الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
قوله: ﴿وَلِلَّهِ﴾ الجار والمجرور خبر مقدم، ﴿مُلْكُ﴾ مبتدأ مؤخر، ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ جملة استئنافية.
قوله: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ﴾ ملك السماوات أي: ملك الأعيان وملك التصرف، فهو مالك لأعيانهم، وهو مالك للتصرف فيها، قال الله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ ٢٢-٢٣] ﴿لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ يعني على سبيل الاستقلال، ﴿وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ﴾ على سبيل المشاركة، ﴿وَمَا لَهُ﴾ أي ما لله، ﴿مِنْهُمْ﴾ أي من هؤلاء الآلهة التي تدعونها ﴿مِنْ ظَهِيرٍ﴾ أي من معين، ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ أي: لا أحد يشفع عند الله إلا بإذنه.
هذه الآية يقولون: إنها قطّعت علائق المشركين الذين يعبدون الأصنام والأوثان؛ لأنه يقول: هذه الأصنام هل لها ملك مستقل في السماوات والأرض؟ هل شاركت الله؟ هل أعانته؟ هل تنفع شفاعتها إلا بإذنه؟ لا، كل جواب بالنفي، وعلى هذا فلا ينفعهم، لا تنفعهم عبادة هذه الأصنام.
المهم أن قوله: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ﴾ يشمل أيش؟ الأعيان والتصرف، فالله تعالى مالك الأعيان ومالك التصرف، وقوله: ﴿السَّمَاوَاتِ﴾ يعني السبع، ﴿وَالْأَرْضِ﴾ للجنس، فتشمل الأرَضين السبع.
﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ والقدرة هي التمكن من الفعل بلا عجز، التمكن من الفعل بلا عجز يسمى قدرة، والتمكن من الفعل بلا ضعف يسمى قوة، قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً﴾ [الروم ٥٤] فقابل الضعف بالقوة، وقال: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا﴾ [فاطر ٤٤] فقابل القدرة بأيش؟
* طالب: بالعجز.
* الشيخ: ﴿لِيُعْجِزَهُ﴾ بالعجز، فالقدرة ضدها العجز، والقوة ضدها الضعف.
وقوله: ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ عام في كل شيء، فما من موجود إلا والله قادر على إعدامه، وما من معدوم إلا والله قادر على إيجاده، وما من موجود إلا والله قادر على تغييره وتحويله من شيء إلى آخر. إذن هو على كل شيء قدير، وهو قادر على أفعاله، أليس كذلك؟ نعم، قادر على أفعاله، يفعل ما يشاء، وهو قادر على ذاته؟
* طالب: غير وارد.
* الشيخ: يقولون: إن ذات الله عز وجل إذا قصدت أن الله قادر على إعدامها مثلًا حاشا وكلا، فإن هذا لا تتعلق به القدرة أصلًا؛ لأنه من المستحيل، ولهذا قال السفاريني رحمه الله في عقيدته، قال:
؎لَهُ الْحَيَاةُ وَالْكَلَامُ وَالْبَصَرْ ∗∗∗ سَمْعٌ إِرَادَةٌ وَعِلْمٌ وَاقْتَدَرْ؎بِقُدْرَةٍ تَعَلَّقَتْ بِمُمْكِــــــــــــنِ ∗∗∗ ....................
ولكن مع ذلك نقول: من الأدب أن تقول: إن الله على كل شيء قدير وتسكت؛ لأن الآيات التي جاءت بهذا عامة، ولا تقل: إن الله لا يقدر على الشيء المستحيل؛ لأن المستحيل أصلًا لا يتعلق به الفعل، يعني مثلا: السكون والحركة هل يمكن أن يجتمعا؟ لا يمكن؛ لأنه إن تحرك لم يكن ساكنًا، وإن سكن لم يكن متحركًا.
إذن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الساكن متحركًا والمتحرك ساكنًا، لكن تريد أن يكون ساكنًا متحركًا في آن واحد لا يمكن، ساكن يعني غير متحرك، متحرك يعني غير ساكن.
فإذا قال قائل: هل يمكن أن يجعل الله المتحرك ساكنًا؟ نعم، يحول المتحرك إلى ساكن. أو يجعل الساكن متحركًا؟ نعم، لكن يجعل حركة وسكونًا في آن واحد لا يمكن أصلًا؛ لأن ما دام حركة يعني أيش؟ يساوي عدم سكون، سكون يساوي عدم حركة، بمجرد أنه يتحرك انتفى عنه السكون، بمجرد ما يسكن انتفى عنه الحركة.
ولكن كما قلت لكم: من الأدب أن نقول: إن الله على كل شيء قدير، ولا حاجة أن نفصل، إنما نحن نشعر بأنفسنا أن المستحيل لا يمكن، على اسمه: مستحيل.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، أفلا يكون صوابًا مثلًا لو قيل: إن (أل) في (الكتاب) للجنس المراد بها الكتب المنزلة عمومًا، ومنها القرآن، ويكون قول الله عز وجل: ﴿فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ بيانًا لبعض ألفاظ العموم، ومنهم اليهود والنصاري، فإن هذا أعم.
* الشيخ: هو أعم لا شك، هو أعم لكن حتى لو فرضنا أن العموم اللفظي لا يشمل هذه الأمة في قوله: ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾، فالعموم المعنوي يشمله، وإلا الظاهر من اللفظ أن المراد أهل الكتاب، كما قال في الأول: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ لكن نقول: هو وإن لم يعم هذه الأمة من حيث اللفظ لكن يعم من حيث المعنى.
* طالب: في قول الله سبحانه وتعالى في الحديث الطويل في صحيح مسلم: «إِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَدِيرٌ» » في آخر الحديث وآخر من يدخل في الجنة (...)؟
* الشيخ: لا؛ لأنه إذا تعلق بفعل خاص صح أن نقيد القدرة بالمشيئة؛ لأن هذا الرجل استغرب أن يدخل الجنة بعدما حصل له فقال: «إِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ»[[أخرجه مسلم (١٨٧ / ٣١٠) من حديث ابن مسعود.]]، وهو كقوله تعالى: ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشورى ٢٩]، يعني إذا شاء جمعهم فهو قدير عليهم، وهو قدير سواء شاء أم لم يشأ، لكن لما تعلق بفعل معين صح أن يقيد بالمشيئة.
نظير ذلك في الإنسان مثلًا: تقول: أنا على ما أشاء قادر، يعني لو إنسان قال: كيف تفعل كذا وكذا هل تقدر عليه؟ قال: نعم، الذي أريده أقدر عليه، ليس المعنى أني ما أقدر إلا على ما أريد، أقدر على ما أريد وما لا أريد، ولكن لما كان يتعلق بفعل معين صح أن يقيد بالمشيئة. كأنه يقول: إذا شئت هذا الشيء فأنا قادر عليه.
* طالب: كثير من أهل العلم أو الذي لديه علم عندما تسأله تقول له: لماذا لا (...) علمك وتنصح الناس يقول: أنا ليس لدي علم (...) هل يخوَّف في الله؟
* الشيخ: نعم، يخوف في الله، يقال: يجب أنك تنشر والناس حاجتهم للعلم.. أحيانًا تكون مقتضى الحال الحاجة للعلم، كما لو شاعت بدعة في الناس، على سبيل العموم، فيجب عليك أن تبين، وأحيانًا يسألك الإنسان سؤالًا خاصًّا، فيجب أن تبين أيضًا، ولهذا نقول: سؤال بلسان المقال وسؤال بلسان الحال، السؤال بلسان المقال أن يأتي شخص إليك ويقول: ما تقول في كذا وكذا، هذا سؤال بلسان المقال، يجب أن تبين له الحق، إلا إذا علمت أنه ذو هوى، وأنه يريد أن يأخذ ما عندك فقط دون أن يعمل به، فهنا قال الله تعالى لنبيه ﷺ: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [المائدة ٤٢]؛ لأنهم لا يتحاكمون إلى الرسول يريدون الحق، لكن يريدون ما عنده، إن وافق أهواءهم أخذوا به، وإلا تركوه، أما لسان الحال فأن يشيع في الناس عمل محرم أو بدعة أو ما أشبه ذلك، فيبينه للناس؛ لأن الحال تقتضي البيان.
* طالب: ﴿فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران ١٨٧]، أقول: (ما) في ﴿بِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ هل نافية أم.. هل موصولة أو؟
* الشيخ: موصوفة؟
* الطالب: أو مصدرية؟
* الشيخ: يجوز. لا، ما تصلح مصدرية، هي إما موصولة أو موصوفة.
* الطالب: لو كان موصوفة (...).
* الشيخ: إي مخصصة.
* الطالب: مخصصة بإيه؟
* الشيخ: إي نعم، بالوصف (يشترون).
* طالب: جزاكم الله خيرًا، بالنسبة للذي يبين نقول: يبين في مجالس خاصة وعامة وبالكتاب كل ما استطاع، لكن لو اقتصر الرجل على نوع منهم، مثلًا يقوم ببعض الأشخاص ويدرسهم دروسًا خاصة، هل يقال: إن هذا تمييز؟
* الشيخ: هل يقال نعم، لأنه قد يكون من المصلحة ألا تدرِّس كل ما علمت، قد يكون من المصلحة أن تركز على الفقه، على التوحيد، على التفسير، لكنك متهيئ ومستعد لبيان العلم بأي وسيلة.
* طالب: شيخ، جزاك الله خيرًا، بالنسبة للعموم في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [آل عمران ١٨٧] هل هو عام مخصوص في وقت النبي ﷺ؟ لأنه كثير من أهل الكتاب ما كتموا.
* الشيخ: كيف ما كتموا؟ الآن يعني؟
* الطالب: لا، منذ بعث موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام، يعني حصل منهم الأحبار والربانيون عملوا بالكتاب.
* الشيخ: هذا يعني يعتبر نادرًا، مثل عبد الله بن سلام رضي الله عنه، أسلم وحسن إسلامه وهو من أحبارهم، لكن هذا يعتبر نادرًا، العبرة بالعموم.
* طالب: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ﴾ الضمير يعود على العلم أو على الكتاب.
* الشيخ: أو على الميثاق، الكتاب ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ﴾ [آل عمران ١٨٧]، أي الكتاب.
* الطالب: الكتاب؟
* الشيخ: نعم.
طالب: جزاكم الله خيرًا، بالنسبة للعموم في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [آل عمران ١٨٧] هل هو عام مخصوص في وقت النبي ﷺ لأنه كثير ما كتموا؟
* الشيخ: كيف ما كتموا؟
* الطالب: كثير من أهل الكتاب.
* الشيخ: الآن يعني؟
* الطالب: لا، منذ بعث يعني موسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، يعني حصل منهم الأحبار والربانيون عملوا بالكتاب.
* الشيخ: هذا يعني يعتبر نادرًا؛ ولهذا مثل عبد الله بن سلام رضي الله عنه أسلم وحسن إسلامه وهو من أحبارهم، لكن هذا يعتبر نادرًا، العبرة بالعموم.
* طالب: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ﴾ الضمير يعود على العلم أو على الكتاب؟
* الشيخ: أو على الميثاق الكتاب ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ﴾ أي الكتاب.
* الطالب: الكتاب؟
* الشيخ: نعم.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (١٩٢) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (١٩٣) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (١٩٤)﴾ [آل عمران ١٩٠ - ١٩٤].
* الشيخ: أحسنت، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠)﴾ قوله: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ﴾ لا يخفى أن هذه الجملة مؤَكدة، بماذا؟
* طالب: بأداة التوكيد.
* الشيخ: وما هي أداة التوكيد؟
* الطالب: أداة التوكيد (إن).
* الشيخ: (إن).
وأن فيها اختلافًا في ترتيب الجزأين، أعني جزأي المبتدأ والخبر، فما هذا الاختلاف؟
* طالب: تقديم الخبر.
* الشيخ: تقديم الخبر، ﴿فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ﴾ هذا الخبر.
وأن فيها مؤكدًا آخر غير (إن)؟
* طالب: اللام في ﴿لَآيَاتٍ﴾.
* الشيخ: اللام في ﴿لَآيَاتٍ﴾، نعم.
يقول الله عز وجل مؤكدًا مضمون هذه الجملة الخبرية: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ﴿خَلْقِ﴾ الخلق هو: الابتداع على غير مثال سبق، يعني: إيجاد الشيء على غير مثال سبق يسمى خلقًا.
وفي خلق السماوات والأرض آيات من عدة أوجه:
الوجه الأول: من جهة الكِبر والسعة.
الوجه الثاني: ما فيهما من الحسن والبهاء والجمال، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ [الملك ٥]، والذي يطَّلع على ما صوره العلماء من هذه الآيات العظيمة يتبين له عظمة الله عز وجل في هذا الخلق.
كذلك في خلق السماوات من جهة إتقانها وعدم تخلخلها، قال الله تعالى: ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ [الملك ٣، ٤].
في خلق السماوات بما أودع الله فيهما من المادة؛ المواد المتعددة المختلفة الأنواع والأشكال والمنافع، كما قال الله تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ﴾ [الرعد ٤] يعني: متجاورات بعضها إلى جوار بعض ولكن بينها من الاختلاف ما لا يعلمه إلا الله.
فيهما أيضًا: ما فيهما من المنافع العظيمة للخلق، فالشمس فيها خير عظيم، والقمر كذلك، والأشجار وغيرها، كلها فيها خيرات عظيمة من آيات الله عز وجل، فأنت ترى النخيل على أرض واحدة وتسقى بماء واحد، ويفضل الله بعضها على بعض في الحجم واللون والمذاق والادخار، وهي جنس واحد لكنها مختلفة.
والآيات في هذا كثيرة، لو أن الإنسان جلس يتدبر ويتأمل ويكتب كل ما يَعِن على خاطره لجمع آيات كثيرة في هذا، ونحن مأمورون أن نتدبر: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [الروم ٨] مأمورون بأن نتدبر ما في السماوات والأرض من الآيات لنستدل بها على كمال قدرة الله عز وجل وما في ذلك من الحكم العظيمة والرحمة.
وقوله: ﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ هذا التعبير القرآني غالبًا أن الله يذكر السماوات مجموعة إلى الأرض مفردة، ولم يأت في القرآن الكريم التصريح بعدد الأرض بخلاف السماء، فقد جاء التصريح بأنها سبع سماوات كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق ١٢]، وقال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [المؤمنون ٨٦]، أما الأرضون فجاءت مشارًا إليها بأنها سبع في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ أي: في العدد لا في الكيفية ولا في الماهية، وجاءت السنة صريحة في هذا في قول النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ طَوَّقَهُ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣١٩٨)، ومسلم (١٦١٠ / ١٣٧) ولفظه له بزيادة: «ظلمًا» من حديث سعيد بن زيد بن عمرو.]].
وقوله: ﴿وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ أيضًا هذا فيه آياتٌ اختلافُ الليل والنهار، يعني أي وجهٍ من الاختلاف يراد؟ الجواب: أنه يراد اختلافهما من وجوه شتى:
أولًا: من جهة أن الليل ظلمة والنهارَ نور، وهذا من آيات الله، قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣)﴾ [القصص ٧١ - ٧٣]، فهذا من آيات الله، ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ﴾ [الإسراء ١٢].
كذلك أيضًا اختلافهما من جهة الطول والقصر: أحيانًا يطول الليل، وأحيانًا يطول النهار، وأحيانًا يتساويان، ولا أحد يستطيع أن يقوم بهذا، فهو من آيات الله.
ولو أن أهل الأرض كلهم اجتمعوا على أن يُدخلوا من الليل جزءًا في النهار ما استطاعوا، ولا العكس، فهذا من آيات الله.
ويدخل في هذا: اختلاف الليل والنهار، يدخل فيه اختلافهما حرًّا وبردًا، أحيانًا يكون هذا حارًّا وهذا باردًا، وأحيانًا يتساويان.
ومن ذلك أيضًا: اختلافهما في الرخاء والشدة، أحيانًا تمر بك الأيام رخاء، وأحيانًا تمر بك الأيام شدة.
ومنها أيضًا؛ من هذه الآيات: اختلافهما في العز والذل، والنصر والخذلان؛ يُنْصَر أحيانًا أقوام ويخذل هؤلاء الأقوام في آن آخر، وهكذا.
فإذنْ الليل والنهار فيهما آيات في اختلافهما، في ذاتهما، وفيما يقع فيهما، قال الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران ١٤٠]، ولو تأمل الإنسان لوجد أكثر مما ذكرنا من اختلاف الليل والنهار.
وقوله: ﴿لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ (آيات) جمع، الآيات هنا؛ لأنها متنوعة ومتعددة، ولكنها لا يفهمها ولا يتخذها آياتٍ إلا أولو الألباب؛ ولهذا قال: ﴿لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ أي: لأصحاب العقول، وسُمي العقل: لبًّا؛ لأنه خالص الإنسان، كما أن اللُّب خالص الحبة مثلًا، فالإنسان بعقله وليس بفكره، والعقل ليس هو الذكاء كما قد يتبادر لأذهان كثير من الناس، ولكن العقل هو الرشد في التصرف، كلما كان الإنسان أسدَّ رشدًا وتصرفًا كان أعقل، وليس كلما كان أذكى فهو أعقل لا، لا يمكن؛ لأنه قد يكون من الأذكياء من هو أبعد الناس عن العقل.
ولهذا يمكن أن نقول لصناديد الكفرة الممتلئين ذكاءً نقول: إنهم غير عقلاء وإن كانوا أذكياء، قال الله لبني إسرائيل: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة ٤٤] مع أنهم عندهم عقل، فأصحاب الألباب هم الذين يعرفون ما في هذه الأشياء الأربعة من الآيات العظيمة: خلق السماوات، خلق الأرض، اختلاف الليل، اختلاف النهار.
ثم بين الله تعالى ما يتصف به هؤلاء فقال: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ﴾ وهذه صفة مبيِّنة، يعني لنا أن نجعلها عطف بيان، ولنا أن نجعلها صفة مبينة لحالهم، ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ يعني: يذكرون الله على كل حال.
﴿قِيَامًا﴾ وهي أعلى ما يكون الجسد قائمًا، ﴿وَقُعُودًا﴾ وهي مرتبة بين القيام والاضطجاع، والثالثة: ﴿عَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ يذكرون الله بأي شيء؟ يذكرون الله سبحانه وتعالى بالتأمل في هذه المخلوقات، كلما رأوا شيئًا استدلوا به على كمال حكمة الله وقدرته وعلمه، وهذا ذِكر، يذكرون الله بألسنتهم بالتهليل والتسبيح والتكبير وقراءة القرآن وغير ذلك، يذكرون الله بجوارحهم بالقيام والقعود والركوع والسجود في الصلاة، بالطواف بالبيت، بالوقوف بمزدلفة، بالوقوف بعرفة، بالوقوف بمنى، برمي الجمار، كل عبادة تتعبد لله تعالى وهي عبادة فعلية فهي من أيش؟ من ذكر الله؛ لأنك تريد بها وجه الله، وبذلك تكون ذاكرًا له.
وقوله: ﴿وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ يذكرون الله على جنوبهم بالقلوب والجوارح؛ لقول النبي ﷺ لعمران بن حصين: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»[[أخرجه البخاري (١١١٧) من حديث عمران بن حصين.]].
﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ﴿يَتَفَكَّرُونَ﴾ التفكر: إعمال الفكر، يعني: إعمال المخ كما يقولون، يفكر في خلق السماوات والأرض لأي شيء خلقت؟ وكيف خلقت؟ وكيف رفعت السماء؟ وكيف سطحت الأرض؟ وما أشبه ذلك. المهم أنهم يعملون أفكارهم، ثم يتفكرون هل هذه السماوات والأرض خلَقَت نفسها أم كانت مخلوقة؟ يستنتجون بهذا التفكير أن السماوات والأرض كانتا مخلوقتين؛ لأنهم بالتفكير يطَّلعون على ما لا يطلع عليه غيرهم.
وقوله: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ﴾ هذه الجملة مقولٌ لقول محذوف، يعني: يقولون: ربنا ما خلقت هذا باطلًا، يعني بعد أن يتفكروا في خلق السماوات والأرض تحصُل لهم هذه النتيجة المباركة: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾.
قوله: ﴿مَا خَلَقْتَ﴾ هذه نافية، وقوله: ﴿بَاطِلًا﴾ حال لازمة لو حذفت لفسد الكلام، وعلى هذا فتكون لازمة، والقاعدة في الحال اللازمة هي التي لو حذفت لفسد الكلام، لو حُذِفت ﴿بَاطِلًا﴾ لكان اللفظ: ربنا ما خلقت هذا، مع أنه خلقه، وكم من جملة حالية أو مفرد حال صار لا بد منه في الكلام، وتسمى هذه: حال لازمة.
وقوله: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾ يعني: يا ربنا، فهو منادى منصوب بياء النداء المحذوفة، ﴿سُبْحَانَكَ﴾ سبحان: اسم مصدر منصوب على المفعولية المطلقة، وعامله محذوف، والتقدير من حيث المعنى: نسبحك تسبيحك، أي: ننزهك تنزيهك اللائق بك، وأصل التسبيح: التنزيه والإبعاد عن السوء، ومنه قولهم: سبَح فلان، يعني أبعد، ونزل في الماء يَسْبَح.
وقوله: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ أي: تنزيهًا لك أن تخلق هذه السماوات والأرض باطلًا، وقد بين الله في آية أخرى أن من ظن أن الله خلق شيئًا باطلًا فقد أخذ بظن مَن؟ بظن الكفار، ما الدليل؟ ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص ٢٧]، ولهذا قال: ﴿فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ الفاء هذه مُفَرِّعة للجملة الثانية عن الأولى.
و(قِ): فعل أمر مكون من حرف واحد؛ لأنه أيش؟ فعل ناقص وأوله حرف علة، والفعل الثلاثي الناقص الذي أوله حرف علة يكون عند الأمر أو الجزم على حرف واحد، فتقول: (قِ): مأخوذ من (وقى)، (عِ): من (وعى)، (دِ): من الدية من (ودى)، ولها أمثلة كثيرة ذكرها الخضري رحمه الله في حاشيته على شرح ابن عقيل على الألفية، وهذه الحاشية -أعني حاشية الخضري على شرح ابن عقيل- من أحسن الحواشي التي كتبت على شروح ألفية ابن مالك؛ لأنه متأخر وجمع أقوال من سبقه، وله تحرير جيد في بعض الأشياء التي يحررها، فأُشير بها على كل من أراد أن يقرأ ألفية ابن مالك وشرحها لابن عقيل، فإن هذه الحاشية مفيدة، وقد ذَكر عدة أمثلة للفعل الثلاثي المبدوء بحرف علة المختوم بحرف علة بأنه تُحذف منه أيش؟ العلتان.
النحويون يقولون: ما أوله حرف علة فهو مثال، وما وسطه حرف علة فهو أجوف، وما آخره حرف علة فهو ناقص أو مقصور كذا؟ نعم.
﴿فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ (قنا) مأخوذ من (الوقاية)، أي: قنا عذاب النار بما تشاء؛ إما بعدم إدخالها، يعني أن لا ندخلها أصلًا، أو بإخراجنا منها بالشفاعة؛ لأن المؤمن الفاسق يستحق دخول النار على فسقه ثم بعد ذلك يُخرج منها، وقد يعفو الله عنه؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء ٤٨].
نذكر فوائد هاتين الآيتين:
* من فوائد الآية الأولى: الحث على تدبر خلق السماوات.
* طالب: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [آل عمران ١٨٩].
* الشيخ: ما شرحناها؟
* الطالب: ما أخذنا الفوائد.
* الشيخ: الفوائد، الآية التي قبل هاتين.
* من فوائد قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: أن ملك السماوات والأرض خاص بالله عز وجل، ووجهه تقديم الخبر، والقاعدة: أنه إذا قدم ما حقه التأخير كان ذلك دليلًا على الحصر.
* ومن فوائدها: أن الملك المطلق لله وحده؛ لأنه قدم الخبر على المبتدأ في قوله: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ﴾، وتقييدنا الملك بالمطلق ينفي توهم التعارض بين قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ﴾ حيث حصر الملك له وحده وقوله تعالى: ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [المؤمنون ٦] وقوله: ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾ [النور ٦١]، وجهه: أن الملك المضاف إلى المخلوق ملك مقيد ليس ملكًا مطلقًا، ودليل هذا: أن هذا المالك من المخلوق لو أراد أن يتصرف بماله على خلاف ما جاءت به الشريعة كان ممنوعًا من هذا ولا يملكه، والله جل وعلا يملك مُلكًا عامًّا شاملًا يستغني به عن غيره.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الإشارة إلى أنه لا يجوز للإنسان أن يتصرف في ملكه إلا على حسب إذن الشارع؛ لأن كون الملك لله يدل على أن تصرفنا فيه إنما يكون بطريق الوَكالة، يتقيد بما أيش؟ بما أُذن له؛ ولهذا لو وكّلت شخصًا على بيع بيت لم يملك أن يؤجره؛ لأنه إنما وكِّل على البيع فقط وهو المالك، والمالك الذي يملك البيت لم يأذن له في التأجير إنما أذن له في البيع، فنحن باعتبار ما ملكت أيماننا لا نملكها ملكًا أيش؟ مطلقًا نتصرف فيها كيف شئنا، وإنما تملكنا لها تملك مقيد.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الشيء العام للخلق ليس ملكًا لأحد، الذي أخرجه الله عز وجل وليس من صنع إنسان فهو غير ملك لأحد إلا من سبق إليه بمقتضى النصوص الشرعية، ووجه ذلك: أن الله جعل السماوات والأرض ملكهما لمن؟ له، فإذا كان له فإنك لا تملك شيئًا من أرضه إلا على الوجه الذي أذن فيه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عموم قدرة الله عز وجل؛ لقوله: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وأنت إذا قرأت هذه الآية وطبقتها على ما يورده بعض أهل الباطل من التشكيك في الشريعة فإنك تستريح، مثلًا يقول بعض الملحدين الذين لا يؤمنون باليوم الآخر يقول: كيف يعود الإنسان إنسانًا بعد أن كان أيش؟ ترابًا. وجوابنا على هذا سهل، أن نقول: إن هذا من قدرة الله ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
* ومن فوائدها: أن من آمن بهذا -أي: بأن الله على كل شيء قدير- فإنه يطرد عنه اليأس، كيف ذلك؟ لأن الإنسان قد يُصاب بمرض مثلًا فييأس من بُرئه بعد العلاج، فيقال له: لا تيأس؛ إن الله على كل شيء قدير، وأنت إذا أراد الله أن يبقى المرض بك فقد يكون خيرًا لك؛ لأنك تكسب أيش؟ مِن ورائه الثواب من الله عز وجل: «فَإِنَّهُ لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ هَمٍّ وَلَا غَمٍّ وَلَا أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ لَهُ بِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٦٤١، ٥٦٤٢) ومسلم (٢٥٧٣ / ٥٢) بنحوه من حديث أبي هريرة.]] يعني: من ذنوبه، فأنت لا تيأس إذا أصابك مرض لا يرجى زواله مثلًا، لا تيأس؛ فإن الله على كل شيء قدير.
* ومن فوائدها: أن ما أخبر الله به عن نفسه من الأمور التي يستبعدها العقل فإنها حق؛ لأن الله على كل شيء قدير، واضح يا جماعة؟ فمثلًا لو قال: كيف ينزل إلى السماء الدنيا وهو على العرش؟ فنقول له: الله على كل شيء قدير، وليس لك أن تعارض ما أخبر به رسول الله ﷺ عن ربه في أحاديث متواترة بمجرد وهم.
ثم قال: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: الحث على التأمل في خلق السماوات والأرض؛ لأن الله ذكر أن فيهما آيات، والآيات هي العلامة، وكلما ازدادت الآيات وضوحًا ازداد الإيمان قوة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: النظر إلى خلق السماوات والأرض على الوجوه التي ذكرناها في التفسير، من حيث ذواتهما ومنافعهما وما فيهما من الخير والمصالح حتى لا يذهب ذاهب إلى أنها خلقت عبثًا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة أيضًا: الإشارة إلى اختلاف الليل والنهار من رخاء إلى شدة وبالعكس، ومن حرب إلى سلم، ومن عز إلى ذل، ومن فقر إلى غنى، وبالعكس في هذه الأمور.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الثناء على أصحاب العقول؛ لأن الله جعل هذا الاختلاف آية لمن؟ لذوي العقول، أما من لا عقل له فإنه لا ينتفع بهذه الآيات ولا يعتبر بها، وتمر عليه وكأنها مَظَاهر طبيعية لا علاقة لفعل الله تعالى بها، وهذا -والعياذ بالله- من الطمس على القلوب وعمى الأبصار؛ لأن هذا الكون المنظم على هذا النظام البديع لا يمكن أبدًا أن يقع إلا من رب حكيم عز وجل، ولا يمكن أن يقع من فاعل على وجه السَّفهِ أبدًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الرب عز وجل أظهر آياته لخلقه مع أن مجرد الإيمان بأن الله تعالى حي موجود يكفي، لكن كلما تعددت الأدلة والآيات ازداد الشيء يقينًا، ودليل هذا أن إبراهيم قال لله عز وجل: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة ٢٦٠]، فالإنسان قد يكون مؤمنًا ولا إشكال عنده في الأمر لكن يحتاج إلى من يطمئنه.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الثناء على العقل، وهو عقل الرشد أو عقل التكليف؟ عقل الرشد؛ لقوله عز وجل: ﴿لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾.
* ومن فوائدها: أنه كلما كان الإنسان أعقل كان بالله وآياته أعلم؛ لقوله: ﴿لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾، والحكم المعلق على وصف يثبت أيش؟ بثبوته ويعدم بعدمه، فإذا كان أصحاب العقول هم الذين ينتفعون بهذه المخلوقات ويستدلون بها على الخالق عز وجل وعلى ما له من صفات الكمال، فإن مَن عقله عقل بهيمي لا ينتفع بهذه الآيات؛ لأنه ليس من ذوي الألباب.
فإن قال قائل: العقول هِبة من الله عز وجل، هبة، فكيف يذم الإنسان على فقدها أو يمدح على وجودها؟
فالجواب: أن العقل -أعني عقل الرشد- نوعان: عقل غريزي، وعقل اكتسابي أو كسبي، فالعقل الغريزي لا يحتاج إلى تأمل وتفكر، وأما العقل المكتسب فإنه يحتاج إلى تأمل ونظر وتفكر؛ لأنه كلما ازداد تفكره ازداد إيمانه ويقينه ورشده.
هل يؤخذ من الآية الكريمة: الثناء على ذوي العقول؟ نعم؛ لأن الله جعل هذه الآيات نافعة لمن؟ لهم؛ لأولي العقول، وعلى هذا فينبغي لك أن تُكرس جهودك على التأمل المبني على العقل حتى يكون عندك عقل غريزي وعقل مكتسب.
ثم قال عز وجل: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ إلى آخره.
* طالب: شيخ، قول لله عز وجل: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ يقيد بعض العلماء القدرة هنا بما تعلقت بممكن فهل هذا الإمكان هو الإمكان العقلي أو الإمكان الواقعي؟
* الشيخ: لا، العقلي، الواقعي قد يكون الشيء غير ممكن وقوعًا لوجود الموانع لكنه عقلًا ممكن.
* طالب: تعريف النحاة الحال بأنها فضلة ما يعارض (...)؟
* الشيخ: لا، المراد بالفضلة ما تستغني عنه أركان الجملة.
* الطالب: كل جملة بحسبها؟
* الشيخ: إي نعم.
* * *
* طالب: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (١٩٢) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (١٩٣) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (١٩٤)﴾ [آل عمران ١٩٢ - ١٩٤].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ أين خبر (إن) في قوله: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؟
* طالب: ﴿لَآيَاتٍ﴾.
* الشيخ: ﴿لَآيَاتٍ﴾ كيف تكون خبرها وهي بالكسرة؟
* الطالب: ﴿لَآيَاتٍ﴾ منصوبة بـ(إن) وعلامة نصبها الكسرة؛ لأنها جمع مؤنث سالم.
* الشيخ: صحيح؟
* طالب: مبتدأ مؤخر.
* الشيخ: سبحان الله! ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ﴾ مبتدأ مؤخر منصوب!
* طلبة: اسم (إن).
* الشيخ: كيف خبر مؤخر؟
* طلبة: اسم (إن).
* الشيخ: اسم (إن)، أنا أسأل عن الاسم (إن) أين؟ هو فأجاب.
* طلبة: خبر (إن).
* الشيخ: كيف؟
* طلبة: عن الخبر، عن خبر (إن).
* الشيخ: على كل هذا هو أجاب بالصواب أن ﴿آيَاتٍ﴾ اسم (إن).
قوله: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا﴾ محله من الإعراب ﴿الَّذِينَ﴾؟
* طالب: ﴿الَّذِينَ﴾ عطف بيان.
* الشيخ: ولا تصلح صفة؟
* الطالب: تصلح صفة.
* الشيخ: تصلح صفة.
قوله: ﴿قِيَامًا﴾ منصوبة على أي شيء؟ منصوبة على أيش؟
* طالب: على الواو.
* الشيخ: لا، ﴿قِيَامًا﴾ ما فيها (واو) أبدًا.
* طالب: على الحال.
* الشيخ: من إيه؟
* الطالب: ﴿قِيَامًا﴾ يعني: حال كونهم قيامًا.
* الشيخ: أين صاحب الحال؟ الحال تحتاج إلى صاحب.
* الطالب: ﴿يَذْكُرُونَ﴾ هم.
* الشيخ: أين صاحب الحال؟
* الطالب: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ﴾ يعني: هم يذكرون الله، مِن ﴿الَّذِينَ﴾.
* الشيخ: من ﴿الَّذِينَ﴾؟
* طالب: من واو الجماعة في: ﴿يَذْكُرُونَ﴾.
* الشيخ: من واو الجماعة في: ﴿يَذْكُرُونَ﴾، تمام.
قوله: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ﴾ محل الجملة من الإعراب؟
* طالب: معطوفة.
* الشيخ: على أيش؟
* الطالب: على ﴿يَذْكُرُونَ﴾.
* الشيخ: ما محلها من الإعراب؟
* طالب: إذا قلنا: إن (الذين) صفة لـ﴿خَلْقِ﴾ قلنا: مجرورة.
* الشيخ: كيف مجرورة؟
* الطالب: يعني: المعطوف على المجرور مجرور.
* الشيخ: أين المجرور؟ ما قلت على ﴿يَذْكُرُونَ﴾؟
* الطالب: (الذين) إي، إي نعم، ﴿يَذْكُرُونَ﴾ حال، طيب تكون حالية.
* الشيخ: حالية، منصوبة على الحال.
* طالب: لا محل لها من الإعراب، صلة الموصول.
* الشيخ: إي، هذه لا محل لها من الإعراب؛ لأنها معطوفة على صلة الموصول، وصلة الموصول ليس لها محل من الإعراب.
قوله: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾ ما محلها من الإعراب؟
* طالب: منصوبة على مقول القول.
* الشيخ: مقول القول المحذوف؛ يقولون: ربنا.
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا﴾.
* يستفاد من الآية الكريمة: أن ذكر الله عز وجل من لوازم العقل ومقتضياته؛ لقوله: ﴿لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ﴾.
* ومن فوائدها: فضيلة إدامة الذكر، ذكر الله عز وجل على كل حال؛ لقوله: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا﴾، وكان أبلغ مَن وفَّى بهذا حقه رسول الله ﷺ، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي ﷺ يذكر الله على كل أحيانه»[[أخرجه مسلم (٣٧٣ / ١١٧) من حديث عائشة.]].
* ومن فوائدها: جواز ذكر الله تعالى للجنب، أي: أنه يجوز للجنب أن يذكر الله؛ لدخوله في العموم: ﴿يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾.
* ومن فوائدها: أن ذكر الله في حال كون الإنسان على جنب لا يُعد استهانة بالذكر، وكذلك قراءة القرآن إذا قرأتها على جنب، وقد ثبت أن النبي ﷺ: «كان يقرأ القرآن متكئًا في حجر عائشة وهي حائض رضي الله عنها»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٩٧)، ومسلم (٣٠١ / ١٥) من حديث عائشة.]].
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة التفكر في خلق السماوات والأرض؛ لقوله: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، ولكن التفكر المقرون بقول: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾، لا التفكر الذي يراد به الاطلاع على العلم المادي فقط في خلق السماوات؛ لأن هذا التفكر وإن كان يفيد الإنسان في الدنيا لكنه لا يفيده في الآخرة، لا بد أن يكون التفكر هذا مُنتجًا هذا القول والإقرار: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه إذا أُثني على المتفكرين في الخلق فالمتفكرون في الشرع من باب أولى؛ لأن الشرع ليس أمرًا محسوسًا، فالتفكر فيه أبلغ في الإيمان من التفكر في الخلق، الخلق أمر محسوس كل إنسان يدركه، لكن حكم وأسرار الشرائع ليس كل أحد يدركها.
* ومن فوائد هذه الآية: التوسل إلى الله تعالى بالربوبية حال الدعاء، وأكثر ما يكون التوسل به من أسماء الله في الدعاء هو الربوبية؛ لأن الربوبية بها الخلق والملك والتدبير، فلهذا نجد أن أكثر ما يُدعى به الربوبية؛ اسم الربوبية أو وصف الربوبية.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: انتفاء الباطل في خلق الله نفيًا مطلقًا، من أين يؤخذ؟ ﴿مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾، وإذا انتفى الباطل نفيًا مطلقًا ثبت الحق، كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (٣٨) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الدخان ٣٨، ٣٩].
* ومن فوائدها: إثبات ما أثبته أهل السنة من أن من صفات الله ما هو منفي أو ما هو سلبي؛ لقوله: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾، والقاعدة عند أهل السنة: أن الصفات المنفية لا يراد بها مجرد النفي، وإنما يراد بها النفي مع إثبات كمال الضد؛ لأنه لثبوت الكمال الضد انتفى هذا الوصف.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الإقرار من هؤلاء العقلاء بأن الله هو الخالق: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾ وهو من تقرير توحيد أيش؟ الربوبية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الحكمة في أفعال الله؛ لقوله: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾؛ لأنه لو خلقها باطلًا لانتفت الحكمة، فإذا انتفى الباطل ثبتت الحكمة، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة: أن أفعال الله وشرائع الله كلها لحكمة، ليس فيها شيء عبثًا إطلاقًا، وما خفيت علينا حكمته فهو لقصور أفهامنا وليس لانتفاء الحكمة فيه، عرفتم هذا؟ لأن الله قال: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء ٨٥]، ونحن نؤمن بأن الله عز وجل لا يحكم بشيء حكمًا كونيًّا ولا قدريًّا إلا لحكمة.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تنزيه الله عز وجل عن كل عيب ونقص، مأخوذة من قوله: ﴿سُبْحَانَكَ﴾، والذي ينزه الله عنه شيئان: النقص، والثاني أيش؟
* طالب: العيب.
* الشيخ: النقص والعيب، هو العيب.
* طالب: مماثلة المخلوقين.
* الشيخ: مماثلة المخلوقين، حتى فيما هو كمال في المخلوقين فإن الله منزه عن مماثلتهم، قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى ١١]، وقال تعالى: ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق ٣٨]، فكل نقص قد تعالى الله عنه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن صفوة الخلق محتاجون إلى الدعاء بالوقاية من النار؛ لقولهم: ﴿سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات التوسل في الدعاء بصفات الله من قوله: ﴿فَقِنَا﴾؛ لأنهم بنوا ﴿فَقِنَا﴾ على قولهم: ﴿سُبْحَانَكَ فَقِنَا﴾ يعني: أننا نتوسل إلى الله عز وجل بتنزهه عن النقص أن يقينا عذاب النار؛ لأننا نحن مؤمنون، يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، ويقرون بأنها خلقت بالحق وللحق، وينزهون الله عز وجل عن كل نقص وعيب، وينبني على ذلك أنهم جعلوا ذلك وسيلة لوقاية الله تعالى إياهم من النار: ﴿سُبْحَانَكَ فَقِنَا﴾؛ لأنه من المعروف في اللغة العربية أن (الفاء) تدل على أيش؟ تفرع ما بعدها على ما قبلها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات النار وهي دار المجرمين والعصاة والظالمين والكفرة؛ لقوله: ﴿فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
في الآية الكريمة كلمتان لا يجوز فصل إحداهما عن الأخرى أين هما؟
* طالب: ﴿مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾.
* الشيخ: ﴿مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾ لو قلت: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا﴾ وسكت أوهم معنًى فاسدًا؛ ولهذا يجب الوصل: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾، مثل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ [النساء ٤٣] لا بد أن تصل تقول: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ لو قلت: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ﴾ فقط فسد المعنى، ومثل: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون ٤، ٥] لا بد أن تصل فتقول: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾؛ وذلك لأنك لو سكت لأوهم أن الوعيد لمن يصلي.
نحن أعربنا ﴿بَاطِلًا﴾؟
* طالب: حال.
* الشيخ: حال منين؟
* طالب: من ﴿هَذَا﴾؟
* الشيخ: من إيه؟ من (ذا)؟ من (هذا)؟
* طالب: من ﴿هَذَا﴾؟
* الشيخ: من (هذا) ﴿هَذَا بَاطِلًا﴾، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي: خلقًا باطلًا، إي نعم.
ثم قال الله عز وجل: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ هذه الآية كالتعليل للدعاء السابق: ﴿قِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾؛ لأن من أدخلته النار فقد أخزيته، ﴿رَبَّنَا﴾ هذه منادى حذفت منها ياء النداء، والتقدير: يا ربنا.
﴿إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ﴾ (إن) واسمها في: ﴿إِنَّكَ﴾، والجملة الشرطية: ﴿مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ في محل رفع خبر (إن).
﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ مبتدأ وخبر، الخبر مقدم والأنصار مؤخر، وهو مجرور بـ(مِن) الزائدة ﴿مِنْ أَنْصَارٍ﴾ والتقدير: وما للظالمين أنصار، هذا إعراب الآية.
يقول هؤلاء السادة العقلاء: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ (مَن) يشمل العصاة والكفار، فالعصاة مستحقون لدخول النار، وإذا أدخلوا النار فإنهم غير مظلومين؛ لأنهم مستحقون لذلك، والكفار مستحقون لدخولها على وجه التأبيد والتخليد، وكلٌّ منهم إذا أدخل النار فقد أخزاه الله أمام العالم، أي: فضحه وهتك سره.
وقوله: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ هنا إظهار في موضع الإضمار، إذ مقتضى السياق أن يقول: وما لهم من أنصار، ولكنه أظهر في موضع الإضمار لفائدتين: الفائدة الأولى: أن هؤلاء مستحقون لهذا الوصف، أعني الذين يُدخلون النار مستحقون لهذا الوصف، أي وصفهم بالظلم، والثاني: العموم: أن كل ظالم حتى وإن لم يدخل النار إذا أراد الله أن يعاقبه فإنه لن يجد من ينصره.
وفيه فائدة ثالثة وهي: إثبات العلة في الحكم، لو قال: وما لهم من أنصار، لم يتبين لنا أن السبب لأنهم ظلموا أنفسهم، فإذا وصفهم بهذا فكأنه بيّن الحكم بعلته.
وقوله: ﴿مِنْ أَنْصَارٍ﴾ يعني: من أعوان؛ لأن الناصر بمعنى المعين، وسواء كان العون في دَفعهم أو في تَخليصهم، فلا أحد يَنصرهم عند إدخالهم فيمنعهم، ولا أحد ينصرهم إذا سقطوا فيها فيُخرجهم، قال الله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة ٢٥٥].
* من فوائد هذه الآية الكريمة؛ أولًا: فقه هؤلاء السادة أولي الألباب، حيث بينوا سبب دعائهم أن يقيهم الله من النار، وأن سبب ذلك هو أن النار دار الخزي -والعياذ بالله- ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات النار؛ لقوله: ﴿مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ﴾.
* ومن فوائدها: أنه لا نصير للظالم وذلك في الآخرة، أما في الدنيا فقد ينصر الظالم ولكن تدور عليه الدوائر، لكن في الآخرة لا أحد ينصره.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الظلم سبب لدخول النار؛ لقوله: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ بعد قولهم: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾.
ثم قال: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾ إلى آخرها.
نقول في ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا﴾ مثل ما قلنا في: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ﴾ أو ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾ أي: أنها منادى حذفت منها ياء النداء.
﴿إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ﴾ سمعوا مناديًا ينادي للإيمان، جملة: ﴿يُنَادِي لِلْإِيمَانِ﴾ صفة لقوله: ﴿مُنَادِيًا﴾ لكن فائدتها أنها بينت ماذا ينادي له، وذلك أن المنادي قد يكون ينادي لكذا ولكذا فبينت ماذا ينادي له، فهي إذن صفة لـ﴿مُنَادِيًا﴾.
وقوله: ﴿أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ﴾ (أن) هذه تفسيرية؛ لأنها جاءت بعد جملة تتضمن القول دون حروفه، وكل (أن) تقع بعد جملة تتضمن معنى القول دون حروفه فإنها تسمى تفسيرية، أي بمعنى: أيْ، ومنه قوله تعالى: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ [المؤمنون ٢٧] يعني أي: اصنع الفلك، فـ(أن) هنا تفسيرية.
وقوله: ﴿رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا﴾ الفاء هذه عاطفة ولكنها تفيد السببية؛ لأنها عطفت جملة على جملة، وقوله: ﴿سَيِّئَاتِنَا﴾ بالكسر مع أنها مفعول به؛ لأنها جمع مؤنث سالم.
وقوله: ﴿مَعَ الْأَبْرَارِ﴾ ظرف، ولكن هنا المراد بالمعية المعية الحكمية لا الزمنية؛ لأن ميتات الأبرار تختلف.
يقولون: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا﴾ قالوا ذلك تحدثًا بنعمة الله على ما أنعم به من إرسال هذا المنادي، وقولهم: ﴿سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ﴾ هذا المنادي أصله المصوِّت، معناها اللفظي: المصوِّت؛ لأن النداء هو رفع الصوت، ولكن المراد به محمد ﷺ، وسماعهم له يقع على وجهين: أحدهما: أن يسمعوا صوته مباشرة بدون واسطة، والثاني: أن يسمعوا من غيره ما جاء به، يسمعوه من ورثته وهم العلماء، وكل هذا داخل في الآية، يعني: السماع المباشر الذي سمعوه من صوته، والسماع غير المباشر والذي سمعوه بالواسطة من ورثته وهم العلماء.
وقوله: ﴿يُنَادِي لِلْإِيمَانِ﴾ قد يقول قائل: إن المتوقع أن يقال: إلى الإيمان، أن يقال: ينادي إليه، ولكنه أتى بـ(اللام)؛ لأن (اللام) ألصق من (إلى)؛ إذ إن (إلى) تفيد الغاية، والغاية لا بد لها من مُغَيّا، والمغيا طرفٌ فهو مؤذن بالبعد، أما ﴿لِلْإِيمَانِ﴾ فهي للإلصاق، ألصق من (إلى).
وقوله: ﴿لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ﴾ هذا بيان للإيمان الذي دعا إليه الرسول عليه الصلاة والسلام ﴿أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾ الإيمان بالله عز وجل هو: الإقرار المتضمن للقبول والإذعان، وليس مجرد الإقرار، لو كان الإيمان مجرد الإقرار لكان أبو طالب مؤمنًا؛ لأنه مقر، ولكنه لا يكون إيمانًا حتى يتضمن أيش؟ القبول والإذعان، يعني الانقياد، فأما إذا لم يقبل أو قبِل ولم يذعن فإنه ليس بمؤمن.
وقوله هنا: ﴿أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ﴾ قد يقول قائل: هل الإيمان يقتصر على ركن واحد وهو الإيمان بالله؟ فالجواب: أن من آمن بالله آمن بكل ما أخبر الله به، ومنه بقية الأصول الستة: ملائكة الله، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، فعلى هذا يكون الإيمان بالله متضمنًا للإيمان ببقية أركان الإيمان، ويكون ذكرها أحيانًا مفصّلة من باب التفصيل والبيان وليس من باب التخصيص؛ فإن الإيمان بالله يتضمن هذا كله، ﴿أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾ يعني: أقررنا بذلك مع الانقياد؛ مع القبول والإذعان.
﴿رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا﴾ أي: بسبب إيماننا اغفر لنا ذنوبنا، والمغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه، وإنما نقول: إنها ستر وتجاوز؛ لأنها مأخوذة من المغفر وهو ما يُلبس على الرأس من الحديد الذي يقي السهام، ومعلوم أن هذا المِغفر فيه ستر وفيه وقاية، فمن قال من العلماء: المغفرة ستر، فإن تفسيره لها ناقص، بل لا بد أن يقال: الستر مع الوقاية.
وقوله: ﴿فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ الذنوب هي المعاصي، وأصلها النصيب، كما قال تعالى: ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ﴾ [الذاريات ٥٩] أي: نصيبًا مثل نصيب أصحابهم، ولكنها خصت بالنصيب من الآثام، والعياذ بالله.
وقوله: ﴿وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا﴾ السيئات طلبوا تكفيرها والذنوب طلبوا مغفرتها؛ لأن السيئات هي الصغائر تكفر بماذا؟ بالأعمال الصالحة؛ بالطاعات، ولا يمكن أن تُكفر بالطاعات إلا بعد أن تكون الطاعات على الوجه الأكمل؛ لأن الطاعات إذا نقصت لم تقوَ على تكفير السيئات، إذ إن الإنسان قد يفعل الطاعة ولا يحصل له منها إلا إبراء الذمة فقط، لكن لا تقوى على التكفير حتى تكون تامة بقدر المستطاع؛ ولهذا قالوا: كفر عنا سيئاتنا بما نفعله من الأعمال الصالحة.
ثم اعلم أن تكفير السيئات قد يكون معينًا من قبل الشرع، أي: ما يُكفر به قد يكون معينًا من قبل الشرع، مثل: كفارة الظهار، كفارة القتل، كفارة الجماع في نهار رمضان، هذا مقيد بالشرع، وقد يكون عامًّا؛ كتكفير السيئات عمومًا بالصلاة، بالوضوء، بالجمعة إلى الجمعة، برمضان إلى رمضان، بالعمرة إلى العمرة، فالتكفير إما مقيد وإما مطلق عام.
﴿وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾ ﴿تَوَفَّنَا﴾ يعني: اقبضنا إليك، والتوفية بمعنى القبض، ومنه قولهم: توفى فلان حقَّه أي: قبضه وافيًا، وقولهم: ﴿مَعَ الْأَبْرَارِ﴾ المعية هنا ليست معية زمنية لتعذُّر اجتماع وفاة الأبرار في أيش؟ في آن واحد لكنها معية حكمية، مصاحبة حكمية، يعني أن نكون معهم، أي: في جملتهم ولو كنا بعدهم، وليست (مع) معية مصاحبة، لا، لاختلاف الأزمان بين موت الأبرار بعضهم مع بعض.
و(الأبرار) جمع (بَرّ)، والبَر هو: كثير الخيرات، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ﴾ [الطور ٢٨]، وأهل الحق والأعمال الصالحة لا شك أنهم كثيرو فعل الخير وأنهم أبرار.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أنه ينبغي للإنسان أن يعترف بنعمة الله عليه غَير مانٍّ بها على ربه؛ لقولهم: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾.
* ومن فوائدها: أن دعوة النبي ﷺ دعوةٌ إلى الإيمان ﴿يُنَادِي لِلْإِيمَانِ﴾.
* ومن فوائدها: بيان أن رسول الله ﷺ بَذَل الجهد في دعوة الخلق إلى الحق؛ لأن النداء يكون برفع الصوت، فكأن الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو الناس بأعلى صوته يناديهم للإيمان.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الكلمات قد يستغنى بمضمونها عن تفصيلها؛ لقوله: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾ أي: بكل شيء يجب الإيمان به، فكل ما أخبر الله به فإذا صدقنا به وأقررنا به فهو داخل في الإيمان بالله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى بيان العلة؛ لقوله: ﴿أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ﴾، فالرب أهل لأن يؤمن به الإنسان؛ لأنه رب خالق مالك مدبر، فهو جدير بأن يؤمن به العبد.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن ذكر الإنسان لعمله الصالح لا يحبطه، فإذا قال: أمرني ربي بالصلاة فصلّيت، أو بالزكاة فزكّيت، أو بالحج فحجَجت، فإن هذا لا يبطل العمل؛ لأنهم قالوا: ﴿أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ﴾ أيش؟ ﴿فَآمَنَّا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز التوسل في الدعاء بالأعمال الصالحة؛ لقولهم: ﴿فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ عطفًا على قولهم: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾، والتوسل بالأعمال الصالحة مما ثبت بالسنة أيضًا، في قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار بصخرة عظيمة لم يستطيعوا زحزحتها، فقال بعضهم لبعض: إنه لا ينجيكم من ذلك إلا أن تتوسلوا إلى الله بصالح أعمالكم، فتوسل كل منهم بصالح عمله، فلما دعا الأول وتوسل بصالح العمل انفرجت الصخرة قليلًا، ثم الثاني قليلًا لكن لا يستطيعون الخروج، ثم الثالث فانفرجت كلها فخرجوا يمشون[[متفق عليه؛ البخاري (٢٢٧٢) ومسلم (٢٧٤٣ / ٩٩) من حديث ابن عمر، وهو مروي هنا بالمعنى.]].
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، أقول: استدلال بعض العلماء بهذه الآية: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ بأن النبي ﷺ كان يذكر الله على كل أحيانه على جواز الذكر في حال الخلاء، ذكر الله عز وجل في حال الخلاء، استدلال متوجه ولَّا فيه نظر؟
* الشيخ: أما من أخذ بالعموم فهو متوجه إلا أن يقوم دليل على كراهة ذكر الله في الخلاء.
* الطالب: قام دليل يا شيخ.
* الشيخ: أنا لا أعلم في هذا دليلًا إلا التعليل فقط.
* الطالب: لكن على التعليل ما فيه دليل؟
* الشيخ: ما فيه إلا التعليل فقط؛ أن هذا مكان قذر فينبغي للإنسان أن يتجنب فيه ذكر الله.
* طالب: شيخ، قول الله عز وجل: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ طائفة الخوارج يستدلون بهذه الآية بأن من أدخل النار يكون منزوع الإيمان.
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: يكون منزوع الإيمان؛ لقوله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾. قوله: ﴿فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾، كيف الرد عليهم؟
* الشيخ: ليس في هذا دليل؛ لأننا نقول: الخزي قد يكون عامًّا دائمًا، وهذا لأهل النار الذي يستحقونها على الدوام، وقد يكون خزيًا جزئيًّا يفضحه ثم بعد ذلك يزول عنه هذه الفضيحة.
* طالب: ما المقصود بالظالمين؟
* الشيخ: المقصود بالظالمين كل ظالم، لا يمكن أن يجد من ينصره في ظلمه، كل ظالم حتى في الدنيا لا يجد من ينصره في ظلمه إلا من كان ظالمًا مثله.
* طالب: هل المقصود الكفار يا شيخ؟
* الشيخ: لا، عام؛ لأننا إذا قلنا: ﴿مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ يشمل العصاة والكفار، صار مثله.
* طالب: شيخ، حد الكبيرة وحد الصغيرة؟
* الشيخ: ما مرت علينا؟
* طالب: كثيرًا.
* الشيخ: قلنا: إن الكبيرة أحسن ما قيل فيها هي: ما رتب عليه عقوبة خاصة، سواء كانت العقوبة دنيوية أو دينية، في الدنيا أو في الآخرة، هذا أحسن ما قيل فيها، وهو الذي ذكره شيخ الإسلام رحمه الله، وقال بعضهم: إن الكبيرة ما رُتب عليه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة، أو لعنة أو غضب، أو نفي إيمان، أو تبرؤ منه، وصاروا يعدون مثل هذا، فإذا قلنا: ما رتب عليه عقوبة خاصة صار أشمل.
ومن المعلوم أن الكبائر بعضها أهون من بعض أو أعظم من بعض؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي بكرة: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ» » بأيش؟ «بَأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٥٤) ومسلم (٨٧ / ١٣٤) من حديث أبي بكرة.]].
* طالب: حلق اللحية يكون من الصغائر هكذا؟
* الشيخ: إي نعم، يكون هذا من الصغائر، لكنه عند العلماء أن الإصرار على الصغيرة يعتبر كبيرة.
* طالب: الدعاء في: ﴿فَاغْفِرْ لَنَا﴾ ﴿وَكَفِّرْ عَنَّا﴾ ﴿وَتَوَفَّنَا﴾، ﴿فَاغْفِرْ لَنَا﴾ يعني (...)، ﴿وَتَوَفَّنَا﴾ ومقيدة إذا جاء الأجل؟
* الشيخ: يعني: كأنك تقول في هذا دليل على جواز الدعاء بالموت؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: لا، ليس كذلك، معلوم أن الله سبحانه وتعالى لن يتوفاهم إلا إذا جاء أجلهم، وليس فيه أنهم يتمنون تقديم الوفاة، وهذا نظير قول يوسف عليه الصلاة والسلام: ﴿أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف ١٠١]، ليس المعنى أنه يسأل الله أن يتوفاه الآن، بل أن يتوفاه على الإسلام متى جاء أجله، وكذلك قول مريم: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾ [مريم ٢٣] ليس معناه أنها تمنت الموت، بل تمنت أن هذا لم يقع، يعني هي تقول: يا ليتني مت وأنا ما رأيت، هذا معناه.
* طالب: في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ [يوسف ١٧] لو استدللنا يا شيخ على أن الإيمان يأتي بعد التصديق..؟
* الشيخ: الإيمان هنا عدي بـ(اللام)، عدي بـ(اللام) لا بـ(الباء)، فاختلف عن الإيمان المُعدى بـ(الباء).
* طالب: تكفير السيئات ﴿وَكَفِّرْ عَنَّا﴾، ماذا يختلف فيه عن المغفرة؟
* الشيخ: المغفرة تكون بفضل الله فقط، بفضل الله مجردًا، مجرد فضل الله أن الله تعالى يغفر للإنسان، والتكفير يكون بعمل صالح يكفر السيئات.
* طالب: بس، هم طلبوا من الله أن..
* الشيخ: طلبوا هذا وهذا؛ لأن الكبائر لا تكفر، تحتاج إلى مغفرة من الله عز وجل، إما مجرد فضل منه سبحانه وتعالى، وإما بعمل أسباب؛ كالاستغفار والتوبة ترفع حكم هذه الكبائر.
* طالب: ما الفرق بين المغفرة والتكفير في اللغة؟
* الشيخ: الشرع بين الفرق بينهم، بيَّنَ الشرع ويكفي فرق الشرع، حتى المغفرة في الأصل الستر والكفر أيضًا في الأصل الستر.
* طالب: استدل أهل السنة على إثبات الصوت لله سبحانه وتعالى بقول الرسول ﷺ: «يُنَادِي اللَّهُ بِصَوْتٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[[أخرجه البخاري معلقًا (٩ / ١٤١)، ومسندًا في خلق أفعال العباد (٤٨٠) ولكن بلفظ: «يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ، فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ»، وأحمد (١٦٠٤٢) من حديث عبد الله بن أنيس.]] وقالوا: إن المناداة أصلًا لا تكون إلا بصوت، وهنا: ﴿سَمِعْنَا مُنَادِيًا﴾ وكما تفضلتم أن المناداة تكون بصوت مباشرة وبواسطة أيضًا تكون، لا سيما جاء في بعض الروايات أن ملكًا هو الذي ينادي، ألا يمكن أن يكون في هذا حجة على أهل السنة؟
* الشيخ: أبدًا ولا شيء؛ لأن ﴿سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ﴾ يبينه الواقع، وإلا لو لم نقل بذلك لم تكن الآية شاملة للأمة كلها لكانت خاصة بالصحابة فقط، وهي شاملة لكل الأمة، فهنا وجدت قرينة تمنع من تخصيصه بالصوت المسموع من الرسول ﷺ، لكن ينادي بصوت الله عز وجل واضح: إن الله يأمرك، بهذا اللفظ، هل أحد بيقول من الخلق: إن الله يأمرك وهو يعني نفسه؟
* طالب: جزاك الله خيرًا، قلنا: أهل العلم يتحملون إثم الرسالة ولهم ثواب الرسالة (...)؟
* الشيخ: إي نعم، نعم لا شك، العالم يعطى من ثواب الرسالة بقدر ما حصل منه من التبليغ والدعوة.
* * *
* طالب: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (١٩٥)﴾ [آل عمران ١٩٥].
* الشيخ: بس، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
موقع قوله: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ مما قبلها؟
* طالب: (...).
* الشيخ: في المعنى.
* الطالب: في المعنى؟
* الشيخ: نعم.
* الطالب: التعليم بأنه خلق الله سبحانه وتعالى السماوات والأرض لم يكن باطلًا؛ لأنه منزه.
* الشيخ: لأنه منزه، يعني: لما نفوا أن يكون باطلًا عقَبوه بتنزيهه عما لا يليق به؛ لأنه لو كان خلقها باطلًا لكان منافيًا لتنزيهه عما لا يليق به.
قوله: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ في كسر اللام إشكال؛ ﴿مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ﴾ كيف كسرها وهي فعل مضارع؟
* طالب: (...) عن الجزم هنا السكون لكن (...) وما بعدها متصل، فلعدم التقاء الساكنين.
* الشيخ: لعدم ولا للتقاء؟
* طالب: للتقاء الساكنين.
* الشيخ: أحسنت.
ما معنى قوله: ﴿أَخْزَيْتَهُ﴾، ﴿فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾؟
* طالب: أي فضحته.
* الشيخ: فضحته وأذللته، أحسنت.
قوله: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ في هذا أيش من البلاغة؟
* طالب: حصر.
* الشيخ: لا، ما هو أريد حصر، هذا هو الحصر اللي يقول، لكن ما هذا أريد، لا أريد ذا.
* طالب: إظهار ما حقه الإضمار.
* الشيخ: الإظهار في موضع الإضمار، ما فائدته هنا؟
* الطالب: تأكيد الظلم إليهم، بأنهم ظالمون.
* الشيخ: الإشارة إلى أن من دخل النار فإنه دخلها بظلم نفسه، كذا؟
من المراد بالمنادي الذي ينادي للإيمان؟
* طالب: محمد رسول الله ﷺ.
* الشيخ: وهل سماعهم إياه بواسطة أو بلا واسطة؟
* طالب: بلا واسطة وبواسطة بين العلماء..
* الشيخ: أحسنت، تمام.
فالذين أدركوا عهده؟
* الطالب: بنفسه.
* الشيخ: بواسطة.
* الطالب: بعهده من نفسه.
* الشيخ: بواسطة.
* الطالب: بواسطة، من نفسه يعني هو رسول الله ﷺ موجود في وقته.
* الشيخ: أقول: هؤلاء سمعوه بواسطة؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: الذين أدركوا عهده هؤلاء سمعوه بواسطة، توافقونه؟
* الطالب: من نفسه، في عهده من نفسه.
* الشيخ: إذن أسألك الآن هل هو بواسطة أو بغير واسطة؟
* الطالب: لا، بغير واسطة، ونحن بواسطة.
* الشيخ: أحسنت، تمام صح.
قوله: ﴿أَنْ آمِنُوا﴾ (أن) هذه؟
* طالب: تفسيرية.
* الشيخ: تفسيرية، هل للتفسيرية علامة؟
* الطالب: إي نعم يا شيخ، تقع في جملة فيها معنى القول دون حروفه.
* الشيخ: تقع بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه. هل تستطيع أن تأتي بمثال آخر؟
* الطالب: وأوحينا إلى موسى أن اصنع الفلك.
* الشيخ: موسى ما أوحي إليه أن يصنع الفلك!
* الطالب: وأوحينا إلى نوح أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا.
* الشيخ: صحيح أنه نوح لكن الآية ليست هكذا.
* طالب: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ [المؤمنون ٢٧].
* الشيخ: نعم، يمكن تريد هذا ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ [القصص ٧]، هذا يمكن لعلك تريد هذه؟
* طالب: أريد الأول.
* الشيخ: تريد الأول، إي.
قوله: ﴿اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا﴾ ما الفرق؟
* طالب: أن الغفران في الكبائر.
* الشيخ: نعم.
* طالب: والسيئات في الصغائر.
* الشيخ: التكفير في الصغائر.
دليل هذا؟ دليل ما ذكرنا أن المغفرة للكبائر والتكفير للصغائر؟
* طالب: بالنسبة للسيئات قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود ١١٤].
* الشيخ: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ [النساء ٣١].
* الطالب: ﴿نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾.
* الشيخ: ﴿نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾.
وقفنا على هذا؟
قال الله عز وجل في جملة دعاء هؤلاء الموفَّقين أولي الألباب..
* طالب: (...).
* الشيخ: جزاكم الله خيرًا خلنا نكمل الآية، ﴿وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾ هل فسّرنا هذه؟
* طلبة: أخذنا الفوائد...
* الشيخ: فوائد من الآية نفسها، إلى؟
* طالب: ﴿مَعَ الْأَبْرَارِ﴾.
* الشيخ: إلى ﴿مَعَ الْأَبْرَارِ﴾.
* طالب: جواز التوسل في الدعاء بالأعمال الصالحة؛ لقولهم: ﴿فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ عطفًا على قولهم: ﴿فَآمَنَّا﴾.
* الشيخ: نعم.
هنا يحسن أن نذكر أنواع التوسل: التوسل ينقسم إلى قسمين: ممنوع، وجائز.
فالممنوع: ما لم يرد به الشرع، والجائز: ما ورد به الشرع. هذا هو الضابط، فما لم يرد به الشرع من أنواع التوسل فهو ممنوع، مثل: التوسل بجاه الرسول ﷺ، وهذا يقع كثيرًا عند بعض العلماء يقول: أتوسل إليك بجاه نبيك، فالتوسل هنا غير مشروع فيكون ممنوعًا؛ لأن التوسل جعل الشيء وسيلة، وكون الشيء وسيلة لا يثبت إلا بدليل، لا يثبت إلا بدليل من الشرع، وجاه النبي ﷺ ليس سببًا لقبول دعائنا؛ لأن جاهه عليه الصلاة والسلام مما يختص هو نفسُه بفضله، أما نحن فليس لنا تعلق فيه.
إذن ما هو ضابط الممنوع؟ ما لم يرد به الشرع، ووجه منعه: أن من توسل بشيء فقد جعله سببًا، والسبب يتوقف ثبوته على دلالة الشرع.
أما الجائز فهو ما جاء به الشرع، وهو أنواع؛ منها: التوسل بأسماء الله، التوسل بأسماء الله بأن تقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى، ودليله حديث ابن مسعود رضي الله عنه في دعاء الكرب والغم: «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ؛ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلِ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي»[[أخرجه أحمد (٤٣١٨).]] إلى آخره، فهذا توسل بأيش؟
* الطلبة: بأسماء الله.
* الشيخ: بأسماء الله، «بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ».
الثاني: التوسل بصفات الله عز وجل، ومن ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: «اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي»[[أخرجه النسائي (١٣٠٥، ١٣٠٦) من حديث عمار بن ياسر.]]، فقوله: «بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ» » هذا توسل لله بأيش؟ بصفته، ومن ذلك: «اللَّهُمَّ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ»[[أخرجه الترمذي (٣٥٢٤) من حديث أنس، ولكن بلفظ: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث».]]، فإن هذا ليس استغاثة بالرحمة ولكن استغاثة بالله لصفته وهي الرحمة، فإن الرحيم يُغيث.
الثالث: التوسل إلى الله بأفعاله، والفعل وإن كان من الصفات لكن هو صفة ليست أزلية أبدية، ومنه قولنا في التشهد: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٧٠) ومسلم برقم (٤٠٦ / ٦٦) من حديث كعب بن عجرة .]]، فقوله: «كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ» » المراد بذلك التوسل إلى الله، يعني: مثل ما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فصلِّ على محمد، وإذا قلنا بهذا صارت (الكاف) للتعليل، وبهذا التقرير يرتفع الإشكال الذي أورده بعض العلماء وقالوا: من المعلوم أن محمدًا ﷺ أفضل من إبراهيم.
والقاعدة: أن المشبّه دون مرتبة المشبّه به، وهنا قال: «صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ»، وإذا قلنا بأن (الكاف) ليست للتشبيه ولكنها للتعليل وأن هذا من باب التوسل، يعني: أننا لا نسألك أمرًا غريبًا، نسألك أمرًا فعلته من قبل، فإن الإشكال هنا أيش؟ يرتفع، ولا يبقى في هذا إشكال.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، التوسل إلى الله بأسمائه، التوسل إلى الله بصفاته، التوسل إلى الله بأفعاله.
الرابع: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان، بالإيمان به وبرسله، ومنه هذه الآية: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا﴾، فجعلوا إيمانهم بذلك وسيلة لسؤال المغفرة: ﴿رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾.
الخامس: التوسل إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة.
والقاعدة أن المشبَّه دون مرتبة المشبَّه به، وهنا قال: «صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٧٠)، ومسلم (٤٠٦ / ٦٦) من حديث كعب بن عجرة. ]]. وإذا قلنا: بأن الكاف ليست للتشبيه ولكنها للتعليل، وأن هذا من باب التوسل؛ يعني أننا لا نسألك أمرًا غريبًا، نسألك أمرًا فعلته من قبل، فإن الإشكال هنا أيش؟ يرتفع ولا يبقى فيها الإشكال.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، التوسل إلى الله بأسمائه، التوسل إلى الله بصفاته، التوسل إلى الله بأفعاله.
الرابع: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان، بالإيمان به وبرسله، ومنه هذه الآية: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا﴾ [آل عمران ١٩٣]، فجعلوا إيمانهم بذلك وسيلة لسؤال المغفرة: ﴿رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾.
الخامس: التوسل إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة، ليس بالإيمان بالأعمال الصالحة، ومن ذلك «قصة أصحاب الغار الثلاثة حين انطبقت عليهم صخرة فسدت فم الغار ولا يستطيعون زحزحتها فقالوا: توسلوا إلى الله بصالح أعمالكم، فتوسل أحدهم بكمال برّه لوالديه، وتوسل الثاني بكمال عفته، وتوسل الثالث بكمال أمانته، ففرّج الله عنهم.»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٢٧٢)، ومسلم (٢٧٤٣ / ٩٩) من حديث ابن عمر. ]] واضح يا جماعة؟
فإذا قال قائل: التوسل بهذا والذي قبله فيه إشكال؛ لأنه قد يقول قائل: أليس هذا إدلالًا على الله عز وجل وإعجابًا وفخرًا بالعمل؟ كأنه يقول: يا رب، إني فعلت كذا وفعلت كذا فاغفر لي، مثلًا.
فالجواب: لا، بل هذا من باب التذلل لله عز وجل، من باب التذلل له، وأنني يا ربّ قد ذللت لك، وعلمت أنك الملجأ فعبدتك وآمنت بك فأسألك أن تغفر لي، مثلًا.
السادس: التوسل إلى الله بذكر حال الداعي، التوسل إلى الله بذكر الحال، أن تذكر حالك فتقول: اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي؛ الأول: توسل بعمل صالح، وهنا على العكس بالحال، ومن ذلك قول موسى: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص ٢٤] ما ذكر إلا هذا، وهذا توسل إلى الله بأيش؟ بذكر الحال؛ لأن الإنسان إذا ذكر حاله وأنه مفتقر إلى الله أوجب ذلك له أن يلجأ إلى ربه عز وجل فيكون هذا من أسباب إجابة الدعاء.
السابع: التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح، ومنه: قول عكّاشة بن محصن للنبي ﷺ لما قال: «إِنَّ مِنْ أُمّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِلَا حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ» قال: ادعُ الله أن يجعلني منهم، فقال: «أَنْتَ مِنْهُمْ»[[متفق عليه؛ (٥٧٥٢)، ومسلم (٢٢٠ / ٣٧٤) من حديث ابن عباس. ]]. ومنه: «قول الأعرابي: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعُ الله أن يُغيثنا. فدعا»[[متفق عليه؛ (١٠١٣)، ومسلم (٨٩٧ / ٨) من حديث أنس. ]]، ومنه قول عمر للعباس: «قم فادعُ الله، فقال: اللهم إنا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بِعمِّ نبينا»[[أخرجه البخاري (١٠١٠) من حديث أنس.]].
وهذا النوع السابع ينبغي أن يلاحظ الطالب ما أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يلاحظ أنه إذا طلب منه أن يدعو له فإنما يقصد بهذا منفعة الداعي وأجره؛ لأن الداعي يُؤجر إذا دعا لأخيه، وإنما قال ذلك احترازًا مما إذا أراد الطالب نفع نفسه فقط، قال: فإن هذا من المسألة المذمومة أن تقول: ادعُ الله لي قصدك منفعة نفسك، لا، قل: ادعُ الله لي وأنت تقصد أن أيش؟ ينتفع هو أيضًا بدعائه لك؛ لأنه يؤجر على الإحسان إليك؛ ولأنه إذا دعا لك بظهر الغيب قال الملك: آمين، ولك مثله، أو: ولك بمثله. هذا إذا أردت أن تطلب من شخص أن يدعو لك أنت خاصة، أما إذا طلبت منه أن يدعو للمسلمين عمومًا فهذا ليس من المسألة المذمومة حتى وإن لم تلاحظ نفعَه هو، ونظيره لو أنك سألت رجلًا درهمًا لنفسك أو قلت: أعطني درهمًا لفلان الفقير، كان الأول من السؤال المذموم، والثاني من الإحسان إلى المعطِي وإلى المعطَى؛ لأنك تنفع المعطِي في الآخرة وتنفع المعطَى في الدنيا.
فهذه سبعة أنواع من التوسّل كلها جاءت بها السنة، وهي جائزة؛ لأنها حقيقة سبب من الأسباب، والوسيلة هي أصلًا تشبه الوصيلة، والسين والصاد يتناوبان كثيرًا كما في قوله: ﴿اهْدِنَا السِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ و﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة ٦] كلاهما قراءتان سبعيتان.
إذن نأخذ من هذه الآية: ﴿رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا﴾ جواز التوسل بأيش؟ بالإيمان، واستطردنا بذكر أقسام التوسل.
هل شرك المشركين بآلهتهم من باب التوسل الممنوع أم ماذا؟
* طالب: شيء آخر.
* الشيخ: شيء آخر، إي نعم، ليس من التوسل بل هو عبادة؛ لأنهم يقولون: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ﴾ [الزمر ٣] فهم يقصدون العبادة، يدعون هذه الأصنام، ويركعون لها، ويسجدون لها، وينذرون لها، ويذبحون لها، فهو ليس من باب التوسل بل من باب القصد والغاية أن هذه الأصنام تُعبد.
* من فوائد الآية الكريمة: أن كل أحد محتاج لمغفرة الذنوب؛ لقولهم: ﴿فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ فلا تغرنّك كثرة الطاعات، فالإنسان كلما كثرت طاعاته فينبغي أن يكون أخوف على نفسه من أن ترد هذه الطاعات ويذهب عمله سدى.
* ومن فوائد هذه الآية: التفريق بين المعاصي؛ بعضها ذنوب وبعضها سيئات، وهو كقولنا: إنها تنقسم إلى كبائر وصغائر، والكبائر والصغائر تختلف في ذاتها وتختلف فيما بينها، فالكبائر منها كبرى، ومنها صغرى، والصغائر منها ما يقرب من الكبائر، ومنها ما هو دون ذلك.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: جواز سؤال الموت على طريق أهل الخير، لقولهم: ﴿وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾ وقد ذكرنا في الدرس الماضي أن هذا ليس من باب الدعاء بالموت العاجل، وإنما هو من باب الدعاء بالموت على صفة مطلوبة، وهي أن يموت على ما مات عليه الأبرار، وذكرنا لهذا نظائر، من يستحضر؟
* طالب: قول مريم: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ [مريم ٢٣].
* الشيخ: قول مريم: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ المعنى يا ليتني متّ قبل المصاب.
* طالب: وقول يوسف: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف ١٠١].
* الشيخ: تمام.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الثناء على أهل البر والإحسان؛ لقوله: ﴿وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ﴾.
{"ayahs_start":189,"ayahs":["وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ","إِنَّ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ","ٱلَّذِینَ یَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَیَتَفَكَّرُونَ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَـٰذَا بَـٰطِلࣰا سُبۡحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ","رَبَّنَاۤ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَیۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِنۡ أَنصَارࣲ","رَّبَّنَاۤ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِیࣰا یُنَادِی لِلۡإِیمَـٰنِ أَنۡ ءَامِنُوا۟ بِرَبِّكُمۡ فَـَٔامَنَّاۚ رَبَّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرۡ عَنَّا سَیِّـَٔاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلۡأَبۡرَارِ"],"ayah":"ٱلَّذِینَ یَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَیَتَفَكَّرُونَ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَـٰذَا بَـٰطِلࣰا سُبۡحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق