الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مِتُّمْ﴾ عندكم كذا؟ ﴿أَوْ مِتُّمْ﴾ ؟
* الطلبة: ﴿أَوْ مُتُّمْ﴾.
* الشيخ: فيها قراءتان: ﴿أَوْ مُتُّمْ﴾ ﴿أَوْ مِتُّمْ﴾ بالكسر، ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ ﴿خَيْرٌ مِمَّا تَجْمَعُونَ﴾ قراءتان، إذن ففي الآية هذه كلمتان فيهما قراءتان، الأولى قال: ﴿مِتُّمْ﴾ مأخوذة من مات يمات، وإذا أُخذت من مات يموت كيف نقول؟ ﴿مُتُّمْ﴾ بضم الميم. أو من مات يمات؟
* الطلبة: ﴿مِتُّمْ﴾ .
* الشيخ: ﴿مِتُّمْ﴾ مات يمات، يعني كلها لغة عربية، تقول: (مات الرجل، يمات الرجل)، (مات الرجل، يموت الرجل)، (مات) كـ(يخاف)، وأصلها: مَوِتَ يَمْوَتُ، هذا أصلها، كخاف يخاف أصلها: خَوِفَ يَخْوَفُ، إذن هي من باب: فرِح يفرَح. خوِف يَخْوَف، فيقال فيها: خَوف يَخْوَفُ، نقول فيها أيش: ﴿مِتُّمْ﴾ كما تقول: خِفتم.
الثاني يقول: ﴿خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ ﴿خَيْرٌ مِمَّا تَجْمَعُونَ﴾ هل في الآية التفات؟
* طالب: نعم، القراءة الثانية.
* الشيخ: أيهم الياء ولّا التاء؟
* الطالب: الياء.
* الشيخ: الياء فيها التفات، وعلى قراءة التاء لا؛ لأن الآية كلها للخطاب.
وفي الآية أيضًا من جهة اللغة العربية: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ﴾ ...﴿أَوْ مِتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ﴾ . اجتمع في الجملة قسَمٌ وشرط، أيهما السابق؟
* طالب: القسم يا شيخ ﴿وَلَئِنْ﴾.
* الشيخ: أيهما السابق؟
* الطالب: الواو، واو القسم.
* الشيخ: وإذا تقدم القسم فأيهما يحذف جوابه: الشرط أو القسم؟
* الطالب: القسم.
* الشيخ: القسم؟
* طالب: جواب المتأخر على الشرط.
* الشيخ: جواب المتأخر، الشرط أو القسم، قال ابن مالك:
؎وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ∗∗∗ جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ
(واحذف لدى اجتماع شرط وقسم) يعني عند اجتماع الشرط والقسم في الجملة، احذف (جواب ما أخرت فهو ملتزم).
هنا المتقدم أيش؟ القسم، إذن الذي يحذف جواب الشرط وهو كذلك، الآن في الآية هو كذلك، ولهذا جاء الجواب: ﴿لَمَغْفِرَةٌ﴾، جاء الجواب جواب قسم ﴿لَمَغْفِرَةٌ﴾، فاللام هنا واقعة في جواب القسم، واللام في ﴿لَئِنْ﴾ مُوَطِّئة للقسم، وجواب الشرط محذوف.
فإن قال قائل: كيف يُحذف وهو ركن في الجملة؟ قلنا: لأنه وُجد ما يسد مسده، وهو جواب القسم.
يقول الله عز وجل: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ﴾ الخطاب للمؤمنين، ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: في الجهاد في سبيله، ويحتمل أن يكون أعم من ذلك، بمعنى: قُتلتم في سبيل الله في الجهاد، أو قُتلتم في سبيل الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو قُتلتم في سبيل الله في الدعوة إليه، أو قُتلتم في سبيل الله في بيان الحق، كل هذا داخل في سبيل الله. الجهاد جهاد الكفار، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الدعوة إلى الله، بيان الحق؛ لأن الجامع بينها أن هذا قُتِل وهو يدافع عن أيش؟ عن دين الله عز وجل، فالذي يُقتل في سبيل الله يقول الله عز وجل: ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ خير من الدنيا وما فيها.
وقوله سبحانه وتعالى: ﴿أَوْ مِتُّمْ﴾ هل نقول: إن المعنى: أو مِتم في سبيل الله، فيكون المراد به من مات في الجهاد، أو مِتم مطلَقًا؟
الظاهر الثاني؛ لأن الله عز وجل لو أراد الأول لقال: ولئن قُتلتم أو مِتم في سبيل الله، فلما أخر (مِتم) عن القيد عُلم أنه غير مراد في الجملة الثانية.
ولهذا يقول العلماء: إن الوصف أو الشرط إذا تعقَّب جملًا عاد إلى الكل، وإن توسط جملًا فهو للأول، فهو لما سبقه. ما هي القاعدة؟ كل قيد بشرط أو صفة أو استثناء أو غيره -كل قيد- إذا تعقَّب جملًا -أي صار في آخرها- فهو عائد على الكل، وإن توسط عاد على ما سبقه فقط دون ما تأخر عنه، إلا ما دل عليه الدليل.
وعلى هذا نطبق قول الله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور ٤، ٥]، هذه الآية فيها قيد بالاستثناء تعقَّب الجمل الثلاثة، فهل يعود إلى الثلاث؟ نقول: أما الأولى فلا يعود إليها بالإجماع، وأما الثالثة فيعود إليها بالإجماع، وأما الوسطى ففيه خلاف.
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾، الجملة الأولى: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾، الثانية: ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا﴾، الثالثة: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ الاستثناء لا يعود إلى الأولى بالاتفاق، فلو أن القاذف تاب فإن حق المقذوف لا يسقط، يُجلد ثمانين جلدة ولو تاب، وإذا تاب القاذف زال عنه وصف الفسق بالاتفاق. وإذا تاب القاذف فهل تُقبل شهادته أو لا؟
في هذا خلاف؛ منهم من قال: تُقبل، ومنهم من قال: لا تُقبل.
يقول عز وجل: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ المغفرة فيها النجاة من المكروه، والرحمة فيها حصول المطلوب.
وقوله: ﴿خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ أي مما يجمعون من الدنيا كلها، قال الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس ٥٨].
* طالب: في التشبه، لو كان الشيء مشتهرًا بين المسلمين، يعني يفعله طائفة من المسلمين ليس مختصًّا بالكفار، ولكن يفعله الشخص ليس لأن المسلمين يفعلونه ولكن لأن الكفار يفعلونه يعنى يقلدهم في الصفة.. في الأكل مثلًا، لا يأكل هذا لأن المسلمين يأكلونه بل يأكله لأن أهل أوربا يأكلونه أو كذا؟
* الشيخ: لا، لكن الظاهر ما يعتبر من التشبه.
* الطالب: أو اللباس، بعض الألبسة؟
* الشيخ: يعني هذا ما يتصل بنفس الإنسان، الأكل والآلات وشبهها، لو قال واحد: أنا باذبح بسكاكين من سكاكين الكفار، لكن ليس في قلبي تعظيمهم، فلا بأس، وأما قول الرسول ﷺ: «وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» » فليست العلة أنه مدى الحبشة، لكن العلة أن إطالة الظفر من فعل الحبشة من أجل أن ينحروا به. الحبش يغذون أظفارهم حتى تكون كالسكاكين، وبدل من أن يحمل السكين في جيبه يقول: السكين جاهز في الأصبع. لأن هذا لو أن الناس اعتادوه خرجوا عن الفطرة التي هي تقليم أيش؟
* الطلبة: الأظافر.
* الشيخ: تقليم الأظفار، إي نعم.
* طالب: في بعض البلدان أكثر العلماء يلبسون ثيابًا تشبه ثياب الأساقفة والرهبان، فيكون هذا من التشبه بهم؟
* الشيخ: الظاهر أنه من التشبه، ما دام الإنسان إذا رآهم قال: هؤلاء من الأساقفة فهو تشبه. مع أن المسألة ربما يقال: إن السبق في هذا اللباس للمسلمين.
* الطالب: لماذا لا يلبسون لباس أهل البلد؟
* الشيخ: لكن ما تظن أن هذا اللباس سابق للمسلمين أنه خاص بالعلماء؟
* الطالب: لا يا شيخ، الأساقفة سابقين.
* الشيخ: سابقين؟ مشكلة هذه، هذه ما هي مضاهاة للنصارى.
* الطالب: ولكن يا شيخ هم لا يعلمون ولا يقصدون؟
* الشيخ: إي لكن معروف، يعني من عرف لباس الأساقفة قال: هذا أسقف.
* الطالب: هم يقلدون العلماء من قبلهم، وما يعلمون أنهم يتشبهون؟
* الشيخ: نحن قلنا: إن التشبه لا يُشترط فيه القصد.
* طالب: أقول -أحسن الله إليك يا شيخ-: بعض النساء عندهم قصات معينة ويفعلها الكفار، لكن هم ما قصدوا التشبه، بل عادة؟
* الشيخ: أبدًا، ما دام أن هذا لم ينتشر بين المسلمين ويكن من لباسهم أو من هيئاتهم فهو تشبه حرام.
* الطالب: ما قصدوا؟
* الشيخ: ولو ما قصدوا؛ لأن الذي يقصد التشبه قلت لك: إن هذا خطر؛ لأنه لن يقصد التشبه إلا وفي قلبه تعظيم لهم ومحبة لهم.
* طالب: اشترطتم يا شيخ المغفرة والرحمة على مجرد الميت؟
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ﴾.
* الشيخ: يعني معناه أن من مات -وعلى كل حال ما بعد وصلناها- لكن معنى من مات فإنه لن تفوته المغفرة، ثم هو إذا مات انتقل إلى خير مما كان عليه، يعني هؤلاء الذين يموتون في سبيل الله ينتقلون إلى ما هو أفضل، ولهذا يتمنون أن يعودوا إلى الدنيا لا ليعيشوا فيها ولكن ليُقتلوا مرة ثانية في سبيل الله، كذلك الموت، الله المستعان، كررنا عليكم مرارا: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ [الضحى ٤]، ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى ١٦، ١٧] أتظن أن المؤمن إذا مات يندم على أنه مات من أجل فوات محبوب له؟ لا، من أجل العمل، يتمنى أنه باقٍ ليزداد عمله، لا ليتمتع بالدنيا؛ لأنه ينتقل إلى دار أفضل، ما دام -نسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم- ما دام يُفسح له في قبره مد بصره ويأتيه من نعيم الجنة وروحها، هذا ما له نظير في الدنيا.
* طالب: في قول الله عز وجل: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ﴾...﴿أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ﴾ نريد توضيح القسم من أداة القسم والمقسوم؟
* الشيخ: (والله لئن) هذا أداة القسم، (والله لئن).
* طالب: ﴿وَقَالُوا﴾ للماضي، و﴿إِذَا ضَرَبُوا﴾ للمستقبل، ما فيه إشكال؟
* الشيخ: إي، وعلى كل حال فيه شيء من الإشكال، ما هو الإشكال اللي يمكن أن يرد؟ ﴿وَقَالُوا﴾ ﴿إِذَا ضَرَبُوا﴾، بعض العلماء قال: إن (إذا) هنا لا يراد بها الاستقبال، إنها سُلِبت الدلالة عن المستقبل، وإن المراد بها مجرد الظرف، وإنه يشبه قول: وقالوا إذ ضربوا في الأرض، وقالوا لإخوانهم إذ ضربوا في الأرض أو كانوا غزى. قالوا: والدلالة على المعنى قد تُسلب الكلمة كما في قوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء ٩٦] هل المعنى: كان في الأزل ثم لم يكن الآن غفورًا رحيمًا؟ لا، سُلبت الدلالة على الزمان، كذلك (إذا) هنا سُلِبت الدلالة على المستقبل وصار المراد بها مجرد الزمان فقط.
* * *
* طالب: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩)﴾ [آل عمران ١٥٩].
* الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا يسأل يقول عن الذين يُعَلِّقون على مصاحف المسجد؟
اللي يحب يعلق القراءات يشتري مصحف ويعلق عليه، هذا طيب، المصحف هذا معلق عليه القراءات، أما المسجد ما يجوز؛ لأنه ربما يأخذه عوام ما يعرفون، ثم هذا يُجَرِّئ الناس على تعليقات غير صحيح، لذلك انتبهوا ممنوع، التعليق على مصاحف المسجد ممنوع، أفهمتم يا جماعة؟ لأن أولًا: ما هي لنا حتى نعلق عليها، والثاني: اللي يقرؤه ناس ما يعرفون، عامة، أخشى من هذا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مِتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ﴾ هذه العبارة تكون في القرآن الكريم كثيرًا، أي أنه يجتمع قسم وشرط، القسم مستفاد من اللام في ﴿وَلَئِنْ﴾؛ لأن اللام هنا موطئة للقسم، أما الشرط فهو بـ (إن)، وإذا اجتمع شرط وقسم فإنه يُحذف جواب المتأخر، ويكون الجواب المذكور للمتقدم؛ لسبقه، قال ابن مالك في الألفية:
؎وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمْ ∗∗∗ جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمْ
في هذه الآية: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ﴾ الجواب: ﴿لَمَغْفِرَةٌ﴾ جواب قسم؛ لأنه اقترن باللام.
في هذه الآية في قوله: ﴿أَوْ مِتُّمْ﴾ قراءتان: قراءة بكسر الميم، وقراءة بضم الميم، أما ضم الميم فهي من مات يموت، وهذه قاعدة تنفعكم: إذا أُسند الفعل الماضي إلى ضمير الرفع فإنه على حسب المضارع، فمثلًا إذا كان المضارع مضموم العين فإن هذا يكون أيضًا مضمومًا: قام يقوم، تقول: قُمت، باع يبيع: بِعت، خاف: خِفت، لماذا؟ لأن أصله خوف يخوف مكسور، فتقول: خِفت، مات يمات: مِت، مات يموت مُت، إذن ﴿مُتُّمْ﴾ من مات يموت، ﴿مِتُّمْ﴾ من مات يمات، هاتان قراءتان.
فيه أيضًا في قوله: ﴿خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ فيها قراءتان ﴿يَجْمَعُونَ﴾: قراءة بالتاء: ﴿تَجْمَعُونَ﴾ وقراءة بالياء. هذا الكلام عن القراءات والكلام عن الإعراب.
يقول الله عز وجل مبينًا ومسليًا لعباده المؤمنين: إنهم إذا خرجوا من ديارهم وقُتلوا أو ماتوا فإنَّ ما يُقبِلون عليه خير مما يرحلون عنه، وهذا متصل بما قبله: ﴿لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا﴾ إلى آخره. يعني يقول: لو متم أو قُتلتم فإن هذا ليس حسرة، هذا خير، ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي في الجهاد في سبيل الله، ويحتمل أن يكون المعنى أعم من الجهاد في سبيل الله بالسلاح ليشمل الجهاد في سبيل الله بالدعوة إلى الله عز وجل والعلم، فمن قُتل لكونه داعية فإنه مقتول في سبيل الله؛ لأنه كالمجاهد بسلاحه.
وقوله: ﴿أَوْ مِتُّمْ﴾ يعني دون أن تُقتلوا في سبيل الله، ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ من الدنيا كلها، ﴿لَمَغْفِرَةٌ﴾ لمن؟ لكم: ﴿مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ﴾ لكم أيضًا.
والفرق بين المغفرة والرحمة: أن المغفرة بها زوال المكروه، والرحمة بها حصول المطلوب؛ أي أنكم يحصل لكم مطلوبكم وتنجون من مرهوبكم، والمغفرة هي ستر الذنب والتجاوز عنه، والرحمة صفة من صفات الله عز وجل لكنها تقتضي الإحسان إلى المرحوم والإنعام عليه.
وفي قوله: ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ﴾ إضافة المغفرة إلى الله تدل على عظمة هذه المغفرة؛ وذلك لأن الشيء يعظم بعظم باذله، فمثلًا إذا قلت: أعطاني الملك عطية، وقلت: أعطاني الصعلوك عطية، الصعلوك من هو؟ الفقير. ماذا يتصور الناس إذا قلت: أعطاني الملك عطية؟ أنها كثيرة. أعطاني الصعلوك عطية؟ أنها خمس وعشرون هللة، قليلة، فالشيء يَعْظُم بحسب ما أيش؟ ما يضاف إليه، فلهذا قال: ﴿مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ﴾ أي ابتداؤها منه، فهو الذي يبتدئ بها عز وجل ويتفضل بها.
﴿وَرَحْمَةٌ﴾ يعني: منه ﴿خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ أو ﴿خَيْرٌ مِمَّا تَجْمَعُونَ﴾ من الدنيا كلها.
* في هذه الآية الكريمة من الفوائد: أن من قُتل في سبيل الله أو مات من المؤمنين فقد انتقل إلى خير من الدنيا كلها؛ لقوله: ﴿خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
* ومن فوائدها: منة الله عز وجل على عباده بتسليتهم في الأمور التي يهمهم فواتها، فالإنسان يهمه فوات الدنيا، كلٌّ يحب أن يبقى في الدنيا، فإذا جاءت التسلية من الله وقيل: إنك إذا مِت أو قُتلت انتقلت إلى ما هو خير، فإن الإنسان يتسلى بهذا، ويقول: الحمد لله أنني إذا انتقلت إلى الآخرة فأنا أنتقل إلى خير من الدنيا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الجمع بين المغفرة والرحمة ليكمل للإنسان سعادته؛ إذ إن بالمغفرة زوال المكروه، وبالرحمة حصول المطلوب.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: جواز إيقاع التفضيل بين شيئين بينهما بُعْدٌ تام؛ لأنك إذا نسبت ما في الدنيا للآخرة فليس بشيء، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»[[أخرجه البخاري (٢٨٩٢) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.]] وأبين من ذلك قوله تعالى: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل ٥٩].
ثم قال الله تعالى: ﴿وَلَئِنْ مِتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾ نقول في: ﴿لَئِنْ مِتُّمْ﴾ من حيث الإعراب ما قلنا في الآية التي قبلها، أي أنه اجتمع فيها قسم وشرط فحُذف جواب الشرط، ونقول: في ﴿مِتُّمْ﴾ قراءتان كما في الآية التي قبلها، بكسر الميم على أنها من مات يمات، وبضم الميم على أنها من مات يموت.
يقول عز وجل: إن متم أو قتلتم فإن مرجعكم إلى الله، مهما طالت بكم الأيام أو قصرت المرجع إلى الله، وإذا كان المرجع إلى الله فإن الإنسان سوف يبقى مطمئنًّا؛ إذ إن من كان مرجعه إلى الله عز وجل فإنه لا يخاف ظلمًا ولا هضمًا، بل إنه إذا كان مؤمنًا فإنه يستبشر، كيف ذلك؟ لقول الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة ٢٢٣] ولما حدَّث النبي عليه الصلاة والسلام عائشة فقال: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ». قالت: يا رسول الله، كلنا يكره الموت» -ولقاء الله يكون بالموت- «قال: «لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْأَجَلُ فَبُشِّرَ بِالْجَنَّةِ اشْتَاقَ إِلَى رَبِّهِ وَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، وَالْكَافِرُ» -وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ- «إِذَا حَضَرَهُ الْأَجَلُ بُشِّرَ بِالنَّارِ فَكَرِهَ لِقَاءَ اللَّهَ فَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٥٠٧)، ومسلم (٢٦٨٣ / ١٤) من حديث عبادة بن الصامت رضي لله عنه.]].
* ففي هذه الآية: أن المرجع إلى الله عز وجل مهما طالت بالإنسان الحياة، وعلى أي صفة كان موته، سواء كان بقتل أو بغيره، فالمرجع إلى الله.
* ومن فوائدها: زيادة التسلية للمؤمنين؛ لأن المؤمن إذا علم أن مرجعه إلى الله فإنه سوف يطمئن، وسوف يستبشر وينشرح صدره بذلك.
* ومن فوائدها: إثبات لقاء الله عز وجل؛ لقوله: ﴿لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: إثبات الحشر يوم القيامة، فإن الناس يقومون من قبورهم ويحشرون إلى الله عز وجل ليجازيهم.
ثم قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾.
أولًا الإعراب: الفاء عاطفة، والباء حرف جر، و(ما) زائدة، ولكنها زائدة لفظًا زائدة معنى، أي تفيد زيادة المعنى. وقد كره بعض العلماء أن تقول: زائدة أو أن تقول عن حرف في القرآن: إنه زائد، قال: لأن القرآن لا زيادة فيه، ولكن نقول: إن المراد بقولنا: زائدة أي من حيث الإعراب، لا من حيث المعنى.
وقوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ﴾ إذا جعلنا (ما) زائدة تكون: ﴿رَحْمَةٍ﴾ مجرورة بالباء، وهذا في القرآن كثير، ومنه قوله تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ﴾ [النساء ١٥٥] أي: فبنقضهم ميثاقهم، ومنها قوله تعالى: ﴿قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ﴾ [المؤمنون ٤٠] أي: عن قليل.
وقوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ الجار والمجرور متعلق بـ (لنت)، بالفعل في: ﴿لِنْتَ﴾.
وقوله: ﴿وَلَوْ كُنْتَ﴾ (لو) هذه شرطية، وفعل الشرط: ﴿كُنْتَ﴾ وجوابه: ﴿لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾، والباقي ليس فيه مشكل.
يقول الله عز وجل مخاطبًا نبيه ﷺ ومبينًا نعمته عليه وعلى أمته، يقول: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ أي: فبسبب رحمة الله لك ولأمتك أنك لين لهم ﴿لِنْتَ لَهُمْ﴾ أي: كنت لينًا؛ لينًا في مقالك، لينًا في جلوسك، لينًا في مقابلتك، في كل أحوالك، فالرسول عليه الصلاة والسلام من أسهل الناس خلقًا وأكرمهم نزلًا، وقد قال الله عنه، وكفى به قولًا: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم ٤].
وقوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ أسند الرحمة إلى الله عز وجل؛ لأنه المتفضل بها، ولأن إسنادها إليه يفيد عظمتها وأنها رحمة عظيمة، وقوله: ﴿لِنْتَ لَهُمْ﴾ الضمير يعود على الصحابة رضي الله عنهم وعلى من بعدهم أيضًا؛ لأن التشريع الذي يقع في عهد الصحابة تشريع لهم وللأمة إلى يوم القيامة.
كونه رحمة له واضح، كونه رحمة لهم واضح أيضًا، من أجل أن يألفوه ويستأنسوا به وتتسهل معاملته إياهم؛ ولهذا «كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام لا يخيَّر بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا »[[متفق عليه؛ البخاري (٦٧٨٦)، ومسلم (٢٣٢٧ / ٧٨) من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ: ما خير النبي ﷺ بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم.]].
قال الله عز وجل: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ هذه عطف على قوله: ﴿لِنْتَ لَهُمْ﴾ اللين يقابله الشدة، الشدة تكون في الهيئة، في القول، في القلب. قال: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا﴾ الفظ: الجافي الشديد في مقاله، تجده جافيًا ما يهتم بأحد، يقابل الناس يصعر خده لهم، لا يهتم بأحد، جاف على اسمه. أيضًا في قوله تجده عنيفًا شديدًا لا يلين، الغلظ هذا في القلب، تجد قلبه قاسيًا لا يرحم ولا ينزل الناس منازلهم، ولا ينظر إلى الأحوال المقترنة بالأفعال، أحيانًا تكون هناك أحوال تقترن بفعل الشخص يُعذر بفعله من أجلها، فتجد غليظ القلب -والعياذ بالله- يعامل الناس معاملة واحدة، لا ينظر إلى أحوالهم ولا ينظر إلى ظروفهم كما يقولون، وإنما تجده غليظ القلب قاسيًا لا يلين.
ومن أعظم ما يدل على ذلك ما يبدر من بعض الناس في معاملة الصغار، تجده في معاملة الصغار عنيفًا، يريد من الصغير أن يكون أدبه كأدب الكبير، وهذا لا شك أنه خطأ عظيم، وهذا من غلظ القلب، «ولما رأى الأقرع بن حابس النبي ﷺ يُقَبِّل الحسن أوالحسين قال: تُقبِّلون أولادكم؟! قال: «نَعَمْ». قال: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتهم، قال: «أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِنْ قَلْبِكَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٩٩٧)، ومسلم (٢٣١٨ / ٦٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ أن الأقرع بن حابس أبصر النبي ﷺ يقبل الحسن فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدًا منهم، فقال رسول الله ﷺ: «إنه من لا يرحم لا يرحم».]]. فالإنسان ينبغي له أن يكون رحيمًا، وأن يكون لين القلب.
قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا﴾ الفظ ماذا قلنا فيه؟ الجافي الشديد القول.
غليظ القلب: القاسي القلب الذي لا يلين قلبه لأي سبب من الأسباب.
يقول: ﴿لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ انفضوا أي: تفرقوا وخرجوا، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا﴾ [الجمعة ١١] أي تفرقوا إليها وخرجوا.
وقوله: ﴿لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ ولم يقل: منك؛ لأن ﴿مِنْ حَوْلِكَ﴾ أبلغ من قوله: منك، يعني: انفضوا وبعُدوا حتى لا يقربون إلى مكان قريب منك، ﴿انْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ يعني: يبعُدون حتى عما قارب مكانك.
يقول عز وجل: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾ هذا تفريع على قوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾، ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾ إذا قصروا في حقك. والعفو هو التسامح وعدم المؤاخذة، ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ في حق الله عز وجل إذا قصروا فيه.
فالصحابة قد يقصرون في حق الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد يقصرون في حق الله، أما في حق الرسول فقال: ﴿اعْفُ عَنْهُمْ﴾ وما أكثر ما يحصل من جفاة الأعراب أو غيرهم من الكلام المسيء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنه يصبر ويتحمل ويعفو عنهم، إلى حد «أن رجلًا من الأنصار قال له لما حكم له في خصومة بينه وبين الزبير بن العوّام قال له رجل من الأنصار: أنْ كان ابن عمَّتِك يا رسولَ الله؟»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٣٥٩)، ومسلم (٢٣٥٧ / ١٢٩) من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.]] هذا اتهام فظيع. الزبير بن العوام أمه صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال هذا الرجل الأنصاري -عفا الله عنه- قال: أن كان ابن عمتك يا رسول الله؟
«وقال له رجل وهو يقسم فيئًا قال: إنّ هذا لقسمةٌ ما أُريدَ بها وجه الله. وقال له: اعدل»[[متفق عليه؛ البخاري (٣١٣٨)، ومسلم (١٠٦٣ / ١٤٢) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.]]. كل هذه الكلمات كان النبي عليه الصلاة والسلام يصبر ويحتسب الأجر من الله ويعفو، حتى أحيانًا يأتيه من زوجاته ما يأتيه مما يحصل من الغيرة بين النساء وهو يعفو عنهم.
قال: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ يعني: ما أخطؤوا فيه من حق الله، يعني: اسأل الله أن يغفر لهم، كما قال تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد ١٩].
﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ الضمير يعود في: ﴿شَاوِرْهُمْ﴾ يعني لأصحابك، شاور أصحابك في الأمر. والمشورة هي استطلاع الرأي بحيث يُعرَض الشيء على المستشار ليستطلع رأيه، ويُنظر ما رأيه فيه، و«الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ»، يجب عليه أن يؤدي الأمانة على الوجه الذي يرى أنه أصلح لمستشيره.
وقوله عز وجل: ﴿فِي الْأَمْرِ﴾ كلمة الأمر -أولًا- المراد بها واحد الأمور، لا واحد الأوامر؛ لأن الأوامر ما يستشير فيها أحدًا، الأوامر يأمر بها، شرْع، لكن ﴿فِي الْأَمْرِ﴾ أي في الشأن، وهو مفرد محلى بـ(أل)، فهل (أل) هذه للعموم أي شاوره في كل أمر، أو هو عام أريد به الخاص، أي: شاوره في الأمر الذي يكون مشتركًا أو يشتبه عليك وجهه، أم ماذا؟
الثاني لا شك، الثاني بلا شك؛ لأنه لا يمكن أن الرسول عليه الصلاة والسلام يأمره الله بأن يشاورهم في كل شيء، إنما يشاورهم في الأمر العام المشترك، بدليل قوله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى ٣٨] أمرهم الذي يجمعهم جميعًا شورى بينهم، أما الأمر الخاص فإنه تُطْلَب الاستشارة عند اشتباه الأمر، «كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام حين استشار علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد في شأن عائشة، لما حصلت قصة الإفك»[[أخرجه البخاري (٢٦٣٧) من حديث عائشة رضي الله عنها.]] وكثر القول فيها والقيل استشار النبي عليه الصلاة والسلام أسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب في شأنها، وغير هذا من الأمور الخاصة التي قد تشكل على الرسول عليه الصلاة والسلام فيستشير فيها.
إذن: ﴿شَاوِرْهُمْ﴾ استطلِع رأيهم، ﴿فِي الْأَمْرِ﴾ أي في الأمر المشترك، أو في الأمر الخاص أيش؟ إذا اشتبه عليك الأمر؛ وذلك لأن الشورى يحصل فيها فوائد نذكرها إن شاء الله في الفوائد.
﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ إذا عزمت: أي صممت على الفعل. بعد المشورة أو قبل المشورة؟
الظاهر بعد المشورة؛ لأن الفاء تدل على أن ما بعدها مفرَّع على ما قبلها، أي: فإذا عزمت بعد الاستشارة واستطلاع الرأي فلا تعتمد على مشورتهم، اعتمد على من؟ على الله: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾، ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ فهنا أُمِرَ بالأسباب والاعتماد على الله عز وجل. الأسباب هي المشورة، والاعتماد على الله هو التوكل عليه.
فما معنى التوكل؟ معنى التوكل: هو الاعتماد على الله عز وجل، الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة بالله، وشعور النفس بأن الإنسان محتاج إلى الله عز وجل.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ لما أمره بالتوكل بيَّن الثمرة العظيمة من هذا التوكل، وله ثمرات كثيرة، منها هذه الثمرة التي ذكر الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ على مَن؟ عليه، إن الله يحب المتوكلين عليه.
* في هذه الآية فوائد كثيرة:
* أولًا: بيان رحمة الله عز وجل بنبيه ﷺ وبأمته، بماذا؟
* طالب: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾.
* الشيخ: بماذا الرحمة؟ ما أقول: أين الدليل؟
* طالب: (...) ﷺ بصحابته.
* الشيخ: إي نعم، هذا محل الرحمة، لكن بماذا كانت هذه الرحمة؟
* الطالب: هذه الرحمة كانت بأن الصحابة لما عصوا أمر الرسول ﷺ في الغزوة غزوة أحد فأمره الله سبحانه وتعالى أن يلين لهم.
* الشيخ: لا، هذا خبر بأنه لين، ما هو أمر.
* طالب: توجيه الله سبحانه تعالى لرسوله حتى يرفق بأصحابه.
* طالب آخر: جعل الرسول لينًا لهم.
* الشيخ: صح، الرحمة من جعل الرسول ﷺ لينًا لهم، بجعله لينًا لهم، هذه رحمة به وبهم.
* ومن فوائدها: أنه ينبغي لمن له سيادة في قومه أن يكون لينًا؛ ليتعرض لرحمة الله عز وجل. دليل ذلك ظاهر أن الرسول هو سيد قومه بل سيد الأمة جميعًا، فألانه الله لهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن اللين أولى بكثير من الفظاظة والشدة؛ لأن الله جعله من الرحمة، ولكن الفقهاء رحمهم الله لما ذكروا ما ينبغي للقاضي أن يتأدب به قالوا: ينبغي أن يكون لينًا من غير ضعف؛ لأن بعض الناس قد يكون لينًا ويكون بسبب لينه ضعيفًا، ما يكون حازمًا، وهذا نقص في اللين، لكن ينبغي أن يكون لينًا مع الحزم والقوة في مواضعها؛ لأن القوة في مواضعها حكمة، فاللين إن ضاعت به الحكمة فهو مذموم، وإن اجتمع مع الحكمة فهو محمود.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان مضار الفظاظة والغلظة، وأن من أعظم مضارها نفور الناس عن الإنسان إذا كان فظًّا غليظًا غليظ القلب؛ لقوله تعالى لرسوله: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ هذا مع أنهم يرجون من قربهم من الرسول عليه الصلاة والسلام ما يرجون، فكيف إذا كان الإنسان لا يُرجى منه ما يُرجى من الرسول؟ إذا كان فظًّا غليظ القلب فالظاهر أنه لا يكفي أن ينفضوا من حوله، فربما رموه بالحجارة؛ لأن الصحابة يرجون من الرسول الخير بقربهم منه، فإذا قُدِّر أنه فظ غليظ القلب ينفضون من حوله، فمن سواه من باب أولى.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: الإشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يستعمل مع الناس كل ما يجلبهم إليه. وجهه أن الله جعل؟
* طالب: جعل معهم الأسباب المؤدية للقلوب.
* الشيخ: نعم أنه جعل الفظاظة والغلظة سببًا للتنفير على سبيل الذم، لا على سبيل المدح. فينبغي للإنسان أن يستعمل في معاملة الناس كل ما يقربهم إليه، بشرط ألا يضيع شيئًا من الواجبات.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الإنسان قد يُعذر في الابتعاد عن أهل الخير إذا كانوا جفاة غلاظ القلوب؛ لقوله تعالى: ﴿لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ ويعني بهم مَن؟ الصحابة. ويعني المنفض عنه الرسول، فإذا كان الصحابة لا يلامون على الانفضاض من الرسول لو كان فظًّا غليظ القلب فما بالك بمن دونه بمراحل، فلهذا إذا كان الإنسان فظًّا غليظًا ولم ير الناس حوله لا يلومنَّ إلا نفسه، ونحن نرى الآن أن الإنسان ربما يكون كافرًا، فإذا كان يعامل الناس باللين والرفق والبشاشة والسماحة ربما يفضلونه على مسلم فظ غليظ القلب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي للإنسان أن يعفو عن حقه في معاملة إخوانه؛ لقوله: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾، ولكن هذه الآية مقيدة بما إذا كان العفو إصلاحًا، قيدها قولُه تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ٤٠]، أما إذا كان في العفو زيادة إفساد وطغيان فإن هذه مصلحة تضمنت مفسدة أعظم، مثل لو كان الجاني معروفًا بالشر والفساد، فهل الأولى أن نعفو عنه أو أن نؤاخذه بالذنب؟
الأولى أن نؤاخذه بالذنب. ولهذا ينبغي في حوادث السيارات ألا يتعجل الإنسان بالعفو عمن تسبب للحادث، بل ينظر؛ إذا كان من الرجال المتهورين الذين إذا عفونا عنه اليوم أحدث حادثًا غدًا، فهنا الأولى ألا نعفو، أما إذا علمنا أن الرجل شديد الحرص على سلامة الأنفس والأموال، ولكن هذا أمر قُدِّر ونعلم أنه سوف يتحرز غاية التحرز في المستقبل، فإن الأولى في هذا العفو، إذن فالعفو مقيد بماذا؟ بالإصلاح ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾.
وهل العفو واجب؟
ليس بواجب؛ لأن الله يقول: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى ٤١] فمن انتصر لنفسه بعد أن ظُلِم فليس عليه سبيل، لكن الأفضل أن يعفو إذا كان في العفو إصلاح.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن التفريط في حق النبي عليه الصلاة والسلام قد يكون ذنبًا؛ لأن الله لما أمر نبيه بالعفو عن حقه الخاص قال: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ وهو كذلك، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام ليس كغيره؛ لأن له حقاًّ، حق الإسلام، وحق الرسالة، ولأنه أعظم الناس حقوقًا علينا، فالاعتداء في حقه أشد من غيره، يُكسِب الإثم؛ ولهذا قال: ﴿اعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾. اللي غير الرسول ﷺ إذا عفا الإنسان عن حقه الخاص انتهى، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لما كان الأمر الذي يتعلق به متعلقًا بحق الله عز وجل قال: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾. ولهذا لو سب أحد شخصًا من الناس لم يَكْفُر، ولو سب النبي ﷺ كفر؛ لعظم حقه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الأمر بالمشاورة، مشاورة المسلمين في شؤونهم، فيما يتعلق بالشؤون.
نقف على هذا ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾.
* طالب: (...) بين قوله تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ﴾ يعني أن هذا سبب للانفضاض من حول الرسول، وبين ما كان عليه الرسول ﷺ من الهيبة، كانوا يهابونه الصحابة، يهابونه أن يكلموه في بعض الأمور؟
* الشيخ: الهيبة هذه شيء في القلب يقع، لكن الْمَهيب ليس فيه شيء من هذا، ولهذا من صفاته أنه من رآه بداهةً هابه، ومن خالطه أحبه، فهو عليه الصلاة والسلام يُهاب إجلالًا وتعظيمًا، لا من أجل أنه هو نفسه فظ غليظ القلب.
* طالب: أحسن الله إليك، أقول: أحيانًا في العفو يضطر الإنسان يا شيخ أن -أقول- يتجافى ويغض الطرف عن مسألة الإصلاح، مثل أن يكون الجاني مثلا فقيرًا، فإذا مثلًا اعتدى في حادث سيارة أو ما شابه ذلك يضطر الإنسان أنه يغض الطرف عن مسألة هل العفو سيكون فيه إصلاح أو لا؛ نظرًا لأن هذا الشخص فقير؟ فمثلًا لو قال، يعني لو قال مثلًا: سألزمه حتى يتأدب ويصلح ولا يعتدي على الناس يعني حده إلى شيء صعب جدًّا تجده فقيرًا ما يملك..
* الشيخ: على كل حال ما يخالف، هو الأمر بيده، إذا رأى أن المسألة ستكون فيها ضرر عليه يعفو فيما بعد.
* طالب: قول الله عز وجل: ﴿لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾ اللام للتوكيد؟
* الشيخ: اللام واقعة في جواب القسم؛ لأن المحذوف هو جواب الشرط.
* الطالب: العفو المراد به في الآية هنا ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾ فإن الله (...) أمر (...) العفو المطلق؟
* الشيخ: ما ذكرنا نحن أن من انتصر لنفسه فليس عليه سبيل؟
* الطالب: يعني يكون في الآية واجبًا؟
* الشيخ: لا، ليس بواجب.
* الطالب: في قوله تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾.
* الشيخ: إي نعم، ليس بواجب.
* الطالب: (...).
* الشيخ: اللي صرفه هو كما قلنا الآية الثانية: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [الشورى ٤٠، ٤١].
* طالب: أولًا: ما معنى تفسير (...). ثانيًا: ما معنى تفريع في قوله: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾؟ تفريع (...)؟
* الشيخ: التفريع معناه أنه فلكونك لينًا اعف عنهم.
* طالب: فيه بعض أفراد الناس يستشيرون مثلًا أحد القضاة في بيته أو أحد العلماء بفعل فعله يوجب الحد، هل إقرار هذا يوجب للقاضي مثلا أن يقيم عليه الحد؟
* الشيخ: لا، ما ينبغي.
* الطالب: السبب؟
* الشيخ: السبب أنه ما هو بمجلس حكم، جاء يستشيره يقول: إنه فعل ذنبًا فماذا أصنع؟ يقول: تب إلى الله واستغفره.
* طالب: بالنسبة للموت والقتل في الآية الثانية ما هو غير الموت والقتل في الآية الأولى؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: الموت والقتل في الآية الثانية مختلف عن الأولى؟
* الشيخ: في الثانية أعم؛ لأنه لم يقيده في سبيل الله.
* الطالب: الخطاب في السياقين، يكون الخطابين للمؤمنين وغيرهم.
* الشيخ: إي نعم يمكن، مع أنه كما قلنا لكم: إن الظاهر أن الخطاب للمؤمنين وأنهم إذا حشروا إلى الله فالله مولاهم، وكما قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة ٢٢٣].
* طالب: الدعاة إلى البدعة هل الحكمة دعوتهم باللين أم بالغلظة؟
* الشيخ: إذا أمكن دعوتهم باللين فهو أولى، لكن إذا أصروا واستكبروا استكبارًا فحينئذ نعاملهم بما يستحقون، ولكن ليس الأمر إلينا، يعني مثلًا لو قال: أنا أريد أن أضرب هذا المبتدع، نعم، أو أرجمه بالحجارة، أو أغلق عليه بيته، نقول: هذا ليس إليك.
مع أننا كما قلنا لكم: إن الظاهر من خطاب المؤمنين وأنه يحث إلى الله، فالله مولاهم وكما قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة ٢٢٣].
* طالب: أحسنت -أحسن الله إليك- يا شيخ، الدعاة إلى البدعة، هل الحكمة دعوتهم باللين أم بالغلظة؟
* الشيخ: إذا أمكن دعوتهم باللين فهو أولى، لكن إذا أصروا واستكبروا استكبارًا فحينئذ نعاملهم بما يستحقون، ولكن ليس الأمر إلينا، يعنى مثلًا لو قال: أنا أريد أن أضرب هذا المبتدع أو أرجمه بالحجارة أو أغلق عليه بيته. نقول: هذا ليس إليك.
* طالب: الغلظة والشدة مثل العفو تُقَيَّد بالمصلحة؟
* الشيخ: لا، بالنسبة للمؤمنين لا، عامة. لكن الكفار الأولى الغلظة عليهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة ٧٣].
* طالب: الغلظة والشدة لا تقيد بمصلحة بالنسبة للمؤمنين إطلاقًا؟
* الشيخ: ما تقيد.
* طالب: حتى لو اقترف الذنب مثلًا؟
* الشيخ: إي، لو اقترف، لكن ينبغي لك عند اقترافه الذنب إذا وجب إقامة الحد عليه مثلًا أن تنوي بذلك إصلاحه، لا أن تنوي الانتقام منه.
* طالب: شيخ، إذا كان للإنسان صديق جاف فهجر، ما يفهم قول الرسول ﷺ «لَا يَحَلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ»[[أخرجه البخاري (٦٢٣٧) من حديث أبي أيوب الأنصاري. ]].
* الشيخ: إلا، يأثم.
* طالب: (...) إن الإنسان قد يعذر بالابتعاد عن أهل الخير إذا كانوا (...).
* الشيخ: إي، لكن تدري ما هو الهجر؟ الهجر معناه أن تمر به ولا تسلم عليه، أما أن تبتعد عنه ولا تقرب حوله هذا ما هو هجر، وإلا كان معناه اللازم أن ندور الناس في بيوتهم الآن ندورهم (...).
* طالب: بالنسبة لهذا المبتدع يحق لنا أن نبين بدعته بشخصه؟
* الشيخ: معلوم.
* الطالب: بشخصه؟
* الشيخ: إي نعم، إذا اقتضت الحال هذا، إذا عرفنا هذا الرجل يتجمع الناس عليه لا بد أن نَذْكُرَه بشخصه، كيف ننفر الناس عنه إلا بهذا؟
* طالب: شيخ، قلت لنا: إن من الفوائد جواز التفضيل بين شيئين بينهما بعد (...) مع أن البيت هذا حقائق.
؎أَلَمْ تَرَ أَنَّ السَّيْفَ يَنْقُصُ قَدْرُهُ ∗∗∗ إِذَا قِيلَ إِنَّ السَّيْفَ أَمْضَى مِنَالْعَصَا
يعني البيت هذا معناه خاطئ؟
* الشيخ: لا، ما هو معناه خاطئ، لكن تقول: هل هذا خير أو كذا؟
أما هذا هو الصحيح؛ إنك إذا قلت: السيف أمضى من العصا، الناس ما يمكن يطرأ على بالهم أن السيف والعصا سواء؛ لأن هذا تحصيل حاصل، السيف أمضى من العصا تحصيل حاصل؛ واللي ما يعرف السيف يظن أنهما سواء.
* طالب: قوله تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾ [آل عمران ١٥٩] قلنا: إنه في حق النبي ﷺ هل يؤخذ منه يا شيخ أن من سب النبي (...)؟
* الشيخ: لا، قلنا: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [آل عمران ١٥٩] اللي غير الرسول نقول: اعف عنه، ولا نحتاج أن نستغفر له. لكن سب الرسول عليه الصلاة والسلام حقه يتعلق به حقان؛ حقه الشخصي وحق الله عز وجل.
* الطالب: يؤخذ من هذه الآية أنه لا بد أن يقتل؛ لأن الرسول ما يمكن أن يعفو عنه؟
* الشيخ: هذه هو الصحيح، الصحيح أن سابَّ الرسول ﷺ تصح توبته ويقتل، وأن ساب الله تصح توبته ولا يقتل.
* طالب: هل يؤخذ من هذه الآية يا شيخ؟
* الشيخ: ما هو.. يعني بعيد شوي.
* طالب: الفرق بين (متم) و(قتلتم)؟
* الشيخ: القتل بفعل آدمي، والموت أعم، لكن إذا ذكر القتل والموت؛ معناه: الموت: بلا قاتل، والقتل: بفعل الآدمي.
* طالب: الكافر إذا سب الرسول عليه الصلاة والسلام؟
* الشيخ: إذا سب الرسول وأسلم يقتل.
* طالب: ولو ما أسلم؟
* الشيخ: ولو ما أسلم، ولو لم يسلم، حتى لو سب الله يقتل؛ ولهذا قال العلماء: لو أن الذمي اللى بيننا وبينه عهد سب الله انتقض عهده وحل دمه وماله.
* طالب:(...)
* الشيخ: لا، بس الأمر ليس إلينا لكن يجب على ولاة الأمور أن يقتلوه.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ ﴾ [آل عمران: ١٥٩ - ١٦١].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [آل عمران ١٥٧] هذه الآية فيها قسم وشرط، فما الذي وُجِد من جوابهما؟ أجواب القسم أم جواب الشرط في الآية؟
* طالب: جواب الشرط.
* الشيخ: ناظر يا أخي.
* الطالب: جواب القسم.
* الشيخ: ما الذي أعلمك أنه جواب القسم؟
* طالب: قول الناظم.
* الشيخ: لا، ما قول الناظم، الناظم ما حضر درسنا، لا، ما الذي أعلمك الآن من الآية؟
* طالب: (...) ﴿خَيْرٌ﴾ يا شيخ.
* الشيخ: ﴿خَيْرٌ﴾ جواب.
* الطالب: لا ﴿أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ﴾ ﴿لَمَغْفِرَةٌ﴾.
* الشيخ: ﴿لَمَغْفِرَةٌ﴾ ما الذي أعلمك أن هذا جواب قسم لا جواب شرط؟
* طالب: (...) القاعدة يا شيخ.
* الشيخ: لا، قلت: هذه ينطبق عليه وفي علامة على أنه جواب القسم لا جواب الشرط.
* الطالب: اللام.
* الشيخ: اللام، ولو كان جواب شرط لكان بالفاء؛ لأن جواب الشرط إذا كان جملة اسمية يقرن بالفاء وجواب القسم باللام، واضح؟
من يحفظ لنا بيت ابن مالك في هذه القاعدة؟
* طالب: وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ أو قَسَمٍ.
* الشيخ: لا، يا أخي؛ لأن (أو قسم) معناه أن كل واحد بحاله، لكن (وقسم) اجتماع هذا وهذا، يختلف المعنى اختلافًا ظاهرًا.
* طالب:
؎وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ وَقَسَمٍ ∗∗∗ جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ فَهْوَ مُلْتَزَمٌ
* الشيخ: تمام، صح، طيب في الآية الأولى يقول الله عز وجل: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وفي الثانية قال: ﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ﴾ [آل عمران ١٥٨] فما هو السبب؟
* طالب: قراءتان.
* الشيخ: لا لا ما أريد الكسر والضم بالميم، أريد: قدم القتل في الأولى والموت في الثانية؟
* طالب: الثانية -يا شيخ- أعم من الأولى.
* الشيخ: الثانية أعم؛ تشمل من مات في سبيل الله أو غير، والثانية مَنْ قُتِلَ في سبيل الله، فقدم القتل في سبيل الله؛ لأن القتل في سبيل الله أكثر من الموت، المجاهدون يموتون بالقتل أكثر مما يموتون بالموت، أليس كذلك؟ بخلاف الثانية.
في قوله: ﴿لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾ استشكل بعض الطلبة: ﴿لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾ ويش معناها؟ والجواب؟
* طالب: حصر ﴿إِلَى اللَّهَ﴾، يعني: مرجعكم.
* الشيخ: لكن تركيب الآية لولا هذا، ويش التقدير؟
* طالب: يعني: تحشرون إلى الله.
* الشيخ: إي، تحشرون إلى الله لكنه قدم الجار والمجرور لإفادة الحصر.
قوله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ الأخ (الباء)؟
* الطالب: الباء حرف جر.
* الشيخ: و(ما)؟
* طالب: و(ما) زائدة إعرابًا.
* الشيخ: زائدة إعرابًا، ما فائدتها معنى؟
* طالب: فائدتها التوكيد.
* الشيخ: التوكيد، أحسنت.
العامل (الباء) هل تسلط على (ما) أو على ما بعدها؟
* طالب: على ما بعدها.
* الشيخ: على ما بعدها؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: تمام، صح.
أين متعلق ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ﴾؟
* طالب: ﴿لِنْتَ لَهُمْ﴾.
* الشيخ: الفعل: ﴿لِنْتَ﴾، والخطاب لمن؟
* طالب: للرسول ﷺ.
* الشيخ: للرسول. قال الله تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ اعف عنهم بالنسبة لأيش؟
* طالب: بالنسبة للنبي ﷺ.
* الشيخ: بالنسبة للنبي، كل الخطاب للرسول في هذا وهذا.
* طالب: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾ في حقك، ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ في حق الله.
* الشيخ: أحسنت. ألا يمكن أن يشمل: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ في حق الله وحقك أيضًا؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: يشمل؛ لأن الإساءة إلى الرسول الله ﷺ معصية لله غير الإساءة إلى غيره من الناس، الإساءة إلى غيره من الناس حق محض للإنسان إذا سمح سقط.
قوله: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ ما المراد بالأمر؟
* الطالب: المراد واحد الأمور، المقصود به الأمر العام الذي يهم المسلمين، أو خاص الذي يستشكل على النبي ﷺ.
* الشيخ: هل لك أن تعطينا مثالًا على أمر خاص استشار فيه الرسول عليه الصلاة والسلام؟
* طالب: نعم، في حادث الإفك، استشار النبي ﷺ أسامة بن زيد وعلي بن أبي طالب فيما يقول الناس.
* الشيخ: في شأن عائشة. تمام. فيه استشارة في غير هذه استشار فيها أصحابه؟
* طالب: استشار النبي عليه الصلاة والسلام خاصة؟
* الشيخ: عامة.
* طالب: عامة، استشارتهم في حفر الخندق لما أشار عليه بعض الصحابة بحفرالخندق.
* الشيخ: من هو؟
* الطالب: أشار عليه الصحابي سلمان الفارسي.
* الشيخ: سلمان الفارسي، فيه أيضًا استشار الرسول في الخندق هل يعطي الأحزاب من تمر المدينة لينصرفوا، ولكن السعدين: سعد بن معاذ وسعد بن عبادة منعا ذلك؛ قالا: ما يمكن، على كل حال أمثلة كثيرة.
* طالب: فيه استشارة أخرى أيضًا.
* الشيخ: إيش؟
* طالب: يوم الحديبية.
* الشيخ: فيه أمثلة كثيرة. قوله: ﴿إِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ ما الفائدة من هذه الجملة؟
* طالب: قوله -يا شيخ- ﴿إِذَا عَزَمْتَ﴾ أي: بعد المشورة فتوكل على الله، أي: بعد فعل الأسباب فتوكل على الله.
* الشيخ: يعني: لا تعتمد على مشورتهم، وتظن أن مشورتهم يكون بها النصر.
أظن ما زلنا في الفوائد.
* طالب: الأمر بالمشورة وقفنا عليه.
* الشيخ: * فوائد الشورى؛ قال الله عز وجل: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ ما الذي ذكرنا من فوائد: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾؟
* طالب: (...)
* طالب: * فيه ثلاثة فوائد أو أربعة.
* الشيخ: ما هي؟
* طالب: الإنسان يعفو عن حقه في معاملة إخوانه؛ لقوله: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ﴾.
* والثانية: أن التفريط في حق النبي ﷺ قد يكون ذنبًا؛ لأن الله لما أمر نبيه بالعفو عن حقه الخاص قال: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾.
* والثالثة: الأمر بالمشورة في شؤونه.
* الشيخ: قد يكون ذنبًا يتعلق بحق الله.
* من فوائد الآية الكريمة: الأمر بالشورى؛ لقوله: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ وهذا الأمر قد يكون للوجوب وقد يكون للاستحباب حسب الأمر المشاوَر فيه وحسب الإشكال الواقع فيه؛ فالأمور الكبيرة -مع الإشكال الكبير- تكون المشاورة فيها واجبة، والأمور الصغيرة أو مع الإشكال اليسير تكون مشورة مستحبة.
فإذن الأمر هنا: ﴿شَاوِرْهُمْ﴾ مشترك بين الوجوب والاستحباب حسب ما تقتضي الحال، والحكمة من الأمر بالمشاورة تتبين بفوائد المشاورة، فللمشاورة فوائد نعدها وإياكم، أنا أجيب وأنتم جيبوا أيضًا.
* من فوائدها: ألا يستبد الرئيس أو ولي الأمر برأيه؛ هذه فائدة مهمة جدًّا.
* ومن فائدتها: تعويد الأمة على النظر في شؤونهم حتى يتمرنوا ويمارسوا هذا الأمر.
* ومن فوائدها: التواضع، ممن؟ ممن شَاوَر؛ لا شك أنه إذا شاور فهو متواضع.
* ومن فوائدها: تنشيط الأمة، حيث ترى أنه يرجع إليها في الرأي، فتنشط وتعمل ما فيه الخير العام، بخلاف ما إذا استبد ولي الأمر في رأيه فإنه وإن كان صوابًا ربما تشمئز النفوس منه؛ فيقولون مثلا: لم يرجع إلينا، لم يشاورنا في هذا الأمر الكبير، وما أشبه ذلك.
* ومن فوائدها أيضًا: أنه إذا اجتمعت الآراء مع حسن النية فإن الغالب أن الله يوفقهم للصواب، إذا اجتمعت الآراء مع حسن النية فإن الله يوفقهم للصواب.
* ومن فوائدها: أن الإنسان ربما يرى في هذا الأمر مصلحة ويفوته ما يترتب عليه من مفسدة لا سيما إذا كان له هوى، فإن الهوى كما قيل: يعمي ويصم، أحيانًا يكون للإنسان هوًى فيرى المصلحة ولا يرى المفسدة في الشيء، فإذا حصل التشاور تبينت المصالح من المفاسد.
* ومن فوائد المشورة: أن الأمة إذا اجتمعت على رأيها لم يكن للناس اعتراض، ومعلوم أن الذي يُشاوَر هم أهل الأمانة وأهل الحل والعقد والمعرفة، فإن ولي الأمر إذا أشكلت عليه مسألة شرعية فمن يشاوَر؟ علماء الشرع، أشكلت عليه مسألة سياسية يشاور علماء السياسة، أشكلت عليه مسألة اجتماعية يشاور علماء الاجتماع، أشكلت عليه مسألة جيولوجية يشاور علماء الجيولوجيا، مسألة طبية يشاور علماء الطب، ليس معناه أنه يجعل مستشارين دائمًا، قد يكونون في بعض المواضع أجهل من الحمير، لا، إنما يجعل المستشارين لكل حال ما يناسبها؛ لأن من شرط الاستشارة أن يكون المستشار ذا رأي، ذا رأي سديد وأمانة.
ومعلوم أنك لو استشرت عالمًا من العلماء في الشرع من أحسن العلماء في مسألة طبية، ماذا يقول؟ ما يقدر يقول شيئًا.
يقال: إن رجلًا جاء إلى شخص يدعي الطب فقال له: إني أحتاج إلى عملية، عملية في فتق، تعرفون الفتق؟ الفتق في البطن يعني ينشق البطن وتطلع الأمعاء، فقال له هذا الطبيب المتطبب: أنا أعرف أشق البطن، ولكن ما أعرف أخيطه. قال له: يا أخي هذا الذئب يعرف يشق البطن ولا يعرف يخيطه.
أقول: بعض الناس يمكن يدخل نفسه في أشياء لا يعرفها، وهذا خطأ، الواجب أن الإنسان يعرف نفسه، إذا سئل عن شيء ليس من اختصاصه يقول: هذا ليس إلي.
فمثلًا لو جاء يستشير ولي الأمر جاء يستشير عالمًا من علماء الشرع في مسألة طبية ما يصلح هذا، لكن جاء يستشير عالم في الجيولوجيا في مسألة اجتماعية يصلح؟
* طلبة: ما يصلح.
* الشيخ: لماذا؟ ليس من اختصاصه. إذن الاستشارة تكون في كل إنسان بحسبه، بما يناسبه؛ لأن المستشار مؤتمن.
* من فوائد الشورى أيضًا: أنه إذا أخطأ الإمام أو ولي الأمر لم يُنْسَب الخطأ له، ينسب إلى من؟ إلى المستشارين؛ ولهذا يقول بعضهم في المشورة، يقول: إن الشورى سِتْرٌ لعيبك؛ إذا أخطأت قالوا: هذا من المستشارين، وإن أصبت مدحوني أنا وإياهم.
فيه فوائد أيضًا؟
* الطالب: لله ورسوله.
* الشيخ: أحسنت، أنها طاعة لله ورسوله؛ لأن الله أمر بها.
* طالب: شيخ، فيها وجوب التشاور؛ لقوله: ﴿وَشَاوِرْهُمْ﴾.
* الشيخ: لا لا، دعني من حكمها نحن نتكلم عن فوائدها الآن.
* طالب: أنها ربما تكون أدعى للنصح من قبل العلماء للأئمة؛ لأنه إذا علم أنه سيؤخذ بقوله ويعمل به.
* الشيخ: ما قلناها؟ ذكرناها.
* طالب: شيخ، تعويد الأمة على تحمل المسؤولية.
* الشيخ: ذكرناها، جزاك الله خيرًا.
* طالب: (...) أعداء الإسلام إذا رأوا المسلمين قد اجتمعوا على رأي واحد.
* الشيخ: أحسنت، إغاظة أعداء الإسلام، إذا رأوا أن المسلمين يجتمعون على رأي واحد ويتفرقون عليه لا شك أن هذا يغيظهم.
* طالب: اجتماع الكلمة، ووحدة الكلمة واجتماع الأمة.
* الشيخ: ذكرنا معناها.
* طالب: (...) خواطر المستشارين.
* الشيخ: ذكرناها.
* طالب: تحقيق الألفة والتماسك بين المؤمنين.
* الشيخ: ذكرناها أو قريبا منها.
* طالب: عظم الأمر المستشار فيه والاهتمام بشأنه.
* الشيخ: هذا ما يدخل في فوائد الشورى، هذا موضوع الشورى أنها في الأمور العظيمة..
* طالب: أنها سبب لجلب المودة والمحبة بين ولاة الأمر والرعية.
* الشيخ: يعني: سبب لجلب المودة والمحبة أو تسبب الإلفة.
* طالب: واحدة.
* الشيخ: اختلاف تعبير يا أخي، هذا اختلاف تعبير.
* طالب: صلة بين القائد والجنود.
* الشيخ: (...) اختلاف تعبير يا جماعة.
* الطالب: تأييد الله عز وجل لهم، لأن يد الله مع الجماعة.
* الشيخ: ذكرناها.
* طالب: المستشير قد يستفيد من المستشارين أمورًا لا يعلمها.
* الشيخ: ذكرنا معناها تقريبًا.
* طالب: أنها من صفات المؤمنين، عندما قال الله عز وجل ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى ٣٨].
* الشيخ: طيب، هذا لا بأس، أن هذا من صفات المؤمنين.
* طالب: القضاء على الخلاف.
* الشيخ:ذكرنا معناها، الائتلاف هو القضاء على الخلاف.
* طالب: تعدد البدائل(...).
* الشيخ: ذكرنها؛ لأن كل واحد بيجيب رأي يتفقون على واحد الظاهر أنه انتهى ما عندكم إلا التكرار.
* طالب: إظهار (...) الإنسان في التفكير، لا يصيب في كل مرة.
* الشيخ: ما ذكرنا هذه؟
* طلبة: ذكرناها.
* الشيخ: الظاهر ذكرناها في أول شيء أن الإنسان يعرف قدر نفسه فيستشير. الظاهر أن نقف على هذا، هذا آخر واحد.
* طالب: تقوية عزيمة المستشير.
* الشيخ: نشوف هذا؛ هل تنطبق على ما سبق؟
تقوية عزيمة المستشير؛ بأنه إذا شاف هؤلاء قد وافقوه مثلًا تقوى عزيمته، فيكون هذا أدعى للقطع بالحكم ما يتردد، ربما لو صدَّره من تلقاء نفسه ربما يتردد أو يخشى أن أحدًا يعترض؛ فإذا كان باجتماع الشورى يعزم. من يقول: ذكرناها؟
* طالب: ذكرناها؛ تنشيط عزيمة.
* الشيخ: تنشيط إيه.
* طالب: بالنسبة للأمة.
* الشيخ: وولى الأمر ليس من الأمة؟
* طالب: سماحة الشريعة والإسلام.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: تؤدي إلى اجتماع الأمة.
* الشيخ: يعني: كمال الشريعة الإسلامية؟ ويش رأيكم؟ صحيح؟ وبالكمال يكون الكمال.
طيب السؤال الآن: هل الشورى واجبة أو لا؟
ذكرنا قبل قليل: إنها إما واجبة وإما مستحبة؛ في الأمور العظام يجب أن تكون، أو فيما إذا كبر الإشكال فهنا يجب أن يكون لا سيما إذا تعلقت بحق الغير.
أما إذا لم يكن كذلك فلا، ولهذا ذكر الله عز وجل حتى فطام الطفل: ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ [البقرة ٢٣٣] فالأمور الهامة المتعلقة بالغير يستشار فيها.
ولكن هل معنى هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام يُكوِّن مجلسًا للشورى يرجع إليهم؟ لا، شاورهم عند وجود سبب الاستشارة، لا أن يُكَوَّن مجلس يرجع إليه؛ لأنه إذا كُوِّنَ مجلس يرجع إليه ربما يبقى المجلس هذا دائمًا مع تغير أحوال أهله، ومع وجود أناس جدد خير منهم.
فإذا قلنا: إن ولي الأمر إذا نزلت به نازلة حينئذ يستشير من يرى أنه أهل للمشورة، يبقى ولي الأمر تتجدد له الرجال الذين يستشيرهم، ولا يبقى المجلس الاستشاري هذا يبقى رافعًا رأسه وإليه يرجع الأمر، ولا شك أن هذا هو طريق النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه قد يكون لولي الأمر أصحاب خاصون يستشيرهم في الأمور، مثل أبي بكر وعمر كان النبي ﷺ يرجع إلى رأيهما دائمًا ويستشيرهما، ويرى أن في رأيهما السداد والرشد، ولكن ليس في كل شيء، ليس في كل شيء يرجع إليهما، أحيانًا يستشير بقية الصحابة عمومًا.
المسألة الثانية قوله: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ هل إذا صدر من المستشارين أمر هل هو ملزم أو كاشف للرأي؟
كاشف للرأي وليس بملزم؛ لأنه لو كان ملزمًا لكان الحكم بأيدي جماعة، والحكم بأيدي واحد، ولكن يجب على المستشير يجب أن يتبع ما يرى أنه أصلح، ولا يجوز أن ينتصر لرأيه لأنه رأيه، بل الواجب عليه لحق الله ولحق من ولاهم الله عليه أن يتبع ما هو أصلح حتى لو خالفوه والأصلح في رأيهم يجب عليه أن يتبعه، لكنه ليس بملزم، ليس بملزم بمعنى أننا لا نقول: إن هؤلاء لهم سلطة على الحاكم، لا، الحاكم له السلطة؛ ولهذا قال هنا: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾، ولم يقل: فإذا أشاورا عليك فخذ به؛ ﴿إِذَا عَزَمْتَ﴾ وهو قد يعزم على ما أشاروا به وقد يعزم على غيره.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أنه يجب على الإنسان أن يكون اعتماده على الله عز وجل مع فعل الأسباب؛ لقوله: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن النبي ﷺ يعتريه ما يعتري البشر من التردد في الأمور؛ ووجه الدلالة أولًا في قوله: ﴿شَاوِرْهُمْ﴾، وثانيًا في قوله: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ﴾ فإن العزيمة قد يسبقها تردد كما هو الواقع.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي للإنسان إذا عزم على الأمر أن لا يتردد؛ لأن التردد يحير الإنسان ويوقعه في القلق؛ ولهذا قال الشاعر:
؎إِذَا كُنْتَ ذَا رَأْيٍ فَكُنْ ذَا عَزِيمَةٍ ∗∗∗ فَإِنَّ فَسَادَ الرَّأْيِ أَنْتَتَرَدَّدَا
وكثير من الناس يرى المصلحة في شيء ويعزم عليه ثم يتردد، فيكون مذبذبًا أحيانًا كذا وأحيانًا كذا.
ويؤثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلمة نافعة جدًّا وهي قوله: «مَنْ بُورِكَ لَهُ فِي شَيْءٍ فَلْيَلْزَمْهُ»[[أخرجه البيهقي في الشعب (١١٨٤) من حديث أنس مرفوعًا بلفظ: مَنْ رُزِقَ فِي شَيْءٍ فَلْيَلْزَمْهُ.]] كلمة عجيبة لو توزن بالذهب لوزنته،« من بورك له في شيء فليلزمه»؛ يعني إذا عمل الإنسان عملًا ورأى فيه البركة والثمرة فليلزمه.
ولنضرب لهذا مثلًا بحال طالب العلم؛ طالب العلم مثلًا شرع في كتاب دراسةً أو مراجعةً ووجد فيه خيرًا، وجد أنه يستفيد ينتفع، ماذا نقول له؟ الزم هذا، لا تقول: والله هذا كتاب مختصر قليل (...).
واحد طالب (...) وشاف فيه بركة وانتفع به، قال: ما يكفي هذا أبغى أطالع الإنصاف، ما يكفي أبغى أطالع المغني ما يكفي، أبغى أطالع المجموع ما يكفي، دور الفنون لابن عقيل؛ هذا ما يصلح له، إذا بارك الله في شيء فالزمه حتى لا يضيع عليك الوقت.
وهنا مسألة أيضًا ترد علي ويمكن عليكم؛ مثلًا يريد الإنسان أن يطالع مسألة في الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، يراجع الفهرس علشان يقع عليها، ثم يلاحظ مسألة ثانية يروح (...)، يضيع عليه الوقت، يروح (...) الأصل اللي هو قاصد يروح، ربما يرجع بعدين يدور تعرض له مسألة ثانية ويقول: خلي نشوفه، ثم يضيع عليه الوقت.
ولهذا كان من حكمة الرسول عليه الصلاة والسلام أن يبدأ بالشيء الذي يريد؛ «لما دعاه عتبان بن مالك رضي الله عنه ليصلي في مكان في بيته يتخذه مصلى، خرج النبي عليه الصلاة والسلام إليه ومعه بعض أصحابه، فلما دخل البيت قال: يا رسول الله قد صنعت لكم طعامًا قال: «أَرِنِي الْمَكَانَ الَّذِي تُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِ»[[أخرجه البخاري (٤٢٥) من حديث عتبان بن مالك بنحوه.]] قبل الطعام؛ لماذا؟ لأنه جاي لهذا الغرض.
ابدأ بالغرض الذي أنت أتيت إليه؛ فهذه مسألة ينبغي للإنسان أنه يجعلها على باله في تصرفاته في العلم، وحتى في الدنيا أيضًا؛ مثلا بعض الناس التجار يتعامل بالبز؛ تعرفون البز؟ القماش، ثم يسمع أن فيه واحد من الناس اشترى أرضًا وباعها وكسب فيها، قال: خلاص بطلنا نروح للأراضي؛ ثم يسمع أن واحد كسب بالسيارات، يقول: بطلنا ثم تضيع عليه الأمور، لا، فإذا كان قد وجد بركة في التجارة الأولى يستمر عليها لا يعود نفسه الانتقالات اللي ما فيها فائدة؛ هذه نأخذها من قوله: ﴿إِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ إذا كنت ذا عزيمة اعتمد على عزيمتك.
* من فوائد الآية الكريمة: إثبات المحبة لله عز وجل، أن الله يحب؛ وهل محبة الله حقيقية؟ نعم، حقيقية.
لأن لدى أهل السنة والجماعة قاعدة أن كل ما وصف الله به نفسه فهو حقيقة، كل ما وصف الله به نفسه فهو حقيقة، لكن مذهبهم مبرأ من التمثيل والتكييف.
طيب، والتحريف والتعطيل؟ يكفي عنه أن نقول: إنه حقيقة؛ يعني إذا قلنا: إنه حقيقة معناه مبرأ من التحريف والتعطيل، يبقى التمثيل والتكييف أيضًا يتبرؤون من التكييف والتمثيل، لا يمثلون صفات الله بصفات خلقه ولا يكيفونه، فما هي محبة الله؟ أو ما هي المحبة مطلقًا؟
المحبة هي المحبة، لا يمكن أن تُعَرِّفَ المحبة بأوضح من لفظها؛ لأنا كما قلنا فيما سبق إيش؟ الانفعالات النفسية لا يمكن تحديدها بغير ألفاظها أبدًا، لو قال لك واحد: ويش معنى البغض؟ الكراهة، ويش معنى الكراهة؟ البغض. ويش معنى..؟ هذه ما يمكن تحديدها إلا بآثارها يمكن.
* إذن من فوائد هذه الآية: إثبات المحبة لله؛ أي صفة المحبة.
وعلماء القبلة الذين ينتسبون للإسلام اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال:
القول الأول: نفي حقيقتها عن الله وعن المخلوق؛ فيقولون: إن الله لا يحِب ولا يحَب -أعوذ بالله- لا يحِب ولا يحَب؛ عِلَّتهم: أن المحبة إنما تكون بين شيئين من جنس واحد، ومعلوم الفرق بين الخالق والمخلوق.
قول ثان: يقولون: إن الله يُحَب ولا يحِب.
والقول الثالث: إن الله يُحِب ويُحَب؛ قال الله عز وجل: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة ٥٤] وفي القرآن الكريم كثير من الأوصاف علق الله بها المحبة: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة ٤] ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة ٢٢٢] أمثلة كثيرة.
نحن نرى أن المحبة صفة حقيقية ثابتة لله، وأن من آثارها إيش؟ الثواب والرضى وغير ذلك مما يترتب عليه.
الذين ينكرونها يقولون: المراد بمحبة الله: الثواب، فيقول مثلًا: ﴿يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران ١٥٩] يعني: يثيب المتوكلين. هذا خطأ.
* من فوائد الآية الكريمة: فضيلة التوكل؛ ووجهه: أن الله علق المحبة عليه، وهذا يدل على فضيلته وعلى الحث عليه.
فإن قال قائل: هل التوكل خاص بالله؟
فالجواب: أما توكل العبادة الذي يعتمد الإنسان فيه على ربه، ويفوض الأمر إليه فهذا خاص بالله.
وأما توكل الاستنابة بمعنى أن الإنسان يُنِيب غيره عنه في شيء من الأشياء فهذا جائز.
والفرق بينهما ظاهر؛ الأول: التوكل على الله يقطع الإنسان العلائق مما سوى الله عز وجل حتى من نفسه، يفوض الأمر إلى الله تفويضًا كاملًا، لكن الاستنابة يرى أنه فوق الوكيل، ولا لا؟ أنا وكلت إنسانًا يشتري لي حاجة، أنا متوكل عليه أو غير متوكل؟ متوكل عليه، ولكن هل توكلي عليه كتوكلي على الله؟ أبدًا؛ لأن توكلي على الله تفويض إلى الله تفويضًا مطلقًا، وأعتقد أنه هو حسبي، لكن هذا الرجل توكلي عليه على أنه نائب عني لا على أني طريح بين يديه مفوض الأمر إليه، على أنه نائب عني، أستطيع أن أعزله أو لا؟ أستطيع أن أعزله، أستطيع أن أوبخه إذا خالف مرادي، ولا لا؟ أستطيع أن أحسبه إذا تسبب علي بضرر، بخلاف التوكل على الله.
* الطالب: شيخ -أحسن الله إليك- ذكرنا أن ولي الأمر يستشير علماء الشرع في أمور الشرع، وعلماء السياسة في السياسة، والطب في الطب، وكذلك.
أقول: أحسن الله إليك، انفصال الطب والجيولوجيا وما شابهها عن علم الشرع واضح ما فيه إشكال، لكن كيف تفصل السياسة عن الشرع؟ مع أنها -أحسن الله إليك- الشرع جاء بالسياسة والشرع معًا لا سيما في هذا الزمان الذي لا يمكن أن يفصل بينهما أبدًا، هذا على أننا نرى اليوم أن أمور السياسة تسند إلى أناس فيهم ما فيه، فكيف أحسن الله إليك نميز هذا التمييز وفيه..؟
* الشيخ: أقول لك: إن الشريعة سياسة، أتدري ما معنى السياسة؟ أصلها من (سَاسَ يَسُوسُ)، والسائس هو الذي يدبر الحيوان، كسائس الفيلة مثلًا، سائس الظباء، سائس الغنم، كل الشريعة سياسة، لكن هناك مسائل تخفى على علماء الشرع ما يعرفونها وهي سياسة شرعية، لكن لا يعرفونها؛ فمثلًا إذا أراد ولي الأمر أن ينصب مثلًا مفوضًا له، وهو ما يسمى بالسفير في بلد ما، لا بد أن يسأل أصحاب السياسة هل هذا البلد ممكن أن ننصب فيه فلانًا أو فلانًا أو فلانًا أو ما أشبه ذلك؟ هذا ما يعرفونه علماء الشرع، لكن كونه يجعل علاقات بينه وبين هذه الدولة مثلًا، أو كونه يعاهد عهدًا بينه وبين هذه الدولة هذه أمور شرعية، هذه أمور شرعية ترجع إلى علماء الشرع.
* طالب: في مجلس الشورى يا شيخ عندما ذكرتم أنها ليست يعني صحيحة لكن بعض الدول تكون فيها مجلس شورى وتصدر فيها قرارات ويلزم الشعب فيها، فماذا يفعل الشعب؟
* الشيخ: والله هذه ما أرى أنها موافقة للشورى التي أمر الله بها، الشورى التي أمر الله بها وطبقها النبي ﷺ فعلًا هو أن الحاكم هو الحاكم لكن إذا وقعت عليه مسائل مشكلة يستشير فيها، أنت تعرف أن مجلس الشورى ربما يضم أناسًا ليسوا أهلًا لذلك، وتعرف أنه أيضًا مجلس الشورى يكون بالانتخاب، وما أكثر الضمائر التي تشترى بالانتخاب؛ يجيء واحد غني عنده كم مليون..
* طالب: مليارات.
* الشيخ: مليار، ويمر على ها القرى، كل واحد يعطيه عشرة ريالات، هم يصوتون بالآلاف له.
* طالب: غير الريالات يا شيخ، يعدهم؟
* الشيخ: أو يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا.
* طالب: يأثم يا شيخ، يأثم هذا المواطن متبع القرار.
* الشيخ: كيف؟ معلوم اللي يشتري ضمائر الناس بقروش. والعوام هوام حط له طعم وتوافقك في الذي تبغي إلا ما شاء الله.
* طالب: أحسن الله إليك، بالنسبة لمشورة ولي الأمر لعلماء الطب ولعلماء الجيولوجيا لماذا لا (...) بعلماء الشريعة؟
* الشيخ: والله يا أخي، لو يعطون للأطباء حبوبًا للاستعمال، وتعرف أن الحبوب أكثر الأدوية باللغة الإنجليزية، وحطها مثلًا في الثلاجة مع حبوب أخرى، إذا جئت بكرة ما عرفت الحبوب، من يعرف ها الأمور إلا الأطباء؛ فمثلًا إذا قدرنا أن في دولة تريد أن تورد علينا أدوية يجي إلى علماء الشرع يقول: ويش تقول: يا فلان في الأدوية الفلانية. ولّا يروح لعلماء الطب؟
* طالب: يا شيخ بس أقصد من بعد ما يقول علماء الطب (...) هذا الرأي يعرض على علماء الشريعة؟
* الشيخ: لا لا، ما هو بلازم أبدًا ما هو بلازم، لكن في الأحكام الشرعية مثلًا، هل يجوز أن تكون المرأة طبيبة للرجال أو الرجل طبيب للنساء هذه مسألة شرعية، ما هي طبية.
* طالب: يا شيخ (...) ليسوا أولياء أمور؟
* الشيخ: أولياء أمور فيما يتعلق بشؤونهم واختصاصاتهم، لا، أما أنا إن كان من العلماء فأنا ما لي دخل في الطب أبدًا.
* طالب: أحسن الله إليك، الشورى ما هي حكمها في الأفراد؟
* الشيخ: الأفراد هذه ترجع إليك قد يكون مثلًا مسألة تشكل عليك ولكن ما ودك تطلع الناس عليها، ولكن إذا استشرت طيب. وهنا الاستخارة هل تقدم على الاستشارة ولَّا الاستشارة على الاستخارة؟
* طالب: فيها خلاف.
* طالب آخر: الاستشارة.
* طالب آخر: الاستخارة.
* الشيخ: فيه قولان؛ بعضهم يقول: استخر الله، وإذا رأيت بعد الاستخارة الميل إلى شيء ما لا تستشر أحدًا؛ لأنك فوضت الأمر إلى الله، وهداك الله لهذا الشيء، فلا تسأل أحدًا، لا تستشر أحد. ومنهم من يقول: إذا استخرت الله ولم يتبين لك الأمر فحينئذ استشر، ويكون الشَّوْر الذي أشار به أحد يكون هذا مما استخاره الله لك.
* طالب: شيخ، ما يدل على أن الاستشارة مقدمة على الاستخارة قوله ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران ١٥٩].
* الشيخ: لا، هذه ما فيها استخارة، أنا قصدي بالاستخارة التي أمر بها الرسول عليه الصلاة والسلام، إذا هم الإنسان بالأمر وأشكل عليه أنه يصلي ركعتين.
* طالب: بس هو هنا بين أن الإنسان لا ينسى التوكل.
* الشيخ: لا، ما هي بمسألة الاستخارة نسأل عنها، صلاة الاستخارة هل هي قبل أو بعد؟ أما مثلًا إذا شاور في أمر من الأمور ولا صلى الاستخارة فهنا إذا عزم يتوكل على الله.
* طالب: يا شيخ، هل يشترط في المستشار أن يكون عدلًا؟
* الشيخ: ويش تقولون في هذا السؤال؟ هل يشترط في المستشار أن يكون عدلًا؟ ما أظن أحدًا يستشير من ليس بعدل، لأنه غير أمين.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا يستشير لأنه يخشى منه.
{"ayahs_start":157,"ayahs":["وَلَىِٕن قُتِلۡتُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَوۡ مُتُّمۡ لَمَغۡفِرَةࣱ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحۡمَةٌ خَیۡرࣱ مِّمَّا یَجۡمَعُونَ","وَلَىِٕن مُّتُّمۡ أَوۡ قُتِلۡتُمۡ لَإِلَى ٱللَّهِ تُحۡشَرُونَ","فَبِمَا رَحۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِینَ"],"ayah":"وَلَىِٕن مُّتُّمۡ أَوۡ قُتِلۡتُمۡ لَإِلَى ٱللَّهِ تُحۡشَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق