الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ [آل عمران ٣١] هذه الآية يسميها بعض السلف آية المحنة؛ يعني آية الاختبار والامتحان، وذلك أن قومًا ادَّعوا أنهم يحبون الله، فأمر الله نبيه أن يتحداهم بهذا الميزان؛ وهو إن كانوا صادقين فليتبعوا الرسول ﷺ سواء كانوا من اليهود أو من النصارى أو من المنافقين، المهم أي واحد يدعي أنه يحب الله فهذا الميزان ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة ١٨] إذا كانوا صادقين فليتبعوا الرسول، أما مجرد دعوى:
؎فَكُـــــلٌّ يَدَّعِــــي وَصْــــلًالِلَيْلَــــــــــــــــــــــــى ∗∗∗ وَلَيْلَــــى لَا تُقِــــرُّ لَهُــــمْبِــــــــــــــــــــــــــــذَاكَ
كل يدعي أنه يحب الله؛ لأن الدعوى سهلة، لكن الكلام على البينة، البينة على المدعي، إذا كانوا يحبون الله حقًّا فليتبعوا النبي ﷺ لينالوا ما هو أعظم من دعواهم وهو محبة الله لهم، ولهذا قال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه﴾ فالشأن ليس أن تُحِبّ، الشأن أن تُحَبّ هذه هي الثمرة، أما أن تُحِب ولا تُحَب فهذا عداء، انظروا إلى بريرة ومغيث؛ بريرة تبغض مغيثًا ومغيث يحبها، عُذِّب بحبها ولَّا لا؟ نعم عُذِّب لما عتقت خيَّرها النبي ﷺ قال: «اخْتَارِي نَفْسَكِ»، قالت: والله ما أبغي الرجل، زوجها، لكن أعتقته، فطلبت الخيار لنفسها والشرع يمكّنها من ذلك، فكان زوجها يبكي وراءها في السوق في أزقة المدينة يطلب أن لا تختار، فجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: اشفع لي يا رسول الله عندها، فكلمها النبي ﷺ قال: «ارْجِعِي إِلَى مُغِيثٍ»، قالت: يا رسول الله، إن كنت تأمرني فسمعًا وطاعة - لله درُّها - وإن كنت تشير عليَّ فلا حاجة لي فيه[[أخرجه البخاري (٥٢٨٣) من حديث ابن عباس.]].
«إِنْ كُنْتَ تَأْمُرُنِي فَسَمْعًا وَطَاعَةً -لله دَرُّها- وَإْنْ كُنْتَ تُشِيرُ عَلَيَّ فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ، قَالَ: «بَلْ أُشِيرُ»، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ »[[أخرجه البخاري (٥٢٨٣) من حديث ابن عباس نحوًا من هذا اللفظ.]]، يعني: لم تقبل ولا شفاعة النبي ﷺ، ولم ترحم الرجل اللي يمشي وراءها يبكي في الأسواق، إذن الشأن أن يكون الإنسان محبًّا أو أن يكون محبوبًا؟
* الطلبة: محبوبًا.
* الشيخ: أن يكون محبوبًا؛ ولهذا قال عز وجل: ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران 31] ولم يقل: فاتبعوني تصدقوا في دعواكم المحبة، قال: ﴿فاتبعوني يحببكم الله﴾.
نقول: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾ الخطاب للرسول ﷺ، وقد مر علينا غير مرة أن النبي ﷺ إذا وجه إليه (قل) في القرآن فهو دليل على العناية بهذا القول الذي أمر أن يقوله؛ لأن هذا أمر بالتبليغ الخاص لهذا القول، أما القرآن كله فقد أمر أن يقوله كله، لكن بعض الأشياء يخص، يقال: (قل)، مثل: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور ٣٠]، ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ [النور ٣١]، ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف ١٥٨] وما أشبه ذلك، هذا أمر بتبليغ هذا الشيء الخاص بعينه، فيكون في ذلك توكيد ودليل على العناية به، وهذه لا شك أنه يجب الاعتناء بها، يجيء إنسان يقول: والله أنا أحب الله، أنا حبيب الله، فيغر العامة، فيقال: الحمد لله، ننظر، كما يدعي الآن في الوقت الحاضر أناس أنهم أولياء لله، ولكن الذي يزعم أنه من أولياء الله نمتحنه، نقول له: تمن الموت؟ لا، هذا لليهود ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾ [الجمعة ٦]، لكن نمتحنه بما دون ذلك، ننظر هل هو مؤمن تقي فهو أيش؟
* الطلبة: صادق.
* الشيخ: صادق، هل هو عاص فاسق دجال يريد أن يشرك به مع الله في المحبة والطاعة فهو عدو وليس بولي؛ لأن الله قال في الميزان في الأولياء: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)﴾ [يونس ٦٢] هاه من؟
* الطلبة: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
* الشيخ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس ٦٣].
﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾ لا شك أن الخطاب هنا ﴿إِنْ كُنْتُمْ﴾ غير معلوم بالشخص، المخاطب غير معلوم بالشخص، لكنه معلوم بالمعنى، يستفاد المعنى مما بعد ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾، أي: قل لمن ادعى أنه يحب الله أيش؟ ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾.
قال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ الجملة هنا شرطية، وفعل الشرط ﴿كُنْتُمْ﴾، وجوابه: ﴿فَاتَّبِعُونِي﴾، وجاءت الفاء في الجواب لأن الجملة طلبية، وإذا كانت الجملة الجواب طلبية وجب اقترانها بالفاء.
﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ اتبعوني على ماذا؟ على ما أنا عليه من الشريعة، عقيدة وقولًا، وفعلًا وتركًا، كم من الأشياء؟
* طالب: عقيدة، وقولًا، وفعلًا، وتركًا.
* الشيخ: كم؟
* الطالب: أربعة.
* الشيخ: أربعة، فمن اتبع الرسول ﷺ في هذه الأربع صدق في اتباعه، ومن خالف فهو غير صادق.
عقيدة: بحيث تكون عقيدته على ما كان عليه الرسول ﷺ وأصحابه، لا تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، ولا شك، ولا ترديد، إيمان كامل خالٍ من جميع الشوائب، قولًا: لا يزيد ولا ينقص عما جاءت به الشريعة من الأقوال، وفعلًا: كذلك لا يزيد ولا ينقص، وتركًا: بحيث يترك ما لم يعمله الرسول عليه الصلاة والسلام، كل ما لم يتعبد به الرسول يجب عليه أن لا يتعبد به، فإن تعبد به ولو أنه يقول: إنه يحب الرسول فإن دعواه؟ كاذبة، إذا تعبد بفعل شيء ترك الرسول التعبد لله به لم يتعبد به لله وقال: والله أنا أحب الرسول، أتعبد لله بهذا الشيء محبة لرسول الله ﷺ، قلنا: دعواك كاذبة، لو كنت تحبه حقًّا لاتبعته حقًّا، في العقيدة والقول والفعل والترك، أما أن تحدث في دينه ما ليس منه فأين محبتك له؟ نحن نجد الإنسان من بني آدم إذا أحب شخصًا غير الرسول تجده يتوسم خطاه، يعجب به، فيترسم خطاه، وينظر ماذا يفعل ويفعل، حتى وإن كان الشيء سيئًا يكون في عين الحبيب؟
* الطلبة: حسنًا.
* الشيخ: حسنًا كما قيل:
؎وَعَيْــنُ الرِّضَــا عَــنْ كُــلِّ عَيْــبٍكَلِيلَــــةٌ ∗∗∗ كَمَا أَنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِيالْمَسَاوِيَا
وهذا شيء مجرب.
الحاصل أن الله قال للرسول ﷺ: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ ﴿يُحْبِبْكُمُ﴾ هذه فك إدغامها؛ ولذلك ظهر السكون فيها، وفي غير القرآن لو قيل: يحبكم الله، لكان صحيحًا؛ لأن الإدغام هنا يجوز، وفك الإدغام يجوز أيضًا.
﴿يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ -الله أكبر- ﴿يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ هذه الثمرة والنتيجة التي يسعى إليها كل إنسان: أن يكون محبوبًا لدي الله سبحانه وتعالى، الثاني: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ شوف -الله أكبر- فائدتان عظيمتان: محبة الله لك، ومغفرة ذنوبك.
﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ أي: كل ما عملتم من الذنوب يغفر لكم، ولكن هل نقول: إنه يغفر وإن لم يستغفر الإنسان منه؛ لأن حسنة الاتباع تمحو هذا الذنب، ومحبة الله للإنسان توجب عدم عقوبته، أو نقول: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ بأن ييسر لكم أسباب المغفرة إن لم يغفر لكم بدون سبب؟ الله أعلم، يحتمل أنه سبحانه وتعالى أراد أنه يغفر الذنوب بسبب هذا الاتباع والمحبة، أو أنه وإن فعل الإنسان ما فعل، فإنه ييسر له أسباب المغفرة بأن يعود من معصية الله إلى طاعته، الله أعلم، لكن على كل حال الوعد هنا محقق وهو مغفرة الذنوب، إما بسبب من العبد، أو لمجرد فضل الله.
وقوله: ﴿ذُنُوبَكُمْ﴾ الذنب هو المعصية، وهو كما ترون جمع مضاف لمعرفة، والجمع المضاف إلى معرفة يفيد؟ يفيد العموم.
﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ الجملة هنا اسمية اشتملت على ثلاثة أسماء من أسماء الله: الله، والغفور، والرحيم.
أما معنى (الله): فقد سبق لنا مرارًا وتكرارًا بأنه المألوه، أي: المعبود حبًّا وتعظيمًا، وأن أصل الله الإله، فحذفت الهمزة تخفيفًا لكثرة الاستعمال كما حذفت من (الناس)، ومن (شر) و(خير).
وأما الغفور: فالغفور هنا يحتمل أن تكون صيغة المبالغة ويحتمل أن تكون صفة مشبهة، والمعنيان لا يتنافيان، فتكون صفة مشبهة وصيغة مبالغة، صفة مشبهة لأن الله لم يزل ولا يزال غفورًا، وصيغة مبالغة لكثرة من يغفر له، وكثرة ما يغفره من الذنوب.
والمغفرة ستر الذنب والتجاوز عنه، وليست مجرد الستر؛ لوجهين: لغوي، وسمعي، أما اللغوي: فلأن المغفرة مأخوذة من الْمِغْفَر الذي يستر به المقاتل رأسه ويتقي به السهام، والمغفر جامع للستر والوقاية، وأما السمعي: فلما ورد في كيفية محاسبة الله لعبده المؤمن أنه يخلو به ويقرره بذنوبه فيقول: «قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ» »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٤٤١)، ومسلم (٢٧٦٨ / ٥٢) من حديث عبد الله بن عمر.]]، واضح يا جماعة؟
وأما رحيم: فهو ذو الرحمة، وهو صالح أيضًا لأن يكون صفة مشبهة أو صيغة مبالغة، والرحمة صفة تقتضي العطف والإحسان على المرحوم.
والجمع بينهما -بين الغفور والرحيم- لفائدة عظيمة وهي الجمع بين الوقاية والعناية، بين الوقاية بالمغفرة يقيك الله سبحانه وتعالى شر الذنوب، والعناية بماذا؟
* طالب: بالرحمة.
* الشيخ: بالرحمة، يعتني الله بك فييسرك لليسرى ويجنبك؟
* طالب: العسرى.
* الشيخ: العسرى، فالجمع بينهما لهذه الفائدة العظيمة جمع بين أيش؟
* الطلبة: الوقاية والعناية.
* الشيخ: الوقاية والعناية، فالمغفرة فيها الوقاية من الذنوب، والرحمة فيها العناية للعبد حتى ييسره الله لليسرى ويجنبه العسرى.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله أمر نبيه ﷺ أن يتحدى هؤلاء المدعين لمحبته بهذا الميزان القسط وهو: اتباعهم للرسول عليه الصلاة والسلام.
* ومن فوائدها: جواز مخاطبة المدعي بالتحدي؛ لأن هذا هو الحق، لا تستحيي من شخص يدعي ما لم يتصف به؛ لأنه لو كان يعرف نفسه ما ادعى اتصافه بشيء لم يتصف به، فهو الذي أذل نفسه في الواقع، فلا تخش منه، تحده ليقيم البرهان والدليل على دعواه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنها مصداق لقول النبي ﷺ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي»[[أخرجه الترمذي في الجامع (١٣٤١) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.]]، وهذه وإن كانت في دعوى الناس بعضهم مع بعض لكنها في الحقيقة قاعدة عامة، كل إنسان مدعٍ لا بد أن يقيم بينة على دعواه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن محبة الله تعالى غاية لكل الناس حتى غير المؤمن يقول: أنا أحب الله، كذا؟ لقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن رسول الله ﷺ رسول الله حقًّا، وجه ذلك؟ أن الله جعل اتباعه سببًا لمحبة الله للعبد.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه كلما قوي اتباع الإنسان للرسول ﷺ كان أقوى برهانًا على صدق محبته لله، فهذه من علامة محبة الإنسان لربه، فإذا رأيت الإنسان شديد الاتباع لرسول الله ﷺ فاعلم أنه شديد المحبة لله، كل إنسان يتبع الرسول ماذا يريد؟ يريد الوصول إلى الله عز وجل، ولا شيء يراد الوصول إليه إلا هو محبوب للإنسان، الذي تكرهه لا تسعى في الوصول إليه، تسعى في أيش؟ في الهرب منه والبعد منه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن اتباع النبي ﷺ سبب لمحبة الله للعبد؛ لقوله: ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة:أنه ينبغي للإنسان أن يجيب غيره بما هو أكثر من سؤاله إذا كان محتاجًا إليه، إذا دعت إليه الحاجة؛ لأنه لم يقل: فاتبعوني تحبوا الله، بل قال: ﴿يُحْبِبْكُمُ﴾، ولا أحد يحبه الله إلا وهو يحب الله؛ لأنك إذا أحببت الله عملت فأحبك الله؛ فلهذا أتى بالثمرة المهمة وهي محبة الله للعبد.
* ومن فوائد الآية الكريمة:إثبات المحبة بين العبد والرب من الجانبين؛ لأنه قال: ﴿تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾ فأثبت أن الإنسان يحب الله، ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ أثبت أن الله يحب الإنسان، وهي محبة حقيقية، خلافًا لمن أولها قال: ﴿تُحِبُّونَ اللَّهَ﴾: تحبون ثوابه، ﴿يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾: يثبكم الله، يثبكم، فإن هذا تحريف.
وسبب هذا التحريف القاعدة الباطلة بالسمع والعقل وهي: تحكيم العقل فيما يثبت وينفى عن الله عز وجل، فإن قومًا ادعوا العقلية قالوا: نحن الذين نحكم على الله بما يجب له أو يجوز أو يمتنع، وليس ما أخبر الله هو الذي يحكم بيننا -أعوذ بالله- هذا لازم قولهم وإن كانوا لا يصرحون بهذا لكن هذا لازم قولهم، إذا قيل: قال الله عن نفسه: إنه يُحِب، قال: لا، الله ما يحب، لكن يثيب، إذا قال عن نفسه: إنه يُحَب، قال: لا من يُحِب الله؟ الذي يُحَب هو الثواب، ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ أيش يحبهم؟
* الطلبة: يثيبهم.
* الشيخ: يثيبهم، ﴿يُحِبُّونَهُ﴾: يحبون ثوابه، -سبحان الله- والله إن الإنسان يجد طعمًا لا شيء يشبهه في محبة الله -الله أكبر- ومحبة الله ما هي محبة الثواب، إذا وقع في قلبك محبة الله نسيت كل شيء، حتى الجنة وحتى كل شيء، تحب الله نفسه عز وجل تحبه، حتى أنك ترى أن كل شيء يضمحل ويكون عبدًا لله أمامك، فالمحبة محبة حقيقة لله، محبة؛ ولهذا جاء في الحديث -وإن كان فيه ما فيه-: «أَحِبُّوا اللَّهَ لما يَغْذُوكُمْ بِهِ مِنَ النِّعَمِ»[[أخرجه الترمذي في الجامع (٣٧٨٩) من حديث عبد الله بن عباس.]]، كل النعم من أين؟
* الطلبة: من الله.
* الشيخ: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل ٥٣]، وأكبر نعمة على الإنسان -واللهِ- هي أن يهديه للإسلام ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾ [المائدة ٣]، الإنسان الذي هداه الله للإسلام ليس أحد مثله في النعمة إلا من أنعم عليه بها، فأنت في الحقيقة تحب الله نفسه لذاته ولما أنعم عليكم به من النعم، وليست محبة الله كمحبة الزوجة، كمحبة الطعام، كمحبة الشراب، كمحبة اللباس، كمحبة السكن، كمحبة السيارة، لا، محبة لا يشبهها شيء، وجربْ تجدْ، خل قلبك صافيًا يومًا من الدهر، وصلِّ، وكن متصلًا بالله في صلاتك تجد شيئًا يعني ما يختر بالبال، وتجد شيئًا يبقى أثره مدة طويلة وأنت تتذكر تلك اللحظة التي كنت فيها متصلًا بربك عز وجل.
فالحاصل أننا نقول: لا أحد ينكر محبة الله نفسه إلا من حُرِمها، والله لو نعتقد أننا نحب ثواب الله دون الله ما حرصنا كل الحرص على الأعمال الصالحة، مع أننا مقصرون ما عملنا شيئًا، لكن نقول يعني أن الإنسان يعمل العمل الصالح لله، ولا يعني ذلك أننا لا نلاحظ الثواب، لا، نلاحظ الثواب، لسنا صوفية يقولون: من عمل للثواب فهو للتراب، نقول: نحن نحب الله ونحب ثوابه، لكن الأصل ما هو؟
* طالب: محبة الله.
* الشيخ: محبة الله؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس ٢٦] ما هي ﴿الْحُسْنَى﴾؟ الجنة كلها بما فيها من النعيم، ﴿وَزِيَادَةٌ﴾ النظر لوجه الله، فجعل النظر لوجه الله زائدًا، أمرًا زائدًا عن النعيم؛ لأن الإنسان -الله يجعلني وإياكم ممن ينظر إليه- إذا نظر إلى ربه، فهذا أكمل ما يجد من النعيم واللذة (...)؛ فلهذا نقول: إن محبة الله محبة لله عز وجل حقيقةً ولا مانع.
يقولون: إن المحبة لا تكون إلا بين متلائمين، ولا ملاءمة بين الخالق والمخلوق، وأيش نقول لهم؟
* طالب: دعوى.
* الشيخ: دعوى، دعوى باطلة يبطلها الواقع، ألستم تحبون منازلكم وثيابكم ومركوباتكم؟ إنسان عنده بعير صلف شديد لا يحجزه اللجام، وبعير سهل الانقياد سلس المشي هملاج أيهما أحب إليك؟
* طالب: الثاني.
* الشيخ: ولا الأول؟ الثاني يحبه يقول: روح جيب بعيري؟ جاب له البعير الصلف قال: لا روح رده هات الثاني، لأيش؟ لأن الثاني أحب إليه، من قال: إن المحبة لا تكون إلا بين متلائمين أو متجانسين، من يقول هذا؟ محبة ثابتة.
ثم على فرض أن هذا يكون بين المخلوقات، فليس هذا بين الخالق والمخلوق، الخالق والمخلوق أثبت الله -وهو أعلم- أنه يحِب ويحَب.
إذن في هذه الآية رد على من ينكر أيش؟ محبة الله، المحبة بين الإنسان وبين الرب.
والناس في هذا ثلاثة أقسام: قسم قال: لا محبة بين الرب والعبد من الجانبين، وقسم قال: لا، بل تثبت المحبة بين الرب والعبد من الجانبين، وثالث قال: إن الله يحَب ولا يحِب، والقرآن والسنة يرد على طائفتين ويؤيد طائفة، من نفى المحبة بين الطرفين فقوله باطل، ومن تناقض فأثبتها من جانب العبد دون الرب فقد تناقض أيضًا، الأول قوله باطل ومطرد، قوله مطرد، لكنه باطل، والثاني قوله متناقض وهو باطل، ومن أثبتها بين العبد والرب فهذا هو الذي على الحق؛ لأن الله أثبت ذلك.
* طالب: شيخ، إذا حقق الإنسان الأمور الأربعة التي يكون بها متبعًا للنبي ﷺ العقيدة والقول والفعل هل يتنافي ذلك يعني: هل يمنع محبة الله فعله للمعاصي اختلاطه ببعض المعاصي الصغيرة؟
* الشيخ: لا، قد لا يمنع لكن ينقص بلا شك (...).
بسم الله الرحمن الرحيم، * ومن فوائد الآية الكريمة: الثمرة الجليلة لاتباع رسول الله ﷺ، وذلك بمحبة الله.
* ومن فوائد الآية أيضًا: أنه ينبغي للإنسان إذا عمل العمل أن يشعر نفسه أو أن يستشعر أنه متبع بذلك لرسول الله ﷺ؛ لأن هذه النية مهمة، فينوي الإنسان عند فعل العبادة نيتين: النية الأولى: الإخلاص لله عز وجل، وأنه لم يفعل ذلك إلا طاعة لله وابتغاء لمرضاته، والثانية: أن يشعر بأنه متبع لرسول الله ﷺ حتى يتقن العمل؛ لأنه إذا أخلص لله وأخلص لرسول الله ﷺ بالاتباع أكمل عبادته أكثر وأكثر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الجزاء من جنس العمل؛ لقوله: ﴿فَاتَّبِعُونِي﴾، حيث جعلها برهانًا على صدق دعوى المحبة، وجعل الجزاء من جنسه: أن الله يحب العبد.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن اتباع رسول الله ﷺ سبب لمغفرة الله للذنب؛ لقوله: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾، وهذا ظاهر: أن اتباع الرسول صلوات الله وسلامه عليه من أسباب المغفرة، قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء ٣١]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود ١١٤].
* ومن فوائد الآية الكريمة: كمال إحسان الله سبحانه وتعالى بجزائه على العمل أكثر منه؛ لأن الذي يتبع الرسول يحصل له محبة الله ومغفرة الذنوب، ويتبين لك هذا الفضل بأن الذي منّ عليك بالعمل أولًا هو الله، ثم منّ عليك ثانيًا بالجزاء عليه جزاء أكثر؛ ولهذا ما أعظم شكر الله سبحانه وتعالى للعبد حيث يقول: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن ٦٠]، مع أن إحسان العبد إنما كان بإحسان الله إليه، أليس كذلك؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: فالله تعالى يحسن إليك بالعمل أولًا وثانيًا، أولًا بالتوفيق له، وثانيًا بالجزاء عليه ﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإنسان ٢٢]، شوف الفضل العظيم، كأن الأمر منا ﴿وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾ مع أن التوفيق من الله سبحانه وتعالى.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات هذين الاسمين وما تضمناه من صفة، قوله: ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، ففيهما إثبات الاسمية لله في هذين الاسمين، والثاني إثبات الصفة التي تضمناها، ومعلوم أن كل اسم من أسماء الله يدل على معناه الخاص به، لكن اجتماع الاسمين يدل على معنى ثالث وهو: الجمع بين مغفرة المعائب والرحمة بالعناية بالفضائل؛ لأن المغفرة مقابل الذنوب، والرحمة مقابل العناية بالإنسان، أن الله تعالى يرحم الإنسان، فيحصل من اجتماع هذين الاسمين صفة ثالثة وهي: جمع الرب سبحانه وتعالى بين الإحسان والعناية وبين الوقاية من الذنوب وآثارها بالمغفرة.
ثم قال تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ ﴿قُلْ﴾..
* طالب: فائدة.
* الشيخ: فائدة؟ ما هي؟
* الطالب: أنه لا تترك سنة من سنن الرسول ﷺ حتى لو (...) العوام يكرهون أهل السنة والله سبحانه وتعالى يحب أهل السنة.
* الشيخ: لا ما يمكن، هذا ما يمكن؛ لأنه قد جاء (...) للفاضل ما يجعله مفضولًا، وهذه قاعدة معروفة عند أهل العلم، والتأليف بين المسلمين أمر مطلوب شرعًا، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على أنه إذا كان في ترك السنة تأليف بالعباد، فإن التأليف يجب أن يراعى أكثر، كما قال: إذا أم قومًا لا يرون القنوت في الوتر فلا يقنت، وقال: إذا ائتم بشخص يقنت في الفجر فليتابعه وليؤمن على دعائه، «بل ترك النبي ﷺ بناء الكعبة على قواعد إبراهيم خوفًا من الفتنة »[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٥٨٣)، ومسلم (١٣٣٣ / ٣٩٩) من حديث عائشة.]]، وهذه القاعدة ينبغي لطلبة العلم أن ينتبهوا لها وهو: أنه قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل، وإذا تأملت الشريعة على حسب القواعد العامة وجدت أن كل ما يوجب التنافر بين المسلمين والعداوة بينهم يكون منهيًا عنه، البيع على بيع المسلم والغش وما أشبه ذلك، كل هذا؛ لأنه يوجب التنافر والعداوة بين المسلمين.
والإنسان يمكنه أن يوفق بين فعل السنة وبين التأليف، يفعل السنة في ذات نفسه، في مكان لا ينفر منه الناس، ثم يدعو الناس إليها بالقول قبل كل شيء ويبينها للناس أولًا، فإذا اطمأن الناس إليها سهل تطبيقها عليه وعليهم، فأهم شيء إقناع هؤلاء الذين لا يفهمون، فإذا اطمأنوا عملت معهم السنة على وجه ليس فيه تنفير.
المهم على كل حال أن مراعاة المصالح في الشريعة الإسلامية أمر معلوم، ودفع المفاسد أمر معلوم.
{"ayah":"قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِی یُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق