؤلاء كانوا مكذبين مستهزئين، مكذبين بالخبر مستهزئين بالحكم، يتخذون آيات الله هزوًا في الأحكام، وكذبًا بالأخبار، فتجدهم مثلًا في صلاتهم عند البيت يصلون مُكاء وتصدية، ويسخرون من الذين آمنوا، وما إلى ذلك يتخذونها هزوًا. وقول المؤلف رحمه الله: (﴿أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ﴾: القرآن) فيه نظر ظاهر؛ لأن الآية عامة، فتشمل مَن كذب بآيات الله بالقرآن بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن كذب بالتوراة في زمن موسى وبالإنجيل في زمن عيسى، فالصواب في الآية العموم. بل لو قيل: إنه لا يدخل فيها مَن كذب القرآن لكان له وجه، يعني لو قيل: إن الأمر عكس ما قال المؤلف؛ لأن الله قال: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى﴾. السياق في قوم سبقوا لا في قوم حاضرين. فكون المؤلف رحمه الله يجعل الآيات هنا بمعنى القرآن بعيد جدًّا، فإما أن نجلعها للعموم، وإما أن نجلعها للأمم السابقين، أما أن نخصها بالقرآن فهذا فيه نظر ظاهر. وقوله: ﴿أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾ المراد بالآيات هنا الآيات الشرعية؛ لأنها محل التكذيب، وقد يكون التكذيب أيضًا بالآيات الكونية. وقوله: ﴿وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾ الاستهزاء قوليٌّ ولَّا فعليٌّ؟ * طالب: لا، قوليٌّ. * الشيخ: يشمل الاستهزاء القولي والاستهزاء الفعلي، الاستهزاء القولي أن يسخر بها، مثل ما ورد في المنافقين قالوا: ما رأينا مثل قُرَّائِنا هؤلاء، أرغب بطونًا ولا أكذب ألسُنًا[[أخرجه الطبري في تفسيره (١٦٩١٢) عن ابن عمر رضي الله عنهما.]].. يصلي ساخرًا بالصلاة، أو يحج ساخرًا، أو يفعل شيئًا من العبادات على وجه السخرية والاستهزاء والتحقير: ﴿وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الروم ١٠]. قال الله تعالى: (﴿﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ ﴾ أي: يُنشِئ خلق الناس، ﴿﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ ﴾ أي: خلْقَهم بعد موتهم، ﴿﴿ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ ﴾ بالياء والتاء) [الروم: ١١]. هذا لتأكيد الإيمان باليوم الآخر ذكر الله سبحانه وتعالى بل ذكَّر عباده بأمر يعترفون به، وهو أنه بدأ الخلق، ولا أحد ينكر ذلك، لا أحد يدَّعي أنه خلق نفسه، كل إنسان يعرف أنه مخلوق من عدم، ومن المعلوم أنه لو ادَّعى أنه خُلق من غير خالق فإن كل أحد يكذبه، وإذا أقرَّ بأنه لا بد من خالق فنقول له: مَن؟ عيِّنْه لنا؟ وحينئذ لا يستطيع أن يعين، ونقول: إن الذي خلقك هو الله. ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ أي: ينشئه أول مرة، كما قال تعالى: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس ٧٩]، وتطوير الخلق وجعْلُه أطوارًا أمر معلوم؛ لأن هذا هو مقتضى الحكمة، مقتضى حكمة الله عز وجل أن الأشياء تتطور شيئًا فشيئًا حتى تصل إلى حد الكمال. وقوله: ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ (ثم) للترتيب بمهلة ولَّا للترتيب بتعقيب؟ للترتيب بمهلة؛ لأن الإعادة ما تكون إلا عند قيام الساعة، قيام الساعة تتأخر كثيرًا عن ابتداء الخلق. وقوله: ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ أي: يُرجعه مرة ثانية، وليس يبتدئ خلقًا جديدًا، وإنما يعيد المخلوق الأول -خذوا بالكم- فليس إنشاء خلق جديد بل إعادة ما سبق، وفرْقٌ بين الأمرين؛ لأننا إذا قلنا: إنه ابتداء خلق جديد، فمعنى ذلك أن يُعذَّب مَن لم يعمل، وأن يُنعَّم مَن لم يعمل، وأيضًا هذا النوع كونه يُبتدَأ خلقًا جديدًا ما يُقِرُّه المكذبون بالبعث؛ لأنهم مقرون بالابتداء، إنما هم منكرون أيش؟ * طلبة: الإعادة. * الشيخ: الإعادة، ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس ٧٨]، وعلى هذا فالبعث إعادة وجمع ما تفرَّق وليس ابتداء خلق جديد. فإذا قيل: هذا المتفرق صار رميمًا ثم ترابًا وتلاشى، أو أن الإنسان أكلته السباع أو الحيتان أو ما أشبه ذلك، نقول: مهما كان فالله تعالى قادر على أن يجمعه ثم يعيده؛ ولهذا قال: ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾: ثم إليه لا إلى غيره. ﴿تُرْجَعُونَ﴾ فيها قراءتان: ﴿﴿يُرْجَعُونَ﴾ ﴾ و﴿تُرْجَعُونَ﴾، فعلى قراءة التاء تكون الجملة للخطاب، وعلى قراءة الياء تكون الجملة للغيبة، فعلى قراءة الياء تكون للغيبة، ويُشكِل على هذا أنه قال: ﴿﴿يُرْجَعُونَ﴾ ﴾ مع أن الخلق ﴿يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ مفرد، ﴿يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾، ومقتضى السياق أن يقول: ثم إليه يُرجَع، لكن قال: ﴿﴿يُرْجَعُونَ﴾ ﴾. نقول: إن الجواب على ذلك أن الخلق مصدر بمعنى اسم المفعول، فمعنى ﴿يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ يعني: يبدأ المخلوقين، لكن لما كان مصدرًا فإن المصدر لا يُثنَّى ولا يُجمع، قال ابن مالك في الألفية: ؎وَنَعَتُوا بِمَــــــصْدَرٍكَــــــــــــــــــثِيرَا ∗∗∗ فَالْتَزَمُوا الْإِفْرَادَوَالتَّذْكِـــــيرَا وعلى هذا فنقول: إن الخلق بمعنى المخلوقين، يعني: ثم إلى الله يُرجع هؤلاء المخلوقون بعد الإعادة، وهذا الردُّ إلى الله والإرجاع من أجل الجزاء والحساب، ثم المآل إلى دار النعيم أو إلى دار الجحيم، ﴿﴿ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ ﴾. (﴿﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ﴾ ﴾: يسكت المشركون لانقطاع حجتهم). قوله: ﴿وَيَوْمَ﴾، (يوم) هذه ظرف متعلقة بقوله: ﴿يُبْلِسُ﴾، وهي مضافة إلى الجملة بعدها، وين الجملة بعدها؟ * طالب: ﴿تَقُومُ﴾. * الشيخ: ﴿تَقُومُ السَّاعَةُ﴾، فالجملة إذن في محل جر بالإضافة. وقوله: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ﴾ أي تأتي، كما قال الله تعالى: ﴿لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾ [الأعراف ١٨٧]. والساعة المراد بها ساعة البعث، فـ(أل) فيها للعهد، أيُّ العهود؟ * طالب: الذهني. * الشيخ: الذهني، يعني الساعة المعهودة العظيمة التي فيها قيام الخلق من قبورهم إلى الله عز وجل. ﴿يُبْلِسُ﴾ يقول: (يسكت) ﴿الْمُجْرِمُونَ﴾. فالإبلاس بمعنى السكوت، وقيل: الإبلاس بمعنى اليأس؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾ [الروم ٤٩]، أي: لآيسين، ومنه إبليس؛ لأنه أَيِسَ من رحمة الله. وعلى هذا فيكون ﴿يُبْلِسُ﴾ بمعنى ييأس، ولا يبعد أن تكون الآية جامعة للمعنيين، أي: ييأسون فيسكتون؛ لأنه إذا أيس الإنسان سكت ولم يتكلم بشيء؛ إذ إن الكلام لا ينفعه، وعلى هذا فنقول: إن معنى ﴿يُبْلِسُ﴾؟ * طالب: ييأس. * الشيخ: ييأس مع السكوت. وقوله: ﴿الْمُجْرِمُونَ﴾ اسم فاعل من (أجرم)، أي فَعَلَ الْجُرْمَ، وهو الذنب العظيم؛ ولهذا فسَّره المؤلف بقوله: (المشركون)، ويستدل على أن المراد به المشركون بقوله: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ﴾ [الروم ١٣]، فهم يوم القيامة ييأسون ويسكتون ولا يجدون لهم حجة: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ﴾. ﴿وَلَمْ يَكُنْ﴾ قال المؤلف: (أي: لا يكون) انتبه، لماذا فسَّر ﴿لَمْ﴾ بـ (لا)؟ ليش؟ لأن (لم) للماضي، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ﴾، فتقتضي أن هذا الأمر قد وقع، وهو واقع أولم يأتِ؟ * طالب: لم يأت. * الشيخ: لم يأت؛ لأنه يوم القيامة، فعلى هذا يكون الماضي بمعنى المستقبل: يبلس ولم يكن لهم حينئذ، وعندي أنه لا حاجة إلى هذا التأويل، أي: لا حاجة إلى أن نجعل (لم) بمعنى (لا)؛ لأن قوله: ﴿يُبْلِسُ﴾ ﴿وَلَمْ يَكُنْ﴾ مقيدة بكلمة ﴿يُبْلِسُ﴾، يعني: ولم يكن لهم في حال الإبلاس، وحال الإبلاس يكون يوم القيامة، لكن رأي المؤلف أخْذ الآية على أنها مطلقة بدون أن تُقيَّد بقوله: ﴿يُبْلِسُ﴾، وعلى هذا لا بد أن نقول: إن (لم) بمعنى (لا). قال: (﴿﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ﴾ ﴾ أي: ممن أشركوهم بالله -وهم الأصنام- ليشفعوا لهم ﴿﴿شُفَعَاءُ﴾ ﴾) إلى آخره. ﴿لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ﴾ ﴿شُفَعَاءُ﴾ أيش إعرابه؟ * طالب: فاعل. * الشيخ: لا. * طالب: اسم ﴿يَكُنْ﴾. * الشيخ: اسم ﴿يَكُنْ﴾. ﴿مِنْ شُرَكَائِهِمْ﴾ خبرها مقدمًا. وقوله: ﴿شُرَكَائِهِمْ﴾ جمع (شريك)، وهو بمعنى اسم المفعول، كقتيل بمعنى مقتول، أي: مشروك به، والمعنى: مَن جعلوهم شركاء له شركاء مع الله، كما قال المؤلف: (أي: من أشركوهم بالله)، فصار هنا الإضافة من باب إضافة الشيء إلى مفعوله أو إلى فاعله؟ من باب إضافة الشيء إلى مفعوله، أي: الذين جعلوهم شركاء لهم. وقوله: ﴿شُفَعَاءُ﴾ جمع (شفيع) بمعنى شافع، والشافع هو مَن يتوسط لك إما بجلب منفعة وإما بدفع مضرة، الشافع مَن يشفع لك إما بجلب منفعة أو دفع مضرة، وسمي شافعًا لأنك به كنت شفعًا، كنت قبله منفردًا ومعه شفعًا؛ ولهذا سمي الشفيع شافعًا لهذا الوجه. قلنا: إن الشفيع هو من يشفع لك ويتوسط إما بجلب منفعة أو دفع مضرة، مثالها في جلب المنفعة؟ * طالب: (...). * الشيخ: إي مثل أيش؟ * الطالب: إنسان فقير يتوسط له عند الملك يعطيه من الصدقات. * الشيخ: صح هذا جلب المنفعة. ودفع المضرة؟ مثال دفع المضرة؟ يتوسط له بدفع مضرة. * طالب: يطلعه من السجن، يتوسط له. * الشيخ: يطلعه من السجن؟ * الطالب: إي. * الشيخ: صحيح هذا؟ * طلبة: نعم. * الشيخ: نعم، ومثالها أيضًا في الشرع: شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام لأهل النار ألَّا يدخلوها، ها؟ * طالب: دفع مضرة. * الشيخ: دفع مضرة. وشفاعته لأهل الجنة أن يدخلوها. * طالب: جلب منفعة. * الشيخ: هذا جلب منفعة. هؤلاء ﴿لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ﴾ (﴿﴿وَكَانُوا﴾ ﴾ أي: يكونون) -مثل ما قال في ﴿لَمْ يَكُنْ﴾: (أي: لا يكون)- (أي: يكونون ﴿﴿بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ﴾ ﴾ أي: متبرئين منهم). نعم، في يوم القيامة هؤلاء الشركاء الذين كانوا يرجون منفعتهم، في يوم القيامة؟ * طالب: يكفرون. * الشيخ: يكفرون بهم ويتبرؤون منهم، ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا﴾ [البقرة ١٦٦]..﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا﴾ [البقرة ١٦٧]، فهم يوم القيامة يكفرون بهم، لا هؤلاء ولا هؤلاء، المعبودون يكفرون والعابدون أيضًا يكفرون، كل منهم يكفر ببعض والعياذ بالله، بينما كانوا في الدنيا يرجون شفاعتهم وخيرهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر ٣]، لكنه في يوم القيامة -والعياذ بالله- يتبرأ بعضهم من بعض: ﴿وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ [الروم ١٣، ١٤]. ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ﴾ نقول فيها ما قلنا فيما سبق: أن المراد بالساعة ساعة البعث المعهودة المعلومة. وقوله: (﴿﴿يَوْمَئِذٍ﴾ ﴾ تأكيد، ﴿﴿يَتَفَرَّقُونَ﴾ ﴾ أي: المؤمنون والكافرون). قوله: ﴿يَتَفَرَّقُونَ﴾ هي متعلَّق ﴿يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ﴾، يعني أن ﴿يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ﴾ متعلِّق بـ ﴿يَتَفَرَّقُونَ﴾. و﴿يَوْمَئِذٍ﴾ الثانية؟ * طالب: تأكيد. * الشيخ: تأكيد للأولى، والدليل على أنها تأكيد أنها لو حُذِفت وقيل: (ويوم تقوم الساعة يتفرقون) استقام الكلام ولَّا لا؟ * طالب: يستقيم. * الشيخ: استقام ولكنه يفوت التوكيد الذي أراده الله عز وجل، يعني: في ذلك اليوم في ذلك اليوم، للتأكيد. وقوله: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ التنوين في ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ في كل مواردها يقولون: إنه عِوَض؟ * طالب: عن جملة. * الشيخ: عن جملة، أي: يوم إذ تقوم الساعة، وكذلك يقال في حينئذ، ويقال أيضًا في وقتئذ: أن التنوين هنا عوض عن جملة، أي: يوم إذ، وحين إذ يكون كذا وكذا، ووقت إذ يكون كذا وكذا. وقوله: ﴿يَتَفَرَّقُونَ﴾ الضمير يعود على الخلق فيشمل المؤمن والكافر، حتى لو كانوا أقارب؟ لو كان الأب مسلمًا وابنه كافرًا أو بالعكس تفرقوا؛ لأنها دار الجزاء وكلٌّ يُجزَى بعمله. ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ كيف التفرق؟ قال: (﴿﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ﴾ ﴾: جنة ﴿﴿يُحْبَرُونَ﴾ ﴾: يُسَرُّون) [الروم: ١٥]. (أمَّا) يقولون: إنها حرف شرط وتفصيل؛ ولذلك يؤتَى فيها دائمًا في مواضع التفصيل: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾ [الليل ٥] ثم قال ضده؟ * طالب: ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾ [الليل ٨]. * الشيخ: ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾. وهي أيضًا حرف شرط، ولذلك تحتاج إلى جواب: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ﴾ [الليل ٥ - ٧]، وهنا: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ﴾ [الروم ١٥]، فتكون إذن حرف شرط وتفصيل، وهي أيضًا متضمِّنة لمعنى التوكيد، فإنها تؤكِّد، فإن قولك: أمَّا مَن فعل كذا فله كذا، أقوى من قولك: فمَنْ فعل كذا فله كذا. فتفيد على هذا الشرطية والتفصيل والتوكيد، وهو تقوية للكلام. ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ﴿الَّذِينَ﴾ مبتدأ، والخبر: ﴿فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ﴾. قوله: ﴿آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ يعني جمعوا بين الإيمان والعمل، واعلم أن الإيمان إذا أُطلِق شمل العمل كما أن عمل الصالحات إذا أُطلِق يشمل الإيمان، يعني إذا أُفرِد قصدي، قصدي بالإطلاق الإفراد، وإذا قُرِن أحدهما بالآخر صار الإيمان بالأعمال الباطنة، والأعمال بالأعمال الظاهرة بعمل الجوارح. الإيمان يشمل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، هكذا فسره النبي ﷺ لجبريل حين سأله: ما الإيمان؟ قال: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»[[أخرجه مسلم (٨ / ١) عن ابن عمر رضي الله عنهما.]]. الأعمال الصالحة العمل كلمة (عمل) يشمل الفعل والقول، العمل الصالح يشمل قول اللسان وعمل الجوارح، والعمل الصالح مرَّ علينا كثيرًا بأنه ما جمع بين أمرين، وهما: الإخلاص لله عز وجل، والمتابعة لرسوله ﷺ. وقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ لا بد من هذين الأمرين: إيمان، وعمل. مجرد الإيمان ينفع ولَّا لا؟ * طالب: لا. * الشيخ: ما ينفع بدون عمل، والعمل بدون إيمان أيضًا لا ينفع، لا بد من إيمان وعمل، وبهذا نعرف أن بعض النصوص المطلَقة التي فيها الوعد بالجنة لمن كان في قلبه أدنى حبة خردل من إيمان وما أشبه ذلك، أن المراد الإيمان المتضمِّن للعمل تحقيقًا أو تقديرًا. * طالب: ما التحقيق والتقدير؟ * الشيخ: تحقيقًا بأن يكون عاملًا فعلًا، وتقديرًا بأن يكون ما تمكَّن من العمل لكن معه الإيمان، كما لو آمن عند قرب وفاته مثل الأُصَيْرم من بني عبد الأشهل، قصته معروفة في أُحُدٍ. وقوله: ﴿فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ الجملة هنا اسمية للدلالة على الثبوت والاستمرار، ﴿فِي رَوْضَةٍ﴾ يقول المؤلف: (جنة)، وهي كذلك، الروضة: هي عبارة عن البساتين المشتملة على الأزهار والأشجار والروائح الطيبة والمناظر البهيجة؛ ولهذا قال: (﴿﴿يُحْبَرُونَ﴾ ﴾ أي: يُسَرُّون). وقيل: ﴿يُحْبَرُونَ﴾: يُنَعَّمون، وهما متلازمان؛ لأن النعيم يحصل به السرور، هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضة يحبرون. التقسيم الثاني: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ [الروم ١٦]، ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بترك العمل الصالح، ﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ فلم يؤمنوا. وقول المؤلف: (﴿﴿بِآيَاتِنَا﴾ ﴾: القرآن) صحيح؟ * طالب: سابق. * الشيخ: القرآن لا، ما هو من السابق، القرآن وغير القرآن، هذا قطعًا يشمل القرآن وغير القرآن؛ لأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات والذين كفروا وكذبوا بآيات الله ولقائه هؤلاء يكونون في هذه الأمة ويكونون في غيرها. وقوله: (﴿﴿وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ﴾ ﴾ البعث وغيره) ويش هو البعث؟ الإخراج من القبور، (وغيره): من الحساب والجزاء والجنة والنار، فيكذبون بها ويقولون: ما فيه لا جنة ولا نار ولا حساب ولا عذاب. والعجيب أن هذا القول الباطل الفاسد نحا إليه مَن يسمون أنفسهم بالحكماء -وهم الفلاسفة- يقولون: إنه ما فيه جنة ولا نار ولا بعث، ولكن الرسل قالوا للناس هذا من أجل إقامتهم على الطريق التي اخترعوها لهم، ويزعمون -والعياذ بالله- أن الرسل رجال عباقرة عندهم ذكاء وحسن سيرة وتنظيم، لكنهم لو قالوا للناس: افعلوا كذا أو لا تفعلوا كذا، بدون ترغيب ولا ترهيب؛ ما أطاعهم الناس، فكانوا يقولون للناس: إن لكم ربًّا عظيمًا وإلهًا قادرًا وإن لكم معادًا يكون فيه الجنة أو النار. وهم -والأمر ليس كذلك عندهم يعني- وإنما ذكروا ذلك من أجل إقامة الناس على الطريق التي سنُّوها لهم. وهذا معناه الكفر بالبعث وبالرسالة وحتى بأنفسهم؛ لأن مَن لم يؤمن بالله عز وجل فقد كفر أول ما كفر بنفسه؛ لأنه أنكر أن يكون له خالقًا. وقوله: (﴿﴿وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ﴾ ﴾ البعث وغيره ﴿﴿فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ ﴾) أعوذ بالله، ﴿أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ﴾ المراد بالعذاب هنا العقوبة وجعل العذاب ظرفًا لهم؛ لأنه محيط بهم من كل جانب، كما قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [العنكبوت ٥٥]. ﴿فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ أيش معنى ﴿مُحْضَرُونَ﴾؟ من الإحضار، أحضرته بمعنى جعلته يحضر هذا الشيء، فهؤلاء مُحضَرون في العذاب غصبًا عليهم، لو رجع الأمر إلى أنفسهم ما حضروا، لكنهم يُحضَرون فيه كرهًا: ﴿فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾. قال الله تعالى: (﴿﴿فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (١٦) فَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾ ﴾ أي: سبِّحوا الله) [الروم: ١٦، ١٧]. إعراب ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾. * طالب: منصوبة على أنها مصدر، وهي ملازمة له. * الشيخ: وعاملها؟ * الطالب: وعاملها: سبحوا الله. * الشيخ: نعم، المؤلف يقول: (أي: سبحوا الله) فجعل المفعول المطلق هنا بمعنى فعل الأمر، لا على أن عامله محذوف، بل جعله نائبًا عن فعله (أي: سبحوا الله)، وتسبيح الله تعالى معناه تنزيهه عما لا يليق به، وهذا يتضمن شيئين أحدهما: تنزيه الله عن كل نقص في صفات كماله، والثاني: تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين. ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ﴾، أقول: التنزيه يتضمن أمرين: أولًا: تنزيه الله عن النقص في صفات كماله. وثانيًا: تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين. أما الأول فإننا نرى كثيرًا ما يذكر الله عز وجل أنه لا يتعب ولا يظلم ولا يغفل وما أشبه ذلك، لماذا؟ لكمال صفاته. وأما مشابهة المخلوقين فقد قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى ١١]، وتنزيه الله عن مشابهة المخلوقين هو في الحقيقة تنزيه له عن النقص؛ لأن المخلوق ناقص، وتشبيه الكامل بالناقص يجعله ناقصًا، بل إن المقارنة بينه وبينه تحط من رتبته، كما قيل: ؎أَلَمْ تَرَ أَنَّ السَّـــــــيْفَ يَنْقُـــــــصُقَدْرُهُ ∗∗∗ إِذَا قِيلَ إِنَّ السَّيْفَ أَمْضَى مِنَالْعَصَا ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾ يقول المؤلف: (أي: سبحوا الله، بمعنى صلوا)، فأفادنا المؤلف أن المراد بتسبيح الله تعالى هنا: تسبيح خاص وهو الصلاة، من أين أخذ هذا التخصيص؟ يعني لو قال قائل: التسبيح عام يشمل الصلاة وغيرها؟ أخذه المؤلف من تقييده بهذه الأوقات، فإن تقييده بهذه الأوقات يدل على أن المراد الصلاة. وأُطلِق على الصلاة التسبيح؛ لأن التسبيح من واجباتها، كما قال الله تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة ٧٤]، قال النبي ﷺ: «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ»، ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى ١] قال: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ»[[أخرجه أبو داود (٨٦٩) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.]]. وعلى هذا فتكون الصلاة هي المراد بالتسبيح، ويدل على التقييد أيش؟ أو ما يدل على التخصيص؟ تقييدها بأوقات الصلاة (...). * * * ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الروم ١٠]. * يستفاد من هذه الآية: سوء العاقبة للمسيئين؛ لأن عاقبة هؤلاء الذين أساؤوا أيش عاقبتهم؟ ﴿السُّوأَى﴾. * طالب: (...) أم على الشك؟ * الشيخ: نشوف، لقوله: ﴿السُّوأَى﴾، وهذا على رأي المؤلف ظاهر؛ لأنه جعل ﴿السُّوأَى﴾ هي خبر (كان) أو اسمها على اختلاف القراءة في ﴿عَاقِبَةَ﴾. * يتفرع على هذه الفائدة: أن عاقبة المحسن الحسنى؛ لأن الحكم يدور مع علته، فإذا كانت عاقبة المسيئين السوأى فإن عاقبة المحسنين الحسنى، ويؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس ٢٦]. * ومن فوائد الآية: أن الإساءة هنا هي التكذيب بآيات الله، والاستهزاء بها على تقدير المؤلف؛ لأنه قال: (أي: بأن ﴿﴿كَذَّبُوا﴾ ﴾). وعلى الرأي الثاني يكون قوله: ﴿أَنْ كَذَّبُوا﴾ هي العاقبة. * ويستفاد منها: أن عاقبة المعاصي تكون الكفر؛ التكذيب بآيات الله والاستهزاء بها، إذا قلنا: إن قوله: ﴿أَسَاءُوا السُّوأَى﴾ أي: عملوا السيئات؛ كان عاقبتهم التكذيب والاستهزاء، يكون معنى ذلك أن المعاصي تكون سببًا للكفر، وهو كذلك، وقد قال أهل العلم: إن المعاصي بريد الكفر. * ومن فوائد الآية: أن الوحي الذي أنزله الله على الرسل من آياته؛ لقوله: ﴿أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾، وإنما كان من آياته لما يشتمل عليه من الصدق في الأخبار، والنفع في القصص، والعدل في الأحكام، والإصلاح، فكل الكتب النازلة كلها متضمنة لهذه الأمور: صدق في الخبر، نفع في القصص، عدل في الأحكام، مصلحة للعباد؛ ولهذا كانت هذه الكتب من آيات الله؛ لأنه لا يمكن للبشر أن يضعوا مثلها. * من فوائد الآية: الفرق بين التكذيب والاستهزاء، فالتكذيب: رد الخبر، والاستهزاء: السخرية بالأعمال الظاهرة أو الباطنة، أيهما أشد؟ * طالب: الاستهزاء. * الشيخ: الاستهزاء أشد؛ لأنه جامِعٌ بين التكذيب والسخرية. * ومن فوائد الآية: التحذير من أعمال السيئات، حيث كانت هذه عاقبتها، سواء قلنا: إن السوأى هي العاقبة، أو إن العاقبة هي التكذيب، فإنه يتضمن التحذير من الأعمال السيئة. ثم قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الروم ١١]. * يستفاد من هذه الآية الكريمة: قدرة الله سبحانه وتعالى حيث ابتدأ الخلق. * الفائدة الثانية: ثبوت حدوث العالم، وأنه ليس قديمًا لا أوَّل له كما زعمت الفلاسفة؛ لأن الله ابتدأه، والمبتدأ معناه أنه كان بالأول؟ * طالب: عدم. * الشيخ: عدمًا. * ومن فوائد الآية: ثبوت البعث؛ لقوله: ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾. * ومن فوائدها: أن البعث ليس ابتداء خلق ولكنه إعادة، خلافًا لمن قال: إن البعث ابتداء خلق، منين نأخذها؟ * طالب: ﴿يُعِيدُهُ﴾. * الشيخ: من قوله: ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾، والضمير يعود إلى خلق المبتدأ، وقد سبق لنا في كلامنا على هذه الآية أنه لو كانت الإعادة ابتداء خلق جديد لكان يعذَّب مَن لم يعمل ويُنعَّم من لم يعمل، ولكن البعث إعادةٌ لما سبق. * طالب: شيخ، إعادة لنفس الأجسام، ولَّا تنبت نباتًا جديدًا؟ * الشيخ: نفس الأعيان هذه التي تفتت وذهبت تُعاد يعيدها الله، نفس التراب إذا تحول إلى تراب يُعاد، وهكذا. * الطالب: ما هو يعني يخلق جسمًا (...). * الشيخ: إي، لكن هذا الجسم المخلوق هو نفس الأول، يجمع الله تعالى ما تفرق منه ثم يحييه. * ومن فوائد الآية: الاستدلال بالمبدأ على المعاد، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿يَبْدَأُ﴾ ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾؛ لأن هذا استدلال بالمبدأ على المعاد، والاستدلال بالمبدأ على المعاد استدلال حقيقي ومنطقي ومعقول، أيهما أصعب وأشد؟ * طلبة: الأول. * الشيخ: الأول، فالقادر على الابتداء قادر على الإعادة؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الروم ٢٧]، الكل هيِّن لكن هذا أهون؛ لأن هذا إعادة. * ومن فوائد الآية: أن مرجع الخلائق إلى الله عز وجل في الآخرة ولَّا حتى في الدنيا؟ في الدنيا وفي الآخرة، أما في الآخرة فيرجعون إلى الله ليحكم بينهم بالجزاء، وأما في الدنيا فيرجعون إلى الله ليحكم بينهم بالعمل: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ١٠] هذا خبر، و: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء ٥٩]. فالمهم أن المرجع إلى الله دنيا وأُخرى، فنحن نرجع إلى الله تعالى في أمور دنيانا، وفي أمور ديننا، وكذلك في أمر الآخرة نرجع إلى الله ويجازينا بما نستحق. * طالب: في الآية (...) الآخرة. * الشيخ: لا هي كان الآخرة بالأولوية فقط؛ لأنه في السياق هذا، ولكنها لا مانع أن تكون على العموم لا سيما أنه ذكر: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ [الروم ٢٧]. * ومن فوائدها: أنه لا يجوز التحاكم إلى غير الله، من أين تؤخذ؟ * طالب: (...). * الشيخ: إي، تؤخذ من الجملة هذه، لكن ما وجهه؟ الحصر؛ لقوله: ﴿إِلَيْهِ﴾، فإنه يعني: لا إلى غيره. ثم قال سبحانه وتعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الروم ١٣]. * يستفاد من هذه الآية: أولًا قيام الساعة، وأنه كائن لا محالة؛ لقوله: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ﴾. * ومن فوائدها: أن أهل الشرك إذا قامت القيامة سكتوا وأَيِسُوا من الرحمة؛ لقوله: ﴿يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ﴾، بخلافهم في الدنيا، فإنهم في الدنيا يعاندون ويستعلون بآلهتهم، كما قال أبو سفيان: اعل هبل[[كما في حديث البخاري (٣٠٣٩) عن البراء بن عازب رضي الله عنه.]]. لكن في الآخرة لا حراك لهم ولا صوت: ﴿يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ﴾. * ومن فوائدها: أن هذه المعبودات لا تنفع أصحابها في أحوج ما يكونون إليه ولَّا لا؟ وجه ذلك من الآية: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ﴾، وهذاك محل الشفاعة، ذلك اليوم هو محل الشفاعة، لكنهم لا يستفيدون من هذه الأصنام، بل أكثر من هذا * إفادة ثانية: أنهم يكفرون بها: ﴿وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ﴾، يكفرون بهم، كما أن الأصنام تكفر بهم أيضًا: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الأحقاف ٥، ٦]، ويتبرأ كلٌّ من الآخر مع أن ذلك هو محل الأزمة ومحل الفرج. * ومن فوائد الآية: الإشارة إلى أن هؤلاء المشركين إنما أشركوا لطلب أن يكون هؤلاء المشرَكون شفعاء، وهذا ما صرح الله به في قوله: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر ٣]. فإذا قال هؤلاء الذين يعبدون القبور: نحن لا نعبدهم لأننا نرجو منهم نفعًا مباشرًا، لكن نعبدهم ليشفعوا لنا إلى الله. قلنا: هذا شرك الأولين، وهذا ما حكى الله عن المشركين؛ أنهم لا يريدون النفع المباشر، لكنهم يريدون أن تكون شفيعة لهم عند الله عز وجل. ثم قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ [الروم ١٤، ١٥] إلى آخره. * يستفاد من الآية من قوله: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ﴾: إثبات القيامة. * ومن فوائدها: أنه في ذلك اليوم يتفرق الناس إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير. * ومن فوائدها: أن الآباء مع أولادهم، والأمهات مع أولادهم، إذا كان أحدهم كافرًا والثاني مؤمنًا يتفرقون، ولَّا يمكن أن ينقذ أحد أحدًا في ذلك اليوم؛ لعموم قوله: ﴿يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الروم ١٤، ١٥]، ولم يستثنِ الأولاد مع والديهم أو بالعكس، ففي ذلك اليوم ما فيه اجتماع إلا إذا كانوا على الحق. * طالب: (...). * الشيخ: لا ما يشمل (...)؛ لأن المؤمنين تفرُّقُهم إلى جهة واحدة؛ ولهذا قال: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ﴾ ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ فجعلهم قسمين. * الطالب: (...). * الشيخ: في منازلهم في الجنة معلوم أن كلًّا في منزلته، ولكن في عرصات القيامة يكون الفريق جميعًا فريق المؤمنين جميعًا وفريق الكفار جميعًا، لكن في منازلهم في الجنة يختلفون، الكل في منزلته. * طالب: لكن تفرقوا، يُحْمَل على (...) كل إنسان مستقل بنفسه، حتى ولو كفروا (...). * الشيخ: لا ما هو بالظاهر؛ لأن قوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يقتضي أن المقصود تفرق الجنس، يعني ينقسمون مثل ما قال الله: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى ٧]. * طالب: تفرقهم يا شيخ في الجنة والنار ولَّا في عرصات القيامة؟ * الشيخ: في عرصات القيامة يوم تقوم الساعة، فيتفرق هؤلاء فريق إلى الجنة وفريق إلى النار. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الجزاء؛ لقوله: ﴿فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ﴾، والثانية: ﴿فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾. * ومن فوائدها: فضيلة الإيمان والعمل الصالح حيث كان جزاؤه ما ذُكِر، والتحذير من الكفر حيث كان جزاؤه ما ذُكِر أيضًا. * ومن فوائد الآية أيضًا: أن الإيمان والعمل يختلفان إذا اجتمعا، ويتفقان متى؟ إذا افترقا، يتفقان إذا افترقا ويختلفان إذا اجتمعا، وعلى هذا يكون كل منهما بمعنى الآخر عند الافتراق، ويختلف كل منهما عن الآخر عند الاجتماع. * ومن فوائد الآية: أن العمل لا ينفع إلا إذا كان صالِحًا؛ لقوله: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، وحيث فسرنا الصالح بأنه ما اجتمع فيه الإخلاص والمتابعة، يستفاد منه: أن العمل الذي فيه الشرك لا ينفع صاحبه، وهذا واضح، ففي الصحيح من حديث أبي هريرة رضى الله عنه، عن النبي ﷺ أن الله قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِيَ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٩٨٥ / ٤٦) عن أبي هريرة رضي الله عنه.]]. وهل هذا يشمل الشرك في الصفة وفي أصل العمل، أو نقول: إذا كان أصل العمل لا شرك فيه والصفة فيها شرك قُبل أصل العمل دون صفته؟ يعني مثلًا رجل أراد أن يصلي الراتبة لله لكنه أحسنها وأتقنها واطمأن فيها مراءاة، هل نقول: إن هذا (...)؟ يذكر الله يسبح لكان يسبح مرة واحدة، وللمراءاة يسبح ثلاثًا، نقول: التسبيح الثلاث هذا ما ينفعه منه (...)، لكنه لا يكفي أيضًا أن نقول: إنه بطل العمل، بل يأثم على ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء ٤٨]. فالشرك من خصائصه -ولو كان أصغر- ما يغفر إلا بتوبة. * طالب: ما يفرق بين الإصرار وعدمه في الشرك؟ * الشيخ: لا ما يفرق، ما دام لم يصل إلى حد الأكبر فهو أصغر، لكنه يفرق بينهما من جهة الإصرار، فالإصرار عليه يكون أعظم من فعله مرة دون أخرى. * الطالب: لكن (...). * الشيخ: إذا طرأ الرياء في أثناء العبادة فإنه إن كافحه ودافعه ما ضره، وإن استرسل معه واطمأن إليه فإنه يضره، ثم هل يكون مبطلًا للعبادة ولَّا غير مبطل؟ إن كانت العبادة تتجزأ كما لو أراد أن يتصدق بصاعين فأخرج صاعًا بدون رياء، ثم أخرج الثاني برياء، فإن البطلان يختص بما حصل به الرياء فقط؛ لأن الأول صار صحيحًا. وإن كان بالعكس ما تتجزأ كما في الصلاة فإن من أهل العلم مَن يرى أنها تبطل الصلاة، تبطل لأنه طرأ عليه الرياء، وهي لا تتجزأ فلا يمكن أن يصح أولها دون آخرها. ومنهم مَن يقول: لا تبطل لأن أصل هذا العمل خالصًا لله عز وجل، فلا يبطله الرياء. * ومن فوائد الآية: أن الجنة روضة؛ لقوله: ﴿فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾، ويُروى أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال للنبي ﷺ ليلة عُرج به: «أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ»[[أخرجه الترمذي (٣٤٦٢) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.]]. * ومن فوائدها أيضًا: أن هذه الجنة مملوءة بالسرور؛ لقوله: ﴿فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾؛ لأن الحبور معناه التنعم والسرور الذي لا شيء فوقه. * طالب: ﴿يُحْبَرُونَ﴾ هذه، الفعل بتاعها (حبر) ولا أيش؟ * الشيخ: ﴿يُحْبَرُونَ﴾ هذه فعل مضارع مبني للمجهول. * الطالب: الماضي منها؟ * الشيخ: الماضي (حُبِر) مبني للمجهول. والماضي منه إذا كان مبنيًّا للفاعل الظاهر أنه بالكسر (حَبِر)، خصوصًا إذا قلنا: إنه بمعنى (سُرَّ)، فتكون مثل: فَرِحَ يَفْرَحُ، حَبِرَ يَحْبَرُ. قال: ﴿فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾. * ومن فوائد الآية أيضًا: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ إلى آخره، فمن فوائدها أن الكفر أعمُّ من التكذيب؛ لأن العطف يقتضي المغايرة: ﴿كَفَرُوا وَكَذَّبُوا﴾؛ لأن الكفر ينقسم إلى قسمين: إما جحد، وإما استكبار؛ فلهذا كان أعم من التكذيب. * ومن فوائد الآية: أن الكتب المنزلة من آيات الله، وسبق لنا قبل قليل وجه كونها من آيات الله؛ لقوله: ﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾. * ومن فوائدها: إثبات البعث وأن منكره كافر؛ لقوله: ﴿وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ﴾، هذا اللقاء العظيم الذي يتلاقى فيه كل المخلوقات ويلاقون الله سبحانه وتعالى. * ومن فوائد الآية: أن هؤلاء المكذبين الكافرين يُحضَرون إلى العذاب قسرًا وقهرًا؛ لقوله: ﴿فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾، وهو كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور ١٣]، يعني: يُدفَعون بعنفٍ وشدة والعياذ بالله، ﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [الطور ١٤]. ومعلوم أنهم لو رجع الأمر لاختيارهم يدخلونها ولَّا لا؟ * طلبة: لا يدخلونها. * الشيخ: ما يدخلونها، لكنهم يُدفعون بعنف وشدة حتى يدخلوها. وقال: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم ١٧] إلى آخره، نعم. * طالب: بالنسبة لآيات التفصيل، هل تدل على حسرة التفرق إلى هذين الفريقين؟ * الشيخ: إي نعم، بمعنى هذا. * الطالب: طيب (...) مثلًا مَن توفي قبل البلوغ؟ * الشيخ: صحيح فيمن توفي قبل البلوغ ومَن لم تبلغه الدعوة أيضًا، إن كان مَن توفي قبل البلوغ من أولاد المؤمنين فهو مؤمن. * الطالب: مطلقًا؟ * الشيخ: مطلقًا تبعًا لأبويه، أو للمؤمن منهما، وأما مَن تُوفي قبل البلوغ وهو من أهل الملة كفار، وهو لم يميز، فإنه أصح الأقوال فيه أنه يُمتحَن يوم القيامة بما يشاء الله عز وجل، ثم تكون النتيجة إما إلى الجنة وإما إلى النار. * الطالب: هذا في مرحلة التمييز أم البلوغ؟ * الشيخ: لا، التمييز، مرحلة التمييز. * الطالب: طيب وهذه بالنسبة لأولاد المسلمين مثلًا مطلقًا أنهم.. * الشيخ: إي نعم مطلقًا تبع لآبائهم. * الطالب: لكن لا يُشهد لهم بالجنة؟ * الشيخ: لا، لا شك كما لا يُشهد لآبائهم، لكن يُشهد بالعموم والجنس نشهد لكل مؤمن بأنه في الجنة، وأما التعيين فيحتاج إلى نص. * طالب: الامتحان يا شيخ ورد فيه نص ولا أيش؟ * الشيخ: إي ورد فيه آثار، أحاديث ضعيفة وآثار عن الصحابة. * الطالب: لو امتُحِن هيؤمن لأنه شايف كل شيء، لو امتُحِن يعني لا بد يؤمن؛ لأنه -سبحان الله- كل شيء أمامه والله سبحانه وتعالى هو اللي يمتحنه، كيف يكون هذا سبحان الله؟! * الشيخ: إذا آمن، لكن أما تعلم أن الله يقول: ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس ١٠١]، يعني الآن الآيات التي جاءت بها الرسل واضحة ولَّا كلها غير واضحة؟ * الطالب: واضحة، بس.. * الشيخ: واضحة ومع ذلك كفروا. * الطالب: بس إن الله سبحانه وتعالى هو نفسه اللي يمتحنه. * الشيخ: وقد لا يُمتَحن بأن يقال: وهل تصدق بهذا اليوم ولَّا لا؟ قد يُمتحن في أمور أخرى؛ ولهذا قلنا: الله أعلم بما يمتحنه به، قد يمتحنه بأمر يمكن أن يقع فيه اشتباه. * الطالب: أو لعله يُخفى عنه مثلًا ما حوله من.. * الشيخ: ما ندري الله أعلم، (...). والصحيح هذا المعنى «هُمْ مِنْهُمْ»، فيه حديثان: «هُمْ مِنْهُمْ»[[أخرجه مسلم (٨ / ١) عن ابن عمر رضي الله عنهما.]]، «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ». لكن «هُمْ مِنْهُمْ» قالوا: منهم في أحكام الدنيا، فولدُ المشركِ اللي أبواه كافران يُحكَم بأنه كافر؛ فلا يُغسَّل، ولا يُكفَّن، ولا يُصلَّى عليه، ولا يُدفَن مع المسلمين، لكن في الآخرة يكون الجواب الثاني، حين قال الرسول ﷺ لعائشة: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ»[[أخرجه أبو داود (٤٧١٢)، وهو في الصحيحين؛ البخاري (١٣٨٤)، ومسلم (٢٦٥٨ / ٢٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]. * طالب: شيخ فيه حديث في البخاري، لما سُئل (...) الذراري، قيل له: وأولاد المشركين؟ قال: «وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ»[[رواه البخاري (٧٠٤٧) من طريق سمرة بن جندب.]]. * الشيخ: ما أعرف حاله، أعطنا الحديث نيجي نشوفه أيش المعنى؟ (...). * * * وقوله: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ﴾ [الروم ١٨] جمله مكونة من مبتدأ وخبر، والخبر مقدم لإفادة الحصر، فله وحده الحمد، وحمْد الله تعالى يختص بأنه حمدٌ يستحقه المحمود؛ ولهذا نقول: إن اللام هنا للاستحقاق والاختصاص. وقوله: (ال) في قوله: ﴿الْحَمْدُ﴾ هذه للعموم، يعني جميع المحامد لله سبحانه وتعالى في السموات والأرض، وهو سبحانه وتعالى محمود على كل حال، وكان النبي ﷺ إذا أصابه ما يسره قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ». وإذا كان الأمر على خلاف ذلك قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»[[أخرجه ابن ماجه (٣٨٠٣) عن عائشة رضي الله عنها.]]. وأما ما يقوله بعض العامة: (الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه). فهذا وإن كان حقًّا لكنه لا ينبغي التعبير بهذا الشيء؛ لأنه فيه شيء من العتب على الله عز وجل في قوله: الذي لا يُحمد على مكروه سواه. وإنما يقال كما قال النبي ﷺ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ». وقوله: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يقول المؤلف: (اعتراض، أي: يحمده أهلُهما). هذا لا شك أنه داخل في الآية، أنه له الحمد يعني أنه يُحمد، ولكن ينبغي أن يقال بما هو أعم، أي: أن ما خلقه في السماوات والأرض فإنه مستحق الحمد عليه، سواء حُمِد أم لم يُحمد، فكل ما في السموات والأرض فإنه شيء يُحمد الله عليه. أما في أمور الخير فظاهر، وأما في أمور الشر فيظهر ذلك في أن الشر بالنسبة لفعل الله وإيجاده له ليس بشر، بل قال النبي ﷺ: «وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ»[[أخرجه مسلم (٧٧١ / ٢٠١) عن علي رضي الله عنه.]]. فلا ينسب إليه الشر. مثال ذلك: الجدب والمرض والفقر والجهل والاقتتال بين الناس والخسوفات في الأرض، هذه كلها بالنسبة للإنسان شر، لكنها بالنسبة لقضاء الله خير؛ لأن الله ما قضاها إلا لحكمة، فحينئذ يكون محمودًا عليها ولَّا لا؟ يكون محمودًا عليها. والشر في المقضِيِّ لا في القضاء؛ ولهذا في حديث الحسن بن علي قال: وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ[[أخرجه أبو داود (١٤٢٥) عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال: علَّمني رسولُ اللهِ ﷺ كلماتٍ أقولُهُنَّ في الوترِ.. الحديث.]] : شر الذي قضيت، فأضاف الشر إلى المقضِيِّ لا إلى القضاء. ثم اعلم أيضًا أن المقضِيَّ ليس شرًّا محضًا، حتى المقضِي نفسه ليس شرًّا محضًا، بل هو شر من وجه خير من وجه آخر، أو شر في محل خير في محل آخر، مثلًا الفساد في البر والبحر شر، لكنه خير من جهة عاقبته؛ لأن الله قال: ﴿لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم ٤١]، إذن هذا خير. كذلك أيضًا قد يكون شرًّا في مكان لكنه خير في مكان آخر؛ إهلاك الأمم السابقين بذنوبهم شر بالنسبة لهم، وهلكوا ولا رجعوا ولا استفادوا، لكن بالنسبة لغيرهم ممن يعتبر بحالهم خير، فيكون هذا شرًّا في محله خيرًا في محل آخر. والمهم أن قضاء الله نفسه ليس فيه شر أبدًا بل هو خير؛ ولذلك قال: ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ في جميع الأحوال، المقضي يكون فيه الشر، ومع ذلك فإننا نقول -مع إثباتنا أن الشر في المفعولات لا في الفعل- نقول أيضًا: إن هذا الشر في المفعولات ليس شرًّا محضًا لا خير فيه أبدًا -أنتم معنا؟- بل قد يكون شرًّا من وجه وخيرًا من وجه في نفس المحل، كقوله: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم ٤١]. وقد يكون شرًّا في محله خيرًا في محل آخر، مثل أيش؟ شرًّا في محله ما فيه خير في محله لكنه في محل آخر خير. * طالب: (...) لهم شر، ولغيرهم.. * الشيخ: ولغيرهم ممن يعتبر بهم خير. وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، خصهما بالذكر لأنهما محل نفوذ فعله؛ السماوات والأرض، فإن الذي في السماوات والأرض من الملائكة والبشر والجن وغيرها كلها تحمد الله، وكلها محل حمْدِه. فإذا قال قائل: هل الكافر يحمد الله؟ فالجواب: بلسان المقال لا، وبلسان الحال نعم. بمعنى أن حاله تستوجب لمن تأمَّلها أن يحمد الله، هذا معنى قوله: إن هذا يحمد بلسان الحال أو يسبح بلسان الحال. يعني: أن حاله مَن تأمَّلها عرف بها ما يستحقه الله تعالى من الحمد والتنزيه. وقوله: ﴿وَعَشِيًّا﴾ معطوف على قوله: ﴿حِينَ تُمْسُونَ﴾، يعني: وسبحوا الله عشيًّا، والعشيُّ من الزوال إلى غروب الشمس، وفي حديث أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله ﷺ إحدى صلاتي العشي[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٢)، ومسلم (٥٧٣ / ٩٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]. ﴿وَعَشِيًّا﴾ قال المؤلف رحمه الله: (﴿﴿وَعَشِيًّا﴾ ﴾ عطْفٌ على ﴿﴿حِينَ﴾ ﴾ وفيه صلاة العصر، ﴿﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ ﴾: تدخلون في الظهيرة وفيه صلاة الظهر). ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ معطوفة على قوله: ﴿حِينَ تُمْسُونَ﴾ ولَّا على قوله: ﴿وَعَشِيًّا﴾؟ على ﴿حِينَ تُمْسُونَ﴾؛ لأنه سبق لنا أن القاعدة في المعطوفات أن يكون العطف على أول واحد؛ لأنه هو المحل الذي وقع عليه عمل العامل، فيكون العطف على الأول، فإذا قلت: قام زيد وبكر وعمرو. فإن عمْرًا معطوف على زيد. قال: ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾.. هذه الأوقات الخمسة هي أبسط ما ذكره الله تعالى في القرآن من أوقات الصلوات، وذكرها مجملة في قوله: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ [الإسراء ٧٨]، ففي هذه الآية: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ يعني: وقت دلوك الشمس؛ لأن اللام للتوقيت، مثل: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق ١] أي: وقت استقبال عدتهن. فـ ﴿لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾: لزوالها. ﴿إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾، ما هو غسق الليل؟ * طالب: شدة ظلمته. * الشيخ: نصفه، شدة ظلمته وذلك عند انتصافه؛ لأن أشد ما يكون الليل ظلمة إذا انتصف لأن نصف الليل هو أبْعَدُ ما تكون الشمس عن سطح الأرض، ﴿إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾، يدخل في هذا -من زوال الشمس إلى نصف الليل- أربع صلوات: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء. ثم قال: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾، ففصله، والمراد به صلاة الصبح، وفصْلُه عما قبله يدل على أن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل، وهذا هو الذي دلَّت عليه السنة أيضًا، ومن قال: إنه ينتهي بطلوع الفجر، فلا دليل عليه. وهذه المسألة ينبني عليها ما لو طهرت المرأة في نصف الليل الثاني، هل يلزمها صلاة العشاء؟ على قول مَن يقول: إن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر، يلزمها العشاء وكذلك المغرب أيضًا. وعلى القول الراجح: لا تلزمها صلاة العشاء؛ لأن صلاة العشاء إلى نصف الليل. (﴿﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ ﴾: كالإنسان من النطفة والطائر من البيضة، ﴿﴿وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ﴾ ﴾: النطفة والبيضة ﴿﴿مِنَ الْحَيِّ﴾ ﴾) إلى آخره. ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ يقول المؤلف: (كالإنسان والطير من النطفة والبيضة)، فهمتم؟ النطفة باعتبار ما يظهر لنا ميتة، وكذلك البيضة، لكنها في الواقع النطفة ما هي ميتة، فقد قال النبي ﷺ حين سُئل عن العزل قال: «هُوَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ»[[أخرجه مسلم (١٤٤٢ / ١٤١) عن جدامة بنت وهب رضي الله عنها.]]. فجعله وأدًا، والوأد لا يكون إلا لِحَيٍّ، فالحيوانات المنوية حية لكنها لا تُرَى. هذه النطفة البسيطة التي ليست بشيء يقولون -والله أعلم هل هي مبالغة أو لا- يقولون: فيها خمسة ملايين أو أكثر من الحيوانات المنوية. هذه التي بسيطة ما هي بشيء. إذن فنقول: إنه باعتبار ما يُرَى ويظهر هي ميتة جماد، لكن باعتبار الحقيقة ليست كذلك. وقوله: ﴿الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ هل المراد الحياة الحسية أو المعنوية؟ الأمران حقيقة أن المراد الأمران، فإن الكافر ميت معنًى، قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [الروم ٥٢]، يعني هؤلاء الكفار في منزلة الأموات، والمؤمن حي ولا سيما العالم، قال الله تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ [الأنعام ١٢٢]. وسمى الله القرآن أيش؟ روحًا، فدل هذا على أن مَن عمل به فهو حي، فالآية أعم مما قال المؤلف، وإن كان سياقها يقتضي أن المراد بها بالأَوْلى الحياة الحسية. * طالب: (...). * الشيخ: يمكن قصد الطين، فالإنسان أوله طين. * طالب: المؤلف الكلام اللي ذكره.. * الشيخ: طيب هذه ما هي مشكلة، مسألة الميت من الحي ما هي مشكلة، لكن المشكلة الحي من الميت. * طالب: ثم قال: الدجاج أو الطير من البيضة. * الشيخ: البيضة ما ننفي الحقيقة؛ لأني ما عندي فيها علم، لا أنفي أن يكون فيها حياة في بعض الأجزاء التي يتكون منها الطائر. * طالب: فيها بيوضة وفيها تكون مُلَقَّحة؟ * الشيخ: ها؟ * طالب: فيها بيوضة -في البيضة- البيوضة تكون ملقحة، في هذا (...) صار حولها (...) تكون غير ملقحة ولا.. * الشيخ: إذن معناها أنه يكون فيها حياة، سبحان الله . (﴿﴿وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ﴾ ﴾ بالنبات ﴿﴿بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ ﴾ أي يُبْسِها). ﴿يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ بما أنزل الله عليها من المطر، ولا أحد يستطيع أن يفعل ذلك إلا الله عز وجل، هذه الأرض الهامدة اليابسة بما فيها من خضرة يُنزل الله عليها الماء فتصبح الأرض مخضرة بأمر الله عز وجل، لو اجتمع الخلائق كلهم على أن يفعلوا ذلك ما استطاعوا، ولا يُحدِثون ولا أدنى حشيشة من هذه الحشائش، ولكن الله تعالى بقدرته يفعل ذلك. * طالب: بعض الحشرات تخرج من ثياب وطعام ونحوها.. * الشيخ: المتولد. * الطالب: المتولد. * الشيخ: إي نعم. * الطالب: مثلًا النبات تخرج من اللواقح (...). * الشيخ: إي نعم حياة بلا إدراك. * الطالب: بلا إدراك. * الشيخ: على كل حال نعم، المتولد واضح أيضًا أنه حي من ميت؛ لأن المتولد يخرج من العفونات والقاذورات وهو حي يتحرك. قال: ﴿وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ (﴿﴿وَكَذَلِكَ﴾ ﴾ الإخراج ﴿﴿تُخْرَجُونَ﴾ ﴾ من القبور)، و(كذلك) الكاف حرف جر. * طالب: اسم. * الشيخ: اسم بمعنى مثل، يعني ومثل هذا الإخراج تُخرجون، ويجوز أن تكون هنا حرف جر، يعني وكهذا الإخراج تُخرَجون، ولا تكون مفعولًا مطلقًا. على الأول تكون: مثل ذلك الإخراج تُخرجون، تكون مفعولًا مطلقًا. وعلى القول الثاني: يكون الكاف حرف جر، و(ذا) اسم إشارة مبني على السكون في محل جر، أي: وكهذا الإخراج تُخرَجون. وقوله: (﴿﴿تُخْرَجُونَ﴾ ﴾ من القبور)، ظاهر الآية الكريمة أن خروج الناس من القبور يشبه خروج النبات من الأرض، وخروج النبات من الأرض يكون بنزول المطر عليها، فيكون في هذه الآية إشارة إلى ما ورد في الحديث من «أنَّ اللهَ تعالى يُمطِر على القبورِ مطرًا غليظًا كمَنِيِّ الرجالِ أربعينَ يومًا تَنْبُتُ منه الأجسادُ في القبورِ، ثُم بعدَ ذلكَ تَخرُج إذا نُفِخ في الصُّورِ»[[أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٣٤٧) عن أبي هريرة رضي الله عنه.]]. وهذا وردت فيه أحاديث في إسنادها مقال، لكن مجموعها يقضي بأنها أحاديث حسنة، وظاهر القرآن أيضًا يشير إليها. وقوله: (﴿﴿تُخْرَجُونَ﴾ ﴾ بالبناء للفاعل والمفعول)، البناء للفاعل مثل؟ * طالب: ﴿﴿تَخْرُجُونَ﴾ ﴾. * الشيخ: ﴿﴿تَخْرُجُونَ﴾ ﴾، وللمفعول: ﴿تُخْرَجُونَ﴾، ففيها قراءتان، سبعيتان أو إحداهما شاذة؟ * طالب: سبعيتان. * الشيخ: سبعيتان؛ لأن من عادة المؤلف رحمه الله أنه إذا أتى بقراءة شاذة يقول: وقُرئ. * طالب: اللي في المصحف؟ * الشيخ: اللي في المصحف: ﴿تُخْرَجُونَ﴾. * الطالب: واللي في غير المصحف؟ * الشيخ: التفسير؟ * الطالب: نعم. * الشيخ: عندي أنا ﴿تُخْرَجُونَ﴾، اللي في الأصل (بالبناء للفاعل والمفعول). * الطالب: لا، هنا قال: ﴿﴿تَخْرُجُونَ﴾ ﴾ ولا ﴿تُخْرَجُونَ﴾. * الشيخ: ما ذكر قراءة؟ * الطالب: لا ما ذكر قراءة. * الشيخ: عجيب؛ لأنه موجودة عندي، هي موجودة عندكم في التفسير؟ * طالب: موجودة. * الشيخ: ما هي موجودة عندك (بالبناء الفاعل والمفعول)؟ * طالب: ظاهر، كأنها موجودة. * الشيخ: قال: (﴿﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ﴾ ﴾ تعالى الدالة على قدرته)، ﴿مِنْ آَيَاتِهِ﴾ (من) حرف جر ومعناها التبعيض، يعني بعض آياته، والآيات جمع آية وهي في اللغة العلامة البينة الواضحة، ﴿آَيَاتِهِ﴾ يقول المؤلف: (الدالة على قدرته). ﴿أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ (أن) وما دخلت عليه في تأويل المصدر مبتدأ مؤخر، يعني: خلْقُكم. ﴿أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ (من) هذه لابتداء الغاية، المعنى: أن ابتداء الخلق من التراب (أي أصلكم آدم)، صحيح، وأما سلسلة آدم فخُلِقت من نطفة. (﴿﴿ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ﴾ ﴾ من دم ولحم ﴿﴿تَنْتَشِرُونَ﴾ ﴾ في الأرض)، كنتم ترابًا والتراب لا يتحرك من مكانه، ولا ينتشر، وليس فيه حركة، ثم بعد ذلك تكونون بشرًا؛ ﴿إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾. وقوله: ﴿ثُمَّ إِذَا﴾ قد يقول قائل: إن في هذا ما ظاهرُه التناقض؛ لأن (إذا) فجائية، و(ثم) للمهلة، والمفاجأة والمهلة متناقضان؛ إذ إن المفاجأة تدل على المبادرة. فيجاب عن ذلك بأن المفاجأة بعد المهلة؛ لأنه ليس في الحال يكون التراب بشرًا، وإنما تطوَّر لمدة حتى وصل إلى البشرية، هذا إذا قلنا: إن المراد بالبشر خصوص آدم. أما إذا قلنا: المراد به ذريته فالمهلة ظاهرة؛ لأن هذا يشمل الذرية إلى متى؟ إلى قيام الساعة، فالمهلة ظاهرة لكن المفاجأة في قوله: ﴿إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ﴾ قد توحي أن المراد به آدم، فإن آدم بشر وذريته انتشرت في الأرض. وقوله: ﴿إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ﴾ الجملة هذه مبتدأ وخبر، و﴿تَنْتَشِرُونَ﴾؟ * طالب: حال. * الشيخ: حال منين؟ * الطالب: مِن ﴿أَنْتُمْ﴾. * الشيخ: أما نجعلها صفة لبشر؟ * طالب: صفة لبشر. * الشيخ: صفة لبشر، وإذا جعلناها صفة لبشر صار فيها إشكال من جهة أن (بشر) مفرد، و﴿تَنْتَشِرُونَ﴾ جمع، لكن المفرد المراد به الجنس يكون جمعًا، ﴿إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾، تنتشرون في أي مكان؟ يقول: (﴿﴿تَنْتَشِرُونَ﴾ ﴾ في الأرض)؛ لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة ١٠]. فالانتشار في الأرض والتوسع، وانظر الآن البشر منتشر في جميع أقطار الدنيا، وسبحان الله العظيم الإنسان عندما يرجع إلى ما سبق يقول مثلًا: ما الذي أوصل أهل أمريكا إلى أمريكا، والذي أوصلهم إلى البلاد الأخرى مع هذه المحيطات العظيمة؟ لأن آدم لا شك أنه في إحدى القارات، فما الذي أوصل بنيه إلى القارات الأخرى؟ فيه شيء عندكم من علم الجيولوجيا على ما يقول؟ نقول: الله أعلم، قد يكون الله يسر لهم في ذلك الوقت من الأسباب -ما زال الآن ولا نعرفه- حتى وصلوا إلى هذه البلاد (...). * طالب: الدم من الفاكهة، والفاكهة من الأرض. * الشيخ: الدم من الفاكهة؟! * الطالب: يعني الدم (...) الفاكهة والخضروات يعني، كونها من الغذاء يعني، فالغذاء أصله من الأرض. * الشيخ: هذا جائز، لأن هالدم هذا صح، لكن هذه نطفة، والنطفة تكون علقة. * الطالب: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾، أي: خلاصة من طين، وهي الفاكهة، ثم اختلط إلى دم. * الشيخ: (...) الفاكهة؟ ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ [المؤمنون ١٢]. * الطالب: ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ﴾ [السجدة ٨]. * الشيخ: الآن الآية، ﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ أصل السلالة: الخلاصة من كل شيء على حسب ما يبين، ﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ هذا آدم، ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً﴾ [المؤمنون ١٢، ١٣] -هذا بنو آدم- ﴿فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾. * طالب: أين ينتقل هنا الضمير ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ﴾؟ * الشيخ: إي للجنس، باعتبار الجنس، ﴿جَعَلْنَاهُ﴾ أي: الإنسان باعتبار جنسه. * طالب: (...) المني فيه (...) من تراب. * الشيخ: فيه أيش؟ * الطالب: تراب. * الشيخ: هذا ما نستطيع أن نجزم بنفيه أو إثباته؛ لأنه يجوز أن نفس الإنسان هذا فيه مادة ترابية، الحين يقولون: إن الإنسان فيه رصاص وفيه جير وفيه كذا وفيه كذا. نفس الجسم الآن مُكَوَّن، فلا يبعد أن هذه السلالة التي تخرج منه يكون فيها هذه المواد، ما يبعد في الحقيقة ما عندنا شيء عميق علم عميق في هذه المسألة، لكن الله على كل شيء قدير، إنما المعروف الآن أن الإنسان فيه من جميع معادن الأرض؛ فيه رصاص، ونحاس، وجير، وتراب، وكل شيء نفس الجسم. * طالب: وحديد. * الشيخ: وحديد. * طالب: وكهرباء. * الشيخ: نعم، إي نعم، بس لسنا كبطرية كهرباء، الله أعلم. * طالب: (...). * الشيخ: لا، أحيانًا (...) الشيء مع بعض الحركة (...) تحس في بطنك شيئًا. * طالب: بعض الناس يقولون: إن آدم أول ما خرج من الجنة ونزل في الأرض (...)، صحيح؟ * الشيخ: الله أعلم ما ندري، ما فيه أحاديث صحيحة عن النبي ﷺ، كلها آثار إسرائيلية. قال: ﴿ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ (﴿﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ ﴾ تخلقت حواء من ضلع آدم فخُلِقَت). * طالب: تخلَّقَتْ. * الشيخ: ما عندي تخلَّقَتْ. طيب المعنى أن المؤلف يريد ﴿أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ ﴿أَنْفُسِكُمْ﴾ أي: ذواتكم -على رأي المؤلف- فالمراد بالنفس هنا الذات. وقوله: ﴿أَنْ خَلَقَ لَكُمْ﴾ اللام للاختصاص وليست للملك؛ لأن الإنسان لا يملك زوجته، ويحتمل أن تكون للتعليل، أي: خَلَق لِأجْلِكم، لكن المعنى أبلغ في الإنعام حيث إنَّ كل إنسان زوجته تختص به؛ ولهذا لا يجوز للمرأة أن تتزوج أكثر من رجل في آنٍ واحد. ﴿خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾، المؤلف مشى على أن المراد بالنفس الذات، وأن ﴿مِنْ﴾ للتبعيض، يعني أن نفس هذه الزوجة من نفس الإنسان جزء منه؛ ولهذا قال -فسَّره-: (بخلق حواء من ضلع آدم، وسائر النساء من نطف الرجال والنساء)، هذا ما قرره المؤلف؛ أن المراد بالنفس الذات. ويحتمل أن المراد بالنفس الجنس، كما قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ [التوبة ١٢٨]، يعني من جنسكم، ويؤيد هذا المعنى قولُه: ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾، فإن الإنسان يسكن إلى بني جنسه دون غيرهم، لو كانت المرأة تخالف الرجل وليست من جنسه لكان في ذلك مشكلة، ولا يمكنه أن يسكن إليها؛ لهذا جعلها الله سبحانه وتعالى من جنسه لأجل أن يسكن إليها: ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾. واللام في قوله: ﴿لِتَسْكُنُوا﴾ اللام للتعليل، أي: لأجل أن تسكنوا، وهي مُعَلِّلةٌ لقوله: ﴿مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾. وقوله: (وتألفوها) كذا ولَّا (أي: تألفوها)؟ * طالب: وتألفوها. * الشيخ: (وتألفوها)، السكون معناه الاستقرار، ومنه السكنى في البلد لاستقراره فيها، فالمعنى: تستقروا وتطمئنوا لها وتألفوها -كما قال المؤلف-: (﴿﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ﴾ ﴾ جميعًا ﴿﴿مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ ﴾ المذكور ﴿﴿لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ﴾ في صنع الله). (﴿﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ﴾ ﴾ جميعًا) يعني بين الزوج وزوجته ولَّا بين الناس جميعًا؟ * طالب: الزوج وزوجته. * الشيخ: هو الظاهر، ولكن كلام المؤلف: (﴿﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ﴾ ﴾ جميعًا) يقتضي العموم، ولكن ظاهر السياق يختص بالمرأة وزوجها، فإن هذه المرأة الأجنبية -التي لا تعرفها ولا تعرفك من قبلُ- إذا تمَّ العقدُ بينكما ألقى الله تعالى في قلوبكما المودة والرحمة. قيل: إن المودة في قلب المرأة، والرحمة في قلب الرجل؛ لأنه هو الذي له السلطان عليها، وهي التي تميل إليه، فتكون المودة منها والرحمة منه، فيكون الوصفان مُوَزَّعَيْن على الزوج والزوجة. وقيل: إن الوصفين لكل من الزوجين، يعني أن المودة تكون بين الزوج وزوجته، وكذلك الرحمة تكون بين الزوج وزوجته، وهذا هو الأقرب، وهو الذي يؤيده الواقع أيضًا، فإن المرأة إذا ودَّتْ زوجَها يكون فيها رحمة لولا أن الأم أرحم النساء لقلنا: إنها مثل رحمة الأم؛ ولهذا تجدها تلاحظه إذا مرض، وتحزن إذا حزن، وتُسَرُّ إذا سُرَّ، وإذا كانت الحال بينهما جيدة يمكن تبيع كل ما تملك من أجل راحته وإسعاده، هذه لا شك أنها رحمة. وأما المودة فظاهرة، ولولا قوة المودة بين الزوجين ما حصل الاتصال بينهما الذي أراده الله عز وجل لأجل أن تكمل هذه الخليقة وتنمو، ومن أجل هذا جعل الله تعالى المودة والرحمة. ذكر ابن الجوزي في صيد الخاطر قال: لولا أن الله سبحانه وتعالى بحكمته قضى أن تبقى هذه الخليقة لكان الاتصال بين الزوج وزوجته من أقبح الأمور؛ أنَّ كل واحد منها يكشف عورته للآخر ثم يحصل هذا الشيء الذي قد يكون مستكرهًا في أذواق بعض الناس، لكن جعل الله سبحانه وتعالى هذه المودة بينهما لأجل أن تستقيم الأمور وتنمو الخليقة، وهذا صحيح، هذا حق، لولا أن الله جعل هذا الأمر؛ المودة ما حصل الاتصال بين الزوجين، ولهذا كلما كان الزوج أو الزوجة بعضهما لبعض كارهًا قلَّ الاتصال بينهما. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ﴾ (ذلك المذكور) ﴿لَآَيَاتٍ﴾، اللام هذه للتوكيد، وآيات جمع آية. وتأمل قوله: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾، ثم قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ﴾، قد تقول: ما هذا التنافر؟ حيث قال في الأول ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ﴾؟ ولكننا نقول لك: لا تنافر في الواقع؛ أولًا: إن قوله: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ﴾ للتبعيض، وبعض الآيات قد يكون آية واحدة، وقد يكون أكثر من آية. ثم إنَّ ﴿خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ هذه أربع آيات، فيكون في أصل الخلق آية واحدة، لكن في أوصاف هذا الخلق المتطور آيات. * طالب: يقال: المودة في أول الحياة الزوجية السنوات الأولى، والرحمة بعد الأولاد. * الشيخ: هذا خلاف الظاهر؛ لأن الظاهر أنهما مقترنان، المودة والرحمة مقترنان. * طالب: المودة والرحمة متواجدان بعد العقد، أو بعد الاتصال، أو بعد المعاملة؟ * الشيخ: هذه ترجع إلى ما يجري بين الزوجين، أما المودة فالظاهر أنها تكون من قبلُ، وقيل: حينما يخلو بالمرأة والتشابك، وهذه الخطبة والموافقة لا تكون إلا عن مودة، لكنها تنمو وتزيد بحسب الاتصال (...). * * * ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ [الروم ١٩]، ما المراد بالحي والميت هنا؟ * طالب: كثيرًا، الميت بلا روح، والحي الذي فيه روح. * الشيخ: مثاله؟ * الطالب: مثاله -على رأى المؤلف- النطفة ميت تخرج.. * الشيخ: يخرج منها؟ * الطالب: يخرج منها الحي. * الشيخ: طيب هل يشمل هذا الحياة المعنوية والحسية؟ * طالب: نعم يشمل الحياة الحسية والمعنوية. * الشيخ: ويش المعنوية؟ * الطالب: الكافر يخرج منه المسلم أو بالعكس. * الشيخ: الكافر يخرج منه المسلم أو بالعكس، أيهما أقرب إلى ظاهر الآية أو السياق؟ * الطالب: ظاهره الحسية. * الشيخ: حسية نعم. قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾، إعرابها؟ * طالب: الكاف ممكن تكون بمعنى مثل، وتكون مبنية منصوبة على أنها مفعول مطلق، أو تكون (...). * الشيخ: يكون كإخراج النبات من الأرض. قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾، كيف خلق الإنسان من تراب؟ * طالب: الأصل أن آدم بدأه من تراب، وذرية آدم من نطفة. * الشيخ: نعم. أيش معنى قوله: ﴿إِذَا أَنْتُمْ﴾؟ (إذا) أيش معناها؟ إعرابها؟ * طالب: فجائية. * الشيخ: (إذا) فجائية. قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾، أيش معنى ﴿مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾؟ * طالب: يعني من ذات الإنسان. * الشيخ: يعني من ذواتكم، مثل أيش؟ * الطالب: مثل البصر (...). * الشيخ: الزوجة بصر؟! ﴿مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾. ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم ١٨]. * يستفاد من هذه الآية: رحمةُ الله تعالى بعباده، حيث علَّمهم ما فيه مصلحتهم. * ومن فوائدها: أن الصلاة تسبيح وتنـزيه لله؛ لأنَّ الله أطلق عليها اسم التسبيح. * ومن فوائدها: وجوب التسبيح فيها -في الصلاة- لأنه سبق لنا قاعدة: أنه إذا أُطلِق على العبادة جزء منها دلَّ ذلك على أن هذا الجزء من واجباتها، وأنه لا بد منه فيها. * ومن فوائد الآية: بيان الأوقات الخمسة مفصلة؛ لقوله: ﴿حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾. * ومن فوائدها: أن المساء يُطلَق على أول الليل، فإن قوله: ﴿حِينَ تُمْسُونَ﴾ يدخل فيه: المغرب، والعشاء. وقد يؤخذ من هذا جواز الرمي ليلًا -رمي الجمرات- لأن رجلًا قال: يا رسول الله رميت بعد ما أمسيت، فقال: «لَا حَرَجَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٨٣)، ومسلم (١٣٠٦/٣٢٧) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.]]. فإذا كان المساء يُطلَق على أول الليل، وأطلق النبي عليه الصلاة والسلام نَفْيَ الحرج عُلِم أنه جائز. * ومن فوائد الآية الكريمة: حكمةُ الله عز وجل في توزيع الصلوات على هذه الأوقات، وجه الحكمة أمران: الأمر الأول: أنها لو جُمِعت في وقت واحد لَخَلَتْ بقية الأوقات عن الاتصال بالله عز وجل، أليس كذلك؟ يعني لو جعل الإنسان يصلي الفجر كل الصلوات الخمس جميعًا، معناه بقي النهار والليل ما يكون له صلوات مفروضة. والوجه الثاني: أنه لو جُعِلت هذه في وقت واحد لكان في ذلك نوع من المشقة؟ يعني يوجَبُ على الإنسان أن يصلي سبع عشرة ركعة في آنٍ واحد هذا فيه مشقة، مشقة على الأقوياء والأصحاء، فكيف على الضعفاء والمرضى؟! * ومن فوائد الآيات: كمالُ الله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. * ومنها: أنه وحده المستحِق لأنْ يُحمد على وجه الإطلاق، نأخذه منين؟ من تقديم الخبر: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ﴾. * ومن فوائدها: أن كل ما يحدث في السماوات والأرض من خير أو شر فإن الله تعالى يستحِق عليه الحمد، يؤخذ من أين؟ من الإطلاق: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ﴾ ولا قال: على الخير، أو على ما ينفع. بل أطلق. * فيستفاد منه: أن الله تعالى محمود على كل حال. ثم قال تعالى: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الروم ١٩]. * في هذه الآية: بيان قدرة الله عز وجل، حيث يُخرِج الحي من الميت وبالعكس، وهذا من تمام القدرة: أن يُخْرَجَ الشيءُ من ضده. * ومن فوائدها أيضًا: قدرته على إحياء الأرض من بعد موتها؛ لقوله: ﴿وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾. * ومن فوائدها: ثبوت قيام الأفعال الاختيارية بالله عز وجل، والأفعال الاختيارية: هي التي يفعلها بمشيئته، إنْ شاء فعل وإن شاء لم يفعل، من أين تؤخذ؟ ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾، وقوله: ﴿وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾، ﴿بَعْدَ﴾، فإنَّ البعدية تقتضي حدوث هذا الشيء. وقيام الأفعال الاختيارية بالله عز وجل هو الذي عليه أهل السنة والجماعة قاطبة، ما أحد منهم أنكر ذلك، فيُثبِتون الاستواء على العرش فعلًا لله، والنـزول إلى السماء الدنيا فعلًا لله، والمجيء للفصل بين العباد فعلًا لله، والعجب فعلًا لله، والضحك فعلًا لله، والخلق فعلًا لله. ويقولون: إن الله تعالى يفعل ما يشاء كيف شاء متى شاء، ولكن أهل البدع من المعتزلة والأشعرية وغيرهم ينكرون قيام الأفعال الاختيارية به، ويقولون: لو قامت به الحوادث لكان حادثًا، والله سبحانه وتعالى لم يزلْ ولا يزال. فنقول: إن هذا قول باطل: أولًا: لأنه قياس في مقابَلة النص، فإن النصوص متكاثرة في إثبات الأفعال الاختيارية لله عز وجل التي تتعلق بمشيئته. وثانيًا: قولكم: إن الحوادث لا تقوم إلا بحادث. ليس بصحيح، فإن الحوادث لا تقوم إلا بكامل قادر على ما يشاء، أما: لا تقوم إلا بحادث، فما هو العقل الذي يوجب هذا؟ * ومن فوائد الآية: قياس الغائب على الشاهد؛ لقوله: ﴿وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾، فإن قياس الغائب على الشاهد ليحمل على الإقرار به طريقة مُتَّبَعة. * ومن فوائدها: إثبات القياس، من قوله: ﴿وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾، وإثبات القياس له أدلة كثيرة في القرآن، منها: على سبيل التعميم والحض: كل مَثَلٍ ضربه الله تعالى في القرآن فهو دالٌّ على ثبوت القياس، ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس٢٤] كذا وكذا، ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ [البقرة ١٧]، وما أشبه ذلك. فإن الأمثال ضَرْبُهَا تشبيه حال بحال أو فرد بفرد، فتكون دالة على ثبوت القياس. وكذلك القصص التي قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف ١١١]، وفي السنة أيضًا كثير من ذلك، مثل: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟». » قال: نعم. قال: «فَمَا أَلْوَانُهَا؟». » قال: حمر[[متفق عليه؛ البخاري (٥٣٠٥)، ومسلم (١٥٠٠/١٨) عن أبي هريرة رضي الله عنه.]]. الحديث. و«أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟» »[[متفق عليه؛ البخاري (٦٦٩٩)، ومسلم (١١٤٨/١٥٥) عن ابن عباس رضي الله عنهما.]]. وكذلك العقل يقتضي ثبوت القياس، فإن العقل السليم الصريح لا يمكن أن يفرق بين متماثلين أبدًا، ودائمًا حتى الصبي إذا منعته من شيء وأبحت له نظيره قال له: كيف؟ ما هو هذا مثل هذا؟ فالمهم أن هذا مما تشهد العقول والفِطَر والنصوص بثبوته، نعم القياس الباطل الذي يتوسع فيه بعض الناس حتى يُعَطِّلوا دلالة الكتاب والسنة هذا لا شك أنه باطل، أما القياس الصحيح فإنه لا ريب في ثبوته. والذين أنكروا القياس هم في الحقيقة مضطربون، أحيانًا يقولون بالقياس من حيث لا يشعرون، ولا يمكنهم إلا أن يقيسوا؛ لأننا لو أردنا أن نحصر دلالة الكتاب والسنة على الأحكام على سبيل العموم والقواعد والضوابط وافية، لكن الأفراد والجزئيات لا منتهى لها ولا حصر لها، وإنه لا بد أن يُضْطَرُّوا إلى إثبات ذلك. * طالب: لا بد أولًا أن يأتي بالعموم لا القياس. * الشيخ: إي نعم، يدخل في العموم من حيث الشمول اللفظي إن كان داخلًا في اللفظ، أحيانًا لا يدخل في اللفظ لكن يشمله العموم المعنوي وهو القياس؛ لأن العموم المعنوي هو القياس. ثم قال تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ [الروم ٢٠]. * من فوائد الآية: إثبات الآيات لله عز وجل، أي العلامات الدالة على ما تدل عليه من صفاته؛ لأن كل فعل يدل على نوع من الآيات، لكن هي على سبيل العموم تدل على القدرة، جميع الأفعال تدل على القدرة والحكمة، لكن لكل نوع منها آية خاصة: الحكمة، القدرة، العزة، ما أشبه ذلك. * ومن فوائد الآية: أن أصل بني آدم من تراب؛ لقوله: ﴿أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾. * ومن فوائدها: إبطال النظرية الملحدة، وهي نظرية النشوء والتطور التي ذهب إليها أو كان قائدها.. * طالب: دارون. * الشيخ: دارون. * طالب: داروين. * الشيخ: أو داروين، إي نعم، هذه نظرية خاطئة وباطلة بلا شك، وجه ذلك من الآية أن الله يقول: ﴿أَنْ خَلَقَكُمْ﴾، فيخاطب البشر باعتباره بشرًا، إذنْ فهو بشر منذ أُنشِئ من التراب إلى اليوم. أما أولئك فيقولون: أن أصل الإنسان ليس بشرًا، قرد، أن أصل الإنسان قرد، ثم تطور صار بشرًا. فلا أدري ماذا يقول في أصل الحمير والبغال والخيل والدجاج وأيش أصله؟! تطورت إلى.. ثم ما ندري ما هو التطور الآخر، هل نحن نكون ملائكة؟! على كل حال هذه نظرية -الحمد لله- حتى فلاسفة الغرب الآن أبطلوها، وتبين لهم أنها نظرية باطلة خاطئة، ثم نحن نعلم علم اليقين أنها باطلة وأن اعتقادها كفر؛ لأنه تكذيب للقرآن والسنة وإجماع المسلمين. * طالب: صريح (...). * طالب آخر: يقول: انفصل من الشمس نظرية تركيب ميكانيكي للكون تكوُّن نفسي، فالإنسان انفصل من الشمس على شكل (...)، ثم تطور إلى أميبا، ثم إلى قرد، ثم إلى (...)، ثم إلى الإنسان. * الشيخ: كل هذا لا شك أنه كذب، كل هذا كذب ولا أصل له، الإنسان خُلِق من تراب كما قال الله عز وجل، تراب جعله الله طينًا، ثم فَخَّارًا حتى كان صلصالًا، له صلصلة إذا ضربْتَ عليه ﴿كَالْفَخَّارِ﴾ [الرحمن ١٤] كما قال الله عز وجل، ثم تكوَّن إنسانًا، والله على كل شيء قدير. * طالب: هذا التكذيب (...) أم بصريح؟ * الشيخ: لا، لصريح، لصريح القرآن. * الطالب: هذه يعني.. * الشيخ: هذه وغيرها. * ومن فوائد الآية: أن هذا البشر الذي خُلِق من أصل واحد انتشر وملأ الأرض؛ لقوله: ﴿إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾، وهذا من آيات الله، كيف أصل واحد -رجل واحد- انتشرت هذه الخليقة في جميع أرجاء الأرض؟ * ومن فوائد الآية أيضًا: أن الإنسان متحرك بالطبع، لا بد أن يتحرك وينتشر ويذهب ويجيء؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ»[[أخرج أبو داود (٤٩٥٠) بسنده عن أبي وهب الجشمي -وكانت له صحبة- قال: قال رسول الله ﷺ: «تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ: عَبْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَأَصْدَقُهَا: حَارِثٌ، وَهَمَّامٌ. وَأَقْبَحُهَا: حَرْبٌ، وَمُرَّةُ».]]؛ لأن الإنسان دائمًا يهتم ويحرث ويطلب رزقه. ثم قال تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ﴾ [الروم ٢١]. اعلموا أنني راجعت كثيرًا من التفاسير التي عندي ما وجدت الحكمة في أنه سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [الروم ٢٠]، ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَات﴾ [الروم ٢٢]، ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ﴾ [الروم ٢٣]، ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ﴾ [الروم ٢١]. يعني ما رأيت أحدًا بَيَّنَ الحكمة في كونه يأتي مرة بالمصدر، ومرة بـ (أَنْ) الداخلة على الفعل، هي تُؤَوَّل بمصدر، لكن هل نقول: إن هذا من باب الاختلاف في التعبير الْمُرَاعَى به جانب اللفظ؟ أو إنه من باب التعبير الْمُراعَى به جانب المعنى؟ إن قلنا: إنه من باب التعبير الْمُرَاعَى به جانب اللفظ، فالأمر بسيط، نقول: إن الله تعالى غايَر بين العبارات لأجل ألَّا يَملَّ السامع إذا كان الكلام على وتيرة واحدة؛ لأنَّ الاختلاف في التعبير هذا مما يزيد الإنسان نشاطًا وتجددًا. أما إذا قلنا: إن هناك أمرًا معنويًّا، فأنا إلى الآن ما عرفته، ولا ذكره الزمخشري، ولا أبو السعود، ولا هؤلاء الذين يتكلمون على مثل هذه الأمور. قوله: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ [الروم ٢١]، نعود إلى فوائد الآية. * من فوائد الآية: رحمةُ الله تبارك وتعالى بنا، حيث جعل أزواجنا من أنفسنا، أي من جنسنا. * ومنها -من فوائد الآية-: أن من أهم أغراض النكاح ومقاصده: السكون إلى الزوجة، والاطمئنان إليها، والحياة معها حياة سعيدة، وأنه ينبغي للإنسان إذا رأى عدم السكون ولم تلتئم الحال ينبغي له أن يفارق؛ ولهذا قال أهل العلم: إن الطلاق يُستحب لتضرر المرأة بالبقاء مع الزوج، كونها تضرر ولا تستأنس مع الزوج ما ينبغي أن يُكرهها على أنْ تبقى معه، فإن بعض الناس -والعياذ بالله- يُكرهونهن على البقاء أو يَعضلونهن لأجل أن يفتدينَ، ويسلمن القروش علشان يطلقها، كل هذا حرام. والذي ينبغي إذا رأيت من الزوجة أنها لا تستطيع أن تعيش معك عيشة سعيدة، ينبغي لك أن تُطلقها، والنبي ﷺ يقول: «مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ الْقِيَامَةِ» »[[متفق عليه؛ البخاري (٢٤٤٢)، ومسلم (٢٥٨٠/٥٨) عن ابن عمر رضي الله عنهما.]]. ويقول عليه الصلاة والسلام: «وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»[[أخرجه مسلم (٢٦٩٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]. وفي القرآن: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ﴾ [النساء ١٣٠]، فأنت إذا نويت الخير بالتوسعة على هذه المرأة التي ما عاشت معك وفارقتها، فلعل الله تعالى أن يُيَسر لك الأمر بحصول زوجة تألفها وتألفك، المهم أن من أهم أغراض النكاح أيش؟ السكون، والطمأنينة إلى الزوجة، والحياة حياة سعيدة. * ومن فوائد الآية: إثبات حكمة الله وقدرته ورحمته أيضًا، حيث جعل بين الزوجين مودة ورحمة. * ومن فوائدها أيضًا: الثناء على التفكير؛ لقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم ٢١]. فإن هذا واضح أنه محل ثناء لهم. * ومن فوائدها: أن التفكير ينفتح به أبواب كثيرة، يعرف الإنسان بها من أحكام الله وحِكَمه ما لا يَحصُل له لو لم يفكر؛ لأنه خصَّ الآيات بمن؟ * طالب: بقوم يتفكرون. * الشيخ: بالقوم الذين يتفكرون، ودلَّ هذا على أنه يَحصُل بالتفكر من الاطلاع على أحكام الله وحِكَمه ما لا يَحُصل بالغفلة. التفكر يكون في آيات الله، أي: مخلوقاته ومشروعاته؛ لأن الآيات -كما سبق- إما كونية، وإما شرعية. يحصل التفكر في صفات الله من أي وجه؟ من وجه المعنى، أو من وجه الكيفية؟ * طالب: من وجه المعنى. * الشيخ: من وجه المعنى، أما من وجه الكيفية فلا يجوز التفكر، لا يجوز التفكر في الصفات من حيث الكيفية؛ لأن ذلك محاولة لِمَا لا يمكن الحصول عليه؛ ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله: (السؤال عنه بدعة). فلا يجوز أن نتفكر في كيفية صفة من صفات الله، نتفكر في المعنى دون الصفة. التفكر في ذات الله عز وجل مِثْلُه لا يجوز؛ لأنه محاولة لِمَا لا يمكن الوصول إليه، ثم التفكير في هذه الأمور يَجُرُّ إلى بلايا ومهالك، والذي ضرَّ مَن ضرَّ من أهل التعطيل وأهل التشبيه أيضًا، اللي ضرَّهم هو محاولة الوصول إلى الكيفية؛ فلهذا آلَ بهم الأمر إلى التعطيل أو التمثيل، والمهم أن التفكر يكون في مخلوقات الله، وفي مشروعاته، وفي معاني أسمائه وصفاته، أما في ذاته وكيفية صفاته فإنه لا تفكُّر؛ وذلك لأنه مهما بلغ الإنسان فإن الفكر سَيَرجِعُ خاسئًا وهو حسير، والإعراض عن هذا هو الواجب كما قال الإمام مالك. * طالب: كيف عرفنا أن ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم ١٧] أنه أوقات الصلوات؟ من أين الدليل؟ * الشيخ: الدليل أن التسبيح المطلَق خصَّه الله في وقتين: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ [ق ٣٩]. ولما جعل هذا خمسة أوقات عُلِم من قرينة التقسيم في الوقت أن المراد بذلك الصلوات الخمس. * طالب: (...) قوله سبحانه وتعالى: (...) ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾. * الشيخ: إي نعم، صح، اللام للتعليل، ففيه إثبات الحكمة ردًّا على الجهمية، وكذلك الأشاعرة الذين ينكرون حكمة الله عز وجل، وعلى المعتزلة ولَّا لا؟ لا، المعتزلة يَغْلُونَ في إثبات الحكمة؛ ولهذا يرون أنه يجب على الله فِعْلُ الأصلح أو الصلاح. * طالب: شيخ، بالنسبة (...) في دفع الصفات. * الشيخ: في أيش؟ * الطالب: في ردِّ الصفات هل (...) على مقدمات عقلية متفق عليها بينهم، ولَّا كل واحد بعقله يُعَلل؟ * الشيخ: لا، كل واحد يعلل، يعني يختلفون في تعليل هذا الرد، يختلفون، أحيانًا يقولون: إنه يستلزم الجسمية، ولكن غالب ما يدورون عليه التمثيل، أنه مستلزَم من التمثيل، لكن يختلفون في الطرق الموصلة إليه. * طالب: مسألة البعث في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الروم ١٩]. * الشيخ: ما قلناها؟ * الطالب: لا، ذكرنا القياس. * الشيخ: صحيح، إثبات البعث في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ هذه ما ذكرناها في الآية الأولى. * * * قال: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الروم ٢٢]. ﴿مِنْ آَيَاتِهِ﴾: خبر مقدم، و﴿خَلْقُ﴾: مبتدأ مؤخر، ﴿خَلْقُ السَّمَاوَاتِ﴾ أي: إيجادهما، إيجادهما بتقدير ونظام بديع، وهذا يشمل خلق هذه السماوات باعتبار كونها أجرامًا عظيمة، وباعتبارها مصلحة للعباد، فهذا من آيات الله. قال: ﴿وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ﴾ [الروم ٢٢]، اختلاف الألسنة أيضًا من آيات الله، ووجه ذلك أن هذه الألسُن من نوع واحد أو من جنس واحد، كلنا بشر، وكلنا من أب واحد، ومع ذلك تختلف الألسن اختلافًا عظيمًا، أليس كذلك؟ كذلك أيضًا هو من آيات الله؛ لأن كل إنسان يَعرفُ به جِنسَه بلغته، أنا أعرف مثلًا: هذا هندي، وهذا تركي، وهذا إنجليزي -مثلًا- وهذا ألماني، وهذا روسي، بسبب لغته، فهذا أيضًا من آيات الله، أنَّ الله جعلها دليلًا على جنس الإنسان. وقوله: ﴿وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ﴾ يشمل أصل اللغة، ويشمل اللهجات، ويشمل السلامة من العيوب، ويشمل العيوب أيضًا، ويشمل الفصاحة، ويشمل العيب، يعني لا تظن أن اختلافنا اختلاف الألسنة فقط بجنس اللغة، لا بل بكل هذا، فأجناس اللغات من آيات الله عز وجل، وكون هذا الإنسان ينطق بالحروف نطقًا تامًّا هذا من آيات الله، والثاني بالعكس: ينطق بها على وجه اللُّدْغة أو يتثاقل، أو ما أشبه ذلك. كذلك أيضًا قد نقول: إن من اختلاف اللسان الصوت، اختلاف الأصوات، هذا صوته جيد، وهذا حسن، والآخر بالعكس. كذلك من اختلاف الألسن الفصاحة، ولَّا لا؟ الفصاحة وعدمه، فإن من الناس من يعطيه الله تعالى بلاغة في الكلام وحُسن أداء، حتى إنه يؤدي إليك المعنى بعبارة واضحة تفهما بأول مرة، ومن الناس من يكون بالعكس. فجميع ما يمكن أن يَرِد على اختلاف اللسان فإنه داخل في كونه من آيات الله عز وجل. أما الألوان فحدِّثْ ولا حرج، فإنها من آيات الله، لا تكاد تجد اثنين متفقَيْن في اللون أبدًا، حتى لو كانا توأمَيْن لا بد أن يكون هناك خلاف، لكن منه ما يكون ظاهرًا ومنه ما يكون غير ظاهر، فالرجل الأبيض الأوروبي أظن بينه وبين الرجل الأسود الذي على خط الاستواء بينهما فرقًا، فرق شاسع، وما بين ذلك درجات متفاوتة، لكن لا تكاد تجد اثنين على لون واحد، هذا من الحكمة؛ لأنه لولا هذا لكان الناس يختلف بعضهم على بعض، ربما أُمسِك بواحد ويقول: تعال أعطني حقي أنت فلان بن فلان، يقول: لا أنا ما بكون. لكنه صار مثله بالضبط، وأيش يُدريه؟ ويقال: إن الله جعل لكل إنسان أربعين شبيهًا، ولكن ما أظن هذا يصح، بل إنه يقولون: إن البصمات التي في الأنامل أنها تختلف، كل واحد له بصمات على شكل لا يوافق الآخر، وهذا هو الظاهر؛ ولهذا الآن يُعتبَر في التحقيقات تُعتبَر البصمات، مما يدل على أنها تختلف قطعًا، وهذا مما يدل على قدرة الله سبحانه وتعالى، هذا الاختلاف العظيم الذي.. ملايين الملايين البشر ومع ذلك كل إنسان ما يمكن يطابق للآخر من كل وجه، لا بد يكون هناك علامة فارقة (...). [[اختُصِرَ كلام المؤلف لشدة طوله]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب