الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾ [آل عمران 38]، وهذا مبتدأ الدرس.
﴿هُنَالِكَ﴾ هذه اسم إشارة إلى المكان، واللام يقولون: إنها للبعد، والكاف حرف خطاب، يعني: في ذلك الزمن، والإشارة هنا يحتمل أن تكون للزمن، أي في ذلك الزمان، أو في المكان الذي هو محراب مريم. ﴿هُنَالِكَ﴾ أي: في ذلك المكان وفي ذلك الزمان. ﴿دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾، و﴿زَكَرِيَّا﴾ فيها قراءتان: المد والقصر؛ ﴿زَكَرِيَّاءُ رَبَّهُ﴾ هذا مد، ﴿زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾ هذا القصر.
﴿قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾، ﴿هَبْ لِي﴾: أعطني، والهبة هي التبرع بالشيء بلا عوض، لكن قال العلماء: إن هناك هبة وهدية وصدقة، كم؟ ثلاثة أشياء، فالصدقة: ما أريد به ثواب الآخرة، والهدية: ما أريد به التودد والتقرب بين المهدِي والمهدَى إليه، والهبة: ما قُصِد به مجرد انتفاع الموهوب له، وهنا ﴿قَالَ رَبِّ هَبْ لِي﴾ أي: أعطني عطاء بلا ثمن.
﴿مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾، ﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾: من عندك، وأضافه إلى عندية الله عز وجل ليكون أبلغ وأعظم؛ لأن هدية الكريم أكرم. وقوله: ﴿ذُرِّيَّةً﴾ بمعنى: مذروءة أي: مخلوقة، وقوله: ﴿طَيِّبَةً﴾ أي: طيبة في أقوالها وأفعالها وكذلك في أجسامها، فهو متناول للطيب الحسي والطيب المعنوي.
﴿إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ أي: مجيبه، والدعاء هو سؤال العبد ربه حاجته إما بجلب منفعة وإما بدفع مضرة.
قال: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ﴾، وفي قراءة: ﴿فَنَادَاهُ الْمَلَائِكَةُ﴾ ، فأما على قراءة الجمع: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ﴾ فالتأنيث في الفعل ظاهر؛ لأن ﴿الْمَلَائِكَةُ﴾ جمع وكل جمع يجوز تأنيث فعله، كل جمع إلا جمع المذكر السالم فإنه لا يؤنث إلا نادرًا جدًّا، فمثال التأنيث في الجمع ولو للمذكر قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ﴾ [البقرة ٢٥٣]، فالرسل هنا مؤنث، ما الدليل؟ الإشارة بالتأنيث، بصيغة التأنيث، وقال تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا﴾ [الحجرات ١٤] قالت الأعراب، ولم يقل: قال الأعراب؛ لأنه جمع، وأما جمع المؤنث السالم فيجب تأنيثه، وجمع المذكر السالم يجب تذكيره، ولهذا قال ابن مالك رحمه الله:
؎وَالتَّــاءُ مَعْ جَمْــعٍ سِــوَى السَّالِــــمِمِــــنْ ∗∗∗ مُذَكَّــــرٍ كَالتّــــَاءِ مَــــعْ إِحْــــدَىاللَّبِــــــــنْ
المعنى أن التاء مع الجمع كالتاء مع إحدى اللبِن، ما هي إحدى اللبن؟ لبنة، فلبنة مؤنث لكن تأنيثها مجازي، فيجوز في فعلها التذكير والتأنيث، فتقول: انكسرت اللبنة، وانكسر اللبنة، وظاهر كلامه حتى جمع المؤنث السالم لا يجب تأنيثه، والصحيح أنه يجب تأنيث المؤنث السالم، فالسالم من مذكر أو مؤنث حسب (...)، المذكر يجب تذكيره والمؤنث يجب تأنيثه، وما عدا ذلك من الجموع يجوز فيه التذكير والتأنيث.
فهنا ﴿نَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ﴾ ليس في تأنيث الفعل إشكال، لماذا؟ لأنه جمع؛ لأن الفاعل جمع، لكن على قراءة: ﴿فَنَادَاهُ الْمَلَائِكَةُ﴾ ، هل فيه إشكال؟ نقول: لا إشكال فيه أيضًا، لا إشكال فيه، لماذا؟ لأن الملائكة جمع تكسير، وجمع التكسير يجوز فيه التذكير والتأنيث، فتقول: قام الرجال وقامت الرجال، ويمكن أن يراد بالملائكة واحد وهو جبريل ناداه، وعبّر عنه بالجمع باعتبار الجنس؛ لأنه واحد منهم.
﴿نَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾، جملة ﴿وَهُوَ قَائِمٌ﴾ في محل نصب على الحال، الحال من الضمير الهاء في قوله: ﴿نَادَتْهُ﴾، وقوله: ﴿قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾، (المحراب) مكان الصلاة أو مكان العبادة، وسمي بذلك لأنه مكان حرب الشياطين؛ فإن العبادة حرب للشياطين، وليس المراد بالمحراب طاق القبلة كما يظنه بعض الناس فيفسر الآية به، ويقول: إن هذه المحاريب موجودة من قديم الزمان، ألا تسمع إلى قوله تعالى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ﴾، وإلى قوله تعالى: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾، ولكن هذا ليس بصحيح.
﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ﴾، ﴿أَنَّ﴾ قراءة بالفتح وقراءة بالكسر، فأما على قراءة الكسر ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ ؛ فلأن النداء قول، ومقول القول إذا صُدِّر بـ (إنّ) يجب فيه كسر (إن)، كقوله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ [مريم ٣٠] ولا يجوز أن تقول: قال: أني عبد الله، كذا؟ طيب. وأما على قراءة الفتح فهي على تقدير حرف الجر: فنادته الملائكة بأن الله يبشرك، أي: ببشرى، بشرى الله تعالى بهذا الابن يحيى.
وَأيضًا في قوله: ﴿يُبَشِّرُكَ﴾ قراءتان ﴿يَبْشُرُكَ﴾ و﴿يُبَشِّرُكَ﴾، وكلاهما سبعيتان، فصار في هذه الآية في ثلاث كلمات منها كل كلمة فيها قراءتان:﴿فَنَادَتْهُ﴾، ﴿فَنَادَاهُ﴾ ، ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ﴾ ، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَبْشُرُكَ﴾ ، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ﴾ ، نعم، والبَشارة الإخبار بما يسُرّ، وسميت بذلك لتأثر البشرة بالخبر؛ لأن الإنسان إذا بُشِّر بما يسره يفرح ويظهر ذلك على وجهه، ألم تر إلى وجه النبي ﷺ حين دخل مُجَزِّزٌ المدلجي على أسامة بن زيد وزيد بن حارثة وعليهما كساء لم يَبْدُ منه إلا أقدامهما، فنظر إلى أقدامهما وقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فدخل النبي عليه الصلاة والسلام على عائشة تبرق أسارير وجهه[[متفق عليه البخاري (٣٥٥٥)، ومسلم (١٤٥٩ / ٣٨) من حديث عائشة.]]، تأثر، بماذا؟ بالخبر السارّ، طيب، إذا قال قائل: إن قلتم هكذا فاجعلوا الإخبار بما يسوء بُشرى؛ لأن البشرة تتأثر بذلك، الرجل إذا أخبرته بما يسوؤه التفع وجهه وتغيّر فسمِّها بشرى؟ فما الجواب؟ نقول: هذا قد يطلق عليه، أي الخبر بما يسوء قد يطلق عليه بشارة، ومنه قوله تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران ٢١]، ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ [النساء ١٣٨]؛ لأن هذا يؤثر في البشرة.
* طالب: شيخ، ما (...) مريم (...) بأنها نذرتها ثم (...)؟
* الشيخ: مريم يعني أن أباها مات قبل أن تولد؟
* الطالب: أيوه لأنها نذرتها ولم (...).
* الشيخ: والله ما هو ببعيد.
* الطالب: بعدين سمتها.
* الشيخ: وأيضًا كفلها زكريا، إي نعم، فهذا جيد أن والدها كان غير موجود، نعم، لا يؤخذ منها، وحينئذ يزول الإشكال.
* طالب: مريم كم عمرها كان؟
* الشيخ: عمرها متى؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: والله لا بد يمكن المؤرخون يذكرون ذلك، ولكن الظاهر أنها كبيرة شابة؛ لأنها حملته فانتبذت به مكانًا قصيًّا.
* الطالب: متوسطة العمر.
* الشيخ: الله أعلم، لكنها لا شك أنها كبيرة نشيطة، لا وصلت إلى حد الكبر ولا إلى الصغر الذي لا تستطيع الحمل.
* طالب: شيخ، (...)، أقول إذا ذكرتم بأن الاسم إذا كان مهيأ فإنه حين الولادة، وإذا لم يكن مهيأ ففي اليوم السابع، وأحسن الله إليكم فإذا تهيأ بعد الولادة بيوم أو يومين فهل يسمى في الحال ولّا..؟
* الشيخ: لا، الأحسن يؤجل.
* الطالب: إلى حين السابع؟
* الشيخ: نعم.
* طالب: شيخ، جزاك الله خيرًا، بالنسبة للقراءات يعني هل يجوز يخلط بين قراءتين في آن واحد، في وقت واحد يعني؟
* الشيخ: إن كان هذا على سبيل التعليم فلا شك أنه جائز، على سبيل التعليم، وإن كان على سبيل القراءة فمن العلماء من أجاز ذلك ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، ومنهم من لم يجز وقال: إذا قرأت على قراءة واحد من القراء فاستمِر عليه، لكن الذي يظهر أن القرآن شيء واحد، وأنه يجوز أن تقرأ بقراءة واحد، والحرف الثاني بقراءة آخر.
* الطالب: يعنى في وقت واحد؟
* الشيخ: إي ما فيه بأس، نعم؟ لا قصدك فيه يعني بمعنى أنك تردد الكلمة مرتين؟
* الطالب: لا لا، يعني يقرأ..
* الشيخ: مثلًا تقرأ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ﴾ و﴿أَنَّ اللَّهَ يَبْشُرُكَ﴾ كذا؟
* الطالب: لا لا، يعني يقرأ الآية بقراءة مثلًا حفص والآية الثانية بقراءة قارئ آخر الآية التي تليها.
* الشيخ: في نفس الوقت أو التي تليها الآية الثانية؟
* طالب: الآية التي تليها.
* الشيخ: لا بأس، هذه اللي فيها الخلاف، هذا هو اللي فيه الخلاف.
* طالب: شيخ ما يمكن يستدل بقوله سبحانه تعالى: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ بأن هذه الآية مؤيدة لقصة تنازع جعفر وعلي بن أبي طالب.
* الشيخ: كيف ذلك؟
* الطالب: لما تنازعوا في ابنة.. فأيد الرسول ﷺ أعطاها جعفر لأن خالتها (...)، وخالة مريم تحت زكريا؟
* الشيخ: بس هل في هذا نزاع؟ ما نعرف هل في هذا نزاع أو لا.
* الطالب: يمكن يعني..
* الشيخ: ما نقدر نقول فيه نزاع وهو ما ذُكِر في القصة، والظاهر كما ذكر الأخ أن أباها كان توفي، أبو مريم الظاهر أنه توفي ولعله توفي قبل أن تولَد، بدليل أن مريم تصرفت فيها وسمتها.
* الطالب: ما يكون تأييد.
* الشيخ: تأييد لأيش؟
* الطالب: للنبي ﷺ.
* الشيخ: لا ما فيه تأييد، ما فيه نزاع، من نازع زكريا.
* الطالب: بالنسبة لحفظه، بالنسبة مثلًا أنه تكون الحضانة أو تكون كفالة لزوج الخالة.
* الشيخ: أصلًا الأب ما هو موجود.
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: وأمها موجودة، وهي عند أمها.
* * *
* طالب: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (٤٠) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ [آل عمران ٣٩ - ٤١]
* الشيخ: قال الله تعالى: ﴿يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى﴾ هذا المبَشَّر به، وعندنا (بشارة) كما أسلفنا و(مُبَشِّر) و (مُبَشَّر به) و(مُبَشَّر)، كم هذه؟
* الطلبة: أربعة.
* الشيخ: أربعة، كلها تضمنها قوله: ﴿يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى﴾، ويحيى قيل إنه من الحياة، وأن الله سماه بذلك إشارة إلى أنه سيحيى ويبقى، وعلى هذا فهو ممنوع من الصرف للعلَمية ووزن الفعل، والعلَمية ووزن الفعل علّتان توجبان المنع من الصرف، وقيل: بل هو اسم أعجمي، والأسماء الأعجمية ليست بمشتقة؛ لأنها غير عربية، وعلى هذا فالمانع له من الصرف العلَمية والعُجمة؛ لأن العلمية والعجمة علتان مانعتان من الصرف، وموانع الصرف نذكرها الآن استطرادًا، تسعة، مجموعة في البيت، أنت؟
* طالب: لا أحفظه.
* الشيخ: لا تحفظ البيت، نعم؟
* طالب:
؎مَوَانِعُ الصَّرْفِ تِسْــــعٌ إِنْ أَرَدْتَبِهَــــا ∗∗∗ عَوْنًــــا لِتَبْلُــــغَ فِــــي إِعْرَابِــــكَالْأَمَــــــــــــــلَا؎اجْمَــــعْ وَزِنْ عَــــادِلًا أَنِّــــثْبِمَعْرِفَــــــــــــــــةٍ ∗∗∗ رَكِّبْ وَزِدْ عُجْمَةً فَالْوَصْفُ قَدْكَملَا
* الشيخ: أحسنت.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما هو؟
* طالب:
؎جَمْــــــــعٌ وَعَــــــــدْلٌ زَادَ وَزْنٌصِفَــــــــــــــــــــهْ ∗∗∗ رَكِّــــــــــــبْ وَأَنِّــــــــــــثْعُجْمَــــــــــــــــةً (...)
* الشيخ: إي، طيب.
* طالب: أسمعنا.
* الشيخ: نعم، سمّع.
* الطالب: جَمْعٌ وَعَدْلٌ زَادَ وَزْنٌ وَصِفَهْ
* الشيخ: اصبر، لكن نبغي نسمّعكم بشرط أن تحفظوه، يلّا.
* الطالب: أقولها من الأول.
* الشيخ: إي.
* الطالب:
؎جَمْــــــــعٌ وَعَــــــــدْلٌ زَادَ وَزْنٌصِفَــــــــــــــــــــهْ ∗∗∗ رَكِّـــــــــبْ وَأَنِّـــــــــثْعُجْمَـــــــــــــةً و (...)
* طالب: على ما (...) أحسن.
* الشيخ: سمعتم؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: نيجي بالدور الثاني إن شاء الله، البيت الأول من حفظه معروف مشهور:
؎اجْمَــــعْ وَزِنْ عَــــادِلًا أَنِّــــثْبِمَعْرِفَــــــــــــــــةٍ ∗∗∗ رَكِّبْ وَزِدْ عُجْمَةً فَالْوَصْفُ قَدْكَملَا
هذه تسعة ثلاثة منها لا تحتاج إلا إلى علة واحدة، وثلاث منها تحتاج إلى علتين إحداهما العلَمية مع علة الأخرى، وثلاثة تحتاج إلى علتين إحداهما العلَمية أو الوصفية مع علة أخرى، فهذه العلل التسعة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يكفي فيها علة واحدة، وقسم علتان إحداهما العلَمية، وقسم علتان إحداهما العلَمية أو الوصفية، الذي معنا فيها العلَمية والعجمة، وهذه لا تأتي بها الوصفية، العجمة ما تأتي بها الوصفية، العلمية ووزن الفعل تأتي فيها الوصفية ولّا لا؟ تأتي؛ لأن الوصفية ووزن الفعل علتان مانعتان من الصرف، والعلَمية ووزن الفعل علتان مانعتان من الصرف.
طيب، ﴿يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا﴾، ﴿مُصَدِّقًا﴾ حال من ﴿يَحْيَى﴾، ﴿بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ هو عيسى ابن مريم، يعني مصدقًا بعيسى؛ لأن عيسى كلمة من الله أو كلمة الله، وسمي بذلك لأنه كان بكلمة الله، لم يكن من أب كما يكون البشر، بل كان بكلمة الله عز وجل، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ﴾ [آل عمران ٥٩] أي: آدم، ﴿مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران ٥٩]، ولهذا سُمِّي عيسى بالكلمة، بكلمة الله؛ لأنه كان بكلمته وليس هو كلمة الله، لماذا؟ لأن كلمة الله وصف لله عز وجل، فالكلام وصف للموصوف، ولا يمكن أن يكون وصف الله عينًا بائنة منه، بل هو يعني يتعين أن يكون معنى كونه كلمة أنه كان أيش؟ بكلمة الله ﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾.
وقوله: ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ بيان لابتداء الأمر وليست للتبعيض، فالكلمة ليست هنا بعضًا من الله، بل منشؤها منه، فـ(من) للابتداء؛ لأن منشأ الكلمة من الله؛ لأنه هو الذي تكلم، ﴿وَسَيِّدًا﴾ معطوفة على ﴿مُصَدِّقًا﴾ فتكون منصوبة على أيش؟ على الحال، تكون منصوبة على الحال، ﴿سَيِّدًا﴾ مَن السيد؟ السيد مَن ساد غيره وشرُف عليه بالعلم والدين والخلق والمعاملة، وقولنا (الخلق) يشمل كل خلق يسود به الإنسان غيره من الجود والشجاعة والإيثار وغير ذلك، المهم أن السيد من ساد غيره في الكمالات، يعني فضل عليه وزاد عليه، فيكون جامعًا لصفات الكمال الممكنة في المخلوق، وكذلك أيضا قال في وصفه: ﴿وَحَصُورًا﴾ معطوفة على ﴿مُصَدِّقًا﴾ فهي منصوبة على الحال، ﴿حَصُورًا﴾ فَعُول بمعنى فاعل، أي حاصرًا نفسه عن أراذل الأخلاق، فيكون هذا المبشَّر به موصوفًا بصفات الكمال الدال عليها قوله أيش؟ ﴿سَيِّدًا﴾ مبرأً من النقص وسوء الأخلاق الدال عليه ﴿حَصُورًا﴾، فيكون جمع له بين النفي والإثبات، وذلك لأن الإنسان لا يكمل إلا بوجود صفات الكمال وانتفاء صفات النقص، ولاحظوا أيها الإخوة أن صفات الكمال والنقص هنا لا نعني بها النقص المطلق والكمال المطلق، هذا لا يكون إلا لمن؟ لله، لكنه أمر نسبي، قد يكون الإنسان عنده كمال في الصفات لكن عنده سوء من جهة أخرى، هذا ناقص، وقد يكون عنده سوء ونقص في الكمال فيكون هذا أنقص، وقد يكون عنده كمال في الكمال وتنَزّه عن النقص وهذا هو أيش؟ الكمال كما وُصِف به يحيى عليه الصلاة والسلام.
وأما من قال من المفسرين: إن الحصور الممنوع عن إتيان النساء، يعني ما يقدر على النساء، فإن في هذا نظرًا، نظرًا واضحًا؛ لأن عدم قدرة الإنسان على النساء ليس كمالًا، إذ إن ذلك ليس منه بتخلق ولكنه عيب ولّا لا؟ عيب، نعم فيها قول آخر: أنه لا يأتي من النساء مَن لا تحل له، فيكون وصفًا له بماذا؟ بكمال العفة، هذا يُمدح عليه الإنسان، هذا يمدح، لكن ما قلنا أشمل من هذا القول، أشمل، ومعلوم أنه إذا وُجِد معنى أشمل فهو مقدم على المعنى الأقل؛ لأن الأقل داخل في الأشمل، ولا عكس، المهم أن (الحصور) هو الذي منع نفسه عن مساوئ الأخلاق وأراذلها، فيكون في الآية وصف له بكمال الأخلاق وانتفاء المساوئ، وهذا غاية الكمال.
﴿وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ هذه معطوفة أيضًا على ﴿مُصَدِّقًا﴾، فهو مصدق ونبي، ولا يلزم من تصديقه بعيسى أن يكون تابعًا له، فها هو محمد ﷺ مصدق لجميع الأنبياء، وهو تابع لهم؟ لا، هم يتبعونه ولا يتبعهم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَوْ كَانَ أَخِي مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي»[[أخرجه أحمد في المسند (١٥١٥٦) والدارمي (٤٤٩) من حديث جابر بن عبد الله. ]]، ولهذا صار إمامًا لهم ليلة المعراج، ولهذا إذا نزل عيسى في آخر الزمان يحكم بشريعة النبي عليه الصلاة والسلام، المهم أن تصديقه لعيسى ابن مريم لا ينافي أن يكون نبيًّا، فهو نبي مصدِّق بالأنبياء، ولهذا قال: ﴿وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾، ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أي: من جملتهم، وإنما قلنا ذلك؛ لأن النبوة وصف أعلى من الصلاح، لكن هو في جملة الصالحين، النبوة صلاح وزيادة، والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ﴾ [النساء ٦٩]، فالصالحون في المرتبة الرابعة، كل من قبلهم داخل فيهم، ولّا لا؟ فكل نبي صالح ولا عكس، كل صدِّيق صالح ولا عكس، كل شهيد صالح ولا عكس، كذا؟ كل صالح صالح، صحيح كل صالح فهو صالح.
* طالب: ولا عكس.
* الشيخ: ولا عكس أيش؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: العكس ما هم؟ يعني كل فاسد فاسد ولا أيش؟
* طالب: عكس كل صالح صالح.
* الشيخ: إي نعم، على كل حال قوله: ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أي من جملتهم؛ لأن النبي أَخَذ بوصف النبوة والصلاح فهو من جملتهم.
﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾، قال لما بَشَّره الله عز وجل: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ﴾ يعني: كيف، يقول ذلك ليس استبعادًا ولا استنكارًا ولكن تثبتًا، وإلا فإنّا نعلم أن زكريا عليه الصلاة والسلام قد آمن بما بشّره الله به ولا يمكن أن يستبعدها، ولكنه قال ذلك من أجل أيش؟ التثبت، والإنسان بشر ناقص في الإدراك والعلم يحتاج إلى شيء يثبّت له الأمور، إبراهيم عليه الصلاة والسلام لا شك أنه يؤمن إيمانًا كاملًا لا شك معه بأن الله يحيي الموتى، ومع ذلك قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة ٢٦٠]؛ لأنه ليس الخبر كالمعاينة، إذا أخبرك إنسان بخبر مهما بلغ في الصدق لن يكون خبره عندك مثل المعاينة، فزكريا عليه الصلاة والسلام سأل الله: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾ بقصد أيش؟ التثبت وتثبيت هذا الأمر لا استبعادًا لقدرة الله عز وجل ولا شكًّا في خبره عز وجل، بل هو مؤمن بذلك ومؤمن بقدرة الله سبحانه وتعالى، وأنه إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون لا سيما وأنه كان قد رأى عند مريم الرزق فقال: ﴿أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾.
﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾، قال: ﴿غُلَامٌ﴾ مع أنه لم يولد بعد، لكن هذا باعتبار ما سيكون، والتعبير بما سيكون أمر سائغ في اللغة وارد في القرآن ﴿قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ [يوسف ٣٦]، يعني أعصر عنبًا يكون خمرًا؛ لأن الخمر ما هو بيُعصر، اللي يُعصر العنب وعصيره يتحول إلى خمر، فعبّر عن الشيء بما يؤول إليه، طيب هنا ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾، كيف يكون غلام وهو ما بعد وُلِد؟ نقول: باعتبار ما سيكون.
ثم قال: ﴿وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾ الواو هذه يسميها العلماء: واو الحال، يعني أنها تدل على أن الجملة التي بعدها في موضع نصب على الحال، يعني والحال أنه قد بلغني الكبر، حال من أين؟ من الياء في قوله؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا يا أخي، هي حال من الياء في قوله: ﴿لِي﴾، ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾، فهي في موضع نصب على الحال من الياء في قوله: ﴿لِي﴾.
﴿بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾ يعني: وصل إليّ الكبر، والحقيقة أنه قد يتراءى للإنسان أن في المعنى قلبًا، هل الكبر بلغك أو أنت بلغت الكبر؟ أو يجوز هذا وهذا؟ قال الله تعالى: ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا﴾ [مريم ٨]، فصار هو الذي بلغ الكبر، وهنا يقول: ﴿قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾، إذن فالتعبير صحيح في هذا وهذا، فأنت إن بلغت الكبر فقد بلغك الكبر، وإذا بلغك الكبر فقد بلغت، ﴿وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾ يعني: أصابني، وعادة أن الكبير إذا لم يولَد له في حال في سن الشباب فإنه لن يرى الأولاد؛ لأن الإنجاب والإخصاب إنما يكون في حال الشباب، وكلما تقدمت السن بالإنسان من رجل أو امرأة قلّ إنجابه، فيقول: كيف لما كنت شابًّا لا يأتيني ولد والآن بيأتيني الولد؟ أيضًا المرأة، امرأته عاقر، عاقر يعني لا تحمل، وعاقر لفظه مذكر لكن معناه هنا مؤنث، ويطلق على الذكر والأنثى، يقال: رجل عاقر، وامرأة عاقر، وهو الذي لا يولد له، فالآن كل من الزوجين يعني ليسَا بصدد الولادة، ولكن الله على كل شيء قدير، إذا أراد شيئًا فإنما يقول له: كن فيكون، ولهذا قال: ﴿قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾، ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ﴾ (كذلك) يجوز عندي فيها وجهان؛ الوجه الأول: أنها خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: الأمر كذلك، يعني أنك بلغك الكبر وامرأتك عاقر ولكن الله يفعل ما يشاء، والوجه الثاني: أن تكون في موضع نصب على المفعولية المطلقة، أي: مثل ذلك الفعل يفعله الله؛ لأنه يفعل ما يشاء، وكلا الوجهين صحيح، فإنه سيكون له ولد ولو كان بلغه الكبر ولو كانت امرأته عاقرًا، لماذا؟ لأن الله يفعل ما يشاء، فكل ما شاءه الله فعله؛ لأنه عز وجل لا يمنعه مانع كما نقول نحن في دبر كل صلاة: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت[[متفق عليه؛ البخاري (٦٣٣٠) ومسلم (٥٩٣ / ١٣٧) من حديث المغيرة بن شعبة.]]، فالله عز وجل يفعل ما يشاء؛ لأن له الملك المطلق في خلقه فلا أحد يمنعه ولا أحد يسأله: لِمَ فعلت، ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء ٢٣]، ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾، فلما أيقن بأن الله تعالى سيهب له الولد قال: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾، أي: صَيِّر لي علامة تدل على هذا الولد، يعني كأنه يقول: متى تكون هذه العلامة، رب اجعل لي آية تدل على حصول هذا الولد، وأن الولد بدأ ينشأ، لماذا؟ ليزداد أيش؟ طمأنينة، ليزداد طمأنينة فيما بشّره الله به، ﴿اجْعَلْ لِي آيَةً﴾ أستدل بها على أن الولد بدأ ينشأ، أو ﴿اجْعَلْ لِي آيَةً﴾ أزداد بها طمأنينة على ما بشرتني به، والآية في اللغة: العلامة، وآيات الله عز وجل كونية وشرعية، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أُيِّدُوا بماذا؟ بالآيات الدالة على صدقهم، الآيات الكونية والآيات الشرعية، وكثير من الناس يسمي آيات الأنبياء معجزات، وهذه التسمية وإن اشتهرت على الألسن لكن فيها قصورًا، والتعبير الصحيح السليم أن نسميها آيات كما سماها الله، نسمي ما يحصل من خوارق العادات على أيدي الأنبياء نسميها آيات، ولهذا لا تجد آية في القرآن سمى الله هذه الخوارق معجزات أبدًا، بل كان يسميها آيات، علامات على الصدق، أما معجزات فهي قاصرة؛ لأنها لو أخذناها على ظاهرها لشملت ما يأتي به السحرة، أو ما تأتي به الجن؛ لأن ما يأتي به السحرة والجن مُعْجِز ولّا لا؟ معجز، لكن هل هو آية؟ لا، لهذا كان التعبير الذي في القرآن خيرًا من التعبير الذي عبّر به بعض العلماء بتسمية خوارق العادات التي يجريها الله على أيدي الأنبياء معجزات.
﴿قَالَ آيَتُكَ﴾ يعني: الآية التي تدلك، فأضافها إلى زكريا مع أنه ليس هو الذي أوجدها، لكن لأنها علامة له، ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ﴾، أنا أحب أن أفهم إعراب ﴿آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ﴾؟
* طالب: ﴿آيَتُكَ﴾ مبتدأ.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: والكاف مضاف إليه، والمصدر المؤول من (أن) و(...) في محل رفع الخبر.
* الشيخ: (أن) وما تحويه في تأويل مصدر؟
* الطالب: في محل رفع الخبر.
* الشيخ: في محل رفع ولّا في تأويل مصدر خبر، ولا في محل الرفع؟
* الطالب: خبر.
* الشيخ: خبر؛ لأنها مفرد، واللي يقال: في محل، الجملة، طيب، قدِّر؟
* الطالب: الآية (...).
* الشيخ: أحسنت تمام، ﴿آيَتُكَ﴾ يعني العلامة التي أعطيك إياها ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾، ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ﴾ يعني لا تخاطبهم، ﴿إِلَّا رَمْزًا﴾، ﴿ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ﴾ ثلاثة أيام بلياليها؟ نعم، بدليل قوله تعالى في سورة مريم: ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم ١٠]، آيته أن لا يكلم الناس بلياليها، قال: ﴿إِلَّا رَمْزًا﴾، ﴿إِلَّا﴾ هذه أداة استثناء، ولكن أحب أن أفهم هل هذا الاستثناء متصل أو منقطع؟
* طالب: منقطع.
* الشيخ: منقطع؟
* الطالب: لأن ما بعد (إلا) ليس من جنس ما قبلها.
* الشيخ: الرمز ليس كلامًا؟ كلام ولّا غير كلام؟
* الطلبة: لا، غير كلام.
* الشيخ: طيب، نعم؟
* طالب: السياق أنه متصل؛ لأنه قال ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ﴾، ثم قال له: ﴿إِلَّا رَمْزًا﴾ عده كلامًا بمعنى أنه متصل.
* الشيخ: متصل، هذان قولان.
* طالب: أما عند النحويين فلا يسمونه كلامًا، والبلاغيون يسمونه كلامًا.
* الشيخ: نعم، هذا قول مفصّل، والواقع أن المفسرين اختلفوا هل الاستثناء متصل فتكون الإشارة من الكلام؛ لأن الكلام هو ما يعبر عما في النفس من قول أو إشارة أو كتابة، وبعض المفسرين يقول: إن الاستثناء منقطع؛ لأن الرمز ليس بكلام، ولذلك لو رمز الإنسان في الصلاة لم تبطل صلاته، ولو كان كلامًا لبطلت؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ»[[أخرجه مسلم (٥٣٧ / ٣٣) من حديث معاوية بن الحكم. ]]، فمن نظر إلى المعنى قال: إن الرمز كلام؛ لأنه ينبئ عما في النفس، وقد اعتبره الشارع، الشارع اعتبر الإشارة، «أليس النبي عليه الصلاة والسلام قتل اليهودي بإشارة الأنصارية، الجارية الأنصارية التي قالت حينما قالوا: من قتلك؟ فلان، فلان، فلان. فأشارت: نعم »[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢٩٥)، ومسلم (١٦٧٢ / ١٥) من حديث أنس.]]، فاعتبر الإشارة، ولا شك أن الإشارة تعبر عن ما في النفس، لكنها ليست القول الذي هو الصوت لا شك فيه هذا أيضًا، فمن لحظ المعنى قال: الاستثناء متصل، ومن لحظ اللفظ وأن الكلام هو الصوت قال: الاستثناء منقطع، ولكن على القولين المعنى واحد، لن يستطيع أن ينطق بلسانه مع الناس، ولكن يشير إليهم إشارة، ووجه كون هذا آية أنه عجز عن النطق مع أنه سليم، وأنه عجز عن النطق مع الناس لا مع الله، وهذا شيء غريب، يعني إنسان يتكلم يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، إنسان سويّ لم يأته آفة ولا علة في لسانه ولا يستطيع أن يكلم الناس؟ هذه آية، عجزٌ في مقام القدرة وقدرة في مقام العجز، عجز عن كلام الناس في مقام القدرة على الكلام، وقدرة على الكلام مع الله بالتسبيح وغيره وعجز عن الكلام مع الناس، فهذا من آيات الله عز وجل؛ ليريه أنه سبحانه وتعالى قادر على كل شيء، الكلام الذي أنا وغيري يعلم أنه أخف حركة في البدن ولّا لا؟ يستطيع الواحد يتكلم من إلى صار يعطيه الله إمداد في المعنى يتكلم كم ساعة؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: إلى (...) والله ما (...) عن هذا، لكن يتكلم كثيرًا ولا يتعب، لكن المشي يتعب والبطش يتعب، أما هذا الكلام اليسير اللي كلٌّ يستطيعه يمتنع من هذا الرجل ما يقدر يكلم الناس إلا رمزًا، وأما مع الله فقال: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا﴾، ما انتهى الوقت.
* طالب: شيخ، الراجح من المسألة الأولى..
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: التي ذكرناها قبل؟
* الشيخ: ما هي؟
* الطالب: الكلام يعني الرمز هو كلام..
* الشيخ: إن أحببت أن يكون الراجح أن الاستثناء منقطع فهو منقطع، وإن أحب من قال إنه متصل فهو متصل، وإن أحب التفصيل مَن فصل فلنفصل، المسألة ما يترتب عليها شيء.
* الطالب: (...).
* الشيخ: والله فيه احتمال الحقيقة.
* طالب: شيخ..
* الشيخ: نعم؟
* الطالب: قلنا من شروط استجابة الدعاء الجزم بالدعاء، أن يكون الإنسان موقن الإجابة، وهنا زكريا يعني لما قال ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾ مع أنه دعا أول كأنه يعني لم يكن يوقن الإجابة.
* الشيخ: لا إله إلا الله! هذا لو كان الاستفهام على سبيل الاستبعاد، وما استفهم مستبعدًا الواقع، مستفهم للتثبت، أنا الآن لو قلت: بأعطيك مثلًا عشرين ريال وأنت ترى أني صادق، قلت: تعطيني عشرين ريال؟ وأيش قصدك بهذا؟ التثبت، ما قصد الاستبعاد ولا الشك.
* * *
* طالب: ﴿وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١) وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران ٤١ - ٤٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا﴾ أمره الله تعالى بأن يذكر ربه كثيرًا؛ لأن بذكر الله تطمئن القلوب، ويزداد الإيمان ويستنير القلب، فلهذا أمره الله أن يذكر ربه كثيرًا، وفائدة الذكر كثيرًا هنا أو الأمر بالذكر كثيرًا؛ لأن الله لما أخبره بأنه سيمنعه من مكالمة الناس بشَّره بأنه لن يمتنع من ذكر الله الذي هو أجلّ وأشرف من مخاطبة الناس وكلامهم، فقال: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا﴾؛ لأنه ربما يقع في قلبه لما قال الله له: ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾ ربما يقع في قلبه أن يُمنع من الكلام، فأراد الله تعالى أن يُسَرِّي عنه وأن يُذهب عنه ما قد يقع في قلبه وقال له: ﴿اذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا﴾، وهنا لم يقل له: وإنك ستذكر ربك، بل قال: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ﴾، فأمره بذكر الله؛ ليكون ذكره لله تعالى في حال امتناع مكالمة الناس عبادةً خاصة مأمورًا بها، لما مُنع من مخاطبة الناس صار متفرغًا، فأُمِر بأن يشغل هذا الفراغ بماذا؟ بذكر الله عز وجل، وهذا أحسن له وأفيد له مما لو قال الله له: وإنك ستذكر ربك كثيرًا، ووجهه كما قلت لكم أنه إذا أُمِر به صار طاعة، وإن كان الذكر من أصله طاعة، لكن يكون هذا طاعة خاصة في هذه الحال التي يمتنع فيها من مكالمة الناس.
وقوله: ﴿اذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا﴾، هل ﴿كَثِيرًا﴾ صفة لزمن محذوف؟ أي زمانًا كثيرًا، أو لمصدر محذوف أي ذكرًا كثيرًا؟ الثاني، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب ٤١، ٤٢]، وهنا قال: ﴿وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾، العشي آخر النهار، والإبكار أول النهار، وهذان الوقتان قد أمر الله بذكره فيهما فقال: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ [ق ٣٩]، وقال تعالى: ﴿سَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ هنا، ﴿بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ [ص ١٨]، والآيات في هذا كثيرة؛ لأن في الإشراق مستقبَل النهار، وفي العشي مستدبَر النهار، فيكون الإنسان شاغلًا وقته أوله وآخره بماذا؟ بذكر الله، من أين يبتدئ العشي؟ العشي يبتدئ من زوال الشمس، بدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «صلى بنا رسول الله ﷺ إحدى صلاتي العشي»[[متفق عليه البخاري (١٢٢٩)، ومسلم (٥٧٣ / ٩٧) من حديث أبي هريرة.]]. وهي إما الظهر وإما العصر، وقيل: العشي ما بعد صلاة العصر إلى منتصف الليل، ولكن الأول أصح، نعم المساء يطلَق من صلاة العصر إلى منتصف الليل، وأما العشي فهو آخر النهار.
وقوله تعالى: ﴿وَالْإِبْكَارِ﴾، (الإبكار) ليست جمعًا لـ(بَكَر)؛ لأن جمع (بَكَر) (أبكار) كـ(سبب) و(أسباب)، لكنها مصدر أو اسم لهذا الوقت المعين الذي هو أول النهار.
وقوله: ﴿سَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ يشمل تنزيه الله عز وجل عن كل ما لا يليق به، وقد مر علينا أن تسبيح الله يكون عن أمور ثلاثة: عن صفة العيب، وعن نقص في كماله، وعن مماثلة المخلوقين، انتبهوا (المشابهة) هذه أخرجوها من ألسنتكم، قولوا: مماثلة؛ لأن هذا هو اللفظ الذي جاء به القرآن، فيُسَبَّح الله عن هذه الأمور الثلاثة، ما هي؟ النقص، والنقص في الكمال، ومماثلة المخلوقين.
فالنقص كقوله تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ [الفرقان ٥٨]، والنقص في الكمال مثل قوله: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ [البقرة ٢٥٥]، ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق ٣٨]، ومماثلة المخلوقين مثل قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى ١١]، ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم ٦٥]، ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص ٤].
والتسبيح يكون بالقول ويكون بالفعل، فكل مَن عَبَدَ الله فقد سبَّحه، كل من عبد الله فقد سبحه، بالقول ولّا بالفعل؟ بالفعل، وإن لم يكن فيها كلمة (سبحان)؛ لأن العابد تستلزم عبادته المعبود أن يكون كاملًا؛ لأن الناقص لا يمكن للعاقل أن أيش؟ أن يَعْبُدَه، فكونه يعبد الله يستلزم أن يكون مقرًّا له بالكمال مسبِّحًا له عن النقص، واضح يا جماعة؟
﴿وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾، الباء في قوله: ﴿بِالْعَشِيِّ﴾ يحتمل أن تكون للاستيعاب، يعني في كل الوقت، وأن تكون للظرفية، أي في العشي، فإن جعلناها للظرفية لم يلزم أن يستوعب الوقتَ بالتسبيح؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ﴾ [الصافات ١٣٧، ١٣٨]، هم يمرون عليهم كل ليل يدلجون عليهم؟ لا، يمرون في أوله، في آخره، في وسطه، وإذا كانت للاستيعاب فإن المعنى إن الله أمره أن يستوعب هذين الوقتين كلهما، بماذا؟ بالتسبيح.
نرجع الآن إلى الفوائد، قال الله تعالى: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً﴾، إلى آخره، يؤخذ من هذه الآية الكريمة: أن جميع الخلق مفتقرون إلى الله، حتى الأنبياء لا يستغنون عن دعاء الله؛ لقوله: ﴿دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات القياس، من أين؟ لأنه لما رأى أن الله يرزق هذه المرأة بدون سبب معلوم علم أن الذي يسوق لها الرزق وهي امرأة منقطعة عن التكسب في محرابها قادر على أن يرزقه ولدًا، فيكون انتقال من الشيء إلى نظيره، وهذا هو نفس القياس، صح؟ إذن هو استدل أو أخذ من هذه القصة عبرة وهو أن يسأل الله أمرًا وإن كان مستبعدًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الصيغة التي يُتَوَسَّل بها في الدعاء هي اسم الرب؛ لقوله: ﴿رَبَّهُ﴾، ولم يقل: الله، ولهذا تجدون أكثر الأدعية مصدرة بالرب؛ لأن إجابة الداعي من مقتضى الربوبية، ولّا لا؟ لأنها فعل، وكل الأفعال من مقتضى الربوبية، فلهذا يتوسل الداعي دائمًا إلى الله بالرب، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ»[[أخرجه مسلم (١٠١٥ / ٦٥) من حديث أبي هريرة. ]].
* ومن فوائد الآية الكريمة:أن زكريا عليه الصلاة السلام بلغ سنًّا بعيدًا دون أن يأتيه الولد، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾.
* طالب: بقول يا شيخ بفرضكم ﴿بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ و﴿بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾، بكرة وعشيا تعني (...) كله، والعشي والإبكار تعني (...).
* الشيخ: إذا جعلنا الباء للظرفية صحيح صار بينهما فرق، إن جعلناها للاستيعاب لم يكن فرق.
* الطالب: أن الاستيعاب بس..
* الشيخ: لا الاستيعاب إن كل الوقت، يستوعب كل الوقت، وليس المعنى دون غيرهما، لكن هذين الوقتين مخصوصان بالتسمية ولا غيره يسبح، لكن هذا أهم شيء.
* طالب: (...) مخصوص معًا ولا..؟
* الشيخ: لا ليس معًا، ولهذا أكثر ما تكون التسبيحات والتهليلات في أول النهار وآخره.
* طالب: ﴿قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾، من هو القائل اللي رد عليه زكريا؟
* الشيخ: اقرأ من نادى زكريا؟
* الطالب: الملائكة.
* الشيخ: إذن يكون القائل معناه واصل، ما وصلنا للحقيقة، هذا سؤال مطروح.
* طالب: التسبيح، قلنا: التسبيح يشمل الفعل والقول، الذي يسبح في سره ما يشمل ذلك؟
* الشيخ: حديث النفس يعني؟ حديث النفس يدخل في هذا، لكنه من الفعل؛ لأنه حدّث نفسه.
* طالب: هل نقول: سيدنا محمد ﷺ؟
* الشيخ: أن سيدنا محمد، والله محمد سيدنا، لكن هل الصحابة يقولون كذا؟
* طالب: رسول الله.
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: نشأ من أبوين مشركين، بينما يحيى عليه السلام من أبوين صالحين، فيؤخذ من قوله تعالى: ﴿وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ الجمع بين النبي والصلاح؟
* الشيخ: يعني أنه وُلِد من صالحين.
* الطالب: نعم.
* الشيخ: ما هو بالظاهر، هذه من بيان لحال يحيى.
* طالب: شيخ بعض الناس يقولون: يا سيدي، هل فيها شيء؟
* الشيخ: يا سيدي من؟
* الطالب: يعني إذا تكلم يقول: يا سيدي.
* الشيخ: إذا كان الرجل أهلًا للسيادة لا بأس، يعني مثلًا لو قال: يجي واحد لفاسق فاجر يقول له: يا سيدي، ما يجوز، لكن الأهل للسيادة لا بأس.
* طالب: القياس يا شيخ، هل صح الإنسان إذا شاف أي شيء يعني مثلًا دعاء يقيس عليه يعني؟
* الشيخ: إذا كان لا عدوان في ذلك فلا بأس، إذا ما فيه عدوان لا بأس، أما مثلًا يجيء يدعو الله يقول: اللهم اجعلني نبيًّا رسولًا، هذا حرام، طيب كلامنا مع الأخ السائل يقول: سيدي، سيدنا محمد، هل معنى ذلك إنه يحرم إن الإنسان يقول: قال سيدنا محمد؟
* طالب: لا يحرم.
* الشيخ: لا يحرم.
* الطالب: لأنه سيد الأولين والآخرين.
* الشيخ: ولأننا نحن ينبغي أن نتأدب كأدب الصحابة، كأدب الصحابة، إذا ساقوا الحديث عن الرسول ما هم بيقولون: قال سيدنا، قال رسول الله، قال نبي الله.
* طالب: شيخ، (...) يا سيدي يا مولاي..
* الشيخ: إذا صدق الوصف فلا بأس، لو قال العتيق لمن أعتقه: يا مولاي، صح.
* * *
* طالب: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران ٤٢ - ٤٦].
* الشيخ: قال الله تعالى: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾، أخذنا منها أربعة فوائد؟
* طالب: الأولى: أن جميع الخلق مفتقرون إلى الله حتى الأنبياء، ثانيًا: إثبات القياس؛ لأنه لما رأى أن الله يرزق هذه المرأة بدون سبب معلوم علم أن الذي يسوق لها الرزق وهي امرأة منقطعة التكسب في محرابها قادر على أن يرزقه..
* الشيخ: أن يرزقه الولد، ولّا لا؟ نعم.
* الطالب: الثالثة: أن الصيغة التي يتوسل بها بالدعاء هي اسم الرب، الرابعة: أن زكريا عليه الصلاة السلام بلغ سنًّا بعيدًا دون أن يأتيه ولد.
* الشيخ: طيب الثالثة؟
* الطالب: أن الصيغة التي يتوسل بها بالدعاء هي اسم الرب.
* الشيخ: غالبًا، الرابعة؟
* الطالب: الرابعة: أن زكريا عليه الصلاة السلام بلغ سنًّا بعيدًا دون أن يأتيه ولد؛ لقوله: ﴿وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾.
* الشيخ: نعم.
من فوائد الآية ما يستفاد من قوله: ﴿هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ﴾، حيث أضاف الهبة إلى الله عز وجل، وهبة الكريم تكون كبيرة، ونظير هذا قوله ﷺ فيما علّمه أبو بكر الدعاء الذي يدعو به في صلاته قال: «فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٣٢٦)، ومسلم (٢٧٠٥ / ٤٨) من حديث أبي بكر. ]]، وكما أشرنا إليه أن الشيء من الكريم يكون عظيمًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل مطلق الذرية؛ لأن الذرية قد يكونون نكدًا وفتنة، وإنما يسأل الذرية الطيبة.
ومن فوائد الآية الكريمة التي تشير إليها إشارة: أنه ينبغي للإنسان أن يفعل الأسباب التي تكون بها ذريته طيبة ومنها الدعاء، دعاء الله، وهو من أكبر الأسباب، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى عن الرجل يبلغ الأشد أنه يقول: ﴿أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأحقاف ١٥]، ولا شك أن صلاح الذرية أمر مطلوب؛ لأن الذرية الصالحة تنفعك في الحياة والممات؛ لقول النبي ﷺ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»[[أخرجه مسلم (١٦٣١ / ١٤) من حديث أبي هريرة. ]].
* من فوائد الآية الكريمة: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه المناسبة للحاجة؛ لقوله: ﴿إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾، أي: مجيبه، وهكذا ينبغي أن تكون الأسماء التي يتوسل بها الإنسان في دعائه مناسبة لأيش؟ للمدعو به، فالداعي بالمغفرة يتوسل باسم الله الغفور، وبالرحمة الرحيم، وبالرزق باسم الرزاق، وهكذا، ويدل لهذا أيضًا قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف ١٨٠]، فإن قوله: ﴿ادْعُوهُ بِهَا﴾ يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة، يشمل دعاء المسألة؛ أن تجعلها وسيلة لدعائك، ودعاء العبادة أن تتعبد لله تعالى بمقتضاها، فإذا علمت أنه سبحانه غفور فتعرض لمغفرته، وإذا علمت أنه رحيم كذلك، وهكذا، فقوله عز وجل: ﴿ادْعُوهُ بِهَا﴾ يتناول هذا وهذا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات سمع الله وكرم الله وقدرة الله، من أين يؤخذ؟
* طالب: ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾.
* طالب: ﴿إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾.
* الشيخ: وجه ذلك؟
* الطالب: أنه سمع الدعاء فأجابه.
* الشيخ: طيب، هذا واحد، إثبات القدرة؟
* طالب: القدرة على الإجابة.
* الشيخ: القدرة على الإجابة، نعم، الثالث؟
* طالب: أنه لا يعطي إلا الكريم.
* الشيخ: نعم، إثبات الكرم لله؛ لكونه عز وجل يجب من دعاه، فإن قال قائل: أحيانًا يدعو المرء ولا يستجيب الله دعاءه؟ وهنا زكريا ﷺ يقول: ﴿إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾، وقال إبراهيم: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم ٣٩]، فما الجواب؟ الجواب أن يقال: إن عدم إجابة الله الدعاء إما أن تكون لوجود مانع، وإما أن تكون لمصلحة الداعي، أو لفوات شرط، فأما إذا تمت الشروط وانتفت الموانع ولم تقتضِ المصلحة خلاف ما دعا به الداعي فإن الله تعالى يستجيب الدعاء قطعًا؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر ٦٠]، فإذا دعا الإنسان ربه وقلبه لاهٍ، يقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرّب إليه من قول وعمل، لكنه في زمن الاختبار قلبه يتجول بين صفحات الكتاب، هذا غافل ولّا حاضر؟
* الطلبة: غافل.
* الشيخ: غافل؟ نعم، لا يستجيب دعاءً من قلب غافل، كيف تسأل الله سبحانه وتعالى وهو يعلم ما في نفسك وتناجيه: يا رب أعطني كذا، وأنت قلبك مشغول بشيء آخر؟ هذا والله فيه سوء أدب، هذا تتخلف إجابة الدعوة لعدم وجود الشرط، لانتفاء الشرط، ما حضر قلبه، قد يكون ذلك لوجود مانع، ومنها - أي من الموانع - أن يكون الإنسان آكلًا للحرام -والعياذ بالله - فإن أكل الحرام من أكبر موانع إجابة الدعاء؛ لأن النبي ﷺ قال: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ﴾، ثم ذكر النبي الله ﷺ الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب»، أربعة أسباب من أسباب إجابة الدعاء «وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ»[[أخرجه مسلم (١٠١٥ / ٦٥) من حديث أبي هريرة.]] - أعوذ بالله - استبعد أن الله يجيب هذا الداعي، فهنا تخلفت إجابة الدعاء، لماذا؟ لوجود مانع.
وقد تكون لمصلحة الداعي، يدّخر الله له عنده ما هو أعظم مما سأل، أو يعلم سبحانه وتعالى أنه لو أجابه لحصل عليه مضرة في دينه، مثل أن تكون إجابته سببًا لفتنته عن دينه، فبرحمة الله وحكمته لا يستجيب له هذا الدعاء، لمصلحة من؟
* الطلبة: الداعي.
* الشيخ: لمصلحة الداعي، ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يضجر إذا دعا الله فلم يستجب له، وأن لا يسأم ويستحسر، فيقول: دعوت ثم دعوت فلم يستجب لي، فإنه إذا قال ذلك لم يستجب له، فزال الإشكال الآن؟ زال الإشكال الذي قد يَرِد على قوله: ﴿إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾، وبقي إشكال آخر وهو أن يقال: لا فائدة من الدعاء؛ لأن المدعوّ به إن كان قد كُتِب لك فسوف يأتيك بلا دعاء، وإن لم يُكتب لك فلن يأتيك ولو دعوت، هكذا يقول بعض الناس، فبماذا نجيب؟ نجيب أولًا: أن هذا قول باطل من أصله؛ لأنه يقتضي تسفيه الرسل والأنبياء والصالحين، بل يقتضي أن الله عز وجل يأمر بما لا فائدة فيه، فإن الله قال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي﴾، فكيف يأمر عز وجل بأمر لا فائدة منه؟! هذا مستحيل، فهذا القول باطل من أصله، ثم نقول: الشيء يُكتب لك لكن بسبب، فإذا كان الله قد كتب لك ذرية طيبة بسبب دعائك فإنه إذا انتفى الدعاء انتفت الذرية الطيبة؛ لأن الله قدرها -أي الذرية الطيبة- مقرونة بأيش؟ بالدعاء، وهل يقول عاقل: أنا لا أتزوج، إن كان الله قد أراد لي ولدًا جاء بلا نكاح، وإن لم يُرِد لي ولدًا لم يأت ولو تزوجت، هل يقول هذا عاقل؟ لا، ما يقوله، نقول: إن الله قدر لك الولد بالنكاح، تزوج يأتيك الولد.
وهل يقول عاقل: أنا لا أتزوج، إن كان الله قد أراد لي ولدا جاء بلا نكاح، وإن لم يرد لي ولدا لم يأت ولو تزوجت، هل يقول هذا عاقل؟ لا، ما يقوله، نقول: إن الله قدر لك الولد بالنكاح، تزوج يأتيك الولد، وهكذا الدعاء.
إذن فالدعاء لا شك أنه من أقوى الأسباب لحصول المطلوب وزوال المكروه، وهذا أمر معلوم، ويكون الله تعالى قد قدر هذا الشيء الذي هو حصول مطلوبك أو زوال مكروهك، قد قدره مقرونا بأيش؟ بهذا السبب، بالدعاء، فيكون الدعاء مقدرا والمدعو به مقدرا من عند الله عز وجل، لكن أنت لا تدري، أنت عليك فعل السبب الذي تعلمه وهو الدعاء، وما وراء ذلك فليس إليك، وهكذا جميع المقدورات كلها يرد عليها هذا الإيراد، ولكن يجاب بهذا الجواب؛ بأن الله قدر هذه الأشياء مقرونة بأسبابها.
ثم إننا نقول: إن الدعاء نفسه عبادة، نفس الدعاء عبادة، إذا رفعت يديك إلى ربك: يا رب، هذا ذل وخضوع لله عز وجل، وهو من أجل العبادات، فالدعاء نفسه عبادة، سواء أجبت أم لم تجب، فلماذا لا تكثر من الدعاء؟ كذا؟ وأيش قلت؟
* طالب: الدعاء عبادة في ذاته، فالإنسان يدعو الله سبحانه وتعالى ولو لم..
* الشيخ: ويكثر من الدعاء.
قال: ﴿إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [آل عمران ٣٨] ثم قال عز وجل: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾ [آل عمران ٣٩].
* من فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الملائكة، وقد سبق عن قريب شيء من الكلام عليهم، وأنهم عالم غيبي مخلوقون من نور، خلقهم الله عز وجل لما أعدهم له، فقاموا به على حسب ما أراد خالقهم عز وجل، كأن ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء ٢٠]، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: «أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ»[[أخرجه الترمذي (٢٣١٢)، وابن ماجه (٤١٩٠) من حديث أبي ذر.]]. الأطيط: ما يسمع من صرير الرحل على البعير المحمل حملا ثقيلا.
* طالب: الصريح يا شيخ ولا الصرير؟
* الشيخ: الصرير، «مَا مِنْ مَوْضِعِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ لِلَّهِ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ».
ففي هذه الآية: ﴿نَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ﴾ إثبات الملائكة، ما حكم إنكار الملائكة؟
حكمه الكفر؛ لأنه تكذيب للقرآن.
لو قال قائل: أنا لا أنكرهم وأقول: فيه ملائكة، لكن الملائكة هي قوى الخير والشياطين قوى الشر، فأجعلهم معاني لا ذوات.
نقول: وهذا أيضا إنكار لهم؛ لأن الله قال: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ﴾ [فاطر ١] كيف تكون قوى؟ ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الملائكة تتكلم بصوت مسموع؛ لقوله: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [آل عمران ٣٩].
* ومن فوائدها: جواز تكليم المصلي؛ لقوله: ﴿نَادَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يكلم بعضهم بعضا في الصلاة، لكن المكلم وهو يصلي لا يخاطب الآخر، لكن يفهم ما يقول ويجيبه بالإشارة، لكن هل هذا على إطلاقه بالنسبة لجواز الكلام مع المصلي؟
الجواب: هذا الأفضل تركه إلا لحاجة؛ وذلك لأنك إذا كلمته وهو يصلي فإنك تشوش عليه، وربما ينسى ويخاطب كما يقع هذا كثيرا.
* من فوائد الآية الكريمة: مشروعية تبشير الإنسان بما يسره؛ لقوله تعالى: ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى﴾ [آل عمران ٣٩] وهذا أمر مشروط في نوعه وجنسه، ففي النوع سبق أن الله تعالى أخبر عن الملائكة أنها بشرت إبراهيم بإسماعيل وبإسحاق، إسماعيل قال الله فيه: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾ [الصافات ١٠١]، وإسحاق ﴿وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ [الذاريات ٢٨].
وهل من البشارة ما ثبت في الصحيح أن النبي ﷺ قال: «وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ وَلَدٌ وَسَمَّيْتُهُ إِبْرَاهِيمَ»[[أخرجه مسلم (٢٣١٥ / ٦٢) من حديث أنس.]]، أو هذا من باب التحدث بنعمة الله؟
* طالب: الثاني.
* الشيخ: هذا هو الأصل، الثاني، أنه من باب التحدث بنعمة الله هو الأصل.
ومن فوائد الآية الكريمة..
* طالب: البشارة بالجنس.
* الشيخ: نعم.
* الطالب: النوع والجنس.
* الشيخ: البشارة بالجنس أن الإنسان يبشر بأي خير كان، بأي شيء كان جاءت به السنة من مفهوم قوله ﷺ: «لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ حَتَّى يَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٦٢٩٠)، ومسلم (٢١٨٤ / ٣٧) من حديث عبد الله بن مسعود. ]]، فإن هذا يدل على إدخال السرور على المسلم، وهو كذلك، سواء كان ببشارة أو بغيرها.
قال: ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران ٣٩] إلى آخره، يستفاد من هذا أيضا: جواز تقديم التسمية على اليوم السابع، وهو كذلك، أنه يجوز أن يسمي الإنسان مولوده من ذكر أو أنثى قبل اليوم السابع، وهذا إذا كان الاسم مهيأ، أما إذا كان غير مهيأ فإنه ينبغي أن يؤخر إلى اليوم السابع.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الثناء على من صدق المرسلين؛ لقوله: ﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ فإن الله قال ذلك على سبيل الثناء على يحيى، ولا شك أن من صدق من قامت البينات على صدقه فإنه محمود، حتى في الأمور الدنيوية، إذا صدقت من قامت البينة على صدقه فهذا لا شك أنه خير، وأما إذا صدقت من لم تقم البينة على صدقه فهذا استعجال، وأما إذا صدقت من قامت البينة على كذبه فهذا خبال؛ أن تصدق من قامت البينة على كذبه.
فالأحوال ثلاثة: من قامت البينة على كذبه فتصديقه خبال وسفه في العقل وضلال في الدين، ومن قامت البينة على صدقه فتصديقه كمال يحمد الإنسان عليه، ومن لم تقم البينة على صدقه ولا كذبه فتصديقه استعجال؛ لأن مثل هذا الخبر ينبغي أن يتأنى الإنسان فيه، ولهذا قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات ٦] لم يقل عز وجل: ردوه ولا اقبلوه، نتبين حتى ننظر؛ لأنه قد يكون صادقا.
* من فوائد الآية الكريمة: أن يحيى عليه الصلاة والسلام سيكون سيدا؛ وذلك لأنه أحد الأنبياء، والأنبياء هم سادة الخلق وأفضل الخلق.
* ومن فوائدها أيضا: أن يحيى عليه الصلاة السلام مع توافر صفات الكمال في حقه بالسيادة فإنه بالإضافة إلى ذلك كان ممنوعا من سوء الأخلاق؛ لقوله: ﴿وَحَصُورًا﴾، فإن أصح وأعم ما قيل فيها أنه ممنوع عن مساوئ الأخلاق.
* ومن فوائدها أيضا: أن يحيى من الأنبياء؛ لقوله: ﴿وَنَبِيًّا﴾، وكل من وصف بالنبوة في القرآن فإنه رسول، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [النساء ١٦٣] إلى آخره، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ﴾ [غافر ٧٨] وما قصهم الله علينا يقصهم بلفظ النبوة في الأكثر، فيكون كل من ذكر في القرآن بوصف النبوة فهو رسول.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الأنبياء من الصالحين، بل هم في أعلى مراتب الصلاح، فإن مراتب الصلاح أربعة: النبوة والصديقية والشهادة والصلاح، إذا ذكرت جميعا صارت مراتب، وإن لم تذكر جميعا صار الصلاح عاما؛ لقول النبي ﷺ: «إِذَا قُلْتُمْ ذَلِكَ -عِبَاد اللهِ الصَّالِحِينَ- فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٨٣١)، ومسلم (٤٠٢ / ٥٥) من حديث عبد الله بن مسعود.]].
﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ﴾ [آل عمران ٤٠] إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا حرج على الإنسان في طلب ما تطمئن به نفسه؛ لأن زكريا عليه الصلاة والسلام ما شك في خبر الله، لكن أراد أن يتقدم إليه الفرح والاستبشار بقوة البراهين؛ لأن خبر الله لا شك أنه برهان، لكن كلما ازدادت البراهين ازدادت قوة اليقين، فهنا سأل ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ﴾ يعني تعجبا من قدرة الله عز وجل؛ أن يكون له غلام وقد بلغه الكبر؛ لأن الغالب أن الإنسان إذا بلغ الكبر يقل إنجابه، وربما عدم بالكلية، والعقر إلى النساء أقرب منه إلى الرجال، ولهذا تكون المرأة عاقرا قبل أن يكون الرجل عاقرا.
* ومن فوائد الآية الكريمة نقول: إن الإنسان يملك ولده؟
طلبة: ﴿لِي﴾..
طلبة آخرون: اللام.
* الشيخ: اللام، تأملوا.
* طالب: اختصاص.
* الشيخ: أو نقول: اللام لا تتعين للملك؟
* طالب: لا غلط.
* الشيخ: إي ما تتعين، اللام لا تتعين للملك، قد تكون للاختصاص؛ لأن الإنسان لا يملك ولده كما يملك عبده، لو أراد أن يبيع ولده ما صح، وأما قول النبي ﷺ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»[[أخرجه أبو داود (٣٥٣٠)، وابن ماجه (٢٢٩١) من حديث جابر بن عبد الله، واللفظ له.]] فالمراد بذلك المنافع، أو أن المراد بذلك المبالغة؛ لأن هذا الرجل لما جاء يشكو إلى الرسول ﷺ أن أباه اجتاح ماله -يعني: أخذه- قال له: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»، فيكون هذا إما من باب المبالغة أو أن منافعك لأبيك كما أن مالك لأبيك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز وصف الإنسان بما يكره إذا كان المراد مجرد البيان، لا القدح والعيب؛ لقوله: ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾ [آل عمران ٤٠]؛ لأنك لو وصفت المرأة بأنها عاقر لكرهت ولّا سرت؟ كرهت، معلوم، لو تقول لها: أنت لك أربعين سنة ربت، نعم كيف عاد تقول: أنت عاقر، لكن إذا كان المراد بيان الأمر على وجهه دون العيب والقدح فإن هذا لا بأس به، ودليل ذلك أن رسول الله ﷺ قال: «أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ»[[أخرجه مسلم (١٤٨٠ / ٣٦) من حديث فاطمة بنت قيس. ]]، لكن هذا من باب المشورة، ولكن لم يقصد الرسول ﷺ أن يعيب الرجل، بل قصد أن يبين حاله ليكون الإنسان معه على بصيرة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات فعل الله؛ لقوله: ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران ٤٠].
ومذهب أهل السنة والجماعة إثبات أفعال الله الاختيارية المتعلقة به والمتعدية إلى غيره، أفعال الله الاختيارية يعني التي تقع باختياره، ولا شيء يقع من أفعال الله إلا باختياره، لكن منها شيء متعلق به مثل الاستواء والنزول والضحك والفرح، وأشياء متعلقة بغيره، مثل: الخلق، فإن الخلق يتعدى إلى الغير، فأهل السنة والجماعة يثبتون النوعين: الفعل الخاص به عز وجل الذي لا يتعداه إلى غيره، والفعل الذي يتعداه إلى غيره، ويقولون بلا شك: إن الرب الذي يفعل ما يشاء أكمل من الرب الذي لا يستطيع الفعل.
غالب الأشاعرة إن لم أقل: كل الأشاعرة والمعتزلة ومن ضاهاهم يقولون: إن الله ليس له أفعال اختيارية؛ لا يستوي، ولا ينزل، ولا يجيء، ولا يضحك، ولا يفرح، ولا يحب، ولا يكره... إلى آخر ما يقولون في نفي الأفعال الاختيارية.
علتهم أوهى من أي علة كانت، العلة قالوا: لأن الحوادث لا تقوم إلا بحادث، والله عز وجل أزلي أبدي، فيقال لهم: أولا: من قال لكم هذا: إن الحوادث لا تكون إلا بحادث، من قال هذا؟! عندكم بذلك وحي، أو مجرد قياس عقلي فاسد ذكرتموه؟!
الحقيقة أن هذا قياس عقلي فاسد؛ فإن الحوادث لا يلزم ألا تقوم إلا بحادث؛ لأنه من المعلوم أن المحدث سابق على الحدث، وإذا كان المحدث سابقا على الحدث لم يلزم أن يكون المحدث حادثا؛ أنت الآن تأكل الغداء اليوم، والغداء اليوم بالنسبة لك حادث متى؟ وقت حدوثه، وأنت موجود من قبل، فالرب عز وجل يفعل الأفعال هذه في وقت فعلها، وهو لم يزل موجودا، لكن على زعمكم أنتم وعلى مذهبكم الباطل يلزم أن يكون الله سبحانه وتعالى لا يفعل أي فعل، معطلا عن الأفعال، وهذا عيب ولّا كمال؟ عيب؛ لأن من يفعل أكمل ممن لا يفعل باتفاق الناس، وليس يعتري الله عز وجل من إثبات الفعل في حقه أي نقص بأي وجه من الوجوه.
والآيات كثيرة في إثبات فعل الله ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران ٤٠]، ﴿فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ [البروج ١٦]، ﴿وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم ٢٧]، والنصوص في هذا كثيرة ولله الحمد، وأهل السنة والجماعة يؤمنون بها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إطلاق الجمع على الواحد، أو ما يصلح؟ قوله: ﴿قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ من القائل؟ الله؟ إن كان هو الله فهذه الفائدة لاغية، وإن كانت الملائكة فهذه الآية تدل على أن القائل واحد وأن قوله: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [آل عمران ٣٩] يعني واحدا منهم، وقد سبق في التفسير الخلاف في ذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المشيئة لله عز وجل؛ لقوله.
* طالب: ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾.
* الشيخ: وأين؟
* الطالب: ﴿مَا يَشَاءُ﴾.
* الشيخ: ﴿مَا يَشَاءُ﴾ صح، ولكن كل شيء قيده الله بالمشيئة فهو؟
* طالب: فهو بحكمة.
* الشيخ: مقرون بالحكمة، ما دليلك على هذا؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان ٣٠].
* الشيخ: نعم فقال: ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾، فدل على أنه لا يشاء إلا ما تقتضيه الحكمة، وهو كذلك.
إذا قال قائل: يشكل على هذا: أن الله قد شاء الخير والشر، فما الحكمة من الشر؟ تأملوها إلى الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
* طالب: يا شيخ فيه فائدة (...) فأجاب دعاءه؛ لأنه قال: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ﴾ (...) الدعاء؟
* الشيخ: إي نعم يقول: فيها فائدة سرعة إجابة الله تعالى الدعاء؛ لقوله: ﴿فَنَادَتْهُ﴾ فإن الفاء تدل على الترتيب والتعقيب. وعند محمد الواصل فائدة هنا، ما هي؟
* الطالب: في قوله تعالى: ﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ﴾ جواز إطلاق الكلمة الواحدة على الكلام الكثير؛ لأن يحيى عليه الصلاة والسلام ليس مصدقا بكلمة واحدة، وإنما مصدق بجميع كلام الله عز وجل.
* الشيخ: ما هي الكلمة التي صدق بها يحيى؟
* الطالب: الكلمة التي صدق بها؟
* الشيخ: نعم.
* الطالب: (...) في قصة عيسى.
* الشيخ: ما هي الكلمة التي في قصة عيسى؟
* الطالب: نسيتها، هي الآية التي في سورة آل عمران.
* طالب: نقول يا شيخ: الكلمة فعلا كلمة؛ لأن الكلمة هي: ﴿كُنْ﴾.
* الشيخ: صحيح، يقول: إن الكلمة هي قوله تعالى في عيسى: ﴿كُنْ﴾ لكن إطلاق الكلمة على الكلام هو الأصل في اللغة العربية؛ أن الكلمة يراد بها الكلام ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ﴾ [المؤمنون ٩٩، ١٠٠] كم قال من كلمة هو؟ أربع كلمات، أربع جمل أيضا هو قائلها، وقال النبي ﷺ: «أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٣٨٤١)، ومسلم (٢٢٥٦ / ٣) من حديث أبي هريرة. ]].
(ألا كل شيء ما خلا الله باطل) كلمة ولّا كلمات؟ كلمات، فقول ابن مالك رحمه الله:
؎............................. ∗∗∗ وَكِلْمَــــةٌ بِهَــــا كَــــلَامٌ قَــــدْيُــــــــــــــــــــــــؤَمْ
يعني باصطلاح النحويين، لا بمقتضى اللغة العربية، اللغة العربية لا تطلق الكلمة إلا على الكلام المفيد، لكن النحويون رحمهم الله أطلقوا الكلمة على القول المفرد.
* طالب: جزاكم الله خيرا، فيه بعضهم يقول: إن من يأكل الربا إنه لا يدعو الله لأنه لا فائدة من دعائه، لأنه لو دعا لن يجاب له (...)؟
* الشيخ: إيه، والله مشكل كأنه كبير، أقول: هذا مشكل يعني: مشكل حقيقة، هذا مشكل، لكن الرسول ﷺ استبعد ولم يقل: إنه مؤكد، قال: «أَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ»[[أخرجه مسلم (١٠١٥ / ٦٥) من حديث أبي هريرة. ]] يعني استبعد الإجابة، ليس معناه أنه قطعا لا يجاب، ولكن الذي يأكل الربا نقول: هل تحب أن الله يغفر لك؟
* الطالب: سيقول: نعم.
* الشيخ: يقول: نعم لكن ما أنا بداع والله ما يجيبني، نقول: اترك الربا، مثلما قال الفقهاء رحمهم الله في الرجل العاصي بسفره إذا اضطر إلى الميتة إما أن يأكل منها أو يموت؟ قالوا: يموت ولا يأكل منها، ولكن الله ما أحل الميتة للمضطر؟ هم يقولون: لا يمكن، ولا تحل له، وأيش يسوي؟ يموت؟ قالوا: يموت، لكن هنا شيء قبل الموت يقدره وهو أن يتوب، نقول: تب وكل، إذا كنت قاطعا تذكرة لتروح لبلد تفجر به الغِ التذكرة وكل.
يصلي ركعتين الرباعية ولّا ما يصلي؟ ما يصلي ركعتين الرباعية، فيه خلاف على كل حال القائلين بأنه لا يجوز، قال: وأيش أسوي يا جماعة أنا مسافر؟ نقول: تب وصل ركعتين.
كاد يهلك من العطش في رمضان وهو مسافر وقال: هل أفطر؟ ماذا نقول له؟ لا تفطر، قال: يا جماعة، أنا مت من الظمأ، نقول: مت. وأيش الطريق؟
طلبة: تب إلى الله.
* الشيخ: نقول: تب واشرب.
* طالب: يا شيخ يقال لهم: تب وبعدين ادع؟
* الشيخ: إي نعم يقول: تب وادع الله.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليكم، بعض الناس -أحسن الله إليكم- إذا دخل المسجد والناس يتسننون في المسجد يسلم عليهم، علما كثير من الناس تخفى عليه (...) الرد بالإشارة، وبعض الناس إذا دخل على مكان خالٍ كغرفة أو ما شابه ذلك ما فيه أحد سلم وقال: أنا أسلم على الملائكة؟
* الشيخ:كلاهما لا أصل له، لكن السلام على المصلي لا بأس به أحيانا؛ لأن الصحابة كانوا يفعلون هذا مع النبي ﷺ ولا ينهاهم.
* طالب: شيخ، لكن الناس ما يعرفون ما يردون..؟
* الشيخ: على كل حال أحيانا لا يجعله دائما.
* * *
* طالب: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (٤٢) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [آل عمران ٤١ - ٤٤]
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أظن بقي علينا فوائد من؟
* طالب: إن الله شاء الخير والشر..
* الشيخ: إي نعم، إثبات المشيئة لله في قوله: ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران ٤٠] وبينا أن المشيئة المطلقة مقيدة بالحكمة؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان ٣٠]، ليست مجرد مشيئة ولكنها مشيئة مقرونة بالحكمة. وذكرنا أنه يستفاد من العموم ﴿مَا يَشَاءُ﴾ الشمول للخير والشر، ولكن الشر لا يضاف إلى الله؛ كما قال النبي ﷺ: «وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ»[[أخرجه مسلم (٧٧١ / ٢٠١) من حديث علي بن أبي طالب. ]]، ولهذا جاء في الثناء على الله: «بِيَدِهِ الْخَيْرُ»[[أخرجه الترمذي (٣٤٢٨)، وابن ماجه (٢٢٣٥) من حديث عمر بن الخطاب. ]]، ولم يقل: والشر؛ لأن الشر لا ينسب إليه، وإنما الشر في المفعولات البائنة منه، أما فعله نفسه -يعني نفس الفعل- فليس فيه شر؛ لأن الله لا يفعل شيئا فيه شر إلا لخير، فمثلا الشر يشاؤه الله عز وجل ومشيئته له ليست شرا، بل هي خير، لوجوه متعددة؛ الأول: أنه لا يمكن أن يتبين الخير إلا إذا وجد الشر، إذ لا تتبين الأشياء إلا بضدها، ولو كانت كل مفعولات الله خيرا ما عرف الشر، ولا وجد الشر أصلا، فلا يتبين الخير وخيريته إلا بوجود ما يقابله وهو الشر، هذه من الحكمة.
ومن الحكم أيضا: ابتلاء الناس وامتحانهم؛ فإن الطريق لو كان كله خيرا ما حصل في ذلك ابتلاء وامتحان، إنما يكون الابتلاء والامتحان إذا وجد طريقان، أحدهما خير وقيل للناس: اسلكوه، والثاني شر وقيل للناس: لا تسلكوه، تبين بذلك الصادق من الكاذب، ولا يمكن الامتحان إلا بذلك.
ومنها -من الحكم في إيجاد الشر- أنه لا يستقيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي فضلت به هذه الأمة إلا بوجود الشر، حتى يؤمر بالخير الذي يقابله وينهى عن الشر الذي هو مفسدة، لو كانت كل الأمور خيرا ومعروفا لم يكن هناك أمر بالمعروف ونهي عن المنكر؛ لأن الإنسان لا سبيل له إلا هذا المعروف الخير، فلا يمكن أن يؤمر بشيء لا سبيل له إلا هو.
ومن الحكم أيضا: إقامة الجهاد في سبيل الله، فإنه لولا الخير والشر ما قام الجهاد في سبيل الله؛ إذ إن الجهاد صراع بين أولياء الله القائمين بالخير وأعداء الله القائمين بالشر، ولولا هذا ما حصل الجهاد في سبيل الله.
ومن الحكم في ذلك: بيان قدرة الله عز وجل بخلق الأشياء المتضادة، فإن خلق الأشياء المتضادة لا شك أن فيه دليلا على قدرة الله سبحانه وتعالى، ولولا هذه المتضادات خلقها وإيجادها لم يتبين كمال القدرة؛ لأن خلق الشيء مع ضده أبلغ في القدرة من خلق الشيء الذي لا ضد له.
ومن حكم إيجاد الشر: أنه حافز إلى لجوء الإنسان إلى ربه، وكثيرا ما يحمل الناس على اللجوء إلى الله والأوراد والاحترازات وجود الشر، ولولا وجود الشر ما لجأ الناس إلى الله؛ لأنهم في خير.
ومنها -أي من حكم إيجاد الشر- أن الإنسان يعرف به قدر نعمة الله عليه، حيث يجد أناسا كثيرين من أهل الشر والفساد، وقد منّ الله عليه هو بالخير والصلاح والإصلاح، فيعرف بذلك قدر نعمة الله عليه، فيشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة التي منّ بها عليه بمحبة الخير والسعي فيه، ثم يحمد الله مرة ثانية أن نجاه من الشر والفساد وأهله، والنجاة من الشر والفساد وأهله لا شك أنها نعمة عظيمة ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [المؤمنون ٢٨].
ومن الحكمة في خلق الشر: إظهار ضعف الإنسان وعجزه أمام قوى الشر، فإن الإنسان تؤرقه عن منامه وتقض مضجعه بعوضة، بعوضة من أوهن المخلوقات تمنعه من النوم، وإذا كان شابا ثقيل النوم منعته من لذة النوم، يمكن ينام لكن يتحقرص؛ تقرصه مرة مع اليد، مرة مع الرجل، مرة مع الوجه، فتحرمه من لذيذ النوم، وهي ما هي؟ شيء ضعيف بعوضة، فيعرف الإنسان بذلك قدر نفسه، وأنه ضعيف أمام قوى الشر، حتى لا يتكبر ويتعاظم.
ولهذا ذكر أن ملكا من الملوك الجبابرة كان يتحدث مع قومه ويسخر ويقول: ما الحكمة من خلق الذباب؟ الذباب يحمل الجراثيم ويحمل الأمراض وما أشبه ذلك فما الحكمة منه؟ فقال أحد الحاضرين: الحكمة منه أن يذل أو أن يرغم أنوف الجبابرة مثلك. نعم لأن هذا الذباب المهين يقع على أنف هذا الرجل الجبار الذي لا يدخل البشر إليه إلا باستئذان وله حاجب من وراء حاجب، وهذا الذباب المهين يأتي ويقع على أنفه، وربما يصيبه بعذرته أيضا، نعم إذا جاءه وهو نائم وكان ثقيل النوم يمكن الذباب يكيف عليه.
على كل حال هذا أيضا من حكمة الله سبحانه وتعالى في خلق الشر، وهناك حكم ربما يظهر للمتأمل منها شيء كثير.
وبهذا نعرف كمال حكمة الله سبحانه وتعالى وربوبيته، ومن عرف الله ازداد في عبادته، كما قيل: من كان بالله أعرف كان منه أخوف وله أطوع.
قال: ﴿قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران ٤٠] ثم قال الله عز وجل: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾ [آل عمران ٤١].
من فوائد هذه الآية: جواز البحث عما يزيد به الإيمان، وإن كان الإيمان موجودا، بل قد نقول: وجوب البحث عما يزيد به الإيمان؛ لأن الإنسان مطلوب منه أن يقوي إيمانه بكل وسيلة.
ومن فوائدها -من فوائد الآية الكريمة- تمام قدرة الله سبحانه وتعالى بخوارق العادات، فإن كون زكريا عليه الصلاة والسلام لا يكلم الناس إلا رمزا، لكن في باب التسبيح ينطلق لسانه، هذا من آيات الله، ولهذا قال: ﴿آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الآية قد تكون على عكس ما طلبت له، فهي قد طلبت لتحقق الوجود فيما بشر به، والآية كانت على العكس، كانت إعدام موجود، وهو أيش؟ الكلام، كان قادرا على الكلام فمنع من الكلام، كان في الأول كبير السن وامرأته عاقر فوُجد له الولد، فالآية وما كانت آية له بينهما أيش؟ تضاد، هذا وجود وهذا عدم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإشارة تقوم مقام العبارة، من أين تؤخذ؟
* طالب: ﴿إِلَّا رَمْزًا﴾.
* الشيخ: كيف يعني من أين تؤخذ؟
* الطالب: ألا تكلم الناس إلا رمزا.
* الشيخ: ما هي الفائدة اللي قلنا؟
* الطالب: تكلم الناس بالإشارة.
* الشيخ: لا.
* طالب: أن الإشارة تقوم مقام العبارة.
* الشيخ: أن الإشارة تقوم مقام العبارة، لقوله: ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ... إِلَّا رَمْزًا﴾ وهذه الفائدة مبنية على أيش؟
* طالب: فائدة (...)
* الشيخ: إيه لكن مبنية على أي شيء بالنسبة لتفسير الآية؟
* الطالب: مبنية على قوله: ﴿أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم ١٠].
* الشيخ: لا.
* الطالب: ﴿ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾ [آل عمران ٤١].
* طالب: على أساس أن الاستثناء متصل.
* الشيخ: نعم، مبنية على أن الاستثناء متصل، فتكون الإشارة من الكلام.
وفائدة أخرى: أن الإشارة تقوم مقام العبارة عند العجز عن التعبير، من أين تؤخذ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: من أين تؤخذ قبل وبعدين نشوف وجه المأخذ؟
* طالب: قوله: ﴿إِلَّا رَمْزًا﴾.
* الشيخ: وجه المأخذ؟
* الطالب: نأخذ القول الثاني على أن الاستثناء هنا منقطع فلا يكون كلاما.
* الشيخ: فلا يكون كلاما لكنه يكون مقامه عند؟
* الطالب: عند العجز.
* الشيخ: عند العجز عنه. وكلا الأمرين حق، فالإشارة تقوم مقام العبارة في الإفهام، ولاسيما عند العجز، وذكرنا في التفسير أمثلة لمفارقة الإشارة للكلام، وأمثلة لموافقة الإشارة للكلام، أتستحضرونها الآن؟
مثال لمفارقة الإشارة للكلام؟
* طالب: (...)
* الشيخ: نعم يعني أنها ليست كلاما.
* الطالب: كما لو أشار في الصلاة.
* الشيخ: نعم كما لو أشار في الصلاة؛ فإن الإشارة لا تبطل الصلاة والكلام يبطلها. طيب مثال؟
* الشيخ: مثال لقيام الإشارة مقام الكلام؟
* طالب: في قول مريم (...): ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ [مريم ٢٩] (...) أشارت إليه، الإشارة هنا..
* الشيخ: لما عرّضوا بقذفها أشارت إليه، وغير؟
* طالب: حديث المرأة التي قتلها اليهودي[[أخرجه أبو عوانة في مسنده (٦١٣٤) من حديث أنس.]]، عندما سألوها فأشارت إلى اليهودي.
* الشيخ: ما أشارت إلى اليهودي.
* الطالب: أومأت.
* الشيخ: أشارت حين ذكر اسمه.
* طالب: في قصة ذي اليدين حين قال النبي: «أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟»، فأومؤوا أن نعم[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٧١٤)، ومسلم (٥٧٣ / ٩٩)، وأبو داود في سننه (١٠٠٨) من حديث أبي هريرة.]].
* الشيخ: بعضهم، وبعضهم قالوا: نعم.
إذن نقول: الآية على الوجهين تدل على أن الإشارة تقوم مقام العبارة مطلقا أو عند الحاجة إليها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان ينبغي له إذا انقطع عن الناس أن يشغل وقته بذكر الله، من قوله لما منع من الكلام مع الناس وصار لا يكلمهم إلا رمزا، ومعلوم أن الإنسان الذي لا يكلم الناس إلا رمزا سوف لا يكون حريصا على مكالمتهم لئلا يتعب أو يتعب، أمره الله قال: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ [آل عمران ٤١].
* ومن فوائدها: فضيلة التسبيح والذكر في هذين الوقتين: العشي آخر النهار، والإبكار أول النهار. ومنه قوله تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ [ق ٣٩].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الذكر ينبغي أن يكون مقرونا بالتسبيح، إلا ما ورد النص بإفراد أحدهما عن الآخر؛ لأنه قال: اذكر ربك وسبح، ولكن الذكر قال: ﴿كَثِيرًا﴾، والتسبيح قال: ﴿بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ فهل نقول: إن الذكر لا يتقيد بالعشي والإبكار، أو نقول: إنه متقيد لكن يكثر منه؟
يحتمل هذا وهذا، لكن الآيات الأخرى تدل على أن الإنسان مأمور بأن يذكر الله كثيرا، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب ٤١، ٤٢]، وقال تعالى في وصف أهل الصلاح: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾ [الأحزاب ٣٥]، وعلى هذا فالذكر يكون أكثر من التسبيح، لكن القرن بينهما أيضا فيه فائدة وهو أنه يجمع بين الثناء على الله وتنزيهه من النقائص.
{"ayahs_start":38,"ayahs":["هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِیَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِی مِن لَّدُنكَ ذُرِّیَّةࣰ طَیِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِیعُ ٱلدُّعَاۤءِ","فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَهُوَ قَاۤىِٕمࣱ یُصَلِّی فِی ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ یُبَشِّرُكَ بِیَحۡیَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَیِّدࣰا وَحَصُورࣰا وَنَبِیࣰّا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ","قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی غُلَـٰمࣱ وَقَدۡ بَلَغَنِیَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِی عَاقِرࣱۖ قَالَ كَذَ ٰلِكَ ٱللَّهُ یَفۡعَلُ مَا یَشَاۤءُ","قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّیۤ ءَایَةࣰۖ قَالَ ءَایَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أَیَّامٍ إِلَّا رَمۡزࣰاۗ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِیرࣰا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِیِّ وَٱلۡإِبۡكَـٰرِ"],"ayah":"فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَهُوَ قَاۤىِٕمࣱ یُصَلِّی فِی ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ یُبَشِّرُكَ بِیَحۡیَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَیِّدࣰا وَحَصُورࣰا وَنَبِیࣰّا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق