الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أول الآية تكلمنا عليها، أليس كذلك؟
﴿مَا أَصَابَكُمْ﴾ (ما) هذه شرطية، وعلامتها أو دليل أنها شرطية أنه وُجد في الجملة فعل شرط وجوابه؛ فعل الشرط قوله: ﴿أَصَابَكُمْ﴾، وجوابه: ﴿فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾، وقُرن بالفاء لأنه جملة اسمية؛ إذ تقدير الكلام: فهو بإذن الله.
قال: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾، يعني بالتقاء الجمعين التقاءهما يوم أحد، فإنه لما التقى الجمعان صارت النهاية أنْ هُزم المسلمون واستشهد منهم سبعون رجلًا، وهذه تعتبر نكبة أمام الكفار؛ لأن الكفار سيكون لهم في هذه الحال سيطرة وعلوّ واستكبار كما وقع، فإن أبا سفيان قال في ذلك اليوم: «اعل هُبل»[[أخرجه البخاري برقم (٤٠٤٣) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.]]، أي أنه افتخر بعلوِّ صنمه على من؟ على المسلمين الذين يعبدون الله.
وهذا الذي حصل يوم التقى الجمعان يقول الله عز وجل: ﴿فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ بإذن الله القدري أو الشرعي؟
* الطلبة: القدري.
* الشيخ: بإذن الله القدري، يعني الله هو الذي قدره، والإذن ينقسم - إذن الله - ينقسم إلى قسمين: إذن شرعي، وإذن كوني، فما تعلق بالتكوين والخلق فهو إذْن كوني، مثل قوله تعالى: ﴿وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي﴾ [المائدة١١٠]، فإن هذا إذن كوني، وما تعلق بالشرع فهو إذن شرعي مثل قوله تعالى: ﴿قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس٥٩]، وقوله: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى٢١]، يأذن إذنًا شرعيًّا أو كونيًّا؟
* الطلبة: إذنًا شرعيًّا.
* الشيخ: إذنًا شرعيًّا، فإذا قيل: ما الفرق بينهما؟ فالجواب: أن الفرق بينهما أن الإذن الشرعي يكون فيما يحبه الله، والإذن الكوني يكون فيما يحبه وما لا يحبه، والثاني: أن الإذن الكوني يقع فيه المأذون به، والإذن الشرعي قد يقع وقد لا يقع، هذا الفرق بينهما.
وقوله: ﴿فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾، أي: فهو كائن بإذن الله، أي الباء للسببية، ولهذا صح أن يُعطف عليها قوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، واللام في قوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ﴾ للتعليل، ولا يجوز أن تسكَّن، أي لا يجوز قراءةً أن تقول: ولْيعلم؛ لأن الذي تُسكَّن بعد حروف العطف المعروفة هي لام الأمر، أما لام التعليل فهي مكسورة دائمًا.
وقوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، يعني الذين صدقوا الله في إيمانهم، وقالوا فيما أصابهم: إنه بقدر الله، ورضوا به، وتابوا إلى الله من أسبابه وهي المعاصي والتنازع، والعلم هنا علم ظهور ولّا علم إدراك؟
* الطلبة: ظهور.
* الشيخ: علم ظهور، يعني: وليعلمه بعد ظهوره، أما علمه قبل ظهوره فهو ثابت لله عز وجل؛ لأن الله عَلِم كل شيء إلى يوم القيامة، وأيضًا هذا العلم علم يترتب عليه الثواب، أما علم الله السابق فإنه لا يترتب عليه الثواب ولا يترتب عليه العقاب، هذان فرقان، الفرق الثالث: أن هذا العلم علم بالشيء بعد أن وقع، فهو علم بأنه وقع، وأما العلم الأزلي فهو علم بأنه سيقع، وهناك فرق بين العلم بأنه وقع وبين العلم بأنه سيقع، هذه ثلاثة أوجه، وإلّا فإن كثيرًا من الناس يقول: كيف ﴿وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، أليس الله قد علمهم؟ فنقول: بلى علمهم، لكن العلم يختلف من هذه الوجوه الثلاثة.
ثم قال: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا﴾، المؤمنين قال: ﴿وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بالوصف، وأما المنافقون فقال: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ﴾ إلى آخره، فأتى بالفعل، وذلك لأن النفاق طارئ عليهم، فإن كثيرًا من المنافقين كان آمن ثم كفر، كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾ [المنافقون ٣]، ولهذا أتى بالفعل الدال على التجدد، وأيضًا ليناسب قوله: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا﴾.
وقوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا﴾ النفاق في الأصل هو إظهار خلاف الواقع، ومنه سُمي نافقاء الجربوع أو اليربوع، اليربوع من ذكائه إذا حفر له جحرًا جعل له بابًا ظاهرًا يدخل منه ويخرج منه، ويجعل في أقصى ذلك الجحر طبقة خفيفة، يعني يخرق إلى أن يصل إلى قريب الانفتاح، فتبقى طبقة خفيفة جدًّا، من أجل إذا هُوجِم من باب الجحر خرج من هذه القشرة الرقيقة؛ لأنها تكون سهلة عليه، فيكون هذه مخادعة ولّا غير مخادعة؟
* الطلبة: مخادعة.
* الشيخ: هذه مخادعة؛ لأن الصائد إذا صاده، إذا أراد صيده ثم هجم عليه من الباب لا يدري أن هناك نافقاء، فيخرج اليربوع من هذه النافقاء، واليربوع أصله اليربوع حلال أو حرام؟
* الطلبة: حلال.
* الشيخ: حلال؟ نعم هو حلال، لكن لا أدري هل تعرفونه أم لا، معروف؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، هو يشبه الفأر إلى حد كبير، لكنَّ له أرجلًا..
* طلبة: قصيرة.
* الشيخ: طويلة، وأيدٍ قصيرة، وله ذيل في طرفه هدب، ذيل طويل في طرفه هدب، وهو يقول عنه العامة: إنه يرتجز فيقول: (لو يِدَيّه طول رِجْلَيّه ما لحقتني خيل عِبيّة)، إي نعم، هذا على لسانه، أما هو لا يتكلم، على كل حال أقول: إن النفاق مأخوذ من هذا، أصله من هذا؛ لأن فيه مكرًا ومخادعة.
﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا﴾ مثل من؟ مثل عبد الله بن أبي، فإن عبد الله بن أبي كان من المعارضين للخروج إلى أُحُد، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام عزم على الخروج بمشورة بعض الصحابة ولا سيما الذين لم يدركوا بدرًا، الذين لم يحضروا في بدر هم الذين أشاروا على النبي عليه الصلاة والسلام، وأكّدوا عليه بالمشورة أن يخرج إلى أُحد.
خرج الناس مؤمنهم ومنافقهم، وفي أثناء الطريق انخذل عبد الله بن أُبي بنحو ثلث الجند و(...) من المؤمنين يوبِّخونهم ويأمرونهم بالرجوع، ﴿وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا﴾ على الأقل، إما قتال في سبيل الله أو دفاع عن أوطانكم، فالقتال في سبيل الله قتال يُعتبر جهادًا يثاب عليه المقاتل ثواب المجاهد، وقتال الدفاع بحسب نية المقاتل، فهم قيل لهم: ﴿تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ جهادًا، ﴿أَوِ ادْفَعُوا﴾ عن أوطانكم، هم لو رجعوا ماذا يقاتلون، في سبيل الله أو دفاعًا؟
* الطلبة: دفاعًا.
* الشيخ: دفاعًا لا شك؛ لأنهم ليس عندهم إيمان بما في سبيل الله.
﴿تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾ نعوذ بالله! وهذه قولة رجل مخذول جبان، والإنسان الشجاع هو الذي يقول: نعم نأتي، نقاتل أو ندفع، ثم إن حصل قتال فنحن مستعدون، وإن لم يحصل رجعنا من حيث جئنا، ولهذا قال: ﴿قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾، سبق الكلام على قوله ﴿لَوْ﴾ وأنها في مثل هذا السياق تكون شرطية.
﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ﴾، ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ﴾ أي في هذا الوقت أو في هذا اليوم الذي انصرفوا فيه وانخذلوا عن المسلمين هم للكفر أقرب منهم للإيمان، وإن كان فيهم شيء من الإيمان ولعل هذا في بعضهم، لكنْ هم للكفر أقرب.
﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ مثل أنهم يأتون إلى النبي عليه الصلاة والسلام ويقولون: ﴿نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّه﴾ [المنافقون١]، ويذكرون الله فيقولون: لا إله إلا الله، ويحضرون بعض الصلوات على أنهم مسلمون، فهم -والعياذ بالله- ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾، ما الذي في قلوبهم؟ الكفر، والذي بأفواههم؟
* طالب: الإسلام.
* الشيخ: الإسلام، قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ والله أعلم بما يكتمون من غيره، وأعلم من غيره بما يكتم هؤلاء، ولهذا أبدى الله ما يكتمونه، وأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.
