الباحث القرآني

ثم قال تعالى: ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾ [ آل عمران ١٧٤].* قوله: ﴿فَانْقَلَبُوا﴾ أي: هؤلاء الذين استجابوا لله والرسول وخرجوا بأمر النبي ﷺ لقتال هؤلاء الكفار الذين بلغهم عنهم أنهم مجمعون على الكرّة على المسلمين خرجوا، فلما بلغوا ما بلغوا من الطريق، بلغوا حمراء الأسد، وجدوا المشركين قد ذهبوا؛ لأن المشركين صرفهم الله، وقالوا: نرجع في العام القادم؛ يقول عز وجل: ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ﴾ انقلبوا؛ يعني عائدين إلى المدينة بعد أن وصلوا إلى حمراء الأسد. ﴿انْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ ما هذه النعمة؟ النعمة أنهم سلموا من ملاقاة العدو، ولم يحصل حرب؛ لماذا؟ لأن العدو مضى في سبيله ولم يرجع، وأما قوله: ﴿وَفَضْلٍ﴾ ففُسّرت بأن المراد به فضل الجهاد، وأن الله كتب لهم بهذا الخروج أجر غزوة كاملة فسلموا من الحرب ونالوا ثواب المجاهدين. وقوله: ﴿لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾ أي: لم يصبهم ما يسوءهم لا من جهة عدوهم ولا من جهة أحوالهم، بل كانوا على أحسن ما يرام ذهابًا ورجوعًا. ﴿وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ﴾ فيها قراءتان: ﴿رِضْوَانَ﴾ و﴿رُضْوَان﴾ بضم الراء وكسرها؛ ومن اتبع رضوان الله؛ اتبعوا ما يرضي الله عز وجل، بماذا؟ بالاستجابة للرسول ﷺ، بالاستجابة لله ورسوله؛ فإن الاستجابة لله ورسوله سبب لرضا الله عز وجل، أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يرضى الله عنهم. ﴿وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ ﴿ذُو فَضْلٍ﴾: بمعنى (صاحب)، ﴿فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ على العباد في الدنيا والآخرة، ومنه أن تفضّل على هؤلاء بأن انقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء. * من فوائد هذه الآية الكريمة: فضيلة هؤلاء الذين استجابوا لله والرسول بما أصابهم من الثواب. * ومنها: أن الإنسان إذا عمل العمل وسعى فيه ولم يكمله كُتب له أجره كاملًا، ولهذا شواهد؛ منها: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [النساء ١٠٠]. * ومنها: قول النبي ﷺ: «مَنْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا»[[أخرجه البخاري (٢٩٩٦) عن أبي موسى الأشعري. ]] فالإنسان إذا سعى في العمل، ولكنه لم يدركه فإنه يُكتب له أجره كاملًا، حتى طالِب العلم لو مات قبل أن يدرك ما يريد من العلم فإنه يُكتب له ما نوى؛ لأنه شرع فيه وعمل ما يقدر عليه، فيناله الأجر. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الرضا لله؛ من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿رِضْوَانَ اللَّهِ﴾ والرضا صفة من صفات الله الحقيقية، وهي من الصفات أيش؟ الفعليّة، لماذا؟ لأن القاعدة عند السلف أن كل ما يتعلق بمشيئة الله من الصفات فهو صفة فعلية، والرضا يتعلق بالمشيئة، كل صفة معلّقة بسبب فإنها -بلا شك- تتعلق بالمشيئة؛ فرضوان الله معلّق بأيش؟ بفعل ما يرضيه؛ وعلى هذا فتكون هذه الصفة متعلّقة بمشيئته. أرأيتم ماذا يفسّر أهل التعطيل رضا الله؟ يفسرونه بالثواب؛ لأن الثواب شيء منفصل بائن عن الله، ما هو من صفاته، مخلوق مفعول؛ أو يفسرونه بأيش؟ بإرادة الثواب؛ لأنهم يثبتون الإرادة؛ أما الرضا نفسه فإنهم لا يثبتونه؛ ولا شك أن هذا؛ أعني تفسير الرضا بإرادة الثواب أو بالثواب نفسه، لا شك أنه تحريف للكلم عن مواضعه؛ ويا سبحان الله كيف يثبت الله لنفسه أنه رضي ونحن نقول: لا؛ رضي يعني أثاب، أو رضي يعني أراد أن يثيب؛ أنحن أعلم بالله من نفسه؟! أبدًا والله ما نحن أعلم؛ إذن نحن نثبت الرضا لله حقيقة، وأنه صفة من صفاته الفعلية التي تتعلق بمشيته؛ ولكن هل رضاه كرضانا؟ لا؛ كقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى ١١] فكما أن سمعه وبصره وحياته وعلمه وقدرته لا تماثلها قدر المخلوقين، وكذلك هو لا يماثل المخلوقين، فكذلك الرضا والفرح والعجب وغيره. * ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات اتصاف الله عز وجل بالفضل العظيم؛ العظيم في كميته، العظيم في كيفيته؛ أما في كميته فإن الله يقول: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النحل ١٨] وجعل جزاء الحسنة عشرًا إلى سبع مئة إلى أضعاف كثيرة؛ وأما في كيفيته فقد قال الله عز وجل: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة ١٧].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب