الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ ﴿إِذْ﴾: هذه ظرف، والظرف لا بد له من متعلق، فما متعلق ﴿إِذْ﴾؟
متعلق ﴿إِذْ﴾ على أرجح الأقوال محذوف، التقدير: اذكروا إذ تصعدون، هذا أحسن ما قيل فيها، ولَّا بعضهم قال: إنها متعلقة بما قبلها ولقد عفا عنكم حين تصعدون، وبعضهم قال: ثم صرفكم عنهم حين تصعدون، ولكن الأقرب أن المتعلق محذوف، التقدير: اذكروا إذ تصعدون حتى تكون هذه الحال دائمًا على أذهانكم.
وقوله: ﴿تُصْعِدُونَ﴾ بضم التاء، وهي غير تَصعدون بفتحها، لأن الصعود الرقي إلى أعلى؛ كما قال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر ١٠] وأما الإصعاد فهو السير هربًا في أرض مستوية، يقال: أَصْعَدَ أي: ذهب هاربًا أو مسرعًا في الأرض، وهذا هو الذي حصل للصحابة رضي الله عنهم، ومنهم من صعد الجبل، لكن المراد بقوله: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ﴾ أي: أيش؟ تهربون سراعًا في أرض مستوية، لماذا؟ لأن أصعد مأخوذ من الصعيد، والصعيد: وجه الأرض، كما قال تعالى: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء ٤٣].
قال: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ﴾ أي: لا تعكُفون أو تلتفتون إلى أحد، ولم يقل: ولم تلتفتوا؛ لأن اللَّيَّ أبلغ، اللَّيُّ: الانعطاف على الشيء، هم لا يلوون على أحد هربًا خوفًا من قتل الكفار إياهم، فكانوا لا يلوون أحد هربوا، وتصور المشهد كيف كان، حوالي سبع مئة نفر من خيار المؤمنين يهربون، لا يبقى مع الرسول عليه الصلاة والسلام إلا نفر قليل.
وانظر أيضًا قال: ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ الرسول ﷺ في أخريات القوم هو الذي يلي الأعداء في الأخر، يدعوكم؛ يا عباد الله، كروا، ارجعوا. ولكن لشدة الأمر لا يلوون على أحد، وهذه قضية عظيمة، ولكن الله سبحانه تعالى قد عفا عنهم، قد عفا عنهم ولم يؤاخذهم بما جرى.
﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ ﴿أُخْرَاكُمْ﴾ يعني: الآخر منكم؛ لأن من عادة النبي صلوات الله وسلامه عليه أن يكون في أُخْرَيَاتِ القوم، ليس كالملوك يأخذ الصدر، بل هو كالراعي يكون في الآخر يتفقد الرعية، إنسان يحتاج، إنسان تتخلف بعيره، يتخلف فرسه فيساعده، كما في قصة جابر رضي الله عنه، جابر لما رجعوا في سيرهم كان على جمل قد أعيا -ويش معنى أعيا؟ تعب ما يمشي- قال: فلحقني النبي عليه الصلاة والسلام، شوف هذا جمل تعبان بيصير في آخر الناس. ويقول: لحقني النبي -معناه أنه وراه أيضًا، وراء هذا الجمل التعبان- فلحقني فدعا للجمل وضربه، ضرب الجمل ضربًا عاديًّا ودعا له، فسار سيرًا لم يسر مثله قط، الجمل -سبحان الله- هو بالأول تعبان ما يمشي إلا قليلًا، حتى كان جابر يرده في خطامه يسبق القوم، آية من آيات الله وآيات الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم قال له: «بِعْنِيهِ»، الرسول ﷺ طلب من جابر أن يبيعه عليه، «بِعْنِيهِ بِأُوقِيَّةٍ»، الأوقية كم؟ أربعون درهمًا أو خمسون درهمًا، ولكنه أبى، قال: ما أبيعه. شوف بالأول بيسيبه، يتركه والآن يساوم ها النبي عليه الصلاة والسلام (...) يبيع عليه، قال: «بِعْنِيهِ»، فبعته، باعه على النبي ﷺ، لكنه استثنى أن يحمله إلى المدينة، فأعطاه النبي ﷺ شرطه، ثم لما وصل المدينة وأتى إلى النبي ﷺ عند باب المسجد قال له: «صَلَّيْتَ؟». قال: لا. قال: «ادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ»؛ لأن السنة للمسافر إذا قدم بلده أن يبدأ قبل كل شيء بالمسجد يصلي فيه ركعتين، ثبت هذا من فعل الرسول وأمره عليه الصلاة والسلام، وهذه سنة تفوت كثيرًا من الناس، ثم أعطاه الدراهم، وجابر يريد أن يعطيه الجمل، فقال النبي ﷺ:« «أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ، خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ، فَهُوَ لَكَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٠٩٧)، ومسلم (٧١٥ / ١٠٩) من حديث جابر بن عبد الله.]]، هذا غاية ما يكون من الكرم، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يقصد أن يتصدق عليه، بعض العلماء رحمهم الله قالوا: إن الرسول ﷺ أراد أن يتصدق عليه بثمن الجمل ففعل هذه الحيلة، هذا خطأ غلط، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يعرف كيف كان غلاء هذا الجمل في قلب جابر بعد أن كان عنده رخيصًا يريد أن يسيبه فطلب منه البيع، وإلا فالذي يظهر من قوله: «أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ» أن الرسول ﷺ لم يرد الشراء من الأصل، ولكنه أراد أن يعلم ما عند جابر رضي الله عنه.
* طالب: شيخ -أحسن الله إليك- قال الله عز وجل: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ﴾، ثم قال: ﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ﴾ و(ثم) -حسب ما هو معلوم لديك- أنها للترتيب مع التراخي، وهم قد فشلوا من قبل وعصوا؟
* الشيخ: لا، الصرف بعد العصيان.
* الطالب: إي: هم لما فشلوا وعصوا وكذا انصرفوا.
* الشيخ: صرفهم الله.
* الطالب: صرفهم الله، ثم قال: ثم صرفكم الله يعني نحن قلنا: إن هذا الصرف كان عن إقبال شديد، فكيف يكون الصرف بعد إقبال شديد مع أنهم..؟
* الشيخ: إي، هم أقبلوا شديدًا ما هو على النظام اللي أمرهم الرسول، أقبلوا شديدًا من أجل القضاء على المشركين، ما هو عن الذين عصوا فقط، الكلام عن الجميع.
* الطالب: يعني بعضهم كان مقبلًا؟
* الشيخ: ما فيه شك، الصحابة -قبل أن ينزل هؤلاء- مقبلون يجمعون الغنائم، وهؤلاء هاربون، الكفار هربوا حتى إن النساء شوهدن يصعدن الجبال وسوقهن بارزة قد رفعن ثيابهن.
* الطالب: يعني على هذا تكون ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ﴾ هذه في رماة الجبل؟
* الشيخ: نعم، في رماة الجبل، و﴿صَرَفَكُمْ﴾ للعموم.
* طالب: (ثم) في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ﴾ للعطف، عطف على أيش؟ ﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ﴾؟
* الشيخ: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ الظاهر أنها معطوفة على ﴿تَحُسُّونَهُمْ﴾ ثم صرفكم.
* الطالب: وفي كتاب الجمل (...) ثم عطف على الجواب، على جواب الشرط (...).
* الشيخ: يصلح، أقول: يجوز.
* الطالب: فيكون هذا جوابًا للشرط.
* الشيخ: لا، يكون هذا ما هو جواب الشرط، جواب الشرط محذوف وهذا من جملته.
* الطالب: يعني من جملته.
* الشيخ: إي نعم
* طالب: ما الفرق بين العفو والغفور؟
* الشيخ: العفو إذا لم يكن مقرونًا بالمغفرة تدخل فيه المغفرة؛ لأنه عفو عن المجازات، وأما إذا قيل: عفو غفور صار العفو عن ترك الواجبات، والمغفرة لفعل المحرمات.
* طالب: شيخ، العفو قلنا: قسمين مذموم ومحمود، القسم المذموم اللي هو عن غير قدرة (...) قسمين: كالرجل مثلا يعفو عن حقه حتى يوم القيامة، (...) مع كونه لا يستطيع؟
* الشيخ: هذا قد يدخل في القسم الأول؛ لأنه يوم القيامة قادر سيعطى حقه كاملًا.
* طالب: شيخ، بالنسبة لقوله تعالى: ﴿وَعَصَيْتُمْ﴾ قلنا: إن التوبيخ علشان يكون بطريقة لينة لم يذكر المفعول الله سبحانه وتعالى؛ ﴿وَعَصَيْتُمْ﴾، ما يقال يا شيخ: إنه (وَعَصَيْتُمْ) أمر الرسول (...) خاصة إذا قلنا: إن الأمر هنا واحد الأمور؟
* الشيخ: ما فيه أمر هنا، ما فيه أمر لا واحد أمور ولا واحد أوامر.
* الطالب: نازعوا الأمير.
* الشيخ: لا، تنازعوا فيما بينهم وعصوا الرسول عليه الصلاة والسلام أو عصوا الله أيضًا؛ لأن من عصى الرسول فقد عصى الله.
* طالب: اللي خالف الأمر من الصحابة قليل، والذنب عم الجميع؟!
* الشيخ: لأنه قال: ﴿عَصَيْتُمْ﴾ واللي عصوا أقل من خمسين؟
الجواب: أننا كررنا أن فعل الجماعة من طائفة قد ينسب إلى جميع الطائفة، حتى إن بني إسرائيل يلومهم الله عز وجل على شيء فعله أسلافهم؛ لأنهم طائفة واحدة: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى﴾ يخاطب اللي في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ﴾ [البقرة ٥٥] (...).
* الشيخ: ما هي؟
* الطالب: بدون واو (سارعوا).
* الشيخ: بدون واو (سارعوا).
هل يرد هذا على قول أهل العلم: إن من أنكر حرفًا من القرآن فهو كافر؟
* الطالب: لا يرد.
* الشيخ: لا يرد، لماذا؟
* الطالب: قول أهل العلم محمول على إذا ما لم يرد به النص.
* الشيخ: نعم، إذا ما لم يكن قراءة، وعلى هذا لو قرأ الإنسان: وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون سارعوا إلى مغفرة
* الطالب: فإن هذا يجوز.
* الشيخ: فلا بأس لأنه قراءة، تمام.
* * *
* طالب: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٥٣) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران ١٥٣، ١٥٤ ].
* الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ﴾ ما معنى ﴿تُصْعِدُونَ﴾؟
* طالب: يعني: تسيرون في الأرض هربًا.
* الشيخ: نعم، وما الفرق بينها وبين: تَصعدون؟
* الطالب: تَصعدون بمعنى: ترقوا إلى الأعلى، يعني ترقى إلى الأعلى.
* الشيخ: يعني: تصعد الجبل مثلًا، تصعد شيئًا مرتفعًا. والمراد الأول؟
* الطالب: نعم، المراد هو الأول.(...).
* الشيخ: نعم أحسنت، قوله تعالى: ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ الجملة في موضع؟
* طالب: حال.
* الشيخ: لكن في موضع أيش؟ الحال لها موضع من الإعراب.
* طالب: موضع نصب.
* الشيخ: في موضع نصب على الحال، قوله تعالى: ﴿يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾؟
* طالب: أي: في آخركم.
* الشيخ: بماذا يدعوهم؟
* الطالب: يدعوهم؛ ليعودوا إليه لأنهم هربوا رضي الله عنهم.
* الشيخ: ليعودوا إليه، يقول: «إِلَيَّ يَا عِبَادَ اللَّهِ، إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ»[[أخرجه البخاري (٣٠٣٩) من حديث البراء بن عازب بلفظ "فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم".]]. قال الله تعالى: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ ﴿أَثَابَكُمْ﴾: الفاعل هو الله عز وجل، ومعنى: ﴿أَثَابَكُمْ﴾ أعطاكم ثوابًا.
و﴿غَمًّا﴾: هو الثواب الذي أعطاهم الله، فهو المفعول الثاني لأثابكم.
والثواب: هو المجازاة على العمل إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، حتى الإثابة على الشر تسمَّى ثوابًا؛ يعني: حتى الجزاء على الشر يسمى ثوابًا؛ قال الله تعالى: ﴿هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المطففين ٣٦]، لكن إذا قُرِنَ الثواب بالعقاب صار العقاب الجزاء على السيئات، وصار الثواب الجزاء على الحسنات، وأمثال هذا في اللغة كثير، تكون الكلمة لها معنى إذا أُفْرِدَت ولها معنى إذا قُرِنَت بغيرها.
وقوله: ﴿أَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ ﴿غَمًّا﴾: مفعول ثان لأثابكم.
﴿بِغَمٍّ﴾ (الباء) هنا قيل: إنها للمصاحبة، وقيل: إنها للبدل، وقيل: إنها بمعنى على، ولكل وجهة نظر؛ فأما الذين قالوا: للمصاحبة فقالوا: إن معناها أثابكم غمًّا مصحوبًا بغمٍّ، يعني مقترنا به لم يفصل بينهما فاصل، غموم متتابعة.
والذين قالوا: إنها بمعنى على قالوا: أصابكم غمًّا على غم، ولا يلزم أن تكون متتابعًا.
والذين قالوا: إنها للبدل والعوض يقولون: معناها أصابكم غمًّا بغم بدلًا عن الغم الذي حصل منكم.
وإذا تأملنا وجدنا أن الآية الكريمة تحتمل كل المعاني الثلاثة كما سيتبين إن شاء الله من تفسير الغم ما هو، والقاعدة في التفسير أن الآية إذا كانت تحتمل أكثر من معنى وليس بينهما منافاة فإنها تحمل على ما تحتمله من المعاني؛ لأن هذا هو بلاغة القرآن، فما هي الغموم التي أصابتهم؟
نحن نعرف أن المسلمين في أحد أصيبوا بمصائب عظيمة؛ أولًا: كان النصر لهم في أول النهار ثم كان عليهم في آخر النهار، وهذا لا شك أنه يُحْدِثُ غمًّا عظيمًا؛ لأنه بعد أن تفرح النفوس بالنصر ثم تنتكس يكون هذا أشد عليها مما لو كانت الانتكاسة لم تسبق بنصر، أليس كذلك؟
* طلبة: بلى.
* الشيخ: ثانيًا: قتل منهم شهداء، قتل منهم شهداء من شجعانهم مثل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وهذا لا شك أنه يفت في أعضادهم.
ثالثًا: تأخر ثلث الجيش تقريبًا من أثناء الطريق، وهم المنافقون الذين انخزل بهم عبد الله بن أُبَيٍ المنافقُ.
رابعًا: أُشِيع أن النبي ﷺ قُتِل، وماذا تكون نفوس المؤمنين إذا أشيع أن إمامهم وقائدهم ﷺ قد قتل؟ نعم تكون عظيمة تضيق عليهم الأرض بما رحبت.
خامسًا: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أصيب يوم أحد كُسِرَت رَبَاعِيَتُه وشُجَّ وجهه وأصابه من الضعف والوهن ما لم يصبه من قبل، فالغموم كثيرة.
وهذه الغموم إذا قلنا: إن الباء بدلية يكون معناها أنكم أصابكم غم بسبب ما أصبتم الرسول ﷺ به من الغم؛ لأن نزولهم من الجبل الذي جعلهم النبي ﷺ فيه لا شك أنه يحزن الرسول عليه الصلاة والسلام، قائد مرتب للجيش أمرهم بأن لا يدعوا المكان مهما كان الأمر ثم يخالفون.
طاعة النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الباب واجبة من وجهين:
أولًا: أنه شرع، إن أمره شرع -عليه الصلاة والسلام-.
وثانيًا: من جهة أنه ولي الأمر، قائد، مخالفة القائد ولو لم يكن رسولًا تعتبر شديدة في نفسه، فكما أنه حصل للنبي ﷺ منهم غم أصابهم الله بغموم، واضح؟
أما على القول: بأنها للمصاحبة فالأمر ظاهر؛ لأنها غموم متلاحقة في غزوة واحدة، وأما كونه غمًّا على غم فكذلك أيضًا، كلما فاء غم أتى غم آخر؛ ولهذا قال: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾ اللام هنا للتعليل والمعلل قوله: ﴿فَأَثَابَكُمْ﴾ أي: أثابكم غمًّا بغم من أجل أن لا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم، كيف ذلك؟
لأن الغم الأكبر ينسي الغم الأصغر، فمثلًا إذا فاتهم النصر هذا غم، غم بلا شك، لكن إذا قتل نبيهم عليه الصلاة والسلام هذا أشد، فلما أشيع أنه قتل نسوا الغم الأول ولم يحزنوا عليه؛ لأنهم أصيبوا، فإذا جاء الفرج وتَبَيَّن أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد بقي زالت الغشاوة كلها، واضح؟
فيكون هذا من لطف الله بهم أنه يصيبهم بمصائب تنسيهم المصائب الأولى ثم بعد ذلك تنفرج، وهذا من حسن ربوبية الله عز وجل وعنايته بالصحابة والنبي ﷺ؛ ولهذا قال: ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ من أين؟ من النصر والغنيمة.
﴿وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾ من الخذلان وفقد الغنيمة، فهذه من حكمة الله عز وجل، هذا هو الصواب في معنى الآية الذي لا تحتمل غيره.
وأما قول الجلالين رحمه الله: إن (لا) زائدة هنا، والمعنى: لكي تحزنوا على ما فاتكم وما أصابكم، فهذا قول بعيد جدًّا، بل إن الله عز وجل يحب من المؤمنين أن لا يحزنوا ويسليهم إذا وجدت أسباب الحزن؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [المجادلة ١٠] هذه تسلية، فيكف يأمرهم الله أو فكيف يفعل الله شيئًا من أجل أن يحزنوا؟! هذا بعيد جدًّا، لكن المعنى اللي ذكرناه أظنه واضحًا جدًّا؛ أن هذه الغموم التي أصابتهم من أجل أن ينسي بعضها بعضًا فلا يحزنوا على ما أصابهم ولا ما فاتهم، وحينئذ إذا انكشف الكل صار له طعم لذيذ في النفوس.
يقول عز وجل: ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ ﴿خَبِيرٌ﴾ مأخوذ من الخُبْر وهو العلم ببواطن الأمور، ومنه سمي الزارع خبيرًا؛ لأنه يدفن الحب ويخفيه، فالأصل أن هذه المادة تدل على الخفا، فالخبير هو العليم ببواطن الأمور، والعليم ببواطن الأمور عليم بظواهر الأمور من باب أولى.
وقوله: ﴿خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ ﴿بِمَا﴾ أي: بالذي ﴿تَعْمَلُونَ﴾ من خير وشر، فعل، قول، وسوسة في النفوس، لكن هنا قال: ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ لأن المراد بالخِبرة هنا: ما يترتب عليها من الحساب، فهي جملة خبرية تفيد التهديد؛ لأن الله عز وجل لا يحاسب إلا على العمل، أما حديث النفس فلا يحاسب عليه، لو حدث الإنسان نفسه بفعل المعاصي أو ترك الواجبات ثم لم ينفذ فإنه لا يحاسب، ولهذا قال: ﴿خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: تذكير المؤمنين بما جرى منهم من المخالفة؛ حيث قال: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى﴾ هذا على القول بأن ﴿إِذْ﴾ أيش؟ متعلقة بمحذوف تقديره: اذكر، أما على القول بأنها متعلقة بـ(عفا) فيستفاد منها تذكير المؤمنين بنعمة الله عليهم في عفوه عنهم حين أيش؟ أصْعَدوا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: التوبيخ اللطيف في قوله: ﴿وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ فإن الشجاعة تمنع أن يقع من الإنسان مثل هذه الحال يهرب ولا يلوي على أحد والرسول يدعوه يقول: «إِلَيَّ يَا عِبَادَ الله»[[ أخرجه البخاري (٣٠٣٩) من حديث البراء بن عازب بلفظ "فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم".]]، ففيها توبيخ أيش؟ توبيخ لطيف للصحابة مما جرى منهم.
* ومن فوائد هذه الآية: حسن رعاية النبي ﷺ لأمته في قيادته العظيمة، حيث يكون في أخريات القوم، وهذا شأنه صلوات الله وسلامه عليه أن يكون في أخريات القوم من أجل أن يتفقدهم، إنسان يتأخر، إنسان يحتاج، يتفقدهم، وليس كالملوك الذين يتقدمون الناس بل هو يتأخر، وقصة جمل جابر ليست ببعيدة؛ حيث كان النبي عليه الصلاة والسلام في أخريات القوم فلحق جابرًا وكان معه جمل قد أعيا فلحقه النبي عليه الصلاة والسلام وضربه ودعا له ومشى الجمل، مما يدل على أن من أهداف النبي عليه الصلاة والسلام للتأخر مثل هذه الحال.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه ينبغي للقائد أن يكون ذا شجاعة في قيادته، بحيث يثبت ويدعو إلى الثبات، من أين تؤخذ؟ ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ﴾ ﴿يَدْعُوكُمْ﴾؛لأنه لو لم يثبت وهرب معهم لم يكن صالحًا للقيادة.
* ومن فوائد الآية: إثبات رسالة النبي ﷺ في قوله: ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ﴾.
* ومن فوائدها: حكمة الله عز وجل وعدله في إثابته عباده؛ لقوله: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ والعدل ظاهر جدًّا إذا جعلنا الباء للبدل، والحكمة ظاهرة إذا جعلناها للمصاحبة أو بمعنى على؛ لأن هذه الغموم التي يتلو بعضها بعضا يخفف بعضها بعضا.
* ومن فوائد الآية: إثبات الحكمة، إثبات حكمة الله عز وجل في أفعاله، من قوله: ﴿لِكَيْلَا﴾ فإن اللام هنا للتعليل.
ومن فوائد هذه الآية: أنه ينبغي للقائد أن يكون ذا شجاعة في قيادته، بحيث يثبت ويدعو إلى الثبات، من أين تؤخذ؟ ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ﴾ [آل عمران ١٥٣]؛ لأنه لو لم يثبت وهرب معهم لم يكن صالحًا للقيادة.
* ومن فوائد الآية: إثبات رسالة النبي ﷺ في قوله: ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ﴾.
* ومن فوائدها: حكمة الله عز وجل وعدْله في إثابته عباده؛ لقوله: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ [آل عمران ١٥٣] والعدل ظاهر جدًّا إذا جعلنا الباء للبدل، والحكمة ظاهرة إذا جعلناها للمصاحبة أو بمعنى (على)؛ لأن هذه الغموم التي يتلو بعضها بعضًا يخفّف بعضها بعضًا.
* ومن فوائد الآية: إثبات الحكمة؛ إثبات حكمة الله عز وجل في أفعاله، من قوله: ﴿لِكَيْلَا﴾ فإن اللام هنا للتعليل.
وهذه المسألة أعني إثبات الحكمة لله في أفعاله وأحكامه الشرعية ينفيها مَن؟ الجهمية، ينفونها، بل والأشعرية أيضًا ينفونها، ويقولون: إن أفعال الله لا تُعلّل؛ لأنها لو عُلِّلت لكان يفعل لغرض؛ ولأنها لو علّلت لصح أن يتوجّه السؤال إليه عنها فيقال: لِمَ فعلتَ؟ والله سبحانه وتعالى لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، وقد بينا -فيما سبق- أن نفي العلة أو نفي الحكمة في أفعال الله يُعد تنقُّصًا لله عز وجل؛ لأنه إذا انتفت الحكمة في أحكامه الشرعية أو القدريّة صارت أحكامه عبثًا ولَعِبًا، وقد أبطل الله تعالى ذلك في عدة آيات أشدّها قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص ٢٧].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله عز وجل يحب من عباده أن لا يحزنوا؛ لأنه قدر الغم بالغم من أجل أيش؟ أن لا يحزنوا، وذلك لأن الحزن يحدث للإنسان انقباضًا، انقباضًا ربما يمنعه عن كثير من المصالح، وربما يُحدث له عُقدًا نفسية، والإنسان ينبغي أن يعوِّد نفسه على انشراح الصدر وانبساط النفس بقدر ما يستطيع؛ لأنه لا شك أن الإنسان إذا كان صدره منشرحًا ونفسه منبسطة أنه يكون مستريحًا قابلًا للتفهّم والتفهيم، وإذا كان محزونًا تجده لا يحب أن يكلّمه أحد فضلًا عن أن يكون له تفهيم أو فهم.
* ومن فوائد الآية: التربية العظيمة للعباد؛ وهي أن لا يحزنوا على ما فاتهم، إذا فاتك خير تظنه خيرًا لنفسك فقل: قَدَرُ الله وما شاء فعل، وكذلك إذا أصابك ما تكره قل: قَدَرُ الله وما شاء فعل، واعلم أن الحزن لا يرد الفائت أبدًا، وإنما يزيد الإنسان بلاءً.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات علم الله عز وجل الواسع لكل معلوم؛ لقوله: ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران ١٥٣].
* ومن فوائدها: وجوب الحذَر من المخالفة؛ مخالفة الله عز وجل، وجهه: أنه إذا كان خبيرًا بعملنا فإن ذلك يوجب لنا أن لا نخالفه؛ لأننا إن خالفناه عَلِم، إذا خالفناه علم، وإذا عَلِم فسوف يحاسبنا.
* ومن فوائد الآية: الردّ على الجبريّة، من قوله: ﴿تَعْمَلُونَ﴾ ووجه ذلك: أنه أضاف العمل إليهم، والجبرية يقولون: إن الإنسان لا يعمل، لا يفعل شيئًا باختياره.
* ومن فوائدها: الردّ على غُلَاة القدرية، من قوله: ﴿خَبِيرٌ﴾؛ لأن غلاة القدرة يُنكرون علم الله بفعل العبد، ويقولون: إن الله عز وجل لا يعلم أفعال العبد، لكن إذا فعلها عَلِم بها.
ثم قال عز وجل: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا﴾ [آل عمران ١٥٤]. ﴿ثُمَّ﴾ للترتيب بمهلة، ﴿أَنْزَلَ﴾ مَن؟ الله عز وجل.
﴿أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ﴾ المراد بالغمّ هنا جنس الغم، فيشمل الغمّ بعد الغم، كل الغموم السابقة: ﴿مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا﴾ ﴿أَمَنَةً﴾ يجوز في إعرابها وجهان:
الوجه الأول: أن تكون مفعولًا لأجله.
والثاني: أن تكون مفعولًا به لـ﴿أَنْزَلَ﴾، فعلى الوجه الأول يكون: ﴿نُعَاسًا﴾ مفعول ﴿أَنْزَلَ﴾، وعلى الثاني يكون: ﴿نُعَاسًا﴾ بدلًا أو عطف بيان من ﴿أَمَنَةً﴾.
و﴿أَمَنَةً﴾ بمعنى (أمْن)؛ يعني أنزل عليكم من بعد الغم أمنًا، أمنة وأمن بمعنى واحد، ما هذا الأمن؟ قال: ﴿نُعَاسًا﴾ والنعاس مُقدّمة النوم، وهو دليل على طمأنينة القلب؛ لأن الخائف ينعس ولّا لا؟
* طالب: لا ينعس.
* الشيخ: ويش يفعل؟
* الطالب: يموت في اليوم ألف موتة.
* الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله! نعم، الخائف لا يمكن أن ينعس؛ لأن قلبه يرجف، مضطرب، لكن الآمِن المطمئن ينعس، ولهذا قال: ﴿نُعَاسًا﴾.
﴿يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ﴾ [آل عمران ١٥٤]، وفي قراءة: ﴿تَغْشَى طَائِفَة مِنْكُمْ﴾ فإذا كانت القراءة: ﴿تَغْشَى﴾ فالضمير يعود على ﴿أَمَنَةً﴾، وإذا كانت القراءة: ﴿يَغْشَى﴾ فالضمير يعود على ﴿نُعَاسًا﴾.
﴿يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ﴾ أي: يصيب طائفة، والغشيان في الأصل التغطية، ومنه قوله تعالى: ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ [البقرة ٧] وقوله: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ﴾ [الأعراف ٥٤] لكن قد يُراد به مجرد الإصابة، وقد يُراد به مع الإصابة أنه إذا غشيهم يعني شملهم جميعًا: ﴿يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ﴾ الخطاب للمؤمنين.
﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ [آل عمران ١٥٤] يعني فلم يغشهم النعاس، لماذا؟ لأن أنفسهم قد أهمّتهم أوقعتهم في الهمّ، أوقعتهم في الهم؛ لأنهم يقولون: ما ندري ما يكون؟! ويُخَمِّسون ويُسَدّسون، والذي هكذا حاله لا يأتيه النوم ولا يقربه النعاس، ولهذا قال: ﴿قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾. وطوى ذِكر ترْك عدم النعاس، طوى ذكره؛ لأنه يُعلم من حالهم، فإذا كانت قد أهمّتهم أنفسهم فإنه لا يمكن أن ينعسوا.
يقول: ﴿قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ﴾ [آل عمران ١٥٤] جملة ﴿يَظُنُّونَ﴾ يجوز أن تكون خبرًا ثانيًا لقوله: ﴿وَطَائِفَةٌ﴾.
أين الخبر الأول؟ جملة: ﴿قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ يعني وطائفة أهمّتهم أنفسهم، وكذلك يظنون بالله غير الحق، ويجوز أن يكون ﴿يَظُنُّونَ﴾ في موضع نصب على الحال من الضمير في ﴿أَهَمَّتْهُمْ﴾؛ يعني أهمتهم حال كونهم يظنون بالله غير الحق؛ يعني يظنون بالله سبحانه وتعالى ظنًّا غير ظن الحق، فما هو هذا الظن؟ يظنون أشياء كثيرة، يقولون مثلًا: هل لنا من الأمر من شيء؟
* طالب: ليس سمع فيه (...).
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: يتحرك مع الأذن.
* الشيخ: أهمتهم، الهاء؟
* الطالب: أنفسهم.
* الشيخ: الهاء اللي بعد التاء. ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران ١٥٤]، يظنون مثلًا أن الرسول عليه الصلاة والسلام قُتل حقيقة، وأنه لا نصر للإسلام بعد هذه الهزيمة، وأن الدولة ستكون للكافرين، وما أشبه ذلك من الظنون الفاسدة، ولا شك أن هذا ظن مبنيّ على الجهل، ولهذا قال: ﴿غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾، فبدأ ببطلان هذا الظن أولًا، ثم بيّن أنه صادر عن جهل، ولهذا قال: ﴿ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ أي: ظن أهل الجهل؛ لأن من عرف الله عز وجل بأسمائه وصفاته وأحكامه لا يمكن أبدًا أن يظن به هذا الظن؛ أن الله يديل الباطل على الحق، وأن الله لا ينصر رسوله، لا يظن هذا الظن إلا من لا يعرف الله عز وجل، ولهذا قال: ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [آل عمران ١٥٤].
جملة: ﴿يَقُولُونَ﴾ يصح أن تكون خبرًا ثانيًا أو ثالثًا؟ ثالثًا لطائفة، ويصح أن تكون حالًا من ﴿يَظُنُّونَ﴾ من الواو في ﴿يَظُنُّونَ﴾ يظنون حال كونهم قائلين.
وقوله: ﴿يَقُولُونَ﴾ بألسنتهم أو بقلوبهم؟
* طلبة: بقلوبهم.
* طلبة آخرون: يحتمل.
* الشيخ: نعم، يَحتمل الأمرين، يَحتمل أنهم يقولون في أنفسهم، ويحتمل أنهم يقولون بألسنتهم؛ يعني يقول بعضهم لبعض: هل لنا من الأمر من شيء؟ وأيهما أقرب؟
* طالب: الثاني.
* الشيخ: ما هو الثاني؟
* طالب: شيخنا، الثاني أقوى، وهو أنهم يقولون بألسنتهم، يقول بعضهم لبعض.
* الشيخ: نعم، ما وجه قوّته عندك؟
* الطالب: وجه قوّته أنه منتشر بينهم؛ يعني أنهم يريدون أن ينشروا هذا فيما بينهم، فأراد الله أن يفضحهم، وأن يبيّن لحديث أحد الصحابة -أظنه طلحة- لما قال: إني كنت أنعس كما في الآية، فسمعت صوت أحدهم وما أتبعه وشيء، وكذا يقول هذا القول، يقول: ما لنا من الأمر من شيء.
* الشيخ: إي نعم، طيب هذا، لكن هناك دليل من الآية؟
* الطالب: قوله: ﴿يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ﴾ [آل عمران ١٥٤].
* الشيخ: لا.
* طالب: يقولون: الأصل فيها أنه يكون باللسان.
* الشيخ: نعم، أحسنت، الأصل في القول إذا أُطلق فهو قول اللسان، وإذا كان قول النفس لا بد أن يُقيّد، كما قال الله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾ [المجادلة ٨] واضح؟ أجيبوا؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: فإذن تكون الآية دالّة على أن هذا القول صادر منهم بألسنتهم. واضح؟
إذا قال قائل: أنتم تقولون: إن القول إذا أُطلق فهو قول اللسان، فكيف تجيبون عن قوله تعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [الفتح ١١]؟
* طالب: من باب التأكيد.
* الشيخ: من باب التأكيد، وليقابل قوله: ﴿مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾.
﴿يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ﴾ ﴿هَلْ﴾ هنا للاستفهام، لكن هل المراد بالاستفهام الإنكار كأنهم يقولون: هل نحن رُوجعنا؟ هل شاوَرونا؟ أو أنهم ينفون أن يكون الاستفهام للنفي؟ يعني يقول: ليس لنا من الأمر شيء، ننظر ما الذي يؤيّده سياق الآية: ﴿يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ [آل عمران ١٥٤]؟ هل يؤيد أن (هل) بمعنى (ما)، أو أن هل بمعنى الإنكار؟ أي أنهم يُنكرون أنه لم يُرجع إليهم بشيء؟
* طلبة: الثاني.
* الشيخ: سياق الآية يدل على الثاني، وأن هؤلاء أخذوا على القيادة في هذه الغزوة، أخذوا عليها أنها لم تراجعهم، وقالوا: هل لنا من الأمر من شيء؟ فقال الله عز وجل: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾. ويؤيد هذا أيضًا قوله: ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا﴾ [آل عمران ١٥٤]؛ يعني لو كان لنا من الأمر شيء ما حصلت هذه الهزيمة، إلى آخر الآيات، فالظاهر أن الاستفهام هنا ليس للنفي كما ذهب إليه بعض المفسرين، ولكن معناه الإنكار، الإنكار على القيادة أنها لم تراجعهم في هذا الأمر.
يقولون: ﴿هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ﴾ الأمر هنا واحد (الأمور) أو واحد (الأوامر)؟
* طلبة: الأول.
* طالب: واحد (الأمور).
* الشيخ: الأول؛ يعني هل لنا من أمور الحرب شيء؟ ليس لنا، ما وجّه إلينا شيء من أمر الحرب، فكأنهم يريدون أن يتنصّلوا مما حصل، ويقول: لأنا ما رُوجعنا ولا رُجع إلينا ولا أُخذ رأينا.
قال الله عز وجل: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ فيها قراءتان: ﴿كُلُّهُ﴾ و﴿كُلَّهُ﴾ أيهما أرجح؟
* طالب: الظاهر ﴿كُلُّهُ﴾ لأنه خبر.
* الشيخ: لا، الخبر لله لا شك.
* الطالب: الظاهر ﴿كُلَّهُ﴾؛ لأنه تأكيد الأمر.
* طالب آخر: النصب يا شيخ.
* الشيخ: النصب؟
* الطالب: إي نعم، الأمر كله لله.
* الشيخ: نعم، هو كما قال: توكيد.
* الطالب: لا، ليس توكيدًا، وإنما نعم توكيد.
* الشيخ: أنا أقول: كلاهما راجح؛ لأنهما قراءتان سبعيّتان، فإذا كانت: ﴿كُلَّهُ﴾ صارت (كُلَّ) منصوبة على التوكيد؛ توكيد الأمر ﴿إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ وعلى قراءة الرفع تكون ﴿الْأَمْرَ﴾ اسم (إنّ)، و(كُلُّ) مبتدأ، و(لله) خبر، والجملة من المبتدأ والخبر خبر (إنّ).
على كل حال: ﴿الْأَمْرَ﴾ هنا: ﴿الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ يشمل الأمر الكوني والأمر الشرعي، فالأمر لله عز وجل كلّه، هو الذي يتصرّف في عباده كما يشاء حسب ما تقتضيه الحكمة، سواء كان هذا الأمر كونيًّا وهو الذي يقول الله فيه: كن فيكون، أو شرعيًّا وهو الأمر الموجّه لمن؟ للعباد، افعلوا أو لا تفعلوا، كُلّه لله كما أن الحكم كلّه لله.
قال الله تعالى: ﴿يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ﴾ [آل عمران ١٥٤]. ﴿يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ أي: يُضمرون في نفوسهم ما لا يبدونه للرسول ﷺ، ولكن الله يعلمه، وهذا يُعدّ لا شك مما جرى من الصحابة رضي الله عنهم، وهو أمر لو تركوه لكان أفضل، لو كانوا يُصرّحون للرسول عليه الصلاة والسلام ويصارحونه لكان خيرًا من كونهم يتكلمون فيما بينهم ويخفونه عن رسول الله ﷺ، وهذا ليس لجميع الصحابة، لمن؟ لطائفة.
* طالب: المنافقون.
* الشيخ: لا، لطائفة منهم؛ لأن المنافقين كلهم رجعوا قبل أن يصلوا إلى أُحُد، إن بقي فقد بقي ناس قليلون، لكن ظاهر الآية حيث قال: ﴿يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ [آل عمران ١٥٤] أن هذه الطائفة من المؤمنين، مع أنه ربما يقول لي قائل: بل إن الآية تدل على أن هذه الطائفة ليست من المؤمنين؛ لأنه قال: ﴿يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ﴾ ولم يقل: وطائفة منكم، لكن الذي يُرَجّح الأول: التقسيم؛ لأنه قال: ﴿يَغْشَى طَائِفَةً﴾ ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ﴾ والمفسرون مختلفون في ذلك على قولين:
القول الأول: أن هذه الطائفة طائفة من المنافقين.
والقول الثاني: أنها طائفة من المؤمنين لكنهم ضعاف الإيمان.
* طالب: شيخ، في قوله: ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ [آل عمران ١٥٣] يعني هل كان في مقدمة الجيش ولَّا.. ؟
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: يعني لما قابلهم كان أقرب للمسلمين من المشركين؟
* الشيخ: الرسول إي نعم؟
* طالب: ما في القرآن يا شيخنا، لكن قد..
* الشيخ: لا لا، بعد أن فرّوا صار في المؤخّرة.
* الطالب: رجع يعني؟
* الشيخ: لا، هو مكانه، الآن تصوّر الآن أنهم الآن في منطقة فهربوا منها، والرسول باقٍ ويش صار؟ صار في أخراهم.
* طالب: شيخ، ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ [آل عمران ١٥٤] يقال: إنهم لم يصبهم النعاس؛ لأنهم أهمّوا أنفسهم لم يهمّوا الرسول ﷺ، وطوى هذا لم يذكره.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: يعني طائفة يغشيهم النعاس، والطائفة الثانية أهمتهم أنفسهم لم يغشهم النعاس؛ لأنهم ما اهتمّوا بأمره ﷺ وبأمر..
* الشيخ: هم نعم، صريح الآية: ﴿قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾؛ يعني أنهم أنانيّون.
* الطالب: يعني عقاب لهم؛ لأنهم لم يهمّوا الرسول ﷺ لم يصبهم النعاس؛ لأن النعاس أمْن ونصر من الله تعالى.
* الشيخ: النعاس يدل لا شك، يدل على طمأنينة القلب وارتفاع الخوف عنهم.
* الطالب: يلزم لهم.
* الشيخ: والذي قد أهمته نفسه فإنه لن ينعس.
* الطالب: يعني المقصد يا شيخ أن هذا لما لم يهمه الإسلام ويهمه ﷺ جازاهم في الدنيا بأن..
* الشيخ: لا، ما يحتاج منهم مجازاة، هذا شيء واقع، كل إنسان يهمّه نفسه في مثل هذه المواطن لا يمكن أن ينام ولا يقربه النوم.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، في قول الله عز وجل: ﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ﴾ [آل عمران ١٥٢] قلنا: إن الصرف يقتضي أن الصحابة كانوا مُقبلين إقبالًا شديدًا على الكفّار، أحسن الله إليك، أقول: ما الحكمة في أن الله صرفهم؛ يعني عن قتال الكفار مع أن قتل المسلم للكفار محبوب لله عز وجل؟
* الشيخ: أيش؟
* الطالب: أقول: ما الحكمة في صرف الله لهم مع أن قتلهم الكفار محبوب لله عز وجل؟
* الشيخ: لحكمة.
* الطالب: إي، ما هي؟
* الشيخ: الحكمة حتى يكون هذا تربية لهم؛ لأن سبب ذلك أنهم تركوا المكان كما قال الله: ﴿حَتَّى إذا فَشِلْتُمْ﴾ جبنتم ﴿وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران ١٥٢] كل هذه الثلاثة من أسباب الخذلان.
* طالب: شيخ، نصب الفعل في قوله تعالى: ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا﴾ هل هو باللام ولَّا بـ(كي)؟
* الشيخ: ماذا تقولون؟
* طلبة: ما سمعنا يا شيخ.
* الشيخ: يسأل يقول: نصب الفعل: ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا﴾ هل هو بـ(كي) ولَّا باللام؟
* طالب: شيخ، فيه خلاف بين البصريين والكوفيين؛ بعضهم يقدّر (أن) مضمرة، وبعضهم يقول: نصب بـ(كي)، عند البصريين باللام، وعند الكوفيين بـ(كي).
* الشيخ: يقولون: إذا ذُكرت اللام و(كي) فالنصب بـ(كي)، وإذا ذُكرت (كي) وحدها أو اللام وحدها فالكوفيون يقولون: إن الحرف هو الناصب، والبصريون يقولون: (أن) مضمرة، يعني إذا اجتمعا صار النصب لـ(كي) مباشرة. واضح؟
* طالب: قوله تعالى: ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ [آل عمران ١٥٣] إحنا قلنا: إن يعني المصيبة سبب المصيبة الأخرى، ألا يكون هذا يا شيخ يعني يدلّ على أن قوله تعالى: ﴿غَمًّا بِغَمٍّ﴾ بأن الباء للمصاحبة بمعنى أن الغم هذا سببه؟
* الشيخ: إي نعم، ما يمنع أن يكون هذا وما يمنع أيضًا أن سببه غمهم للرسول بمخالفة أمره، يكون لما خالفوا الأمر حصل الغم، ثم حصل غمّ، ثم حصل غمّ.
* طالب: شيخ، ذكر بعض المفسرين أن هناك فرقًا بين الأمَنة والأمْن، وهو أن الأمَنة هو أمن مؤقّت يكون بعده خوف كما في الآية، والأمن يكون أمنًا مطَّردا كما في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام ٨٢] في الجنة؟
* الشيخ: لا، ما هو بصحيح؛ لأن الأمن مصدر، والمصدر هو مُطلق يشمل القليل والكثير، أما: ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ﴾ فهي فيها (أل) الدالة على الكمال والاستغراق، لكن لو قلت: (أمِن أمنًا) ما يدل على أنه دائم، أو (أمَنة) ما يدل على أنها دائمة، فالظاهر القول الثاني: لا فرق، ولهذا فسّره كثير من المفسرين قال: أمَنة يعني أمنًا.
* * *
* طالب: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٥٤) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥)﴾ [آل عمران ١٥٤، ١٥٥].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقفنا في تفسير الآية على قوله تبارك وتعالى: ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا﴾.
قوله: ﴿يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ﴾ جملة: ﴿يَقُولُونَ﴾ تفسير للذي يخفونه، والقول هنا قول باللسان؛ لأن القول إذا أُطلق فهو قول اللسان، واضح؟
﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا﴾.
قول الله تعالى: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ [آل عمران ١٥٣] نأخذ من هنا قال: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ ما معنى الإثابة هنا؟
* طالب: الإثابة هنا بمعنى الجزاء.
* الشيخ: بمعنى الجزاء، يعني جازاكم. هل يطلق الثواب على الجزاء بالعقوبة؟
* طالب: نعم، يُطلق قال الله تعالى: ﴿هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [المطففين ٣٦].
* الشيخ: يُطلق لقوله تعالى: ﴿هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾. وإذا جُمع الثواب والعقاب؟
* طالب: كان الثواب على الإثابة على الخير.
* الشيخ: صار الثواب على الحسنات، والعقاب على السيئات.
قوله تعالى: ﴿أَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ الباء؟
* طالب: الباء ثلاثة: إما للمصاحبة، وإما للبدل؛ يعني بمعنى العِوض، وإما بمعنى (على)، وكلّه يصلح هنا.
* الشيخ: كله يصلح هنا، على القول بأنها للمصاحبة ما معناها؟
* الطالب: يعني غمّ ملاحق بغمّ.
* الشيخ: نعم، متصل بغمّ.
* الطالب: يعني غموم كثير.
* الشيخ: أحسنت، إذن ليس المراد غمين فقط؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: اذكر مثالًا لغمّين من ذلك؟
* طالب: تخلّف ثلث الجيش عند مسيره إلى معركة أُحُد.
* الشيخ: وغيره؟
* الطالب: وإشاعة أن الرسول الله ﷺ قُتل، وإصابة رسول الله.
* الشيخ: إصابة الرسول ﷺ.
* الطالب: وذلك عندما كان لهم النصر في أول المعركة انقلبت الدائرة عليهم.
* الشيخ: فوات النصر يعني؟
* الطالب: إي نعم، هذه ثلاثة.
* الشيخ: نبغي رابعة.
* طالب: ما حصل للنبي ﷺ عندما شُجّ وجهه وكسرت رباعيته.
* طالب آخر: ذكرها.
* الشيخ: قالها.
* الطالب: وقد قتل حمزة وكثير من الشهداء.
* الشيخ: إي نعم، قتل عدد من رجالات المسلمين.
* طالب: وانخذال ثلث الجيش؛ المنافقون.
* الشيخ: هذا (...) قبل الإصعاد، إحنا ذكرناه لكنه قبل الإصعاد.
* طالب: مخالفتهم للنبي ﷺ.
* الشيخ: مخالفتهم الرسول هذا ما.. فيه غم؟
* طالب: صارت خمسة، ذكرنا خمسة.
* الشيخ: يا أخي، باقي واحدة.
* الطالب: هذه هي يا شيخ.
* الشيخ: هي الخامسة هذه؟
* طلبة: الخامسة إي نعم.
* الشيخ: إي، طيب ممكن أن نقول: إن الخامسة ظهور المشركين عليهم؛ لأنه فاتهم النصر والمشركون ما انهزموا، ظهروا عليهم وصعدوا على الجبل، وقاموا يتكلمون، «يقول أبو سفيان: أفيكم محمد؟ أفيكم ابن أبي قحافة؟ أفيكم عمر؟ حتى افتخر بصنمه وقال: اعلُ هبل»[[أخرجه البخاري (٣٠٣٩) من حديث البراء بن عازب.]]، هذا من الغم لا شك، إذن الغموم كثيرة.
قوله تعالى: ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾، ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا﴾ اللام؟
* طالب: لام التعليل.
* الشيخ: اللام للتعليل، وكي هنا؟
* الطالب: مصدرية.
* الشيخ: ولا تصلح للتعليل؟
* الطالب: أن.
* الشيخ: في هذا السياق؟
* الطالب: لا لا.
* الشيخ: لا تصلح.
* الطالب: ما تصلح.
* الشيخ: ماذا تقولون؟
* طلبة: صحيح؟
* الشيخ: طيب، هل هي الناصبة بنفسها أو على تقدير (أن)؟
* طالب: لا، هي بنفسها.
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: يعني إذا سبقتها لام الجر تتعين أن هي مصدرية.
* الشيخ: تتعين أن تكون مصدرية فتنصب بنفسها، تمام. هذا التعليل: ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا﴾ ما مناسبته لما قبله؟
* طالب: نعم، إذا قيل: لا تحزنوا؛ يعني إذا حزنوا تعيّن عدم الحزن.
* الشيخ: إي؛ لأنه قال: أثابكم لكي لا تحزنوا.
* الطالب: نعم؛ لأن الحزن والغم هذا لا يفيد شيئًا مما فات.
* الشيخ: كيف؟ ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا﴾؟
* الطالب: نعم، لأنهم إذا أتتهم المصائب الواحدة تلو الأخرى فإن الكبيرة تخفّف الصغيرة، فمثلًا: مقتل النبي عليه الصلاة والسلام كان أكبر المصائب عليهم عندما اكتشفوا أنه لم يقتل خفّف وقع الهزيمة في نفوسهم.
* الشيخ: ما سبق من الغم، إذن المعنى أن كل غمّ يُنسي؟
* الطالب: الغم الأقل منه.
* الشيخ: ما هو دونه، وعلى هذا قول الشاعر:
؎لَعَلَّ عَتْبَكَ مَحْمُودٌ عَوَاقِبُهُ ∗∗∗ وَرُبَّمَا صَحَّتِ الْأَبْدَانُبِالْعِلَلِ
قوله: ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾ ما الذي فاتهم وما الذي أصابهم؟
* طالب: الذي فاتهم النصر.
* الشيخ: والغنائم.
* الطالب: والغنائم، والذي أصابهم الهزيمة والخذلان.
* الشيخ: تمام. قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران ١٥٣] ما معنى خبير؟
* طالب: الخبير أي: يعلم (...).
* الشيخ: إي نعم.
* طالب: الخبير هو العالم ببواطن الأمور.
* الشيخ: هو العالم ببواطن الأمور، نعم، وعِلمه ببواطن الأمور يستلزم علمه بظواهرها من باب أولى.
ما هي الفائدة من ختم الآية بهذا الاسم؟
* طالب: ختم الآية يعني بهذا الاسم.
* الشيخ: بقوله: ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾؟
* الطالب: إي، لأن خبر الله عز وجل بحالهم هو الذي يترتّب عليه العقاب والحساب، فهو كالتهديد لهم؛ يعني إذا كان الله خبيرًا بأقوالكم فهو الذي سيحاسبكم ويعاقبكم على ما تعملون به.
* الشيخ: على ما حصل منكم؟
* الطالب: نعم.
* الشيخ: قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ﴾ [آل عمران ١٥٤].
﴿يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ﴾ [آل عمران ١٥٤] يقولون -هذا ما يخفونه-: ﴿لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا﴾ الأمر هنا واحد الأمور؛ يعني لو كان لنا من الشأن في هذه الغزوة شيء ورُدّ الأمر إلينا ما قُتلنا هاهنا؛ يعني ما خرجنا ولا قُتلنا، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام استشار الصحابة حين الخروج إلى أُحُد هل يخرجوا أم لا؟ فأشار عليه الشبان بأن يخرج؛ لأنهم أو كثيرًا منهم لم يخرجوا في غزوة بدر، فأرادوا أن يُعوِّضوا عن تخلّفهم عن غزوة بدر بهذه الغزوة، وقال بعض الصحابة: بل نبقى يا رسول الله في المدينة فإن دخلوا علينا قاتلناهم من على السطوح، وكان رأي النبي ﷺ يميل إلى هذا، ولكنه دخل بيته عليه الصلاة والسلام، ثم عزم على أن يخرج، ولبس لأمة الحرب وخرج، فكأنهم أرادوا أن يرجع عن عزيمته، وقالوا: استكرهنا رسول الله ﷺ فقالوا له، فقال: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ لَبِسَ لَأمَةَ الْحَرْبِ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوُّهِ»[[أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١٣٢٨١) من حديث عروة بن الزبير، وأخرجه في الدلائل (١١٤٢) من حديث الزهري.]] هكذا أو نحوه، فخرج، فالذين قالوا: نبقى في المدينة هم الذين قالوا: ﴿لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا﴾، يعني لبقينا في المدينة ولم نُقتل.
قال الله عز وجل: ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ [آل عمران ١٥٤] ﴿قُلْ﴾ -يعني يا محمد- لهؤلاء الذين قالوا: ﴿لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا﴾ ﴿لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ أي: بقيتم فيها ولم تخرجوا، ليس في مدينتكم فحسب بل في بيوتكم، في قعر البيت: ﴿لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ شوف في البيوت فيه اختفاء، لبرز فيه ظهور؛ يعني أن اختفاءكم وبقاءكم في بيوتكم لا يمنع أن تبرزوا إلى مضاجعكم حيث كُتب عليكم القتل.
وقوله: ﴿فِي بُيُوتِكُمْ﴾ فيها قراءتان سبعيتان: ضم الباء وكسرها،﴿فِي بُيُوتِكُمْ﴾، ﴿فِي بِيُوتِكُمْ﴾ ، وفي ﴿كُتِبَ عَلَيْهِمُ﴾ ثلاث قراءات: ﴿عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ﴾ ﴿عَلَيْهُمُ الْقَتْلُ﴾ ﴿عَلَيْهِمِ الْقَتْلُ﴾ كسر الهاء والميم، وضم الهاء والميم، وكسر الهاء مع ضم الميم، ثلاث قراءات: ﴿عَلَيْهِمِ الْقَتْلُ﴾ ﴿عَلَيْهُمُ الْقَتْلُ﴾ ﴿عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ﴾ ثلاث قراءات سبعيّات؛ يعني: ﴿لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ﴾ وهذه (لو) شرطية، فعل الشرط: ﴿كُنْتُمْ﴾ وجوابه: ﴿لَبَرَزَ﴾.
وقد مر علينا أن (لو) تأتي شرطية، وتأتي للتمني، مثل قوله تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم ٩] يعني: ودّوا أن تدهنوا فتكون مصدرية.
يقول عز وجل: ﴿لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ﴾ [آل عمران ١٥٤] كُتب عليهم القتل كتابة قدرية لا كتابة شرعيّة، كذا؟ فهي كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء ١٠٥] هذه كتابة قدرية، أما قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة ١٨٣] فهي كتابة شرعية بمعنى (فُرض).
وقوله: ﴿إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ أي: مكان الاضطجاع؛ لأن الميت يُضجع في قبره، ولكنه اضطجاع إلى أمد، إلى أن يُبعث يوم القيامة، فإن الاضطجاع في القبور ليس هو آخر شيء، ولما سمع أعرابي رجلًا يقرأ قول الله تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (٢)﴾ [التكاثر ١، ٢] قال: والله ما الزائر بمقيم، شوف كيف فهم الأعراب! والله ما الزائر بمقيم، فاستدل بهذه الآية على أنه لا بد من مفارقة لهذه المقابر، وذلك في البعث. وقوله: ﴿إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ قلت: محل اضطجاعهم الذي يُدفنون فيه.
﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ [آل عمران ١٥٤]. قوله: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ﴾ الواو حرف عطف، واللام لام التعليل، ولهذا يجب كسرها، ولا يجوز أن تسكّنها؛ يعني لا يجوز أن تقرأ: ولْيبتلي، بل يجب أن تقول: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ﴾؛ لأن لام التعليل مكسورة بكل حال، بخلاف لام الأمر فإن لام الأمر تُسكّن إذا وقعت بعد حرف العطف: الواو، والفاء، وثُمّ، قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [الحج ٢٩] ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس ٥٨]، أما لام التعليل فإنها مكسورة دائمًا، ولو بعد الواو، أو ثم، أو الفاء، يقول: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ﴾.
الواو حرف عطف فأين المعطوف عليه؟ وليبتلي؟
* طالب: مُقدّر.
* الشيخ: مقدر، وأيش التقدير؟
* الطالب: فعل ذلك؟
* الشيخ: فعل ذلك؟
* الطالب: فعل ما فعل ليتبيّن.
* الشيخ: والواو حرف عطف، لا بد أن يكون معطوف عليه.
* طالب: على كَتب.
* الشيخ: كُتب ﴿لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ لا، ما يستقيم.
* طالب: معنى الآية (...) لتعلموا كمال سلطانه.
* الشيخ: لا بد أن يكون..
* طالب: لتعلموا تمام علمه وليبتلي الله ما في صدوركم.
* طالب آخر: أثابكم ذلك الغم.
* الشيخ: هذا على كل حال بعيد؛ يعني بمعنى أن السياق بعيد، وإلا قد قيل به.
* طالب: معطوفة على قوله: ﴿لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ [آل عمران ١٥٣].
* الشيخ: لا، بعيدة.
* طالب: شيخ، الواو استئنافية.
* الشيخ: لا، يقولون: إن المعطوف عليه مقدّر، التقدير: فعل ما فعل ليتبين لكم ما حصل بسبب عصيانكم وليبتلي، فالمقدّر الآن عِلّة ومعلول لأجل أن يصح عطف العِلّة الثانية على العِلّة التي حُذفت مع معلولها.
وقوله: ﴿لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ يبتلي بمعنى (يختبر ويمتحن). و﴿مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ هي القلوب؛ لقول الله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج ٤٦].
﴿وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [آل عمران ١٥٤] قوله: ﴿وَلِيُمَحِّصَ﴾ معطوفة على (يبتلي)، والتمحيص بمعنى (التخليص)، محصَّه أي: خلّصه، يُخلّص ما في قلوبكم من كل ما يكون فيه إرادات سيئة كقوله: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ [آل عمران ١٥٢] أو فيه شيء من التسخّط على القدَر أو غير ذلك مما يُفسد ما في القلب.
وقوله: ﴿مَا فِي قُلُوبِكُمْ﴾ إذا قال قائل: ذكرتم أن ما في الصدور هي القلوب، وأن التمحيص أيضًا للقلوب، فيكف كان ذلك؟
نقول: نعم؛ لأن الابتلاء غير التمحيص؛ الابتلاء اختبار، والتمحيص تنقية، ولهذا اختلف التعبير فقال: ﴿لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ﴾، ولم يقل: ما في صدوركم بل قال: يمحص ما في قلوبكم من الأذى الذي يضركم في دينكم؛ لأن كراهة ما وقع أو إرادة ما لا ينبغي إرادته، أين تكون؟ تكون في القلب، ولهذا كان التمحيص على ما في القلب أو كان التمحيص لما في القلب لا للقلب نفسه، والابتلاء للقلب نفسه، يبتلي ما في صدوركم ويمحص ما في القلوب؛ يُنقي، فاختلف الموْرِد، المورد في الأول القلب، وفي الثاني ما في القلب.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ الجملة هذه استئنافية لبيان إحاطة علم الله بما في القلب ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ [ق ١٦، ١٧]، وفائدة ختم الآية بها أنه لما بيّن أن الله تعالى قدّر ما قدر لهاتين الحكمتين؛ الابتلاء والتمحيص بيّن أنه بعد ذلك سيعلم ماذا يكون في القلب بعد هذا الابتلاء وهذا التمحيص.
نرجع الآن إلى بيان الفوائد؛ قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا﴾ [آل عمران ١٥٤].
* من فوائد هذه الآية: أن الله عز وجل هو الذي يجلب للمرء النوم أو يرفعه عنه؛ لقوله: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا﴾، ولكن الله بحكمته جعل للنوم أسبابًا، فالإنسان مثلًا إذا اضطجع واسترخى أتاه النوم، وإذا انشغل قلبه واهتم لأمر ما فإنه لا يأتيه النوم، وهذا كغيره من الأشياء التي تكون بإرادة الله، ولكن لها سبب.
* ومن فوائد هذه الآية: أنك إذا أَرِقت ولم يأتِك النوم في الليل فالجأ إلى الله عز وجل، الجأ إلى الله، واسأله أن يُذهِب عنك الأرق، وادعُ بما وردَت به السنة من دعاء الأرق المشهور.
* ومن فوائد هذه الآية: أن النعاس قد يكون محمودًا ويعتبر من النِّعم؛ لقوله: ﴿أَمَنَةً نُعَاسًا﴾، قال العلماء: النعاس في الحرب نِعمة، والنعاس في العلم؟
* طالب: نقمة.
* الشيخ: ما نقول: نقمة، لكن نقول: مذموم؛ يعني محمود في الحرب ونِعمة، أما في العلم فإنه مذموم، وكذلك أيضًا في الصلاة، ولكنه إذا غلب على الإنسان فإنه لا يؤاخذ به، إلا أن النبي ﷺ «أمَر الإنسانَ إذا أصابه النُّعاسُ في الصلاةِ أن يَضطجعَ وأن يستريحَ»[[متفق عليه؛ البخاري (١١٥٠)، ومسلم (٧٨٤ / ٢١٩) من حديث أنس بن مالك.]] قال:[[متفق عليه؛ البخاري (٢١٢)، ومسلم (٧٨٦ / ٢٢٢) من حديث عائشة، ولفظه: «إذا نعسَ أحدُكم وهو يصلّي فليرْقُد، حتى يذهب عنهُ النوم، فإنَّ أحدََكم إذا صلّى وهو ناعِس، لا يدري لعلّه يستغفِر فيسبّ نفسه».]] «فلعلَّه يذهب ليدعو لنفسه فيكون الأمر بالعكس».
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن النعاس الذي أصابهم إنما أصاب المؤمنين الخلَّص؛ لقوله: ﴿يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ [آل عمران ١٥٤].
* ومن فوائد الآية: أنه قد يُوجد في الكُمَّل من المؤمنين شيء من العيوب كالأنانية، فإن قوله: ﴿قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ يدل على أنانيته، وأنهم ليس لهم هَمّ إلا أنفسهم، والذي يليق بالمؤمن أن يكون همه في مثل هذه المواطن نُصرة الإسلام وعِزّة الإسلام، وأن يبيع نفسه لله.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الإنسان الذي لا يكون له همّ إلا نفسه في هذه المواطن قد يُبتلى -والعياذ بالله- بهذه البلوى العظيمة، وهي أن يظنوا بالله غير الحق: ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ﴾، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أنواعًا كثيرة من الظن بالله غير الحق؛ منها: أنهم ظنوا أن هذه الهزيمة لا انتصار بعدها، وهذا ظن سوء، كل من ظن أن الله يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة فقد ظن بالله ظن السوء، ومن أراد أن يرجع إلى كلام ابن القيم في زاد المعاد فهو كلام جيد، لم يوجد لا في كتب التفسير ولا في كتب التاريخ.
* ومن فوائد هذه الآية: ذمّ من ظن بالله غير الحق؛ لأن الله ذكر هذا في سياق ذم هؤلاء الذين ليس لهم هَمّ إلا أنفسهم، فإذا كان من ظن بالله غير الحق مذمومًا كان من ظن به ظن الحق محمودًا.
* ومن فوائد الآية: أنه لا يظن أحد بالله ظن غير الحق إلا وهو جاهل؛ لقوله: ﴿ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ فكل من ظن بالله غير الحق فإنه -بلا شك- جاهل لم يقدر الله حق قدره.
* ومن فوائد هذه الآية: أن هؤلاء أنكروا ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام من الخروج إلى أُحُد، لكنه على وجه خفي؛ لقولهم: ﴿هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ﴾ لأنه على زعمهم لو كان لهم شيء من الأمر ما قُتلوا.
* ومن فوائد هذه الآية: بيان أن الأمر كله لله؛ الأمر الشرعي والأمر الكوني، كله لله عز وجل، ليس لأحد مع الله أمر، فكل الأمر لله؛ لقوله: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه يجب على الإنسان أن يُنكر المنكر بذكر الحق؛ لأن الله قال: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ والأمر في قوله: ﴿قُلْ﴾ أدنى أحواله أن يكون للاستحباب.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن النبي ﷺ لا يعلم الغيب؛ لقوله: ﴿يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ﴾؛ لأنه لو كان يعلم الغيب لكان يعلم ما يُخفون وإن لم يبدوه، ولكن النبي ﷺ لا يعلم الغيب، لا في حياته ولا بعد مماته، وإذا كان لا يعلم الغيب في حياته فعدم علمه الغيب في مماته من باب أوْلى، وقد صرّح الله بذلك حيث أمره أن يقول: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾ أمره الله أن يعلن هذا، وقد أعلنه، أعلنه عليه الصلاة والسلام على الملأ، لم يكتم شيئًا مما أوحاه الله إليه، ومنه هذا.
* ومن فوائد هذه الآية: التنديد بمن يعترضون على القدر؛ لقوله: ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا﴾ إلى آخره [آل عمران: ١٥٤].
* ومن فوائد هذه الآية: أن (لو) بعد القَدَر لا تفيد شيئًا؛ لقوله: ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾.
* ومن فوائدها: أن قضاء الله لا مفرّ منه؛ لقوله: ﴿قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه قد يكون فيها إشارة إلى أن الشهداء يُدفنون في مكان استشهادهم؛ لقوله: ﴿لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ أي: في أماكن قتلهم، وهذا إن لم تفده هذه الآية فقد استُفيد من السنة، فإن قومًا من الصحابة حملوا قتلاهم في أُحُد لدفنهم في المدينة فأمر النبي ﷺ بردّهم إلى مصارعهم يُدفنون هناك، فدُفنوا في أُحُد.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الحكمة في أفعال الله، من أين تؤخذ؟ ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ والنصوص في إثبات حكمة الله لا تُعدّ ولا تُحصى، بل حتى الأمور الكونية التي لا حصر لها كلها تفيد إثبات حكمة الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن العبرة والمدار على القلوب التي في الصدور؛ لقوله: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾.
وقد بينّا فيما مضى أن أحكام الدنيا على الظواهر وأحكام الآخرة على البواطن، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إذا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ﴾ [العاديات ٩، ١٠] وقوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩)﴾ [الطارق ٨، ٩]، ولأن النبي ﷺ كان لا يقتل المنافقين وهو يعلم ببعضهم ويقول: «لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٥١٨)، ومسلم (٢٥٨٤ / ٦٣) من حديث جابر.]] إجراءً لهم على أيش؟ على ظاهرهم؛ ولأنه لو رُجع إلى الباطن في أحكام الدنيا لسادت الفوضى بين الأمة؛ لأن كل إنسان قد يقتل الشخص أو يؤدّبه ويعزّره ويقول: إن قلبه منطوٍ على الكفر والنفاق، ويحصل في هذا من الشر ما لا يمكن أن تعيش الأمة به، ولكن الله بحكمته ورحمته جعل أحكام الدنيا على الظواهر.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الله تعالى قد يَبتلي عباده بما ينقّي قلوبهم ويخلّصها من الشوائب؛ لقوله: ﴿وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ﴾، والتمحيص -كما قلنا- هو التنقية.
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات علم الله بما في القلوب؛ لقوله: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.
* ويتفرع على هذه الفائدة: التحذير من إضمار ما لا يرضى به الله؛ لأنك إذا أضمرت ما لم يرضَ به الله فسوف يحاسبك عليه وإن كان لا يبدو للناس، فعلى المرء أن يحاسب نفسه دائمًا وينظر ما في قلبه، هل في قلبه الخير وإرادة ما يُرضي الله أو أن الأمر بالعكس؟ فليصحّح الوضع.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾.
* طالب: ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا﴾ فالمراد من الأمر هنا واحد من الأوامر ولَّا واحد من الأمور؟
* الشيخ: واحد الأمور.
* الطالب: تأتي بمعنى الشأن؟
* الشيخ: من الشأن؛ يعني لو كان النظر مشورة ورأي ما قُتلنا هاهنا.
* طالب: شيخ، قول يعني المفسرين في قولهم في هؤلاء الذين يقولون، ويظنون هو أنهم بعض المؤمنين ولكن في إيمانهم لبس، والقول الثاني: هو أنهم منافقون، ما الراجح؟
* الشيخ: الراجح الأول.
* الطالب: أنهم مؤمنون.
* الشيخ: الراجح الأول أنهم مؤمنون ضعفاء الإيمان؛ لأنه قال في أول الكلام: ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾ ومثل هذا لا يكون للمنافقين.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، أقول: أحسن الله إليك يعني ما يرجّح أن الذين قالوا هذا الأمر أنهم ضعاف الإيمان أنهم هم الذين حضروا بدرًا، وأشاروا على النبي ﷺ بالبقاء، وأهل بدر ما يمكن أن يصدر منهم نفاق؟
* الشيخ: لا، هم الصحيح أنهم ضعفاء الإيمان، لكن الذين قالوا إنهم منافقون كأنهم استعظموا هذا أن يقع من المؤمنين.
* الطالب: لكن إذا نظرنا إلى الذين قالوا هذا.
* الشيخ: ما نستطيع أن نجزم بأن الذين قالوه هم أهل بدر، قد يكون هم أو غيرهم.
* الطالب: لكن نحن بينا –أحسن الله إليك- في البداية بأن الذي حضروا بدرًا هم الذين أشاروا على النبي ﷺ بالبقاء؟
* الشيخ: نعم، هم الذين أشاروا صحيح، لكن هل أنهم لما رأوا القتال وعزم الرسول ﷺ على ذلك هل يكون هكذا؟ قد لا يكون هذا.
على كل حال ما نجزم أنهم هم الذين حضروا بدرًا، قد يكون الذين حضروا بدرًا لما رأوا النبي ﷺ عزم وصمّم؛ يعني استقامت نيتهم؛ لأن أهل بدر هم من أفضل الصحابة.
* طالب: هل يجوز يا شيخ الحكم على الأشخاص بغلبة الظن؟
* الشيخ: بأيش؟
* الطالب: بغلبة الظن.
* الشيخ: يقول العلماء: يحرم ظن السوء بمسلم ظاهره العدالة، فإذا لم يكن ظاهره العدالة ووُجدت قرائن فلا حرج؛ لأن الله يقول: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾، ثم يقول: ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ ولم يقل: اجتنبوا الظن كله، بل قال: كثيرًا منه، ولم يقل: إن الظن إثم، بل قال: ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾.
* طالب: شيخ، في الحديث أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» »[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢٦٩)، ومسلم (١٢٧ / ٢٠١)، من حديث أبي هريرة.]]. قلنا: إن في الآية فائدة: هو أن الإنسان يحب عليه (...)؟
* الشيخ: إي نعم؛ يعني مما يحاسب عليه؛ لأن حديث النفس ما يعتمده الإنسان.
* الطالب: لكن (...) في نفس الوقت.
* الشيخ: إي، لكن ما يعتمده، لو اعتمده صار عملًا، أما مجرد الحديث والهواجس، فتكون ما نفعل، ما هو بشيء.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨)﴾ [آل عمران ١٥٥ - ١٥٨].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾.
يقول الله عز وجل: ﴿يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [آل عمران ١٥٤] ما المراد بهذا الاستفهام؟
* طالب: إنكاري، استفهام إنكاري.
* الشيخ: ويش معنى الإنكاري؟
* الطالب: يعني يقولون: لو كان لنا من الأمر شيء ما..
* الشيخ: ﴿هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ [آل عمران ١٥٤].
* الطالب: نعم، هذا من كلامهم ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾.
* الشيخ: خلِّ هذه اللي قبلها ﴿هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ﴾ ما المراد بالاستفهام؟
* الطالب: إنكاري؛ يعني ينكرون يقولون: ما لنا من الأمر شيء.
* الشيخ: يعني نفي؟
* الطالب: نفي نعم.
* الشيخ: نفي، إذا كان نفيًا فكيف صحّ أن يُقال: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ لأنه إذا كان نفيًا فقد أقرّوا بأنه ليس لهم من الأمر شيء فيكون الأمر لله.
* الطالب: يعني لا ينفوا، بس يقولون: (...) ما لنا من الأمر شيء، فقال الله سبحانه وتعالى: ﴿الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾.
* الشيخ: لكن إذا جعلتها بمعنى النفي كان قوله: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ لا يصح أن يكون ردًّا عليهم؟
* طالب: هذا إنكار، الاستفهام للإنكار، سببه.
* الشيخ: لكن ويش معنى الإنكار هل معناه النفي كما قال؟
* الطالب: لا، لا، ليس معناه النفي، إنما أنكروا أنه لم يُرجع إليهم فيردّ إليهم الأمر في شأن الحرب.
* الشيخ: إي، يعني كأنما يريدون تبرئة أنفسهم.
ما المراد بالأمر في قوله: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ واحد الأوامر، أو واحد الأمور؟
* طالب: الأمر هنا؟
* الشيخ: إي، ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ هل المراد الأمر اللي هو ضد النهي وهو واحد الأوامر أو المراد واحد الأمور؟
* الطالب: واحد الأمور.
* الشيخ: واحد الأمور؟ ما تقولون؟
* طالب: المراد من الأمر عام قدريًّا كان أو كونيًّا.
* الشيخ: يعني يشمل الأمور، واحد الأمور وواحد الأوامر؟
* الطالب: نعم، عام.
* الشيخ: لكن السياق يقتضي أن يكون واحد الأمور.
قوله: ﴿يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ﴾ ما الذي يخفونه؟
* طالب: ﴿يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ﴾.
* الشيخ: نعم، ما الذي يخفونه؟
* الطالب: يعني إنكارهم على القيادة.
* الشيخ: كيف إنكار أيش؟
* الطالب: الإنكار أنه لم يرد لهم من الأمر شيء ولم يأخذ رأيهم في الحرب.
* الشيخ: ما في الآية بيان لهذا الشيء؟
* طالب: قول الله عز وجل: ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾.
* الشيخ: ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا﴾. إذا كان هكذا فيكف صح أن يقال: إنه يُخفون في أنفسهم؟
* طالب: يعني يخفون في أنفسهم المراد، لا أنهم يخفونه لا يبدونه، وإنما يكون بين هذه الطائفة مجموعة أنكرت على القيادة هذا الشيء، فهم يخفون هذا الأمر في أنفسهم؛ يعني في هذه الطائفة، ولا يظهرونه إلى النبي ﷺ والطائفة الأخرى التي غشيهم النعاس.
* الشيخ: يعني فيما بينهم؟
* الطالب: فيما بينهم.
* الشيخ: فيما بينهم، يخفونه فيما بينهم، ولكنهم يخاطب بها بعضهم بعضًا.
قول الله عز وجل: ﴿لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ﴾ ما المراد بالكتابة هنا الشرعيّة أو الكونيّة؟
* طالب: الكونيّة.
* الشيخ: الكونيّة، أحسنت، طيب هل تستطيع أن تأتي بمثال للكتابة الكونيّة غير هذه الآية؟
* طالب: شيخ، قول الله عز وجل: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء ١٠٥].
* الشيخ: نعم، أحسنت. قوله تعالى: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ﴾ ما معنى يبتلي؟
* طالب: الابتلاء هو الاختبار.
* الشيخ: نعم، وكيف كان ابتلاءً، وبماذا يبتلون؟
* الطالب: ابتلاهم الله بالهزيمة.
* الشيخ: نعم، وما الذي يظهر بهذا الابتلاء، يظهر أيش؟
* طالب: يظهر صدق المؤمن.
* الشيخ: يظهر صدق المؤمن مِن؟
* الطالب: من المنافق.
* الشيخ: من المنافقين. ﴿وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ﴾؟
* طالب: التمحيص للقلب؛ أي: يخلّصها.
* الشيخ: ينقّيها مما فيها من الدَّغل والكراهة لما وقع وما أشبه ذلك، أحسنت.
{"ayahs_start":153,"ayahs":["۞ إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰۤ أَحَدࣲ وَٱلرَّسُولُ یَدۡعُوكُمۡ فِیۤ أُخۡرَىٰكُمۡ فَأَثَـٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمࣲّ لِّكَیۡلَا تَحۡزَنُوا۟ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَاۤ أَصَـٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ","ثُمَّ أَنزَلَ عَلَیۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةࣰ نُّعَاسࣰا یَغۡشَىٰ طَاۤىِٕفَةࣰ مِّنكُمۡۖ وَطَاۤىِٕفَةࣱ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ یَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِۖ یَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَیۡءࣲۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ یُخۡفُونَ فِیۤ أَنفُسِهِم مَّا لَا یُبۡدُونَ لَكَۖ یَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَیۡءࣱ مَّا قُتِلۡنَا هَـٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِی بُیُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِینَ كُتِبَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِیَبۡتَلِیَ ٱللَّهُ مَا فِی صُدُورِكُمۡ وَلِیُمَحِّصَ مَا فِی قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ"],"ayah":"ثُمَّ أَنزَلَ عَلَیۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةࣰ نُّعَاسࣰا یَغۡشَىٰ طَاۤىِٕفَةࣰ مِّنكُمۡۖ وَطَاۤىِٕفَةࣱ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ یَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِۖ یَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ مِن شَیۡءࣲۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ یُخۡفُونَ فِیۤ أَنفُسِهِم مَّا لَا یُبۡدُونَ لَكَۖ یَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَیۡءࣱ مَّا قُتِلۡنَا هَـٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِی بُیُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِینَ كُتِبَ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِیَبۡتَلِیَ ٱللَّهُ مَا فِی صُدُورِكُمۡ وَلِیُمَحِّصَ مَا فِی قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق