الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ﴾ إلى آخره.
﴿سَنُلْقِي﴾ الفاعل هو الله عز وجل، وعبّر عن نفسه تعالى بفعل يقتضي الجمع مُريدًا بذلك التعظيم؛ أي: سنلقي نحن، ولا يمكن أن يُراد به إلا ذلك؛ لأن الله واحد ليس متعددًا، فلا يمكن أن يكون معه أحد، بخلاف غيره فإنك إذا قلت لشخص: سنأتيك، يحتمل أنك أردت التعظيم، ويحتمل أنك أردت الجمع، لكن بالنسبة لله عز وجل لا يمكن أن يُراد الجمع الذي هو التعدّد، وإنما يراد به التعظيم، ويدل لهذا قوله تعالى في سورة الأنفال: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ [الأنفال ١٢] فالله سبحانه وتعالى هو الْمُلقي، لكنه يذكر نفسه تعالى أحيانًا بصيغة الإفراد؛ لأنه واحد، وأحيانًا بصيغة الجمع؛ لأنه عظيم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويحتمل أنه يذكر نفسه بصيغة الجمع لما له من الجنود العظيمة التي لا يعلمها إلا هو، فيكون هذا إشارة إلى أنه ذو عظمة وسلطان وجنود تفعل ما يأمر به جل وعلا.
وقوله: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ السين تدخل على الفعل المضارع وتفيد أمرين:
الأول: القرب، والثاني: التحقق، فهي تفيد التحقيق من وجه، وتفيد القرب من وجه آخر، بخلاف (سوف) فإنها تفيد التحقيق وتفيد الإمهال، ولهذا يكون (سوف) للتسويف، و(السين) للتنفيس؛ أي: القرب.
﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ فيها قراءتان: ﴿الرُّعُبَ﴾ و﴿الرُّعْبَ﴾ وهذا يوجد في اللغة العربية كثيرًا؛ يعني التسكين للتخفيف، والحركة على الأصل، مثل: النهْر والنهَر، هذه: ﴿الرُّعْبَ﴾ و﴿الرُّعُبَ﴾ والمعنى واحد، والرُّعْب: أشد الخوف، وإنما ذكر الله عز وجل أنه يلقي الرعب في القلب؛ لأن القلب إذا دخله الرعب فإنه لا يُمكن أن يثبت البدن، لو ثبت البدن أو حاول الإنسان الثبات فإن قلبه من الرعب سوف يحمله عن الأرض حملًا ويفرّ، ولا يمكن أن يبقى، ولهذا نجد بني النضير لما ألقى الله في قلوبهم الرعب ماذا صنعوا؟ صار الواحد منهم ينجو بنفسه، حتى إنهم كانوا من شدة خوفهم يحملون يعني الأمتعة ويكسّرون البيوت، يعني ما يقلعون الأبواب على تؤدة وطمأنينة من شدة الرعب الذي أصابهم، والرعب أقوى سلاح يكون على العدو، فإذا ألقى الله الرعب في قلب العدو فإنه لن يبقى.
﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ﴾
(الباء) هنا للسببية؛ أي بسبب شركهم بالله، و(ما) يسميها العلماء مصدرية أي: بشركهم، وعلامة ما المصدرية أن يصح تحويل ما بعدها إلى مصدر، إذا صح تحويل ما بعدها إلى مصدر فهي مصدرية، وقد ذكروا أن لـ(ما) عدة معانٍ، ذكروا لها معاني عشرة، مجموعة أو مشارًا إليها في بيت من الشعر محفوظ عندكم إلا أن تكونوا قد نسيتموه؟
* طالب: ؎سَتَفْهَمُ شَرْطَ الْوَصْلِ فَاعْجَبْ لِنُكْرِهَا ∗∗∗ بِكَفٍّ وَنَفْيٍ زِيدَ تَعْظِيمُ مَصْدَرِ* الشيخ:
؎سَتَفْهَمُ شَرْطَ الْوَصْلِ فَاعْجَبْ لِنُكْرِهَا ∗∗∗ بِكَفٍّ وَنَفْيٍ زِيدَ تَعْظِيمُ مَصْدَرِ
الأخير هو المثال الذي معنا: ﴿بِمَا أَشْرَكُوا﴾. ﴿بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ﴾ أي: بشركهم بالله؛ حيث جعلوا لله تعالى شركاء، ولكن هؤلاء الشركاء الذين جعلوهم مع الله إنما جعلوهم شركاء في العبادة لا في الربوبية، ولهذا كان شِرك العرب شركًا في الألوهية لا في الربوبية ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [الزخرف ٩]، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف ٨٧]، ﴿قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ [المؤمنون ٨٤، ٨٥]، فهم يُقرّون بأن الله هو الخالق، وأن ما في الكون ملكه، لا يُنكرون هذا، لكنهم يشركون في العبادة، فيعبدون مع الله غيره، ومع ذلك يدّعون أنهم يعبدون هذه الأصنام لتكون شفعاء لهم عند الله، فهم يقرّون أيضًا أنها دون مرتبة الله لكن يعبدونها ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ﴾، يعني يقولون: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر ٣].
يقول: ﴿بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ (ما) تحتمل أن تكون اسمًا موصولًا؛ أي: الذي لم ينزل به سلطانًا، وتحتمل أن تكون نكرة موصوفة، أي: شيئًا لم يُنَزِّل به سلطانًا، والمعنى لا يختلف على التقديرين.
وقوله: ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ﴾ فيها قراءتان: ﴿يُنَزِّلْ﴾ و﴿يُنْزِلْ﴾ أي: بالتشديد والتخفيف.
وقوله: ﴿سُلْطَانًا﴾ أي: حُجّة وبرهانًا، فيجعلون لله شركاء لم ينزل الله بهم سلطانًا، أي: ليس لهم بهم حُجّة.
وقوله: ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ القيد هنا لبيان الواقع وليس للاحتراز، لبيان الواقع؛ أي: أن واقع هؤلاء الشركاء أنه لا سلطان لشركهم ولا دليل، وليس المعنى أنهم يشركون ما لم ينزل به، ولو أشركوا ما نزل به لكانوا على صواب، لا؛ لأنه لا يمكن أن يأتي سلطان -أي حجة- على أن الله له أيش؟ شركاء.
فإذا قال قائل: ما الفائدة من ذكر هذا الوصف الذي يُبيّن الواقع؟
قلنا: الفائدة في ذلك: إقامة الحُجّة على أنه ليس لهم دليل في إشراكهم به، ليس لهم دليل؛ لأنهم بنوا على غير سلطان وعلى غير حُجّة، فإذا كان كذلك فالغرض من هذا التنفير عن هذا الإشراك، عكس ذلك أن يأتي وصف لبيان الواقع من أجل الحث والإغراء على لزوم الحكم كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ [الأنفال ٢٤] فإن الرسول ﷺ لا يدعو الخلق إلى ما يميتهم وإنما يدعوهم إلى ما يحييهم، فالقيد إذن لبيان الواقع، ولكن جيء به للحث والإغراء على إجابة دعوته، كما أن القيد الذي في الآية هذه: ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ لبيان بطلان هذا الإشراك، وأنه ليس له دليل.
قال: ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ واعلم أن السلطان ما كان له سلطة، فالدليل يُسمى سلطانًا، والأمير على القوم يسمى سلطانًا، وولاية الرجل على أهله سلطان، وهكذا كل ما كان له سلطة فإنه يسمى سلطانًا.
قد يكون السلطان بمعنى القدرة على الشيء مثل قوله تعالى: ﴿لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ [الرحمن ٣٣] أي: بقدرة، ولا قدرة لكم على نفوذ أقطار السماوات والأرض.
قال: ﴿وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ ﴿مَأْوَاهُمُ﴾ أي: مرجعهم النار، فهم -والعياذ بالله- مغلوبون في الدنيا وفي الآخرة؛ في الدنيا يُلقي الله في قلوبهم الرعب، فلا يقرّون ولا يستقرّون، في الآخرة مأواهم النار، والنار هي الدار التي أعدّها الله عز وجل لأعدائهم يعذبهم بها، وهي موجودة الآن، عرضت على النبي ﷺ في صلاة الكسوف حتى إنه تأخّر مخافة أن يصيبه من وهجها عليه الصلاة والسلام، ورأى فيها من يُعذّب[[متفق عليه؛ البخاري (١٠٥٢)، ومسلم (٩٠٧ / ١٧) من حديث عبد الله بن عباس.]].
﴿وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ (بئس): فعل جامد لإنشاء الذم ويقابله (نِعْمَ)، وهذا الفعل يحتاج إلى فاعل وإلى مخصوص، فما فاعله؟ مثوى، وما المخصوص؟ محذوف، والتقدير: هي أو النار، وبئس مثوى الظالمين النار.
وقوله: ﴿مَثْوَى﴾ المثوى: المستقَرّ الذي يثوي إليه الإنسان ويستقرّ فيه كالمسكن مثلًا.
* في هذه الآية الكريمة عدة فوائد:
* الفائدة الأولى: إثبات الأفعال الاختيارية لله؛ لقوله: ﴿سَنُلْقِي﴾.
ثانيًا: أن من كمال الله عز وجل تجدّد أفعاله التي تكون تابعة لإرادته وحكمته؛ لأن إلقاء الرعب في قلوب هؤلاء حادث أو قديم؟
* طلبة: حادث؟
* الشيخ: حادث، كيف؟
* طالب: مستقبل.
* الشيخ: لأنه سنلقي في المستقبل، ثم هؤلاء متى وُجدوا؟ هل هم أزليون؟ هم حادثون، وقلوبهم حادثة، والرعب الذي يلقى فيها حادث، وبه نرد على من أنكروا أفعال الله الاختيارية، وقالوا: إن الله سبحانه وتعالى ليس له أفعال حادثة، زعمًا منهم أن الفعل الحادث لا يقوم إلا بحادث، فيلزم من هذا إنكار صفة القِدم عن الله، هذا على زعمهم، ونحن نقول: هذه دعوى باطلة، من يقول: إن الفعل الحادث لا يقوم إلا بحادث؟ نحن نشاهد أفعالًا لنا لم تكن قديمة كقِدمنا، أليس كذلك؟ فالإنسان يتعشى اليوم غير عشائه بالأمس، فهذا فعل حادِث في محدَث، فلا يلزم أن يكون الفعل مقارنًا للفاعل أبدًا لوجود الفاعل؛ إذن نقول: في هذه الآية ردّ على هؤلاء الذين ينكرون قيام الأفعال الاختيارية بالله عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية: بيان عظمة الله، بيان عظمة الله من أين تؤخذ؟
* طالب: عظمة الله يعني (...).
* الشيخ: بيان عظمة الله.
* الطالب: ﴿سَنُلْقِي﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿سَنُلْقِي﴾ فإن هذه الصيغة تدل على العظمة أو التعدّد، والتعدّد في حق الله محال، فتعيّن أن تكون للتعظيم.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أن محل الإرادة والتدبير للبدن هو القلب؛ لقوله: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ وليس المحل هو الدماغ كما هو مشهور عند فلاسفة اليوم، فإن الدماغ في الحقيقة لا يدبِّر، الدماغ يتصوّر، ثم يرسل الصورة إلى القلب، والقلب يحكم، الدماغ بمنزلة ما يسمونه بالسكرتير، يجهّز الأوراق ويصلّحها، ثم يرسلها إلى الملك ويقول: ماذا تأمر؟ والدليل على هذا..
فإن الدماغ في الحقيقة لا يدبر، الدماغ يتصور ثم يرسل الصورة إلى القلب، والقلب يحكم، الدماغ بمنزلة ما يسمونه بـ (السكرتير) يجهز الأوراق ويصلحها ثم يرسلها إلى الملك ويقول: ماذا تأمر؟
والدليل على هذا قوله تبارك وتعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج ٤٦] نص واضح أن العقل يكون بالقلب وأن محل هذا القلب هو الصدر، وبهذا نرد على من قالوا: إن المراد بقوله: ﴿قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ [الحج ٤٦] القلوب المعنوية وهي الدماغ؛ نقول: كيف الله يقول: ﴿وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج ٤٦]؟ نص صريح.
ثم السنة أيدت هذا فقال النبي ﷺ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلُبُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩ / ١٠٧) من حديث النعمان بن بشير.]] فالتدبير للقلب والتصور للدماغ.
قال الإمام أحمد رحمه الله: العقل بالقلب وله اتصال بالدماغ، واتصاله هو ما ذكرنا أن الدماغ يتصور ثم يرسل إلى القلب، والقلب يأمر بواسطة الدماغ، والدماغ يحرك الأعصاب؛ وبهذا التقرير يتبين لنا أن ما جاء به القرآن والسنة في هذه المسألة لا يخالف ما كان معروفًا عند الأطباء اليوم.
* من فوائد الآية الكريمة: أن إلقاء الرعب في قلب الأعداء من أكبر النصر؛ لقوله: ﴿وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾ [آل عمران ١٥٠]، ثم قال أيش؟ ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ [آل عمران ١٥١]، فالرعب من أقوى أسباب النصر وهو أمر معروف.
هذا الرعب هل هو خاص في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أو يشمل ما يحصل لأعداء أتباعه إلى يوم القيامة؟ الثاني هو الثابت؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٣٥)، ومسلم (٥٢١ / ٣) من حديث جابر بن عبد الله.]].
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات الأسباب؛ لقوله: ﴿بِمَا أَشْرَكُوا﴾ لأن الباء للسببية، وإثبات الأسباب هو الحق، والأسباب إما شرعية وإما حسية، وإنكارها سفه في العقل وضلال في الدين؛ لأن النصوص قد تكاثرت وتجمعت على إثبات الأسباب؛ دخول الجنة لا يحصل إلا بسبب، والنجاة من النار لا يحصل إلا بسبب، الولد لا يحصل إلا بسبب، الرزق لا يحصل إلا بسبب، كل شيء لا بد له من سبب؛ فإنكار الأسباب ضلال في الدين وسفه في العقل.
ومن العجب أن الأشاعرة ومن نحا نحوهم في هذا الباب يقولون: إن الله تعالى يوجد الأشياء بلا واسطة، وتقع الأشياء بتدبيره مباشرة بلا واسطة. لأنهم يقولون: لو أثبتنا الواسطة وجعلنا لها تأثيرًا لكان هذا نوعًا من الشرك بالله؛ فمثلا يقولون: لا أثر للسكين في قطع اللحم، ولا أثر للحجر في كسر الزجاجة، كيف؟ يعني إنسان أتى بلحم وجعل يقطعه بالسكين، يقول: لا أثر للسكين في قطع اللحم، من القاطع؟ الله.
إنسان رمى زجاجة بحجر فانكسرت، لا أثر للحجر في كسر الزجاجة، من اللي كسرها؟ الله، لأنك لو قلت: إن السكين قطعت اللحم أشركت بالله، لو قلت: إن الحجر كسر الزجاجة أشركت بالله؛ إذنْ الأسباب لا تؤثر.
كيف ما تؤثر، نحن نشاهد هذا؟ قالوا: هذا خلقه الله عندها لا بها، سبحان الله ! لو أتيت بعصا ما هو سكين وأردت تقطع اللحم؟ ما يقطع.
لو أرسلت ريشة على زجاجة ولصقت بها من شدة حَذْفِك إياها، تكسرها؟ لا تكسرها؛ إذنْ لا يمكن أن ننكر هذا الشيء، هذا سفه في العقل.
لكننا نقول: هذه الأسباب لا يوجد بها المسبب بذاتها، وإنما يوجد بما أودع الله فيها من القوى التي خلقها الله عز وجل، واضح؟ من ذلك الرعب يُلْقَى في قلوب الذين كفروا، لسبب ولَّا لغير سبب؟ بسبب، وهو الإشراك.
* من فوائد هذه الآية الكريمة: أنه إذا كان الرعب يُلْقَى في قلوب الذين كفروا لإشراكهم؛ فإن الأمن يلقى في قلوب الذين آمنوا لتوحيدهم، أليس كذلك؟ لأن ما ثبت للشيء ثبت ضده لضده؛ فإذا ثبت الرعب للكفار بسبب إشراكهم ثبت الأمن للمؤمنين بتوحيدهم، ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام ٨٢] والظلم الشرك كما فسره النبي عليه الصلاة والسلام؛ «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ قال: «إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ: » ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان ١٣]«» »[[متفق عليه؛ البخاري (٣٤٢٩)، ومسلم (١٢٤ / ١٩٧) من حديث عبد الله بن مسعود.]]، إذنْ كلما كان الإنسان أشد إيمانًا بالله وأشدَّ توحيدًا له كان أشد أمنًا واستقرارًا، وهذا شيء مجرب؛ لأن من كان أشد إيمانًا وتوحيدًا لله كان أقوى توكُّلًا عليه، ومن أقوى أسباب الأمن ومصابرة الأعداء أيش؟ التوكل على الله عز وجل، حتى إن من الناس من يقوم توكله على الله مقام الدواء في الشفاء؛ كما قرر شيخ الإسلام رحمه الله وهو واقع، بعض الناس يكون عنده قوة توكل على الله ويشفى بدون علاج، بسبب قوة توكله على الله، وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حينما ذكر أن الدواء بالمحرم ليس ضروريًّا حتى يقال: إن الدواء بالمحرم جائز للضرورة. قال: هذا ليس بضروري. لماذا؟ لأن المريض قد يُشْفَى بدواء آخر، وقد يشفى بالقراءة، قال: وقد يشفى بقوة التوكل على الله، «وقد مرض أبو بكر رضي الله عنه فقيل له: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: إنه قد رآني، وقال: إني أفعل ما أريد».[[أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٣٥٤٤٣)، وهناد بن السري في الزهد (٣٨٢) من حديث أبي بكر.]]، من يعني به؟ الله عز وجل.
فالحاصل أن نقول: إن الإنسان كلما قوى إيمانه بالله وقوي توحيده ازداد أمنًا وطمأنينة واستقرارًا وهذا أمر مشاهد مدرك بحس.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أنه لا دليل لأحد على شركه؛ لقوله: ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾.
* ومن فوائدها: النداء والإعلان عن سفه هؤلاء المشركين لكونهم أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا، لو كان لهم دليل لعذروا، لكن لا دليل لهم، وهذا نداء عليهم وإعلان بسفههم.
* ومن فوائد هذه الآية: إثبات الجزاء؛ لقوله: ﴿وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات أن النار مأوى الكافرين الذين أشركوا بالله، فنحن نشهد بأن كل كافر مشرك فمأواه النار، ولكن هل نشهد بهذا لعين الشخص؟
* طلبة: لا.
* الشيخ: لا نشهد له، ولكننا نقول: إننا نعامله في الدنيا معاملة الكافر، فمثلًا لو مات زعيم من زعماء الكفرة كزعيم الروس أو زعيم أمريكا أو ما أشبه ذلك، نحكم بأنه كافر، وأن كل كافر في النار ونحكم بأنه كافر فلا نصلي عليه ولا نكفنه ولا ندفنه مع المسلمين ولا ندعو له بالرحمة، لكن مسألة الجزاء هذا ندخله في العموم نقول: كل كافر فإنه في النار.
* ومن فوائد الآية الكريمة: ذم النار، ومثواها -والعياذ بالله- لقوله تعالى: ﴿وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾، وصدق الله عز وجل فإن أبأس دار وأقبح دار وأخبث دار هي النار، ولهذا استحقت هذا الوصف من الله عز وجل وهو قوله: ﴿وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾.
* طالب: شيخ، أحسن الله إليك، بعض الدكاتره يا شيخ (...) الصناعية قالوا: أن العقل في الدماغ وأن القلب الصناعي ما يعقل؟
* الشيخ: القلب الصناعي لا بد أنه يدخله مثلًا العروق ويحصل منه حركة، هذه الحركة يمكن أن نفسرها بأنها أمر من القلب يصدر، سواء (...) بشيء ثابت بِخِلْقة الله عز وجل أو بالصناعة.
* طالب: شيخ أحسن الله إليك ! لو مات أحد قادة الكفار اليوم لماذا لا نقول: إنه في النار مع العلم أن الله عز وجل يقول: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ [الأنفال ٥٠]؟
* الشيخ: صحيح، لكن هذا عام.
* الطالب: لكن هو مات على الكفر الآن يقول: إن الله ثالث ثلاثة ومشرك (...)، لماذا لا نقول: إن هذا يدخل النار؟
* الشيخ: ما نقول، المعين غير العموم، الآن لو مات واحد من الناس من المسلمين، ومات على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، هل نشهد له بالجنة؟
* الطالب: لا ما نشهد له بالجنة، لكن هذا -أحسن الله إليك- فيه احتمال أنه يعذب وفيه احتمال أنه يغفر له، لكن الكافر حتمًا أنه سيدخل النار؟
* الشيخ: لا، ما هو في الجنة، ولو بعد تعذيب.
* الطالب: هو سيدخل الجنة، كل مسلم سيدخل الجنة، حتمًا.
* الشيخ: بس كل مسلم، أحسنت، نقول أيضًا: كل كافر سيدخل النار، ولهذا قال: من عقيدة أهل السنة والجماعة أنا لا نشهد لمعين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله ﷺ. وزاد شيخ الإسلام رحمه الله: أو اتفقت الأمة على الثناء عليه، كالأئمة الأربعة مثلًا نشهد لهم بالجنة، لا لأن الرسول شهد لهم، ولكن لأن الأمة أثنت عليهم، وقد قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة ١٤٣]، «ولما مرت جنازة من عند الرسول عليه الصلاة والسلام وهو جالس في أصحابه فأَثْنَوا عليها خَيْرًا قال: «وَجَبَتْ». ثم مرت أخرى فَأَثْنَوْا عليها شَرًّا قال: «وَجَبَتْ». قالوا: وما وجبت؟ قال: «أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٦٤٢)، ومسلم (٩٤٩ / ٦٠) من حديث أنس بن مالك.]].
* طالب: شيخ، الحديث الذي ذكر فيه النبي ﷺ قال: حيثما مررت على قبر كافر فبشره بالنار، هذا ما يدل على جواز تبشير الكفار بأعيانهم إذا ظهر؟
* الشيخ: بس، وهذا لفظ الحديث ولَّا عيَّن؟
* طالب: أذكر هذا لفظ الحديث.
* الشيخ: لا، حرر لفظ هذا الحديث ونشوف.
* طالب: شيخ -أحسن الله إليك- المسلم ما نشهد له بالجنة؛ لأنه قد يكون كما قال النبي ﷺ:« «يَعْمَلُ فِيمَا يُرَى لِلنَّاسِ»، فأما الكافر يعني كافر..؟
* الشيخ: البخاري روى الحديث:« «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٤٢٠٧)، ومسلم (١١٢ / ١٢) من حديث سهل بن سعد.]] كلهم قال.
* الطالب: يا شيخ (...) التوحيد يا شيخ.
* الشيخ: ما نشهد لأحد معين، لكن يكفي أن نقول: الأصل في هذا أنه من أهل النار، الأصل في هذا الذي مات على الكفر أنه من أهل النار، هذا هو الأصل، لكن هل نجزم بالأصل؟ يجوز أنه في آخر لحظة من حياته ألقى الله في قلبه الإيمان.
* طالب: شيخ، هل ينفعهم هذا (...)؟
* الشيخ: إي نعم، نعم، إذا كان قد تاب ولم يحضره الموت فالله يتوب عليه، ما ندري، على كل حال لاحظوا يا إخوان؛ شهادتنا له بالنار لا توجب له النار، وعدم شهادتنا له بالنار لا تمنع عنه النار، إذن ما فائدتنا أن نلزم أنفسنا بالشهادة لهذا الشخص المعين بالنار؟ ويش الفائدة؟
* طالب: هذا -يا شيخ- الحديث ما يختص بالمسلمين، يعني يمكن أن المسلم يعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس..
* الشيخ: ما قال: المسلم.« «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ..». »
* طالب: يختص بالمسلم هذا؟
* الشيخ: لا، ما تخصص.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران ١٥٢].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله وتعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾. إلى آخره.
سبق لنا في الدرس الماضي ما يدل على إثبات الأسباب، من أين؟
* طالب: من قوله تعالى: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ﴾
* الشيخ: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ﴾ طيب. هل تعرف خلافًا للعلماء في تأثير الأسباب؟
* طالب: البعض يقول: إن الأسباب لازمة للأمور لا بد أن (...)الأسباب، والبعض يقول: لا، الأسباب ما لها دخل في الأمور.
* الشيخ: هذان قولان، الثالث؟
* الطالب: الثالث: يقولون: لا نقول (...) أن له تأثيرا (...).
* الشيخ: لا لا.
* طالب: أن لها تأثيرا لكن ليس بذاتها ولكن بما (...) الله فيها.
* الشيخ: نعم، إن لها تأثيرًا، لكن بتقدير الله عز وجل وليس بذاتها، تمام.
قوله: ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ هل يدل على أن هناك شركًا أنزل الله به سلطانًا؟
* طالب: هذه الآية نص على أن كل أنواع الشرك لا سلطان لها.
* الشيخ: إذن فالقيد لبيان؟
* الطالب: أن كل شرك ليس له سلطان.
* الشيخ: إي، لكن يسمي العلماء مثل هذا القيد؟
* طالب: لبيان الواقع.
* الشيخ: لبيان الواقع؛ أن كل شرك لا يمكن به أن يكون سلطان.
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ وهذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات:
المؤكد الأول: القسم المقدر لأن التقدير: والله لقد.
والثاني: اللام.
والثالث: قد. فهذه ثلاثة مؤكدات في هذه الجملة.
﴿صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ أي: أنجزه لكم.
وقوله: ﴿وَعْدَهُ﴾ منصوب بنزع الخافض؛ أي: صدقكم الله في وعده، أي: فيما وعدكم به من النصر؛ يقال: صدَقه ويقال: صدَّقه، وبينهما فرق؛ فإذا قيل: صدَقه يعني أخبره بالصدق، وإذا قيل: صدَّقه أي: قال: إنما أخبرتَ به صدق، فالتصديق من المخاطب للمتكلم، والصدق من المتكلم للمخاطب؛ فمعنى قوله تعالى: ﴿صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ أي: أنجز لكم الوعد فصار ما أخبركم به صدقًا.
قالوا: و(وعده) منصوب بنزع الخافض، والتقدير: في وعده، والنصب بنزع الخافض مطرد مع أنَّ وأنْ، وأما في غير هذا الموضع فليس بمطرد؛ قال ابن مالك في الألفية:
؎..وَفِي أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ ∗∗∗ مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوا
يعني: نزع الخافض يطرد مع أنَّ وأنْ بشرط أن يؤمن اللبس.
﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ أي: ما وعدكم به من النصر، ثم بَيَّن موضع هذا الصدق فقال: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ فـ(إِذْ) هنا ظرف متعلق بـ(صدق)، أي: صدقكم وعده حين حسستموهم بإذنه.
وقوله: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ مضارع عبر به عن شيء ماض على تقدير حكاية الحال؛ لأن القاعدة: أن يعبر عن الماضي بصيغة أيش؟ الماضي، فيقال: قام زيد، لكنه هنا عبر عن الماضي بصيغة الحاضر لحكاية الحال، لتقريب تصور الماضي في الذهن؛ لأن الماضي قد انقضى فربما يكون الإنسان ناسيًا له، فإذا صيغ بصيغة المضارع صار الماضي كأنه أيش؟ كأنه حاضر، وهذا ما يعبر عنه النحويون بـ(حكاية الحال)، حكاية الحال الماضي كأنها الآن واقعة من أجل أن يكون ذلك أقرب لحضورها في الذهن.
وقوله: ﴿تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ الحس: القتل أو أشد القتل، الحس: يعني القتل أو أشده؛ ﴿تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ أي: تقتلونهم أشد قتلة بإذن الله الكوني والشرعي؛ بإذنه الكوني؛ لأنه قد وقع، وكل شيء قد وقع فإن الله قد أذن به كونًا، وبإذنه الشرعي لأن الله تعالى قد شرع لنا أن نقاتل الكفار، فيكون قتلنا لهم مأذونًا فيه شرعًا، إذن في هذه الآية اجتمع الإذنان أيش؟ الكوني والشرعي.
وقوله: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ أي: تقتلونهم بإذنه، هذا نصر.
فإن قال قائل: وهل قُتِلَ أحد من الكفار في يوم أحد؟
فالجواب: نعم، قتل منهم أكثر من تسعة رجال، وانهزموا وفروا حتى رئي النساء ينطلقن يصعدن في الجبل مذعورات كاشفات الرؤوس حاسرات السيقان؛ لأنهن قد هربن حيث أيقن بالأسر، وكانت الغلبة والعزة في أول النهار للمسلمين.
ثم قال: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ﴾ إلى آخره؛ (حتى): قيل: إنها ابتدائية، وقيل: إنها للغاية، أي صدقكم وعده إذ تحسونهم بإذنه إلى أن فشلتم، وعلى هذا فتكون (إذا) غير شرطية يعني حتى وقت فشلكم، هذا وجه؛ معروف (حتى) للغاية، و﴿إِذَا فَشِلْتُمْ﴾ أي: حتى حين فشلتم؛ أي: أن صدق الوعد والحس استمر إلى أيش؟ إلى أن فشلتم ﴿فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾.
والوجه الثاني: أن (حتى) ابتدائية، فالجملة مستأنفة، وتكون (إذا) على هذا الوجه شرطية، وجوابها يذكر إن شاء الله.
﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾ (الفشل) معناه: الجبن والخور؛ أي: حتى إذا جبنتم وخرتم وعجزتم عن الانتصار.
﴿وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ المنازعة: المخاصمة والاختلاف.
وقوله: ﴿فِي الْأَمْرِ﴾ هل المراد بالأمر الشأن أو المراد بالأمر واحد الأوامر؟
على القول الأول يكون الأمر واحد الأمور، وعلى الثاني يكون الأمر واحد الأوامر؛ المعنى: ﴿وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ أي: في الشأن، أي: في شأنكم، أو في الأمر أي أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، ويكون الخطاب موجهًا إلى الرماة وكانوا خمسين رجلًا أمَّر عليهم النبي ﷺ عبدَ اللهِ بن جبير، وقال لهم: «لَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ»[[أخرجه البخاري (٣٠٣٩) من حديث البراء بن عازب.]]؛ ابقوا في الجبل سواء كانت لنا أو علينا، ولما رأوا المسلمين قد انتصروا وانهزم المشركون، وصار المسلمون يجمعون الغنائم، أرادوا النزول من الجبل، فنازعهم أميرهم وقال لهم: امكثوا اثبتوا. ولكنهم أصروا على النزول فنزل منهم أكثرهم، إذن يكون الأمر هنا واحد الأوامر، أي: تنازعتم في أمر الرسول ﷺ فمنكم من قال: نبقى امتثالًا لأمره، ومنكم من نزل اغتنامًا لكسب الغنيمة، أعرفتم الآن؟
والمعنيان متلازمان؛ لأنه لما اختلفوا في أمر الرسول تنازعوا في شأنهم تنازعوا في شأنهم؛ أي: في أمرهم.
﴿وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ وعصيتم مَنْ؟ عصيتم الرسول، لكن لم يذكر المفعول به كراهة لذكره حيث إنه يكون أشد وقعًا وتوبيخًا، وكأن الله عز وجل أراد أن يوبخهم بطريق لين، قال: ﴿عَصَيْتُمْ﴾، ما قال: الرسول، قال: ﴿عَصَيْتُمْ﴾ لأن هذا أهون مما لو صرح به، وقيل: وعصيتم الرسول، فإذا قيل: عصيتم الرسول صار أشد وقعًا في التوبيخ.
وقوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ﴾ (أراكم) مَنِ الفاعل؟ الله، يعني: من بعد ما أراكم رؤيا عين: ﴿مَا تُحِبُّونَ﴾ من النصر وهزيمة أعدائكم.
بقي علينا أن نقول: أين جواب الشرط على الوجه الثاني في (إذا): ﴿إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾؟
قال بعضهم: إن جواب الشرط: ﴿تَنَازَعْتُمْ﴾ حتى إذا فشلتم تنازعتم في الأمر وعصيتم، وعلى هذا تكون الواو زائدة.
وقال بعضهم: جواب الشرط: ﴿عَصَيْتُمْ﴾ أي: حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر عصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، وقال بعضهم: جواب الشرط محذوف تقديره: انقسمتم قسمين منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة، هذه ثلاثة أقوال، وقال بعضهم: محذوف تقديره: فاتكم النصر، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم إلى آخره؛ فاتكم النصر.
وقال بعضهم: الجواب محذوف قطعًا، والقول بأن الواو زائدة في: ﴿تَنَازَعْتُمْ﴾ وأنه هو جواب الشرط، أو في عصيتم وأنه جواب الشرط قول ضعيف؛ لأن الحرف هنا حرف جاء لمعنى، يفوت بفواته ما جاء من أجله، فالجواب إذن محذوف، وفائدة حذفه أن يذهب الذهن كل مذهب في تقديره، وكل شيء يقدَّر جوابًا لإذا لا ينافي المقدر الآخر فإنه صالح، وعلى هذا ممكن أن نقول: ﴿وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ فاتكم ما تحبون، أو فاتكم النصر، أو خذلتم، أو انقسمتم إلى قسمين، المهم أن كل هذه الاحتمالات صحيحة ولا تتنافى، فقد فاتهم النصر وانقسموا إلى قسمين وخذلوا، ولكن هذا من بلاغة القرآن؛ الحذف من أجل أن يكون أشمل وأكثر للمعنى.
ثم قال الله تعالى: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ (من) هنا تبعيضية؛ أي: بعضكم؛ بعضكم يريد الدنيا والبعض الآخر يريد الآخرة؛ فالذين نزلوا لجمع الغنائم ظاهر عليهم أنهم يريدون الدنيا، والذين ثبتوا ظاهر عليهم أنهم يريدون الآخرة، وهذا على سبيل المثال وإلا فالأمثلة كثيرة في الذين يريدون الدنيا والذين يريدون الآخرة، حتى في طلب العلم من الناس من يريد الدنيا ومن الناس من يريد الآخرة، من الناس من يريد الجاه والرفعة والسيادة لأن: ؎الْعِلْم يَرْفَعُ بَيْتًا لَا عِمَادَ لَهُ ∗∗∗ وَالْجَهْلُ يَهْدِمُ بَيْتَ الْعِزِّوَالشَّرَفِ
ومنهم من يريد الآخرة، أن يحفظ شريعة الله، وأن يعلم عباد الله، وأن يتعبد لله على بصيرة وما أشبه ذلك، فهذا حال الناس كلهم منهم من يريد الدنيا ومنهم من يريد الآخرة.
* * *
* طالب: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران ١٥٢، ١٥٣].
* الشيخ: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ هذه الجملة قلنا: إنها مؤكدة بمؤكدات؟
* طالب: (...) واو القسم المحذوف، واللام، وقد.
* الشيخ: أحسنت، قوله: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ﴾ ويش معنى الحس؟
* الطالب: الحس هو القتل أو أشد القتل.
* الشيخ: نعم، قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾ معنى فشلتم؟ ﴿فَشِلْتُمْ﴾ أيش معناها؟
* طالب: تنازعتم.
* الشيخ: كيف؟
* الطالب: جبنتم.
* الشيخ: جبنتم، إي نعم. أين جواب (إذا) في قوله: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾؟
* طالب: فيها أقوال يا شيخ؛ قيل: إنه: ﴿تَنَازَعْتُمْ﴾ والواو زائدة، وقيل: إنه: ﴿عَصَيْتُمْ﴾ وعلى هذا أيضًا الواو زائدة، وقيل: انقسمتم إلى قسمين: منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة، وقيل: فاتكم النصر، وقيل: هو محذوف على كل حال، وإنما حذف لأجل أن يذهب الذهن فيه كل مذهب.
* الشيخ: ويقدر كل تقدير.
* الطالب: وهذا هو الراجح.
* الشيخ: نعم، أحسنت.
قوله تعالى: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ﴾ (مَنْ) هنا؟
* طالب: تبعيضية.
* الشيخ: تبعيضية؛ يعني: بعضكم يريد الدنيا وبعضكم يريد الآخرة.
ما مثال الذي يريدون الدنيا؟
* طالب: الذي يريدون الدنيا هؤلاء الرماة الذين نزلوا من مكانهم..
* الشيخ: الذين نزلوا من المكان الذي جعلهم الرسول ﷺ فيه من أجل الغنائم. قوله: ﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ﴾ الهاء تعود على من؟
..يقول الله عز وجل: ﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ﴾ ثم أي بعد أن صدقكم الله وعده بِحَسِّهم أي بقتلهم صرفكم عنهم؛ يعني: بعد أن فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم صرفكم عنهم، وتأمل قوله: ﴿صَرَفَكُمْ﴾ فإن الصرف يقتضي إقبالًا شديدًا يعانى فيه المقبل حتى يصرف، كما تقول: صرفت الدابة عن العلف وما أشبه ذلك، فيفيد بأن المسلمين كانوا مقبلين جدًّا على هؤلاء الأعداء لكن صرفوا عنهم مع شدة رغبتهم في القضاء عليهم؛ لأنه كان لهم النصر في أول الأمر لكن صُرِفوا عنه.
وقوله: ﴿لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ أي: ليختبركم هل تعرفون قدر الطاعة لله ورسوله، ويتبين من يقدر هذا الأمر أو لا يقدره، والابتلاء في الأصل الاختبار والامتحان، ويكون في الخير ويكون في الشر؛ قال الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء ٣٥]: وقال سليمان لما رأى عرش بلقيس حاضرًا عنده مستقرًا عنده قال: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ [النمل ٤٠] فالخير ابتلاء والشر ابتلاء، الشر يُبْتَلَى به الإنسان ليصبر، والخير يبتلى به لأيش؟ ليشكر، فكله ابتلاء؛ ولهذا قال: ﴿لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾.
﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾ هذه الجملة أيضًا مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم المقدر لأن الأصل: ولقد أي: والله لقد، واللام، وقد؛ وإنما أكدت الجملة هنا والجملة هناك في قوله: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ﴾؛ لأنه قد يتبادر من الوقائع خلاف ذلك، فمثلًا الجملة الأولى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ قد يتبادر من كون الهزيمة في آخر الأمر على المسلمين أن الله لم يصدقهم وعده، فأكد ذلك بقوله: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ وهذا نصر.
والثانية: لما ابتلوا بهذه البلوى قد يتبادر إلى الذهن بأن الله سوف يعاقبهم على معصيتهم وتنازعهم وجبنهم فقال: ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾ فكان التأكيد هنا وفي أول الآية في غاية ما يكون من البلاغة؛ لأن المقام يقتضي أيش؟ يقتضي التأكيد.
وقوله: ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾ العفو بمعنى التجاوز، ويكون محمودًا ويكون مذمومًا، إذا كان مع القدرة فهو محمود، وعفو الله بلا شك مع القدرة، لأن الله قادر على أن ينتقم عز وجل، لكنه يعفو مع القدرة كما قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء ١٤٩]، ويكون مذمومًا إذا كان مصدره العجز، إذا كان مصدره العجز فهو مذموم لا يحمد عليه الإنسان؛ لأن هذا يدل على ضعفه وعدم أخذه لنفسه بالحق.
وقوله: ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾ يشمل كل من وقعت منهم المخالفة، وهذا من فضل الله عليهم.
ويجدر بنا هنا أن نذكر قصة عجيبة: «جاء رجل من الخوارج إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنه وهو مستظل في الكعبة، فوقف عليه بعد أن سأل عنه، فقال: من هذا؟ قالوا: هذا عبد الله بن عمر. فوقف عليه -وكان خارجيًّا- فسأله عن أمير المؤمنين عثمان؛ قال له: أما علمت أن عثمان بن عفان تخلف عن غزوة بدر؟ قال: بلى، تخلف. قال: أما علمت أنه فرَّ يوم أحد؟ قال: بلى، فر. قال: أما علمت أنه لم يبايع بيعة الرضوان؟ قال: بلى. قال الخارجي: الله أكبر»، كبر يعني على أنه انتصر؛ لأنه إنما سأل هذه الأسئلة الثلاثة ليقدح في عثمان رضي الله عنه، «فكبر الخارجي، لما كبر قال له: أما وقد فعلت فسأحدثك؛ أما تخلفه في غزوة بدر فإن النبي ﷺ أمره أن يبقى ليمرض ابنته -ابنة الرسول ﷺ كانت مريضة، رقية زوجة عثمان- فتخلف ليمرضها بأمر النبي ﷺ، وضرب له النبي ﷺ بسهمه وأجره»، إذن هل يلام على هذا؟ لا يلام، تخلف بأمر الرسول ليمرض بنت الرسول، والرسول ﷺ ضرب له بسهمه وأجره.
«وأما فراره في أحد فإن الله تعالى قال: » ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾، «بعد العفو هل يبقى أثر الذنب؟ لا».
«وأما تخلفه عن بيعة الرضوان فإنه لا يوجد أحد من بطون قريش أعز من البطن الذي منه عثمان لأن بطنه قوي في قريش، فلم ير النبي ﷺ أَحَدًا أحق بأن يبعثه إلى قريش من عثمان فبعثه إلى قريش ليفاوضهم، لأن له مكانة، ثم إن الرسول ﷺ لما بايع المؤمنين تحت الشجرة أخذ بيده الكريمة ووضعها على اليد الأخرى وقال: «هَذِهِ عَنْ يَدِ عُثْمَانَ»[[أخرجه البخاري (٣٦٩٨) من حديث ابن عمر.]] -الله أكبر- فكانت يد النبي عليه الصلاة والسلام خيرًا من يد عثمان لعثمان، أليس كذلك؟
سبحان الله من حصل له هذه؟ منقبة عظيمة، ثم قال: اذهب بها إلى قومك -أو كلمة نحوها-. يعني: أنت جئت تريد أن تقدح في أمير المؤمنين، وصار الآن القدح -ولله الحمد- مدحًا، فمثل هذه المسائل ينبغي للإنسان أنه ينتبه لبعض الناس، بعض الناس ربما يسأل سؤالًا ظاهره الاسترشاد، ولكن يكون معناه النقد، فإذا جاء به على هذا الوجه ألقم الناقد حجرًا، وصار هذا من فهمه.
يقال: إن واحدًا من الناس سأل أحد العلماء (...).
فليكن حذرًا، وعلى كل حال كل مقام له مقال؛ ليس المعنى أن نسيء الظن في كل واحد، لكن كل مقام له مقال، ابن عمر رضي الله عنه فهم من هذا الخارجي أنه يريد الطعن والقدح في عثمان فأجابه.
﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ﴾: ذو بمعنى صاحب، أي: صاحب فضل، ﴿عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ يعني وأنتم منهم، وأنتم منهم، ولذلك عفا عنكم، وهنا في الجملة إظهار في موضع الإضمار، إذ مقتضى السياق أن يقول: والله ذو فضل عليكم، وفائدته -أي فائدة الإظهار في مقام الإضمار- تقدمت لنا، وقلنا: إن فيه ثلاث فوائد، الإظهار في موضع الإضمار فيه ثلاث فوائد؟
* طالب: تعليق الحكم على الوصف المذكور (...).
* الشيخ: لا.
* طالب: الفائدة الأولى: التنبيه، لأن الكلام إذا كان على نسق واحد ربما يمل السمع، فإذا تغير انتبه من هذا الكلام.
* الشيخ: هذا في الالتفات.
* الطالب: الفائدة الأولى أن نقول: إن هذا هو العلة في الحكم لأنهم مؤمنون (...).
* الشيخ: الفائدة الأولى أولًا: التسجيل على محل الإضمار أو على مرجع الضمير بأنه من أهل هذا الوصف، يعني إثبات هذا الوصف لمرجع الضمير، فمثلًا: والله ذو فضل عليكم، إذا قال: على المؤمنين بدل (عليكم) أفاد بأنهم هم أيش؟ مؤمنون، هذه واحدة.
ثانيًا: العموم؛ لأنه لو قال: والله ذو فضل عليكم اختص الفضل بمرجع الضمير، فإذا قال: ﴿عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ شملهم وغيرهم.
الفائدة الثالثة ما أشار إليه الأخوان وهي: العلة، علة الحكم، الحكم كون الله ذا فضل، والعلة الإيمان، هنا في هذه الآية الأخيرة هذه تختلف باختلاف السياق، هذه فائدة الإظهار في موضع الإضمار.
أما هنا فهنا مناسبة لفظية، في الإظهار هنا في موضع الإضمار مناسبة لفظية وهي: تناسب رؤوس الآيات، لأنه لو قال: والله ذو فضل عليكم لم تتناسب مع ما بعدها ومع ما قبلها.
﴿وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ في هذه الآية الكريمة عدة فوائد:
* أولًا: أن الله سبحانه وتعالى قد نصر المؤمنين في أحد كما نصرهم في بدر، ودليله قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾.
* ثانيًا: أن من البلاغة أن يُؤَكَّد الخبر إذا كان الحال تقتضي ذلك، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ حيث كان فيه قسم وتوكيد باللام وقد.
* الفائدة الثالثة: شدة عزيمة الصحابة رضي الله عنهم في طلب العدو؛ لأنه قال: ﴿إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ والحس القتل أو أشده؛ يعني: كأنه يسمع له صوت عند القتل، وهكذا ينبغي للمسلمين أن يأتوا أعداءهم الحربِيِّين على شدة وغلظة كما قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ﴾ [النساء ١٠٤] يعني: لا تضعفوا في طلبهم ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ﴾ شوف تعزية للصحابة: ﴿لَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ﴾ وتزيدون عليهم: ﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾.
* ومن فوائد هذه الآية: أن النزاع والمعصية سبب لفوات كمال النصر؛ لأنه كان في أول الأمر انتصروا وقتلوا المشركين، لكن لما حدث هذا المانع امتنع أو انتفى كمال النصر.
* ومن فوائدها: أن مثل هذا الأمر النزاع والمعصية سبب للخذلان، من أين تؤخذ؟ من واقع الأمر؛ لأن قوله: ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ﴾ قلنا: إن جواب الشرط محذوف، والمعنى أنكم خسرتم هذا النصر وخذلتم، ومن قرأ الغزوة تبين له ما حصل للصحابة من الأمور العظيمة التي ستأتي إن شاء الله عند قوله: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المعصية بعد النعمة أشد من المعصية قبل النعمة؛ لقوله: ﴿وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ وإلا لكان يقول: وعصيتم فقط، لكن كون المعصية تقع بعد أن أراهم الله ما يحبون هذه أعظم، أعظم مما إذا لم يكن الله أراهم ما يحبون.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحث على اجتماع الكلمة، وجهه؟ أن النزاع سبب للخذلان، فيكون الاتفاق سبب للنصر، وهو كذلك؛ الاجتماع اجتماع الناس على كلمة واحدة لا شك أنه سبب للنصر، ولهذا ينبغي لطلبة العلم والعلماء أن لا يظهر خلافهم أمام العامة ونزاعهم، الآراء لا بد أن تكون، لكن كون كل واحد منهم يعيب على الآخر أن خالفه هذا خطر عظيم جدًّا؛ لأن العامة ترى بعد هذا النزاع أن لا تثق بواحد منهم، على أن العامة أيضًا سوف يتفرقون ويكون هذا مع هذا، وهذا مع هذا، فالنزاع لا شك أنه سبب للخذلان والفشل وتمزق الأمة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن المدار كله على ما في القلب؛ لقوله: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ وكأن هذا -والله أعلم- فيه إشارة إلى أن سبب الجبن والنزاع والمعصية سوء النية من بعض من كان فيهم؛ لأنه يمكن أن نجعل قوله: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾ أن نجعلها جملة استئنافية تعليلية لما حصل، ولا شك أن المدار كله على ما في القلب وأنه متى كان القلب صالحًا صلح العمل ومتى كان فاسدًا فسد العمل.
* ومن فوائد الآية: أنه قد يكون في خير القرون من يعاب عليه الفعل؛ لقوله: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا﴾ ولكن الصحابة رضي الله عنهم بخاصة لهم من الفضائل والسوابق والصحبة وما حصل من الآفات وغيرها ما يُكَفِّر ما حصل منهم، ولهذا للصحابة مزية على غيرهم، يعني المكفرات العامة لكل أحد مثل: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ هَمٍّ وَلَا غَمٍّ وَلَا أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٦٤٢)، ومسلم (٢٥٧٣ / ٥٢) من حديث أبي سعيد وأبي هريرة.]] هذه عامة لكل أحد، لكن للصحابة أشياء خاصة توجب محو ما حصل منهم من السيئات؛ ويدلك لهذا أن من أعظم المصائب وأكبر المعايب التجسس لحساب المشركين، ووقعت من حاطب رضي الله عنه، ولما استأذن عمر النبي ﷺ في قتله قال له النبي ﷺ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ وَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٠٠٧)، ومسلم (٢٤٩٤ / ١٦١) من حديث علي.]] مع أن هذه مصيبة عظيمة، التجسس لحساب الكفار يوجب القتل ولو كان الإنسان مسلمًا؛ لأن هذا من السعي في الأرض فسادًا، ولهذا لم يقل الرسول ﷺ: لا تقتله، لأنه مسلم. بل قال: لا تقتله، لأنه شهد بدرًا، وقد قال الله تعالى: «اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ». ولهذا كان القول الصحيح الذي لا شك فيه أن الجاسوس يقتل ولو كان مسلمًا، لو كان يصلي ليلًا ونهارًا فإنه يقتل. طيب
* من فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الأسباب؛ لقوله: ﴿ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ فإن سبب صرف الله هؤلاء عن الكفار ما حصل منهم من الفشل والتنازع والمعصية.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الحكمة في أفعال الله، فيكون في هذا رد على من؟ على الجهمية ونحوهم ممن ينكرون حكمة الله عز وجل ويقولون: إن الله يفعل لا لحكمة، ولكن لمجرد مشيئة، ونحن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى لا يفعل شيئًا ولا يشرع شيئًا إلا لحكمة، لكن مِنَ الحِكَمِ ما هو معلوم للبشر ومنه ما هو مجهول لا تبلغه العقول.
* ومن فوائد هذه الآية: أن ما حصل من المؤمنين من التنازع والفشل والمعصية وإرادة الدنيا كله محاه الله عز وجل، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾ عفا عنكم، إذن لا أثر له، وكما سمعتم في قصة الخارجي الذي جاء إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الفضل لله عز وجل عليهم وعلى غيرهم من المؤمنين، عرفتم؟ لقوله: ﴿وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾.
فإن قال قائل: وهل لله فضل على غير المؤمنين؟
فالجواب: نعم، له فضل على الناس: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة ٢٤٣]، و﴿اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة ٢٥١] على كل أحد، لكن الفضل نوعان: فضل خاص وفضل عام؛ فالخاص للمؤمنين، والعام للجميع، وإلا فكل أحد قد تفضل الله عليه بالصحة والعافية والطعام والشراب واللباس والأزواج والبنين وغير ذلك، لكن الفضل الخاص الذي يتصل بفضل الآخرة هذا للمؤمنين فقط، عرفتم يا إخوان؟ ﴿وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾.
{"ayahs_start":151,"ayahs":["سَنُلۡقِی فِی قُلُوبِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلرُّعۡبَ بِمَاۤ أَشۡرَكُوا۟ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ یُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَـٰنࣰاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِینَ","وَلَقَدۡ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۤ إِذۡ تَحُسُّونَهُم بِإِذۡنِهِۦۖ حَتَّىٰۤ إِذَا فَشِلۡتُمۡ وَتَنَـٰزَعۡتُمۡ فِی ٱلۡأَمۡرِ وَعَصَیۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَاۤ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَۚ مِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلدُّنۡیَا وَمِنكُم مَّن یُرِیدُ ٱلۡـَٔاخِرَةَۚ ثُمَّ صَرَفَكُمۡ عَنۡهُمۡ لِیَبۡتَلِیَكُمۡۖ وَلَقَدۡ عَفَا عَنكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"سَنُلۡقِی فِی قُلُوبِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلرُّعۡبَ بِمَاۤ أَشۡرَكُوا۟ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ یُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَـٰنࣰاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











