الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران ٩٦]. ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ أي: وضع لعبادة الناس وليس أول بيت وضع في الأرض يعني مما يُبنى، ولكنه أول بيت وضع للناس للعبادة والتعبد ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ وهو الكعبة، زادها الله تعالى تشريفًا وتعظيمًا، وبكة اسم من أسماء مكة، وسميت بذلك قالوا: لأنها تبُك أعناق الجبابرة؛ أي: تقطعها، وقيل: لأنه لا يوصل إليها إلا بمشقة وتعب، وقيل غير ذلك، ولكن المهم كل المهم أن المراد ببكة مكة، وقد ذكرها الله تعالى في هذه السورة بهذا الاسم، وذكرها في سورة الفتح باسم مكة في قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ﴾ [الفتح ٢٤]، مكة. إذن فلها اسمان مذكوران في القرآن.
وأما القرية فهي اسم جامع لمكة وغيرها كما قال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ﴾ [محمد ١٣].
يقول عز وجل: ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾ مباركًا: أي أن فيه البركة، وبركاته متعددة، فمن ذلك أن «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٥٢١)، ومسلم (١٣٥٠ / ٤٣٨) من حديث أبي هريرة.]].
ومن ذلك أن الحسنات فيه مضاعفة، ولهذا قال أهل العلم: إن العبادة فيه أفضل من العبادة في غيره، سواء كانت صلاة أم صدقة أم صيامًا أم غير ذلك، ومن بركته أيضًا أنه تُجبى إليه ثمرات كل شيء، فإن مكة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان.
ومن بركته أيضًا أن فيه ماءً من شربه لأي شيء بِنيّة صادقة فإنه يكون له؛ وهو ماء زمزم، فقد قال النبي ﷺ: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ»[[أخرجه ابن ماجه (٣٠٦٢) من حديث جابر بن عبد الله.]].
ومن بركته ما يحصل من المكاسب التي تكون فيه في أيام المواسم وغير أيام المواسم، ومن بركته أنه بعث فيه محمد ﷺ الذي جعل الله شريعته أفضل شريعة كانت للخلق.
وقوله: ﴿وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ (هدًى): أي منارًا يُهتدى به، وكيف كان هدى للعالمين؟
نعم؛ لأنه يجتمع فيه المسلمون من كل جانب يأوون إليه من كل فج عميق فيهتدي الضال منهم بالمهتدي ويحصل به التعليم والأسوة الحسنة، وكذلك أيضًا هدى للعالمين؛ لأن الأمة الإسلامية كلها تهوي إليه وتتجه إليه في كل يوم خمس مرات وجوبًا؛ يعني يجب أن نولي وجوهنا كل يوم خمس مرات على الأقل، ولهذا قال: ﴿هُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾. ومن هدايته للخلق للعالمين أن فيه إقامة الحج وإقامة العمرة وذلك هدى؛ لأن الأمة تزداد إيمانًا وهدى بالحج والعمرة.
وقوله: ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾ المراد بهم الإنس، فهو عام أريد به الخاص، وليس المراد بهم من سوى الله؛ لأن العالمين في بعض المواضع يراد بها من سوى الله، وفي بعض المواضع يراد بها الإنس فقط، وقد يراد بها الإنس والجن مثل قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان ١] وسموا عالمين من العلامة؛ لأنهم علم على خالقهم، فإن هؤلاء البشر بل وهذه المخلوقات كلها تدل على خالقها:
؎فَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ∗∗∗ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ (فيه): الضمير يعود على قوله: ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ يعني على البيت الذي ببكة. ﴿آيَاتٌ﴾ أي: علامات. ﴿بَيِّنَاتٌ﴾: واضحات. هذه الآيات البينات هي ما يشرع فيه من المناسك والمواضع لهذه المناسك وهي قائمة لم تزل من عهد إبراهيم إلى يومنا هذا، كلها آيات علامات، فعرفة هي عرفة، ومزدلفة مزدلفة، ومِنى مِنى، لم تزل بهذا من عهد إبراهيم إلى اليوم، والكعبة هي الكعبة؛ يعني ليس هذا البيت خفيًّا لا يعلم الناس به، بل لم يزل مشهورًا بيِّنًا واضحًا من عهد إبراهيم إلى يومنا هذا.
وقوله: ﴿مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ بدل من (آيات) أو عطف بيان، ومقام إبراهيم مكان قيامه، فهل المراد بذلك الحجر المسمى بالمقام لقوله ﷺ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة ١٢٥] حين تقدم إليه بعد انتهاء الطواف، أو المراد بالمقام مقامه في المناسك عمومًا؟
على قولين لأهل العلم؛ فمنهم من قال: إن المراد به المقام الخاص؛ وهو الحَجَر الذي صار يرتفع عليه حين ارتفع بناء الكعبة، أو أن المراد به كل مقام قامه في مناسك الحج، وإذا دار الأمر بين العموم والخصوص فالأولى الأخذ بالعموم؛ لأن الأخذ بالعموم يتناول الخاص ولا عكس، وعلى هذا فيقال: مقام إبراهيم مكان قيامه في مناسك الحج، وهذا المقام موجود من عهد إبراهيم إلى أن بُعث الرسول ﷺ وإلى يومنا هذا، ولم يتغير إلا بحمية الجاهلية حمية قريش؛ فإنهم غيروا الوقوف بعرفة وجعلوه في مزدلفة، فغيروا هذا المقام وقالوا: نحن أهل الحرم ولا يمكن أن نخرج إلى الحِل، والخروج إلى الحل إنما يكون من أهل الحل، ولهذا كانت قريش في يوم عرفة ما تقف بعرفة، تقف في مزدلفة حتى يأتي الناس إليها، فأمر الله تعالى أن يفيضوا من حيث أفاض الناس؛ يعني أن يفيضوا من عرفة.
ودل على ذلك حديث جابر رضي الله عنه قال: «فَأَجَازَ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ. قَالَ: وَلَمْ تَشُكَّ قُرَيْشٌ أَنَّهُ وَاقِفٌ بِمُزْدَلِفَةَ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ »[[أخرجه مسلم (١٢١٨ / ١٤٧) من حديث جابر بن عبد الله.]]. لكنه ﷺ أجاز حتى أتى عرفة فوقف بها؛ لأنها هي التي كانت على زمن إبراهيم.
ثم قال الله عز وجل: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ ﴿مَنْ دَخَلَهُ﴾ أي: من دخل هذا البيت كان آمنًا، والمراد بالضمير في قوله: ﴿مَنْ دَخَلَهُ﴾ المراد به جميع الحرم، وإن كان ظاهره أن المراد به نفس البناء الذي هو الكعبة، لكن السنة دلت على أن الحكم عام في جميع الحرم.
وقوله: ﴿مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ هل هذه الجملة تابعة لقوله: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ فتكون خبرًا عن حال هذا البيت، أو أنها جملة إنشائية معنًى؟ يعني أن الله تعالى أمر بأن يكون الداخل له آمنًا؟
على قولين لأهل العلم؛ فمنهم من قال: إن هذه الجملة تابعة لما سبق؛ أي تابعة لقوله: ﴿مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ فتكون من الآيات البينات، وهي أمن من دخله حتى في الزمن الجاهلية، ومن العلماء من قال: إنها جملة مستأنفة، وهي خبرية لفظًا إنشائية معنى؛ أي: من دخله فليكن آمنًا ولا يُتعرض له، وعلى كل حال فإن المعنيين يتفقان في وجوب تأمين من دخله؛ لأنه إن كان خبرًا عما كان عليه البيت فإنه خبر أقره الله عز وجل وأتى به للاستدلال على الآيات البينات التي في هذا البيت، وإن كانت إنشاء فالأمر واضح.
وقوله: ﴿كَانَ آمِنًا﴾ يعني آمنًا من أبناء جنسه، وليس آمنًا من عذاب الله، ولا آمنًا مما يريده الله منه، لكنه آمن من بني جنسه حتى إنَّ قاتل أب الإنسان يراه الإنسان في مكة ولا يتعرض له حتى يخرج، هكذا كان محترمًا.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ فيها قراءتان: ﴿حِجُّ﴾ و﴿حَجُّ﴾ وهما بمعنى واحد. ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ (اللام) للاستحقاق في قوله: ﴿وَلِلَّهِ﴾ و(على) للوجوب؛ أي: يجب على الناس حقًّا لله أن يحجوا البيت. ﴿حِجُّ الْبَيْتِ﴾ أي: قصده؛ لأن الحج في اللغة: القصد، والمراد به: قصده على الوجه الذي شرعه الله بأن يأتي الإنسان بالمناسك المشروعة.
وقوله: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ﴾ من هذه بدل من ﴿النَّاسِ﴾ بدل بعض من كل، وذلك لأن الناس قسمان: مستطيع وغير مستطيع، فالمستطيع بعض من الناس، ولهذا قلنا: إن هذا البدل أيش؟ بدل بعض من كل، وبدل البعض من الكل كثير في اللغة العربية تقول مثلًا: أكلت الرغيف ثلثه، هذا بدل بعض من كل، وقال الله تعالى: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾ [المزمل ٢- ٤] إذا جعلنا نصفه بدلًا من الليل فهو بدل بعض من كل، وقد يُبدل الكل من البعض، لكنه قليل في اللغة، ومنه قول الشاعر:
؎رَحِمَ اللَّهُ أَعْظُمًا دَفَنُوهَا ∗∗∗ بِسِجِسْتَانَ طَلْحَةَ الطَّلَحَاتِ
الشاهد قوله؟
* طالب: بسجستان.
* الشيخ: لا.
* طلبة: أعظمًا.
* طالب: طلحة.
* الشيخ: لا، طلحة، فطلحة بدل من أعظُم، والأعظم بعض الإنسان.
قال: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ سَبِيلًا﴾ [آل عمران ٩٧] أي: من استطاع طريقًا إلى البيت ووصولًا إليه، والاستطاعة يعني بذلك القدرة يعني بها القدرة، فمن لم يستطع فلا حج عليه.
فإن قال قائل: هذا الشرط ثابت في كل عبادة لقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن ١٦] فلماذا قيده، قيد وجوب الحج بالاستطاعة مع أنه شرط مفهوم معلوم؟ فالجواب عن ذلك: أنه لما كان الوصول إلى البيت شاقًّا أشق بكثير من العبادات نص على اشتراط الاستطاعة وإلا فلا شك أن كل العبادات لا تجب إلا بالاستطاعة ﴿اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن ١٦] «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٧٢٨٨)، ومسلم (١٣٣٧ / ٤١٢) من حديث أبي هريرة.]]، الاستطاعة بالبدن أو بالمال أو بهما؟ ما المراد يعني؟ هل المراد الاستطاعة بالمال أو البدن أو بهما؟ نقول: الآية مطلقة، فمن استطاع الوصول ببدنه وجب عليه وإن لم يكن عنده مال كما لو استطاع أن يمشي إلى مكة ويأتي بأفعال المناسك، ومن استطاع بماله دون بدنه وجب عليه الحج لكن عن طريق الاستنابة، ومن كان عنده مال وهو قادر بالبدن فالحج واجب عليه ولا إشكال.
إذن الاستطاعة لا نقيدها بالبدن والمال نقول: سواء قدر بماله أو ببدنه أو بهما، فإن عجز بماله وبدنه بأن كان فقيرًا ولا يمكنه أن يحج لضعف في بدنه فهنا ينتفي عنه الوجوب؛ لأنه غير قادر، إذن القادر بماله أيش؟ أو بدنه أو بهما.
والقدرة هي القدرة الحسية، أما القدرة الشرعية ففيها خلاف، فمنهم من قال: إنه يشترط أيضًا القدرة الشرعية الاستطاعة الشرعية، فلو كان هناك امرأة غنية قادرة ببدنها، لكن ليس لها محرم فإن الحج لا يجب عليها، لماذا؟ لأنها عاجزة شرعًا عن الحج، أما حِسًّا فليست بعاجزة؛ لأن عندها مال وعندها قدرة بدنية، لكنها عاجزة شرعًا لعدم وجود المحرَم، وسفر المرأة بلا محرم -ولو للحج- غير جائز؛ «لأنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا خَطَبَ وَقَالَ:«لَا تُسَافِر امْرَأَةٌ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» سَأَلَهُ رَجُلٌ وَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ:«انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٥٢٣٣)، ومسلم (١٣٤١ / ٤٢٤) من حديث ابن عباس.]]، اختلف العلماء في مسألة الاستطاعة الشرعية هل هي شرط للوجوب أو شرط للأداء؟ هل هي شرط للوجوب أو شرط للأداء؟ ويختلف الحكم باختلاف القولين، فإذا قلنا: إنها شرط للأداء فقط لزم المرأة أن تُنيب من يحج عنها إذا كانت قادرة بمالها، أو بمالها وبدنها، واضح يا جماعة؟
إذا قلنا: شرط للأداء، نقول: الآن سقط عنكِ الأداء، لكن وجب عليكِ أن تنيبي، أما الأداء فلا يلزمك؛ لأنك لا تستطيعين ذلك شرعًا، وإذا قلنا: إنه أي الاستطاعة الشرعية شرط للوجوب فإن هذه المرأة لا يلزمها أن تنيب من يحج عنها، هذا فرق. الفرق الثاني: لو ماتت هذه المرأة القادرة بمالها وبدنها على الحج لكن ليس لها محرَم، لو ماتت فهل يكون الحج دينًا في تركتها فيلزم الورثة أن يقيموا من يحجوا عنها أو لا؟
ما نقول؟ نقول: إن قلنا: بأن الاستطاعة الشرعية شرط للوجوب فإنه لا يلزم الورثة أن يقيموا من يحجوا عنها؛ لأن هذه المرأة كالمرأة الفقيرة سواء ليس عليها حج، وإن قلنا: بأنه شرط للأداء لزم الورثة أيش؟ أن ينيبوا من يحج عنها، أو أن يحجوا هم بأنفسهم عنها، المهم أنه يلزمهم إذا خلَّفت مالًا وكما قلت: إنها عندها مال.
* في هاتين الآيتين فوائد؛ منها: أن أول بيت وضع للعبادة هو الكعبة الذي ببكة، فيكون سابقًا على بيت المقدس، وآخر بيت وضع للعبادة المسجد النبوي، وهذه هي المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ»[[أخرجه مسلم (٨٢٧ / ٤١٥) من حديث أبي سعيد الخدري.]] إن قلنا: لا تَشُدُّوا الرحال، وإن قلنا: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١١٨٩)، ومسلم (١٣٩٧ / ٥١١) من حديث أبي هريرة.]] فهي بالضم «إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدَ الْحَرامَ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدَ الْأَقْصَى».
* ومن فوائد هذه الآية: أن تقدم المكان في العبادة له أثر في تفضيله لقوله: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾. وهذا المراد به التفضيل، ولهذا قال العلماء: إن المسجد الأسبق في إقامة الجماعة فيه أفضل من المسجد الحديث، فإذا كان حول الإنسان مسجدان أحدهما قديم والآخر جديد ولم يتميز أحدهما عن الآخر بفضيلة أخرى، فإن القديم أفضل من الجديد لسبقه في العبادة فيه.
* ومن فوائد هذه الآية: الرد على بني إسرائيل، وهو أن محمدًا ﷺ بُعث من البلد الذي فيه أول مسجد وضع للناس، وأنبياء بني إسرائيل بعثوا في بيت المقدس، فيكون في هذا رد على اليهود الذين يقدسون بيت المقدس وكذلك النصارى الذين يقدسونه، فقيل لهم: إن الكعبة التي بُعث منها رسول ﷺ أفضل من بيت المقدس.
* ومن فوائد هذه الآية: أن من أسماء مكة: بكة، ولها أسماء كثيرة ذكرها من تكلموا في تاريخ مكة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هذا البيت مبارَك، وسبق لنا بيان بركته لقوله: ﴿مُبَارَكًا﴾. * ومن فوائدها: أن هذا البيت هُدًى للعالمين؛ يعني أن الناس يهتدون به بما يقيمونه من الشعائر أو يهتدون به حيث يتوجهون إليه في صلواتهم.
* ومن فوائد هاتين الآيتين: أن هذا البيت فيه آيات بينات.
* * *
* طالب: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (٩٨) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (١٠٠) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١)﴾ [آل عمران ٩٨ – ١٠١].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ يعني أن من حج البيت عند الاستطاعة فقد أدى فريضته. ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ يعني فلم يحج، فكفر هذه الفريضة ولم يقم بها ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ عن كل أحد؛ لأن المراد بالعالمين هنا من سِوى الله؛ فهي كقوله تعالى: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾، وقد يطلق العالَم على بعض أفراده مثل قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان ١] فإن المراد بالعالمين هنا الإنس والجن؛ لأن الرسول ﷺ لم يرسل إلى البهائم وإلى الملائكة، وإنما أرسل إلى الإنس والجن فقط، فالعالَمون تارة يراد بها ما سوى الله، وتارة يراد بها بعض منهم حسب ما يقتضيه السياق والمعنى.
وقوله: ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ الجملة هنا يحتمل أن تكون اسمًا موصولًا، وأن تكون يعني من يحتمل أن تكون اسمًا موصولًا ويحتمل أن تكون شرطية، أما على كونها شرطية فالفاء في قوله: ﴿فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ رابطة، وإنما احتيج إليها؛ لأن جواب الشرط جملة اسمية، وأما على كون (من) اسمًا موصولًا فإنما وقعت الفاء في خبرها؛ لأن الاسم الموصول مشبه للشرط في العموم فيُعطى حكمه؛ يعني والذي كفر فإن الله غني عن العالمين.
وفي قوله: ﴿غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ إظهار في موضع الإضمار؛ لأن مقتضى السياق أن يقول: ومن كفر فإن الله غني عنه، كما في قوله تعالى في آية أخرى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ [الزمر ٧]. فهنا قال: ﴿غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ والإظهار في موضع الإضمار ذكرنا أنه يفيد عدة فوائد؛ منها: إرادة العموم؛ لأنه لو قال: فإن الله غني عنه، لم تفد في العموم ما أفاده قوله: ﴿غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.
ومنها: الإشارة إلى أن هذا الذي وُضع فيه الظاهر موضع المضمر من هؤلاء العالمين؛ يعني أن الله غني عنه كما أنه غني عن جميع العالمين، ومنها -لكن لا يستقيم هنا- القياس عليه في العلة والمعنى الذي أفاده هذا الظاهر.
في هذه الآيات وأظنه من قوله: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ﴾.
* من فوائد هاتين الآيتين: أولًا: أن أول بيت وضع للناس للعبادة هو الكعبة الذي في مكة، والآية في ذلك صريحة، وبعده بيت المقدس، والثالث: المسجد النبوي.
* ومن فوائد هاتين الآيتين: فضيلة هذا البيت بكونه أول بيت وضع للناس.
* ومن فوائدها: أن الكعبة مُعظَّمة عند جميع الناس، عند جميع الخلق؛ لأنه إذا كان أول بيت وضع للناس فسوف يُعظّمه الناس، ولهذا ذهب كثير من أهل العلم إلى أن القبلة هي الكعبة لليهود والنصارى والمسلمين وجميع أهل الأديان كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولكن اليهود صاروا يتجهون إلى بيت المقدس، والنصارى صاروا يتجهون إلى المشرق وهو من جملة ما حرفوه من دينهم، وإلا فالأصل أن الكعبة قِبلة لجميع الناس.
* ومن فوائد هاتين الآيتين: أن الناس لا بد لهم من بيت يجتمعون عليه، وتهوي قلوبهم إليه، ولهذا وضع الله لهم ما كان بمكة.
* ومن فوائدها: أن من أسماء مكة بَكَّة، ولها أسماء عديدة أكثر من هذا، ومن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى الجامع اللطيف في بناء البيت الشريف ، أو نحو هذا العنوان، أو يرجع إلى أخبار مكة للأزرقي.
* ومن فوائد هاتين الآيتين: أن هذا البيت مبارك، مبارك قدَرًا ومبارك شرعًا، وقد مر علينا في التفسير بيان وجوه بركته.
* ومن فوائد هاتين الآيتين أيضًا: أنه هدى ومنار للعالمين يهتدون به، ويهتدون إليه، ويؤمُّونه في عباداتهم، وقد جاء في الحديث: «الْكَعْبَةُ قِبْلَتُكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا»[[أخرجه البيهقي في الكبرى (٣ / ٤٠٩) من حديث ابن عمر.]].
* ومن فوائدهما: أن في هذا البيت آيات بينات ظاهرة لكل أحد، منها مقام إبراهيم، ومنها: أن من دخله كان آمنًا.
* ومنها: فريضة حجه على جميع الناس، فإن هذه كلها آيات تدل على أن هذا البيت أشرف البيوت كما أنه أول بيت وضع للناس.
* ومن فوائد هاتين الآيتين: أن الآيات كما تكون شرعية تكون كذلك حسية كونية، كما في هذه الآيات التي ذُكرت للبيت العتيق.
* ومن فوائدهما: التنويه بفضل إبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوله: ﴿مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾؛ لأن القول الراجح أنه ليس المراد بمقامه الحَجَر الذي كان يقوم عليه عند بناء الكعبة فحسب، بل كل مقاماته في مكة وما حولها من المناسك.
* ومن فوائد الآيتين الكريمتين: وجوب تأمين من دخل المسجد الحرام لقوله: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ وقد حرَّم النبي عليه الصلاة والسلام أن يسفك في مكة دم، وأن يقطع فيها شجرة، وأن يُنفَّر صيدها فضلًا عن قتله، إذا رأيت الصيد في مكة على شجرة أو في فُرجة فإنه لا يجوز لك أن تُنفِّره منها؛ لأن الرسول ﷺ قال: «لَا يُنَفِّر»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٤٣٤)، ومسلم (١٣٥٥ / ٤٤٧) من حديث أبي هريرة. ]] كل ذلك من باب توطيد أيش؟ الأمن، من باب توطيد الأمن في مكة.
فإن قال قائل: ما تقولون في قتال النبي ﷺ لأهل مكة؟
فالجواب: أن قتال الرسول ﷺ لأهل مكة من أجل توطيد أمنها؛ لأن أهل مكة صاروا يتحكمون في البيت، ولهذا منعوا الرسول عليه الصلاة والسلام من أداء العمرة في غزوة الحديبية، فكان في هذا الإحلال الذي أحله الله لرسوله ﷺ في ذلك النهار كان فيه مصلحة لتوطيد الأمن في البيت وحمايته من الظلمة كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال ٣٤] وأيضًا فإن هذا الإحلال ليس إحلالًا مطلقًا، بل هو إحلال مقيد، ويش هو فيه؟ ساعة من نهار كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّما أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّها لَنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٤٣٤)، ومسلم (١٣٥٥ / ٤٤٧) من حديث أبي هريرة.]] فقد كان القتال فيها محرمًا، ثم أُحل، ثم عاد تحريمه إلى يوم القيامة.
* ومن فوائد هاتين الآيتين: أن حرمة المسلم أعظم من حرمة البيت؛ فالذين ينتهكون دماء المسلمين وأموال المسلمين أشد من الذين ينتهكون حرمة البيت عند الله؛ لأن حرمة المسلم أعظم عند الله تعالى، ودليل ذلك أن القتال في مكة محرم، ولكن الله قال: ﴿فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ فلما أرادوا هتك دماء المسلمين وقاتلوا المسلمين أمر الله بقتلهم مع أن في قتلهم انتهاكًا لأيش؟ لأمن البيت، لكن لما أرادوا الاعتداء على حرمة المسلم أُبيحت دماؤهم، ولهذا تجدون الآية الكريمة على القراءة المشهورة: ﴿فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ [البقرة ١٩١] ولم يقل: فقاتلوهم، وإن كان فيها قراءة: ﴿فَقَاتِلُوهُمْ﴾ لكن المراد قاتلوهم حتى تقتلوهم، والقتل أبلغ من المقاتلة، القتل أبلغ، اقتلوهم؛ لأنهم هم الذين انتهكوا حرمة البيت فلم يبقَ لهم حرمة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب حج البيت على من استطاع إليه سبيلًا لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ﴾. ووجه الوجوب أن على -كما قال الأصوليون- ظاهرة في أيش؟ في الوجوب.
* ومن فوائد هاتين الآيتين: أن الحج لا يجب على غير المستطيع لقوله: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾. وسبق لنا أن الاستطاعة تكون بالمال والبدن وبهما جميعًا؛ يعني بالمال أو البدن أو بهما جميعًا على ما سبق.
* ومن فوائد هاتين الآيتين: بيان رحمة الله عز وجل، حيث لم يفرض على عباده ما كان شاقًّا عليهم ولا يستطيعونه لقوله: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾.
* ومن فوائد هاتين الآيتين: أن من لم يحج فهو كافر لقوله: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.
واختلف العلماء -رحمهم الله- في هذا الكفر، هل هو نوع من الكفر أو هو الكفر المطلق؟
على قولين لأهل العلم؛ وهما روايتان عن الإمام أحمد، فعلى القول بأنه الكفر المطلق يكون من ترك الحج وهو مستطيع مرتدًّا خارجًا عن الإسلام يُستتاب فإن تاب وإلا قُتل، وعلى الثاني: أن المراد بالكفر هنا نوع منه؛ فإنه لا يكفر، وهذا القول هو الذي عليه جمهور من أهل العلم، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وهو ظاهر ما روي عن الصحابة، قال عبد الله بن شقيق: «كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ »[[أخرجه الترمذي (٢٦٢٢) من حديث عبد الله بن شقيق.]]. وعلى هذا فيكون الكفر هنا نوعًا من الكفر كقوله ﷺ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤ / ١١٦) من حديث عبد الله بن مسعود.]] مع أن قتال المسلم لا يخرج من الإيمان.
ومن فوائد هاتين الآيتين: أن الحج لا يجب على غير المستطيع؛ لقوله: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران ٩٧]، وسبق لنا أن الاستطاعة تكون بالمال والبدن وبهما جميعًا، يعني بالمال أو البدن أو بهما جميعًا على ما سبق.
* ومن فوائد هاتين الآيتين: بيان رحمة الله عز وجل، حيث لم يفرض على عباده ما كان شاقًّا عليهم ولا يستطيعونه؛ لقوله: ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾.
* ومن فوائد هاتين الآيتين: أن من لم يحج فهو كافر؛ لقوله: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران ٩٧]، واختلف العلماء رحمهم الله في هذا الكفر هل هو نوع من الكفر أو هو الكفر المطلق؟ على قولين لأهل العلم، وهما روايتان عن الإمام أحمد، فعلى القول بأنه الكفر المطلق يكون من ترك الحج وهو مستطيع مرتدًّا خارجًا عن الإسلام، يستتاب فإن تاب وإلا قُتِل، وعلى الثاني أن المراد بالكفر هنا نوع منه فإنه لا يكفر، وهذا القول هو الذي عليه جمهور أهل العلم، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وهو ظاهر ما روي عن الصحابة، قال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب النبي ﷺ لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة، وعلى هذا فيكون الكفر هنا نوعًا من الكفر كقوله ﷺ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٤٨)، ومسلم (٦٤ / ١١٦) من حديث عبد الله بن مسعود.]]، مع أن قتال المسلم لا يُخرج من الإيمان كما قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ [الحجرات ٩]، إلى قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ [الحجرات ١٠]، وهذا هو الأقرب أن المراد بالكفر هنا نوع منه وليس الكفر المطلق.
* ومن فوائد هاتين الآيتين: بيان غنى الله عز وجل عن كل أحد، فهو لم يأمر عباده بالعبادة من أجل أن ينتفع بها، كما جاء في الحديث القدسي حديث أبي ذر الغفاري الطويل: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا»[[أخرجه مسلم (٢٥٧٧ / ٥٥) من حديث أبي ذر. ]]، فالله عز وجل غني عنا، إنما أمرنا ونهانا لتستقيم أمورنا وتصلح أحوالنا، ونسعد في الدنيا والآخرة، أما لو كنا على أفجر قلب رجل من الناس فإن ذلك لا يضر الله شيئًا، لكن لما كان بنو آدم قد أُعطوا من العقل ما استحقوا به أن توجه إليهم التكاليف بالأمر والنهي صاروا أهلًا للأمر والنهي، ولهذا لا يوجه الأمر والنهي إلى البهائم؛ لأنها لم تُعط عقولًا، فكان إعطاء العقل لبني آدم معناه أو مقتضاه إلزامهم بالتكاليف حتى ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة، أما البهائم فآخر أمرها أن تكون ترابًا تُبعث يوم القيامة ويُقتص من بعضها لبعض ثم يقال: كوني ترابًا، فتكون ترابًا.
* ومن فوائد هاتين الآيتين: أنه إذا كان الله غنيًّا عن العالمين لزم أن يكون العالَمون مفتقرين إليه، وليس بهم غنى عن الله، وهو كذلك، فإن الخلق مفتقرون إلى الله تعالى غاية الافتقار، ولهذا ينبغي لك أن تسأل ربك بلسان الحال أو لسان المقال كل أمورك، استعن بالله في كل أمورك ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة ٥]، لا يغفل عن بالك تعلقك بالله سبحانه وتعالى في كل شيء، وقد جاء في الحديث: «لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَتَّى شِرَاكَ نَعْلِهِ»[[أخرجه الترمذي (٣٦٠٤ / م ٨) من حديث أنس بن مالك.]]، شراك النعل الزهيد الذي لا يساوي شيئًا لا تغفل عن سؤال الله إياه إما بلسان الحال وإما بلسان المقال.
{"ayahs_start":96,"ayahs":["إِنَّ أَوَّلَ بَیۡتࣲ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِی بِبَكَّةَ مُبَارَكࣰا وَهُدࣰى لِّلۡعَـٰلَمِینَ","فِیهِ ءَایَـٰتُۢ بَیِّنَـٰتࣱ مَّقَامُ إِبۡرَ ٰهِیمَۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنࣰاۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَیۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَیۡهِ سَبِیلࣰاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"],"ayah":"فِیهِ ءَایَـٰتُۢ بَیِّنَـٰتࣱ مَّقَامُ إِبۡرَ ٰهِیمَۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنࣰاۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَیۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَیۡهِ سَبِیلࣰاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق