الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾ في هذه الآية دليل على أن النبي ﷺ له من يحاجه من أعدائه وهو كذلك، فإنهم حاجوه في أصل الدين وفي فروع الدين وسخروا منه وأوجدوا الشبهات الكثيرة منذ بُعِث وإلى يومنا هذا، والناس يثيرون الشبهات حول الدين الإسلامي ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره؛ لأنهم يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم والله متم نوره.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هؤلاء الذين يحاجون الرسول عليه الصلاة والسلام لا يحتاجون إلى كبير عناء؛ لأنهم يُحاجون على أمر واضح؛ ولهذا أمره الله أن يسفههم وأن يقول: ﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾ فإن أسلمتم فهو لكم وإن لم تسلموا فعليكم. ويتفرع على ذلك: أن من علمت أنه إنما يحاجك لقصد نصر قوله ولو كان باطلًا فلك أن تُعرض عنه وتقول: هذا ما أدين الله به، وهذا ما أستسلم له، وتدعه لماذا؟ لأن هذا معاند مكابر وليس أهلًا لأنْ تدخل معه في محاجة أو خصومة؛ لأنه لا يريد الحق، لو كان يريد الحق ما حصلت محاجة.
ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن أتباع رسول الله ﷺ يحذون حذوه في إسلامهم لله وتفويض الأمر إليه؛ لقوله: ﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الوجه أشرف الأعضاء وهو الذي يكون به الانقياد وعدم الانقياد؛ لقوله: ﴿أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ﴾ فإن إسلام الوجه هو الذي يكون به الانقياد؛ ولهذا كان أذل ما يكون الإنسان لربه إذا كان ساجدًا وأقرب ما يكون من ربه إذا كان ساجدًا؛ لأن هذا هو تمام الذل أن تضع أشرف أعضائك على موطئ الأقدام على الأرض.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن النبي ﷺ متبوع لا تابع؛ لقوله: ﴿وَمَنِ اتَّبَعَنِ﴾. ويتفرع على ذلك: أن الواجب على مَن تبين له الحق أن يأخذ به إذا كان يريد أن يكون من أتباع الرسول ﷺ، أما من يلوي أعناق النصوص إلى قوله فهذا ليس بمتبع الحقيقة؛ لأن بعض الناس إذا قال قولًا وجاء في النص القرآني أو النبوي ما يخالف قوله حاول أن يلوي عنق النص ويحرف النص من أجل أن يكون موافقًا لقوله وهذا حرام؛ لأنك أنت تابع ولست بمتبوع.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يمكن أن يكون قول أحد من أهل العلم حجة على الآخرين؛ لماذا؟ لأن الكل تابعون لا متبوعون، ومن أراد أن يكون الناس أتباعًا له لا للحق فقد جعل نفسه شريكًا في الرسالة، والواجب أنك إذا دعوت إلى الحق ألا تريد أن يتبعك الناس لأنك فلان بن فلان، بل أن يتبع الناس قولك لأنه هو القول الذي دل عليه الدليل.
* ومن فوائد الآية الكريمة:النداء بالسفه والبلاهة على مَن جادل وعارض دون أن يستسلم لله؛ لقوله: ﴿فَقُلْ﴾: ﴿أَأَسْلَمْتُمْ﴾. وإن جعلناها أمرًا فالأمر واضح.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان عظيم منة الله عز وجل على العرب ببعثة الرسول ﷺ، وجه ذلك أنه قال: ﴿لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ﴾ فرْق بين الوصفين بين من أوتي الكتاب وبين الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، فالذين أوتوا الكتاب أصحاب علم وأصحاب كتاب، والأميون أصحاب جهل لكنهم ببعثة الرسول عليه الصلاة والسلام كانوا هم أهل الكتاب حقًّا؛ لأن هذا الكتاب الذي نزل على رسول الله ﷺ وصفه الله بأنه مصدِّق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه، فصار -والحمد لله- صار هؤلاء الأميون هم أهل الكتاب الحق، فيكون في هذا بيان عظيم منة الله عز وجل على العرب ببعثة الرسول ﷺ حيث كانوا في الأول أميين جاهلين، وفي الثاني أهل كتاب وزكاء: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران ١٦٤].
* ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب الإسلام لله سواء قلنا: إن الاستفهام لاستبلاه هؤلاء القوم والإنكار عليهم، أو قلنا: إنه للأمر، فإنه يدل على وجوب الإسلام والاستسلام لله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن أهل الهدى هم المسلمون؛ لقوله: ﴿فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾. ومن فوائدها أيضًا: أن مَن لم يسلم فهو ضال؛ فإن كان قد علم بالحق كان من الضالين المغضوب عليهم؛ لأن كل من علم الحق ولم يتبع فهو مغضوب عليه.
يقول عز وجل: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾ في هذه الجملة التحذير تحذير مَن تولى بعد أن دُعِي، فإن قوله: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ لا شك أنه يحذرهم من مخالفتهم؛ لأن الرسول ﷺ بلغ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يجب على من بلغ إلا البلاغ، أما الهداية فإلى الله؛ لقوله: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾. ومن فوائدها: وجوب البلاغ على رسول الله ﷺ؛ لقوله: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾. ومن فوائدها أيضًا -وهي فرع عما قبلها-: أن من آتاه الله علمًا بهذا الوحي وجب عليه البلاغ خلفًا لمن؟ لرسول الله ﷺ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى أن الإنسان لا يُسأل عن عمل غيره، أن يقوم بما يجب عليه وأما غيره فأمره إلى الله؛ لقوله: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾ ولم يقل: فإنما عليك إثمهم، ﴿عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾ وأنت سالم من إثمهم. وهذه الآية أحد الفائدة يتفرع عنها مسائل كثيرة منها ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام حين «قالَ له قومٌ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ قومًا يأتوننا باللحمِ لا ندري أَذَكروا اسمَ اللهِ عليه أم لا؟ فقال لهم: «سَمُّوا أَنْتُمْ وَكُلُوا»[[أخرجه البخاري (٢٠٥٧)، وابن ماجه (٣١٧٤) واللفظ له من حديث عائشة رضي الله عنها.]]. إشارة إلى أنك إنما تطالَب بفعلك أما فعل غيرك فلست منه في شيء، ما قال: تأكدوا هل سَمَّوْا أم لا؟ قال: «سَمُّوا أَنْتُمْ». وهذه التسمية التي أمر بها الرسول ﷺ أهي على فعل الذابحين أو على فعل الآكلين؟
* الطلبة: على الآكلين.
* طالب: على الذابحين.
* الشيخ: طيب إذا كانت على فعل الذابحين كما قاله من قاله منكم فهذه تسمية على فعل سابق، وهل فيها فائدة؟
* الطلبة: ما فيها فائدة.
* الشيخ: ما فيها فائدة، الفائدة أن تسمي على فعل لاحق، وعلى هذا فقوله: «سَمُّوا». أي على الأكل؛ لأن الذبح تولاه غيركم وهو المسؤول عنه، أما أنتم فعليكم التسمية عند الأكل، وهذا من نعمة الله، لو كنا مأمورين أن نبحث عن فعل غيرنا لوقعنا في حرج لا نهاية له، كأن إذا قدَّم لنا إنسان لحم نقول له: تعال من ذبحها؟ فلان؟ هل سمى أو لا؟ من أين اشترى هذه الشاة؟ هل غصبها أو سرقها؟ قد تكون مسروقة، إذا قال: اشتراها من فلان، فلان من أين اشتراها؟ أو سرقها أو كيف؟ لو أننا أُمرنا بأن نبحث عن فعل غيرنا لكنا إذا تقدم الإمام قلنا تعال أنت متوضئ ولَّا لا؟ عليك جنابة ولََّا ما عليك جنابة؟ في ثوبك نجاسة أو طاهر؟ هل هو مغصوب ولَّا حلال؟ مشكلة، لكن من نعمة الله أننا لا نُسأل عن فعل غيرنا، كل من فعل فعلًا وهو أهل له فإننا لا نَسأل عنه، والسؤال عنه من التنطع وتكليف النفس ما لم تكلَّف به؛ ولهذا قال: ﴿إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾ فأنت تقوم بفعلك وهم يحاسَبون على فعلهم؛ ولهذا قال: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾.
* من فوائد الآية الكريمة: إثبات اسم البصير لله عز وجل على أنه يحتمل أن يكون المراد بالبصير هنا الصفة؛ لأنه قيَّدها قال: ﴿بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾، واسم الله غير المقيد مثل و﴿اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج ٦١] وما أشبهه.
* ومن فوائدها أيضًا: عموم علم الله عز وجل؛ لقوله: ﴿بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ أي بجميع أحوالهم.
ومن فوائد الآية: التحذير من مخالفة الله، كيف؟ إذا كان الله بصيرًا بي فكل إنسان يخجل ويستحيي أن يفعل ما نهاه الله عنه أو أن يترك ما أمره الله به؛ لأنه يعلم أن الله بصير به وسوف يعاقبه.
{"ayah":"فَإِنۡ حَاۤجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِیَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ وَقُل لِّلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡأُمِّیِّـۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ فَإِنۡ أَسۡلَمُوا۟ فَقَدِ ٱهۡتَدَوا۟ۖ وَّإِن تَوَلَّوۡا۟ فَإِنَّمَا عَلَیۡكَ ٱلۡبَلَـٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِٱلۡعِبَادِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق