الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ ﴿قُلْ﴾ الخطاب للرسول ﷺ، ويجوز أن يكون المراد به كلَّ مَن يتأتى خطابه كما قلنا في درس الصباح: أنه إذا جاء الخطاب مفردًا ولم يوجد دليل أو قرينة على أنه خاص بالرسول فإن الأولى أن نحمله على أيش؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: على أن يكون لكل من يتأتى خطابه؛ قل أيها الإنسان، أو قل أيها النبي؛ فإن كان أيها الإنسان فإن قوله: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ جمعٌ موزَّعٌ على كل فرد، إن كان للرسول ﷺ ﴿قُلْ آمَنَّا﴾ فهو يقوله؛ لأنه إمام الأمة فيكون إيمانه إيمانًا لأمته يعني أمته؛ أي أن أمته تتبعه في الإيمان.
﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ الإيمان هو الإقرار المستلزِم للقبول والإذعان؛ انتبه، الإيمان هو الإقرار أيش؟
* الطلبة: المستلزِم..
* الشيخ: المستلزم للقبول والإذعان؛ فمن قال: آمنت بالله وأقرَّ بالله عز وجل ولكن لم يقبل شريعته، أو قَبِلها ولكن لم يُذعن؛ فليس بمؤمن.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران ٨٤، ٨٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ﴾ الخطاب في هذه الآية للنبي ﷺ، والخطاب للنبي ﷺ خطاب له وللأمة ما لم يَقُمْ دليل على أنه خاص به؛ والمتأمل (...) الموجه للرسول ﷺ يتبين له أنه على ثلاثة أقسام؛ قسم دلَّ الدليل على أنه خاص به، وقسم دل الدليل على أنه له وللأمة، وقسم ليس فيه دليل.
أما ما دلَّ الدليل على أنه خاص به فهو له يختص به؛ مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا﴾ [الإنسان ٢٣]، ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١].
وأما ما دلَّ الدليل على العموم فهو على العموم؛ مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ﴾ إلى آخره [الطلاق: ١]. وما سوى ذلك فإنه يكون عامًّا له وللأمة، لكن وُجِّهَ الخطاب إليه باعتباره الإمامَ لأمته عليه الصلاة والسلام، والخطاب الموجه للإمام موجه له ولمن كان مؤتَمًّا به؛ ولهذا لو وجه الضابط أمرًا إلى القائد لكان هذا الأمر للقائد ولمن كان تَبَعًا له؛ فهنا يقول الله عز وجل: ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ فالخطاب للرسول ﷺ والمراد هو وأمته، وبيان ذلك؛ أي بيان أن هذا هو المراد قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا﴾ [البقرة ١٣٦] فقال: ﴿قُولُوا آمَنَّا﴾ قل آمنا بالله، والإيمان بالله يتضمن أمورًا:
الأمر الأول: الإيمان بوجوده.
والثاني: الإيمان بربوبيته.
والثالث: الإيمان بألوهيته.
والرابع: الإيمان بأسمائه وصفاته.
لكن الثلاثة الأخيرة لا بد من توحيده بذلك؛ أي توحيده بالربوبية، بالألوهية، بالأسماء والصفات؛ أما الوجود فهو شامل له ولغيره وإن كان وجود الخالق يختلف عن وجود المخلوق؛ فمن لم يؤمن بوجود الله فهو ليس بمؤمن، ومن آمن بوجوده ولم يؤمن بربوبيته على وجه عام شامل فهو لم يؤمن بالله، ومن آمن بالله وربوبيته ولكن لم يؤمن بألوهيته فليس بمؤمن، ومن آمن بذلك كله ولم يؤمن بأسمائه وصفاته فليس بمؤمن؛ لكن الأخير فيه تفصيل، قد يخرج من الإيمان بالكلية وقد لا يخرج.
﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ وهو القرآن الكريم والسنة النبوية كلاهما مُنْزَل؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ [النساء ١١٣] فيشمل، أيش يشمل؟
* طالب: (...)
* الشيخ: لا
* طالب: القرآن والسنة.
* الشيخ: القرآن والسنة.
الشيخ: ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ [آل عمران ٨٤] وهو القرآن الكريم والسنة النبوية، كلاهما مُنْزَل؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ [النساء ١١٣] فيشمل يا.. أيش يشمل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا..
* طالب: القرآن والسنة.
* الشيخ: القرآن والسنة ﴿مَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ يشمل القرآن والسنة، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾. ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ﴾ [آل عمران ٨٤] كم هؤلاء؟
* طالب: خمسة.
* الشيخ: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ﴾؛ طيب، ﴿مَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ الخليل عليه الصلاة والسلام وهو أبو الأنبياء، والذي نعرف مما أنزل إليه صُحُفُه كما ذكر الله ذلك في موضعين من القرآن؛ في سورة النجم وفي سورة الأعلى، فقال تعالى في سورة النجم: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ [النجم ٣٦، ٣٧]. وقال في سورة الأعلى: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ [الأعلى ١٨، ١٩]، هذا ما أُنزل إلى إبراهيم؛ ﴿وَإِسْمَاعِيلَ﴾ إسماعيل لم يصل إلينا كتابه الذي نُزِّل إليه، ولم نعرف إلا أنه أُنزل إليه، ولكن مع هذا يجب علينا أن نؤمن بما أنزل على إسماعيل. وإسماعيل هو الولد الأول لإبراهيم، وهو أبو العرب، وهو الذي صبر ذلك الصبر العظيم حين قال له أبوه: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ [الصافات ١٠٢] فقال هذا الابن الحليم قال: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات ١٠٢] ولله دره من ابن! ابن لم يبلغ لكنه بلغ مع أبيه السعي وهو أشد ما تكون النفس تعلُّقا به؛ لأن الكبير من الأولاد قد زلّت النفس عنه، والصغير لم تتعلق به بعدُ ذلك التعلق؛ الصغير من يتعلق به؟ الأم، لكن هذا بلغ معه السعي في غاية ما يكون من التعلق به ومع ذلك فإن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام نفَّذ ما أمره الله به؛ قال الله تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ [الصافات ١٠٤، ١٠٥] لكن أرحم الراحمين سبحانه وتعالى نسخ هذا الأمر حين ﴿أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ [الصافات٣] أسلما يعني؟
* الطلبة: استسلما.
* الشيخ: استسلما وانقادا لأمر الله، وتلَّه على جبينه كَابًّا له على الأرض؛ لئلا يرى وجهه حين يذبحه، فلما قارب أن يذبحه جاء الفرج من الله عز وجل، وهكذا يكون الفرج كلَّما اشتدت الكُرب فانتظِر الفرج، قاله النبي ﷺ، قال: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»[[أخرجه أحمد (٢٨٠٣)، وعبد بن حميد في المنتخب (٦٣٥) من حديث عبد الله بن عباس. ]] «وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ»[[أخرجه مالك (١٢٨٨)، وابن أبي شيبة (١٩٧١٦) من حديث عمر بن الخطاب. ]] كما قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح ٥، ٦]. الحاصل أنَّا نقول: إن إسماعيل هو الولد الأكبر لمن؟
* الطلبة: لإبراهيم.
* الشيخ: لإبراهيم، وهو الذبيح بلا شك؛ لأن الله لما ذكر قصة الذبح في سورة الصافات قال: ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ﴾ [الصافات ١١٢] بعد هذا ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ﴾، وأظن أنَّا أملينا عليكم حوالي عشرة أوجه تدل على أن إسماعيل هو الذبيح. ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ ذكره بعده؛ للترتيب الزمني والظاهر -والله أعلم- والترتيب المنزلي وأن إسماعيل أفضل من إسحاق؛ لأن إسماعيل أَبٌ لأشرف الخلق محمدٍ ﷺ، وإن كان إسحاق أب لأكثر الأنبياء فالأنبياء من ولد إسحاق أكثر من الأنبياء من ولد إسماعيل، لكن العبرة بأيش؟ بالأفضلية، محمد ﷺ أشرف الخلق من ذرية إسماعيل، فالظاهر -والعلم عند الله- أنه أخَّره ذِكرًا؛ لأن إسماعيل أفضل منه وأسبق، أفضل منه قدْرًا وأسبق زمنًا؛ ومع ذلك فكلٌّ منهم في المرتبة الأولى من مراتب الخلق ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء ٦٩]. أسأل الله أن يجعلني وإياكم من رفقائهم.
قال عز وجل: ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ يعقوب: ابن إسحاق، وهو الملقب بإسرائيل والذي يُنسب إليه بنو إسرائيل، وأخَّره عن الاثنين؛ لأنه متأخر عنهما أيش؟ زمنًا.
﴿وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ﴾ الأسباط: جمع سِبْط، وأصل السبط في اللغة: ابنُ البنت؛ ولهذا يقال في الحسن والحسين رضي الله عنهما: سِبْطَا رسول الله ﷺ. وابن الابن يسمى: حفيدا ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ [النحل ٧٢]؛ أي: أبناء ابن. الأسباط: هم أبناء البنت، ولكن ما المراد بهم؟ قيل: المراد بهم أولاد يعقوب، وكان أولاد يعقوب اثني عشر ولدًا ومنهم تفرَّعت قبائل بني إسرائيل؛ قال الله تعالى: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا﴾ [الأعراف ١٦٠] السِّبط في بني إسرائيل كالعشيرة أو الفخِذ أو القبيلة في العرب، فقال بعض أهل العلم: إن المراد بالأسباط أولادُ يعقوب الاثنا عشر، وأنهم أنبياء. وقال آخرون: بل الأسباط شعوب بني إسرائيل، وأن المراد بما أنزل على الأسباط؛ أي: على أنبياء الأسباط؛ أي الأنبياء الذين بُعثوا في أسباط بني إسرائيل. فهذان قولان:
القول الأول: أن المراد بالأسباط مَن؟
* الطلبة: أولاد يعقوب.
* الشيخ: أولاد يعقوب وأنهم أنبياء.
والثاني: أن المراد بهم؟
* الطلبة: شعوب بني إسرائيل.
* الشيخ: شعوب بني إسرائيل الذين فيهم الأنبياء، وعلى هذا فيكون في الآية، على هذا المعنى يكون في الآية تقدير؛ أي وما أنزل على أنبياء الأسباط. يؤيد القول الأول أنه لا يحتاج إلى تقدير؛ لأن الثاني يحتاج إلى تقدير، وأيش تقدير الثاني؟ أنبياء الأسباط، وإذا دار الكلام بين أن يكون ذا تقدير أو خاليًا منه حُمِلَ على الخالي منه؛ لأنه الأصل، الأصل عدم التقدير، لكن يضعفه أن الأسباط هم أبناء البنات وهنا لا يتناسب مع الآية؛ لأن أولاد يعقوب أحفاد لإسحاق، أو أحفاد لإبراهيم وليسوا أسباطا، والقرآن نزل باللغة العربية فيجب أن تُحمل الكلمة في القرآن على المعنى اللغوي ما لم تكن حقيقةٌ شرعية تمنع من حمله على المعنى اللغوي؛ فإذا وجد حقيقة شرعية تمنع من حمله على المعنى اللغوي اتبعنا الحقيقة الشرعية، كالصلاة مثلًا في اللغة: الدعاء، وفي الشرع؟ هي التعبد لله تعالى بذات الأقوال والأفعال المعلومة المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم؛ يضعفه كذلك أنه لم يقم دليل على نبوة أولاد يعقوب إلا يوسف، يوسف من الأنبياء لا شك، أما أولاده الآخرون الأحد عشر فإنه لم يقم دليل على كل واحد منهم بخصوصه أنه نبي، والنبوةُ وصف عظيم يحتاج إلى أيش؟ بيِّنة ودليل وبرهان، تدل على أن هذا الشخص متَّصِف بها؛ ثم يضعِفُه أمرٌ ثالث، وهو فعل أبناء يعقوب بأخيهم يوسف، وما حصل منهم من الكذب حيث جاءوا على قميصه بدم كذب، وقالوا: ﴿إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ [يوسف ١٧]، ثم اتِّهامُهُم لأبيهم: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ [يوسف ١٧].
المهم أن هناك قرائن تدل على ضعف أن يكون المراد بالأسباط أولادَ يعقوب، ويخرج منه يوسف؛ لدلالة الكتاب والسنة على أنه نبي. إذن يترجح أيش؟ القول الثاني؛ أن المراد بالأسباط الشعوب، يعني وما أنزل على الأسباط بواسطة أنبيائهم؛ لأن المنزَّل على أنبيائهم منزَّلٌ عليهم فَـ﴿قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ﴾ [العنكبوت ٤٦] نقولها نحن للكفار؛ إذن يكون هذا القول هو المعتمد أن المراد بالأسباط؛ أي شعوب بني إسرائيل والمنزَّل عليهم يكون بواسطة من؟ أنبيائهم، وإن شئت فقل: في الآية حذفٌ دلَّ عليه السياق، ويكون التقدير: وما أنزل على أنبياء الأسباط.
﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى﴾ العدول عن التعبير بالإنزال إلى الإيتاء قد يتساءل السائل عنه، أو قد يسأل السائل عنه لماذا قال: ﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ﴾ ولم يقل: وما أنزل على موسى وعيسى والنبيين؟ فقال بعضهم: لأن ما أوتيه موسى وعيسى نوعان: وحي، وآيات كونية محسوسة بقي ذكرُها إلى نزول القرآن الكريم، ومعلوم أن الوحي يسمى إيتاء؛ قال الله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الإسراء ٢] والآيات المؤيدة للرسالة هي أيضا إيتاء ما هي وحي إيتاء، إيتاء، فقوله: ﴿مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ يشمل ما نزل من الوحي وما حصل من الآيات، وذَكَر هذا؛ لأن ذِكر الآيات والعلمَ بها بقي إلى نزول القرآن الكريم.
ما أُوتي موسى: وحي وآيات، أما الوحي: فالتوراة التي هي أفضل كتاب بعد القرآن، وأشمل كتاب، وأعم كتاب، وأهدى كتاب بعد القرآن ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ﴾ [القصص ٤٩] فقَرَنها الله مع القرآن؛ هذه التوراة نزلت على موسى وهذا إيتاء الوحي. أما إيتاء الآيات؛ فمن أعظم ما حصل له: العصا واليد، العصا حصل فيه ثلاث آيات عظيمة: ألقاه على سحر سحرة آل فرعون فالتهم جميع حبالهم وعِصِيِّهم، التهمها التهامًا، وهي ثعبان والحبال والعِصي قد ملأت الأرض ومع ذلك هذا الثعبان يأكلها ولا يُدرى أين تذهب؛ لأنها أكبر منه حجمًا، ولكن مع ذلك قدرةُ الله عز وجل فوق كل شيء، ولم يتماسك السحرة لما رأوا هذه الآية العظيمة حتى أيش؟ حتى خَرُّوا ساجدين، سجدوا ﴿أُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ﴾ [الشعراء ٤٦]. كلمة ﴿أُلْقِي﴾ كأنهم جاءوا من غير عقل، كأنهم سجدوا من غير عقل؛ لقوة ما ورد على قلوبهم من الآيات التي يعرفون أنها ليست سحرًا.
والآية الثانية لهذه العصا: أنه ضرب بها ﴿الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ﴾ [الشعراء ٦٣] صار اثني عشر طريقًا بين كل طريق وآخر كُتَلٌ من الماء كأنها جبال، كلُّ جبل ﴿كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾، وقد ذكر بعض العلماء أن الله جعل في هذا الماء فُرَجًا من أجل أن يَطمئن الناس بعضُهم إلى بعض، يشاهد بعضُهم بعضا من هذه الفُرَج، فُرَج في الماء كأنه مسلح، هذا الماء الذائب المائع كأنه مسلح، وبلحظة ﴿اضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا﴾ [طه ٧٧] يعني لو اجتمعت نيران الدنيا كلها تُوبِس أرض البحر في هذه اللحظة ما تمكَّنت، أو رياح الأرض كلها المخترعات ما تمكنت، لكن قدرة من يقول للشيء كن فيكون جعلت هذا أمرًا أيش؟ أمرًا ممكنًا واقعًا.
الثالث من الآيات العظيمة في هذه العصا: أنهم إذا استسقَوْا؛ يعني حصل عليهم نقص في الماء، ضرب موسى الحجر بهذه العصا فتفجَّر اثنتا عشرة عينًا كلُّ عينٍ لسِبط من أسباط بني إسرائيل؛ حتى لا يقع النزاع بينهم والمزاحمة والمشاقة. هذه من الآيات التي أوتيها موسى ﷺ.
أما عيسى؛ فأوتي أيضًا وحيًا وآياتٍ، ما هو الوحي؟ الإنجيل، الإنجيل الذي كان متمِّمًا للتوراة ومبنِيًّا عليها؛ وآيات حسية، منها: أنه يُبْرئ الأكمه والأبرص، ويُحيي الموتى ويخرجهم من القبور، ويَخلق من الطين كهيئة الطير فيَنفخ فيه فيكون طيرًا يطير، قال الله تعالى: ﴿فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا﴾ [آل عمران ٤٩] وفي قراءة: ﴿طائرا﴾ والفائدة من القراءتين: أنه يكون طيرًا ويطير؛ إذ قد يكون الشيء على هيئة الطير لكن ما يطير، وقد يطير وليس بطيرٍ كالطائرة مثلًا، لكن هذا يكون طيرًا يطير، يخلق بإذن الله شيئًا على صورة الطير، والتصوير هنا جائز ولّا غير جائز؟
* الطلبة: جائز.
* الشيخ: ليش؟ لأنه بأمر الله، والأصل في الطاعة أمرُ الله؛ أَمَرَ اللهُ الملائكة أن يسجدوا لآدمَ فسجدوا فكان سجودهم طاعة، وأمر الله إبراهيم أن يقتلَ ابنه فامتثل فكان امتثالُه لهذا الأمر طاعة؛ المهم أن الطاعة طاعة الله إذا أمرَ بأي شيء فامتثالُ هذا الأمر طاعةٌ، وإنْ كان في آنٍ آخر سوف يكون شِرْكًا مثلًا أو كبيرةً من كبائر الذنوب.
يُبْرِئُ الأكمَه والأبرص: من هو الأكمه؟ الذي خُلِقَ بلا عينٍ ممسوحَ العين يُبرئه، يُحيي الموتى: يقف على الميت جثة فيحييه يقول له كلمة فيحيا؛ أبلغُ من هذا: يُخرج الموتى من القبور يقف على القبر ويُكلم صاحبَ القبر ويقوم صاحبُ القبر حيًّا يخرج من القبر؛ ما هي هذه آية من آيات الله؟ من أعظم الآيات، هذه من أعظم الآيات الدالة على كمال قدرة الله، وعلى إمكان البعث، إمكان البعث يوم القيامة؛ يَخرج الناس من قبورهم بزجرة واحدة ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات ١٣، ١٤] هذه الزجرة يتريث المراد بها أو لا يتريث؟ يتريث المراد ولّا لا؟
* الطلبة: ما يتريث.
* الشيخ: ما بالكم ما فهمتم الكلام؟! لا يتريث؛ ولهذا قال: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ﴾، والأخ.. يعرف أن (إذا) فجائية تدل على مفاجأة في الحال، وقال تعالى في سورة القمر كلمة عامة في كل مأموراته:﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ﴾ [القمر ٥٠] أيش؟
﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ﴾ أيش؟
* الطلبة: ﴿كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾..
* الشيخ: ﴿كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾؛ لمح البصر يعني يُضرب به المثل بالسرعة، ﴿وَاحِدَةٌ﴾ فقط، إذا أمر اللهُ بالشيء أمرًا واحدًا: كن فيكون كلمح البصر، سبحان الله!
إذن هذه الآيات التي أُعطيَها عيسى فيها دليل على إمكان البعث ولّا لا؟ ﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [آل عمران ٨٤] لمَّا جاء الجمع ﴿وَالنَّبِيُّونَ﴾ دون التخصيص جاء الإيتاء دون الإنزال؛ من أجل أن يشمل الآيات التي قد يكون أُعْطِيَها بعضُ النبيين، فجاءت ﴿وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ عطفًا على ﴿مُوسَى وَعِيسَى﴾ كما جاء ذلك في سورة البقرة: ﴿وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة ١٣٦]؛ والنبيون المراد بهم الرسل، المراد بالنبيين هنا الرسل، وكل من وُصف بالنبوة في القرآن فإنه رسول، وكُلُّ من ذُكر في القرآن فإنه رسول؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر ٧٨]. إذن فكلُّ من قصَّ اللهُ علينا في القرآن فهو رسول وإن كان لم يوصف في القرآن إلا بالنبوة لكنه رسول بدليل هذه الآية ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ [البقرة ١٣٦] لا نفرق نحن بين أحد منهم، كل هؤلاء نؤمن بهم على سبيل السواء بدون تفريق؛ لكن يَرِد إشكال، وهو أن الإيمان بهؤلاء هل هو إيمان مجمل أو مفصل؟ الجواب: إيمان مجمل لكن كلُّ ما صحَّ أنهم أخبروا به وجب علينا الإيمان به، كلُّ ما صح عنهم أنهم أخبروا به وجب علينا الإيمان به ولو تفصيلًا؛ هذا في الأخبار، لكن في الأحكام: لا، الأحكام لا نَتَّبِعُ إلا ما حَكَمَتْ به شريعةُ محمد ﷺ، ما حكمت به الشريعة شريعةُ النبي ﷺ فهو الذي كُلِّفْنَا به ووجب علينا اتباعه كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ﴾ [الأعراف ١٥٨]. فالاتِّباع لمحمد ﷺ، أما الإيمان؛ فهو عامٌّ لجميع الرسل بدون تفريق، فإذا صح عن موسى أنه أخبر بخبر يتعلق بالله، أو بخبر يتعلق بيوم القيامة، أو بالجنة أو بالنار؛ وجب علينا أن نؤمن به، لكن متى؟ إذا صح، إذا صح، أمَّا ما يُروى من الإسرائيليات؛ فقد يكون صحيحًا وقد لا يكون.
واعلم أن شريعتنا في الأحكام بالنسبة لمن سبق على ثلاثة أقسام؛ شريعتنا في الأحكام بالنسبة لمن سبق على ثلاثة أقسام؛ القسم الأول ما وَرَدَتْ شريعتنا بخلافه، فهذه لا نعمل بها؛ لأن شريعتنا ناسخة لجميع الأديان فلا نعمل، مثال ذلك: القصاص، القصاص في النفس والأطراف كان في التوراة واجبًا مفروضًا، ما فيه عفو، لكن في الشريعة الإسلامية كان مخيَّرًا فيه؛ فهل نَتْبَعُ التوراة أو نتبع القرآن؟
* الطلبة: القرآن.
* الشيخ: القرآن.
وما وَرَدَ شرعُنا بوفاقه فإننا نعمل به؛ إتباعًا لشريعتنا الْمُصَدِّقَةِ لما سبق من الشرائع، ولا نخالفه، وهذا كثيرٌ مثلُ: الطيباتِ؛ أحلَّ الله الطيبات لنا ولغيرنا لكن حَرَّم على بني إسرائيل بعضَ الطيبات بسبب ظلمهم.
القسم الثالث: ما لم يرد في شرعنا له وِفَاقٌ ولا خلاف؛ فما الحكم فيه؟ هذا محل نزاع بين أهل العلم، وبحثُه موجود في أصول الفقه؛ فمن العلماء من قال: إنه شرعٌ لنا، ومنهم من قال: إنه ليس بشرع؛ والصحيح أنه شرع لنا؛ لدلالة شرعنا عليه قال الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام ٩٠]، وقال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الشورى ١٣]، وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف ١١١]. وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام أحيانًا كان يسند الحكم إلى أنه فعله أخي فلان من الأنبياء وما أشبه ذلك. والمعنى يقتضي ذلك أيضا؛ لأنه لولا أن لنا فائدة من قصص الأنبياء السابقين، ومن الفوائد أن نعتبر ونعمل بما عملوا لم يكن لذكر هذه القصص شيء من الفائدة كثير.
وقوله: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ في أيش؟ في الإيمان بأنهم رسل صادقون فيما أخبروا به، واجبٌ اتباعهم فيما أمروا به أو نَهوا عنه، لكن بالنسبة لنا لا يجب علينا متابعتهم في الأحكام على التفصيل الذي سمعتم.
قال: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ لمن؟
* الطلبة: لله.
* الشيخ: الضمير يعود على الله ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾؛ لأنه الأصل في سياق هذا الكلام، يعني كل اللي بعدها معطوف عليها، اللي بعدها كله معطوف عليها، فلو قال قائل: لماذا لا تجعل الضمير يعود على قوله: ﴿أَحَدٍ﴾،﴾ ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾؛ لأنه أقرب مذكور؟ أي ونحن لهذا الأحد مسلمون؟ قلنا: لا يستقيم الكلام؛ لأن أصل الكلام مداره على أول جملة فيه: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾، فيكون مرجع الضمير في قوله: ﴿وَنَحْنُ لَهُ﴾: الله عز وجل؛ يعني ونحن لله مسلمون أي: مستسلمون ظاهرًا وباطنًا، بالقلب واللسان والجوارح، ونِعَمُ الله عز وجل المستسلَم له؛ لأن مَن لم يستسلم لله استسلم لغيره ولا بد. انتبِه لهذه القاعدة المفيدة: مَن لم يستسلم لله استسلم لغيره ولا بد. إما أن تستسلم لله وتنقاد لأمره، وإلا فإنك سوف تستسلم لهواك وتنقاد لهواك، وهواك تابع لمن؟
* الطلبة: للشيطان.
* الشيخ: للشيطان، فتكون مستسلما للشيطان؛ لأن كل إنسان لا بد له من إرادة وهمة، ما في أحد يخلو من إرادة أبدًا، كلٌّ له إرادة؛ فإما أن يكون مرادُك مرضاةَ الله عز وجل فتستسلم له، أو مرضاة نفسك فتستسلم للهوى والشيطان؛ وقوله: ﴿نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ قدَّم المتعلِّق على المتعلَّق؛ لإفادة الحصر، يعني ونحن له لا لغيره مسلمون. ولهذا نقول: إن المؤمن إذا تعارض عنده أمرُ الله وأمرُ الخلق ماذا يقدِّم؟ يقدم أمر الله مهما كان الآمر حتى أبوك وأمك لو أمرتك بخلاف أمر الله فقدم أمر الله؛ لو قالت لك أمك: يا بني، لا تخرج لصلاة الفجر، لا تخرج؛ المسجد بعيد ويُخشى عليك من كلب، وإذا كانت ليلة ظلماء وفيها مطر قالت: أخشى عليك من الوحل والمطر يَبُلُّ ثيابك ويكون فيه برد عليك اجلس. ولكن قد نقول: لكلامها وجه؛ لأن الوحل والمطر من الأعذار المبيحة لترك صلاة الجماعة، لكن لنفرض أن المسألة ما فيها عذر، قالت: يا بني لا تذهب إلى المسجد، هل تُطاع؟ لا ما تطاع؛ قال أبوه: يا بني لا تطلب العلم، لا تطلب العلم، تذهب تطلب العلم ثم باكرًا تأتينا مشدِّدًا علينا أَخْرجوا هذا من البيت أدخلوا هذا من البيت نعم وهكذا؟ خلِّينا نستريح إحنا وإياك ونكون سِلْمِيِّين ولا تطلب العلم؛ فهل الإنسان يمتثل أمر أبيه في هذه الحال؟ لا. ومن أحسن ما رأيت في هذا الموضوع؛ لأن المسألة تشكل على طالب العلم وعلى غير طالب العلم، هل يطيع أباه في مثل هذه الأمور أو لا؟ يقول شيخ الإسلام رحمه الله: إنه لا تجب طاعة الوالدين في أمرٍ ينفعك، ينفع الابن، ولا يضرُّهما. هذا جيد كلام جيد لو يكتب بماء الذهب، كل شيء ينفعك ولا يضر والديك فإنه لا تجب طاعتهما فيه؛ فإذا طلبت العلم هل يضر والدك؟ أبدًا، ما يضره؛ ينفعك؟ ينفعك. ولا يَرِدُ على هذا مسألة الجهاد أن بر الولدين أفضل من الجهاد؛ لأن الجهاد فيه تعريضٌ للنفس بالقتل، والقتلُ يُقلق راحة الوالدين، يقلق الراحة؛ الأم ما تنام بالليل ولا بالنهار، بعض النساء ما تصبر؛ ولهذا يتحايل بعض الناس الذي يذهب للجهاد يقول: بروح أسافر لمدة أيام وأرجع، ثم يسافر وقد لا يرجع، يخدع؛ فالمهم أنه يجاب عن مسألة الجهاد بهذا الجواب. وقوله: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ قلنا: مستسلمون، شرعًا أو قدَرًا؟
* الطلبة: شرعًا وقدَرًا.
* الشيخ: شرعًا وقدَرًا، لكن الاستسلام القدري لا مدح فيه؛ لأنه سيكون سواءٌ قُلْتَهُ أو لم تقُلْه، الاستسلام القدري يعني كون الإنسان لا يتمكن من الخلاص من قَدَرِ الله هذا أمر سيكون، ولا يُمدح عليه المرء يعني لو أنَّ واحدًا أُصيب بمصيبة قيل: والله هذا استسلم لقضاء الله ولم يمنع هذه المصيبة، ما شاء الله عليه! صح؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لأيش؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: لأن هذا أمر قهري فلا يُحمد عليه الإنسان، نعم يُحمد على الصبر عليها؛ لأن الصبر على المصائب استسلام شرعي، إي نعم.
* طالب: قوله: ﴿وَمَا أُوتِيَ﴾ (...) آيات يعني وحي وآيات.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: آيات..
* الشيخ: آيات حسية.
* الطالب: آيات حسية، إبراهيم ما أوتي من الآيات؟
* الشيخ: نعم.
* الطالب: إبراهيم، مثلًا: النار؟
* الشيخ: إلا، لكنها كانت تخلُّصًا من شر هؤلاء الأعداء ما هو لإثبات الرسالة للتخلص منهم.
* طالب: شيخ، جاءت الأحاديث أن الله سبحانه وتعالى إذا قبض العبد ما يرجع إلى هذه الدنيا مرة أخرى..
* الشيخ: نعم.
* الطالب: آية عيسى..
* الشيخ: هذه آيات، نقول: هذه آيات، حتى في القرآن ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون ١٥، ١٦].
* طالب: في الدنيا بس ليس (...) آية عيسى عليه السلام؟
* الشيخ: أنا أقول لك هذا مستثنى؛ هذا لأنه آية، أنت قلت: إن الأحاديث دلَّت على أنه ما يبعث الناس إلا يوم القيامة، أقول حتى القرآن يدل على أن الناس لا يبعثون إلا يوم القيامة، لكن هذه تعتبر آيات، إي نعم.
* طالب: شيخ أحسن الله إليك ما وجه تفاضل القرآن عن التوراة والإنجيل مع أن القائل هو الله سبحانه وتعالى؟
* الشيخ: التفاضل بين الوحي ليس باعتبار المتكلِّم به أو منَزِّله، فهو بهذا المعنى لا يتفاضل؛ لأن المتكلم واحد، لكن يتفاضل باعتبار معناه وفائدته ومنفعته للخلق، إي نعم.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران ٨٥، ٨٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أظن أننا لم نأخذ الفوائد في الآية الأولى؟
* طالب: في الأخيرة.
* الشيخ: من قوله: ﴿قُلْ آمَنَّا﴾. قال الله تعالى: ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ إلى آخره. في هذه الآية: وجوب الإقرار بالإيمان باللسان كما هو واجب بالقلب؛ لأن قوله: ﴿قُلْ﴾؛ يعني باللسان المعبِّر عما في القلب.
* ومن فوائدها: أن الخطاب الموجه للرسول ﷺ خطاب له وللأمة؛ لقوله: ﴿قُلْ آمَنَّا﴾ ولم يقل: قل آمنت؛ فهذا له وللأمة.
* ومنها: أن الإيمان بالله هو أصل كل شيء مقدم على كل شيء؛ لقوله: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾، وجعل ما بعده معطوفا عليه.
* ومن فوائدها: أن وجوب الإيمان بما أنزل علينا، والإيمان بما أنزل علينا وهو القرآن يجب الإيمان به تصديقًا بالخبر وامتثالًا للأمر واجتنابًا للنهي؛ لأنه شريعة ومنهاج لنا.
* ومن فوائدها: وجوب الإيمان بما أنزل على الرسل السابقين؛ لقوله: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ إلى آخره، ولكن الإيمان بما أُنزل إليهم هو التصديق بما جاءت به هذه الكتب من الأخبار، وأما الأحكام؛ فإن ما خالف شرعنا ليس شرعًا لنا بالاتفاق؛ وما وافق شرعنا فهو شرع لنا بالاتفاق؛ لثبوته بشرعنا، وما لا هذا ولا هذا ففيه خلاف بين العلماء، والصحيح أنه شرع لنا.
* ومن فوائد هذه الآية: ثبوت نبوة إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب؛ لقوله: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية: وجوب الإيمان بالأسباط؛ وقد سبق لنا أن القول الراجح أن المراد بهم؟
* طالب: شعوب بنبي إسرائيل.
* الشيخ: شعوب بنبي إسرائيل؛ أي ما أُنزل عليهم بواسطة رسلهم.
* من فوائد الآية الكريمة أيضا: وجوب الإيمان بـ﴿مَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ من الآيات الكونية التي يسميها بعض العلماء المعجزات؛ ومن الآيات الشرعية التي هي الشريعة التي يمشي عليها هؤلاء فنؤمن بما أوتي؛ لكن العمل بالشرائع السابقة عرفتم حكمه.
* ومن فوائدها: ثبوت نبوة موسى وعيسى؛ لقوله: ﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يجب علينا أن نؤمن بكل الأنبياء إجمالا؛ لأنه خصص ثم أيش؟
* الطلبة: عمم.
* الشيخ: ثم عمم. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هذا الدين الإسلامي ليس فيه عصبية، ولا يجوز أن يتخذ الإنسان منه عصبية؛ لقوله: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾، بخلاف ما يسلكه بنو إسرائيل؛ حيث لا يؤمنون إلا بما جاء عن أنبيائهم فقط، أما هذا الدين الإسلامي فلا.
﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ كلهم عندنا رسل الله؛ لكن نفرق في العبادات لا نتعبَّد إلا بما أُمرنا بالتعبد به. ويُذكر أن شخصًا حاجَّ عالمًا من علماء المسلمين فقال له: لماذا تجيزون لأنفسكم أن تتزوجوا ببناتنا ولا تجيزون لنا أن نتزوج ببناتكم؟ فقال له العالم: لأننا نؤمن برسولكم ولا تؤمنون برسولنا؛ فألقمه حجرًا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: وجوب الاستسلام لله عز وجل وحده؛ لقوله: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ ووجه التخصيص.. وأيش وجه التخصيص؟
* طالب: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.
* الشيخ: أيش تخصيص وين التخصيص؟
* الطالب: قدَّم الجار والمجرور..
* الشيخ: قدم المتعلِّق على المتعلَّق، والمتعلِّق معمول للمتعلَّق وتقديم المعمول يفيد الحصر؛ إذن في قوله: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ فائدتان: إخلاص الإسلام لله، ووجوب الإسلام له.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: ألَّا نستسلم لأحد استسلامًا يخالف الاستسلام لله؛ وجه الدلالة؟ أن هذا هو فائدة الاختصاص؛ ألَّا نستسلم لأحد إلا لله، فإذا جاءنا أمر من مخلوق يخالف أمر الله فإننا لا نستسلم له؛ لأننا لو استسلمنا له لم نكن أخلصنا الاستسلام لله عز وجل. * ومن فوائد هذه الجملة: أنه ينبغي للإنسان أن يشعر في كل حياته العملية؛ قولًا كانت أو فعلًا أو تركًا أنه مستسلم لله حتى يستفيد من العمل، عندما أتوضأ أشعر بأنني أُنَفِّذُ قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة ٦] هل أنت أيها المسلم تستشعر هذا؟ نعم، الله أعلم، لكنه يغيب عن كثير من الناس هذا الأمر؛ ما يشعر الإنسان حينما يتوضأ يغسل وجهه ويديه ويمسح رأسه ويغسل رجليه أنه يمتثل أمر الله أبدًا؛ ولذلك أنا أقول: ينبغي أن تستشعر في هذه الحال أمرين: امتثال أمر الله؛ واتباع رسول الله ﷺ؛ يعني تشعر وأنت تغسل وجهك كأن الرسول ﷺ أمامك يغسل وجهه؛ لتكون متبعا له، وكذلك نقول في الصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرهم، المهم أن نستشعر أو أن نُشعر أنفسنا بأننا نفعل ذلك امتثالًا لأمر الله واتباعًا لرسول الله ﷺ حتى نحقق شرطي العبادة في كل عمل.
{"ayah":"قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡنَا وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَىٰۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَاۤ أُوتِیَ مُوسَىٰ وَعِیسَىٰ وَٱلنَّبِیُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَیۡنَ أَحَدࣲ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق