الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾، وفي قراءة: ﴿مَنْ أَنْصَارِيَ إِلَى اللَّهِ﴾ ؛ لأن ياء المتكلم يجوز فيها ثلاث لغات: الفتح بناءً، والسكون بناءً، والحذف تخفيفًا، فتقول: هذا غلامِي، هذا غلاميَ، هذا غلامْ، لكن تبين أنه مضاف.
يقول هنا: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾ ﴿أَحَسَّ﴾ بمعنى أدرك بحاسته، وتيقن أنهم كفروا، مع هذه الآيات العظيمة التي يشاهدونها لم يؤمنوا -والعياذ بالله-؛ لأن الله إذا ختم على القلب لا يؤمن صاحبه أبدًا ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [البقرة ٧]، كان في الآية التي قبلها: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ [البقرة ١٨]، وقال عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ﴾ [يونس ٩٦، ٩٧]، فهم مع هذه الآيات لم يؤمنوا، لما أحس منهم الكفر وأدركه وتبين له لجأ إلى الاختيار وانتخاب الأكفاء فقال: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ ﴿مَنْ أَنْصَارِي﴾، يعني: إذا كان الإيمان تعذر منكم جميعًا فمن الذي يكون ناصري.
وقوله: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ (إلى) هنا للغاية، ولم يقل: من أنصاري في الله؛ ليكون النصر مبنيًّا على الإخلاص؛ لأن (إلى) للغاية فيريد أن يكون نصرًا موصلًا إلى من؟
* الطلبة: إلى الله.
* الشيخ: إلى الله عز وجل، ﴿قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ و(من) هذه مبتدأ، و﴿أَنْصَارِي﴾ خبر، و﴿إِلَى اللَّهِ﴾ متعلق بـ(أنصار).
قال: ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ الحواريون جمع حواري -بتشديد الياء-، وهو من الحوَر وهو: البياض، وسموا حواريين؛ لسلامة قلوبهم من أثر المعاصي؛ لأن المعاصي -نسأل الله العافية- نكت سوداء تكون في القلب، كلما عصى الإنسان نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب صقل وعاد إلى الاستنارة، وإن لم يتب وأحدث معصية أخرى زادت نكتة أخرى، وهكذا حتى يطبع على القلب، فالحواريون إذن هم: الذين أخلصوا دينهم ولم يتلطخوا بالمعاصي.
﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ يعني: لا غيرنا، ووجه قولنا: لا غيرنا: أن الجملة هنا مكونة من مبتدأ وخبر، فهي جملة اسمية طرفاها معرفة، والجملة الاسمية التي يكون طرفاها معرفة تفيد الحصر، لكن لا شك أن إفادة الحصر ضعيف، ليس كإفادة (إنما) أو النفي والإثبات.
﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ ﴿آمَنَّا﴾ الإيمان في اللغة أخص من التصديق؛ لأنه تصديق بإقرار؛ ولهذا عدي بالباء، فيقال: أمنت به، ولا يمكن أن نجعله بمعنى التصديق؛ وذلك لأن الشيء إذا كان مرادفًا للشيء -أي بمعناه- تعدى بتعديته ولزم بلزومه، ومعلوم أن (آمن) تتعدى بما لا تتعدى به (صدّق)، فيقال: صدّق بالخبر، ولا يقال: صدّق له، ويقال: صدّق زيدًا، ولا يقال: آمن زيدًا، بل: آمن به، وآمن له، فلما اختلفا في المتعلق وجودًا وعدمًا علم أنهما ليسا بمعنًى واحد، مع أن كثيرًا من الذين يعرفون الإيمان في اللغة يقولون: الإيمان في اللغة أيش؟ التصديق، وهذا فيه نظر، بل هو أخص من التصديق.
أما الإيمان في الشرع فهو: التصديق، وإن شئت فقل: الإقرار المستلزم للقبول والإذعان، تصديق أو الإقرار المستلزم لأيش؟ للقبول والإذعان، لا يكفي التصديق فقط، بل لا بد من قبول ما جاء به الرسول والإذعان له، وأنتم تعلمون أن أبا طالب كان مصدقًا لرسول الله ﷺ ويعلن ذلك على الملأ بأنه مصدق له، فيقول في لاميته المشهورة:
؎لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ ابْنَنَا لَا مُكَذَّبٌ ∗∗∗ لَدَيْنَا وَلَا يُعْنَى بِقَــــوْلِالْأَبَاطِـــــل
شوف: لا مكذب لدينا، وأنه لا يعنى بقول الأباطل ولا يهتم له، ويقول:
؎وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّــــــــدٍ ∗∗∗ مِــنْ خَيْــرِ أَدْيَـــانِ الْبَرِيَّــــةِدِينَــــــــا
وهذا تصديق، لكن لم يحصل منه القبول والإذعان -والعياذ بالله- ما اتبع الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أذعن له، بل كان آخر كلامه أن قال: إنه على ملة عبد المطلب، على الكفر، فشفع له النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أبلى بلاء حسنًا في الدفاع عن الرسول ﷺ، لا لأنه عمه؛ لأنه لو كان العلة الحاملة لشفاعة الرسول هي القرابة لشفع لأبي لهب، لكن العلة الحاملة للشفاعة هو أنه أبلى بلاءً حسنًا في الدفاع عن الرسول عليه الصلاة والسلام، كما هو معروف، يقول عليه الصلاة والسلام: «فَكَانَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ» -نسأل الله العافية اللهم أنجنا من النار- قال: «وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ»[[حديث متفق عليه؛ البخاري (٣٨٨٣)، ومسلم (٢٠٩ / ٣٥٧) من حديث العباس رضي الله عنه.]].
الشاهد أن الرسل عليهم الصلاة والسلام إنما يدعون إلى أي شيء؟ إلى صراط الله ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾، وأن الإيمان لا يكون إلا بالتصديق المستلزم للقبول وأيش بعد؟ والإذعان، أما بدون قبول ولا إذعان فليس بإيمان شرعًا.
قالوا: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ أشهدوا نبيهم عليه الصلاة والسلام على إسلامهم، مع أنه شهيد عليهم، سواء استشهدوه أم لم يستشهدوه، كما قال الله تعالى: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة ١٤٣]، فكل رسول فهو شهيد على أمته بأن الله تعالى أرسله إليهم وأنه بلغهم الرسالة، فقولهم: ﴿وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ من باب التوكيد وإعلان الإسلام.
ثم قالوا: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ﴾ هذا أيضًا من قولهم رضي الله عنهم، ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ﴾ وهو الإنجيل الذي جاء به عيسى عليه الصلاة والسلام، ﴿وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ﴾ (أل) هنا في الرسول للعهد الذهني وهو عيسى عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لا رسول لهؤلاء القوم من بني إسرائيل إلا عيسى، فالذي عين أن المراد بالرسول عيسى هو العهد الذهني الذي كان معلومًا عندهم، ويحتمل أن يراد بالرسول الجنس، أي: واتبعنا كل من كان رسولًا من عندك، فيكون هذا إقرارًا بأنهم آمنوا بجميع الرسل، وذلك أنه يجب على كل أمة متأخرة أن تؤمن بجميع الرسل السابقة، فنحن -مثلًا- آخر الأمم يجب علينا أن نؤمن بجميع الرسل ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة ٢٨٥] في أصل الإيمان، وإن كنا نفرق بين الرسل من جهة الاتباع، فإننا لا نتبع إلا محمدًا ﷺ وما أذن لنا فيه من شرع من سبق، أما الإيمان فيجب الإيمان بجميعهم.
* طالب: يا شيخ، يعني ذكرت لنا فائدة وهي (...) يعني هذا من طريق دائمًا ولّا في بعضها؟
* الشيخ: لا، في بعض المواضع، في النداء مطرد، في غير النداء أحيانًا تحذف وأحيانًا لا تحذف.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما تقولون في هذا؟ الإشكال يقول: كيف أن الله تعالى قال لعبد الله بن حرام رضي الله عنه: «إِنِّي قَضَيْتُ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ»[[أخرجه الترمذي (٣٠١٠) وابن ماجه (١٩٠) وأحمد في المسند (١٤٨٨١) واللفظ له من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.]] وهنا ذكر أنه أحيا الموتى لعيسى؟ الجواب؟
* طالب: أن هذا هو الأصل طالما أن ..
* الشيخ: أن يخصص؟
* الطالب: أن يخصص.
* الشيخ: لكن يشكل على هذا أنه قال: «إِنِّي قَضَيْتُ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ» والقضاء القدري ما يخرم؟
* طالب: شيخ، يمكن يحيى ويموت ويرجع ميتًا في نفس الوقت، يعني يعود حيًّا ثم يعود ميتًا.
* الشيخ: طيب.
* طالب: ذلك شرع من قبلنا.
* الشيخ: لا، هذا قضاء الله، عام.
الظاهر -والله أعلم- أن عبد الله بن حرام طلب الرجوع من أجل العمل، وأما ما وقع آية لعيسى فليسوا يرجعون على أنهم يعملون، على أن المسألة فيها أيضًا نظر من جهة؛ لأن الله تعالى لما أخذت الصاعقة أصحاب موسى الذين كانوا معه دعا الله عز وجل، فبعثهم من بعد موتهم وبقوا وعملوا، فيكون المراد إذا لم يكن هناك سبب مثل أن تكون آية، فهذا لا مانع، أما عبد الله بن حرام فليس هناك سبب.
قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ عبر بـ﴿أَحَسَّ﴾ دون قوله: علم، لماذا؟
* طالب: لأنه أدرك وتيقن.
* الشيخ: أيش؟ أدرك وتيقن، فصار الأمر عنده محسوسًا.
قوله: ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ من الحواريون؟
* طالب: الحواريون هم أتباع عيسى عليه السلام هم صفوتهم من قومه.
* الشيخ: هم الصفوة من قومه، منين اشتقت هذه الكلمة؟
* طالب: الصفوة.
* الشيخ: لا، الحوَر أو الحواريون؟
* الطالب: من الحور وهو الجمال.
* الشيخ: جمال أيش؟
* الطالب: حور العين.
* الشيخ: أي؟
* الطالب: جمالها.
* الشيخ: أي جمالها صفاؤها.
في هذه الآية دليل: على أن النصارى مسلمون قالوا: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ فماذا تقولون هل هذا الاستنباط صحيح؟
* طالب: نعم صحيح إذا قصدت شريعتهم (...).
* الشيخ: نقول: هم المسلمون بالمعنى؟ العام، وذلك أن كل إنسان متبع لرسول شرعه قائم فهو مسلم، كل إنسان متبع لرسول شرعه قائم فهو مسلم، عرفتم؟ فأما إذا ما وجد ما ينسخه، فمن بقي على الدين الأول، فهو كافر إذا كان الرسول مرسلًا إليه، واضح؟ وبناء على ذلك: فإنه لا مسلم بعد بعثة الرسول ﷺ إلا من اتبعه فقط، ومن سواه فهو كافر، وعلى هذا فالنصارى كفار، واليهود كفار من أهل النار، ومن قال: إنهم مسلمون بالمعنى الخاص الذي يدخلون به الجنة اليوم فهو كافر؛ لأنه مكذب لقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران ٨٥]، ولقوله: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران ١٩].
* من فوائد هذه الآيات: عتو بني إسرائيل، وأنهم مع هذه الآيات العظيمة التي جاء بها عيسى لم يؤمن منهم أحد؛ لقوله: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا -من فوائد هذه الآيات-: أنه إذا اشتبه الأمر، فينبغي أن ينادي الداعية بالإخلاص فيقول: من المخلص؟ أي: أن ينتدب الصفوة من القوم؛ لقوله: ﴿قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾، فهو لما رأى أن القوم تمردوا وأحس منهم الكفر وظهر، انتدب من يرى أنه من صفوتهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الرسل صلى الله عليهم وسلم دعوتهم إلى الله لا إلى أنفسهم؛ لقوله: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أن الرسل محتاجون لمن ينصرهم؛ لقوله: ﴿مَنْ أَنْصَارِي﴾ وقال الله تعالى لمحمد ﷺ: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال ٦٢].
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة الحواريين رضي الله عنهم، حيث أعلنوا أنهم أنصار الله مع كفر قومهم؛ لقوله: ﴿قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾، وهكذا ينبغي للإنسان أن يعلن اتباعه للرسول بين أئمة الكفر حتى لا يداهن في دين الله؛ لأن المداهنة في دين الله والتقية نفاق في الواقع، نفاق، بل الإنسان يجب أن يكون صريحًا في دين الله، وقد سبق لنا الفرق بين المداهنة والمداراة، المداهنة: أن يقرهم على ما هم عليه من الباطل، والمداراة: أن ينكر عليهم ولكن يداريهم؛ لئلا يمنعوه من الحق.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٥٤) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران ٥٢ - ٥٨].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. سبق لنا الكلام على بعض الآيات التي قرأها ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.
﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ الذي يقول هذا الحواريون، يقولون: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ﴾، ولا يخفى الإعراب في هذه الآية، فإن قوله: ﴿رَبَّنَا﴾ منادى حذفت منه ياء النداء لسببين: السبب الأول: كثرة استعمال هذا الاسم الكريم في الدعاء، والثاني: التبرك بالبداءة باسم الله عز وجل؛ لأن الرب من أسماء الله، وقوله: ﴿بِمَا أَنْزَلْتَ﴾ فيها عائد محذوف يعود على الموصول، والتقدير: بما أنزلته.
وقوله: ﴿وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ﴾ (أل) هنا للعهد الذكري أو الذهني؟
* الطلبة: الذكري.. الذهني.
* الشيخ: هم قالوا: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [آل عمران ٤٩]؟ إذن الذكري؛ لأنه سبق.
وقوله: ﴿اكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ (مع) هنا للمصاحبة، والمصاحبة لا تقتضي المخالطة أو الموافقة في الزمن، فقد تكون المصاحبة مع قوم سبقوك، لكن في النهاية يكونون معك، هؤلاء الحواريون لما أعلنوا إسلامهم وأشهدوا على ذلك نبيهم توجهوا إلى الله عز وجل بالإقرار التام فقالوا: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ﴾، والإيمان في اللغة: التصديق المتضمن للقبول والإذعان وليس مجرد التصديق، بل يتضمن انقيادًا وإذعانًا؛ ولهذا لا يكون موافقًا للتصديق في التعدي واللزوم فيقال: آمنت به، وصدّقت به، ويقال: آمنت له، وصدّقت له، لكن لا يقال: آمنته، كما يقال: صدّقته، فافترقا.
يقولون: ﴿آمَنَّا﴾ والمراد بالإيمان هنا: كل ما جاء في القرآن، فالمراد به الإيمان في الحقيقة الشرعية لا في الحقيقة اللغوية، والإيمان في الحقيقة الشرعية: التصديق بما أوجب الله الإيمان به مع القبول والإذعان، يعني: الانقياد التام؛ ولهذا لو أن أحدًا قال: آمنت بالله، لكن لم يذعن له ولم ينقد، ما صار مؤمنًا شرعًا.
وقولهم: ﴿بِمَا أَنْزَلْتَ﴾ (ما) هنا اسم الموصول تعم كل ما أنزل، والظاهر أنها تشمل الإنجيل الذي أنزل على عيسى وما قبله وهي: التوراة التي أنزلت على موسى، بل أعم من ذلك تتناول كل ما أخبرهم به نبيهم مما أنزل الله.
وقولهم: ﴿وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ﴾ هذا في الحقيقة هو ثمرة الإيمان: الاتباع، وكلما كان الإنسان أقوى إيمانًا كان أشد اتباعًا لمن آمن به، وكلما قل الإيمان قل الاتباع، كذا؟ ويصح أن نقول: كلما قل الاتباع قل الإيمان؟ أو نقول: كان علامة، علامة على نقص الإيمان؛ لأن الإيمان حقًّا لا بد أن يطلب الإنسان الوصول إلى ما آمن به، وهذا يقتضي أن يجد كل جد في العمل الذي يوصله.
وقوله: ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ ﴿الشَّاهِدِينَ﴾ من؟ قال بعض العلماء: المراد بالشاهدين أمة محمد ﷺ؛ لأن الشهادة المطلقة ليست إلا لهم؛ لأنهم آخر الأمم، فهم شهداء على جميع الرسل وعلى جميع الأمم، والشهداء الذين كانوا من قبلهم ليسوا شهداء إلا على من سبقهم فقط، لكن الشهادة المطلقة العامة لمن؟ لأمة محمد ﷺ، كما قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة ١٤٣]، فقولهم: ﴿اكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ يعني: اكتبنا مع أمة محمد ﷺ.
فإن قال قائل: يرِد على هذا التفسير أنهم سبقوا أمة محمد فكيف يطلبون أن يكتبوا معهم؟ والجواب عن ذلك أن نقول: إن عيسى عليه الصلاة والسلام قد بشرهم بمحمد ﷺ فقال: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف ٦]، فكان عندهم علم بهذه الأمة بواسطة البشارة التي ألقاها إليهم عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.
والقول الثاني: أن المراد بـ﴿الشَّاهِدِينَ﴾ الذين شهدوا لرسلك بالحق، وهذا يتناول من؟ سبقهم، يتناول من سبقهم بلا شك، ويتناول أمة محمد إن كان ذلك بعد أن أخبرهم بذلك وبشرهم بها، وهذا القول الثاني أعم من القول الأول وأقل إشكالًا منه. المهم أن القول الصحيح: هو كل من شهد للرسل بالحق.
* في هذه الآية من الفوائد، في الآية التي قبلها وهذه، في الآية الأولى أيضًا: أن إشهاد الإنسان على نفسه بالإيمان أو بالإسلام أو ما أشبه ذلك لا يعد من الرياء، لا سيما في مقام الاتباع؛ لأن في ذلك فائدة وهي تقوية المتبوع، إذا قال: اشهد بأني مسلم، أو مؤمن، أو ممن اتبعك، أو ما أشبه ذلك، لا شك أن فيه فائدة وهي تقوية المتبوع، ولا يعد هذا من أيش؟
* الطلبة: من الرياء.
* الشيخ: من الرياء.
* من فوائد الآية الكريمة: أن الرسل لا يعلمون الغيب؛ لقولهم: ﴿وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ إذ لو كان عنده علم من ذلك ما احتاج إلى الإشهاد، اللهم إلا على سبيل إقرارهم الظاهري.
وهل يؤخذ من الآية الكريمة جواز قول الإنسان: أنا مؤمن؛ لقولهم: ﴿اشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: ربما يؤخذ جواز قول الإنسان: أنا مؤمن، ولا شك أن هذا جائز، ولكن الذي وقع فيه خلاف بين أهل العلم هل يجوز أن يستثني في الإيمان فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله، هل يجوز هذا؟ في هذا خلاف بين العلماء منهم من قال: إنه لا يجوز، ومنهم من قال: إنه يجب، ومنهم من قال: إنه يجوز باعتبارين.
أما الذين قالوا: إنه لا يجوز، فقالوا: إن هذا الاستثناء يوحي بالشك، أنه شاك وإلا كيف يقول: إن شاء الله؟ فما دام الإيمان قد وقر في قلبه لا يقول: إن شاء الله، ثم قالوا -مؤيدين لتعليلهم-: أرأيت لو صلى شخص فقيل له: أصليت؟ قال: إن شاء الله، لعد ذلك قريبًا من اللغو، لو قيل له: لبثت ثوبك؟ قال: لبثته إن شاء الله، وهو عليه، هذا لغو، لغو من القول، فإذا كان جازمًا بإيمانه فلماذا يقول: إن شاء الله؟ فالاستثناء على هذا حرام؛ لأنه يؤذن بالشك، وإن لم يكن فهو لغو من القول.
والقول الثاني: أنه يجب أن يقول: إن شاء الله، يجب وجوبًا، فلو قال: أنا مؤمن، وسكت كان ذلك حرامًا عليه، وعللوا لذلك بأمرين: أحدهما: أن الإيمان النافع هو الذي يموت الإنسان عليه، ما مات عليه الإنسان، والإنسان هل يدري أو لا يدري؟
* الطلبة: لا يدري.
* الشيخ: لا يدري، لا يدري ماذا يموت عليه -اللهم ثبتنا على الحق إلى الممات- فهو لا يدري، كم من إنسان زاغ قلبه -والعياذ بالله- كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعَمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا»[[حديث متفق عليه؛ البخاري (٣٢٠٨)، ومسلم (٢٦٤٣ / ١) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.]]، وإذا كان الأمر كذلك وجب أن يقول: إن شاء الله، وجوبًا، هذا وجه.
الوجه الثاني: يقول: هذا غير صحيح، هذا الوجه ليس بصحيح، ليس بعلة؛ لأن الإنسان إنما يتكلم عن حاضره، وحاضره يعلم أنه مؤمن أو لا؟ يعلم أنه مؤمن، والمستقبل علمه عند الله، نعم لو قال: سأموت على الإيمان، قلنا له: قل: إن شاء الله، لكن المأخذ الصحيح أنه إذا قال: أنا مؤمن، وجزم، فإن في ذلك نوعًا من تزكية النفس، فيها نوع من تزكية النفس، وقد قال الله تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم ٣٢]؛ ولهذا نقول له: مقتضى جزمك بالإيمان أنك جازم بأنك من أهل الجنة، فشهدت لنفسك بأنك من أهل الجنة، ولا يشهد بالجنة لأحد بعينه إلا من شهد له الرسول ﷺ، وحينئذٍ لا بد أن تقول: إن شاء الله، ما هو لأجل أنك ما تدري ماذا تموت عليه ولكن من أجل أن لا تزكي نفسك، فيلزم من تزكيتك إياها أن تشهد لها بالجنة، وهذا ممنوع.
وفصل بعض العلماء في هذه المسألة فقال: قد يكون الاستثناء حرامًا، وقد يكون واجبًا، وقد يكون جائزًا، باعتبارات، فإذا كان الإنسان يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، يريد بذلك التبرك أو بيان أن ما حصل من الإيمان كان بمشيئة الله، فهذا جائز، إذا قال: أنا ما قلت إن شاء الله، شكًّا ولا (...) تزكية ولكن قلت: إن شاء الله، يعني: أن إيماني واقع بمشيئة الله، أو قلتها تبركًا، نقول: الاستثناء هنا جائز، إن شئت فقل: إن شاء الله، وإن شئت فلا تقل.
والاستثناء بالمشيئة في الأمر الواقع جائز، جائز شرعًا قال الله تعالى: ﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ﴾ أيش؟ ﴿إِنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [الفتح ٢٧]، فقال: ﴿إِنْ شَاءَ اللَّهُ﴾، مع أنهم سيدخلونه، كما قال النبي عليه والسلام لعمر بن الخطاب: «إِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ» في صلح الحديبية، تعرفون القصة؟ القصة «لما حصل ما حصل من الصلح بين رسول الله ﷺ وقريش»، ومن جملة بنود الصلح: «أن يرجع النبي عليه الصلاة والسلام ولا يكمل عمرته، جاءه عمر رضي الله عنه يراجعه في هذا الأمر، فقال: ألست تحدثنا أنا نأتي البيت ونطوف به؟ قال: «بَلَى، وَلَكِنْ هَلْ أَنَا قُلْتُ: إِنَّكَ تَأْتِيهِ هَذَا الْعَامَ؟» قال: لا، قال: «إِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ»[[أخرجه البخاري (٢٧٣١) من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم.]] -اللهم صل وسلم عليه- مع أن الله قال: ﴿إِنْ شَاءَ اللَّهُ﴾، وفي زيارة المقابر يمر الإنسان بها ويقول: «وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ»[[أخرجه مسلم (٩٧٤ / ١٠٢) من حديث عائشة رضي الله عنها.]]، مع أن لحوقنا بهم مؤكد، لكن هذا من باب بيان أن لحوقنا بهم مقرون بأيش؟ بمشيئة الله.
وإن كان الحامل على الاستثناء الشك، وجب أن يستثني، أو حرم؟
* الطلبة: حرم.
* الشيخ: حرم أن يستثنى، إذا قال: إن شاء الله؛ لأنه متردد فهذا حرام؛ لأن الشك في الإيمان منافٍ للإيمان؛ إذ إن الإيمان لا بد أن يكون جزمًا.
ولكن احذروا أيها الإخوة أن يتلاعب الشيطان بكم في مسألة الوساوس، الوساوس التي كثر الشاكون منها فيما مَنّ الله عليهم من الأقبال، لما أقبل الشباب الآن صار الشيطان يأتيهم بالوساوس، بالشكوك لأجل أن يخلخل إيمانهم، ولكن هذا -والحمد لله- كيد كائد لمن كاد به، كما جاء في الحديث: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ»[[أخرجه أبو داود (٥١١٢) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.]]، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن هذا صريح الإيمان، هذا صريح الإيمان أن يخالصه، الذي ليس فيه شبهة، وإلا الشيطان يأتي من جملة ما يوسوس به ما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولُوا: مَنْ خَلَقَ اللَّهَ، فَإِذَا بَلَغُوا ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلِيَنْتَهِ»[[حديث متفق عليه؛ البخاري (٣٢٧٦)، ومسلم (١٣٤ / ٢١٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، قل: أعوذ بالله، وانته، اعرض، امش بشغلك لا تلتفت إلى هذا.
فالمهم أن الإنسان إذا قال: إن شاء الله، فإنه إذا كان الحامل له على قول: إن شاء الله، الشك كان؟
* طالب: حرامًا.
* الشيخ: الاستثناء حرامًا، يحرم أن يقول: إن شاء الله؛ لوجوب اليقين.
ثالثًا: إذا كان الإنسان يخشى من تزكية نفسه إذا قال: إن شاء الله، أو يخشى أن يوكل إلى نفسه إن ظهر فيه الإعجاب؛ لأن الإنسان -أعوذ بالله- إذا أعجب بعمله وُكِل إلى نفسه ونزعت بركته، فإذا كان يخشى من ذلك كان؟
* طالب: واجبًا.
* الشيخ: كان الاستثناء واجبًا، كيف؟ كان الاستثناء حرامًا؟
* طالب: واجبًا، واجبًا.
* الشيخ: ألسنا قلنا قبل قليل: إذا كان الحامل له على ذلك الشك فهو حرام؟ هذا عكسه، يكون الاستثناء واجبًا، واجبًا لأيش؟ لئلا يزكي نفسه أو يعجب بنفسه وأنه مؤمن، كما يقول الشاعر:
؎أَنَــــا ابْــــنُ جَــــلَا وَطَــــلَّاعُالثَّنَايَــــا ∗∗∗ مَتَــــى أَضَــــع الْعَمَامَــــةَتَعْرِفُونِــــــــــــــــــــي
هذا القول الذي ذكرنا أو هذا التفصيل الذي ذكرناه هو القول الصحيح، وإذا تأملت تعليلات القولين السابقين وجدت أن هذا القول أو هذا التفصيل يجمع بين الأقوال.
قال: ﴿وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾، ثم قال عز وجل: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾.
* من فوائد هذه الآية: فضيلة الحواريين في لجوئهم إلى الله عز وجل، حيث قالوا: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ﴾، فإنه بعد أن أشهدوا نبيهم لجؤوا إلى ربهم عز وجل.
* ومن فوائد الآية: التوسل إلى الله تعالى بربوبيته؛ لأن الربوبية تدور على ثلاثة أشياء وهي: الخلق والملك والتدبير، وإجابة الدعاء داخل في هذه الثلاثة؛ فلذلك كان كثيرًا ما يتوسل الدعاة -دعاة الله- بالربوبية كما جاء في الحديث الصحيح: «يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ»[[أخرجه مسلم (١٠١٥ / ٦٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يجب أن يكون الإيمان شاملًا لكل ما أنزل الله ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: حسن الاحتراز في قول الحواريين: ﴿بِمَا أَنْزَلْتَ﴾، ولم يطلقوا الإيمان -مثلًا- بالتوراة؛ لأن التوراة التي بأيدي اليهود محرفة مبدلة يبدون شيئًا ويخفون أشياء؛ فلهذا قالوا: ﴿بِمَا أَنْزَلْتَ﴾، ونحن نقول: آمنا بما أنزل الله من التوراة والإنجيل، لا بالتوراة المحرفة التي بين أيدي اليهود، ولا بالإنجيل المحرف الذي بأيدي النصارى.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإيمان لا بد له من الاتباع ﴿وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ﴾؛ ولهذا يقرن الله عز وجل يقرن الله بين الإيمان والعمل الصالح في آيات كثيرة؛ لأن الإيمان المجرد لا ينفع، العمل الصالح بمنزلة سقي الشجرة إن لم تسقها ماتت؛ ولهذا ينبغي لنا عندما نتكلم على الإسلام أن لا نحاول أن نجعل الإسلام عقيدة فحسب، بل هو عقيدة وعمل، العقيدة لا تكفي؛ لأن العقيدة الآن كلٌّ يدعي أنه معتقد، اليهود والنصارى يقولون: نحن نؤمن بالله واليوم الآخر، الآن يقولون: نؤمن بالله واليوم الآخر، نؤمن بأن هناك ربًّا مدبرًا للخلق، وأنه عز وجل خالق ونؤمن بالبعث، ولكن هذا ليس بإيمان، وإن كان عندهم هذه العقيدة، هذه عقيدة فاسدة، فلا بد من قرن العقيدة بالعمل الصالح حتى لا يتكل الناس على ما عندهم من العقيدة ويقولوا: ما حاجة للعمل؛ ولهذا قال: ﴿آمَنَّا﴾ بعد؟ ﴿وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ﴾ ﴿وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ﴾، لا بد من هذا.
وتأمل قوله: ﴿آمَنَّا﴾ ﴿وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ﴾ هل يؤخذ منها وجوب الإيمان بكل ما أنزل الله من كتاب وأما الاتباع فيكون للرسول الخاص؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: يمكن هذا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لأنهم قالوا: ﴿آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ﴾ عام، ﴿وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ﴾ خاص وهو كذلك، فالإيمان واجب بجميع ما أنزل الله ﴿وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ [الشورى ١٥]، ولكن الاتباع خاص بالرسول الذي أرسل إليك، أما الرسول الذي لم يرسل إليك فلست مأمورًا باتباعه إلا إن دلت شريعتك على اتباعه.
* ومن فوائد الآية: أنه إذا كان هناك وصفان، وكان أحد الوصفين أخص من الآخر بالعمل أو بالحال التي أنت فيها، فإن الأولى أن تأخذ بالأخص؛ لقوله: ﴿الرَّسُولَ﴾؛ لأن الرسول مرسل إلينا ولم يقولوا: واتبعنا النبي، ﴿وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ﴾؛ لأن الرسول مرسل إلينا مبعوث، لكن النبي لا يؤمر بالتبليغ على قول جمهور العلماء، وهنا الاتباع أيهما ألصق به الرسالة ولّا النبوة؟ الرسالة؛ فلهذا اختاروا وصف الرسول.
فإن قال قائل: في حديث البراء بن عازب في ذكر النوم لما قرأ النبي ﷺ عليه ذكر النوم الذي يكون آخر يقول الإنسان قال من جملة ما قال: «آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيَّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ»، فلما أعادها البراء قال: وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَقَالَ: «قُلْ: وَبِنَبِيَّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ»[[حديث متفق عليه؛ البخاري (٢٤٧)، ومسلم (٢٧١٠ / ٥٦) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.]]، ومعلوم أن المقام مقام اتباع، فلماذا قال لما قال: «ورسولك الذي أرسلت»، والرسالة تتضمن النبوة، قال: «قُلْ: وَبِنَبِيَّكَ»؟
فالجواب على هذا من وجهين: الوجه الأول: أن دلالة الرسالة على النبوة من باب دلالة الالتزام، ودلالة النبوة على النبوة من باب دلالة المطابقة، ودلالة المطابقة أقوى بلا شك؛ لأن دلالة الالتزام قد يمانع فيها الخصم، قد يقول: هذا ليس بلازم؛ فلهذا اختار وصف النبوة مع أن الرسالة جاءت بعده «الَّذِي أَرْسَلْتَ».
فالجواب على هذا من وجهين، الوجه الأول: أن دلالة الرسالة على النبوة من باب دلالة الالتزام، ودلالة النبوة على النبوة من باب دلالة؟
* الطلبة: المطابقة.
* الشيخ: المطابقة، ودلالة المطابقة أقوى بلا شك؛ لأن دلالة الالتزام قد يمانع فيها الخصم، قد يقول: هذا ليس بلازم، فلهذا اختار وصف النبوة مع أن الرسالة جاءت بعده الذي أرسلت، لو قال: رسولك الذي أرسلت يدل على النبوة بأي طريق؟
* الطلبة: بطريق الالتزام.
* الشيخ: بطريق الالتزام؛ لأن كل رسول نبي، لكن إذا قال: بنبيك الذي أرسلت دل على النبوة بطريق المطابقة؛ لأنه صرح بها بلفظها، ومعلوم أن الدلالة بالمطابقة أقوى من الدلالة بالالتزام لجواز منع الملازمة. الوجه الثاني: أنه إذا قال: برسولك الذي أرسلت لم يكن وصفًا مخصصًا لمحمد ﷺ، إذ قد يراد بذلك جبريل مثلًا، جبريل رسول مرسَل كما قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠)﴾ [التكوير ١٩ - ٢١] فجبريل مرسل فلو قال: برسولك الذي أرسلت لم يحدد أن هذا الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام، أما إذا قال: بنبيك الذي أرسلت تحدد الوصف بمن؟ بالرسول بمحمد ﷺ؛ لأن جبريل لا يسمى نبيًّا وإنما يسمى رسولًا، وبهذا يزول الإشكال الذي أشرنا إليه وهو أنه ينبغي أن يُذكر الوصف المطابق للحال التي عليها المتكلم؛ لأن الحديث حديث البراء اختير فيه النبوة على الرسالة من أجل هذين الوجهين.
* من فوائد الآية الكريمة: الحرص على صحبة الأخيار، منين ناخده؟
* الطلبة: ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾.
* الشيخ: ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾، ولا شك أن صحبة الأخيار خير حتى إن الرسول ﷺ مثَّلها بحامل المسك قال: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يَبِيعَكَ أَوْ يَحْذِيَكَ -يَعْنِي يُعْطِيكَ مَجَّانًا هِبَةً- أَوْ تَجِدَ مِنْهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً» كل هذا طيب، «الْجَلِيسُ السُّوءُ كَنَافِخِ الْكِيرِ»، تعرفون نافخ الكير؟
* طالب: إي نعرفه.
* الشيخ: والله الظاهر ما تعرفون كلكم؟ ولهذا يحسن أن تذهبوا إلى سوق الصناع في الرياض من أجل أن تشاهدوا الكير؛ لأني أظن ما عندنا هنا شيء، على كل حال الكير هو عبارة عن جلد مثل الغَرْب، الغَرْب يعني الذي يكون دلوًا للبعير يُرفع به الماء، وهذا موجود قبل سنة أو سنتين وضعوا سواني إي نعم هذا الغرب، المهم أنه مثل الغرب، فيه طرف مفتوح وفيه طرف متصل بأنبوب يتصل بمكان الضوء بمكان النار فيفتحه كذا ثم يضمه ثم يدفعه، إذا دفعه يكون قد حمل هواء عن طريق هذا الأنبوب، هذا الأنبوب قلنا: إنه يأتي إلى محل النار، تلتهب النار، تلتهب بشدة، وغالبًا ما يكون اثنين واحد هنا على يمين الرجل وواحد على اليسار ويكون هكذا دائمًا دائمًا، وتكون الضوء دائمًا تلتهب، نافخ الكير يقول الرسول ﷺ: «إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رَائِحَةً كَرِيهَةً»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢١٠١)، ومسلم (٢٦٢٨ / ١٤٦) من حديث أبي موسى، واللفظ للبخاري.]]، يحرق ثيابك متى؟ إذا طار عليك شرر من هذا أو أن تجد رائحة كريهة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يختار من الجلساء أصلحهم؛ لأن الجليس الصالح كله خير وجليس السوء شر، فأنت اختر الجلساء الصالحين، وإذا غُبِنت بأحد ثم جلست معهم مرة بعد أخرى وتبين أنهم لا يعينونك على طاعة ولا يمنعونك من معصية فالتمس خيرًا منهم؛ لأن الإنسان أحيانًا يتصل بناس أصدقاء، يتصل بناس أصدقاء يغتر بهم مثلًا، فإذا بهم لا يفيدونه بل يضرونه، ولهذا ينبغي أن تكون مجالس الإنسان عامرة بالبحث النافع بالأسئلة في إيراد الأسئلة التي تفتح الذهن، لا أن يكون شغل الإنسان الشاغل في المجالس قال فلان وقال فلان وين راح فلان وين جاء فلان، فلان أخطأ في كذا فلان أصاب في كذا، فلان عنده علم معرفة فلان ما عنده معرفة، فلان طويل وفلان قصير، فلان غني وفلان فقير، ما هو صحيح، هذه إضاعة وقت وربما يكون فيها غيبة فتكون ضرر، «وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَجْلِسُونَ مَجْلِسًا لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه النسائي في السنن الكبرى (١٠١٧٠) من حديث أبي سعيد الخدري.]] لأنه فاتهم الخير.
* طالب: قد ذكرنا: ﴿اكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾: كل من شهد بالرسل بالحق، فيدخل في هذا يا شيخ فيه بعض الكفار الذين شهدوا لبعض الأنبياء بالحق مثل أبو طالب؟
* الشيخ: لو كانت شهادته حقًّا لتبعه.
* الطالب: إي لكن شهد له بالحق؟
* الشيخ: ما شهد شهادة نافعة.
* طالب: شيخ أحسن الله إليكم، فرقنا بين الرسول والنبي، أن الرسول مَن أوحي إليه وأُمر بالتبليغ، والنبي من أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ، قوله ﷺ في صحيح مسلم: «مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانَ حَقٌّ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ لِأُمَّتِهِ خَيْرَ مَا يُبَيِّنُ لَهُمْ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الشَّرِّ»[[أخرجه مسلم (١٨٤٤ / ٤٦) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.]]. فدل ذلك أن النبي كذلك بيَّن لأمته ما يبين لهم الرسول، أما يدل أن هذا الحديث بأنه لا فرق بين النبي والرسول؟
* الشيخ: لا، ما يدل؛ لأن هذا الحديث إن قلنا: إنه بيَّن بأمر الله فهو؟
* طلبة: رسول.
* الشيخ: فهو رسول، وإن قلنا: بيَّن تطوعًا من غير أن يُلزم بذلك لكن لمحبة الخير بيَّن فهو نبي، مع أن المراد بهذا الحديث الذي ذكرته النبي الذي هو الرسول، ولهذا يذكر الله كثيرًا النبيين دون الرسل ويذكر الرسل دون النبيين: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ﴾ [الإسراء ٥٥] وفي آية أخرى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [البقرة ٢٥٣].
* طالب: النبي دلالتها على النبوة بالمطابقة ولَّا التضمن؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: دلالة النبي على النبوة بالمطابقة ولَّا التضمن؟
* الشيخ: مطابقة.
* الطالب: شو بالذات؟
* الشيخ: إي ها الذات هذه تابعة.
* طالب: أحسن الله إليك، قلنا في تفسير قوله تعالى: ﴿الْحَوَارِيُّونَ﴾ إنها من الحور وهو شديد البياض، والحواريون قلوبهم بيضاء نقية لم تدنس بالمعاصي شيخ الآية التي ستأتي ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ﴾
* الشيخ: إي بتجينا هذه الذين مكروا غير الحواريين.
{"ayahs_start":52,"ayahs":["۞ فَلَمَّاۤ أَحَسَّ عِیسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِیۤ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِیُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ","رَبَّنَاۤ ءَامَنَّا بِمَاۤ أَنزَلۡتَ وَٱتَّبَعۡنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِینَ"],"ayah":"۞ فَلَمَّاۤ أَحَسَّ عِیسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِیۤ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِیُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











