الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿هُمْ﴾: من؟ يعود الضمير على من اتبع رضوان الله وعلى من باء بسخط من الله؛ ولكن هنا يشكل علينا أنه أعاد الضمير بصيغة الجمع (هم) مع أن (مَن) وصلتها بصيغة الإفراد، ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ﴾ ﴿كَمَنْ بَاءَ﴾؛ والجواب عن ذلك سهل: لأن اسم الموصول يفيد العموم، فيجوز أن يعود الضمير إليه باعتبار لفظه، ويجوز أن يعود إليه باعتبار معناه؛ ألم تسمع إلى قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [الزمر ٣٣] ما قال: أولئك هو المتقي، بل قال: ﴿هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ فأعاد الضمير على معنى اسم الموصول وهو الجمع؛ قال: ﴿هُمُ﴾ أي: الذين اتبعوا رضوان الله والذين باؤوا بسخط من الله: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾ درجات: منازل، منازل عند الله، يختلفون؛ فكل من كان أتبع لرضا الله كان أرفع عند الله، وكلما كان أبعد من الله كان أنزل؛ فهم درجات: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أي: في المراتب؛ فما ميزان هذه الدرجات؟ أشرنا إليها، كل من كان أتبع لرضوان الله كان أرفع درجات عند الله، والعكس بالعكس.
﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿بَصِيرٌ﴾ اسم فاعل يجوز أن يكون من الإبصار بالعين، ويجوز أن يكون من الإبصار بالعلم؛ فيكون بصير بمعنى (عليم)، أو بصير بمعنى (رائي)؛ وهل لله بصر؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»[[أخرجه مسلم (١٧٩ / ٢٩٣) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. ]]. ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ أي: بالذي يعملونه من ظاهر وباطن وخير وشر.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الناس عند الله منازل مختلفة.
* ويتفرع على هذه الفائدة: أن الإيمان يزيد وينقص؛ لأن زيادة الدرجات بعد زيادة الإيمان باليقين والعمل الصالح؛ زيادة الإيمان هل هي زيادة اليقين، أو زيادة الأقوال، أو زيادة الأفعال، أو الجميع؟
* طلبة: الجميع.
* الشيخ: نعم، الجميع؛ فاليقين يتفاضل لا شك؛ والأقوال تتفاضل، ليس من قال: لا إله إلا الله عشرًا كمن قالها عشرين مثلًا.
الأفعال كذلك تتفاضل، ليس من صلّى ستّ ركعات كمن صلّى عشر ركعات؛ أليس كذلك؟ وهذا هو ما جرى عليه أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص؛ يزيد باليقين والقول والفعل؛ كيف يزيد اليقين هل اليقين يتفاضل؟ نعم، يتفاضل بنص القرآن، قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام لله: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة ٢٦٠] هذا دليل من القرآن؛ دليل من الواقع أن الإنسان كلما كثر المخبرون بالخبر ازداد يقينًا، وإذا شاهد ازداد أكثر؛ ولهذا جاء في الحديث: «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ»[[أخرجه أحمد في المسند (١٨٤٢، ٢٤٤٧) والمستدرك للحاكم (٣٢٨٩) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.]] أما زيادة الأقوال والأفعال هذا شيء واضح ولا إشكال فيه.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات العلو لله عز وجل، إثبات العلو؛ لقوله: ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ والعندية تعني عنديّة المكان؛ وإذا كانوا درجات فالدرجات ترتفع شيئًا فشيئًا؛ فيؤخذ منها إثبات علو الله؛ وهذا أمر متفق عليه ومُجمع عليه بين السلف، وقد دلّت عليه الأدلة الخمسة كلها: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، والخامس: الفطرة؛ يعني علوّ الله عز وجل دل عليه هذه الأدلة الخمسة: الكتاب والسنة..
* الطلبة: والإجماع.
* الشيخ: والإجماع..
* الطلبة: والعقل.
* الشيخ: والعقل..
* الطلبة: والفطرة.
* الشيخ: والفطرة؛ الكتاب والسنة مملوءان من ذلك؛ والإجماع يقول شيخ الإسلام: والله يعلم أني بعد البحث التام ومطالعة ما أمكن من كلام السلف ما رأيت أحدًا منهم قال إن الله ليس في السماء.
وأما العقل فقد دل على علوّ الله؛ كيف؟ كيف دل؟
* طالب: يعني كمال.. أن العلو صفة، والله عز وجل قد ثبت أنه لم (...) الثاني..
* الشيخ: أن السفل..
* الطالب: أن السفل صفة نقص..
* الشيخ: والله..
* الطالب: والله ما صف بالنقص.
* الشيخ: تمام، العقل يدل على ذلك، لا شك أن العلو علو المكان كعلو المكانة، أي أنه كمال ولَّا نقص؟
* الطلبة: كمال.
* الشيخ: كمال؛ وإذا كان كذلك فللّه كل صفة كمال، أما الفطرة فلا تسأل، كل إنسان لم يقرأ كتب أهل البدع أين يتّجه قلبه إذا ذكر الله؟
* الطلبة: إلى السماء.
* طالب: إلى العلو.
* الشيخ: إلى العلو؛ ولهذا يقال: إن أبا المعالي الجويني كان يُقرر في العلوّ ويقول: إن الله تعالى كان ولم يكن شيء قبله، وهو الآن على ما كان عليه؛ هذا الكلام ما يفهمه الإنسان؛ كان الله ولم يكن شيء قبله وهو الآن على ما كان عليه؛ ما يفهمه الإنسان، لكنه يريد أن ينكر استواء الله على العرش؛ فقال له الهمداني رحمه الله: يا شيخ، دعنا من ذكر العرش، أخبرِنا عن هذه الضرورة التي يجدها الإنسان، ما قال عارف قطّ: يا الله إلا وجد من قلبه ضرورة بطلب العلو.
صح ولَّا لا؟ أنت لو ما درست شيئًا أبدًا تقول: يا الله وين يروح قلبك؟ فوق؛ فجعل يضرب على رأسه ويقول: حيّرني الهمداني، حيرني؛ ما له جواب؛ واضح؟ إذن نقول: علو الله ثابت بالأدلة الخمسة، الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة، وكما رأيتم ابن القيم رحمه الله يكرر هذا المعنى في النونية تكرارًا كثيرًا؛ لأنه من أعلى صفات الكمال.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات إحاطة الله عز وجل بما نعمل؛ لقوله: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ ويترتّب على هذا الأدب السلوكي، وهو أن نحذر من مخالفته؛ لأننا إذا كنا نعلم أنه بصير بما نعمل فسوف نتجنّب كل ما يسخطه جل وعلا، ونأتي بكل ما يرضيه، لا سيما وأن الآية جاءت بعد قوله: ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ﴾.
{"ayah":"هُمۡ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