وفي قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ خلاف بين المفسرين؛ فمنهم من قال: إن ﴿أَعْلَمُ﴾ بمعنى عالم، عالمٌ بما يكتمون، خوفًا من أن تقع المفاضلة بين علم المخلوق وعلم الخالق؛ لأنك إذا جئت بـ(أفعل) التفضيل فإن مقتضى ذلك أن يكون بين المفضَّل والمفضل عليه اشتراك في الأصل، ولكن المفضل زاد على المفضل عليه، ولهذا تجدهم يفسرون مثل هذه الآية: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ﴾ يفسرون ﴿أَعْلَمُ﴾ بعالم، والله عالم بما يكتمون، ولكن هذا القول ضعيف؛ أولًا: أنهم صرفوا اللفظ عن ظاهره، أليس كذلك؟ لأن اللفظ اسم التفضيل، والمعنى الذي أثبتوه اسم الفاعل، وبينهما فرق، ولا يجوز أن نصرف القرآن عن ظاهره إلا بدليل. والثاني: أنهم إذا قالوا: عالم، لم يمنع المشاركة على وجه المماثلة، لم يمنع المشاركة على وجه المماثلة بأنه يقال: فلان عالم وفلان عالم، لكن إذا قيل: فلان أعلم من فلان، امتنعت المشاركة على وجه المماثلة؛ لظهور التفضيل، فهم الآن فروا من شيء ووقعوا في شر منه، فروا من أن يطلقوا أعلم على الله؛ لأنها تقتضي اشتراك المفضل والمفضل عليه في أصل المعنى، لكن وقعوا في معنى لا يمنع المشاركة على وجه المماثلة، وهذا شر.
إذن نقول إن: ﴿أَعْلَمُ﴾ اسم تفضيل على ظاهره، ولا يستلزم ذلك شيئًا مما ينزَّه الله عنه، ونحن نعلم أن هناك اشتراكًا في العلم بين الخالق والمخلوق، لكن يمتاز الخالق بما يختص به والمخلوق بما يختص به، وإلا فلا شك أن العلم الذي يوصف الله به له أو لأصله ثبوت في المخلوق، فمثلًا: الله يعلم أن هذا عمود من الحديد وأنت تعلم أو لا؟
* الطلبة: أعلم.
* الشيخ: وأنت تعلم، لكن علم الله أشد إحاطة منك وأسبق، وهو علم لا يزول، وعلمك ليس كإحاطة علم الله وليس أزليًّا وليس أبديًّا، فيختص الخالق بعلمه والمخلوق بعلمه، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء٨٥].
وقوله: ﴿أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾، أي: بما يخفون في نفوسهم من الكفر، وأما ما يظهرونه من اللسان فهو معروف للمسلمين وغير المسلمين.
* طالب: ﴿وَقِيلَ﴾ يا شيخ معطوف على ﴿نَافَقُوا﴾؟
* الشيخ: نعم، ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ﴾ إما أنها معطوفة على ﴿نَافَقُوا﴾، أو جملة حالية على تقدير (قد)، أي: وقد قيل لهم.
* طالب: في قوله تعالى: ﴿قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا﴾ قلنا: إن ﴿مِثْلَيْهَا﴾ ما وقع في بدر من قتل سبعين وأسر سبعين، ولكن إذا قلنا يعني قال بعضهم بأن هذا بشارة في.. يعني فتح في وقعة الأحزاب وأن النصر يكون للمسلمين يكون هذا صحيح يا شيخ؟
* الشيخ: لا، غير صحيح، أولًا: لأنه خلاف الظاهر ﴿قَدْ أَصَبْتُمْ﴾ وهذا فعل ماض، ولم يقل: قد تصيبون. والشيء الثاني: أن ما وقع بعد أُحد مثل غزوة الأحزاب ما أصابوا مثليها في الواقع؛ لأن غزوة الأحزاب ما حصل فيها إلا قتل يسير جدًّا، وانصرفت الأحزاب بما أرسل الله عليهم من الريح والجنود.
* الطالب: نقول يعني بالنسبة للنصر؟
* الشيخ: لا، ما يستقيم، ما دام الله قال: ﴿قَدْ أَصَبْتُمْ﴾، ولم يقل: قد تصيبون.
* طالب: شيخ، (...) ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم ٢٧]، أليست (أهون) بمعنى (هيّن).
* الشيخ: لا، أهون.
* الطالب: وهذا ما فيه مفاضلة؟
* الشيخ: إي نعم، ما فيه شك أن إعادة الخلق أهون من ابتدائه، هو بالنسبة لله على حد سواء، لكن بالنسبة للفعل نفسه أو للمفعول، المعاد أهون من المبتدأ.
* طالب: شيخ، (...) ﴿قَدْ أَصَبْتُمْ﴾ المقصود يعني أنهم فعلهم مصيبة لما قالوا ﴿أَنَّى هَذَا﴾، أن الله عز وجل ذكرهم أنهم فعلوا مصيبة أعظم من هذا بمرة.
* الشيخ: لا.
* الطالب: أول من عنى الثاني أنهم قد أصابهم.
* الشيخ: ذكّرهم أن الله مَنَّ عليهم بأكثر مما حصل عليهم، هم قُتِل منهم سبعون، وأعداؤهم قتل منهم؟ كم في بدر؟
* طلبة: سبعون.
* الشيخ: سبعون وأُسر سبعون، إي نعم.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، فسرنا كلام في الأفواه وما في قلوبهم بأنه الكفر، والشهادة بأنه رسول الله نقول أحسن الله إليك: لماذا..
* الشيخ: لا، وغيره وغيره مما يظهرون من الإسلام.
* الطالب: لكن لماذا لا نفسر ما دلت عليه الآية وهو أنهم يقولون بأفواههم ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾، ويبطنون الجبن والخوف من المسلمين؟
* الشيخ: هذه تدخل في هذا، تدخل فيه، أو تدخل في هذا يعني هذا أعم مما ذكرنا، يعني يدخل فيه ما ذكرنا من إظهار الإسلام وإبطان الكفر، وكذلك من قولهم: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾، مع أنهم يعلمون أنه سيكون قتال؛ لأنه ليس من المعقول أن قومًا يأتون من بلادهم بهذا الحشد ويخرج إليهم المسلمون ثم لا يحصل قتال، هذا بعيد.
* طالب: أيش مرادهم في قول القائل: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾؟
* الشيخ: مرادهم منه تبريرًا لرجوعهم.
* الطالب: تجنب القتال؟
* الشيخ: إي نعم، هم يبررون رجوعهم من الجيش، يقولون: نحن معكم لكن ما نعلم القتال، وكما قال الأخ فيما يظهر أن كل إنسان عاقل يعلم أنه سيكون قتال، فإن أعداءهم جاؤوا من بلادهم محشِّدين لهم، وهم خرجوا إليهم.
* طالب: التقييد بـ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يعني يفيد أن (...).
* الشيخ: الفوائد، بتيجي إن شاء الله.
* طالب: شيخ، قوله تعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ مع أن القول لا يكون إلا بالأفواه، فما الفائدة؟
* الشيخ: يعني يقول الأخ: لماذا لم يقل: يقولون ما ليس في قلوبهم؟ يقولون ما ليس في قلوبهم؛ لأن القول عند الإطلاق إنما يكون باللسان، فما هو الجواب؟
* طالب: شيخ، إحنا ذكرنا فيما سبق أن هذا تأكيد.
* الشيخ: إيه، نعم؟
* طالب: قد يكون القول بغير اللسان.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: إذا اعتقد الإنسان شيء (...).
* الشيخ: لا، هم يقولون بأفواههم، لكن نقول أولًا: أن الله قال ذلك من باب التوكيد. ثانيًا: أنه قول باللسان لا يصدقه القلب، والقول المطلق قول يصدقه القلب، القول اللي يقول الإنسان مطلقًا يصدقه القلب ويكون فيه اعتقاد بالقلب ونطق باللسان، لكن هؤلاء ليس عندهم اعتقاد بالقلب إنما يقولون بأفواههم فقط ما ليس في قلوبهم.
* طالب: قوله تعالى: ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ﴾ قد يحتج بها الذين يقولون أن الإنسان يكون في منزلة بين المنزلتين؟
* الشيخ: بيجي في الفوائد، احفظها عندك هذه إن شاء الله.
* طالب: في قوله تعالى في سورة الروم: ﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ [الروم ٣] هذا يكون ذكر (...).
* الشيخ: ما فيه ذكر أبدًا.
* الطالب: عند ظهور الحق.
الشيخ: لا هذا خبر، خبر عن مستقبل، فهو علم بأن هذا الشيء سيقع، إخبار عن علمه عز وجل بأن هذا الشيء سيقع.
* طالب: ما نوع اللام في قوله تعالى: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾؟
* الشيخ: هذه واقعة في جواب ﴿لَوْ﴾.
* * *
* طالب: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (١٦٧) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٦٨) وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٧٠) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران ١٦٧- ١٧١].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ هذا مبتدأ المناقشة، قوله: ﴿فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ محل الجملة؟
* طالب: جواب الشرط.
* الشيخ: أين الشرط؟
* الطالب: ﴿مَا﴾.
* الشيخ: ﴿مَا أَصَابَكُمْ﴾، لماذا اقترنت بالفاء؟
* الطالب: جملة اسمية.
* الشيخ: لأنها جملة؟
* الطالب: اسمية.
* الشيخ: ويش التقدير؟
* الطالب: فهو بإذن الله.
* الشيخ: ما هي الجمل التي تقترن بالفاء إذا وقعت في جواب الشرط؟
* طالب: هي معدودة في البيت التالي:
* الشيخ: مجموعة.
* الطالب: مجموعة في البيت التالي:
؎اسْمِيَّةٌ طَلَبِيَّةٌ وَبِجَامِـــــــــــــدٍ ∗∗∗ وَبِمَا وَقَدْ وَبِلَنْ وَبِالتَّنْفِيسِ
* الشيخ:
؎اسْمِيَّةٌ طَلَبِيَّةٌ وَبِجَامِـــــــــــــــدٍ ∗∗∗ وَبِمَا وَقَدْ وَبِلَنْ وَبِالتَّنْفِيسِ
الطلبية مثل أيش؟
* طالب: طلبية؟
الشيخ : نعم، قال النبي ﷺ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ»[[أخرجه البخاري برقم (١٩٠٧) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.]]، «إِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا»، هذه طلبية أليس كذلك؟ «أَكْمِلُوا» فعل أمر، طلب.
هل المراد بالإذن هنا الكوني أو الشرعي؟
* طالب: الكوني.
* الشيخ: الكوني، لماذا لا يكون الشرعي؟
* الطالب: قلنا: الشرعي أمر من الأوامر الشرعية.
* الشيخ: أحكام شرعية، وأما هذه فهي أمر مقدر قدره الله عز وجل، طيب، هل هناك فرق بين الإذن الكوني والشرعي؟
* طالب: الإذن الشرعي يكون فيه..، قد يقع وقد لا يقع، وأما الإذن الكوني فإنه يجب أن يقع.
* الشيخ: فلا بد أن يقع، فرق آخر؟
* الطالب: فرق آخر أن الإذن الكوني..
* الشيخ: نعم.
* طالب: أما الأذن الكوني يتعلق بما يحبه الله وما لا يحبه، أما الإذن الشرعي فهو فيما يحبه الله عز وجل.
* الشيخ: أحسنت؛ لأن الله لا يشرع إلا ما يحب، نريد مثالًا للإذن الشرعي؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى ٢١] ما لم يشرعه.
* الشيخ: أي ما لم يشرعه، مثال آخر؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس ٥٩].
* الشيخ: قوله تعالى: ﴿آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ تمام.
قوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، أخونا قرأها بسكون اللام، هل يجوز أن تُقرأ بسكون اللام؟ أليس الله قد قال: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [الحج ٢٩]؟
* طالب: تُقرأ بالكسر.
* الشيخ: لا، ﴿وَلْيُوفُوا﴾ نقرؤها بالسكون ﴿وَلْيُوفُوا﴾ قراءة صحيحة سبعية؟
* طالب: بس ﴿لِيَعْلَمَ﴾ حين قرئت بالكسر فإن ..
* طالب آخر: اللام هنا للتعليل، ﴿وَلْيُوفُوا﴾ اللام للأمر.
* الشيخ: أحسنت، لام الأمر إذا وقعت بعد الفاء أو الواو أو (ثم) فإنها تسكّن ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [الحج ٢٩]، ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّه﴾ [الطلاق ٧] ، عرفت؟ ثلاثة أحرف من حروف العطف إذا وقعت قبل لام الأمر فإنها تسكن، عرفت؟ أما لام التعليل فإنها تُكسر دائمًا ولا يمكن أن تسكن.
* طالب: لام التعليل؟
* الشيخ: هذه الآية الّلي معنا.
* الطالب: مثال آخر.
* الشيخ: يعني لازم أمثلة كثيرة؟
* الطالب: لا، مجرد سؤال.
* الشيخ: ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا﴾ [العنكبوت ٦٦]. وَلِيتمتعوا، ما تقول: ولْيتمتعوا، تقول: ولِيتمتعوا، بكسر اللام.
* طالب: في سورة إبراهيم ﴿وَلِيَذَّكَّر﴾ [إبراهيم ٥٢].
* الشيخ: نعم، ﴿وَلِيَذَّكَّر﴾.
قوله تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ كيف قال: ﴿وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وهو عالم عز وجل من قبل أن يقع هذا الأمر؟
* طالب: لأن العلم ينقسم إلى قسمين: علم ظهور وعلم إدراك.
* الشيخ: علم الإدراك؟! أصلًا العلم هو إدراك.
* الطالب: علم ظهور وعلم إدراك.
* الشيخ: يعني يعلمه ظاهرًا.
* الطالب: إي ظاهرًا، المقصود به علم الظهور الذي عُلم.
* الشيخ: علم الظهور، يعني أنه علمه بعد أن ظهر؟
* الطالب: بعد أن وقع.
* الشيخ: أما العلم الأزلي؟
* الطالب: الذي لم يقع.
* الشيخ: فهو علم أنه سيقع، إذن هو يعلم المؤمنين قبل إيمانهم بالعلم الأزلي، وبعده أيضًا، لكنه بعده علم ظهور، هذا واحد، ثانيًا؟
* طالب: أن هذا العلم اللي هو علم الظهور قد يكون يعني قسمان ينقسم..
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: هناك قسم آخر، علم الله عز وجل، يكون علمًا يترتب عليه العقاب والثواب.
* الشيخ: هذا هو؛ لأن الذي يترتب عليه الثواب والعقاب هو علم الظهور، إي نعم، ولهذا لا يعاقب الله ولا يثيب إلا من امتحنه بالأمر والنهي.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ إلى آخره.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: تسلية المؤمن بقضاء الله وقدره؛ لقوله: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ﴾ ﴿فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾؛ لأن المؤمن إذا علم أنه من عند الله، أيش؟
* طالب: (...).
* الشيخ: رضي وسلّم.فإن قال قائل: ما الجمع بين هذا وبين قوله فيما سبق: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾؟ قلنا: الجواب أن الجمع بينهما أن إضافتها إلى الأنفس من باب إضافة الشيء إلى سببه، يعني أنتم السبب، وأما إضافتها إلى إذن الله فهو من باب إضافة الشيء إلى فاعله، الذي قضى هذا هو الله لكن السبب أنتم، وإذا انفكت الجهة زال التعارض، إذا انفكت الجهة زال التعارض؛ فالجهة الأول في الآية الأولى؟
* الطلبة: سبب.
* الشيخ: سبب، والثانية؟
* طالب: فعل..
* الشيخ: فعل وتقدير.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله قد يقدر على عبده المؤمن ما يكرهه لحِكَم عظيمة؛ لقوله: ﴿فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾، وفي الحديث الصحيح أن الله قال: «مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضَةِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ إِسَاءَتَهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ» »[[أخرجه البخاري برقم (٦٥٠٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، فتأمل الآن أن الله عز وجل يفعل ما يكره المؤمن لكن لحكمة، وهو أنه قضى عز وجل بحكمته بالفناء على كل الخلق ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ [الرحمن٢٦].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الحكمة فيما أصاب الناس يوم التقى الجمعان، وأنه صار محنة عُلم به المؤمن من المنافق، المنافقون ماذا قالوا؟ قالوا: ﴿لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا﴾ [آل عمران ١٦٨]، ﴿لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا﴾ [آل عمران ١٥٦]، أما المؤمنون فقالوا: رضينا بالله ربًّا واستسلموا لقضاء الله وقدره فثبت بذلك إيمانهم؛ لقوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
* ويتفرع على هذه الفائدة: أن المقضي المكروه محنة للعبد، فعليه أن يعتبر وأن يصبر حتى يكون من المؤمنين الصابرين ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة ١٥٦].
ثم قال عز وجل: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا﴾، يعلم المؤمنين والذين نافقوا، أي: يميز هذا من هذا، ﴿وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا﴾ إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية أيضًا: إثبات النفاق في هذه الأمة؛ لقوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا﴾، أي بعد إيمانهم، ولم يبرز النفاق إلا بعد غزوة بدر، وغزوة بدر كانت في السنة الثانية في رمضان، وحصل بها للمسلمين من العز ما جعل المنافقين يظهرون نفاقهم؛ لأنهم صاروا يخافون من المؤمنين فصاروا ينافقون، أي يظهرون أنهم مسلمون أو أنهم مؤمنون وما هم بمؤمنين.
* ومن فوائد هذه الآية: التحذير من النفاق، التحذير من النفاق، وفي الآية الأولى: الترغيب في الإيمان؛ والذي يميز بين هذا وهذا هي قرينة الحال، فإن المنافقين سيأتي من أفعالهم ما يدل على أنهم في غاية الذم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المنافقين من أكذب الناس؛ لقوله: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾، ويقول: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾ وهم كاذبون في هذا؛ لأنهم يعلمون أنه سيكون قتال، كيف ذلك؟ لأن أعداء المسلمين جاؤوا من بلادهم، تركوا أهليهم، وتركوا بلادهم، تركوا أموالهم وهم في غاية الحنق على الرسول عليه الصلاة والسلام وفي غاية الاستعداد، فهل يُعقل أن قومًا جاؤوا على هذه الصفة يرجعون ويقولون: سلام عليكم في أمان الله؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا يعقل، لا يعقل، فقول المنافقين ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾ هم كاذبون فيه، ولهذا قال: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾.
* من فوائد هذه الآية: أن القول عند الإطلاق ما تواطأ عليه القلب واللسان، القول عند الإطلاق هو الذي يتواطؤ عليه القلب واللسان؛ لقوله: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾؛ لأنه لو قال: يقولون، لكان القول في الأصل ما تواطأ عليه القلب واللسان، لكن لما كان هذا القول يختلف فيه القلب عن اللسان قيَّده بالأفواه قال: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾. وبهذا التقرير يندفع عنا قولان؛ القول الأول: أن بعض المفسرين قالوا: إن قوله: ﴿بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ من باب التأكيد، فهو كقوله: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأنعام٣٨]، قالوا: لأن القول لا يكون إلا بالأفواه، ويندفع به أيضًا قول آخر أشد منه وهو القول بالكلام النفسي، القول بالكلام النفسي، قالوا: إنه لما قيد هذا القول بالأفواه دل على أن هناك قولًا أيش؟ نفسيًّا، وهو ما كان في القلب، وهذا أخطر من الأول؛ لأن هذا مبني على بدعة، بدعة الأشاعرة ومَن وافقهم في أن كلام الله هو المعنى القائم بالنفس، وقد أبطل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا القول من تسعين وجهًا في كتاب سماه التسعينية، وأشار إليه ابن القيم في النونية كما مر علينا قريبًا.
إذن الفائدة من قوله: ﴿بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ هو أن هذا القول ليس قولًا مطلقًا، لماذا؟ لأن القول المطلق ما تواطأ عليه القلب واللسان.
* يمكن أن نفرع على هذا فائدة مهمة، وهي: أن من نطق بقول دون أن يكون له قصد في قلبه فإنه لاغي، يعني فإن آثار هذا النطق لاغي، يمكن أن نأخذ هذا من هذه الآية، كما يشهد لذلك قوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [المائدة٨٩]، وهذا يفيد جدًّا، فمثلًا: طلاق السكران؟
* طلبة: لا يقع.
* الشيخ: لا يقع؛ لأنه باللسان فقط، طلاق الموسوس؟
* طلبة: لا يقع.
* الشيخ: لا يقع؛ لأنه باللسان فقط، الموسوس -نسأل الله لنا ولكم العافية- يوسوس دائمًا أنه طلق زوجته، وتجده يحدث نفسه وهو على فراشه ومع زوجته، يقول: فلانة طالق، وربما حتى في الصلاة يقول هذا، ويعجز عن كبح نفسه، نقول: هذا الرجل لو طلق بلسانه ألف مرة فليس بشيء، ليس بشيء، ولهذا يستفتوننا كثير من الناس في هذه المسألة ونقول: ليس عليك طلاق، قال: ولو تكلمت؟ نقول: لو تكلمت ما عليك طلاق؛ لأنه ما قصد، أحيانًا يقول: والله أنا بريح نفسي، بريح نفسي، زوجتي طالق، نقول: هذا إغلاق و«لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ»[[أخرجه أبو داود برقم (٢١٩٣)، وابن ماجه برقم (٢٠٤٦) من حديث عائشة رضي الله عنها.]]، مثل بعض الناس إذا شك هل أحدث أو لا ذهب يُحدِث علشان يتيقن، أحيانًا يحدِث بحَدَث مسموع، وأحيانًا يذهب يمس ذكره ويرى أنه ينقض الوضوء مس الذكر، وما أشبه ذلك، نقول: لا يا أخي، أنت ريح نفسك، أعطانا رسول الله ﷺ قاعدة، وهي ألَّا ننصرف من الصلاة ولا نخرج من المسجد حتى نسمع صوتًا أو نجد ريحًا[[أخرجه مسلم برقم (٣٦٢ / ٩٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، لا تبلبل نفسك، افرض أن ما عندك ماء أو أن الوقت بارد وأنت ماشٍ على هذه الطريقة كلما شككت نقضت الوضوء ثم توضأت، تذهب تنقض الوضوء ثم تبقى إما أن تتوضأ بالماء البارد أو تتيمم؟!! هذا غلط.
المهم أن الشيء الذي لا يُقصد يؤخذ من هذه الآية ومن غيرها أيضًا من النصوص الأخرى أنه لا عبرة به، لا عبرة به، ومن ذلك كما أشرت إليه طلاق الموسوسين فإنه لا يُعتبر حتى لو نطق، أقول: أحيانًا يسألوننا، فإذا قلنا لهم: ليس عليكم طلاق إلا إذا ذهبتم إلى كاتب العدل أو إلى رئيس المحكمة ليكتب الطلاق، تجده يرتعش: أعوذ بالله أعوذ بالله؛ إذن هذا قصد الطلاق؟ ما قصد الطلاق، فلا عبرة به.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات علم الله عز وجل بسرائر الأمور، من قوله: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾.
* ومن فوائدها: تحذير العبد من أن يكتم في قلبه ما لا يرضاه الله عز وجل، من أين يؤخذ؟
* الطلبة: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن المنافقين يحرصون غاية الحرص على كتمان نفاقهم، ولكن الله يعلم بذلك، وقد كشفهم الله في قوله: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا﴾ [النساء ١٠٨].
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن المنافقين لا خير فيهم، لا في الجهاد في سبيل الله ولا في الدفاع عن المسلمين، من قوله: ﴿وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا﴾، فهم لا خير فيهم، لا يأتون للقتال في سبيل الله ولا للدفاع.
نبهنا على خطأ بعض العلماء في قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ﴾ وما أشبهه؟ نبهنا عليه، طيب.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإنسان تتغير أحواله، فيكون في حال أقرب إلى الإيمان من الكفر، وفي حال أخرى بالعكس؛ لقوله: ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ﴾، واستدل بعض العلماء بهذه الآية على زيادة الإيمان ونقصانه، فما وجه الاستدلال؟
* طالب: الإيمان ينقص ويزداد.
* الشيخ: ما وجه الدلالة من الآية؟
* الطالب: ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ﴾.
* الشيخ: كلما قرب الإنسان للإيمان سوف يزداد إيمانه، كلما بعُد؟
* الطلبة: ينقص.
* الشيخ: سوف ينقص، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة؛ أن الإيمان يزيد وينقص، ولكن هل يزيد بالعمل الظاهر أو يزيد حتى في العمل الباطن؟
* طالب: في الاثنين.
* الشيخ: نعم، يزيد في هذا وهذا، فالعمل الظاهر نجد بعض الناس يكثر من الأعمال الصالحة فيزداد إيمانهم، وأما في الباطن فكذلك يزداد إيمان الإنسان في الباطن بحسب ما يكون عنده من البينات، فهذا إبراهيم قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة ٢٦٠]، والإنسان يدرك بحسه أنه إذا أخبره ثقةٌ بخبر، ثم أخبره ثقة بنفس الخبر، ثم ثقة ثم ثقة يحس بنفسه أنه كلما زاد المخبرون أيش؟
* الطلبة: ازداد إيمانه.
* الشيخ: ازداد إيمانه، وهذا شيء مشاهَد ما فيه إشكال.
* ويؤخذ من الآية الكريمة: أن الكفر ضد الإيمان؛ لقوله: ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ﴾، ولكن هل يجتمع الإيمان والكفر في قلب رجل؟
نقول: أما الإيمان المطلق والكفر المطلق فلا يمكن أن يجتمعا، وأما الإيمان الناقص أو الكفر دون الكفر فيمكن أن يجتمعا على مذهب أهل السنة والجماعة، أن الإنسان يكون فيه خصال إيمان وخصال كفر، فيُحَب على ما معه من الإيمان ويُكره على ما معه من الكفر.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: أنه ينبغي للإنسان أن يحترس في الحكم وألّا يطلق الحكم، بل يحترس فيه؛ لقوله: ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ﴾، وهو ما يسمى بعُرف الدبلوماسيين: التحفظ؛ لأن قوله: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ احتراز مما سبق ومما سيأتي؛ لأنه ربما أنه فيما سبق هم للإيمان أقرب، وربما في المستقبل أيضًا يغير الله حالهم فيكون الإيمان أقرب، فأنت إذا حكمت على شخص فينبغي لك أن تقيد؛ لأن الإطلاق ربما يأخذ المحكوم عليه هذا الحكم مطلقًا، وافرض أنك تريد أن تعدِّل شخصًا تقول: إنه عدل، إذا أعطيته وصف العدالة على سبيل الإطلاق فربما يفسق فيما بعد وتبقى هذه الوثيقة عنده، لكن الحمد لله الآن الناس يحترسون من هذا بذكر التاريخ؛ لأنه إذا ذُكر التاريخ وأنت عدَّلته في هذا التاريخ فإنه لا لوم عليك في المستقبل فيما لو اختلفت حاله؛ لأنك إنما تعدله في ذلك الوقت، ربما تختلف حاله ويكون فاسقًا بعد ذلك ما عليك منه.
ثم قال: ﴿الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ هذا أيضًا فيها فوائد.
* الطلبة: (...).
{"ayahs_start":166,"ayahs":["وَمَاۤ أَصَـٰبَكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِیَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ","وَلِیَعۡلَمَ ٱلَّذِینَ نَافَقُوا۟ۚ وَقِیلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡا۟ قَـٰتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدۡفَعُوا۟ۖ قَالُوا۟ لَوۡ نَعۡلَمُ قِتَالࣰا لَّٱتَّبَعۡنَـٰكُمۡۗ هُمۡ لِلۡكُفۡرِ یَوۡمَىِٕذٍ أَقۡرَبُ مِنۡهُمۡ لِلۡإِیمَـٰنِۚ یَقُولُونَ بِأَفۡوَ ٰهِهِم مَّا لَیۡسَ فِی قُلُوبِهِمۡۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا یَكۡتُمُونَ"],"ayah":"وَمَاۤ أَصَـٰبَكُمۡ یَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِیَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق